درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٤

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٤

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٣

(ومما ذكرنا يندفع) توهم ان الجمع بين المحتملين مستلزم الاتيان غير الواجب على جهة العبادة لان قصد القربة المعتبرة فى الواجب الواقعى لازم المراعات فى كلا المحتملين ليقطع باحرازه فى الواجب الواقعى ومن المعلوم ان الاتيان بكل من المحتملين بوصف انها عبادة مقربة يوجب التشريع بالنسبة الى ما عدا الواجب الواقعى فيكون محرما فالاحتياط غير ممكن فى العبادات وانما يمكن فى غيرها من جهة ان اتيان المحتملين لا يعتبر فيهما قصد التعيين والتقرب لعدم اعتباره فى الواجب الواقعى المردد فيأتى لكل منهما لاحتمال وجوبه ووجه اندفاع هذا التوهم مضافا الى ان غاية ما يلزم من ذلك عدم التمكن من تمام الاحتياط فى العبادات حتى من حيث مراعات قصد التقرب المعتبر فى الواجب الواقعى من جهة استلزامه للتشريع المحرم فيدور الامر بين الاقتصار على احد المحتملين وبين الاتيان بهما مهملا لقصد التقرب فى الكل فرارا عن التشريع.

ـ (يعنى) مما ذكرنا من امكان اتيان كل واحد من المحتملين بقصد الوجه والقربة بالمعنى الثانى من الطريقين المتقدمين فى تفسير قصد التقرب يندفع توهم ان الجمع بين المحتملين مستلزم لاتيان غير الواجب على جهة العبادة لان قصد القربة المعتبرة فى الواجب الواقعى لازم المراعات فى كلا المحتملين ليقطع باحراز قصد التقرب فى الواجب الواقعى.

(ومن المعلوم) ان الاتيان بكل من المحتملين من حيث لزوم قصد التقرب والوجوب فى كل منهما من جهة كونه عبادة مقربة يوجب التشريع المحرم بالادلة الاربعة بالنسبة الى ما عدا الواجب الواقعى على تقدير امكان التشريع القصدى فحينئذ لا يمكن الاحتياط فى العبادات التعبدية.

٣٠١

ولا شك ان الثانى اولى لوجوب الموافقة القطعية بقدر الامكان فاذا لم يمكن الموافقة بمراعات جميع ما يعتبر فى الواجب الواقعى فى كل من المحتملين اكتفى بتحقق ذات الواجب فى ضمنهما ان اعتبار قصد التقرب والتعبد فى العبادة الواجبة واقعا لا يقتضى قصده فى كل منهما كيف وهو غير ممكن وانما يقتضى لوجوب قصد التقرب والتعبد فى الواجب المردد بينهما بان يقصد فى كل منهما انى افعله ليتحقق به او بصاحبه التعبد باتيان الواجب الواقعى وهذا الكلام بعينه جار فى قصد الوجه المعتبر فى الواجب فانه لا يعتبر قصد ذلك الوجه خاصة فى خصوص كل منهما بان يقصد انى اصلى الظهر لوجوبه ثم يقصد انى اصلى الجمعة لوجوبها بل يقصد انى اصلى الظهر لوجوب الامر الواقعى المردد بينه وبين الجمعة التى اصليها بعد ذلك او صليت قبل ذلك.

ـ (وانما يمكن) فى غيرها كالمعاملات والواجبات التوصلية التى لا يعتبر فيها قصد القربة كما قال قدس‌سره من جهة ان اتيان المحتملين لا يعتبر فيهما قصد التعيين والتقرب لعدم اعتباره فى الواجب الواقعى المردد فى غير العبادات فيأتى لكل منهما لاحتمال وجوبه.

(قوله ووجه اندفاع هذا التوهم الخ) يعنى على تقدير تسليم ما توهمه المتوهم من لزوم قصد القربة فى كل من المحتملين بالخصوص ومن جهة استلزامه التشريع المحرم نلتزم بعدم اعتبار قصد القربة على الوجه المذكور وان كان الواجب عباديا على ما هو المفروض لان الامر دائر بين الاقتصار على احد المحتملين والموافقة الاحتمالية وبين الاتيان بهما مع الغاء قصد التقرب بالنسبة اليهما بالخصوص والموافقة القطعية من جميع الجهات الامن جهة قصد التقرب فرارا عن التشريع (ومن المعلوم) ان الثانى اولى لوجوب الموافقة القطعية بقدر الامكان

٣٠٢

ـ خصوصا مع استلزام الاول لإلغاء قصد التقرب بالنسبة الى الامر الواقعى ايضا لعدم الجزم به فهذا الجواب على سبيل التنزل والمماشاة.

(والجواب الحقيقى) هو ما اشار اليه قدس‌سره بقوله ان اعتبار قصد التقرب والتعبد فى العبادة الواجبة واقعا لا يقتضى قصد التقرب فى كل منهما بالخصوص كيف وهو غير ممكن لعدم علم المكلف بالواجب الواقعى من المحتملين بالخصوص وانما يقتضى لوجوب قصد التقرب والتعبد فى الواجب المردد بينهما بمعنى ان يقصد فى كل منهما انى افعله ليتحقق به او بصاحبه التعبد باتيان الواجب الواقعى.

