درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٤

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٤

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٣

(والحاصل) ان الواجب شرعا هو الالتزام والتدين بما علم انه حكم الله الواقعى ووجوب الالتزام بخصوص الوجوب بعينه او الحرمة بعينها من اللوازم العقلية للعلم العادى التفصيلى يحصل من ضم صغرى معلومة تفصيلا الى تلك الكبرى فلا يعقل وجوده مع انتفائه وليس حكما شرعيا ثابتا فى الواقع حتى يجب مراعاته ولو مع الجهل التفصيلى ومن هنا يبطل قياس ما نحن فيه بصورة تعارض الخبرين الجامعين لشرائط الحجية الدال احدهما على الامر والآخر على النهى كما هو مورد بعض الاخبار الواردة فى تعارض الخبرين (ولا يمكن ان يقال) ان المستفاد منه بتنقيح المناط وجوب الاخذ باحد الحكمين وان لم يكن على كل واحد منهما دليل معتبر معارض بدليل آخر فانه يمكن ان يقال ان الوجه فى حكم الشارع هناك بالاخذ باحدهما هو ان الشارع اوجب الاخذ بكل من الخبرين المفروض استجماعهما لشرائط الحجية فاذا لم يمكن الاخذ بهما معا فلا بد من الاخذ باحدهما وهذا

ـ (حاصل ما ذكره قدس‌سره) ان الثابت شرعا هو وجوب الالتزام والتدين بما علم انه حكم الله الواقعى واما وجوب الالتزام بخصوص الوجوب بعينه او الحرمة بعينها فليس حكما شرعيا ثابتا فى الواقع بل هو من اللوازم العقلية للعلم العادى التفصيلى الذى يحصل من ضم صغرى معلومة الى الكبرى الاجماعية بان يقال هذا امر واجب شرعا او محرم وكل ما وجب شرعا وجب الالتزام به فبعد ضم الصغرى المعلومة الى تلك الكبرى يحصل بحكم العقل وجوب التدين بخصوص الوجوب او الحرمة.

(فبمجرد) تحقق الصغرى وانضمامها الى الكبرى يحصل تلك النتيجة بحكم العقل فوجوب الالتزام لازم عقلى للواجب المعلوم لا للواجب نفسه باعتبار وجوده الواقعى نعم لو كان ذلك حكما شرعيا ثابتا له فى الواقع كالاحكام الشرعية

٢١

تكليف شرعى فى المسألة الاصولية غير التكليف المعلوم تعلقه اجمالا فى المسألة الفرعية بواحد من الفعل والترك بل ولو لا النص الحاكم هناك بالتخيير امكن القول به من هذه الجهة بخلاف ما نحن فيه اذ لا تكليف إلّا بالاخذ بما صدر واقعا فى هذه الواقعة والالتزام به حاصل من غير حاجة الى الاخذ باحدهما بالخصوص ويشير الى ما ذكرنا من الوجه قوله (ع) فى بعض تلك الاخبار بايهما اخذت من باب التسليم وسعك وقوله (ع) من باب التسليم اشارة الى انه لما وجب على المكلف التسليم لجميع ما يرد عليه بالطرق المعتبرة من اخبار الائمة (ع) كما يظهر ذلك من الاخبار الواردة فى باب التسليم لما يرد من الائمة عليهم‌السلام منها قوله عليه‌السلام لا عذر لاحد من موالينا فى التشكيك فيما يرويه ثقاتنا وكان التسليم لكلا الخبرين الواردين بالطرق المعتبرة المتعارضين ممتنعا وجب التسليم لاحدهما مخيرا فى تعيينه.

ـ الفرعية العملية وجب الالتزام به ولو مع الجهل التفصيلى وعدم العلم به بعينه.

(قوله ومن هنا يبطل قياس ما نحن فيه بصورة تعارض الخبرين الخ) يعنى من جهة ان وجوب الالتزام ليس حكما شرعيا ثابتا فى الواقع مع قطع النظر عن العلم والجهل يبطل قياس ما نحن فيه بتعارض الخبرين لانه مع الفارق لوجود النص هناك دون المقام وبعبارة اخرى ان المفروض حجية كل من الخبرين وطريقيتهما فيحكم العقل بعد عدم امكان الالتزام بكل منهما بوجوب الالتزام باحدهما مخيرا فيه بخلاف المقام فان المفروض فيه ليس إلّا احتمال الحكمين ومن المعلوم ان الاحتمال لا يكون طريقا.

(ولا يمكن ان يقال) ان المستفاد من الاخبار الواردة فى تعارض الخبرين

٢٢

ـ بتنقيح المناط وجوب الاخذ باحد الحكمين وان لم يكن على كل واحد منهما دليل معتبر معارض بدليل آخر لان المناط فى حكم الشارع بالتخيير فى تعارض الخبرين انما هو عدم اعراضه عن الاحكام الواقعية فلا بد من الاخذ باحدهما وهو موجود فيما نحن فيه ايضا.

(فانه يمكن ان يقال) ان الوجه فى حكم الشارع فى تعارض الخبرين بالاخذ باحدهما ايجاب الشارع الاخذ بكل من الخبرين المفروض استجماعهما لشرائط الحجية فاذا لم يمكن الاخذ بهما معا فلا بد من الاخذ باحدهما(وهذا تكليف شرعى فى المسألة الاصولية غير التكليف المعلوم تعلقه اجمالا فى المسألة الفرعية) يعنى ايجاب الشارع الاخذ بكل خبر مستجمع لشرائط الحجية تكليف شرعى متعلق بالمسألة الاصولية اعنى التخيير فى اخذ احد الخبرين المتعارضين حجة وطريقا الى الواقع فى مقام الاستنباط ولكن هذا غير التكليف المعلوم تعلقه اجمالا فى المسألة الفرعية اعنى الاخذ باحد الحكمين فى مقام العمل بان يكون الواجب على المكلف احد الامرين تخييرا من الفعل او الترك.

