درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٤

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٤

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٣

اما النقلية فلما تقدم من استوائها بالنسبة الى كل من المشتبهين وابقائهما يوجب التنافى مع ادلة تحريم العناوين الواقعية وابقاء واحد على سبيل البدل غير جائز اذ بعد خروج كل منهما بالخصوص ليس الواحد لا بعينه فردا ثالثا يبقى تحت اصالة العموم واما العقل فلمنع استقلاله فى المقام بقبح مؤاخذة من ارتكب الحرام المردد بين الامرين بل الظاهر استقلال العقل فى المقام بعد عدم القبح المذكور بوجوب دفع الضرر اعنى العقاب المحتمل فى ارتكاب احدهما وبالجملة فالظاهر عدم التفكيك فى هذا المقام بين المخالفة القطعية والمخالفة الاحتمالية فاما ان يجوز الاولى واما ان يمتنع الثانية.

ـ على البدل من الشبهة المحصورة.

(فانه يقال) ان ابقاء المشتبهين تحت ادلة الحلية والبراءة بمعنى الحكم بحلية كل واحد منهما بخصوصه وبراءة الذمة عن وجوب الاجتناب عن كل واحد منهما يوجب التنافى بينهما وبين ادلة تحريم العناوين الواقعية لانها بعد ملاحظة حكم العقل فى الاشتغال اليقينى بترك الحرام الواقعى بالاحتياط والتحرز عن كلا المشتبهين حتى لا يقع فى محذور فعل الحرام تقتضى عدم جواز الارتكاب بشيء منهما فحينئذ بعد عدم جواز اهمال ادلة تحريم العناوين الواقعية لانه يستلزم خروج الحرام الواقعى عن كونه حراما يحمل ادلة الحلية والبراءة على الشبهة البدوية المجردة عن العلم الاجمالى.

(واما ابقاء واحد على سبيل البدل) تحت الادلة المذكورة فغير جائز اذ بعد خروج كل واحد من المشتبهين بالخصوص عن تحت ادلة الحلية والبراءة بمقتضى ادلة تحريم العناوين الواقعية والحكم بوجوب الاجتناب عن كل واحد منهما بخصوصه وعدم جواز الارتكاب بشيء منهما كذلك لا معنى لجواز ارتكاب

١٤١

ـ واحد لا بعينه وجعل الباقى بدلا عن الحرام اذ ليس الواحد لا بعينه فردا ثالثا يبقى تحت اصالة العموم المقتضية لجواز الارتكاب بعد خروج كل واحد منهما بخصوصه عن تحت العموم بمقتضى ادلة تحريم العناوين الواقعية لان عمومات الحلية انما تشتمل الافراد الخارجية وليس منها الواحد لا بعينه مع انه يستلزم استعمال اللفظ فى اكثر من معنى واحد على ما ذكره الشيخ قدس‌سره فيما سبق.

(وبالجملة) فالظاهر عدم التفكيك فى الشبهة المحصورة بين القول بحرمة المخالفة القطعية وبين القول بوجوب الموافقة القطعية اذ على القول بان العلم الاجمالى منجز للتكليف بنحو العليّة التامة لا وجه للتفصيل بينهما بان تحرم الاولى ولا تجب الثانية فكما لا يمكن الترخيص فى جميع الاطراف لما فيه من القطع بالمناقضة فكذلك لا يمكن الترخيص فى بعض الاطراف لما فيه من احتمال المناقضة وعليه فكما تحرم المخالفة القطعية فكذلك تجب الموافقة القطعية فتدبر جيدا.

١٤٢

(الثانى ان وجوب الاجتناب عن كل من المشتبهين هل هو بمعنى لزوم الاحتراز عنه حذرا من الوقوع فى المؤاخذة بمصادفة ما ارتكبه للحرام الواقعى فلا مؤاخذة الاعلى تقدير الوقوع فى الحرام او هو بمعنى لزوم الاحتراز عنه من حيث انه مشتبه فيستحق المؤاخذة بارتكاب احدهما ولو لم يصادف الحرام ولو ارتكبهما استحق عقابين فيه وجهان بل قولان اقواهما الاول لان حكم العقل بوجوب دفع الضرر بمعنى العقاب المحتمل بل المقطوع حكم ارشادى وكذا لو فرض امر الشارع بالاجتناب عن عقاب محتمل او مقطوع بقوله تحرز عن الوقوع فى معصية النهى عن الزنا لم يكن إلّا ارشاديا ولم يترتب على موافقته ومخالفته سوى خاصية نفس المأمور به وتركه كما هو شأن الطلب الارشادى والى هذا المعنى اشار صلوات الله عليه بقوله اتركوا ما لا بأس به حذرا عما به البأس وقوله عليه‌السلام من ارتكب الشبهات وقع فى المحرمات وهلك من حيث لا يعلم.

ـ (اقول) هذا العنوان خال عن الوجه بناء على مذاق الاصوليين حيث انهم اختلفوا فى اخبار الاحتياط على قولين فحملها بعضهم على الاستحباب والآخر على الارشاد وليس منهم من يقول بالوجوب الشرعى وحرمة الارتكاب باحد اطراف الشبهة ولو لم يصادف الحرام وعلى التقديرين لا وجه للالتزام بالوجوب الشرعى على مذاقهم.

