درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٤

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٤

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٣

ـ الاجتناب عنهما للعلم الاجمالى بالتكليف المردد بين حرمة الوضوء بالماء النجس وحرمة السجدة على الارض النجسة.

(ويؤيد ما ذكرنا الخ) من ان وجوب الاجتناب عن اطراف الشبهة المحصورة مختص بكونها محل الابتلاء للمكلف صحيحة علىّ بن جعفر عن اخيه ابى الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام قال سألته عن رجل رعف فامتخط فصار بعض ذلك الدم قطعا صغارا فاصاب انائه هل يصلح له الوضوء منه فقال عليه‌السلام ان لم يكن شيئا يستبين فى الماء فلا بأس وان كان شيئا بيّنا فلا تتوضأ منه الخبر والرواية لا اشكال فى سندها وانما الكلام فى دلالتها ومفادها وقد احتمل فيها وجوه.

(الاول) ما عن شيخنا الانصارى قدس‌سره من حمله الرواية على الشبهة المحصورة وموارد العلم الاجمالى بوقوع قطرة من الدم فى شيء ولا يدرى انه داخل الاناء اعنى الماء او انه خارجه وبما ان احد طرفى العلم وهو خارج الاناء خارج عن محل الابتلاء فالعلم المذكور كلا علم ومن هنا حكم عليه‌السلام بعدم نجاسة ماء الاناء.

(الثانى) ما ذكره الشيخ الطوسى قده من حمله الرواية على الماء الموجود فى الاناء والتفصيل فى نجاسته بين ما اذا كان ما وقع فيه من الدم بمقدار يستبين فى الماء فينفعل وما اذا لم يكن بمقدار يستبين فلا ينفعل.

(الثالث) ما احتمله صاحب الوسائل من حمله الرواية على الشبهات البدوية وان المراد بالاناء هو نفسه دون مائه ولا الاعم من نفسه ومائه حيث قال الذى يفهم من اول الحديث اصابة الدم الاناء والشك فى اصابة الماء كما يظهر من السؤال والجواب فلا اشكال فيه.

١٦١

(وما ذكرناه) واضح لمن تدبر إلّا ان الانصاف ان تشخيص موارد الابتلاء لكل من المشتبهين وعدم الابتلاء بواحد معين منهما كثيرا ما يخفى ألا ترى انه لو دار الامر بين وقوع النجاسة على الثوب ووقوعها على ظهر طائر او حيوان قريب منه لا يتفق منه عادة ابتلائه بالموضع النجس منه لم يشك احد فى عدم وجوب الاجتناب عن الثوب واما لو كان الطرف الآخر ارضا لا يبعد ابتلاء المكلف به فى السجود والتيمم وان لم يحتج الى ذلك فعلا ففيه تأمل والمعيار فى ذلك وان كان صحة التكليف بالاجتناب عنه على تقدير العلم بنجاسته وحسن ذلك من غير تقييد التكليف بصورة الابتلاء واتفاق صيرورته واقعة له إلّا ان تشخيص ذلك مشكل جدا.

ـ (محصله) ان ما ذكرناه من انه يعتبر فى تأثير العلم الاجمالى امكان الابتلاء بكل واحد من اطراف الشبهة المحصورة واضح لمن تدبر وإلّا فلا اثر للعلم الاجمالى اذا كان بعض اطرافها خارجا عن مورد الابتلاء.

(إلّا ان تشخيص) موارد الابتلاء لكل من المشتبهين وعدم الابتلاء بواحد معين منهما كثيرا ما يخفى اذ ليس للابتلاء وعدمه ضابط شرعى حتى يتميز به مورد تحقق الابتلاء عن مورد عدمه ولذا قد يشك فى امكان الابتلاء ببعض الاطراف وعدمه فان للقدرة العادية مراتب مختلفة يختلف حسن الخطاب وعدمه حسب اختلاف مراتبها.

(فان الخمر الموجود) فى اقصى بلاد الهند او الا بعد منه مثلا مما يقطع بخروجه عن مورد الابتلاء وعدم التمكن العادى منه كما ان الخمر الموجود فى هذا البلد مما يقطع بامكان الابتلاء به وحصول القدرة العادية عليه.

(فلا اشكال) فى استهجان النهى عنه فى الاول وعدم استهجانه فى

١٦٢

ـ الثانى واما الخمر الموجود فى البلاد المتوسطة بين البعيدة والقريبة فقد يحصل الشك فى القدرة العادية عليه وامكان الابتلاء به فان القدرة العادية لا تزيد على القدرة العقلية والشك فى حصول القدرة العقلية كثيرا ما يقع ومن المعلوم ان الشك فى حصول القدرة العادية يستتبع الشك فى ثبوت التكليف وعدمه فاذا كان المشكوك فيه احد اطراف العلم الاجمالى ففى وجوب الاجتناب عن الطرف الذى يعلم بحصول القدرة عليه وامكان الابتلاء به وعدمه قولان اظهرهما وجوب الاجتناب عنه والى ما ذكرنا كله قد صرح قدس‌سره بقوله إلّا ان الانصاف الخ.

