درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٤

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٤

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٣

(اما مسائل القسم الاول) وهو الشك فى الجزء الخارجى فالاولى منها ان يكون ذلك مع عدم النص المعتبر فى المسألة فيكون ناشئا عن ذهاب جماعة الى جزئية الامر الفلانى كالاستعاذة قبل القراءة فى الركعة الاولى مثلا على ما ذهب اليه بعض فقهائنا وقد اختلف فى وجوب الاحتياط هنا فصرح بعض متأخرى المتأخرين بوجوبه وربما يظهر من كلام بعض القدماء كالسيد والشيخ لكن لم يعلم كونه مذهبا لهما بل ظاهر كلماتهم الأخر خلافه وصريح جماعة اجراء اصالة البراءة وعدم وجوب الاحتياط والظاهر

ـ (اقول) قد تقدم ان مسائل القسم الاول اربعة وهو ما يكون الترديد بين الاقل والاكثر فى اجزاء المركب المأمور به كالشك فى جزئية السورة او جلسة الاستراحة للصلاة مثلا فالاولى منها ان يكون الشك فى الجزء الخارجى مع عدم النص المعتبر فى المسألة فقد اختلفت كلمات الاصحاب فى جريان البراءة من وجوب الاكثر على اقوال ثلاثة.

(احدها) البراءة عقلا ونقلا وعدم وجوب الاحتياط وهو للمشهور من العامة والخاصة من المتقدمين والمتأخرين.

(وثانيها) عدم جريان البراءة مطلقا عقلا ونقلا.

(وثالثها) التفصيل بين البراءة العقلية والشرعية بمعنى انه يجب الاحتياط عقلا لا شرعا فتجرى البراءة الشرعية دون العقلية وقد اختار الشيخ قدس‌سره القول الاول وهو جريان البراءة عقلا ونقلا حيث قال وكيف كان فالمختار جريان اصل البراءة لنا على ذلك حكم العقل وما ورد من النقل.

(ووجه القول الاول) مختصرا ليس هو إلّا انحلال العلم الاجمالى الى العلم التفصيلى بوجوب الاقل والشك البدوى فى وجوب الاكثر فلا مانع من جريان البراءة عقلا ونقلا.

(واما وجه القول الثانى) وهو اضعف الاقوال المذكورة فانه لا وجه

٣٦١

انه المشهور بين العامة والخاصة المتقدمين منهم والمتأخرين كما يظهر من تتبع كتب القوم كالخلاف والسرائر وكتب الفاضلين والشهيدين والمحقق الثانى ومن تأخر عنهم بل الانصاف انه لم اعثر فى كلمات من تقدم على المحقق السبزوارى على من يلتزم بوجوب الاحتياط فى الاجزاء والشرائط وان كان فيهم من يختلف كلامه فى ذلك كالسيد والشيخ بل الشهيدين قدهم وكيف كان فالمختار جريان اصل البراءة لنا على ذلك حكم العقل وما ورد من النقل.

ـ له الا توهم ان العلم الاجمالى بوجوب الاقل او الاكثر يقتضى عدم جريان الاصول الشرعية والعقلية النافية للتكليف فى كل من طرف الاقل او الاكثر فلا بد من الاحتياط بفعل الاكثر تحصيلا للعلم بفراغ الذمة عمّا اشتغلت به هذا ولكن سيأتى ما فيه من ضعف هذا الوجه.

(وممن اختار) القول الثالث فى المسألة وهو التفصيل المتقدم فيجب الاحتياط عقلا لا شرعا هو الخراسانى ره فى الكفاية معتمدا فى وجه وجوب الاحتياط عقلا وعدم جريان البراءة العقلية فيها على عدم انحلال العلم الاجمالى بالتكليف لتجرى البراءة عن الاكثر وقد استند فى وجه عدم الانحلال الى امرين من اراد الاطلاع عليهما فليراجع الى الكفاية.

(وبالجملة) الحق فى المسألة هو ما اختاره الشيخ قدس‌سره من جريان البراءة العقلية والنقلية عن الجزء الخارجى المشكوك وكيف كان قال بعض الاعلام ان اوّل من فتح باب الاحتياط فى المقام هو المحقق السبزوارى وتبعه عليه جماعة من الاواخر كالمحقق الشريف والمحققين صاحبى الهداية والفصول وغيرهم لكن ربما يظهر من كلام المحقق فى المعارج وجود القول بالاحتياط بين القدماء ايضا.

(قوله على ما ذهب اليه بعض فقهائنا) وقد صرّح بعض المحشين ان المراد من بعض فقهائنا هو الشيخ ابو على بن الشيخ الطوسى ره على ما حكاه عنه الشهيد ره فى الذكرى

٣٦٢

(اما العقل) فلاستقلاله بقبح مؤاخذة من كلف بمركب لم يعلم من اجزائه الا عدة اجزائه ويشك فى انه هل هو هذا اوله جزء آخر وهو الشىء الفلانى ثم بذل جهده فى طلب الدليل على جزئية ذلك الامر فلم يقتدر فاتى بما علم وترك المشكوك خصوصا مع اعتراف المولى بانى ما نصبت لك عليه دلالة فان القائل بوجوب الاحتياط لا ينبغى ان يفرق فى وجوبه بين ان يكون الآمر لم ينصب دليلا او نصب واختفى غاية الامر ان ترك النصب من الآمر قبيح وهذا لا يرفع التكليف بالاحتياط عن المكلف فان قلت ان بناء العقلاء على وجوب الاحتياط فى الاوامر العرفية الصادرة من الاطباء او الموالى فان الطبيب اذا امر المريض بتركيب معجون فشك فى جزئية شىء له مع العلم بانه غير ضار له فتركه المريض مع قدرته عليه استحق اللوم وكذا المولى اذا امر عبده بذلك.