(وقد تقدم البحث من تلك الجهة) فى التنبيه الثالث من تنبيهات البراءة حيث قال قدس‌سره انه لا اشكال فى رجحان الاحتياط عقلا ونقلا كما يستفاد من الاخبار المذكورة وغيرها ولكن هل الاوامر الشرعية للاستحباب فيثاب عليه وان لم يحصل به الاجتناب عن الحرام الواقعى او غيرى بمعنى كونه مطلوبا لاجل التحرز عن الهلكة المحتملة والاطمينان بعدم وقوعه فيها فيكون الامر به ارشاديا

١٤٣

ومن هنا ظهر انه لا فرق فى ذلك بين الاستناد فى وجوب الاجتناب الى حكم العقل وبين الاستناد فيه الى حكم الشرع بوجوب الاحتياط واما حكمهم بوجوب دفع الضرر المظنون شرعا واستحقاق العقاب على تركه وان لم يصادف الواقع فهو خارج عما نحن فيه لان الضرر الدنيوى ارتكابه مع العلم حرام شرعا والمفروض ان الظن فى باب الضرر طريق شرعى اليه فالمقدم مع الظن كالمقدم مع القطع مستحق للعقاب كما لو ظن سائر المحرمات بالظن المعتبر نعم لو شك فى هذا الضرر يرجع الى اصالة الاباحة وعدم الضرر لعدم استحالة ترخيص الشارع بالاقدام على الضرر الدنيوى المقطوع اذا كان فى الترخيص مصلحة اخروية فيجوز ترخيصه بالاقدام على المحتمل لمصلحة ولو كانت تسهيل الامر على المكلف بوكول الاقدام على ارادته وهذا بخلاف الضرر الاخروى فانه على تقدير ثبوته واقعا يقبح من الشارع الترخيص فيه نعم وجوب دفعه عقلى ولو مع الشك لكن لا يترتب على ترك دفعه إلّا نفسه على تقدير ثبوته واقعا حتى انه لو قطع به ثم لم يدفعه واتفق عدمه واقعا لم يعاقب عليه الامن باب التجرى وقد تقدم فى المقصد الاول المتكفل لبيان مسائل حجية القطع والكلام فيه سيجىء ايضا.

ـ لا يترتب على موافقته ومخالفته سوى الخاصية المترتبة على الفعل او الترك نظير اوامر الطبيب ونظير الامر بالاشهاد عند المعاملة لئلا يقع التنازع وجهان الى ان قال (ومن المعلوم) ان الامر باجتناب المحرمات فى هذه الاخبار اى اخبار الاحتياط ليس إلّا للارشاد لا يترتب على موافقتها ومخالفتها سوى الخاصية الموجودة فى المأمور به وهو الاجتناب عن الحرام او فوتها فكذلك الامر باجتناب الشبهة لا يترتب على موافقته سوى ما يترتب على نفس الاجتناب لو لم يأمر به الشارع

١٤٤

ـ بل فعله المكلف حذرا من الوقوع فى الحرام الى ان قال فراجع.

(نعم) العنوان المذكور يناسب على مذاق الاخباريين حيث انهم بين من يقول بالوجوب الشرعى وبين من يقول بالوجوب الارشادى كما هو المحكى عن الوحيد البهبهانى حيث نسب القول بالوجوب الشرعى الى بعض الاخباريين.

(وعليه) ان وجوب الاجتناب عن كل واحد من المشتبهين هل هو لاجل الفرار عن الوقوع فى المؤاخذة بمصادفة ما ارتكبه للحرام الواقعى فلا مؤاخذة الا على تقدير الوقوع فى الحرام او هو بمعنى لزوم الاحتراز عنه من حيث انه مشتبه فيستحق المؤاخذة بارتكاب احدهما ولو لم يصادف الحرام وجهان بل قولان اقواهما الاول لان حكم العقل بوجوب دفع الضرر حتى فى مقطوعه سواء كان دنيويا او اخرويا حكم ارشادى لا يؤثر مخالفته فى استحقاق العقوبة.

(واما حكم الشرع) به فان كان الضرر اخرويا كان الحكم بوجوب الدفع ارشاديا ولم يترتب على موافقته ومخالفته سوى خاصية نفس المأمور به كما هو شأن الطلب الارشادى واما ان كان الضرر دنيويا كان الحكم المذكور مولويا وان كان مستكشفا من حكم العقل الارشادى فى مورده.

(والسر) ان الحكم المولوى ما يستحق تاركه العقاب لمجرد مخالفته وهذا ثابت فى حكم الشارع بحرمة الضرر الدنيوى والنهى عنه واما حكمه بالاجتناب عن العقاب والضرر الاخروى فلا يوجب لتاركه عقابا آخر وإلّا لتسلسل.

(قوله ولو ارتكبهما استحق عقابين) اشارة الى ثمرة الخلاف بين القولين المذكورين فانها تظهر فى موردين احدهما ارتكاب غير المصادف للواقع فيستحق به العقاب على الثانى دون الاول والثانى ارتكابهما تدريجا فلا يستحق على الاول إلّا عقابا واحدا واما على الثانى فيستحق عقابين قيل وينضم اليهما عقاب ثالث من جهة مخالفة الواقع كما ان فى ارتكاب مشتبه واحد عقاب واحد لو لم يتفق مخالفة الواقع.

١٤٥

ـ (قوله واما حكمهم بوجوب دفع الضرر المظنون شرعا الخ) دفع لما ربما يقال من ان حكم العقل بوجوب دفع الضرر حتى مع القطع مطلقا وحكم الشرع فى الضرر الاخروى ارشادى لا يؤثر مخالفته فى استحقاق العقوبة الا على تقدير مصادفة ما ارتكبه للحرام الواقعى فاذا كان الامر بالنسبة الى الضرر المقطوع كذلك ولو كان ضررا اخرويا فما الوجه فى حكم الاصحاب باستحقاق العقاب على ترك دفع الضرر الدنيوى المظنون شرعا كما يظهر من حكمهم بالاتمام فى السفر المظنون الخطر من حيث كونه معصية.

