درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٤

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٤

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٣

(وبما ذكر يبطل قياس ما نحن فيه) على دوران الامر بين فوت المنفعة الدنيوية وترتب المضرة الدنيوية فان فوات النفع من حيث هو نفع لا يوجب ضررا واما الاخبار الدالة على التوقف فظاهرة فيما لا يحتمل الضرر فى الترك كما لا يخفى وظاهر كلام السيد الشارح للوافية جريان اخبار الاحتياط ايضا فى المقام وهو بعيد واما قاعدة الاحتياط عند الشك فى التخيير والتعيين فغير جار فى امثال المقام مما يكون الحاكم فيه العقل فان العقل اما ان يستقل بالتخيير واما ان يستقل بالتعيين فليس فى المقام شك على كل تقدير وانما الشك فى الاحكام التوقيفية التى لا يدركها العقل إلّا ان يقال ان احتمال ان يرد من الشارع حكم توقيفى فى ترجيح جانب الحرمة ولو لاحتمال شمول اخبار التوقف لما نحن فيه كاف فى الاحتياط والاخذ بالحرمة (ثم لو قلنا) بالتخيير

ـ (يعنى) وبما ذكرنا من ان المصلحة الفائتة بترك الواجب ايضا مفسدة يبطل قياس دوران الامر بين الوجوب والتحريم على دوران الامر بين فوت المنفعة الدنيوية وترتب المضرة الدنيوية لانه قياس مع الفارق اذ ليس فى فوت المنفعة الدنيوية مضرة بخلاف ما نحن فيه فان فى ترك الواجب مضرة كوجودها فى فعل الحرام.

(واما الاخبار الدالة على التوقف الخ) هذا جواب عمّا ربما يتوهم ان مقتضى اخبار التوقف هو ترجيح جانب الحرمة على الوجوب فى المقام وتعين الاخذ بها فيه كما استدل المستدل فى اول استدلاله فى قوله بظاهر ما دل على وجوب التوقف عند الشبهة(وحاصل جوابه قدس‌سره) عنه ان اخبار التوقف لا تشمل المقام لانها ظاهرة فيما لا يحتمل الضرر فى تركه فموردها هو ما دار الامر بين الحرمة وغير الوجوب اذ مفادها ان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام فى الهلكة ولا ريب ان الهلكة انما هى فى الاقتحام فى الشبهة لا فى ترك الاقتحام كما هو ظاهر اخبار التوقف مع ان فيما نحن فيه من دوران الامر بين الوجوب والتحريم مما يحتمل الضرر فى تركه ايضا

٤١

فهل هو فى ابتداء الامر فلا يجوز له العدول عما اختار او مستمر فله العدول مطلقا او بشرط البناء على الاستمرار وجوه يستدل للاول بقاعدة الاحتياط واستصحاب حكم المختار واستلزام العدول للمخالفة القطعية المانعة عن الرجوع من اول الامر الى الاباحة ويضعف الاخير بان المخالفة القطعية فى مثل ذلك لا دليل على حرمتها كما لو بدء للمجتهد فى رأيه او عدل المقلد عن مجتهده لعذر من موت او جنون او فسق او اختيار على القول بجوازه ويضعف الاستصحاب بمعارضة استصحاب التخيير الحاكم عليه ويضعف قاعدة الاحتياط بما تقدم من ان حكم العقل بالتخيير عقلى لا احتمال فيه حتى يجرى فيه الاحتياط ومن ذلك يظهر عدم جريان استصحاب التخيير اذ لا اهمال فى حكم العقل حتى يشك فى بقائه فى الزمان الثانى فالاقوى هو التخيير الاستمرارى لا للاستصحاب بل لحكم العقل فى الزمان الثانى كما حكم به فى الزمان الاول.

ـ فان الاقتحام فى الحرام كما يوجب الهلكة كذلك ترك الاقتحام فيه ايضا يوجب الهلكة بترك الواجب.

(وظاهر كلام السيد الشارح للوافية الخ) يعنى يستفاد من ظاهر كلام السيد جريان اخبار الاحتياط فى المقام وان مقتضاها تقديم الحرمة ولكنه بعيد لعدم امكان الاحتياط فى دوران الامر بين المحذورين هذا ولكن قد نقل بعض المحشين كلام السيد فلا دلالة فيه على جريان اخبار الاحتياط فى المقام حتى تعجب فقال ولا ادرى من اين نقل المصنف عنه ذلك ثم ادعى ان كلام السيد صريح فى ان الحكم التخيير وان اخبار الاحتياط لا يجرى فى دوران الامر بين المحذورين فراجع.

(واما قاعدة الاحتياط عند الشك فى التخيير والتعيين الخ) اقول دوران الامر بين التعيين والتخيير.

(تارة) يكون مورده الحكم الشرعى كالخصال الثلاث فى باب الكفارة بناء

٤٢

ـ على دوران الامر فيها بين الترتيب والتخيير وفى الرجوع فيه الى قاعدة الاحتياط او البراءة وجهان بل قولان.

(واخرى) يكون مورده طريق الحكم الشرعى كدوران الامر بين تعين تقليد الاعلم والتخيير بينه وبين غيره ولا اشكال فى ان المرجع فيه قاعدة الاحتياط(وثالثة) يكون مورده الحكم العقلى ولا اشكال فى عدم الدوران فيه لكون الحاكم فيه العقل فانه اما ان يستقل بالتخيير واما ان يستقل بالتعيين فالعقل فى كل مورد لم يتحقق فيه مرجح على احد الطرفين يحكم بالتخيير وان تحقق مرجح على احدهما فى مورد يحكم بالتعيين بملاحظة ذلك المرجح فالترديد باعتبار تفاوت الموارد وإلّا فالعقل لا يشك فى حكمه.