(وهذا الكلام) بعينه جار فى قصد الوجه المعتبر فى الواجب يعنى على القول باعتباره فى العبادة وإلّا فالتحقيق عند المتأخرين ومنهم المصنف عدم اعتباره الا فيما توقف تعيين الواجب وتميزه عليه وبناء على اعتباره لا يلزم قصد ذلك الوجه خاصة فى خصوص كل منهما بان يقصد انى اصلى الظهر لوجوبه ثم يقصد انى اصلى الجمعة لوجوبها بل يقصد انى اصلى الظهر لوجوب الامر الواقعى المردد بينه وبين الجمعة التى اصليها بعد ذلك او صليتها قبل ذلك.

٣٠٣

(والحاصل) ان نية الفعل هو قصده على الصفة التى هو عليها التى هو باعتبارها صار واجبا فلا بد من ملاحظة ذلك فى كل من المحتملين واذا لاحظنا ذلك فيه وجدنا الصفة التى هو عليها الموجبة للحكم بوجوبه هو احتمال تحقق الواجب المتعبد به والمتقرب به الى الله تعالى فى ضمنه فيقصد هذا المعنى والزائد على هذا المعنى غير موجود فيه فلا معنى لقصد التقرب فى كل منهما بخصوصه حتى يرد ان التقرب والتعبد بما لم يتعبد به الشارع تشريع محرم نعم هذا الايراد متوجه على ظاهر من اعتبر فى كل من المحتملين قصد التقرب والتعبد به بالخصوص لكنه مبنى ايضا على لزوم ذلك من الامر الظاهرى باتيان كل منهما فيكون كل منهما عبادة واجبة فى مرحلة الظاهر كما اذا شك فى الوقت انه صلى الظهر ام لا فانه يجب عليه فعلها فينوى الوجوب والقربة وان احتمل كونها فى الواقع لغوا غير مشروع فلا يرد عليه ايراد التشريع اذا التشريع انما يلزم لو قصد بكل منهما انه الواجب واقعا المتعبد به فى نفس الامر.

ـ (محصل الحاصل) ان قصد التقرب بالواجب الواقعى المردد لا يتوقف على اتيان كل من المحتملين بوصف كون كل منهما عبادة مقربة بل يكفى فى ذلك مجرد الاتيان بكل منهما برجاء انه الواقع اذ ليس المراد به إلّا اتيان الفعل بداعى الامر وهو موجود هنا لان الامر بالواجب الواقعى صار سببا لاتيانهما برجاء انه الواقع.

(وقد تقدم) ان اعتبار قصد التقرب والتعبد فى العبادة الواجبة واقعا لا يقتضى قصده فى كل من المحتملين كيف وهو غير ممكن لعدم العلم بالواجب الواقعى منهما بالخصوص وانما يقتضى لوجوب قصد التقرب والتعبد فى الواجب المردد بينهما بان يقصد فى كل منهما انى افعله ليتحقق به او بصاحبه التعبد

٣٠٤

ولكنك عرفت ان مقتضى النظر الدقيق خلاف هذا البناء وان الامر المقدمى خصوصا الموجود فى المقدمة العلمية التى لا يكون الامر بها إلّا ارشاديا لا يوجب موافقة التقرب ولا يصير منشأ لصيرورة الشيء من العبادات اذا لم يكن فى نفسه منها وقد تقدم فى مسئلة التسامح فى ادلة السنن ما يوضح حال الامر بالاحتياط كما انه قد استوفينا فى بحث : مقدمة الواجب حال الامر المقدمى وعدم صيرورة المقدمة بسببه عبادة وذكرنا ورود الاشكال من هذه الجهة على كون التيمم من العبادات على تقدير عدم القول برجحانه فى نفسه كالوضوء فانه لا منشأ حينئذ لكونه منها الا الامر المقدمى به من الشارع.

ـ باتيان الواجب الواقعى فيقصد هذا المعنى والزائد على هذا المعنى غير موجود فيه فلا معنى لقصد التقرب فى كل منهما بخصوصه حتى يردان التقرب والتعبد بما لم يتعبد به الشارع تشريع محرم.

(نعم) هذا الايراد يعنى اشكال التشريع انما يلزم على ظاهر من اعتبر فى كل من المحتملين قصد التقرب والتعبد به بالخصوص لكنه مبنى ايضا على لزوم ذلك من الامر الظاهر باتيان كل منهما.

(ولا يخفى) ان هذا الاستدراك اشارة الى دفع ايراد التشريع على ظاهر من اعتبر فى كل من المحتملين قصد التقرب بالخصوص بيان ذلك ان اعتبار قصد التقرب والتعبد بكل من المحتملين بالخصوص مبنى على ملاحظة ورود الامر بكل واحد منهما بخصوصه كما ان الطريق الاول الذى تقدم سابقا لتوجيه قصد القربة والوجوب كان مبنيا على ذلك اذ ورود الامر بكل منهما يصير سببا لكون كل منهما عبادة بحسب الظاهر واجبة كذلك فينوى الوجوب والقربة من جهة ملاحظة الامر الظاهرى المتعلق بكل منهما فلا يرد عليه ايراد التشريع اذ

٣٠٥

ـ التشريع انما يلزم لو قصد بكل منهما انه الواجب واقعا المتعبد به فى نفس الامر

(ولكنك قد عرفت) فى قوله المتقدم واما الوجه الاول فيرد عليه ان المقصود الخ ان مقتضى النظر الدقيق خلاف هذا البناء وان الامر المقدمى خصوصا الموجود فى المقدمة العلمية التى لا يكون الامر بها إلّا ارشاديا لا يوجب موافقة التقرب ولا يصير منشأ لصيرورة الشىء من العبادات اذا لم يكن فى نفسه منها

(وقد تقدم) فى مسئلة التسامح فى ادلة السنن فى الشك فى التكليف ما يوضح حال الامر بالاحتياط من ان التقرب بفعل كل من المشتبهين من جهة نفس عنوان الاحتياط من حيث كونه راجحا وحسنا ذاتا لا من جهة الامر المتعلق بعنوان الاحتياط حتى يقال بكونه ارشاد يا عقلا وشرعا.