(ومحصل) وجه بطلان القياس المذكور على ما يستفاد من مجموع كلامه قدس‌سره ان الشارع فى الخبرين قد اوجب الاخذ بكل منهما لاستجماعهما لشرائط الحجية وحيث لا يمكن الاخذ بالمتعارضين جميعا فلا بد من الاخذ باحدهما تخييرا كما هو الشأن فى كل فردين متزاحمين من جهة عدم القدرة على الاتيان بهما جميعا ومن هنا يظهر انه لو لم يكن فى تعارض الخبرين نص يحكى بالتخيير امكن القول به من هذه الجهة وهذا بخلاف ما نحن فيه اذ لا تكليف إلّا بالاخذ بما صدر واقعا من الشارع بالامر به او النهى عنه والالتزام به على نحو ثبوته فى الواقع حاصل فان التخيير بين فعل الشيء وتركه حاصل بنفسه تكوينا ولا يعقل تعلق الطلب بما هو حاصل تكوينا ولذا ذكر بعض المحققين انه لا يعقل التخيير بين الضدين لا ثالث لهما لان احدهما حاصل بالضرورة ولا يعقل

٢٣

ـ تعلق الطلب به.

(ويشير الى ما ذكرنا) من الوجه المذكور للتخيير بين الخبرين المتعارضين قوله عليه‌السلام فى بعض تلك الاخبار بايهما اخذت من باب التسليم وسعك وقوله عليه‌السلام من باب التسليم اشارة الى انه لما وجب على المكلف التسليم بجميع ما يرد عليه بالطرق المعتبرة من اخبار الائمة عليهم‌السلام كما يظهر ذلك من الاخبار الواردة فى باب التسليم لما يرد من الائمة عليهم‌السلام منها قوله لا عذر لاحد من موالينا فى التشكيك فيما يرويه ثقاتنا وكان التسليم لكلا الخبرين الواردين بالطرق المعتبرة المتعارضين ممتنعا وجب التسليم لاحدهما مخيرا فى تعيينه.

٢٤

(ثم ان هذا الوجه) وان لم يخل عن مناقشة او منع إلّا ان مجرد احتماله يصلح فارقا بين المقامين مانعا عن استفادة حكم ما نحن فيه من حكم الشارع بالتخيير فى مقام التعارض فافهم وبما ذكرنا يظهر حال قياس ما نحن فيه على حكم المقلد عند اختلاف المجتهدين فى الوجوب والحرمة وما ذكروه فى مسئلة اختلاف الامة لا يعلم شموله لما نحن فيه مما كان الرجوع الى الثالث غير مخالف من حيث العمل بقول الامام عليه‌السلام مع ان عدم جواز الرجوع الى الثالث المطابق للاصل ليس اتفاقيا على ان ظاهر كلام الشيخ القائل بالتخيير كما سيجىء هو ارادة التخيير الواقعى المخالف لقول الامام عليه‌السلام فى المسألة ولذا اعترض عليه المحقق بانه لا ينفع التخيير فرارا عن الرجوع الى الثالث المطابق للاصل لان التخيير ايضا طرح لقول الامام ـ (يعنى) ان الوجه المذكور للتخيير فى تعارض الخبرين من قوله فانه يمكن ان يقال ان الوجه فى حكم الشارع هناك الخ لا يخلو عن مناقشة او منع لان ما ذكره من الوجه انما يتم لو قلنا باعتبار الاخبار من باب السببية والموضوعية بان يكون كل منهما مشتملا على مصلحة ملزمة فاذا تزاحمت المصلحتان ولم تكن إحداهما آكد فلا بد من الحكم بالتخيير.

(واما لو قلنا باعتبارها) من باب الطريقية فمقتضى الاصل الاولى فيه بالنظر الى حكم العقل مع قطع النظر عن اخبار التخيير هو التوقف فى مورد التعارض واللازم حينئذ الرجوع الى الاصل الموافق لاحدهما لا المخالف وليطلب تفصيل.

هذا من باب التعادل والترجيح.

(قوله إلّا ان مجرد احتماله يصلح فارقا الخ) يعنى مجرد احتمال حجية الاخبار من باب السببية يصلح فارقا بين المقامين لان ظهور التعليلات الواردة فى اخبار العلاج من ان الرشد فى خلافهم وانه يجب الاخذ بالاصدق والاوثق وغير ذلك

٢٥

عليه‌السلام وان انتصر للشيخ بعض بان التخيير بين الحكمين ظاهرا واخذ احدهما هو المقدار الممكن من الاخذ بقول الشارع فى المقام لكن ظاهر كلام الشيخ قدس‌سره يأبى عن ذلك قال فى العدة اذا اختلفت الامة على قولين فلا يكون اجماعا ولاصحابنا فى ذلك مذهبان منهم من يقول اذا تكافأ الفريقان ولم يكن مع احدهما دليل يوجب العلم التفصيلى بان المعصوم عليه‌السلام داخل فيه سقطا ووجب التمسك بمقتضى العقل من حظر او اباحة على اختلاف مذاهبهم وهذا القول ليس بقوى ثم علله باطراح قول الامام عليه‌السلام قال ولو جاز ذلك لجاز مع تعيين قول الامام عليه‌السلام تركه والعمل بما فى العقل ومنهم من يقول نحن مخيرون فى العمل باى القولين وذلك يجرى مجرى خبرين اذا تعارضا انتهى.