(ولذا) ذكروا ان الاستصحاب لا يجرى فى الاحكام العقلية اذ لم يتحقق له شك فى موضوع حكمه حتى يشك فى حكم ذلك الموضوع كما تأتى الاشارة من المصنف فى بحث الاستصحاب وانما الشك فى الاحكام التوقيفية التى لا يدركها العقل إلّا ان يقال ان العقل وان لم يتردد فى حكم نفسه إلّا ان احتمال ان يرد من الشارع حكم توقيفى فى ترجيح جانب الحرمة ولو لاحتمال شمول اخبار التوقف لما نحن فيه كاف فى الاحتياط والاخذ بالحرمة.

(قوله ثم لو قلنا بالتخيير الخ) بناء على القول بالتخيير انما الكلام فى ان التخيير فى دوران الامر بين المحذورين بدوىّ فليس له ان يختار فى الواقعة الثانية الا ما اختاره اولا او انه استمرارى فيجوز له ان يختار خلاف ما اختاره فى الواقعة الاولى وان لزم منه الوقوع فى المخالفة القطعية سواء كان بانيا من اول الامر على التخيير الاستمرارى ام لا او بشرط البناء على الاستمرار(وجوه) يستدل للاول بقاعدة الاحتياط يعنى قاعدة الاشتغال عند الشك فى التغيير وتعيين الحكم المختار فان مقتضاها الحكم بتعيين الحكم المختار اذ هو موجب لبراءة الذمة يقينا بخلاف الاخذ بالتخيير الاستمرارى وباستصحاب حكم المختار واستلزام العدول للمخالفة

٤٣

ـ القطعية المانعة عن الرجوع من اول الامر الى الاباحة.

(ويضعف الاخير) بان المخالفة القطعية فى مثل ذلك اى فى مورد الالتزام بالحكم الظاهرى لا دليل على حرمتها فيما كان حصول اطراف الشبهة على نحو التدريج مع وجود الامارة الشرعية فى كل واحد منها كما لو بدأ للمجتهد فى رأيه او عدل المقلد عن مجتهده لعذر كالاعذار التى ذكرها قدس‌سره قوله على القول بجوازه قيد للمثال الاخير.

(ويضعف الاستصحاب) بمعارضة استصحاب التخيير الحاكم عليه وجه الحكومة كون الشك فى بقاء الحكم المختار مسببا عن الشك فى بقاء التخيير فاذا جرى الاصل فى السبب لا يجرى فى المسبب تحقيق ذلك فى باب الاستصحاب إن شاء الله تعالى.

(ويضعف قاعدة الاحتياط) بما تقدم من ان قاعدة الاحتياط غير جار فى امثال المقام مما يكون الحاكم فيه العقل فان حكمه بالتخيير عقلى لا احتمال فيه حتى يجرى فيه الاحتياط واذا ثبت عدم الترديد فى حكمه فيعلم من ذلك عدم جريان استصحاب التخيير اذ لا اهمال فى حكم العقل حتى يشك فى بقائه فى الزمان الثانى (فما قواه قدس‌سره) كما هو الاظهر هو التخيير الاستمرارى لا للاستصحاب بل لحكم العقل فى الزمان الثانى كما حكم به فى الزمان الاول وبعبارة اخرى ان العقل اذا حكم بالتخيير فى مورد تحيّر عن الحكم فبعد الاختيار ايضا باق على تحيّره فما دام متحيرا يجوز له التخيير بلا فرق فى ذلك قبل الاختيار باحد الطرفين او بعد الاختيار باحدهما وهو معنى التخيير الاستمرارى.

٤٤

(المسألة الثانية) اذا دار الامر بين الوجوب والحرمة من جهة اجمال الدليل اما حكما كالامر المردد بين الايجاب والتهديد او موضوعا كما لو امر بالتحرز عن امر مردد بين فعل الشىء وتركه فالحكم فيه كما فى المسألة السابقة (المسألة الثالثة) لو دار الامر بين الوجوب والتحريم من جهة تعارض الادلة فالحكم هنا التخيير لاطلاق ادلته وخصوص بعض منها الوارد فى خبرين احدهما امر والآخر نهى خلافا للعلامة فى النهاية وشارح المختصر والآمدي مرجحا ما دل على النهى لما ذكرنا سابقا ولما هو اضعف منه وفى كون التخيير هنا بدويا او استمراريا مطلقا او مع البناء من اول الامر على الاستمرار وجوه تقدمت إلّا انه قد يتمسك هنا للاستمرار باطلاق الاخبار ويشكل بانها مسوقة لبيان

ـ (اقول) قد عرفت فى صدر البراءة ان الشيخ قدس‌سره قد عقد للبراءة ثمان مسائل اربع للشبهة التحريمية واربع للشبهة الوجوبية ومن كل اربع ثلاثة للشبهة الحكمية وواحدة للشبهة الموضوعية اذ منشأ الشك فى الحكمية تارة يكون فقد النص واخرى اجمال النص وثالثة تعارض النصين وفى الموضوعية منشأ الشك هو اشتباه الامور الخارجية.

(وقد عقد قدس‌سره) حسب مسلكه المتقدم فى اصالة البراءة اربع مسائل لدوران الامر بين الوجوب والحرمة فى المطلب الثالث ثلاثة منها للحكمية وواحدة للموضوعية.