ـ (اقول) حاصل ما افاده قده فى وجه ما اختاره من القول بالبراءة عقلا ونقلا هو ان المقتضى لجريان البراءة العقلية والشرعية عن وجوب الاكثر موجود والمانع عنه مفقود.

(اما وجود المقتضى) فلان الموضوع لحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان ليس هو إلّا الشك فى التكليف النفسى المولوى الذى يستتبع مخالفته العقاب وفيما نحن فيه يشك فى تعلق التكليف بالاكثر فالعقاب على تركه يكون بلا بيان وكذا الموضوع فى ادلة البراءة الشرعية هو الجهل بالحكم الواقعى والمفروض فى المقام هو الجهل بوجوب الاكثر فيعمه حديث الرفع ونحوه من الادلة الشرعية.

(واما فقد المانع) فلان المانع المتصور فى جريان البراءة فى الاكثر ليس هو إلّا العلم الاجمالى بتعلق التكليف بالاقل او الاكثر ولكن ينحل العلم

٣٦٣

قلت اما اوامر الطبيب فهى ارشادية ليس المطلوب فيها إلّا احراز الخاصية المترتبة على ذات المأمور به ولا نتكلم فيها من حيث الاطاعة والمعصية ولذا لو كان بيان ذلك الدواء بجملة خبرية غير طلبية كان اللازم مراعات الاحتياط فيها وان لم يترتب على مخالفته وموافقته ثواب او عقاب والكلام فى المسألة من حيث قبح عقاب الآمر على مخالفة المجهول وعدمه واما اوامر الموالى الصادرة بقصد الاطاعة فيلتزم فيها بقبح المؤاخذة اذا عجز العبد عن تحصيل العلم بجزء فاطلع عليه المولى وقدر على رفع جهله ولو على بعض الوجوه الغير المتعارفة إلّا انه اكتفى بالبيان المتعارف فاختفى على العبد لبعض العوارض نعم قد يأمر المولى بمركب يعلم ان المقصود منه تحصيل عنوان يشك فى حصوله اذا اتى بذلك المركب بدون ذلك الجزء المشكوك كما اذا امر بمعجون وعلم ان المقصود منه اسهال الصفراء بحيث كان هو المأمور به فى الحقيقة او علم انه الغرض من المأمور به فان تحصيل العلم باتيان المأمور به لازم كما سيجىء فى المسألة الرابعة

ـ الاجمالى الى العلم التفصيلى بتعلق التكليف بالاقل والشك البدوى فى الاكثر فان المعلوم بالاجمال ليس هو إلّا خطابا واحدا نفسيا وتعلق هذا الخطاب بالاقل معلوما تفصيلا للعلم بوجوبه على كل حال سواء تعلق التكليف بالاكثر او لم يتعلق

(وما تكرر فى كلمات الشيخ قده) من انه يعلم بتعلق التكليف بالاقل على كل تقدير سواء كان نفسيا او مقدميا فليس ظاهره بمراد على ما تعرض له بعض المحققين لان وجوب الاقل لا يكون مقدميا على كل حال ولو كان وجوبه فى ضمن وجوب الاكثر وبتبع التكليف به لان الاجزاء لا تجب بالوجوب المقدمى الغيرى بل انما هى تجب بالوجوب النفسى المتعلق بالمركب

٣٦٤

ـ المنبسط على كل واحد من الاجزاء لان المركب ليس إلّا الاجزاء باسرها فهى واجبة بعين وجوب الكل ومن هنا تصح دعوى العلم التفصيلى بتعلق التكليف النفسى بالاقل والشك فى تعلقه بالاكثر فينحل العلم الاجمالى لا محالة.

(وبالجملة) قد تبين لك انه لا قصور فى جريان البراءة العقلية عن الاكثر مضافا الى البراءة الشرعية لوجود المقتضى وهو الشك وانتفاع المانع وهو العلم الاجمالى لما عرفت من ان العلم الاجمالى المتصور فى المقام انما هو بالنسبة الى حد التكليف من حيث تردده بين كونه بحدّ لا يتجاوز عن الاقل او بحدّ يتجاوز عنه ويشمل الزائد وإلّا فبالنسبة الى نفس التكليف والواجب لا يكون من الاول الاعلم تفصيلى بمرتبة من التكليف وشك بدوى محض بمرتبة اخرى منه متعلقة بالزائد.

(ولذا) قيل ان فى تسمية ذلك بالعلم الاجمالى مسامحة واضحة لانه فى الحقيقة لا يكون إلّا من باب ضم مشكوك بمعلوم تفصيلى.

(فان قلت) ان بناء العقلاء على وجوب الاحتياط فى الاوامر العرفية الصادرة من الاطباء والموالى فان الطبيب اذا امر المريض بتركيب معجون فشك فى جزئية شىء له مع العلم بانه غير ضار له فتركه المريض مع قدرته عليه استحق اللوم وكذا المولى اذا امر عبده بذلك.

(قلت) قد تقدم غير مرة ان الاوامر العرفية الصادرة من الاطباء والموالى ارشادية لا يترتب على موافقتها ومخالفتها سوى الخاصية المترتبة على الفعل او الترك فالمطلوب منها ليس إلّا التحرز عن الخاصية المترتبة على ذات المأمور به ولا يتكلم فيها من حيث الاطاعة والمعصية بخلاف المقام فان الامر فيه مولوى ويتكلم فيه من حيث الاطاعة والمعصية والحاكم فيهما بالتحقق وعدمه هو العقل فان الاطاعة غير ذات الواجب الواقعى وقد يحكم بتحقق الاطاعة مع عدم القطع بحصول الواجب الواقعى وفى المقام استقلال العقل بكفاية فعل الاقل وحكمه

٣٦٥

ـ بتحقق الاطاعة وقبح العقاب على تقدير كون الواجب هو الاكثر.