(وقد استوفى قدس‌سره) فى بحث مقدمة الواجب حال الامر المقدمى وذكر انه لكونه ارشاديا صرفا لا يمكن ان يكون مقربا فلا يمكن قصد القربة لاجله ومن هذا يعلم ان ما حكى عن بعض المحققين من ان كون الشىء وصلة الى اداء الواجب موجب لمصلحة يمكن قصد التقرب لاجله بمعزل عن التحقيق.

(ثم) انهم اختلفوا فى كون اطاعة الامر الغيرى الشرعى موجبة للتقرب واستحقاق الثواب فى بحث المقدمة بعد اتفاقهم على كفايته بالنسبة الى قصد الوجه فيما كان قصده معتبرا كما فى الطهارات الثلاث بل عن غير واحد جعل ثمرة النزاع فى بحث المقدمة فى استحقاق الثواب بفعلها وعدمه وعن بعضهم اخذ الثمرة بالنسبة الى استحقاق العقاب على الترك ايضا والذى يظهر من كلمات المحققين من المتأخرين فى تلك المسألة فساد الثمرة المذكورة وعدم تأثير اطاعة الامر الغيرى فى استحقاق الثواب.

(قال فى بحر الفوائد) لا اشكال فى استحقاق الثواب بفعل المقدمة فيما لو كانت عبادة فى نفسها وجعلها الشارع من مقدمات الواجب كما فى الطهارة المائية من حيث رجحانها الذاتى لا من حيث اطاعة الامر الغيرى المتعلق بها واما الطهارة

٣٠٦

ـ الترابية على القول بعدم كونها عبادة فى نفسها بحيث يكون فعلها راجحا ومأمورا به من دون ملاحظة غاية من الغايات فيكون نقضا لما ذكرنا من عدم تأثير امتثال الامر الغيرى فى القرب واستحقاق الثواب فان كونها من العبادات وعدم سقوط امرها إلّا بقصد التقرب من المسلمات عندهم مع عدم تعلق امر نفسى بها على هذا القول وانحصار امرها فى الامر الغيرى هذا.

(ويمكن) التفصى عن الاشكال المذكور بالتزام رجحان ومصلحة نفسية لها لا تبلغ حدا يؤثّر فى الامر بها نفسا وانما هى بمقدار تؤثّر فى المصلحة الملزمة بالنسبة الى غاياتها وتوجب ارتباطها بها كما فى الركوع على القول بعدم كونه عبادة فى نفسه كالسجود فتأمل وتمام الكلام فى الفقه.

(قوله وذكرنا ورود الاشكال من هذه الجهة على كون التيمم من العبادات الخ) قد ذكر مقرر بحثه فى مطارح الانظار ورود الاشكال على كون الطهارات الثلاث من العبادات فلا بأس لنقل عبارته حتى تكون على بصيرة من ورود لا اشكال والجواب عنه.

(حيث قال) فيه فى التنبيه الثانى انه قد عرفت فيما تقدم ان النسبة بين الواجب الغيرى والتعبدى عموم وخصوص من وجه لافتراق الاول فى غسل الثوب والثانى فى الصلاة واجتماعهما فى المقدمات العبادية التى يشترط فيها نية القربة كالطهارات الثلاث فانها كما اطبقوا على كونها مما يترتب عليها الثواب كما هو منشأ الاشكال فى الامر الاول كذلك اطبقوا على كونها عبادة مشروطة بقصد القربة.

(ويشكل) بان القربة عبارة على ما عرفت مرارا عن الاتيان بالفعل بواسطة الامر ولا مصحح لها فى الاوامر المقدمية اذ الامر المقدمى لا يعقل ان يكون مستتبعا لذلك ضرورة معلومية الغرض الداعى الى المقدمة وهو التوصل بها الى ذيها وبعد العلم بان المقصود والغرض منه التوصل لا معنى للقول بوجوب الاتيان بالمقدمة على وجه القربة.

٣٠٧

ـ (والسر فى ذلك) ايضا هو ما عرفت من ان امتثالها تابع لامتثال ذيها كما ان وجوبها على القول به وجوب تبعى منتزع من وجوب ذيها وهو لا يستتبع امتثالا ولا قربة كما لا يوجب ثوابا ويمكن التفصى عن هذا الاشكال بوجوه.

(احدها) انها مطلوبات نفسية ومندوبات ذاتية يصح قصد التعبد بها من حيث مطلوبيتها النفسية وذلك فاسد جدا اما اولا فلان التيمم على ما هو المشهور مما لم يقم دليل على كونه مطلوبا نفسيا فالاشكال فيه باق واما ثانيا فلان ذلك غير مجد فيما نحن بصدده اذ لا اشكال فى صحة قصد القربة فيما هو المطلوب النفسى والكلام انما هو فى قصد التعبد بالمقدمة من حيث انها مقدمة فالوضوء لاجل الصلاة لا بد وان يكون على وجه القربة بواسطة الامر المقدمى ثم اجاب عن الاشكال بجوابين آخرين مرضيين عنده فراجع.