(حاصل ما افاده قدس‌سره) فى الجواب عن الاشكال المذكور ان الاحكام الظاهرية والطرق المعتبرة ليست احكاما ارشادية وكما ان العقاب ثابت على مخالفة الاحكام الواقعية كذلك يكون ثابتا على مخالفة الاحكام الظاهرية والعقاب فى المثال المذكور لاجل ان الضرر الدنيوى حرام شرعا قد قامت الادلة النقلية على تحريم ارتكاب الضرر الدنيوى مع قطع النظر عن حكم العقل فان الضرر الدنيوى ليس كالضرر الاخروى فى عدم القابلية للحكم الشرعى المولوى فالضرر الدنيوى الواقعى اذا قطع به ترتب عليه الحرمة لاحراز الواقع واما اذا ظن به وقام الدليل على حجية الظن المتعلق به فيكون الظن بالضرر كالعلم به.

(إلّا ان العلم) طريق ذاتى والظن طريق جعلى فالضرر الدنيوى مبغوض عند الشارع وحرام بالحرمة النفسية وموضوع لانشائه حكم الحرمة عليه كسائر الموضوعات المحكومة شرعا بالحرمة وكما ان الشارع جعل طرقا اليها ويستحق المكلف العقوبة بترك العمل بها كخبر الواحد والبينة واليد وسوق المسلمين وغير ذلك من الامارات المجعولة بدلا عن الواقع فى صورة عدم العلم به كذلك جعل الظن بالضرر طريقا اليه بحيث يعاقب على ترك العمل بمقتضاه فالمقدم على الضرر المظنون كالمقدم على الضرر المقطوع مستحق للعقاب كما لو ظن سائر المحرمات بالظن المعتبر.

١٤٦

ـ (كما لو ظن بالبينة) ان هذا المائع خمر مثلا وبعد قيام البينة على كونه خمرا يكون من المحرمات الشرعية ومخالفة الظن يوجب استحقاق العقاب ولو لم يصادف الواقع ومثل البينة ساير الامارات الشرعية القائمة على الموضوعات الخارجية والحاصل ان حكمهم بالاتمام فى سلوك الطريق المظنون الخطر من حيث كونه معصية لاجل مخالفة الحكم الظاهرى فتأمل.

(قوله فهو خارج عما نحن فيه) لان البحث فى المقام عن الضرر الاخروى الذى لا يكون وجوب دفعه مطلقا قطعيا كان او ظنيا او احتماليا إلّا ارشاديا لا يؤثر مخالفته فى استحقاق العقوبة الا على تقدير مصادفة ما ارتكبه للحرام الواقعى.

(قوله نعم لو شك فى هذا الضرر يرجع الى اصالة الاباحة الخ) هذا فرق آخر بين الضرر الدنيوى والاخروى فان الاول يصلح لترخيص الشارع بالاقدام عليه وان كان مقطوعا اذا كان فى الترخيص مصلحة اخروية فحينئذ لا يستقل العقل بوجوب دفعه ولذا لا ينكر العقل امر الشارع بتسليم النفس للحدود والقصاص وتعريضها له فى الجهاد فانه حينئذ يكون كالكذب النافع صالحا لتبدل الحكم بواسطة عروض عنوان آخر فلو شك فيه يرجع الى اصالة الاباحة وعدم وجوب دفعه لعدم استحالة ترخيص الشارع بالاقدام عليه لمصلحة اخروية.

(ولو كانت) تسهيل الامر على المكلف بوكول الاقدام على ارادته بخلاف الضرر الاخروى فانه على تقدير ثبوته واقعا يقبح من الشارع الترخيص فيه نعم وجوب دفعه عقلى ولو مع الشك لكن لا يترتب على ترك دفعه الا نفسه على تقدير ثبوته واقعا حتى انه لو قطع به ثم لم يدفعه واتفق عدمه واقعا لم يعاقب عليه الا من باب التجرى وقد تقدم البحث تفصيلا عن استحقاق العقاب من حيث التجرى فى المقصد الاول المتكفل لبيان مسائل حجية القطع فراجع

١٤٧

(فان قلت) قد ذكر العدلية فى الاستدلال على وجوب شكر المنعم بان فى تركه احتمال المضرة وجعلوا ثمرة وجوب شكر المنعم وعدم وجوبه استحقاق العقاب على ترك الشكر لمن لم يبلغه دعوة نبى زمانه فيدل ذلك على استحقاق العقاب بمجرد ترك دفع الضرر الاخروى المحتمل (قلت) حكمهم باستحقاق العقاب على ترك الشكر بمجرد احتمال الضرر فى تركه لاجل مصادفة الاحتمال للواقع فان الشكر لما علمنا بوجوبه عند الشارع وترتب العقاب على تركه فاذا احتمل العاقل العقاب على تركه فان قلنا بحكومة العقل فى مسئلة دفع الضرر المحتمل صح عقاب تارك الشكر من اجل اتمام الحجة عليه بمخالفة عقله وإلّا فلا.