(وبعبارة واضحة) اذا امر الشارع بفعل مركب من الاجزاء والشرائط فلا بد له من بيانهما فما بينه من الاجزاء والشرائط صح له العقاب عليه اذا تركه المكلف بعد ثبوته عنده بالطرق الشرعية وما لم يبيّنه من الاجزاء والشرائط او بيّنه ولم يصل الى المكلف بعد الفحص لم يصح له العقاب عليه فان العقاب بلا بيان لا ريب فى قبحه هذا اذا كان المركب امرا مخترعا من الشارع (واما اذا كان) امرا عرفيا يعرفه العرف فكذلك.

(وبالجملة) ان المركب سواء كان امرا مخترعا من الشارع كالصلاة مثلا او امرا عرفيا يعرفه العرف كالمعاجين فهو ايضا مما لا يصح العقاب عليه بمجرد الامر به الا بقدر البيان على اجزائه وشرائطه فما كان عليه بيان من الشرع او العرف صح العقاب عليه وإلّا فلا.

(قوله نعم قد يأمر المولى بمركب يعلم ان المقصود منه الخ) هذا الاستدراك اشارة الى تسليم وجوب الاحتياط بفعل ما شك فى مدخليته وجزئيته فى المركب فيما كان مورد الشك فيه فى حصول العنوان او كان مورد الشك فى حصول الغرض فذهب قدس‌سره فيهما الى اصالة الاشتغال وعدم جريان البراءة العقلية والشرعية فيهما اذا شك فى حصول العنوان والغرض باتيان ذلك المركب بدون ذلك الجزء المشكوك فالمرجع فيهما هو الاحتياط لقاعدة الاشتغال ومن هذا القبيل مسئلة الوضوء فان المقصود منه تحصيل عنوان الطهارة التى يحصّلها الوضوء فحينئذ اذا شك فى جزئية شىء وشرطيته للوضوء او الغسل الرافعين فهو من قبيل الشك فى المحصّل الذى يجب فيه الاحتياط على ما اختاره قدس‌سره فى المسألة الرابعة من مسائل الاقل والاكثر وبمثابته اذا كان المأمور به ذو غرض مترتب عليه فيجب علينا العلم بحصوله وتحققه خارجا فاللازم فى كلا الفرضين هو الاحتياط فان تحصيل العلم بحصول العنوان والغرض من المأمور

٣٦٦

ـ به لازم عند العقلاء.

(قال المحقق النائينى) ان المراد من العنوان الواقع فى كلام الشيخ قده الذى ذهب الى عدم جريان البراءة العقلية والشرعية فيه انما هو السبب التوليدى الذى يكون الفعل الصادر عن الفاعل تمام العلة لتولده او الجزء الاخير منها وحينئذ تصح دعوى عدم جريان البراءة العقلية والشرعية عند الشك فى حصوله (الى ان قال).

(واما معنى الغرض المعطوف على العنوان) فى كلام الشيخ قده فقد يتوهم انه عبارة عن المصالح والملاكات التى تبتنى عليها الاحكام على ما ذهب اليه العدلية وربما يؤيد كون المراد من الغرض ذلك قوله ان قلت ان الاوامر الشرعية كلها من هذا القبيل لابتنائها على مصالح فى المأمور به الخ ولكن التأمل فى كلامه يعطى عدم ارادة ذلك منه فانه لو كان المراد من الغرض ملاكات الاحكام فيلزم سدّ جريان البراءة فى جميع موارد تردد المكلف به بين الاقل والاكثر لانه ما من مورد الا ويشك فى قيام الملاك بالاقل فيشك فى حصول الملاك عند ترك الاكثر(الى ان قال).

(يحتمل) ان يكون الغرض من الامر التعبد به وقصد امتثاله ولا دافع لهذا الاحتمال عقلا وشرعا لانه ليس اعتباره بالجعل الثانوى حتى يدفع احتمال اعتباره باصالة عدم تعلق الجعل به بل المفروض ان ذات الامر يقتضى ايجاب التعبد وقصد الامتثال فلا اصل ينفى احتمال كون الغرض من الامر التعبد به فلا بد من قصد الامتثال عند الشك فى اعتباره لكى يعلم بتحقق الغرض من الامر.

(وهذا هو المراد) من الغرض المعطوف على العنوان فى كلام الشيخ لا الغرض بمعنى الملاك فانه لا ينبغى ان يتوهم احد وجوب تحصيل القطع بتحقق الملاك الذى لا يكاد يمكن الامر بتحصيله فالغرض الذى يمكن ان يقال بوجوب تحصيل العلم بتحققه هو الغرض بمعنى قصد التعبد والامتثال فانه بهذا المعنى يكون من كيفيات المأمور به وخصوصياته اللاحقة له بنفس تعلق الامر به هذا وفى المقام بحث طويل لا يسعه هذا المختصر.

٣٦٧

(فان قلت) ان الاوامر الشرعية كلها من هذا القبيل لابتنائها على مصالح فى المأمور به فالمصلحة فيها اما من قبيل العنوان فى المأمور به او من قبيل الغرض وبتقرير آخر المشهور بين العدلية ان الواجبات الشرعية انما وجبت لكونها ألطافا فى الواجبات العقلية فاللطف اما هو المأمور به حقيقية او غرض للامر فيجب تحصيل العلم بحصول اللطف ولا يحصل إلّا باتيان كل ما شك فى مدخليته (قلت) اولا اما مسئلة البراءة والاحتياط غير مبتنية على كون كل واجب فيه مصلحة وهو لطف فى غيره فنحن نتكلم فيها على مذهب الاشاعرة المنكرين للحسن والقبح او مذهب بعض العدلية المكتفين بوجود المصلحة فى الامر وان لم يكن فى المأمور به وثانيا ان نفس الفعل من حيث هو ليس لطفا ولذا لو اتى به لا على وجه الامتثال لم يصح ولم يترتب عليه لطف ولا اثر آخر من آثار العبادة الصحيحة بل اللطف انما هو فى الاتيان به على وجه الامتثال.