(تنبيهان)

(الاول) انه بناء على اعتبار الدخول فى محل الابتلاء فى صحة التكليف وحسنه اذا شككنا فى كون بعض اطراف العلم الاجمالى خارجا عن محل الابتلاء من جهة الشك فى مفهومه وعدم تعين حده فهل يرجع فيه الى الاطلاقات او الى اصالة البراءة فى الطرف المبتلى به وجهان ذهب شيخنا الانصارى قدس‌سره الى الاول بدعوى انه لا بد من التمسك بالاطلاق فى مقام الاثبات ما لم يثبت التقييد ولازم ذلك هو العلم بالتكليف الفعلى الموجب لعدم جريان الاصول فى اطرافه (وذهب صاحب الكفاية) الى الثانى بتقريب ان التمسك بالاطلاق فى مقام الاثبات انما يتم فيما اذا صح الاطلاق ثبوتا ليستكشف بالاطلاق فى مقام الاثبات الاطلاق فى مقام الثبوت ومع الشك فى صحة الاطلاق ثبوتا لا اثر للاطلاق اثباتا (وما افاده الشيخ قدس‌سره) هو الاظهر لان بناء العقلاء انما هو على حجية ظاهر كلام المولى ما لم تثبت قرينة عقلية او نقلية على خلافه وليس احتمال استحالة جعل الحكم او عمومه او اطلاقه قرينة على ارادة خلاف الظاهر فاذا امر المولى باتباع قول العادل وترتيب الاثر عليه واحتملنا استحالة حجيته

١٦٣

ـ لاستلزامه الالقاء فى المفسدة او تفويت المصلحة لا يكون هذا الاحتمال عذرا فى مخالفة ظاهر كلام المولى وعدم تطبيق العمل على قوله.

(ومثل ذلك) ما اذا امر المولى باكرام كل عالم واحتملنا وجود المفسدة فى اكرام العالم الفاسق المقتضية لعدم صحة الامر باكرامه من الحكيم فان هذا الاحتمال لا يكون عذرا فى عدم الاخذ بظاهر كلام المولى فى اكرام العالم الفاسق والمتحصل من ذلك ان الاطلاق فى مقام الاثبات كاشف عن الاطلاق فى مقام الثبوت ما لم يثبت استحالته بدليل قطعى.

(الثانى) اذا شككنا فى خروج بعض اطراف العلم الاجمالى عن تحت القدرة العقلية او خروجه عن محل الابتلاء لشبهة مصداقية بناء على ما ذكروه من كونه مانعا من تنجيز العلم الاجمالى فهل يرجع الى البراءة فى غيره من الاطراف

(وعليه فتقل ثمرة النزاع) بيننا وبين القائل بمانعية الخروج عن محل الابتلاء عن تنجيز العلم الاجمالى فان غالب موارد الخروج عن محل الابتلاء يكون من موارد الشك فى القدرة او ان المرجع فيه هو الاطلاق ايضا الظاهر هو الاول لما ذكر فى محله من عدم جواز التمسك بالعموم فى الشبهات المصداقية ولا سيما فى موارد التخصيصات اللبّية خصوصا اذا كان المخصص اللبّى من قبيل القرائن المتصلة كما هو المفروض فى المقام.

١٦٤

(نعم) يمكن ان يقال عند الشك فى حسن التكليف التنجيزى عرفا بالاجتناب وعدم حسنه الا معلقا ان الاصل هو البراءة من التكليف المنجز كما هو المقرر فى كل ما شك فيه فى كون التكليف منجزا او معلقا على امر محقق العدم او علم التعليق على امر لكن شك فى تحققه او كون المتحقق من افراده كما فى المقام إلّا ان هذا ليس باولى من ان يقال ان الخطابات بالاجتناب عن المحرمات مطلقة غير معلقة والمعلوم تقييدها بالابتلاء فى موضع العلم بتقبيح العرف توجيهها من غير تعلق بالابتلاء كما لو قال اجتنب عن ذلك الطعام النجس الموضوع قدام امير البلد مع عدم جريان العادة بابتلاء المكلف به او لا تتصرف فى اللباس المغصوب الذى لبسه ذلك الملك او الجارية التى غصبها الملك وجعلها من خواص نسوانه مع عدم استحالة ابتلاء المكلف بذلك كله عقلا ولا عادة إلّا انه بعيد الاتفاق.

ـ (اقول) ان ما ذكره قدس‌سره بيان لتأسيس الاصل العملى من جهة جعل الابتلاء شرطا فى التكليف التنجيزى فاذا لم يثبت شرط التكليف التنجيزى فمقتضى الاصل العملى هو نفى التكليف لان الشك فى الابتلاء يوجب الشك فى تنجز التكليف بالنسبة الى مورده والمحكم فيه هو البراءة اخذا بالقدر المتيقن كما هو المقرر فى كل ما شك فيه فى كون التكليف منجزا او معلقا على امر محقق العدم او علم التعليق على امر لكن شك فى تحققه كتعلق التكليف على البلوغ او كون المتحقق من افراده كما فى المقام.

(ولكن قال بعض المحشين) ان المقام يعنى ما نحن فيه من قبيل ما شك فى تحققه لا من قبيل ما شك فى كون المتحقق من افراد ما علم التعليق عليه انتهى.

وكيف كان انه يقال عند الشك فى حسن التكليف التنجيزى عرفا بالاجتناب وعدم حسنه الا معلقا هو البراءة نظرا الى رجوع الشك المذكور الى

١٦٥

ـ الشك فى اصل التكليف فالشك فى المقام نظير الشك فى اطلاق التكليف واشتراطه الذى اتفقوا فيه على كون الاصل فيه البراءة والى ما ذكرنا من مقتضى الاصل الاولى اشار قدس‌سره بقوله نعم يمكن ان يقال الى آخر ما افاده.