ـ فى كون حجية الاخبار من باب الطريقية لا ينافى احتمال كون حجية الاخبار من باب السببية والموضوعية وعلى تقدير هذا الاحتمال يكون الفارق بين المقام مما يعلم فيه بعدم الثالث وبين الخبرين المتعارضين موجودا من جهة احتمال الموضوعية فيهما دون المقام فتأمل. (وبما ذكرنا يظهر حال قياس ما نحن فيه على حكم المقلد الخ) يعنى وبما ذكرنا من احتمال كون حجية الاخبار من باب السببية فيكون الحكم بالتخيير فى تعارض الخبرين من جهة الاحتمال المذكور ولو لم يكن هناك نص دال عليه ولو استظهر من ادلة حجية الاخبار ومن الاخبار الواردة فى العلاج كونها حجة من باب الطريقية وان الاحتمال المذكور وان ضعف ولكن يصلح فارقا بين المقامين مانعا من استفادة حكم ما نحن فيه من حكم الشارع بالتخيير فى مورد التعارض يظهر حال قياس ما نحن فيه على حكم المقلد عند اختلاف المجتهدين فى الوجوب والحرمة اذ يحتمل هناك ولو ضعيفا ايضا كون التخيير من جهة كون رأى المجتهد

٢٦

ـ حجة للمقلد من جهة السببية والموضوعية فلا يمكن الاستفادة من التخيير هناك للتخيير هنا فقياس ما نحن فيه بكل واحد من المقامين قياس مع الفارق كما عرفت (وما ذكروه فى مسئلة اختلاف الامة الخ) من عدم جواز طرح القولين والرجوع الى الثالث لا يعلم شموله لما نحن فيه لان المنع الذى ذكروه فى مسئلة اختلاف الامة على القولين هو احداث القول الثالث المخالف لقول الامام (ع) حيث العمل (قال الشيخ قدس‌سره) فى باب القطع ولا يبعد حمل اطلاق كلمات العلماء فى عدم جواز طرح قول الامام عليه‌السلام فى مسئلة الاجماع على طرحه من حيث العمل اذ هو المسلم المعروف من طرح قول الحجة فراجع كلماتهم فيما اذا اختلفت الامة على قولين ولم يكن مع احدهما دليل.

(فان ظاهر الشيخ) الحكم بالتخيير الواقعى وظاهر المنقول عن بعض طرحهما والرجوع الى الاصل ولا ريب ان فى كليهما طرحا للحكم الواقعى لان التخيير الواقعى كالاصل حكم ثالث انتهى ولذا اعترض عليه المحقق بانه لا ينفع التخيير فرارا عن الرجوع الى الثالث المطابق للاصل لان التخيير ايضا طرح لقول الامام عليه‌السلام قال المحقق على ما حكاه فى المعالم ان الامامية اذا اختلفت على قولين فكل طائفة توجب العمل بقولها وتمنع من العمل بقول الآخر فلو تخيرنا لاستبحنا ما حظره المعصوم عليه‌السلام.

(قوله) مما كان الرجوع الى الثالث الخ بيان لقوله لما نحن فيه.

(قوله وان انتصر للشيخ بعض الخ) هو سلطان المحققين فى حاشيته على المعالم وتبعه فى القوانين والفصول قال فيها هذا ممنوع فى العمل اذ كل طائفة حكمت بحكم يمنع صحة قول الآخر ولا ينافى ذلك تجويزها العمل بما قال الآخر لمن لا يظهر عليه الخطاء وان كان خطاء فى الواقع والحاصل ان التخيير فى العمل ليس قولا ثالثا فى المسألة بل ليس قولا اصلا فى المسألة وانما هو طريق العمل وكيفيته مع الجهل بالحكم.

٢٧

ـ (نعم) لو قال الشيخ ان الحكم الواقعى فى المسألة التخيير لكان منافيا لقول الامام عليه‌السلام فى حكم المسألة لانه عليه‌السلام حكم معينا قطعا فى المسألة والظاهر ان مراد الشيخ التخيير فى العمل كما ذكرنا كيف وقد صرح به فى عبارته المنقولة فتأمل انتهى.

(قال بعض المحشين) انه يمكن تقرير اولوية التخيير الظاهرى من الرجوع الى الاصل من حظر او اباحة ببيان انسب وهو ان الصور ثلث إحداها صورة دوران الامر بين الوجوب وغير التحريم وثانيتها صورة دوران الامر بين التحريم وغير الوجوب وثالثتها صورة دوران الامر بين الوجوب والتحريم.

(ففى الصورة الاولى) لو رجعنا الى اصل الاباحة وحصل منا الفعل فى بعض الوقائع والترك فى بعض الوقائع الأخر حصلت الموافقة الاحتمالية التزاما وعملا والمخالفة ايضا كذلك فان قلنا بالاباحة بالمعنى الاخص حصلت المخالفة القطعية الالتزامية فى بعض صورها كما لا يخفى وان قلنا بالحظر فى الصورة المزبورة حصلت المخالفة الالتزامية القطعية فى جميع صورها والمخالفة العملية الاحتمالية وهذا بخلاف ما اذا رجعنا الى التخيير فان فيه المخالفة الالتزامية والعملية الاحتمالية فى جميع صورها.