ـ (اقول) ولا بد قبل توضيح الاشكال والجواب عنه بالوجهين المذكورين من التعرض لامرين.

(احدهما) شرح كلام العدلية حيث قالوا ان الواجبات الشرعية الطاف فى الواجبات العقلية ويحتمل معناه بين وجوه انا نتعرض لبعضها.

(احدها) ان يكون معناه ان امتثال الواجب السمعى باعث على امتثال الواجب العقلى فان من امتثل الواجبات السمعية كان اقرب الى امتثال الواجبات العقلية ولا معنى اللّطف الا ما يكون المكلف معه اقرب الى الطاعة واليه يشير قوله تعالى (أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) وقوله (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) وغيرهما وهو الذى اشار اليه فى جامع المقاصد حيث قال فى بيان معنى العبارة المذكورة ان امتثالها باعث على امتثال الواجبات العقلية انتهى فان من فعل

٣٦٨

وحينئذ فيحتمل ان يكون اللطف منحصرا فى امتثاله التفصيلى مع معرفة وجه الفعل ليوقع الفعل على وجهه فان من صرح من العدلية بكون العبادات السمعية انما وجبت لكونها ألطافا فى الواجبات العقلية قد صرح بوجوب ايقاع الواجب على وجهه ووجوب اقترانه به وهذا متعذر فيما نحن فيه لان الآتي بالاكثر لا يعلم انه الواجب او الاقل المتحقق فى ضمنه ولذا صرح بعضهم كالعلامة ويظهر من آخر منهم وجوب تميز الاجزاء الواجبة من المستحبات ليوقع كلا على وجهه وبالجملة فحصول اللطف بالفعل المأتى به من الجاهل فيما نحن فيه غير معلوم بل ظاهرهم عدمه فلم يبق عليه الا التخلص من تبعة مخالفة الامر الموجه اليه فان هذا واجب عقلى فى مقام الاطاعة والمعصية ولا دخل له بمسألة اللطف بل هو جار على فرض عدم اللطف وعدم المصلحة فى المأمور به رأسا وهذا التخلص يحصل بالاتيان بما يعلم ان مع تركه يستحق العقاب والمؤاخذة واما الزائد فيقبح المؤاخذة عليه مع عدم البيان.

ـ الواجب السمعية كالصلاة والصوم وغيرهما يحصل له صفاء فى النفس وكمال فى الباطن ويكون مستعدا للاتيان بالواجبات العقلية كالعدل ووجوب رد الوديعة والاحسان ويحصل له المعارف الالهية.

(وثانيها) ان يكون قولهم هذا اشارة الى ما هو المذكور فى طرف العكس من القضية المعنونة فى باب الملازمة اعنى ان الواجبات السمعية منطبقة على الواجبات العقلية بحيث يحكم العقل بها تفصيلا على تقدير علمه بجهات الاحكام من المصالح والمفاسد من حيث انهما مما يحكم العقل بمقتضاهما بعد الاطلاع عليهما كما ذكروا فى بيان التلازم بين القاعدتين اعنى كل ما حكم به الشرع حكم به العقل وبالعكس واول الوجهين هو الاقرب وان كان المناسب

٣٦٩

فى عبارة الشيخ قدس‌سره هو الوجه الاخير فتأمل.

(الثانى) انهم اختلفوا فى ان الطهارات الثلاث كالوضوء والغسل والتيمم هل هى اسم للافعال الخارجية كما عن المحقق الخوانسارى ومن تبعه او انها اسم للنظافة المعنوية القائمة بالنفس فى قبال القذارة المعنوية المعبر عنها بالحدث وكون هذا من باب الحقيقة الشرعية او الادعائية او من باب التوسع فى الاستعمال او الاختلاف فى المصداق يعنى ان معنى الطهارة عند العرف والشرع شيء واحد والاختلاف فى المصداق كما احتمل هذا الوجه ايضا فى مدلول البيع وجوه.

(قيل) والثمرة بينها انه على الوجه الاخير كما عن المصنف ره فالمرجع عند الشك فى اجزاء الطهارة هو الاحتياط كيف والمأمور به من ذوات الاغراض والشك فى المحصل واما على الاول فالمرجع عند الشك هو البراءة لانه من المركب الاقتراحى واما على باقى الوجوه فكذلك فان المأمور به على تقديرها وان كان من ذوات الاغراض لكنه بحسب المفهوم مجهول بخلاف الاخير لفرض اتحاد العرف والشرع فيه فهو مبين والشك فى محصله وساير الوجوه يكون نفس مدلول الطهارة مجهولا.