(وبالجملة) اذا دار الامر بين وجوب شىء وحرمته فمنشأ الترديد(ان كان) عدم الدليل على تعيين احدهما بالخصوص بعد قيامه على احدهما فى الجملة كما اذ اختلفت الامة على قولين بحيث علم وجدانا عدم القول الثالث فقد تقدم فى اول المطلب الثالث انه لا ينبغى الاشكال فى اجراء اصالة عدم كل من الوجوب والحرمة

٤٥

حكم المتحير فى اول الامر فلا تعرض لها لحكمه بعد الاخذ باحدهما نعم يمكن هنا استصحاب التخيير حيث انه ثبت بحكم الشارع القابل للاستمرار إلّا ان يدعى ان موضوع المستصحب او المتيقن من موضوعه هو المتحير وبعد الاخذ باحدهما لا تحير فتأمل وسيتضح هذا فى بحث الاستصحاب وعليه فاللازم الاستمرار على ما اختار لعدم ثبوت التخيير فى الزمان الثانى

ـ بمعنى نفى الآثار المتعلقة بكل واحد منهما بالخصوص اذا لم يلزم مخالفة علم تفصيلى الى ان قال وانما الكلام هنا فى حكم الواقعة من حيث جريان اصالة البراءة وعدمه فان فى المسألة وجوها انتهى (وان كان) اجمال الدليل بحسب الحكم كما اذا امر بشىء وتردد بين الايجاب والتهديد او اجماله بحسب متعلق الحكم كما اذا امر بتحسين الصوت ونهى عن الغناء ولم يعلم ان الصوت المطرب بلا ترجيع هل هو تحسين واجب او غناء محرم فالحكم فيه كما فى المسألة السابقة من الوجوه الخمسة المتقدمة وما ذكرنا محصل ما تعرض له قدس‌سره فى المسألة الثانية.

(واما) لو دار الامر بين الوجوب والحرمة من جهة تعارض النصين وعدم ثبوت ما يكون مرجحا لاحدهما فالحكم هنا التخيير لاطلاق ادلته الدالة عليه وخصوص بعض منها الوارد فى خبرين احدهما امر والآخر نهى ولكن قيل ان اطلاق الادلة الدالة على التخيير لشمولها لغير فرض تعارض الخبرين غير مسلم بل الاطلاق انما هو بالنسبة الى هذا الفرض إلّا ان يستظهر من تلك الاخبار المطلقة عدم الاعتناء بتغليب جانب الحرمة وعدم ترجيح احتمال الحرمة على الوجوب وحينئذ فيمكن التمسك بالاطلاق فى غير تعارض الخبرين.

(قوله لما ذكرنا سابقا ولما هو اضعف منه) اشار بقوله لما ذكرنا سابقا الى ما نقل عن العلامة من ان الغالب فى النهى وجود مفسدة الخ وان افضاء الحرمة الى مقصودها اتم من افضاء الوجوب الى مقصوده والمراد بقوله ولما هو اضعف منه ما

٤٦

ـ نقله فى القوانين من ان النهى اقوى دلالة من دلالة الامر على الوجوب لاستلزامه انتفاء جميع الافراد بخلاف الامر قال وقد مرّ ما يضعفه فى مبحث تكرار النهى واشار به الى ما ذكره هناك من ان المسلّم هو استلزام النهى انتفاء جميع الافراد فى الجملة وفى زمان يمكن فعله فيه واما استلزامه لترك الجميع فى جميع الاوقات والازمان فلا فافهم.

(وفى كون التخيير هنا الخ) بقى فى المقام ان التخيير على القول به فيما نحن فيه فهل هو هل فى بدو الامر فلا يجوز للمكلف ان يختار فى الواقعة الثانية غير ما اختاره فى الواقعة الاولى ام هو مستمر الى الآخر فله ان يختار فى الواقعة الثانية غير ما اختاره فى الواقعة اولى فاذا فرض مثلا ان صلاة الجمعة قد دار امرها بين الوجوب والحرمة واخترنا جانب الوجوب مثلا وأتينا بها فى الجمعة الاولى فهل لنا ان نختار فى الجمعة الثانية جانب الحرمة ولا نأتى بها ام ليس لنا ذلك بل يجب علينا الاتيان بها فى كل جمعة الى الآخر(وجهان) بل قال الشيخ قدس‌سره وجوه بضميمة تفصيل ذكره فى المسألة فيما تقدم قال ثم لو قلنا بالتخيير فهل هو فى ابتداء الامر فلا يجوز له العدول عما اختار او مستمر فله العدول مطلقا او بشرط البناء على الاستمرار وجوه يستدل للاول بقاعدة الاحتياط واستصحاب حكم المختار واستلزام العدول للمخالفة القطعية المانعة عن الرجوع من اول الامر الى الاباحة انتهى ولم يذكر فيما تقدم ما يستدل به للوجه الثانى اى لاستمرار التخيير الى الآخر كما انه لم يذكر للوجه الثالث شيئا.

(وعلى كل حال) قد اختار قدس‌سره التخيير الاستمرارى فى المسألة الاولى والثانية وصرح به وان كان يظهر منه فى المخالفة الالتزامية للعلم الاجمالى فى مبحث القطع ما يخالف ذلك قال فيما افاده هناك ما لفظه لان المخالفة العملية الغير اللازمة هى المخالفة دفعة وفى واقعة واما المخالفة تدريجا وفى واقعتين فهى لازمة البتة والعقل حاكم بقبح المخالفة التدريجية اذا كان عن قصد اليها ومن غير تعبد

٤٧

ـ بحكم ظاهرى عند كل واقعة لان ارتكاب ما هو مبغوض للمولى عن قصد قبيح ولو كان فى واقعتين اذا لم يكن له عند كل واقعة ما هو بدل ظاهرا للمعلوم اجمالا فى الواقعتين انتهى.