(قوله إلّا ان هذا ليس باولى من ان يقال ان الخطابات الخ) هذا بيان لتأسيس الاصل اللفظى فيما ثبت الوجوب او التحريم بالدليل اللفظى ومقتضاه هو الاحتياط وتحريره على وجه الاقتصار ان العام او المطلق اذا توجه اليه مخصص او مقيد مجمل كما فى اكرم العلماء ولا تكرم الفساق منهم حيث لا يعلم ان الفسق هو مطلق الخروج عن طاعة الله او الخروج عنها بمباشرة الكبيرة فمقتضى التحقيق فيه هو الاقتصار فى الخروج على القدر المتيقن ويكون المحكم فى مورد الشك عموم العام وفى المقام ايضا وجوب الاجتناب عن الخمر مثلا قيد بحال الابتلاء والمفروض اجماله فلا بد فيه من الاقتصار فى الخروج عن عمومه بمورد المعلوم.

(واما اذا شك فى قبح التنجيز) فيرجع الى الاطلاقات لان الرجوع الى الاطلاق او العموم انما هو اذا شك فى صدق عنوان المقيد على شىء من جهة المفهوم كما اذا شك فى صدق الابتلاء فى بعض الموارد لاجل تعذر ضبط مفهومه بحيث يمكن ان يختفى بعض مصاديقه فاللازم هو الرجوع الى الاصول اللفظية من اصالة عدم التقييد او عدم التخصيص بالنسبة الى المطلق والعام.

(واما) اذا كان الشك من جهة المصداق دون المفهوم باعتبار وضوحه فاللازم هو الحكم بالاجمال والرجوع الى الاصول العملية ولكن يمكن ان يقال ان المرجع فيما نحن فيه هو الاصول اللفظية لما عرفت من ان الاشتباه انما هو من جهة المفهوم المتعذر ضبطه.

(قوله فمرجع المسألة الى ان المطلق المقيد بقيد مشكوك التحقق الخ).

قال بعض الافاضل من المحشين فى هذا المقام انه يمكن ان يريد قدس‌سره

١٦٦

واما اذا شك فى قبح التنجيز فيرجع الى الاطلاقات فمرجع المسألة الى ان المطلق المقيد بقيد مشكوك التحقق فى بعض الموارد لتعذر ضبط مفهومه على وجه لا يخفى مصداق من مصاديقه كما هو شأن اغلب المفاهيم العرفية هل يجوز التمسك به او لا والاقوى الجواز فيصير الاصل فى المسألة وجوب الاجتناب الا ما علم عدم تنجز التكليف بأحد المشتبهين على تقدير العلم بكونه الحرام إلّا ان يقال ان المستفاد من صحيحة على بن جعفر المتقدمة كون الماء وظاهر الاناء من قبيل عدم تنجز التكليف فيكون ذلك ضابطا فى الابتلاء وعدمه اذ يبعد حملها على خروج ذلك عن قاعدة الشبهة المحصورة لاجل النص فافهم.

ـ بان المقيد اذا كان امرا لبّيا كما فى المقام حيث ان المقيد فيه هو العرف هل هو من قبيل المقيد المنفصل المردد بين الاقل والاكثر بحيث يجوز التمسك فيه بالاطلاق فى غير صورة القدر المتيقن ام هو من قبيل المقيد المتصل كذلك بحيث يسرى الاجمال فيه الى المطلق فلا يمكن التمسك به فى مورد الشك.

(قال قدس‌سره) الاقوى هو الاول فيصير الاصل فى المسألة وجوب الاجتناب لما تقدم من ان الخطاب بالاجتناب مطلق ولا وجه لتقييده ورفع اليد عن اطلاقه الا فيما علم خروجه عنه وهو ما علم تقبيح العرف ارادته من المطلق فما ثبت عدم كونه محل الابتلاء يقيد الاطلاق بالنسبة اليه وما لم يثبت يجب الاجتناب بمقتضى الاطلاق.

(إلّا ان يقال) ان المستفاد من صحيحة على بن جعفر المتقدمة كون الماء وظاهر الاناء من موارد الشك فى الابتلاء وعدمه وقد حكم الامام عليه‌السلام فيه بعدم وجوب الاحتياط فيستفاد منه كون الحكم كذلك فى جميع موارد الشك ايضا اذ لا خصوصية لمورد الرواية فيكون ذلك ضابطا فى الابتلاء وعدمه

١٦٧

ـ اذ يبعد حمل الصحيحة على خروج ذلك عن قاعدة الشبهة المحصورة لاجل النص

(بيان ذلك بعبارة اخرى) ان حمل الرواية على مورد يكون كلا الطرفين محلا لابتلاء المكلف وان الحكم بعدم وجوب الاجتناب فيها مع اقتضاء القاعدة فى الشبهة المحصورة وجوب الاجتناب عن الجميع اذا كانت محلا للابتلاء لاجل التعبد وان الحكم المذكور يكون خارجا عن القاعدة لاجل النص بعيد فلا بد من حمل الرواية على طبق القاعدة بجعل احد الطرفين او الاطراف خارجا عن محل الابتلاء فكل ما يكون مثل الرواية او اجلى منها فى عدم الابتلاء يحكم بعدم وجوب الاجتناب فيه.

(قال بعض المحشين) انه يحتمل فى عبارة الشيخ قدس‌سره معنى آخر وهو انه لما ذكر ان الرواية محمولة على ما اسسه من القاعدة فى الشبهة المحصورة من انها اذا كانت خارجة عن محل الابتلاء جاز الارتكاب وان الحكم فى الرواية من جهة عدم الابتلاء.