(واما فى الصورة الثانية) فلو رجعنا الى الاباحة حصلت الموافقة الاحتمالية والمخالفة الاحتمالية التزاما وعملا لكن لو قلنا بالاباحة الخاصة حصلت المخالفة الالتزامية القطعية فى بعض صورها كالسابقة ولو رجعنا الى الحظر كان فيه الموافقة الاحتمالية التزاما وعملا والمخالفة ايضا كذلك وكذلك اذا رجعنا الى التخيير.

(واما فى الصورة الثالثة) فلو اخذنا بالتخيير كان فى كل واقعة موافقة احتمالية التزامية وعملية وفى الواقعتين مع الفعل فى إحداهما والترك فى الاخرى مخالفة عملية قطعية مع الاخذ بما يمكن الاخذ به من قول الامام عليه‌السلام بخلاف ما لو اخذنا بالاباحة فان فيه الاخذ بالمخالفة الالتزامية القطعية فى كل

٢٨

ـ واقعة والمخالفة القطعية العملية فى واقعتين من غير تعبد بما يمكن الاخذ به واذا رجعنا الى الحظر كان فيه الموافقة الاحتمالية فى كل واقعة والمخالفة القطعية العملية فى واقعتين من غير تعبد بما يمكن الاخذ به هذا على تقدير شمول كلام الشيخ كما هو مقتضى اطلاقه تخييرا ورجوعا الى الاباحة والحظر لجميع الصور المزبورة انتهى.

(قوله قال فى العدة واذا اختلفت الامة الخ) عبارة العدة هكذا واعلم ان الطائفة اذا اختلفت على قولين وجوزنا كون المعصوم عليه‌السلام داخلا فى كل واحد من الفريقين فان ذلك لا يكون اجماعا ولاصحابنا فى ذلك الخ.

(قوله ووجب التمسك بمقتضى العقل من حظر او اباحة الخ) اشار قدس‌سره بذلك الى ما ذكروا فى مسئلة ان الاشياء على الحظر او الاباحة قبل العثور على الشرع وفرضوا ذلك فى الاشياء الخالية عن امارة المضرة والمشتملة على منفعة ما فلا بد من فرضها فى صورة الدوران بدوا بين الاباحة والحظر فقيل بالاباحة وقيل بالحظر وقيل بالتوقف ولا ريب ان ذلك انما ينطبق على الصورة الثانية من الصور المتقدمة وهى صورة دوران الامر بين التحريم وغير الوجوب دون غيرها من الصور مع ان كلام الشيخ مطلق شامل لجميع صور اختلاف الطائفة على قولين (قوله وهذا القول ليس بقوى) قال فى العدة وهذا المذهب ليس بقوى عندى لانهم اذا اختلفوا على قولين علم ان قول الامام موافق لاحدهما لا محالة لانه لا يجوز ان يكون قوله خارجا عن القولين لان ذلك ينقض كونهم مجمعين على قولين واذا علمنا دخول قول الامام فى جملة القولين كيف يجوز اطراحهما والعمل بمقتضى العقل ولو جاز ذلك لجاز ايضا ان يتعين قول الامام عليه‌السلام ومع ذلك يجوز لنا تركه والعمل بما فى العقل وذلك باطل بالاتفاق.

(قوله وذلك يجرى مجرى خبرين اذا تعارضا) قال فى العدة بعد ذلك ولا يكون لاحدهما مزية على الآخر فانا نكون مخيرين فى العمل بهما وهذا الذى يقوى فى نفسى.

٢٩

(ثم) فرع على القول الاول جواز اتفاقهم بعد الاختلاف على قول واحد وعلى القول الثانى عدم جواز ذلك معللا بانه يلزم من ذلك بطلان القول الآخر وقد قلنا انهم مخيرون فى العمل ولو كان اجماعهم على احدهما انتقض ذلك انتهى وما ذكره من التفريع اقوى شاهد على ارادة التخيير الواقعى وان كان القول به لا يخلو عن الاشكال وكيف كان فالظاهر بعد التأمل فى كلماتهم فى باب الاجماع ارادتهم بطرح قول الامام عليه‌السلام من حيث العمل فتأمل ولكن الانصاف ان ادلة الاباحة فى محتمل الحرمة تنصرف الى محتمل الحرمة وغير الوجوب وادلة نفى التكليف عما لم يعلم نوع

ـ (اقول) ان المراد من التفريع هو التفريع على القول الثانى ووجه كونه اقوى شاهد ان التخيير ان كان واقعيا لم يقم الاجماع على خلافه وإلّا لزم اجتماع الضدين فى الحكم الواقعى وان كان ظاهريا فلا ضير فيه لارتفاع موضوعه به (وان كان القول) بالتخيير الواقعى لا يخلو عن الاشكال ويمكن ان يكون وجه الاشكال امتناع قيام الاجماع على خلاف التخيير الواقعى على مذاق الشيخ من تمسكه فى حجية الاجماع بقاعدة اللطف فعلى هذا المبنى يجب على الامام عليه‌السلام ردعهم وإلّا لزم التناقض او اجتماع الضدين واما اذا كان التخيير ظاهريا فلا يلزم شيء من ذلك ولا ضير فيه اصلا لارتفاع موضوعه به.