(اذا عرفت ما ذكرنا) فنقول انه قدس‌سره لما سلم وجوب الاحتياط فيما كان يأمر المولى بمركب يعلم ان المقصود منه تحصيل عنوان يشك فى حصوله اذا اتى بذلك المركب بدون ذلك الجزء المشكوك كما اذا امر بمعجون وعلم ان المقصود منه اسهال الصفراء بحيث كان هو المأمور به حقيقة او علم انه الغرض من المأمور به فان تحصيل العلم باتيان المأمور به لازم فقد تفطن على ورود سؤال على نفسه حيث قال :

(فان قلت) ان الاوامر الشرعية كلها من هذا القبيل الخ وحاصله انه بناء على ما هو الحق من تبعية الاحكام للملاكات الثابتة فى متعلقاتها نعلم فى المقام بثبوت مصلحة ملزمة قائمة بالاقل او بالاكثر وبما ان المفروض لزوم استيفائها

٣٧٠

ـ بحكم العقل فلا مناص من الاحتياط بالاتيان بالاكثر اذ المفروض انه لا يعلم بحصولها عند الاقتصار على الاقل.

(وقد اجاب عنه قده بجوابين) الاول ان البحث عن جريان البراءة عند دوران الامر بين الاقل والاكثر لا يبتنى على مسلك العدلية القائلين بتبعية الاحكام للملاكات فيمكن ان نتكلم فيها على مذهب الاشاعرة المنكرين للحسن والقبح بمعنى انهم منكرون حجية العقل من حيث ادراكه للحسن والقبح ويقولون ان احكام الله تعالى غير تابعة لشيء او مذهب بعض العدلية المكتفين بوجود المصلحة فى الامر وان لم يكن فى المأمور به كالمحقق جمال الدين الخوانسارى والسيد صدر الدين وصاحب الفصول حيث ذهبوا الى كفاية المصلحة فى نفس التكليف والامر والطلب نظير التكاليف الغير المطردة العلة التى يعبر عنها بالحكمة كتشريع العدة لحفظ الانساب من الاختلاط وغسل الجمعة لرفع رياح الآباط وكراهة الصلاة فى الحمام وغير ذلك.

(الثانى) ان الغرض المعلوم فى المقام لا يمكن تحصيل القطع به على كلا تقديرى الاتيان بالاقل والاكثر اما على تقدير الاتيان بالاقل فلاحتمال دخل الاكثر فى حصول الغرض واما على تقدير الاتيان بالاكثر فلان الاتيان بالزائد لا يخلو من ان يكون بقصد الامر الجزمى او بقصد الامر الاحتمالى.

(اما الاول) فتشريع محرم لا يحتمل معه الوفاء بالغرض.

(واما الثانى) فلا يقطع معه بحصول الغرض لاحتمال اعتبار قصد الوجه فى تحققه وحصوله فاذا لا يجب علينا تحصيل اليقين بالغرض قطعا فلا يبقى فى البين الا الفرار من العقاب وهو يحصل بالاتيان بالاقل للعلم بوجوبه واما الاكثر فاحتمال العقاب على تركه يدفع بالاصل هذا ملخص ما افاده قدس‌سره.

(ولا يخفى عليك) ما فى كلا الجوابين اما الاول فلانه لا يتم على مسلك من يرى تبعية الاحكام للملاكات الواقعية وجواز الرجوع الى البراءة على مذهب

٣٧١

ـ الاشعري لا يجدى القائل ببطلانه كما هو ظاهر.

(واما الثانى) فلما اورد عليه فى الكفاية بوجوه نذكر بعضها.

(الاول) ان ما ذكره الشيخ ره من عدم امكان تحصيل القطع بالغرض لو تم فانما يتم فى التعبديات دون التوصليات التى لا يحتمل فيها دخل قصد الوجه فى حصول الغرض خارجا فلازم ذلك هو القول بوجوب الاحتياط فى الواجبات التوصلية دون التعبدية وهو باطل قطعا.

(الثانى) ان لازم ما ذكره عدم التمكن من الاحتياط فى المقام اصلا وهو باطل بالضرورة بيان الملازمة ان الاحتياط ان كان لاجل القطع بادراك المصلحة الواقعية فهو غير ممكن على الفرض وان كان للتحرز من العقاب فالمفروض حصوله باتيان الاقل وعدم احتمال العقاب على ترك الاكثر فلا معنى للاحتياط بالاتيان بالاكثر اصلا.

(نعم) لا بأس بالاحتياط فى دوران الامر بين المتباينين اذ المفروض فى مورده عدم حصول الامن من العقوبة إلّا بالاحتياط ومراعات العلم الاجمالى فى جميع اطرافه وان لم يمكن الجزم بحصول الغرض مع ذلك لاحتمال دخل قصد الوجه فى حصوله.

(الثالث) ان ما ذكره مبنى على احتمال دخل قصد الوجه فى حصول الغرض وتحققه خارجا مع انه احتمال لا يساعد عليه دليل بل هو مقطوع البطلان على ما تقدم بيانه فى بحث التعبدى والتوصلى على انه لو صح احتمال دخل قصد الوجه فى الغرض فهو انما يصح فى الواجبات الاستقلالية.

(واما الواجبات الضمنية) اعنى بها الاجزاء فلا يحتمل دخل قصد الوجه فيها فى حصول الغرض من الواجب الاستقلالى ويظهر الوجه فى ذلك من الادلة التى ذكروها لاعتبار قصد الوجه فى حصول الغرض فانها مع عدم تماميتها فى انفسها مختصة بقصد الوجه فى الواجب الاستقلالى دون الضمنى.

٣٧٢

(فان قلت) ان ما ذكر فى وجوب الاحتياط فى المتباينين بعينه موجود هنا وهو ان المقتضى وهو تعلق الوجوب الواقعى بالامر الواقعى المردد بين الاقل والاكثر موجود والجهل التفصيلى به لا يصلح مانعا لا عن المأمور به ولا عن توجه الامر كما تقدم فى المتباينين حرفا بحرف قلت نختار هنا ان الجهل مانع عقلى عن توجه التكليف بالمجهول الى المكلف لحكم العقل بقبح المؤاخذة على ترك الاكثر المسبب عن ترك الجزء المشكوك من دون بيان ولا يعارض بقبح المؤاخذة على ترك الاقل من حيث هو من دون بيان اذ يكفى فى البيان المسوغ للمؤاخذة عليه العلم التفصيلى بانه مطلوب للشارع بالاستقلال او فى ضمن الاكثر ومع هذا العلم لا يقبح المؤاخذة.