(فتكون الرواية بعد الحمل المذكور) مثبتة لميزان الابتلاء وعدمه جاز لمتوهم ان يتوهم انه لا اشعار فى الرواية للابتلاء وعدمه فلا دليل على حمل الرواية على مورد عدم الابتلاء حتى يتطرق فيها كونها ضابطة للابتلاء وعدمه.

(فيحتمل حمل الرواية على عدم وجوب الاجتناب فى الواقعة الشخصية المذكورة فيها لاجل النص والتعبد مع اقتضاء القاعدة فى الشبهة المحصورة وجوب الاجتناب مطلقا من دون نظر الى الابتلاء وعدمه فلا تكون الرواية ضابطة لما ذكره لعدم الدليل على ذلك.

(فاشار الشيخ قدس‌سره) الى دفع التوهم المذكور بانه بعيد لا داعى اليه مع امكان حمل الرواية على مقتضى القاعدة ولا يكون ذلك الّا بحملها على كون ما فى الرواية خارجا عن محل الابتلاء فتم ما ذكره من الضابطة فافهم.

١٦٨

(الرابع) ان الثابت فى كل من المشتبهين لاجل العلم الاجمالى بوجود الحرام الواقعى فيهما هو وجوب الاجتناب لانه اللازم من باب المقدمة من التكليف بالاجتناب عن الحرام الواقعى اما ساير الآثار الشرعية المترتبة على ذلك الحرام فلا يترتب عليهما لعدم جريان باب المقدمة فيرجع فيها الى الاصول الجارية فى كل من المشتبهين بالخصوص فارتكاب احد المشتبهين لا يوجب حد الخمر على المرتكب بل يجرى اصالة عدم موجب الحد ووجوبه وهل يحكم بتنجس ملاقيه وجهان بل قولان مبنيان على ان تنجس الملاقى انما جاء من وجوب الاجتناب عن ذلك النجس بناء على ان الاجتناب عن النجس يراد به ما يعم الاجتناب عن ملاقيه ولو بوسائط ولذا استدل السيد ابو المكارم فى الغنية على تنجس الماء القليل بملاقات النجاسة بما دل على وجوب هجر النجاسات فى قوله تعالى (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ).

ـ (محصل ما تعرض قدس‌سره) فى التنبيه الرابع انه لا اشكال فى حجية العلم الاجمالى بعد ما ثبت تنجز التكليف به ومعنى حجيته انما هو ترتب آثار متعلقه ولكن الكلام فى ان المترتب جميع الآثار او بعضها وما يظهر من عبارته قدس‌سره هو التفصيل فى الاثر بين ما هو من مقولة الحكم التكليفى فيترتب وبين ما هو من مقولة الحكم الوضعى فلا يترتب حيث قال ره ان الثابت فى كل من المشتبهين لاجل العلم الاجمالى بوجود الحرام الواقعى فيهما هو وجوب الاجتناب لانه اللازم من باب المقدمة من التكليف بالاجتناب عن الحرام الواقعى.

(واما ساير الآثار الشرعية) المترتبة على ذلك الحرام فلا يترتب عليهما لعدم جريان المقدمية فيها فيرجع فيها الى الاصول الجارية فى كل من المشتبهين بالخصوص فارتكاب احد المشتبهين لا يوجب حد الخمر على المرتكب لانه انما يترتب على شرب الخمر الواقعى لا على ما يشتبه بالخمر وحكم العقل من باب

١٦٩

ـ المقدمة بالاجتناب عن المشتبهين لا يقتضى وجوب الحد على من شرب المشتبه فالمرتكب لاحد المشتبهين بالخمر فى الشبهة المحصورة كالمرتكب للمشكوك بالخمرية فى الشبهة البدوية الخالية عن العلم فى عدم جواز اقامة الحد عليه من غير فرق بينهما.

(فالمرجع) الى اصالة عدم وجوب الحد وعدم موجبه كما فى الشكوك المجردة عن العلم وكما لا يجب بل لا يجوز على الحاكم اقامة الحد فى الفرض وكذا لا يجب بل لا يجوز على الشارب من احد الإناءين مثلا تسليم نفسه للحد والتعزير.

نعم عند ارتكاب كلا المشتبهين لا اشكال فى لزوم الالتزام بمقتضائهما بالنسبة الى الآثار المترتبة على فعل الحرام الواقعى للعلم بحصوله حينئذ لكنه خارج عن محل الكلام هذا.

(وهل يحكم بتنجس ملاقيه وجهان بل قولان الخ) اقول قد تقدم انه على القول بتنجز التكليف الواقعى بالعلم الاجمالى فى الشبهة المحصورة فلا اشكال فى وجوب الاجتناب عن نفس المشتبهين من باب المقدمة العلمية وكذا لا اشكال فى عدم ثبوت الآثار الشرعية المترتبة على ذلك الحرام لعدم جريان المقدمية فيها كوجوب اقامة الحد على المرتكب لاحد المشتبهين بالخمر.

(وانما الكلام) والخلاف بينهم فى الحكم بتنجس ملاقى احد المشتبهين بالشبهة المحصورة فالمحكى عن المشهور عدم وجوب الاجتناب عن الملاقى بالكسر وترتيب آثار الطهارة عليه.

(ولكن المحكى) عن بعض الاصحاب وجوب الاجتناب عنه كالملاقى بالفتح كما ذهب اليه العلامة ره فى المنتهى فى كتاب الطهارة الى نجاسته حيث قال فيه لو استعمل احد الإناءين وصلى به لم يصح صلاته ووجب عليه غسل ما اصاب المشتبه بماء النجس وعبارته صريح الدلالة فى وجوب غسل الملاقى بالكسر لاحد

١٧٠

ـ المشتبهين وفى مفتاح الكرامة بعد ان نقل عن العلامة فى المنتهى انه الحق.