(وكيف كان) ان ظاهر كلمات العلماء فى عدم جواز طرح قول الامام (ع) فى مسئلة الاجماع ارادتهم بطرح قول الامام عليه‌السلام من حيث العمل اذ هو المسلم المعروف من طرح قول الحجة فراجع كلماتهم فيما اذا اختلفت الامة على قولين ولم يكن مع احدهما دليل واما الطرح من حيث الالتزام فغير ضائر بل المخالفة القطعية الفتوائية كثيرة فوق حد الاحصاء.

(قال صاحب الكفاية) لا شهادة فى التفريع اصلا فضلا عن كونه اقوى شاهد

٣٠

التكليف لا تفيد إلّا عدم المؤاخذة على الترك والفعل وعدم تعيين الحرمة او الوجوب وهذا المقدار لا ينافى وجوب الاخذ باحدهما مخيرا فيه نعم هذا الوجوب يحتاج الى دليل وهو مفقود فاللازم هو التوقف وعدم الالتزام إلّا بالحكم الواقعى على ما هو عليه فى الواقع ولا دليل على عدم جواز خلو الواقعة عن حكم ظاهرى اذا لم يحتج اليه فى العمل نظير ما لو دار الامر بين الوجوب والاستحباب هذا وقد مضى شطر من الكلام فى ذلك فى المقصد الاول من الكتاب عند التكلم فى فروع اعتبار القطع فراجع

ـ اذ يحتمل قريبا ان يكون هو ان وجه الحكم بالتخيير هو انه لا بد ان يكون حكم الامام عليه‌السلام بين الامة على نحو اليقين ولو من دون التعيين بل على نحو التخيير بينه وبين غيره بحيث لا يحتمل طرحه رأسا ومن المعلوم انه يحتمل طرحه فى صورة الاتفاق على احد القولين من باب الاتفاق كما يحتمل الاتفاق عليه مع ان كون التخيير حكما واقعيا غير معقول كيف وموضوعه احتمال الوجوب والحرمة المعلوم ثبوت احدهما معينا فى الواقع فيكون مؤخرا عن الحكم الواقعى لا محالة ومثل الشيخ رحمه‌الله اجل من ان يلتزم بمثله فليتدبر انتهى.

(قوله فتأمل) لعله اشارة الى منع كون ظاهر كلماتهم طرح قول الامام من حيث العمل بل اطلاقها يشمل الطرح من حيث الالتزام ايضا قال بعض المحشين يمكن ان يكون اشارة الى ما اشار اليه فى اول الكتاب من انه يلزم ارتكاب المخالفة القطعية فى واقعتين من غير تعبد لحكم ظاهرى والعقل كما يحكم بقبح المخالفة القطعية فى واقعة واحدة كذلك يحكم بقبحها فى واقعتين مع عدم التعبد بحكم ظاهرى ولا يرد ذلك على التخيير فانه وان كان مستلزما للمخالفة القطعية لكنه مع التعبد به فى مرحلة الظاهر يتدارك فوت الواقع به كالتخيير الظاهرى بين قولى مجتهدين تخييرا مستمرا وان قلنا بالتخيير البدوى دون الاستمرارى لا يلزم ذلك اصلا.

٣١

ـ (قوله ولكن الانصاف الخ) هذا رجوع عما ذكره سابقا فى صدر المسألة من دعوى الاباحة الظاهرية لعموم ادلتها فيما دار الامر بين الوجوب والحرمة الى القول بالتوقف بعد عدم وجود دليل يدل على وجوب الاخذ باحدهما تخييرا بدعوى ان ادلة الاباحة فى محتمل الحرمة تنصرف الى محتمل الحرمة وغير الوجوب من الاحكام ولا تشمل ما نحن فيه من دوران الامر بين الوجوب ولا الحرمة فاللازم فيه هو التوقف وعدم الالتزام إلّا بالحكم الواقعى على ما هو عليه فى الواقع ولا دليل على عدم جواز خلو الواقعة عن حكم ظاهرى اذا لم يحتج اليه فى العمل لان الذى انعقد عليه الاجماع عند الخاصة ودلت النصوص عليه هو عدم جواز خلو الواقعة عن الحكم الواقعى واما خلوها عن الحكم الظاهرى فلم يدل على المنع منه دليل لا من عقل ولا نقل.

(ولكن قيل) انه يمكن ان يقال ان الواقعة كما لا يجوز خلوها عن احد الاحكام الواقعية فى الواقع بالحصر العقلى كذا لا يجوز خلوها عن احد الاحكام الظاهرية فى الظاهر بذلك الحصر لان المفروض ان فعل المكلف او تركه ليس من قبيل الفعل او الترك الصادر من البهائم خاليا عن خطاب وفيه ان مقتضى الدليل المذكور هو ثبوت الحكم الواقعى فى الواقع لا الظاهرى.

(قوله اذا لم يحتج اليه فى العمل نظير ما لو دار الامر بين الوجوب والاستحباب) فى كلامه قدس‌سره اشعار بمسلمية ذلك فيما دار الامر بين الوجوب والاستحباب والحال انه ليس كذلك حيث اختلف فيه كلمات القوم فظاهر كلام المحقق القمى عدم بقاء الاستحباب بعد نفى الوجوب بالاصل بناء على ارتفاع الجنس بارتفاع الفصل وصرح فى الفصول ببقاء الاستحباب بحكم العقل بعد ملاحظة مقدمتين إحداهما هذا الشىء فيه رجحان بالوجوب او الاستحباب والثانية رفع المنع من الترك بمقتضى الاصل ثم لو سلم فيه ذلك يمكن ابداء الفرق بينه وبين ما نحن فيه حيث انه لا يتصور خلو الواقعة عن الفعل والترك فلا بد فيما نحن فيه من الحكم بخلاف ذلك المقام فانه لا يبعد التوقف فيه فتأمل.