ـ (اقول) قد تقدم فى اول المطلب الثانى انه اذا كان الواجب مرددا بين امرين متباينين كما اذا تردد بين وجوب الظهر والجمعة فى يوم الجمعة ونحو ذلك (وكان منشأ الاشتباه) عدم النص المعتبر فلا اشكال فى حرمة المخالفة القطعية على ما يشهد به ضرورة العقل بعد ملاحظة شمول الخطاب للمعلوم بالاجمال وعدم المانع من تنجزه على المكلف ويحكم به العقلاء كافة فانهم لا يفرقون بين الخطاب المعلوم تفصيلا او اجمالا فى حرمة مخالفته وفى عدها معصية واما وجوب الموافقة القطعية فيه ففيه قولان ولكن الاقوى وجوب موافقة القطعية لوجود المقتضى وعدم المانع وقد سبق البحث عنهما تفصيلا.

(وبعد ما عرفت) ذلك فنقول حاصل السؤال المذكور ان ما ذكر فى وجوب الاحتياط فى المتباينين بعينه موجود هنا وهو ان المقتضى وهو تعلق الوجوب الواقعى بالامر الواقعى المردد بين الاقل والاكثر موجود والجهل التفصيلى بالواجب الواقعى لا يصلح مانعا لا عن تنجز المأمور به ولا عن توجه الامر اذ لو كان مانعا عن تعلق التكليف الواقعى لكان العلم التفصيلى شرطا

٣٧٣

وما ذكر فى المتباينين سندا لمنع كون الجهل مانعا من استلزامه لجواز المخالفة القطعية وقبح خطاب الجاهل المقصر وكونه معذورا بالنسبة الى الواقع مع انه خلاف المشهور او المتفق عليه غير جار فيما نحن فيه اما الاول فلان عدم جواز المخالفة القطعية لكونها مخالفة معلومة بالتفصيل فان وجوب الاقل بمعنى استحقاق العقاب بتركه معلوم تفصيلا وان لم يعلم ان العقاب لاجل ترك نفسه او لترك ما هو سبب فى تركه وهو الاكثر فان هذا العلم غير معتبر فى الزام العقل بوجوب الاتيان اذ مناط تحريك العقل الى فعل الواجبات وترك المحرمات دفع العقاب ولا يفرق فى تحريكه بين علمه بان العقاب لاجل هذا الشيء او لما هو مستند اليه.

ـ لتعلقه بالمكلف فى مرحلة الواقعى فيلزم الدور.

(ولو كان مانعا) عن توجه التكليف الى المكلف لكان لاحد وجهين اما لكون الجاهل غير قادر على امتثال الحكم الواقعى فيرجع الجهل الى فقد شرط من شروطه وهو القدرة واما لعدم قابليته لتوجه خطاب اليه والاول باطل اذ لا شك فى امكان الامتثال مع القدرة على الاحتياط كما يشهد به التكليف بالمجمل فى الجملة والثانى ايضا باطل وإلّا لجاز المخالفة القطعية ولقبح عقاب الجاهل المقصر وخطابه مع ان قبح الاول كعدم قبح الثانى كاد ان يلحق بالضروريات وهذا هو الذى قرره الشيخ قدس‌سره فيما تقدم.

(قوله قلت نختار هنا ان الجهل مانع عقلى الخ) محصّل الجواب عن السؤال المذكور ان العقل مستقل فى الحكم بقبح توجيه التكليف بالمجهول الى المكلف اذ مناط حكمه الى فعل الواجبات وترك المحرمات ليس إلّا دفع العقاب والتخلص من النار فملاك الوجوب عنده ليس إلّا استحقاق العقاب على تركه

(والوجوب بهذا المعنى) بالنسبة الى الاقل معلوم تفصيلا كيف

٣٧٤

ـ وترك الاقل يورث العقاب لا محالة وان لم يعلم ان العقاب لاجل ترك نفسه او لترك ما هو سبب فى تركه وهو الاكثر فان هذا العلم غير معتبر فى الزام العقل بوجوب الاتيان اذ مناط تحريك العقل الى فعل الواجبات وترك المحرمات دفع العقاب ولا يفرق فى تحريكه بين علمه بان العقاب لاجل هذا الشىء او لما هو مستند اليه ولكن الملاك المذكور بالنسبة الى الاكثر مفقود لحكم العقل بقبح المؤاخذة على ترك الاكثر المسبب عن ترك الجزء المشكوك من دون بيان ولا يعارض بقبح المؤاخذة على ترك الاقل من حيث هو من دون بيان اذ يكفى فى البيان المسوغ للمؤاخذة عليه العلم التفصيلى بانه مطلوب للشارع بالاستقلال او فى ضمن الاكثر ومع هذا العلم لا يقبح المؤاخذة.

(وما ذكر فى المتباينين سندا) لمنع كون الجهل مانعا من استلزام كون الجهل مانعا لجواز المخالفة القطعية وقبح خطاب الجاهل المقصر وكونه معذورا بالنسبة الى الواقع وقد سبق ان الجهل اما ان يكون مانعا عن تعلق التكليف الواقعى بان يكون العلم شرطا له واما ان يكون مانعا عن توجه التكليف الى المكلف وهو اما ان يكون لعدم القدرة على الامتثال واما ان يكون لعدم قابلية الجاهل لتوجه الخطاب والاخير مستلزم لجواز المخالفة القطعية ولقبح خطاب الجاهل المقصر وعقابه وكلها باطلة ولكن وجه عدم تعرضه قدس‌سره لبطلان الشقين الاولين وضوح بطلانهما بحيث لا يحتاج الى البيان.