(وانما المهم مبنى الاشكال والخلاف بينهم) بعد اتفاقهم على انه لا اشكال فى حجية العلم الاجمالى بعد ما ثبت تنجز التكليف به وان معنى حجيته هو ترتيب آثار متعلقه.

(فنقول) ان قلنا ان نجاسة الملاقى للنجس ليست لاجل السراية بل لكونها فردا آخر للنجاسة اوجب الشارع الاجتناب عنها فى عرض الاجتناب عن الملاقى فحينئذ لا يجب الاجتناب عن الملاقى لاحد طرفى العلم الاجمالى للشك فى ملاقاته للنجس المعلوم فى البين المستلزم للشك فى حكم الشارع عليه بالنجاسة فتجرى فيه اصالة الطهارة بلا معارض.

(واما) ان قلنا بان نجاسة الملاقى للنجس لاجل اتساع النجاسة وسرايتها من النجس الى ملاقيه فلا محيص عن القول بوجوب الاجتناب عن الملاقى لاحد طرفى العلم الاجمالى لانه على هذا يكون النجس المعلوم فى البين تمام الموضوع لوجوب الاجتناب عن ملاقيه.

(وكيف كان) قد يقال ان ما دل على وجوب الاجتناب عن النجس بنفسه يدل على وجوب الاجتناب عن ملاقيه وبعبارة اخرى انه يظهر من ما دل على وجوب الاجتناب عن الشىء وجوب الاجتناب عما يلاقيه فما دل على وجوب الاجتناب عن كل مشتبه فى الفرض يدل على وجوب الاجتناب عما يلاقيه.

(وما يستفاد) من هذا الاستدلال هو الملازمة بين وجوب الاجتناب عن الشىء وما يلاقيه بحيث يكون الخطاب الدال على الاجتناب من المشتبهين بالدلالة الاولية دالا على الاجتناب عما يلاقيهما بالملاحظة الثانوية وبالملازمة ومن هنا استدل ابن زهرة فى الغنية بقوله تعالى (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) لوجوب هجر الملاقى ولا يخفى ضعفه لان الرجز عبارة عن نفس الاعيان النجسة فالآية انما تدل على وجوب الاجتناب عن الاعيان النجسة من غير تعرض لها لحكم الملاقى ولو كان

١٧١

ـ مبنى الاستدلال على تعميم الرجز للمتنجس فهو مع فساده فى نفسه يكون اجنبيا عن المقام.

(واما الجواب) عن الملازمة المذكورة فلمنع ظهور دليل وجوب الاجتناب عن الشىء وتحريمه الا فى الاجتناب عن عينه فى الاكل والشرب ونحوهما مما يتعلق به من الافعال المقصودة الظاهرة عند الاطلاق من دون ان يكون له ظهور فى حكم ما يلاقيه نفيا واثباتا فما ذهب اليه المشهور من القول بعدم الملازمة والرجوع الى الاصل بالنسبة الى الملاقى بالكسر هو الاقوى.

(للمحقق الخراسانى قدس‌سره) تفصيل فى وجوب الاجتناب عن الملاقى او الملاقى.

(تارة) اوجب الاجتناب عن الملاقى بالفتح دون الملاقى وذلك فيما اذا تأخر العلم بالملاقات عن العلم الاجمالى بنجاسة الملاقى بالفتح او الطرف.

(واخرى) اوجب الاجتناب عن الملاقى بالكسر دون الملاقى وقد ذكر لذلك موردين.

(وثالثة) اوجب الاجتناب عن الملاقى والملاقى معا وذلك فيما اذا حصل العلم الاجمالى بنجاسة الملاقى بالفتح او الطرف بعد العلم بالملاقات مع كون كل منهما فى مورد الابتلاء هذا محصل ما افاده ره فى الكفاية على طبق ما ذكره فى الحاشية.

١٧٢

(ويدل عليه) ايضا ما فى بعض الاخبار من استدلاله على حرمة الطعام الذى مات فيه فارة بان الله سبحانه حرم الميتة فاذا حكم الشارع بوجوب هجر كل واحد من المشتبهين فقد حكم بوجوب هجر كل ما لاقاه وهذا معنى ما استدل به العلامة ره فى المنتهى على ذلك بان الشارع اعطاهما حكم النجس وإلّا فلم يقل احد ان كلا من المشتبهين بحكم النجس فى جميع آثاره او ان الاجتناب عن النجس لا يراد به الا الاجتناب عن العين وتنجس الملاقى للنجس حكم وضعى سببى يترتب على العنوان الواقعى من النجاسات نظير وجوب الحد للخمر فاذا شك فى ثبوته للملاقى جرى فيه اصل الطهارة واصل الاباحة والاقوى هو الثانى اما او لا فلما ذكر وحاصله منع ما فى الغنية من دلالة وجوب هجر النجس على وجوب الاجتناب عن ملاقى الرجز اذا لم يكن عليه اثر من ذلك الرجز فتنجسه حينئذ ليس إلّا لمجرد تعبد خاص فاذا حكم الشارع بوجوب هجر المشتبه فى الشبهة المحصورة فلا يدل على وجوب هجر ما يلاقيه.