ـ (محصل الاشكال) ان قولكم الضرر الاخروى لا يترتب على ترك دفعه الا نفسه وتابع لواقعه لا يثبت بمجرد احتماله حتى انه لو قطع به ثم لم يدفعه واتفق عدمه واقعا لم يعاقب عليه الا من باب التجرى يخالف ما ذهب اليه العدلية فى مسئلة وجوب شكر المنعم من احتمال المضرة الاخروية فى تركه وجعلوا ثمرة وجوب شكر المنعم وعدم وجوبه استحقاق العقاب على ترك الشكر لمن لم يبلغه دعوة نبى زمانه فيدل ذلك على استحقاق العقاب بمجرد ترك دفع الضرر الاخروى المحتمل واما من بلغه دعوة نبى زمانه فوجب الشكر عليه بدعوة النبى لا بالعقل

(واعلم) ان مسئلة وجوب شكر المنعم مسئلة كلامية عنونها المتكلمون فى باب وجوب معرفة الصانع وهى من جملة المسائل التى اختلف فيها العدلية والاشاعرة ولا ريب ان النزاع بينهم بعد اتفاقهم على وجوب المعرفة فى ان الحاكم به هو العقل او الشرع خاصة.

(وقد استدل العدلية) على وجوب المعرفة باستقلال العقل بوجوب شكر المنعم المتوقف على معرفته بحيث يستحق تاركه الذم والعقاب وقد جعلوا ثمرة

١٤٨

فغرضهم ان ثمرة حكومة العقل بدفع الضرر المحتمل انما يظهر فى الضرر الثابت شرعا مع عدم العلم به من طريق الشرع لا ان الشخص يعاقب بمخالفة العقل وان لم يكن ضرر فى الواقع وقد تقدم فى بعض مسائل الشبهة التحريمية شطر من الكلام فى ذلك وقد يتمسك لاثبات الحرمة فى المقام بكونه تجريا فيكون قبيحا عقلا فيحرم شرعا وقد تقدم فى فروع حجية العلم الكلام على حرمة التجرى حتى مع القطع بالحرمة اذا كان مخالفا للواقع كما افتى به فى التذكرة فيما اذا اعتقد ضيق الوقت فأخر وانكشف بقاء الوقت وان تردد فى النهاية واضعف من ذلك التمسك بالادلة الشرعية الدالة على الاحتياط لما تقدم من ان الظاهر من مادة الاحتياط التحرز عن الوقوع فى الحرام كما يوضح ذلك النبويان السابقان وقولهم صلوات الله عليهم ان الوقوف عند الشبهة اولى من الاقتحام فى الهلكة.

ـ حكومة العقل بذلك استحقاق العقوبة على ترك الشكر المفضى الى ترك المعرفة مضافا الى ان حكم العقل بوجوب الشكر نظير حكمه بوجوب الاجتناب عن بعض اطراف الشبهة المحصورة فى مفروض البحث فيكشف ذلك عن ثبوت الاستحقاق على مخالفته من حيث هى.

(فمقتضى) كلامهم ان هذه المسألة من المستقلات العقلية كسائر المستقلات التى يكفى العقل لاتمام الحجة بالنسبة اليها ولا يجرى الاصل بالنسبة اليها بناء على ان مورده عدم البيان والبيان العقلى بيان بالنسبة الى المستقلات العقلية ولذا ذكروا ان عموم قوله تعالى (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ) الآية يخصص بها.

(واما الاشاعرة) فانكرت الوجوب العقلى فى هذه المسألة اما لان العقل لا يدرك شيئا اصلا من الحسن والقبح فانهم منكرون حكومة العقل كلية من حيث كون الحسن والقبح عندهم شرعيا لا عقليا واما لانه لا حكم له فى

١٤٩

ـ خصوص هذه المسألة وانه لا يحكم بوجوب اللطف على الله تعالى بحيث يقبح تركه ولا يحكم بوجوب الشكر على العبد بحيث يستحق العقاب على تركه وذهبوا الى انه لو ثبت عقاب على ترك الشكر كان لاجل مخالفة حكم الشرع بذلك (وبالجملة) ان الجميع معترفون باستحقاق تارك الشكر للعقاب بمجرد الالتفات والاحتمال بمعنى انه اذا قطع بعدم وجوب الشكر او لم يلتفت اليه اصلا فهو معذور غير مكلف بشيء لا عقلا ولا شرعا اما مع الالتفات وعدم القطع بالخلاف فمكلف بالشكر ولا يتم إلّا بالمعرفة إلّا ان الخلاف بينهم فيما عرفت من ان الحاكم هو العقل او الشرع هذا ملخص ما ذكره المحققون فى هذه المسألة والبحث عنها تفصيلا فى علم الكلام فراجع.

(قوله قلت حكمهم باستحقاق العقاب الخ) حاصل الجواب ان حكمهم باستحقاق العقاب على ترك الشكر انما هو لاجل مصادفة احتمال الضرر للواقع لا على مخالفة الواقع فيما صادفه الحكم العقلى الارشادى فانه غير منكر فى المقام فاذا علمنا بوجوب الشكر وترتب العقاب على تركه فحينئذ اذا احتمل العاقل العقاب على تركه فان قلنا بحكومة العقل كما هو الحق عند العدلية صح عقاب تارك الشكر من اجل اتمام الحجة عليه من جهة دلالة عقله على ذلك وان لم نقل بحكومته كما عليه الاشاعرة لانكارهم اصل حكومة العقل لم يجز للشارع على مذاقهم مؤاخذته على ترك الشكر فهذه ثمرة حكومة العقل فى مقابل عدمها.