(قوله) وكونه معذورا بالنسبة الى الواقع عطف على قوله قبح خطاب الجاهل المقصر وتفسير له او بيان للازمه.

(قوله مع انه خلاف المشهور الخ) مرجع الضمير على الظاهر هو الاخير وهو قبح خطاب الجاهل المقصر وكونه معذورا وكونه خلاف المشهور من جهة مخالفة صاحب المدارك وشيخه على ما حكى عنهما حيث ذهبا الى قبح خطاب الجاهل المقصر وكونه معذورا بالنسبة الى الواقع وان العقاب انما هو

٣٧٥

ـ على ترك التعلم وكونه خلاف المتفق عليه اما من جهة عدم الاعتناء بمخالفتهما لكونهما معلومى النسب او لعدم كون مخالفة بعض العلماء مضرا فى الاجماع مطلقا او لتأويل كلامهما او المشهور بحيث يرتفع المخالفة وقال بعض الاعلام من المحشين يمكن ارجاع الضمير الى كلتا الفقرتين وكون جواز المخالفة القطعية مخالفا للمشهور من جهة ما حكى عن ظاهر بعض من جوازها كما قرره المصنف فيما سبق وكونه مخالفا للمتفق عليه من جهة تأويل كلام البعض المذكور او من جهة عدم قدح المخالفة من حيث عدم الاعتناء بمخالفة معلوم النسب او لعدم كون مخالفة بعض العلماء مضرا فى الاجماع.

(قوله غير جار فيما نحن فيه الخ) يعنى ما ذكر فى المتباينين من الوجهين المذكورين سندا لمنع كون الجهل مانعا غير جار فيما نحن فيه من الاقل والاكثر لان الاصل فى المقام لا يجرى فى احد طرفى العلم وهو الاقل المتيقن الوجوب واما فى الاكثر فلا مانع من جريانه واما عدم جريانه فى كل من المتباينين فلما تقدم من الشيخ قدس‌سره من ان جريانه فى احدهما ترجيح بلا مرجح وفى كليهما معا مستلزم لجواز المخالفة القطعية.

(وبعبارة اخرى) ان الجهل التفصيلى فى المقام مانع من تنجز الخطاب وفعلية التكليف بالنسبة الى الجزء المشكوك لكونه تكليفا من دون بيان والعقل يحكم بقبح المؤاخذة على ترك الاكثر المسبب عن ترك الجزء المشكوك من دون بيان بخلاف الجهل فى المتباينين فان الخطاب فيهما انما هو على امر مردد بين الامرين ولا جامع بينهما حتى يكون القدر المتيقن فى مقام التكليف فلا بد فيهما من الالتزام بوجوب الاحتياط دفعا للضرر المحتمل وفرارا عن احتمال العقاب بترك احدهما وهذا بخلاف المقام فانه لو حكم بجريان البراءة بالنسبة الى الجزء المشكوك او الاكثر كما هو المدعى لم يعارض بجريانها بالنسبة الى الاقل فان القطع بوجوبه واستحقاق العقوبة عند تركه مانع من الرجوع الى البراءة بالنسبة اليه وليس فيه ترجيح بلا مرجح اصلا.

٣٧٦

(واما) عدم معذورية الجاهل المقصر فهو للوجه الذى لا يعذر من اجله الجاهل بنفس التكليف المستقل وهو العلم الاجمالى بوجود واجبات ومحرمات كثيرة فى الشريعة وانه لولاه لزم اخلال الشريعة لا العلم الاجمالى الموجود فى المقام اذا الموجود فى المقام علم تفصيلى وهو وجوب الاقل بمعنى ترتب العقاب على تركه وشك فى اصل وجوب الزائد ولو مقدمة وبالجملة فالعلم الاجمالى فيما نحن فيه غير مؤثر فى وجوب الاحتياط لكون احد طرفيه معلوم الالزام تفصيلا والآخر مشكوك الالزام رأسا ودوران الالزام فى الاقل بين كونه مقدميا او نفسيا لا يقدح فى كونه معلوما بالتفصيل.

ـ (حاصل هذا الوجه) ان الشك فى المتباينين كان فى المكلف به الغير المنحل الى العلم التفصيلى والشك البدوى بل كان طرفا الشك فيه متساويين فى احتمال تحقق المعلوم بالاجمال فيه فيكون نظير الشك الحاصل للجاهل المقصر العالم اجمالا بوجود واجبات ومحرمات فى الشريعة فمعذورية الجاهل فى المتباينين مستلزمة لمعذورية الجاهل المقصر بالنسبة الى الواقع مع كونها خلاف الاجماع فى الجملة.

(واين ذلك) من المقام الذى ينحل العلم الاجمالى فيه الى العلم التفصيلى وهو وجوب الاقل بمعنى ترتب العقاب على تركه والشك البدوى بالنسبة الى الاكثر فالعقل يحكم فى الاول بالاحتياط من جهة دفع الضرر المحتمل بخلاف المقام فان العلم الاجمالى فيه غير مؤثر فى وجوب الاحتياط لكون احد طرفيه معلوم الالزام تفصيلا وهو الاقل والطرف الآخر وهو الاكثر مشكوك الالزام رأسا ودوران الالزام فى الاقل بين كونه مقدميا او نفسيا لا يقدح فى كونه معلوما بالتفصيل لما تقدم من حكم العقل بوجوب القيام بما علم اجمالا او تفصيلا الزام المولى بد على اىّ وجه كان ويحكم بقبح المؤاخذة على ما شك فى الزامه.