(وقد يظهر) من عبارته قدس‌سره فى المسألة الثالثة ايضا اختياره التخيير الاستمرارى حيث قال بعد ذكره الوجوه المحتملة للتخيير إلّا انه قد يتمسك هنا للاستمرار باطلاق الاخبار ويشكل بانها مسوقة لبيان حكم المتحير فى اول الامر فلا تعرض لها لحكم المتحيّر بعد الاخذ باحدهما نعم يمكن هنا استصحاب التخيير حيث انه ثبت بحكم الشارع القابل للاستمرار إلّا ان يدعى ان موضوع المستصحب او المتيقن من موضوعه هو المتحير وبعد الاخذ باحدهما لا تحيّر وسيتضح هذا فى بحث الاستصحاب.

(وعليه) فاللازم الاستمرار لعدم جريان استصحاب التحيير من جهة التغير فى الموضوع على ما هو مبنى الاشكال مضافا الى ان الشك فيه شك فى المقتضى ولا يجرى الاستصحاب فيه على مذهبه على ما يأتى فى مبحث الاستصحاب فلا بد من الاستمرار على ما اختار لان حجيته فعلا مقطوع بها فيكون الشك فى حجية الآخر والاصل عدم الحجية بالمعنى المذكور فى اوائل حجية الظن وقيل انه يمكن التمسك فيه باستصحاب بقاء الحكم المختار لما تقرر فى محله من انه مع عدم جريان الاصل فى السبب اذا لم يكن من قبيل الموضوع للآخر بجرى الاستصحاب فى المسبب إلّا ان يستشكل فيه ايضا بكونه شكا فى المقتضى لا فى الرافع.

(قوله فتأمل) لعله اشارة الى ان مبنى الاستصحاب على المسامحة العرفية لا على المداقة الفلسفية فيمكن الحكم بعدم تغيير الموضوع بحسب العرف ولو لا ذلك لاشكل التمسك بالاستصحاب فى كثير من الموارد وقيل يمكن ان يكون اشارة الى ان التحيّر ليس بامر وجودى حتى يرتفع بالاخذ وانما هو امر عدمى اعنى عدم العلم بالحكم والجهل به وهذا مما لا يرتفع بالاخذ.

٤٨

(المسألة الرابعة) لو دار الامر بين الوجوب والحرمة من جهة اشتباه الموضوع وقد مثل بعضهم له باشتباه الحليلة الواجب وطيها بالاصالة او لعارض من نذر او غيره بالاجنبية وبالخل المحلوف على شربه المشتبه بالخمر ويرد على الاول ان الحكم فى ذلك هو تحريم الوطى لاصالة عدم الزوجية بينهما واصالة عدم وجوب الوطى وعلى الثانى ان الحكم عدم وجوب الشرب وعدم حرمته جمعا بين اصالتى الاباحة وعدم الحلف على شربه والاولى فرض المثال فيما وجب اكرام العدول وحرم اكرام الفساق واشتبه حال زيد من حيث الفسق والعدالة والحكم فيه كما فى المسألة الاولى من عدم وجوب الاخذ باحدهما فى الظاهر بل هنا اولى اذ ليس فيه اطراح لقول الامام عليه‌السلام اذ ليس الاشتباه فى الحكم الشرعى الكلى الذى بينه

ـ (واما) فيما دار امره بين الوجوب والحرمة من جهة اشتباه الموضوع كما اذا دار امر زيد بين كونه عاد لا يجب اكرامه او فاسقا يحرم اكرامه مع العلم بمفهوم العادل والفاسق تحقيقا فالحكم فيه كما فى المسألة الاولى من عدم وجوب الاخذ باحدهما فى الظاهر بل هنا اولى لما عرفت فى مبحث القطع من ان الاصل فى الشبهة الموضوعية انما يخرج مجراه عن موضوع التكليفين فيقال الاصل عدم تعلق الحلف بوطى هذه وعدم تعلق الحلف بترك وطيها فتخرج المرأة بذلك عن موضوع حكمى التحريمى والوجوب فنحكم بالاباحة لاجل الخروج من موضوع الوجوب والحرمة لا لاجل طرحهما وليس فيه ايضا مخالفة عملية معلومة ولو اجمالا لان الواقعة واحدة والمخالفة القطعية انما تحصل مع تعدد الوقائع وكونه فاعلا فى بعضها وتاركا فى بعضها الآخر مع ان مخالفة المعلوم اجمالا فوق حد الاحصاء فى الشبهات الموضوعية.

(قوله وقد مثل بعضهم له الخ) ملخص الرد على المثال الاول انه قد مر

٤٩

الامام عليه‌السلام وليس فيه ايضا مخالفة عملية معلومة ولو اجمالا مع ان مخالفة المعلوم اجمالا فوق حد الاحصاء فى الشبهات الموضوعية (هذا تمام الكلام) فى المقامات الثلاثة اعنى دوران الامر بين الوجوب وغير الحرمة وعكسه ودوران الامر بينهما واما دوران الامر بين ما عدا الوجوب والحرمة من الاحكام فيعلم بملاحظة ما ذكرنا وملخصه ان دوران الامر بين طلب الفعل والترك وبين الاباحة نظير المقامين الاولين ودوران الامر بين الاستحباب والكراهة نظير المقام الثالث ولا اشكال فى اصل هذا الحكم إلّا ان اجراء ادلة البراءة فى صورة الشك فى الطلب الغير الالزامى فعلا او تركا قد يستشكل فيه لان ظاهر تلك الادلة نفى المؤاخذة والعقاب والمفروض انتفاؤهما فى غير الواجب والحرام فتدبر.