(والمستفاد) منه فى هذا المقام دفع الاشكال فى الوضوء والغسل من جهة الالتزام برجحانهما فى انفسهما وكفايته فى قصد القربة من غير حاجة الى الامر وان ورود الاشكال فى التيمم من جهة عدم رجحانه فى نفسه.

(لقائل) ان يقول كما يرد الاشكال على التيمم يرد على الوضوء ايضا اذ لو كان مناط الفرق ورود الامر بالنسبة الى الوضوء فهو واضح البطلان لورود الامر بالتيمم ايضا فى قوله تعالى (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) وان كان وجوب الوضوء بنفسه دون التيمم فهو ايضا واضح البطلان اذ لم يقل احد من الامامية بوجوبه نفسا وفى المحكى نسبه الشهيد ره فى الذكرى الى القيل وصرح فى قواعده بان القائل من العامة (فيقال) انه التزم الاصحاب برجحان الوضوء بنفسه فيستحب لمجرد الكون على الطهارة بخلاف التيمم وان قال بعضهم انه يقوم مقام الوضوء فى ذلك استنادا الى عموم المنزلة وقد منعه بعضهم تفصيل الكلام فى الفقه ولذا قيّد المصنف ره الاشكال بتقدير عدم القول برجحان التيمم فى نفسه وفى المقام اشكال آخر تعرض له بعض المحشين فراجع.

٣٠٨

(فان قلت) يمكن اثبات الوجوب الشرعى المصحح لنية الوجه والقربة فى المحتملين لان الاول منهما واجب بالاجماع ولو فرارا عن المخالفة القطعية والثانى واجب بحكم الاستصحاب المثبت للوجوب الشرعى الظاهرى فان مقتضى الاستصحاب بقاء الاشتغال وعدم الاتيان بالواجب الواقعى وبقاء وجوبه (قلت) اما المحتمل المأتى به اولا فليس واجبا فى الشرع لخصوص كونه ظهرا او جمعة وانما وجب لاحتمال تحقق الواجب به الموجب للفرار عن المخالفة او للقطع بالموافقة اذا اتى معه بالمحتمل الآخر وعلى اى تقدير فمرجعه الى الامر باحراز الواقع ولو احتمالا واما المحتمل الثانى فهو ايضا ليس إلّا بحكم العقل من باب المقدمة وما ذكر من الاستصحاب فيه بعد منع جريان الاستصحاب فى هذا المقام من جهة حكم العقل من اول الامر بوجوب الجميع اذ بعد الاتيان باحدهما يكون حكم العقل باقيا قطعا وإلّا لم يكن حاكما بوجوب الجميع وهو خلاف الفرض ان مقتضى الاستصحاب وجوب البناء على بقاء الاشتغال حتى يحصل اليقين بارتفاعه.

ـ (اقول) ان ما يقال من جملة الادلة التى استدلوا بها على وجوب الموافقة القطعية فى الشبهة الوجوبية من جهة عدم النص المعتبر حاصله المصحّح لنيّة الوجه والقربة فى المحتملين انه اذا علم المكلف بالوجوب وتردد الواجب بين امرين متباينين فالاصل بقاء الشغل وعدم الخروج من عهدة التكليف بالاتيان باحدهما.

(فاتيان الاول) منهما واجب بالاجماع ولو فرارا عن المخالفة القطعية ووجوب اتيان الآخر بحكم الاستصحاب اعنى استصحاب شغل الذمة بالواجب الواقعى المثبت للوجوب الشرعى الظاهرى فان مقتضاه بقاء الاشتغال وعدم

٣٠٩

اما وجوب تحصيل اليقين بارتفاعه فلا يدل عليه الاستصحاب وانما يدل عليه العقل المستقل بوجوب القطع بتفريغ الذمة عند اشتغالها وهذا معنى الاحتياط فمرجع الامر اليه واما استصحاب وجوب ما وجب سابقا فى الواقع او استصحاب عدم الاتيان بالواجب الواقعى فشىء منهما لا يثبت وجوب المحتمل الثانى حتى يكون وجوبه شرعيا الا على تقدير القول بالاصول المثبتة وهى منفية كما قرر فى محله ومن هنا ظهر الفرق بين ما نحن فيه وبين استصحاب عدم فعل الظهر وبقاء وجوبه على من شك فى فعله فان الاستصحاب بنفسه مقتض هناك لوجوب الاتيان بالظهر الواجب فى الشرع على الوجه الموظف من قصد الوجوب والقربة وغيرهما ثم ان الكلام فيما يتعلق بفروع هذه المسألة يأتى فى الشبهة الموضوعية إن شاء الله تعالى.

ـ الاتيان بالواجب الواقعى حتى يأتى به. (قوله قلت اما المحتمل المأتى به الخ) ملخص الجواب ان وجوب الاتيان بالمحتمل الاول ليس من جهة الشرع حتى يستكشف منه الوجوب الشرعى المولوى وان اتفاق العلماء على الحكم بوجوبه من جهة حكم العقل به. (وقد تقدم) فى اول الكتاب ان ادعاء الاجماع فى المسألة العقلية مجازفة وانه لا يكشف عن رأى المعصوم عليه‌السلام حتى يكون المكشوف عنه محبوبا فى نفسه عند الشارع ومأمورا به عنده ليصح نية الوجه والقربة فيه بل حكم العقل بلزوم الاتيان بالمحتمل الاول من جهة تحقق الواجب به الموجب للفرار عن المخالفة القطعية او للقطع بالموافقة القطعية اذا اتى معه بالمحتمل الآخر وعلى اىّ تقدير فمرجعه الى الامر باحراز الواقع ولو احتمالا.