٣٢

(ثم) على تقدير وجوب الاخذ هل يتعين الاخذ بالحرمة او يتخير بينه وبين الاخذ بالوجوب وجهان بل قولان يستدل على الاول بعد قاعدة الاحتياط حيث يدور الامر بين التخيير والتعيين بظاهر ما دل على وجوب التوقف عند الشبهة فان الظاهر من التوقف ترك الدخول فى الشبهة وبان دفع المفسدة اولى من جلب المنفعة لما عن النهاية من ان الغالب فى الحرمة دفع مفسدة ملازمة للفعل وفى الوجوب تحصيل مصلحة لازمة للفعل واهتمام الشارع والعقلاء بدفع المفسدة اتم ويشهد له ما ارسل عن امير المؤمنين (ع) من ان اجتناب السيئات اولى من اكتساب الحسنات وقوله افضل من اكتساب الحسنات اجتناب السيئات ولان افضاء الحرمة الى مقصودها اتم من افضاء الوجوب الى مقصوده لان مقصود الحرمة يتأتى بالترك سواء كان مع قصد أم غفلة بخلاف فعل الواجب انتهى وبالاستقراء بناء على ان الغالب فى موارد اشتباه مصاديق الواجب والحرام تغليب الشارع لجانب الحرمة ومثل له بايام الاستظهار وتحريم استعمال الماء المشتبه بالنجس.

ـ (اقول) بناء على القول بوجوب الاخذ فى دوران الامر بين المحذورين هل يتعين الاخذ بالحرمة او يتخير بينه وبين الاخذ بالوجوب وجهان بل قولان يستدل على الاول مضافا الى قاعدة الاحتياط فى دوران الامر بين التخيير والتعيين بامور :

(ولا بأس) قبل بيان الادلة المذكورة فى المتن على الاخذ بالحرمة معينا بالاشارة الى توضيح قاعدة الاحتياط كيف تقتضى الاخذ بالحرمة بيان ذلك على ما قيل ان الامر فى المقام دائر بين التخيير والتعيين اما التخيير فواضح واما التعيين فلانا لم نر احدا ذهب الى تعيين الوجوب فالمعين ليس إلّا الحرمة والحكم فى مقام الدوران بينهما هو الاحتياط فافهم.

(وكيف كان) قد استدل بعد قاعدة الاحتياط على تعين الاخذ بالحرمة بامور

٣٣

ـ (منها) الاخبار التى دلت على التوقف عند الشبهة فالظاهر من التوقف هو التوقف فى مقام العمل وهو لا يحصل إلّا بترك الدخول فى الشبهة وفيه ان ظاهر الاخبار الآمرة بالتوقف عند الشبهة هو الشبهات التحريمية لا ما دار امره بين الحرام والواجب.

(ومنها) ان دفع المفسدة اولى من جلب المنفعة وذلك لان ارتكاب المفسدة من القبائح الذاتية فيجب دفعها فرارا عن الارتكاب بالقبيح الذاتى وهذا بخلاف جلب المنفعة فان حسنه بمعنى موافقة الطبع والميل والعقل مع قطع النظر عنها غير حاكم به بخلاف دفع المفسدة فيكون هو الاولى بالاخذ.

(وفيه) اولا منع اولوية دفع المفسدة من جلب المنفعة على نحو الاطلاق ضرورة انه ربّ واجب يكون اهمّ من الحرام فى صورة المزاحمة(ومن المحتمل قويا) ان لا يقول الخصم بوجوب الاخذ بجانب الحرمة مطلقا حتى فى صورة الدوران بين الواجب الاهمّ او محتمل الاهميّة وبين الحرام المهم بل يمكن ان يقول فى صورة التساوى بوجوب الاخذ بجانب الحرمة بدعوى ان دفع المفسدة اولى من جلب المنفعة.

(وعلى كل حال) ان ما دار امره بين الوجوب والحرمة اذا احرز ان الحرام فيه هو اهم واقوى مناطا من الطرف الآخر او احتمل الاهمية فى جانبه دون الآخر او التساوى بينهما فيتعين الاخذ به وإلّا فتقديم جانب الحرمة على الوجوب بنحو الاطلاق مشكل.

(وثانيا) انه على تقدير التسليم انما يتم فيما اذا كانت المفسدة والمصلحة معلومتين واما لو كان الموجود مجرد احتمال المفسدة فلا نسلم اولوية رعايته من رعاية احتمال المصلحة كيف ومن المعلوم عدم لزوم رعاية احتمال المفسدة مع القطع بعدم وجود المصلحة كما اذا دار الامر بين الحرمة وغير الواجب فلا وجه للزوم مراعاة احتمال المفسدة مع احتمال المصلحة ايضا.

٣٤

ـ (قوله لما عن النهاية الخ) قال فى النهاية على ما حكى عنه ان اقتضى احدهما الحظر والآخر الوجوب فالاول راجح لان الغالب فى الحرمة دفع مفسدة ملازمة للفعل او تقليلها وفى الوجوب تحصيل مصلحة ملازمة للفعل او تكميلها واهتمام الشارع والعقلاء بدفع المفاسد اتم ولان افضاء الحرمة الى مقصودها اتم من افضاء الوجوب الى مقصوده لان مقصود الحرمة يتأتى بالترك سواء كان مع قصد او غفلة بخلاف فعل الواجب انتهى.