ـ (اقول) قد استدل للقول بنجاسة الملاقى لاحد الطرفين بما رواه عمر بن شمر عن جابر الجعفى عن ابى جعفر عليه‌السلام انه اتاه رجل فقال له وقعت فارة فى خابية فيها سمن او زيت فما ترى فى اكله فقال ابو جعفر عليه‌السلام لا تأكله فقال الرجل الفارة اهون علىّ من ان اترك طعامى لاجلها فقال له ابو جعفر (ع) انك لم تستخف بالفارة وانما استخففت بدينك ان الله حرم الميتة من كل شيء.

(تقريب الاستدلال) بالرواية هو انه عليه‌السلام جعل ترك الاجتناب عن الطعام الذى وقعت فيه الفارة استخفافا بالدين وفسره بتحريم الميتة ولو لا كون نجاسة الميتة ووجوب الاجتناب عنها يقتضى الاجتناب عن الطعام الملاقى لها لم يكن موقع للجواب بذلك فانه لو كانت نجاسة الملاقى للميتة فردا آخر

١٧٣

ـ من النجاسة ثبتت بتعبد آخر من الشارع وراء التعبد بنجاسة الميتة كان ترك الاجتناب عن الطعام الملاقى لها استخفافا لوجوب الاجتناب عن الملاقى لها والتعبد بترك التصرف فيه لا استخفافا بتحريم الميتة فان حرمة الميتة على هذا لا ربط لها بحرمة الملاقى حتى يكون ترك الاجتناب عن الملاقى استخفافا لحرمة الميتة.

(فالمستفاد) من الرواية وجوب الاجتناب عن ملاقى احد المشتبهين من جهة وجوب الاجتناب عما لاقاه بالفرض نظرا الى الملازمة المستفادة منها وهذا معنى ما عن العلامة ره فى المنتهى فى الاستدلال على وجوب الاجتناب عن ملاقى احد المشتبهين من ان الشارع اعطاهما حكم النجس اذ لم يقل احد بان كل واحد من المشتبهين فى حكم النجس بالنسبة الى جميع الآثار بل الفرض كونه فى حكمه بالنسبة الى خصوص وجوب الاجتناب عما يلاقيه نظرا الى الملازمة المذكورة.

(والجواب) عن الملازمة المستفاد من الرواية مضافا الى انها ضعيفة السند لا يعتمد عليها هو منع ظهور الدليل الدال على وجوب الاجتناب عن المشتبهين الّا فى الاجتناب عن عينهما من دون ان يكون له ظهور فى حكم ما يلاقيهما اثباتا ونفيا باحدى الدلالات هذا.

(وفى بحر الفوائد) ان حمل الرواية على ما زعمه المستدل موجب لتخصيص الاكثر المستهجن جدا ضرورة عدم الملازمة بين حرمة الشيء وحرمة ملاقيه بالنسبة الى غير النجاسات من المحرمات بل الثابت خلافها فاذا لا ينفع الرواية للمستدل اصلا فان مجرد وجوب الاجتناب والتحريم لا يدل على النجاسة حتى يدل على نجاسة ملاقيه فيستدل بها للمقام مضافا الى انه على تقدير الدلالة لا ينفع فى المقام جدا لما عرفت من عدم توهم احد كون كل من المشتبهين بالنجس نجسا.

١٧٤

(نعم) قد يدل بواسطة بعض الامارات الخارجية كما استفيد نجاسة البلل المشتبه الخارج قبل الاستبراء من امر الشارع بالطهارة عقيبه من جهة استظهار ان الشارع جعل هذا المورد من موارد تقديم الظاهر على الاصل فحكم بكون الخارج بولا لا انه اوجب خصوص الوضوء بخروجه وبه يندفع تعجب صاحب الحدائق من حكمهم بعدم النجاسة فيما نحن فيه وحكمهم بها فى البلل مع كون كل منهما مشتبها حكم عليه ببعض احكام النجاسة.

واما الرواية وهى رواية عمر بن شمر عن جابر الجعفى عن ابى جعفر عليه‌السلام انه اتاه رجل فقال له وقعت فارة فى خابية فيها سمن او زيت فما ترى فى اكله فقال ابو جعفر عليه‌السلام لا تأكله فقال الرجل الفارة اهون على من ان اترك طعامى لاجلها فقال له ابو جعفر عليه‌السلام انك لم تستخف بالفارة وانما استخففت بدينك ان الله حرام الميتة من كل شيء

ـ (اقول) قد تقدم فساد ما استدل به على الملازمة المدعاة فى كلام بعض الاصحاب بين وجوب الاجتناب عن الشيء ووجوب الاجتناب عما يلاقيه فى قبال المشهور القائلين بعدم الملازمة والرجوع الى الاصل بالنسبة الى الملاقى بالكسر

(نعم) قد يستدل للاجتناب عن الملاقى بالكسر بواسطة بعض الامارات الخارجية كما فى ملاقى البلل المشتبه الخارج قبل الاستبراء فانه استفيد من امر الشارع بالطهارة عقيبه كونه من جهة تقديم ظهور نجاسته من جهة الغلبة على الاصل فالامر بالطهارة من حيث الحكم الظاهرى بكونه نجسا فيحكم بترتيب جميع الآثار عليه التى منها نجاسة ما يلاقيه فلم يدل مجرد الامر بالاجتناب عنه او الطهارة عقيبه على وجوب الاجتناب عما يلاقيه فلا تعلق له بالملازمة المذكورة.