(واما المحتمل الثانى) فهو ايضا ليس واجبا الا من جهة حكم العقل

٣١٠

ـ بوجوب الموافقة القطعية فهو ايضا يكون ارشاديا لا يصحح قصد القربة.

(واما ما ذكر) من الاستصحاب ففيه مضافا الى منع جريان الاستصحاب فى المقام من جهة حكم العقل من اول الامر بوجوب الجميع بمعنى ان العقل بعد ملاحظة العلم الاجمالى الموجب لتنجز الخطاب والتكليف الفعلى حاكم بوجوب تحصيل البراءة اليقينية مع ثبوت اشتغال الذمة لاتيان المأمور به وحصول الامتثال.

(وهذا الحكم العقلى) موجود بعينه قبل الاتيان باحدهما او بعده فلا وجه للاستصحاب لان المعتبر فى مجراه هو اليقين السابق والشك اللاحق ولا ريب ان اليقين باق فى الحالين ان مقتضى الاستصحاب وجوب البناء على بقاء الاشتغال حتى يحصل اليقين بارتفاعه اما وجوب تحصيل اليقين بارتفاعه فلا يدل عليه الاستصحاب وانما يدل عليه العقل المستقل بوجوب القطع بتفريغ الذمة عند اشتغالها وهذا معنى الاحتياط فمرجع الامر اليه.

(وبعبارة اخرى) ان الاستصحاب انما يجرى اذا كان هناك اثر شرعى يترتب عليه بلا واسطة والاثر الذى يراد ترتبه على الاستصحاب فى المقام هو وجوب تحصيل اليقين بفراغ الذمة والقطع ببراءتها وهو اثر عقلى لا شرعى فيكون الاستصحاب مثبتا وهو ليس بحجة على تقدير حجيته من باب الاخبار ثم انه قدس‌سره جعل هذا جوابا آخر فى قوله واما استصحاب وجوب ما وجب سابقا فى الواقع الخ.

(قوله فشيء منهما لا يثبت وجوب المحتمل الثانى الخ) اذ لا يترتب على بقاء الواجب الواقعى وعدم الاتيان به بعد الاتيان بالمحتمل الاول شىء الا بعد اثبات ما يلازمه عقلا وهو كون الواجب فى مرحلة الظاهر هو المحتمل الآخر فيترتب عليه وجوب الاتيان به فيكون المقام من قبيل استصحاب الكلى المردد بين ما هو باق جزما ومرتفع كذلك.

٣١١

ـ (كما اذا علم اجمالا) بخروج واحد من البول او المنى منه فتوضأ بعد ذلك فشك فى بقاء الحدث فيستصحب لكن لا يثبت به كون الباقى هو الجنابة حتى يترتب عليه وجوب الغسل بل يجرى اصل عدم حدوث الجنابة ويرتفع به احكامها الخاصة بها نعم يترتب على الاستصحاب الكلى المذكور الاحكام الشرعية الثابتة لمطلق الحدث كما سيأتى توضيحه فى باب الاستصحاب إن شاء الله تعالى.

(قوله ومن هنا ظهر الفرق بين ما نحن فيه الخ) بيان الفرق ان استصحاب عدم فعل الظهر وبقاء وجوبه كل منهما يقتضى بنفسه وجوب الاتيان به فهذا الحكم مترتب على نفس المستصحب لا على ما يلازمه عقلا وعادة وبالجملة ليس بينهما واسطة حتى يكون الاستصحاب مثبتا لها بخلاف اصالة عدم الاتيان بالواجب الواقعى وبقاء وجوبه فان الحكم بوجوب الاتيان بالباقى ليس مترتبا على مجرى الاستصحاب فيهما الا بعد اثبات كون الواجب هو الباقى حتى يترتب عليه وجوب الاتيان به فافهم.

(التحقيق) فى المقام انه قد عرفت تمسك بعض الاعلام بالاستصحاب لوجوب الاتيان بالمحتمل الآخر عند الاتيان باحد المحتملين اما مطلقا او فى مورد لم يكن هناك قاعدة اشتغال كما لو حدث العلم الاجمالى بوجوب احد الامرين بعد الاتيان باحدهما وذلك تارة باجرائه فى الموضوع باستصحاب عدم الاتيان بما هو الواجب المعلوم فى البين واخرى فى الحكم باستصحاب بقاء وجوب ما وجب سابقا وعدم سقوطه بفعل احدهما نظرا الى تمامية اركانه فيهما من اليقين السابق والشك اللاحق.

(ولكن فيه ما لا يخفى) اما الاول فهو وان تم فيه اركان الاستصحاب لتعلق الشك بعين ما تعلّق به اليقين السابق وهو العنوان الاجمالى المعبّر عنه باحد الامرين إلّا ان الاشكال فيه انما هو من جهة عدم تعلق اليقين والشك بعنوان ذى اثر شرعى فان العنوان الذى تعلق به اليقين والشك وهو العنوان الاجمالى لا يكون بهذا العنوان

٣١٢

ـ مما له الاثر الشرعى حتى يصح التعبد ببقائه وما له الاثر الشرعى انما هى العناوين التفصيلية كعنوان صلاة الظهر والجمعة والقصر والاتمام.

(ومثل هذه العناوين) مما اختل فيه احد ركنى الاستصحاب من اليقين السابق او الشك اللاحق وبهذه الجهة يقال بعدم جريان الاستصحاب فى الفرد المردد ولا فى المفهوم المجمل المردد بين الاقل والاكثر كعنوان الرضاع المحرم لان ما هو مشكوك البقاء لا اثر له وما له الاثر وهو العنوان التفصيلى مردد بين ما هو متيقن الارتفاع وما هو متيقن البقاء.