(قوله وقد يتمسك لاثبات الحرمة الخ) قد يتوهم ثبوت العقاب بارتكاب احد المشتبهين ولو لم يصادف الحرام بالتمسك بكونه تجريا فيكون قبيحا عقلا فيحرم شرعا وقد تقدم فى المقصد الاول المتكفل لبيان مسائل حجية القطع ان القاطع لا يحتاج فى العمل بقطعه الى ازيد من الادلة المثبتة لاحكام مقطوعه فاذا قطع بكون شىء خمرا وقام الدليل على كون الخمر فى نفسها هى الحرمة فيقطع بحرمة ذلك الشيء.

١٥٠

ـ (لكن الكلام) فى ان قطعه هذا هل هو حجة عليه من الشارع وان كان مخالفا للواقع فى علم الله تعالى فيعاقب على مخالفته او انه حجة عليه اذا صادف الواقع بمعنى انه لو شرب الخمر الواقعى عالما عوقب عليه فى مقابل من شربها جاهلا لا انه يعاقب على شرب ما قطع بكونه خمرا وان لم يكن خمرا فى الواقع ظاهر كلماتهم فى بعض المقامات الاتفاق على الاول كما يظهر من دعوى جماعة الاجماع على ان ظان ضيق الوقت اذا أخر الصلاة عصى وان انكشف بقاء الوقت فان تعبيرهم بظن ضيق الوقت لبيان ادنى فردى الرجحان فيشمل القطع بالضيق (نعم) حكى عن النهاية وشيخنا البهائى التوقف فى العصيان بل فى التذكرة لو ظن ضيق الوقت عصى لو أخر ان استمر الظن وان انكشف خلافه فالوجه عدم العصيان انتهى.

(قوله واضعف من ذلك التمسك الخ) يعنى اضعف من التوهم المذكور التمسك لاثبات الحرمة بارتكاب احد المشتبهين ولو لم يصادف الحرام بالادلة الشرعية الدالة على الاحتياط لما تقدم فى اصل البراءة فى جواب الاخباريين الذين استدلوا ببعض الاخبار على وجوب الاحتياط فى الشبهة التحريمية البدوية من ان الظاهر من مادة الاحتياط بمقتضى دلالة لفظه وافادة ادلته هو التحرز عن الحرام الواقعى.

(فيكون وجوب الاحتياط) بملاحظة المادة ارشاديّا غير موجب للعقاب الا على مخالفة الواقع كما يوضح ذلك النبويان السابقان وهما قوله صلوات الله عليه اتركوا ما لا بأس به حذرا عما به البأس وقوله من ارتكب الشبهات وقع فى المحرمات وهلك من حيث لا يعلم.

١٥١

(الثالث) ان وجوب الاجتناب عن كلا المشتبهين انما هو مع تنجز التكليف بالحرام الواقعى على كل تقدير بان يكون كل منهما بحيث لو فرض القطع بكونه الحرام كان التكليف منجزا بالاجتناب فلو لم يكن كذلك بان لم يكلف به اصلا كما لو علم بوقوع قطرة من البول فى احد اناءين احدهما بول او متنجس بالبول او كثير لا ينفعل بالنجاسة او احد ثوبين احدهما نجس بتمامه لم يجب الاجتناب عن الآخر لعدم العلم بحدوث التكليف بالاجتناب عن ملاقى هذه القطرة اذ لو كان ملاقيها هو الاناء النجس لم يحدث بسببه تكليف بالاجتناب اصلا فالشك فى التكليف بالاجتناب عن الآخر شك فى اصل التكليف لا المكلف به.

ـ (توضيح المقام) انه يشترط فى وجوب الاجتناب فى الشبهة المحصورة ان يتنجز التكليف فيها بالحرام الواقعى على كل تقدير وذلك لان وجوب الاجتناب عن اطرافها ليس إلّا من باب المقدمة والتوصل الى الاجتناب عن الحرام الواقعى وهو انما يتم اذا كان التكليف بالحرام الواقعى منجزا ومخاطبا بالاجتناب عنه اذ وجوب المقدمة فرع وجوب ذيها ولا نعنى بتنجز التكليف بالحرام الواقعى الا هذا وهذا بخلاف ما لو علم بوقوع قطرة من البول فى احد الإناءين احدهما بول او متنجس بالبول او كثير لا ينفعل بالنجاسة فان العلم الاجمالى فى هذا الفرض لا يوجب تنجز التكليف على كل تقدير اذ على تقدير وقوعها فى بول او متنجس بالبول لا يوجب حدوث التكليف وتنجزه بالنسبة الى الآخر.

(وكيف كان) محصّل ما تعرض له الشيخ قدس‌سره فى هذا التنبيه الثالث انه يعتبر فى تأثير العلم الاجمالى فى التنجيز ان لا يكون احد اطراف العلم الاجمالى مما لا اثر له على نحو لو كان المعلوم بالاجمال فى جانبه لم يترتب عليه اثر شرعى ولم يحدث بسببه تكليف الهى.