(وفيه) ان اهتمام الشارع والعقلاء بدفع المفسدة اتم غير معلوم فيما لم يحرز اهمية الحرام او احتملت الاهميّة فى جانبه واما ما ارسل عن امير المؤمنين عليه‌السلام من ان اجتناب السيئات اولى من اكتساب الحسنات او قوله عليه‌السلام افضل من اكتساب الحسنات اجتناب السيئات ففيه من القصور من حيث السند بالارسال بل الدلالة ايضا للتصريح بالاولوية والافضلية دون الوجوب ما لا يخفى مضافا الى ما فيه من احتمال كون المراد ان اجتناب المحرمات والورع عنها افضل من الاتيان بالنوافل والمستحبات والله العالم.

(وقد اجاب بعض الاعلام) عن الخبرين بما هذا لفظه ان مضمونهما انما هو على طبق الحكم العقلى فى مقام ملاحظة النسبة بين ترك السيئات وفعل الواجبات المحققة من حيث كون احدهما افضل من الآخر واين هذا بمقام تعيين الحرمة فى مقام دوران الامر بينها وبين الوجوب.

(توضيح المقام) ان النفس بنفسها ميّالة الى الشهوات ومتابعة الهوى وهى مطابقة لا محالة لفعل المحرمات ولذا كان ردع النفس عنها فى كمال الصعوبة والمجاهدة معها فى غاية المشقة بخلاف الواجبات ويشهد له ملاحظة حال غير واحد من المؤمنين فانهم فى مقام اتيان الواجبات فى كمال الدقة وصلاتهم دائما على الجماعة وزيارتهم فى قصوى مرتبة الرقة لكنهم غير قادرين على ردع النفس فى مقام الغضب والغيبة واكل المال المشتبه الى غير ذلك.

٣٥

ـ (وكيف كان) فترك المحرمات لكونها على طبق الشهوات يكون فى قصوى مراتب المجاهدات ولذلك صار عند العقل افضل من اكتساب الحسنات ومفاد الخبرين انما هو على طبق هذا الحكم العقلى واين هذا بمقام تعيين الحرمة فيما دار الامر بينها وبين الوجوب.

(ومنها) الاستقراء بناء على ان الغالب تغليب الشارع جانب الحرمة على الوجوب لتحريمه الصلاة فى ايام الاستظهار او امره باراقة الإناءين المشتبهين ونحوهما كما يستظهر ذلك من بعض الاخبار الواردة فى الشبهات وفيه مضافا الى منع الغلبة انه لا دليل على حجيتها على تقدير ثبوتها.

٣٦

(ويضعف الاخير بمنع الغلبة) وما ذكر من الامثلة مع عدم ثبوت الغلبة بها خارج عن محل الكلام فان ترك العبادة فى ايام الاستظهار ليس على سبيل الوجوب عند المشهور ولو قيل بالوجوب فلعله لمراعاة اصالة بقاء الحيض وحرمة العبادة واما ترك غير ذات الوقت العبادة بمجرد الرؤية فهو للاطلاقات وقاعدة كلما امكن وإلّا فاصالة الطهارة وعدم الحيض هى المرجع واما ترك الإناءين المشتبهين فى الطهارة فليس من دوران الامر بين الواجب والحرام لان الظاهر كما ثبت فى محله ان حرمة الطهارة بالماء النجس تشريعية لا ذاتية وانما منع من الطهارة مع الاشتباه لاجل النص مع انها لو كانت ذاتية فوجه ترك الواجب وهو الوضوء ثبوت البدل له وهو التيمم كما لو اشتبه اناء الذهب بغيره مع انحصار الماء فى المشتبهين (وبالجملة)

ـ (اقول) قد تقدم انه على تقدير ثبوت الغلبة لا دليل على حجيتها بناء على عدم الدليل على حجية مطلق الظن فى الاحكام الشرعية سيما اذا لم يبلغ مرتبة الاطمينان كما هو ظاهر المصنف هذا مع ان الغالب فى موارد اشتباه مصاديق الواجب والحرام تغليب الشارع لجانب الوجوب وذلك فى موارد عديدة اكثر مما فى كلام المستدل.

(منها) ما لو كان لكل من رجلين درهم عند الودعى فتلف احدهما عنده فانهم حكموا بتنصيف الدرهم الباقى وهو ليس الامن تغليب جانب الوجوب فان اعطاء كل نصف قد تردد امره بين الوجوب والحرمة والشارع قد حكم بوجوب الاعطاء.

(ومنها) ما لو تداعيا عينا مع عدم بينة فى البين فانهم حكموا بالتنصيف مع ان اعطاء كل نصف تردد امره بين الوجوب والحرمة.

(ومنها) الصلاة الى اربع جهات فان الصلاة فى كل جهة ان كانت هى القبلة

٣٧

فالوضوء من جهة ثبوت البدل له لا يزاحم محرما مع ان القائل بتغليب جانب الحرمة لا يقول بجواز المخالفة القطعية فى الواجب لاجل تحصيل الموافقة القطعية فى الحرام لان العلماء والعقلاء متفقون على عدم جواز ترك الواجب تحفظا عن الوقوع فى الحرام فهذا المثال اجنبى عما نحن فيه قطعا ويضعف ما قبله بانه يصلح وجها لعدم تعيين الوجوب لا لنفى التخيير واما اولوية دفع المفسدة فهى مسلمة لكن المصلحة الفائتة بترك الواجب ايضا مفسدة وإلّا لم يصلح للالزام اذ مجرد فوات المنفعة عن الشخص وكون حاله بعد الفوت كحاله فيما قبل الفوت لا يصلح وجها لالزام شيء على المكلف ما لم يبلغ حدا يكون فى فواته مفسدة وإلّا لكان اصغر المحرمات اعظم من ترك اهم الفرائض مع انه جعل ترك الصلاة اكبر الكبائر.