(وحاصل الجواب عنه) ان القياس المذكور مع الفارق لان البلل قبل الاستبراء مما تعارض فيه الاصل والظاهر واذا امر الشارع بالطهارة عقيبه

١٧٥

ـ يستظهر منه ان الشارع جعل هذا المورد من موارد تقديم الظاهر على الاصل واين ذلك من المقام الفاقد له فيكون المستفاد من الاخبار حجية الظاهر وانه طريق الى الواقع فيتشخص الواقع بهذا الطريق فيترتب على مؤداه جميع آثار الواقع التى منها تنجس ملاقيه كما اذا قامت لبينة على نجاسة شىء فانه يترتب عليه جميع آثار النجس الواقعى بل وكذلك اذا كان شىء نجسا بالاستصحاب فانه ينجس ملاقيه.

(ولذا قال قدس‌سره) فى باب الاستصحاب اذا لم يكن النجس بالاستصحاب منجسا ولا الطاهر بالاستصحاب مطهرا فكان كلما يثبت بالاستصحاب لا دليل على ترتيب آثار الشيء الواقعى عليه بخلاف المقام فان المستفاد من العقل والنقل وجوب الاحتياط فيه وهجر المشتبهين فى الطهارة والاكل والشرب فهو اصل تعبدى لا دلالة فى الدليل المثبت له على كونه بمنزلة النجس فى جميع الاحكام التى منها نجاسة ملاقيه وذلك ظاهر.

(قوله وبه يندفع تعجب صاحب الحدائق الخ) يعنى بما ذكر من ان حكم البلل المشتبه الخارج بعد البول وقبل الاستبراء قد استفيد من الاخبار ولذا جعل هذا المورد من موارد تقديم الظاهر على الاصل بخلاف اخبار الشبهة المحصورة فانها لا تدل الا على وجوب هجر المشتبهين فى الطهارة وغيرها ولا تدل على النجاسة فحينئذ ليس تعجب صاحب الحدائق فى محله والعجب منه حيث ذكر هذه الاخبار فى مسئلة البلل.

(قوله واما الرواية الخ) قد تقدم تقريب الاستدلال بها لنجاسة الملاقى لاحد الطرفين والجواب عنها مع ان الظاهر من الحرمة فيها النجاسة فحينئذ يكون مفادها ان نجاسة الشىء يستلزم نجاسة ملاقيه وهذا ليس بمحل الشبهة بل هو امر مسلم الثبوت انما الكلام فى ان وجوب الاجتناب الثابت بالنسبة الى اطراف الشبهة المحصورة يستلزم وجوب الاجتناب عن ملاقى بعضها وهذا لا يستفاد منها.

١٧٦

وجه الدلالة انه جعل ترك الاجتناب عن الطعام استخفافا بتحريم الميتة ولو لا استلزامه لتحريم ملاقيه لم يكن اكل الطعام استخفافا بتحريم الميتة فوجوب الاجتناب عن شيء يستلزم وجوب الاجتناب عن ملاقيه لكن الرواية ضعيفة سندا مع ان الظاهر من الحرمة فيها النجاسة لان مجرد التحريم لا يدل على النجاسة فضلا عن تنجس الملاقى وارتكاب التخصيص فى الرواية باخراج ما عدا النجاسات من المحرمات كما ترى فالملازمة بين نجاسة الشيء وتنجس ملاقيه لا حرمة الشيء وحرمة ملاقيه.

ـ (قوله وارتكاب التخصيص فى الرواية باخراج ما عدا النجاسات من المحرمات الخ) تأييد لما استظهره من ان المراد بالحرمة فى الرواية هى النجاسة لان مجرد التحريم لا يدل على النجاسة فضلا عن تنجس الملاقى وارتكاب التخصيص فى الرواية باخراج ما عدا النجاسات من المحرمات كما ترى لا يخلو من الاستهجان ضرورة عدم الملازمة بين حرمة الشىء وحرمة ملاقيه بالنسبة الى غير النجاسات من المحرمات بل الثابت خلافها فاذا لا ينفع الرواية للمستدل اذ مجرد وجوب الاجتناب والتحريم لا يدل على النجاسة حتى يدل على نجاسة ملاقيه فالملازمة بين نجاسة الشىء وتنجس ملاقيه لا حرمة الشىء وحرمة ملاقيه.

١٧٧

(فان قلت) وجوب الاجتناب عن ملاقى المشتبه وان لم يكن من حيث ملاقاته له إلّا انه يصير كملاقيه فى العلم الاجمالى بنجاسته او نجاسة المشتبه الآخر فلا فرق بين المتلاقيين فى كون كل منهما احد طرفى الشبهة فهو نظير ما اذا قسم احد المشتبهين قسمين وجعل كل قسم فى اناء (قلت) ليس الامر كذلك لان اصالة الطهارة والحل فى الملاقى بالكسر سليمة عن معارضة اصالة طهارة المشتبه الآخر بخلاف اصالة الطهارة والحل فى الملاقى بالفتح فانها معارضة بها فى المشتبه الآخر والسر فى ذلك ان الشك فى الملاقى بالكسر ناش عن الشبهة المتقومة بالمشتبهين فالاصل فيها اصل فى الشك السببى والاصل فيه اصل فى الشك المسببى.

ـ (اقول) هذا الاشكال اشارة الى الوجه الثالث للقول بنجاسة الملاقى بيان ذلك ان وجوب الاجتناب عن ملاقى المشتبه وان لم يكن من حيث ملاقاته له إلّا انه مورد للعلم الاجمالى بالنجاسة كالملاقى بالفتح غاية ما هناك كونهما معا طرفا وصاحب الملاقى طرفا آخر فهو نظير ما لو قسم احد المشتبهين قسمين وجعل كل فى اناء فانه لا ريب فى وجوب الاجتناب عنهما معا فيلزم ان يحكم به فى المقام ايضا.