١٥٢

وكذا لو كان التكليف فى احدهما معلوما لكن لا على وجه التنجز بل معلقا على تمكن المكلف منه فان ما لا يتمكن المكلف من ارتكابه لا يكلف منجزا بالاجتناب عنه كما لو علم وقوع النجاسة فى احد شيئين لا يتمكن المكلف من ارتكاب واحد معين منهما فلا يجب الاجتناب عن الآخر لان الشك فى اصل تنجز التكليف لا فى المكلف به منجزا وكذا لو كان ارتكاب الواحد المعين ممكنا عقلا لكن المكلف اجنبى عنه وغير مبتلى به بحسب حاله كما اذا تردد النجس بين انائه وبين اناء الآخر لا دخل للمكلف فيه اصلا فان التكليف بالاجتناب عن هذا الاناء الآخر المتمكن عقلا غير منجز عرفا ولهذا لا يحسن التكليف المنجز بالاجتناب عن الطعام او الثوب الذى ليس من شأن المكلف الابتلاء به نعم يحسن الامر بالاجتناب عنه مقيدا بقوله اذا اتفق لك الابتلاء بذلك بعارية او بملك او اباحة فاجتنب عنه.

ـ (وقد مثل له) بما اذا علم اجمالا بوقوع قطرة من البول فى احد اناءين احدهما بول او متنجس بالبول او كثير لا ينفعل بالنجاسة او احد ثوبين احدهما نجس بتمامه لم يجب الاجتناب عن الآخر لعدم العلم بحدوث التكليف بالاجتناب عن ملاقى هذه القطرة اذ لو كان ملاقيها هو الاناء النجس لم يحدث بسببه تكليف بالاجتناب اصلا فالشك فى التكليف بالاجتناب عن الآخر شك فى اصل التكليف لا المكلف به.

(وهكذا) يعتبر فى تأثير العلم الاجمالى فى التنجيز ان لا يكون احد اطراف العلم الاجمالى خارجا عن تحت قدرة المكلف على نحو لو كان المعلوم بالاجمال فى جانبه لم يصح تعلق التكليف به (وقد مثل له) بما اذا علم اجمالا وقوع النجاسة فى احد شيئين لا يتمكن

١٥٣

ـ المكلف من ارتكاب واحد معين منهما كما اذا علم بوقوع النجاسة فى اناء زيد او اناء احد من اهل هند قد اذهبه الى بلده ولا يصل يد زيد اليه فلا يجب عليه الاجتناب عن انائه لان الشك فى اصل تنجز التكليف لا فى المكلف به فلا مانع من اجراء اصالة البراءة فى الفرض المذكور لكون المورد شكافى التكليف من غير بيان.

(وهكذا) يعتبر فى تأثير العلم الاجمالى فى التنجيز ان لا يكون احد اطراف العلم الاجمالى خارجا عن تحت ابتلاء المكلف وان كان تحت قدرته عقلا وعادة على نحو لو كان المعلوم بالاجمال فى جانبه كان النهى عنه مستهجنا عرفا فانه متروك بنفسه لا ينقدح فى نفس المكلف داع اليه بعد فرض خروجه عن تحت ابتلائه فلا حاجة الى نهيه وزجره.

(وقد مثل له) بما اذا تردد النجس بين انائه واناء آخر لا دخل للمكلف فيه اصلا ولهذا لا يحسن التكليف المنجز بالاجتناب عن طعام السلطان او ثيابه الذى ليس من شأن المكلف الابتلاء به ففى الفرض المذكور كان التكليف بالنسبة الى الفرد المبتلى به غير منجز ايضا لان الشك فيه يرجع الى الشك فى التكليف فيجرى فيه اصالة البراءة نعم يحسن الامر بالاجتناب عنه مقيدا بقوله اذا اتفق لك الابتلاء بذلك بعارية او بملك او اباحة فاجتنب عنه

(ولم يفرق المحقق الخراسانى) فى هامش الكفاية بين الشبهة الوجوبية والتحريمية بدعوى ان ما ذكر من الملاك لصحة التكليف التحريمى وهو امكان تعلق ارادة المكلف بالفعل عادة جار فى التكليف الوجوبى ايضا اذ يعتبر فى صحة امكان تعلق ارادة المكلف بالترك عادة وعليه فيعتبر فى تنجيز العلم الاجمالى فى الشبهة الوجوبية ان لا يكون بعض الاطراف مما يوجد بطبعه فى الخارج.

(واورد عليه المحقق النائينى) بان متعلق التكاليف الوجوبية لما كان هو الفعل وهو يستند الى الاختيار حتى اذا كان مفروض التحقق عادة ولو

١٥٤

ـ لم يكن ايجاب مولوى صح تعلق التكليف به ولا يكون ذلك من التكليف المستهجن وهذا بخلاف متعلق التكاليف التحريمية فانه الترك فاذا كان حاصلا بنفسه عادة من غير دخل لاختيار المكلف فيه يكون النهى عنه مستهجنا ثم افاد بعد ذلك ان الميزان فى صحة التكليف انما هو امكان داعويته او زاجريته لا فعلية ذلك فكل فعل او ترك يستند الى اختيار المكلف يصح تعلق التكليف به ولو كان ذلك حاصلا عادة.

(اقول) ما افاده المحقق النائينى من الميزان لا يخلو من المتانة وقد ثبت فى الشريعة المقدسة تحريم الزنا بالامهات وتحريم اكل بعض القاذورات ونحوها مما لا يرغب فيه الانسان بطبعه مع قطع النظر عن تحريمه والسر فى صحة التكليف فى هذه الموارد ان الترك فيها مستند الى اختيار المكلف فلا يقبح التكليف به وفى المقام بحث طويل لا يسعه هذا المختصر.