ـ تكون واجبة وإلّا فحرام فان الصلاة الى غير جهة القبلة تكون تشريعا.

(ومنها) الصلاة فى ثوبين اشتبه طاهرهما بالنجس فان الصلاة فى طاهرهما تكون واجبة وفى نجسهما تكون حراما لانه تشريع وان قيل ان فرض الكلام فى الحرمة الذاتى والحرمة فى الموردين الاخيرين هى الحرمة التشريعية فهما خارجان عن محل الكلام فيقال ان الامثلة المذكورة فى كلام المستدل فى حال الحيض واستعمال الماء النجس ايضا من المحرمات التشريعية فتأمل.

(وعلى كل حال) ان الامثلة التى ذكرها المستدل لاثبات الاستقراء خارج عن محل الكلام لان ترك العبادة فى ايام الاستظهار بعد انقضاء العادة(ان كان لها عادة) ليس على سبيل الوجوب عند المشهور بل على سبيل الاستحباب ولو قيل بوجوبه فلعله لمراعاة الاصل العملى اعنى استصحاب الحيض وهو مما لا يمكن ان يستكشف منه ان المراد الواقعى للشارع انما هو ملاحظة تغليب جانب الحرمة حتى يلحق الفرد المشكوك به وذلك لان الاصل العملى ليس له نظر الى الواقع

٣٨

ـ وانما هو قاعدة كلية جعلها الشارع فى مقام العمل حال الشك (واما ترك العبادة) فى ايام الاستظهار بمجرد الرؤية ان لم يكن لها عادة بحسب الوقت فهو للاطلاقات ولقاعدة الامكان وإلّا فمقتضى استصحاب الطهارة وعدم الحيض هو الاتيان بالعبادة.

(واما ترك الإناءين المشتبهين الخ) فقد ذكر قدس‌سره فى خروجه عن محل الكلام وجوها ثلاثة(احدها) ان محل الكلام فى الدوران انما هو الحرمة الذاتى لا التشريعى كيف ولو دار الامر بين الوجوب والحرمة التشريعى كما فى صلاة الجمعة فى زمان الغيبة فان فيها قولا بالوجوب وقولا بالحرمة من جهة لزوم التشريع فينحل الشك فيه الى العلم التفصيلى والشك البدوى لان الشك فى الوجوب كاف فى الحكم بالحرمة التشريعية فليس فيها دوران حتى يأتى فيها الوجوه فى المسألة.

(وثانيها) ان شرط افادة الاستقراء الظن هو اتحاد جهة الاتصاف فى الموارد المستقرأة فيها حتى يحصل الظن منها بالقدر المشترك والمقام ليس كذلك لان وجه ترك الواجب فيه هو ثبوت البدل له وهو التيمم.

(وثالثها) ان المثال اجنبى عما نحن فيه من جهة اخرى وهى ان الكلام فى دوران الامر بين التحريم والوجوب لا الواجب والحرام ولو قيل بتقديم جانب الحرمة فلا وجه له الا فى الاول دون الثانى لاتفاق العلماء على عدم جواز ترك الواجب تحفظا عن الوقوع فى الحرام وغرضه ره من معقد هذا الاتفاق انما هو صورة المعارضة وهى صورة الشك فى المكلف به اذا كان امره دائرا بين المحذورين دون صورة المزاحمة لانه لا اشكال فى انه يأخذ فى صورة مزاحمة الواجب الحرام بما هو الاهم منهما.

(قوله ويضعف ما قبله الخ) وهو قوله لان افضاء الحرمة الى مقصودها اتم بانه يصلح وجها فى قبال من يقول بتعيين الوجوب ولا يصلح وجها فى قبال من يقول بالتخيير كما هو محل الكلام وقد اورد عليه مضافا الى ما فى المتن بأن

٣٩

ـ الاتميّة لا يصير منشأ لحكم الشارع وكون الواجب هو الاخذ بالحرمة نعم يصير منشأ لاختيار المكلف.

(واما اولوية دفع المفسدة) فهى مسلّمة لكن المصلحة الفائتة بترك الواجب ايضا مفسدة فبعد تعارض المفسدتين لا يبقى وجه لتعيين الحرمة فلا بد من التخيير وان لم يكن المصلحة الفائتة بترك الواجب مفسدة بل مجرد فوات النفع عن الشخص فلا يصلح وجها لالزام شىء على المكلف ما لم يبلغ حدا يكون فى فواته مفسدة وإلّا لكان اصغر المحرمات اعظم من ترك اهم الفرائض مع انه جعل ترك الصلاة اكبر الكبائر.

(وقد ورد فى الاخبار) ان بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة وان من اعطى على تارك الصلاة بلقمة او كسوة فكانما قتل سبعين نبيا اولهم آدم وآخرهم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا تضيعوا صلاتكم فان من ضيّع صلاته حشره الله مع قارون وفرعون وهامان لعنهم الله وكان حقا على الله ان يدخله النار مع المنافقين فالويل لمن لم يحافظ صلاته الى غير ذلك من الاخبار ويؤيد ما ذكره ظاهر جلّ الاصحاب حيث جعلوا ملاك الفرق بين الوجوب والاستحباب ترتب المفسدة على ترك الاول دون الثانى.

٤٠