ـ سابقا ان اجراء البراءة مشروط بعدم وجود اصل موضوعى وارد عليها والشرط هنا مفقود لاصالة عدم حصول علاقة الزوجية فى المثال الاول ومع جريان الاصل الموضوعى يرتفع الشك فى الحكم فى مرحلة الظاهر فيحكم بتحريم الوطى فقوله واصالة عدم وجوب الوطى ليس اصلا على حدة بل الحكم بعدم الوجوب من جهة الاصل الموضوعى المذكور ولو ابدلت الاجنبية بالمطلقة ثلاثا لكان المفروض من امثلة المسألة فلا يجرى الاصل المذكور ومحصل الرد على المثال الثانى على ما يستفاد من عبارته قدس‌سره ان مقتضى الجمع بين اصالة الاباحة واصالة عدم الحلف على شربه هو الحكم بعدم وجوب الشرب وعدم حرمته والاصل الموضوعى فيه هو اصالة عدم الحلف على شربه ولكن استشكل بعض فى منع كونه من امثلة المسألة فتأمل.

(هذا تمام الكلام فى المقامات الثلاثة) اعنى دوران الامر بين الوجوب وغير الحرمة وعكسه ودوران الامر بينهما واما دوران الامر بين ما عدا الوجوب

٥٠

ـ والحرمة من الاحكام فيعلم بملاحظة ما ذكرنا وقد تقدمت الاشارة منه قدس‌سره الى هذا التفصيل فى اول البراءة حيث قال ان التكليف المشكوك فيه اما تحريم مشتبه بغير الوجوب كالشك فى حرمة التتن واما وجوب مشتبه بغير التحريم كالشك فى ان الصلاة عند ذكر اسم النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله واجب ام لا واما تحريم مشتبه بالوجوب كالشك فى وجوب ردّ السلام على المصلى وحرمته وصور الاشتباه كثيرة.

(وهذا) اى حصر العنوان فى الثلاثة مبنى على اختصاص التكليف بالالزام بناء على ان التكليف من الكلفة بمعنى المشقة التى لا تتأتى الا فى الواجب والحرام وان كان بحسب الاصطلاح اعم من ذلك ولذا قسموا الاحكام التكليفية الى الاحكام الخمسة المشهورة او اختصاص الخلاف فى البراءة والاحتياط به يعنى وان كان لفظ التكليف اعم من الالزام وغيره لكن الخلاف فى البراءة والاحتياط مخصوص بنوع منه وهو التكليف الالزامى ووجه اختصاص الخلاف اختصاص الادلة العقلية والنقلية للبراءة والاشتغال كتابا وسنة واجماعا ولو فرض شمول التكليف للمستحب والمكروه يظهر حالهما من الواجب والحرام فلا حاجة الى تعميم العنوان انتهى كلامه ره بتوضيح منا.

(وملخص كلامه) قدس‌سره فى دوران الامر بين ما عدا الوجوب والحرمة من الاحكام ان دوران الامر بين طلب الفعل والترك وبين الاباحة نظير المقامين الاولين يعنى الشبهة الوجوبية والتحريمية ودوران الامر بين الاستحباب والكراهة نظير المقام الثالث اى دوران الامر بين المحذورين فتجرى الوجوه المتقدمة فيه ايضا ولا اشكال فى اصل هذا الحكم اى التنظير المذكور لكن لا بمعنى انه يرجع فى نفى الاستحباب والكراهة الى اصل البراءة بل بمعنى انه اذا دار الامر بين الاباحة والاستحباب ينفى الخصوصية باصل العدم واذا دار الامر بين الاباحة والكراهة تنفى الخصوصية به ايضا واذا دار الامر بين الاستحباب والكراهة تنفى

٥١

ـ الخصوصيتان به ايضا ويلتزم بالاباحة مع جواز الرجوع الى حكم آخر.

(وعلى كل حال) لا اشكال فى اصل الحكم المذكور إلّا ان اجراء ادلة البراءة من العقلية والنقلية فى صورة الشك فى الطلب الغير الالزامى فعلا او تركا قد يستشكل فيه لان ظاهر ادلة البراءة عقليها ونقليها نفى المؤاخذة والعقاب والمفروض انتفائهما فى غير الواجب والحرام فتدبر.

(ولكن) صرح صاحب الفصول بتعميم موارد اصل البراءة قال والمراد بها الخلو والفراغ من مطلق التكليف المشكوك فيه فتمسك به على نفى الوجوب والتحريم واخويهما حيث فى الجميع او البعض فيثبت به الاباحة فى غير العبادة وانتفاء الاقوى حيث يشك بينه وبين الضعيف ثم قال وخصه الفاضل المعاصر بنفى الاولين معللا بان المراد البراءة من التكليف ولا يطلق التكليف الا عليهما ثم قال ولعله ناظر الى ما قيل من ان التكليف مأخوذ من الكلفة ومعناه الالقاء فى المشقة ولا يصدق على غيرهما ثم قال وضعفه ظاهر لان ذلك معنى التكليف لغة واما فى الاصطلاح فهو اعم من ذلك قطعا فتأمل.