١٥٥

(والحاصل) ان النواهى المطلوب فيها حمل المكلف على الترك مختصة بحكم العقل والعرف بمن يعد مبتلى بالواقعة المنهى عنها ولذا يعد خطاب غيره بالترك مستهجنا الاعلى وجه التقييد بصورة الابتلاء ولعل السر فى ذلك ان غير المبتلى تارك للمنهى عنه بنفس عدم الابتلاء فلا حاجة الى نهيه فعند الاشتباه لا يعلم المكلف بتنجز التكليف بالاجتناب عن الحرام الواقعى وهذا باب واسع ينحل به الاشكال عما علم من عدم وجوب الاجتناب عن الشبهة المحصورة فى مواقع.

ـ (اقول) مما يعتبر فى تأثير العلم الاجمالى امكان الابتلاء بكل واحد من الاطراف فلا اثر للعلم الاجمالى اذا كان بعض اطرافه خارجا عن مورد الابتلاء(توضيح ذلك) ان المطلوب فى باب النواهى مجرد الترك واستمرار العدم كما ان المطلوب فى باب الاوامر هو مجرد الفعل ولا اشكال فى اعتبار القدرة العقلية على كل من طرفى الفعل والترك فى صحة كل من الامر والنهى وإلّا لزم التكليف بما لا يطاق او بتحصيل الحاصل ففى اعتبار القدرة العقلية يشترك الامر والنهى (ولكن) يختص النهى بقيد زائد وهو انه يعتبر فى صحته مضافا الى القدرة العقلية على فعل المنهى عنه القدرة العادية عليه بحيث يتمكن المكلف عادة من نقض العدم وفعل المنهى عنه ولا يكفى فى صحة النهى مجردة القدرة العقلية على الفعل لاستهجان التكليف بترك ما لا يقدر على فعله فان الترك حاصل بنفسه فلا يصح النهى المطلق عن شرب الخمر الموجود فى اقصى بلاد الهند مع عدم امكان الابتلاء به عادة نعم يصح النهى عنه مقيدا بصورة حصول القدرة العادية ولو على خلاف العادة.

(قال بعض المحققين) فى المقام انما زيد هذا القيد اى اعتبار القدرة العادية فى خصوص النواهى ولم يعتبر فى الا وامر التمكن العادى من العقل

١٥٦

مثل ما اذا علم اجمالا بوقوع النجاسة فى انائه او فى موضع من الارض التى لا يبتلى بها المكلف عادة او بوقوع النجاسة فى ثوبه او ثوب الغير فان الثوبين لكل منهما من باب الشبهة المحصورة مع عدم وجوب اجتنابهما فاذا اجرى احدهما فى ثوبه اصالة الحل والطهارة لم يعارض بجريانهما فى ثوب غيره اذ لا يترتب على هذا المعارض ثمرة عملية للمكلف يلزم من ترتبها مع العمل بذلك الاصل طرح تكليف منجز بالامر المعلوم اجمالا ألا ترى ان زوجة شخص لو شكت فى انها هى المطلقة او غيرها من ضراتها جاز لها ترتيب احكام الزوجية على نفسها ولو شك الزوج هذا الشك لم يجز له النظر الى إحداهما وليس ذلك إلّا لان اصالة عدم تطليقه كلا منهما متعارضان فى حق الزوج بخلاف الزوجة فان اصالة عدم تطلق ضرتها لا يثمر لها ثمرة عملية نعم لو اتفق ترتب تكليف على زوجية ضرتها دخلت فى الشبهة المحصورة ومثل ذلك كثير فى الغاية.

ـ مضافا الى التمكن العقلى لان الامر بالفعل انما يكون لاجل اشتمال الفعل على مصلحة لازمة الاستيفاء فى عالم التشريع ولا يقبح من المولى التكليف بإيجاد ما اشتمل على المصلحة باى وجه امكن ولو بتحصيل الاسباب البعيدة الخارجة عن القدرة العادية مع التمكن العقلى من تحصيلها.

(نعم للمولى من باب التفضل والتوسعة) عدم الامر بالفعل الذى يلزم منه العسر والحرج إلّا ان ذلك امر آخر غير قبح التكليف واستهجانه فلا يتوقف صحة الامر بالفعل على ازيد من التمكن العقلى من ايجاده واما النهى عن الفعل فلا يصح مع عدم التمكن العادى من ايجاد المنهى عنه لان الغرض من النهى ليس إلّا عدم حصول ما اشتمل على المفسدة ومع عدم التمكن العادى من فعل المنهى

١٥٧

ـ عنه لا يكاد تحصل المفسدة فلا موجب للنهى عنه بل لا يمكن لاستهجانه عرفا انتهى

(والحاصل) ان العلم الاجمالى انما يكون مؤثرا اذا كان المعلوم بالاجمال مما يصح النهى عنه فى اى طرف كان حتى يعلم بالتكليف على كل تقدير ومع خروج بعض الاطراف عن مورد الابتلاء لا علم بالتكليف على كل تقدير لاحتمال ان يكون متعلق التكليف هو الخارج عن مورد الابتلاء فلا يجرى فيه الاصل النافى للتكليف لانه لا يترتب عليه اثر عملى ويبقى الطرف الآخر الذى يمكن الابتلاء به جاريا فيه الاصل بلا معارض.

(وبعبارة اخرى) ان غير المبتلى تارك للمنهى عنه بنفس عدم الابتلاء فلا حاجة الى نهيه فعند الاشتباه اى عند اشتباه التكليف وترديده بين الطرف المبتلى به والطرف الغير المبتلى به لا يعلم المكلف بتنجز التكليف بالاجتناب عن الحرام الواقعى.