٣٧٧

لما ذكرنا من ان العقل يحكم بوجوب القيام بما علم اجمالا او تفصيلا الزام المولى به على اى وجه كان ويحكم بقبح المؤاخذة على ما شك فى الزامه والمعلوم الزامه تفصيلا هو الاقل والمشكوك الزامه رأسا هو الزائد والمعلوم الزامه اجمالا هو الواجب النفسى المردد بين الاقل والاكثر ولا عبرة به بعد انحلاله الى معلوم تفصيلى ومشكوك كما فى كل معلوم اجمالى كان كذلك كما لو علم اجمالا بكون احد من الإناءين الذين احدهما المعين نجس خمرا فانه يحكم بحليّة الطاهر منهما والعلم الاجمالى بالخمر لا يؤثر فى وجوب الاحتياط عنه.

ـ (ولا يخفى) ان هنا اشياء ثلاثة المعلوم الالزام تفصيلا وهو الاقل والمشكوك الالزام رأسا وهو الاكثر والمعلوم الالزام اجمالا وهو الواجب النفسى المردد بين الاقل والاكثر ولا عبرة به بعد انحلاله الى معلوم تفصيلى ومشكوك كما فى كل معلوم اجمالى كان كذلك كما لو علم اجمالا بكون احد من الإناءين اللذين احدهما المعين نجس خمرا فانه يحكم بحلية الطاهر منهما والعلم الاجمالى بالخمر لا يؤثر فى وجوب الاجتناب عنه.

(ووجه ذلك) يظهر مما ذكره قدس‌سره فى التنبيه الثالث من التنبيهات المتقدمة فى اول اصالة الاشتغال حيث قال فيه ان وجوب الاجتناب عن كلا المشتبهين انما هو مع تنجز التكليف بالحرام الواقعى على كل تقدير بان يكون كل منهما بحيث لو فرض القطع بكونه الحرام كان التكليف منجزا بالاجتناب فلو لم يكن كذلك بان لم يكلف به اصلا كما لو علم بوقوع قطرة من البول فى احد اناءين احدهما بول او متنجس بالبول او كثير لا ينفعل بالنجاسة او احد ثوبين احدهما نجس بتمامه لم يجب الاجتناب عن الآخر لعدم العلم بحدوث التكليف بالاجتناب عن ملاقى هذه القطرة اذ لو كان ملاقيها هو الاناء النجس لم يحدث

٣٧٨

ـ بسببه تكليف بالاجتناب اصلا فالشك فى التكليف باجتناب عن الآخر شك فى اصل التكليف لا المكلف به.

(وهذا الوجه المذكور) يجرى فى المقام ايضا لان التكليف بوجوب الاتيان بالاقل معلوم تفصيلا والعلم الاجمالى بوجوب النفسى المردد بين الاقل والاكثر لا يحدث تكليفا باتيان الاقل بل وجوب اتيانه ثابت قبل العلم الاجمالى ويكون التكليف بالنسبة الى الاكثر مشكوكا لانحلاله الى معلوم تفصيلى ومشكوك فما يقتضيه حكم العقل فى المقام هو وجوب الاتيان بالاقل لدفع الضرر المحتمل وعدم وجوب الاتيان بالمشكوك لحكمه بقبح المؤاخذة على ترك الاكثر المسبب عن ترك الجزء المشكوك من دون بيان.

(ولا يخفى عليك) ان التمثيل بالمثال المذكور فى المتن لا يناسب المقام على الظاهر اذ الخمر لها اثر زائد على آثار مطلق النجاسة فالعلم الاجمالى المذكور مؤثر على كل تقدير سواء كان فى ضمن الاناء النجس بالنجاسة البولية مثلا او فى ضمن الاناء الآخر ولا مسرح للرجوع الى اصل البراءة فى واحد منهما ولو مثل بوقوع قطرة من البول فى احد الإناءين الذين علم تفصيلا بنجاسة احدهما المعين بالبول كما مثل فى التنبيه الثالث لكان سالما عن هذا الايراد لانه يكون مثل المقام من جهة عدم الاثر للعلم الاجمالى بالنسبة الى المشكوك.

(كما قال فى بحر الفوائد) فى شرح المثال المذكور فى المتن ان ما افاده من عدم تأثير العلم الاجمالى فى ايجاب الاحتياط فيما لو انحل المعلوم بالاجمال الى المعلوم بالتفصيل والمشكوك بالشك البدوى مما لا خفاء فيه إلّا ان ما مثل به للكلية المذكورة وشابه المقام به لا يخلو عن مناقشة لان العلم الاجمالى بالخمر فى المثال يوجب العلم بتوجه خطاب اجمالى ولو بالنسبة الى معلوم النجاسة تفصيلا ضرورة ان حرمة الخمر ليست من حيث نجاسته واستخباثه ولذا لا يكون اشكال فى تعدد العقاب فيما لو شرب مائعا يعلم بكونه مركبا من الخمر والبول وهذا بخلاف

٣٧٩

ـ ما لو شرب مائعا يعلم بوجود البول والغائط فيه مثلا فانه لا اشكال فى وحدة العقاب فيه لوحدة الخطاب فالمتعين التمثيل له بما اذا علم المكلف بوقوع قطرة من البول من احد اناءين يعلم بنجاسة احدهما المعين من جهة كونه بولا او بنجس آخر من النجاسات التى لم يثبت لها جهة تحريم من غير جهة النجاسة بناء على تداخل النجاسات حكما من حيث وجوب الاجتناب فى الاكل والشرب وان لم يتداخل من حيث المانعية فى الصلاة.

٣٨٠