(قوله قلت ليس الامر كذلك الخ) حاصل الجواب سلمنا كون الملاقى بالكسر بعد الملاقاة كان طرفا للعلم الاجمالى فمقتضاه وجوب الاجتناب عنه إلّا ان اصالة الطهارة والحل فى الملاقى بالكسر سليمة عن معارضة اصالة طهارة المشتبه الآخر بخلاف اصالة الطهارة والحل فى الملاقى بالفتح فانها معارضة بها فى المشتبه الآخر وقياس ما نحن فيه بتقسيم احد المشتبهين قياس مع الفارق (والسر فى ذلك) اى فى كون اصالة الطهارة والحل فى الملاقى بالكسر سليمة عن معارضة اصالة طهارة المشتبه الآخر بخلاف اصالة الطهارة فى

١٧٨

وقد تقرر فى محله ان الاصل فى الشك السببى حاكم على الاصل فى الشك المسببى سواء كان مخالفا له كما فى اصالة طهارة الماء الحاكمة على اصالة نجاسة الثوب النجس المغسول به ام موافقا له كما فى اصالة طهارة الماء الحاكمة على اصالة اباحة الشرب فما دام الاصل الحاكم الموافق او المخالف يكون جاريا لم يجر الاصل المحكوم لان الاول رافع شرعى للشك المسبب وبمنزلة الدليل بالنسبة اليه واذا لم يجر الاصل الحاكم لمعارضته بمثله زال المانع من جريان الاصل فى الشك المسبب ووجب الرجوع اليه لانه كالاصل بالنسبة الى المتعارضين ألا ترى انه يجب الرجوع عند تعارض اصالة الطهارة والنجاسة عند تتميم الماء النجس كرا بطاهر وعند غسل المحل النجس بماءين مشتبهين بالنجس الى قاعدة الطهارة ولا تجعل القاعدة كاحد المتعارضين نعم ربما يجعل معاضدا لاحدهما الموافق له بزعم كونهما فى مرتبة واحدة لكنه توهم فاسد ولذا لم يقل احد فى مسئلة الشبهة المحصورة بتقديم اصالة الطهارة فى المشتبه الملاقى بالفتح لاعتضادها باصالة طهارة الملاقى بالكسر

ـ الملاقى بالفتح لمعارضتها باصالة الطهارة فى الطرف الآخر ان الشك فى نجاسة الملاقى بالكسر وطهارته مسبب عن الشك فى طهارة الملاقى ونجاسته.

(والاصل الجارى) فى الشك السببى ليس فى رتبة الاصل الجارى فى الشك المسببى ليجريان معا او يسقطان معا بل رتبة الاصل السببى مقدمة على الاصل المسببى ولا تصل النوبة اليه مع جريان الاصل السببى توافقا فى المؤدى او تخالفا لان الاصل السببى رافع لموضوع الاصل المسببى كما يأتى بيانه إن شاء الله تعالى فى الاستصحاب.

(قوله سواء كان مخالفا له كما فى اصالة الطهارة) هو الاشارة الى ما

١٧٩

ـ تعرض له المحقق القمى فى القوانين من جواز العمل بالاصلين فى صورة المخالفة حيث قال ره فى آخر الاستصحاب ص ٧٦ ـ ثم ان تعارض الاستصحابين قد يكون فى موضوع واحد كما فى الجلد المطروح فان استصحاب عدم التذكية يقتضى كونه ميتة المستلزم للنجاسة.

(ثم قال) وقد يقرر بان الموت حتف الانف والموت بالتذكية كلاهما حادثان فى مرتبة واحدة واصالة عدم المذبوحية الى زمان الموت يقتضى النجاسة لاستلزامه مقارنته مع الموت حتف الانف واصالة عدم تحقق الموت حتف الانف الى زمان الموت يقتضى مقارنته للتذكية المستلزمة للطهارة فان ثبت مرجح لاحدهما فهو وإلّا فيتساقطان.

(ثم قال) والتحقيق ان تساقطهما انما هو فى محل التنافى وإلّا فيبقى كل منهما على مقتضاه فى غيره وكذلك اذا حصل الترجيح لاحدهما فى محل التنافى لا ينفى حكم الآخر فى غيره فيمكن ان يقال فى مثله انه لا ينجس ملاقيه مع الرطوبة ولكن لا يجوز الصلاة معه ايضا الى ان قال وقد يكون فى موضوعين مثل الموضع الطاهر الذى نشر عليه الثوب المغسول من المنى ثم شك فى ازالة النجاسة فيحكم بطهارة الموضوع وجواز التيمم والسجود عليه لاستصحاب طهارته السابقة ووجوب غسل الثوب ثانيا وعدم جواز الصلاة فيه انتهى محل الحاجة من كلامه قدس‌سره.

(قوله على اصالة نجاسة الثوب النجس المغسول به) ان الشك فى بقاء نجاسة الثوب ناش عن الشك فى طهارة الماء والشك فى طهارته ليس بناش عن الشك فى بقاء نجاسة الثوب بل هو ناش عن الشك فى كرية الماء.

(قوله عند تتميم الماء النجس كرا بطاهر) تعارض فى الفرض المذكور استصحاب نجاسة المتمم بالفتح واستصحاب طهارة المتمم بالكسر فيرجع الى قاعدة الطهارة والبحث عن هذه المسألة تفصيلا فى الفقه إن شاء الله تعالى فانهم اختلفوا

١٨٠