(وهذا باب واسع ينحل به الاشكال) غرضه قدس‌سره ان العلم الاجمالى بوجود الحرام فى الشبهة المحصورة ليس مما يوجب التكليف والزام المكلف عليه مطلقا حتى فى غير مبتلى به المكلف فحينئذ ما افاده قدس‌سره من عدم وجوب الاحتياط فى الامثلة المذكورة مع ان المشهور بين الفقهاء وجوب الاحتياط فى الشبهة المحصورة ليس إلا خروج بعض اطراف العلم الاجمالى عن محل الابتلاء وبهذا ينحل الاشكال الذى حصل لبعض الاصحاب وحكموا بعدم وجوب الاجتناب فى الشبهة المحصورة بملاحظة الموارد المذكورة باعتبار عدم حكم الاصحاب بوجوب الاجتناب فيها.

(قال فى بحر الفوائد) مثل ما ذكره فى الكتاب من الامثلة ما هو محل ابتلاء الغالب فى الشتاء من وقوع طين السوق او الطريق على لباس الشخص او بدنه مع حصول العلم الاجمالى بنجاسة بعض ما فيهما على وجه ينتهى الى الشبهة المحصورة قطعا فان محل ابتلاء المكلف خصوص ما وقع فى لباسه

١٥٨

ـ او بدنه واما الموجود فى ارض السوق والطريق فهو خارج عن محل ابتلائه فلا مانع من الرجوع الى اصالة الطهارة بالنسبة الى ما وقع على بدنه ولباسه فيجوز له الصلاة فى تلك الحال من دون ازالة الطين فضلا عن تطهير البدن انتهى فتأمل فى كلامه.

(قوله ألا ترى ان زوجة شخص الخ) لا يخفى عليك ان خروج هذا المثال عن المقام ليس من جهة كون بعض الاطراف خارجا عن محل الابتلاء بل من جهة ان محل الكلام فى الشبهة المحصورة انما هو ما اذا حصل العلم الاجمالى لمكلف واحد وشك فى شيئين والمكلف هنا ليس واحدا بل متعددا فانه نظير واجدى المنى فى الثوب المشترك يكون الشك فيه بالنسبة الى كل منهما بدويا فيكون المرجع هو البراءة لان الاصل فى حق كل واحدة من الزوجتين سليم عن المعارض.

(هذا بخلاف الزوج) فان تكليفه بالنسبة اليهما واحد وكان كل واحدة منهما محل ابتلائه فالاصل فى حقه يثمر ثمرة عملية فلم يجز له النظر الى إحداهما وليس ذلك إلّا لان اصالة عدم تطليقه كلا منهما متعارضان فى حق الزوج بخلاف الزوجة فان اصالة عدم تطلق ضرتها لا يثمر لها ثمرة عملية نعم لو اتفق ترتب تكليف على زوجية ضرتها دخلت فى الشبهة المحصورة كما اذا ارادت استيهاب حق مضاجعتها او شراء حقها من النفقة والكسوة وغير ذلك.

(ومثل ذلك) كثير فى الغاية كمسألة واجدى المنى فى الثوب المشترك بينهما بجنابة واحد منهما لا على التعيين الى غير ذلك فراجع الى بحر الفوائد فانه قدس‌سره قد ذكر عدة من امثلة المقام وتعرض لبحث نفيس ليس هذا المختصر موضع تقله فراجع اليه.

١٥٩

(ومما ذكرنا) يندفع ما تقدم من صاحب المدارك من الاستنهاض على ما اختاره من عدم وجوب الاجتناب فى الشبهة المحصورة مما يستفاد من الاصحاب من عدم وجوب الاجتناب عن الاناء الذى علم بوقوع النجاسة فيه وفى خارجه اذ لا يخفى ان خارج الاناء سواء كان ظهره او الارض القريبة منه ليس مما يبتلى به المكلف عادة ولو فرض كون الخارج مما يسجد عليه المكلف التزمنا بوجوب الاجتناب عنهما للعلم الاجمالى بالتكليف المردد بين حرمة الوضوء بالماء النجس وحرمة السجدة على الارض النجسة ويؤيد ما ذكرنا صحيحة على بن جعفر عن اخيه عليه‌السلام الواردة فيمن رعف فامتخط فصار الدم قطعا صغارا فاصاب انائه هل يصلح الوضوء منه فقال ع ان لم يكن شيء يستبين فى الماء فلا باس به وان كان شيئا بينا فلا حيث استدل به الشيخ على العفو عما لا يدركه الطرف من الدم وحملها المشهور على ان اصابة الاناء لا يستلزم اصابة الماء فالمراد انه مع عدم تبين شيء فى الماء يحكم بطهارته ومعلوم ان ظهر الاناء وباطنه الحاوى للماء من الشبهة المحصورة.

ـ (يعنى) مما ذكرنا من ان وجوب الاجتناب عن اطراف الشبهة المحصورة مختص بحكم العقل والعرف بكونها محل الابتلاء يندفع ما تقدم من صاحب المدارك من اختياره عدم وجوب الاجتناب فى الشبهة المحصورة وايده بقوله ان المستفاد من قواعد الاصحاب انه لو تعلق الشك بوقوع النجاسة فى الاناء وخارجه لم يمنع من استعماله ثم قال وهو مؤيد لما ذكرنا.

(ولم يتوجه) الى ان خارج الاناء سواء كان ظهره او الارض القريبة منه ليس مما يبتلى به المكلف عادة فحينئذ لا يوجب العلم الاجمالى تنجز التكليف وفعلية الخطاب.

(نعم) لو فرضنا كون الخارج مما يسجد عليه المكلف التزمنا بوجوب

١٦٠