(فعلى كل حال) لا يجرى الاستصحاب اما الفقد الاثر واما لاختلال احد ركنى الاستصحاب وهو الشك فى البقاء ولا يقاس المقام بباب استصحاب الكلى والقدر المشترك بين الفردين كاستصحاب الحدث المردد بين الاكبر والاصغر للفرق الواضح بين المقام وما هناك حيث ان الكلى بنفسه موضوع للاثر الشرعى فيجرى فيه الاستصحاب بخلاف المقام فانه ليس لذلك العنوان المعلوم بالاجمال وهى الصلاة المرددة بين القصر والاتمام او الظهر والجمعة اثر شرعى بهذا العنوان حتى يصح التعبد ببقائه بلحاظه وهو واضح.

٣١٣

(المسألة الثانية) ما اذا اشتبه الواجب فى الشريعة بغيره من جهة اجمال النص بان يتعلق التكليف الوجوبى بامر مجمل كقوله ايتنى بعين وقوله تعالى حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى بناء على تردد الصلاة الوسطى بين صلاة الجمعة كما فى بعض الروايات وغيرها كما فى بعض آخر والظاهر ان الخلاف هنا بعينه الخلاف فى المسألة الاولى والمختار فيها هو المختار هناك بل هنا اولى لان الخطاب هنا تفصيلا متوجه الى المكلفين فتأمل وخروج الجاهل لا دليل عليه لعدم قبح تكليف الجاهل بالمراد من المأمور به اذا كان قادرا على استعلامه من دليل منفصل فبمجرد الجهل لا يقبح توجيه الخطاب ودعوى قبح توجيهه على العاجز عن استعلامه تفصيلا القادر على الاحتياط فيه باتيان المحتملات ايضا ممنوعة لعدم القبح فيه اصلا وما تقدم من البعض من منع التكليف بالمجمل لاتفاق العدلية على استحالة تأخير البيان قد عرفت منع قبحه اولا وكون الكلام فيما عرض له الاجمال ثانيا.

ـ (اقول) اذا كانت الشبهة لاجل تعارض النصين فحكمها التخيير فى الاخذ باحد النصين مطلقا فى الشبهة الوجوبية والتحريمية لاطلاق ما دل على التخيير عند تعارض الاخبار وفيما عدا ذلك تجب الموافقة القطعية سواء كانت الشبهة موضوعية كبعض موارد القصر والاتمام او حكمية كان المنشأ فقد النص او اجماله (وما يظهر) من كلامه قدس‌سره فيما يأتى عن قريب من عدم تصوير اجمال النص بالنسبة الى الغائبين عن وقت الخطاب لاختصاص الخطابات بالمشافهين او الموجودين فى ذلك الزمان فيرجع اجمال النص بالنسبة الى الغائبين الى فقد النص فهو خلاف التحقيق فى الخطابات الشرعية فان توهم اختصاص الخطاب بالحاضرين مبنى على ان تكون القضايا الشرعية من القضايا الخارجية.

٣١٤

ـ (واما اذا كانت) من القضايا الحقيقية فهى تعم الغائبين والمعدومين على نسق الموجودين فحينئذ يمكن فرض اجمال النص بالنسبة الى الغائبين كالموجودين (وعلى كل حال) لا ينبغى التامل فى حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية فى كل ما فرض اجمال المكلف به وتردده بين المتباينين فما يظهر من المحقق القمى من الاكتفاء بالامتثال الاحتمالى بفعل احد طرفى المعلوم بالاجمال لا يخلو عن ضعف لاستقلال العقل بان الاشتغال اليقينى يقتضى البراءة اليقينية ليأمن من تبعة مخالفة التكليف المعلوم.

(وبالجملة) اذا كان الواجب مرددا بين امرين متباينين كما لو تردد الامر بين وجوب الظهر والجمعة فى يوم الجمعة وبين القصر والاتمام فى رأس اربعة فراسخ ونحو ذلك.

(والاقوى) فيها وجوب الاحتياط بالموافقة القطعية لعين ما تقدم فى الشبهة التحريمية من منجزية العلم الاجمالى وعليته بحكم العقل لحرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية على وجه يمنع عن مجيء الترخيص الظاهرى على خلاف التكليف المعلوم بالاجمال ولو فى بعض الاطراف إلّا اذا كان هناك ما يوجب انحلال العلم الاجمالى او بدلية بعض الاطراف عن الواقع من اصل موضوعى او حكمى مثبت للتكليف فى بعض الاطراف من غير فرق فى ذلك كله بين كون الشبهة موضوعية او حكمية ولا فى الثانى بين كون منشأ الاشتباه هو فقد النص المعتبرة او اجماله او تعارض النصين.

(نعم) فى فرض تعارض النصين كما تقدمت الاشارة يكون الحكم هو التخيير فى الاخذ باحد الخبرين للنصوص الآمرة فى التخيير فى الاخذ باحدهما فتخرج هذه الصورة عما هو معقد البحث فى العلم الاجمالى نعم قال بعض الاعلام يدخل فى المقصد تعارض الآيتين والاجماعين المنقولين بناء على عدم الحاقهما بالخبرين المتعارضين فى الحكم المزبور فعليه يرجع فيهما بعد التساقط الى

٣١٥

ـ قواعد العلم الاجمالى.