٥٢

فى اصل الاشتغال

(الموضع الثانى) فى الشك فى المكلف به مع العلم بنوع التكليف بان يعلم الحرمة او الوجوب ويشتبه الحرام او الواجب ومطالبه ايضا ثلاثة (المطلب الاول) فى دوران الامر بين الحرام وغير الواجب ومسائله اربع (الاولى) لو علم التحريم وشك فى الحرام من جهة اشتباه الموضوع الخارجى وانما قدمنا الشبهة الموضوعية هنا لاشتهار عنوانها فى كلمات العلماء بخلاف عنوان الشبهة الحكمية ثم الحرام المشتبه بغيره اما مشتبه فى امور محصورة كما لو دار بين امرين او امور محصورة ويسمى بالشبهة المحصورة واما مشتبه فى امور غير محصورة (اما الاول) فالكلام فيه يقع فى مقامين احدهما جواز ارتكاب كلا الامرين او الامور وطرح العلم الاجمالى وعدمه وبعبارة اخرى حرمة المخالفة القطعية للتكليف المعلوم وعدمها (الثانى) وجوب اجتناب الكل وعدمه وبعبارة اخرى وجوب الموافقة القطعية للتكليف المعلوم وعدمه.

ـ (اقول) البحث فى الموضع الاول كان فى الشك فى نفس التكليف وهو النوع الخاص من الالزام وان علم جنسه كالتكليف المردد بين الوجوب والتحريم وهو يشتمل على اقسام كثيرة قد تعرض قدس‌سره لحكم جميعها واحدا بعد واحد فى اصالة البراءة.

الموضع الثانى فى اصل الاشتغال (الموضع الثانى) فى الشك فى المكلف به ورجوع الشك اليه لا يكون إلّا بعد العلم بالتكليف فى الجملة وإلّا كان من الشك فى التكليف لا المكلف به فانه يعتبر فى جميع اقسام الشك فى المكلف به العلم بجنس التكليف ولا يخفى عليك قيل ان مقتضى النظر البدوى صورة دوران الامر بين الاقل والاكثر سيما الاستقلاليين من الشك فى المكلف به ولذا يذكر احكامها فى طيه إلّا ان الامر

٥٣

ـ فيها يرجع عند النظر الدقيق الى الشك فى التكليف لما اشير اليه فى محله من انه ينحل الى العلم التفصيلى بالنسبة الى الاقل والشك بالنسبة الى الاكثر كما صرح بذلك الشيخ قدس‌سره فى اول المطلب الثانى من هذا الباب.

(وكيف كان) ان الشيخ قدس‌سره قدّم فى المقام الشبهة التحريمية الموضوعية محصورها وغير محصورها على الشبهة التحريمية الحكمية نظرا الى اشتهار عنوانها فى كلمات العلماء بخلاف التحريمية الحكمية بل لم يتعرض التحريمية الحكمية بمسائلها الثلاث إلّا باختصار فى آخر المطلب الاول.

(وقد عقد قدس‌سره) فى الموضع الثانى لدوران الامر بين المتباينين حسب مسلكه المتقدم فى اصالة البراءة ثمان مسائل اربع للشبهة التحريمية واربع للشبهة الوجوبية ومن كل اربع ثلاثة للشبهة الحكمية وواحدة للشبهة الموضوعية اذ منشأ الشك فى الحكمية اما فقد النص او اجمال النص او تعارض النصين وفى الموضوعية هو اشتباه الامور الخارجية(وعلى كل حال) البحث عن الشبهة التحريمية الموضوعية فى الشك فى المكلف به يقع فى مقامين المقام الاول فى الشبهة المحصورة المقام الثانى فى الشبهة الغير المحصورة.

(اما المقام الاول) فالكلام فيه يقع من جهتين.

(احدهما) جواز ارتكاب كلا الامرين او الامور وطرح العلم الاجمالى وعدمه وبعبارة اخرى حرمة المخالفة القطعية للتكليف المعلوم وعدمها.

(الثانى) وجوب اجتناب الكل وعدمه وبعبارة اخرى وجوب الموافقة القطعية للتكليف المعلوم وعدمه.

(والنزاع) فى الفرض الاول يرجع الى ان العلم الاجمالى هل هو كالتفصيلى يقتضى تنجز التكليف اولا يقتضى التنجز كما نسب الى المحقق الخوانسارى فلا بدّ له من الالتزام بعدم حرمة المخالفة القطعية مطلقا فى الشبهة التحريمية والوجوبية(ثم انه لا بأس بالاشارة) الى امرين تعرض لهما بعض المحققين (احدهما)

٥٤

ـ فى اقسام الشك فى المكلف به وهى كثيرة لان الشك اما ان يكون فى متعلق التكليف واما ان يكون فى متعلق المتعلق.

(فعلى الاول) اما ان يكون الشك فى تحقق المتعلق خارجا بعد العلم بجنس التكليف وفصله وجنس المتعلق وفصله وينحصر ذلك ظاهرا بموارد الشك فى المحصل والفراغ واما ان يكون الشك فى فصل المتعلق مع العلم بجنسه وجنس التكليف وفصله كما اذا علم بوجوب الصلاة فى يوم الجمعة وشك فى انها الظهر او الجمعة واما ان يكون فى جنس المتعلق مع العلم بجنس التكليف وفصله كما اذا شك فى وجوب الصلاة او الزكاة مع العلم بوجوب احدهما اجمالا واما ان يكون فى فصل التكليف وهذا قد يكون مع العلم بجنس المتعلق وفصله كما اذا علم بتعلق الالزام بالفعل الخاص وشك فى انه الوجوب او الحرمة وقد يكون مع الشك فى فصل المتعلق مع العلم بجنسه او مع الشك فى جنسه ايضا كما اذا شك فى وجوب الصلاة الظهر او حرمة الجمعة مع العلم بإحداهما اجمالا او شك فى وجوب الصلاة او حرمة الغناء كذلك واما الشك فى جنس التكليف فهو ليس من اقسام الشك فى المكلف به فانه يعتبر فى جميع اقسام الشك فى المكلف به العلم بجنس التكليف.