(قوله تعالى (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) فى سورة البقرة آية ٢٣٨ ان المراد بالمحافظة عليها هى شدة الاعتناء بالاداء فى وقتها والمداومة عليها والوسطى تأنيث الاوسط اما بمعنى التوسط اى بين الصلوات او الفضل وخصّها بعد العموم للاهتمام بحفظها لافضليتها.

(واختلف) فيها على اقوال كثيرة نشير الى بعضها.

(الاول) انها الظهر وعليه اكثر الامامية وهو المروى عن الباقر والصادق عليهما‌السلام قالا عليهما‌السلام هى صلاة الظهر وهى اول صلاة صلاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهى وسط النهار ووقت الحر فكانت أشقّ عليهم فكانت افضل لقوله عليه‌السلام افضل العبادات احمزها ووسط صلاتين بالنهار صلاة الغداة وصلاة العصر وهى اول صلاة انزل الله تعالى على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله وراجع الوسائل الباب (٥) من ابواب اعداد الفرائض.

(الثانى) انها العصر وقال به من الامامية السيد المرتضى قدس‌سره وادعى عليه اجماع الطائفة واليه ذهب جماعة من العامة وفى كنز العرفان قيل هى العصر لانها بين صلاتى الليل والنهار ولانها تقع حال اشتغال الناس بمعاشهم فيكون الاشتغال بها أشقّ عليهم ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله من فاتته صلاة العصر فكانما وتر اهله وماله وفى رواية حبط عمله ولما روى انه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال يوم الاحزاب شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر فان صح ذلك فهو صريح فيها انتهى.

(الثالث) انها الجمعة يوم الجمعة والظهر فى ساير الايام نقله الطبرسى فى المجمع عن على عليه‌السلام راجع الوسائل الباب (٥) من ابواب اعداد الفرائض الحديث (٤) وفى كنز العرفان عن بعض أئمة الزيدية انها صلاة الجمعة يوم الجمعة والظهر فى ساير الايام. (وقيل) المغرب لتوسطها عددا بين ثنائى ورباعى ووقتا بين ليليّة ونهاريّة وقيل العشاء لتوسطها بين ليليّة ونهاريّة وقيل ان الله تعالى اخفاها ليحافظ على

٣١٦

ـ جميعها كاخفاء ليلة القدر واخفاء الاسم الاعظم والولى وساعة الاجابة لان يهتموا بالكل غاية الاهتمام ويدركوا الفضيلة فى الكل.

(وتخصيص) الصلاة الوسطى بالأمر بالمحافظة عليها مع كونها داخلة فى الصلوات لكونها جمعا محلى باللام وهو يفيد الاستغراق لاختصاصها بزيادة الفضيلة تقتضى رفع شأنها قيل وافرادها بالذكر كافراد النخل والرمان عن الفاكهة وجبرئيل وميكائيل عن الملائكة.

(ولله الله قانتين) قال فى مجمع البيان قال ابن عباس معناه داعين والقنوت هو الدعاء فى الصلاة حال القيام مع رفع اليدين وهذا هو الشائع عند الفقهاء وهو المروى عن ابى جعفر وابى عبد الله عليهما‌السلام وقيل الخشوع اى قوموا لله خاشعين وقيل ساكتين والذكر انسب من الدعاء فانه اعم والاصحاب لا يشترطون الدعاء فى القنوت فانهم يجعلون كلمات الفرج افضله وليس فيها دعاء وقيل هى المداومة على الشىء اى قوموا لله مداومين على القيام واستدل بها على وجوب القنوت فى الصلاة ولا يخلو عن التأمل لاحتمال معان أخر كما مر.

(وقوله فتأمل) قيل لعلّه اشارة الى ضعف ما ادعاه من الاولوية من جهة ان محل الكلام هو الاجمال العرضى لا الذاتى لاختصاص الخطابات بالحاضرين فالاجمال فيها بالنسبة الينا من قبيل الاجمال العرضى فيكون هذه الصورة كصورة عدم النص بلا فرق فلا وجه لدعوى الاولوية كما يأتى عن قريب فى عبارته قدس‌سره ان الخطاب كان مفصلا ومبينا للحاضرين وعرض له الاجمال بالنسبة الى الغائبين فالمسألة من قبيل عدم النص لا اجمال النص إلّا أنّك عرفت ان المختار فيهما وجوب الاحتياط.

(قوله وخروج الجاهل الخ) اذا فرضنا توجيه الخطاب الى المكلفين تفصيلا فخروج الجاهل لا دليل عليه لعدم قبح تكليف الجاهل بالمراد من المأمور به اذا كان قادرا على استعلامه من دليل منفصل فمجرد الجهل لا يقبح توجيه

٣١٧

ـ الخطاب اذا لجهل ليس مطلقا عذرا فى سقوط التكليف فان شرطية العلم ليست كسائر الشروط العقلية مثل القدرة فانها شرط فى ثبوت التكليف على القادر بخلاف العلم التفصيلى فانه شرط لتنجز التكليف وفعليته اذ يكفى فى ثبوت التكليف وجود العلم الاجمالى اذا كان المكلف قادرا على استعلامه من دليل خارج او على الاحتياط باتيان جميع المحتملات.

(نعم) اذا كان غير قادر على ذلك من جميع الجهات فلا ريب فى كون الجهل عذرا فى سقوط التكليف إلّا ان ما نحن فيه ليس من هذا القبيل.

(ودعوى) قبح توجيه الخطاب على العاجز عن استعلامه تفصيلا فيما كان المكلف قادرا على الفعل ولو بالاحتياط باتيان المحتملات.