(وعلى الثانى) فاما ان تكون الشبهة وجوبية واما ان تكون تحريمية وعلى كلا التقديرين اما ان يتردد متعلق المتعلق بين امور محصورة واما ان يتردد بين امور غير محصورة على ما سيأتى من الضابط لهما فهذه جملة الاقسام المتصورة فى الشك فى المكلف به المردد بين المتباينين واما المردد بين الاقل والاكثر فاقسامه ايضا كثيرة والظاهر فى جميع الاقسام المذكورة للشك فى المكلف به المردد بين المتباينين هو وجوب الموافقة القطعية وحرمة المخالفة القطعية إلّا اذا كان هناك مانع عقلى كما فى موارد دوران الامر بين المحذورين على ما تقدم بيانه او مانع شرعى كما فى موارد قاعدة الفراغ والتجاوز او غير ذلك.

٥٥

ـ (الثانى) ان البحث عن وجوب الموافقة القطعية وحرمة المخالفة القطعية فى موارد الشك فى المكلف به انما يقع بعد الفراغ عن ثبوت التكاليف الواقعية واطلاق ادلتها وعدم تقييدها بصورة العلم حكما وموضوعا وبعد كون الالفاظ موضوعة للمعانى النفس الامرية من غير دخل للعلم فى ذلك بداهة ان مسئلة دخل العلم فى معانى الالفاظ انما هى من المسائل اللغوية ومسئلة اطلاق الادلة من المسائل الفقهية والبحث عنهما لا يناسب الاصولى مع ان كلا من المسألتين من المسائل الواضحة المتسالم عليها فالمبحوث عنه فى المقام انما هو ثبوت الرخصة الظاهرية التى اقتضتها الاصول العملية وعدم ثبوتها مع بقاء الواقع على ما هو عليه من غير تقييد ولا نسخ ولا تصويب.

٥٦

(اما المقام الاول) فالحق فيه عدم الجواز وحرمة المخالفة القطعية وحكى عن ظاهر بعض جوازها لنا على ذلك وجود المقتضى للحرمة وعدم المانع عنها اما ثبوت المقتضى فلعموم دليل تحريم ذلك العنوان المشتبه فان قول الشارع اجتنب عن الخمر يشمل الخمر الموجود المعلوم المشتبه بين الإناءين او ازيد ولا وجه لتخصيصه بالخمر المعلوم تفصيلا مع انه لو اختص الدليل بالمعلوم تفصيلا خرج الفرد المعلوم اجمالا عن كونه حراما واقعيا وكان حلالا واقعيا ولا اظن احدا يلتزم بذلك حتى من يقول بكون الالفاظ اسامى للامور المعلومة فان الظاهر ارادتهم الاعم من المعلوم اجمالا واما عدم المانع فلان العقل لا يمنع من التكليف عموما او خصوصا بالاجتناب عن عنوان الحرام المشتبه فى امرين او امور والعقاب على مخالفة

ـ (اقول) قد تقدم ان البحث عن الشبهة التحريمية الموضوعية فى الشك فى المكلف به يقع فى مقامين (المقام الاول) فى الشبهة المحصورة(المقام الثانى) فى الشبهة الغير المحصورة(اما المقام الاول) فالكلام فيه يقع فى مقامين احدهما فى حرمة المخالفة القطعية الثانى فى وجوب الموافقة القطعية.

(اما المقام الاول) فالاقوى فيه عدم جواز الارتكاب وحرمة المخالفة القطعية فالظاهر لا خلاف فى حرمتها سوى ما ذكره الشيخ قدس‌سره من انه حكى عن ظاهر بعض جوازها والمحكى عن المحقق الخوانسارى والمجلسى والفاضل الخراسانى فى الكفاية والمحدث الكاشانى هو الجواز اى جواز الارتكاب مطلقا وذكر السيد المحقق فى الضوابط على ما حكى عنه فى المسألة احتمالات حيث قال ان الشبهة المحصورة اما مزجية كالخبز المطبوخ من الدقيق الحلال والحرام واما غير مزجية بمعنى انه يمكن امتياز احد الامرين او الامور من الآخر كالإناءين المشتبه احدهما بالمغصوب او النجس والآخر حلال او طاهر.

٥٧

هذا التكليف واما الشرع فلم يرد فيه ما يصلح للمنع عدا ما ورد من قولهم عليه‌السلام كل شىء حلال حتى تعرف انه حرام بعينه وكل شىء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه وغير ذلك بناء على ان هذه الاخبار كما دل على حلية المشتبه مع عدم العلم الاجمالى وان كان محرما فى علم الله سبحانه كذلك دلت على حلية المشتبه مع العلم الاجمالى ويؤيده اطلاق الامثلة المذكورة فى بعض هذه الروايات مثل الثوب المحتمل للسرقة والمملوك المحتمل للحرية والمرأة المحتملة للرضيعة فان اطلاقها يشمل الاشتباه مع العلم الاجمالى بل الغالب ثبوت العلم الاجمالى لكن مع كون الشبهة غير محصورة ولكن هذه الاخبار وامثالها لا يصلح للمنع لانها كما تدل على حلية كل واحد من المشتبهين كذلك تدل على حرمة ذلك المعلوم اجمالا لانه ايضا شىء علم حرمته.