(ممنوعة) لعدم القبح فيه اصلا لفرض قدرة المخاطب على اتيان المكلف به بالاحتياط.

(وما تقدم) من المحقق القمى من منع التكليف بالمجمل لانه مستلزم لتأخير البيان عن وقت الحاجة الذى اتفق اهل العدل على استحالته قد عرفت منع قبحه اولا فيما تقدم من ان التكليف بالمجمل وتأخير البيان عن وقت الحاجة فلا دخل له فى المقام اذ لا اجمال فى الخطاب فيه اصلا وانما طرأ الاشتباه فى المكلف به من جهة تردد ذلك الخطاب المبين بين امرين ومن ان التكليف بالمجمل وتأخير البيان عن وقت العمل لا دليل على قبحه ثانيا اذا تمكن المكلف من الاطاعة ولو بالاحتياط.

٣١٨

(ثم) ان المخالف فى المسألة ممن عثرنا عليه هو الفاضل القمى قده والمحقق الخوانسارى فى ظاهر بعض كلماته لكنه قده وافق المختار فى ظاهر بعضها الآخر قال فى مسئلة التوضى بالماء المشتبه بالنجس بعد كلام له فى منع التكليف فى العبادات إلّا بما ثبت من اجزائها وشرائطها ما لفظه نعم لو حصل يقين المكلف بامر ولم يظهر معنى ذلك الامر بل يكون مترددا بين امور فلا يبعد القول بوجوب تلك الامور جميعا حتى يحصل اليقين بالبراءة انتهى ولكن التامل فى كلامه يعطى عدم ظهور كلامه فى الموافقة لان الخطاب المجمل الواصل الينا لا يكون مجملا للمخاطبين فتكليف المخاطبين بما هو مبين واما نحن معاشر الغائبين فلم يثبت اليقين بل ولا الظن بتكليفنا بذلك الخطاب فمن كلف به لا اجمال فيه عنده ومن عرض له الاجمال لا دليل على تكليفه بالواقع المردد لان اشتراك غير المخاطبين معهم فيما لم يتمكنوا من العلم به عين الدعوى.

ـ (اقول) انه قدس‌سره قد نقل كلام الفاضل القمى والمحقق الخوانسارى قدس‌سرهما ويظهر من نقل كلامهما فقط ان المخالفة فى المسألة الاولى والثانية مختصة بهما ولكن المحقق الخوانسارى وافق المختار من حيث لزوم الاحتياط فى ظاهر بعض كلماته الآخر.

(حيث قال) فى مسئلة التوضى بالماء المشتبه بالنجس بعد كلام له فى منع التكليف فى العبادات إلّا بما ثبت من اجزائها وشرائطها ما لفظه نعم لو حصل يقين للمكلف بامر ولم يظهر معنى ذلك الامر بل يكون مترددا بين امور فلا يبعد القول بوجوب تلك الامور جميعا حتى يحصل اليقين بالبراءة انتهى.

(ولكن التامل فى كلامه) يعنى التامل فى كلام المحقق الخوانسارى يعطى عدم ظهوره فى الموافقة لان مفروض كلامه هو الحكم بلزوم الاحتياط اذا

٣١٩

فالتحقيق ان هنا مسألتين إحداهما اذا خوطب شخص بمجمل هل يجب عليه الاحتياط أو لا الثانية انه اذا علم تكليف الحاضرين بامر معلوم لهم تفصيلا وفهموه من خطاب هو مجمل بالنسبة الينا معاشر الغائبين فهل يجب علينا تحصيل القطع بالاحتياط باتيان ذلك الامر ام لا والمحقق حكم بوجوب الاحتياط فى الاول دون الثانى فظهر من ذلك ان مسئلة اجمال النص انما يغاير المسألة السابقة اعنى عدم النص فيما فرض خطاب مجمل متوجه الى المكلف اما لكونه حاضرا عند صدور الخطاب واما للقول باشتراك الغائبين مع الحاضرين فى الخطاب اما اذا كان الخطاب للحاضرين وعرض له الاجمال بالنسبة الى الغائبين فالمسألة من قبيل عدم النص لا اجمال النص إلّا أنّك عرفت ان المختار فيهما وجوب الاحتياط فافهم.

ـ كان الاجمال فى خطاب الشارع ذاتيا لا عرضيا لبعض الامور الخارجة والمحقق يقول بوجوب الاحتياط فى الاول ولكن الذى يظهر من كلام الشيخ قدس‌سره هو لزوم الاحتياط فيما اذا كان الاجمال عرضيا.

(واما نحن) معاشر الغائبين فلم يثبت اليقين بل ولا الظن بتكليفنا بذلك الخطاب فمن كلف به لا اجمال فيه عنده ومن عرض له الاجمال لا دليل على تكليفه بالواقع المردد لان اشتراك غير المخاطبين معهم فيما لم يتمكنوا من العلم به عين الدعوى والمراد من الاشتراك المذكور هو ما ثبت من الاجماع والاخبار بل الضرورة من اشتراك الغائبين والمعدومين للحاضرين فى التكليف.

(ويمكن ان يقال) لا وجه للتأويل المذكور فى كلامه لانه اذا كان حكم المخاطبين عند كون الخطاب مجملا هو الاحتياط كان حكم غيرهم ايضا فيما يكون مجملا عندهم هو الاحتياط وان كان مبيّنا معلوما عند المخاطبين وطرأ الاجمال بالنسبة الى غيرهم وذلك لان كل حكم ثبت لموضوع خاص بالنسبة

٣٢٠