ـ (فنقول) فى كلا القسمين من المزجى وغيره انه يحتمل ان لا يكون تكليف حينئذ سواء ارتكب دفعة ام تدريجا ويحتمل جواز الارتكاب تدريجا لا دفعة ويحتمل وجوب القرعة وجوبا شرطيا لا نفسيا حتى يستلزم العقاب وان ترك الجميع ويحتمل وجوب الاجتناب عن قدر الحرام وجواز ارتكاب الباقى ويحتمل وجوب الاجتناب عن الجميع تحصيلا لترك الحرام الواقعى من باب المقدمة العقلية المحضة فلا يعاقب اذا ارتكب البعض إلّا اذا صادف الحرام الواقعى ويحتمل وجوب الاجتناب عن الجميع من باب المقدمة الشرعية فلو ارتكب البعض كان معاقبا وان لم يصادف الحرام الواقعى ثم قال فالاظهر فى النظر هو الاحتمال الاخير وما سواه فاسد انتهى.

(ولا يخفى) ان مورد النزاع فى المسألة غير صورة الخلط والمزج واما

٥٨

ـ صورة الامتزاج كالمثال المذكور فى كلام السيد المحقق فخارج عن محل النزاع وايضا محل النزاع ما اذا لم يكن فى المشتبه امارة شرعية مقتضية للحل او الحرمة وإلّا عمل بمقتضاها لارتفاع الشبهة بها.

(وكيف كان) يدل على حرمة المخالفة القطعية مضافا الى الاجماع محصلا ومنقولا كما يظهر من تتبع الموارد فقها واصولا ومخالفة بعض غير مضر بالاجماع وبناء العقلاء حيث انهم يذمون المباشر ولو تدريجا وحكم العقل حيث انه يحكم بان الارتكاب يستلزم نقض غرض البارى تعالى من الاجتناب عن المفاسد الذاتية الكامنة فى ذوات المحرمات عموم دليل تحريم ذلك العنوان المشتبه سواء كانت الشبهة موضوعية او حكمية كارتكاب الإناءين المشتبهين المخالف لقول الشارع اجتنب عن النجس وكترك القصر والاتمام فى موارد اشتباه الحكم لان ذلك معصية لذلك الخطاب لان المفروض وجوب الاجتناب عن النجس الموجود بين الإناءين ووجوب صلاة القصر والاتمام واختبر ذلك من حال العبد اذا قال له المولى اجتنب وتحرز عن الخمر المردد بين هذين الإناءين فانك لا تكاد ترتاب فى وجوب الاحتياط :

(ولا فرق) بين هذا الخطاب وبين ادلة المحرمات الثابتة فى الشريعة الا العموم والخصوص فلا وجه لتخصيص الاجتناب بالخمر المعلوم تفصيلا مع انه لو اختص الدليل بالمعلوم تفصيلا خرج الفرد المعلوم اجمالا عن كونه حراما واقعيا وكان حلالا واقعيا ولا يلتزم بذلك احد حتى من يقول بكون الالفاظ اسامى للامور المعلومة فان الظاهر ارادتهم الاعم من المعلوم اجمالا.

(ولكن) قيل ان القائل بكون الالفاظ اسامى للمعانى النفس الامرية لا المعلومة لو قال بعدم وجوب الاجتناب عن الخمر مع عدم العلم التفصيلى لا يلزمه الحكم بكونها حلالا واقعيا لا مكان كون العلم التفصيلى عنده شرطا للتنجز فمع عدمه يكون حراما فى الواقع ولا يكون منجزا.

٥٩

ـ (لا يقال) اذا اجرينا اصالة الطهارة فى كل من الإناءين واخرجناهما عن موضوع النجس بحكم الشارع فليس فى ارتكابهما بناء على طهارة كل منهما مخالفة لقول الشارع اجتنب عن النجس.

(لانه يقال) اصالة الطهارة فى كل منهما بالخصوص انما يوجب جواز ارتكابه من حيث هو واما الاناء النجس الموجود بينهما فلا أصل يدل على طهارته لانه نجس يقينا فلا بد اما من اجتنابهما تحصيلا للموافقة القطعية واما ان يجتنب احدهما فرارا عن المخالفة القطعية على الخلاف المذكور فى محله هذا.

(وما ذكرناه) من حرمة المخالفة القطعية اذا كانت لخطاب تفصيلى فالمشهور عدم جوازها سواء كانت فى الشبهة الموضوعية او الحكمية كالمثالين المتقدمين وان كانت مخالفة لخطاب مردد بين خطابين كما اذا علمنا بنجاسة هذا المائع او بحرمة هذه المرأة او علمنا بوجوب الدعاء عند رؤية هلال رمضان او بوجوب الصلاة عند ذكر النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله ففى المخالفة القطعية حينئذ وجوه.

(احدها) الجواز مطلقا لان المردد بين الخمر والاجنبية لم يقع النهى عنه فى خطاب من الخطابات الشرعية حتى يحرم ارتكابه وكذا المردد بين الدعاء والصلاة فان الاطاعة والمعصية عبارة عن موافقة الخطابات التفصيلية ومخالفتها.

(الثانى) عدم الجواز مطلقا لان مخالفة الشارع قبيحة عقلا مستحقة للذم عليها ولا يعذر فيها الا الجاهل بها.

(الثالث) الفرق بين الشبهة فى الموضوع والشبهة فى الحكم فيجوز فى الاول دون الثانى لان المخالفة القطعية فى الشبهات الموضوعية فوق حد الاحصاء بخلاف الشبهة الحكمية كما يظهر من كلماتهم فى مسائل الاجماع المركب.

(الرابع) الفرق بين كون الحكم المشتبه فى موضوعين واحدا بالنوع كوجوب احد الشيئين وبين اختلافه كوجوب الشىء وحرمة آخر وقد بين الشيخ قدس‌سره وجه الفرق فى الثالث والرابع فى باب القطع فراجع ثم قال ره

٦٠