درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٤

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٤

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٣

ـ الملاك فى تنجزه هو العلم بالتكليف الفعلى وهو حاصل على الفرض كما اذا علم اجمالا بتعلق النذر بقراءة سورة خاصة فى هذا اليوم او فى الغد فانه بناء على كون الوجوب فعليا بالنذر لامكان الواجب التعليقى نعلم بتكليف فعلى متعلق بالقراءة فى اليوم او بالقراءة فى الغد فالتدريجية انما هى فى المتعلق واما الوجوب فهو حاصل بالفعل لا تدريجية فيه على كل تقدير وفى مثل ذلك لا بد من القول بتنجيز العلم الاجمالى لما عرفت من ان العبرة فى التنجيز هو العلم بالتكليف الفعلى وهو ثابت على الفرض.

(واما القسم الثانى) وهو ما لا يكون العلم فيه متعلقا بالتكليف الفعلى على كل تقدير كما اذا علم بوجوب مردد بين كونه فعليا الآن وكونه فعليا فيما بعد نظير ما اذا تردد امر الواجب بين كونه مطلقا او مشروطا بشرط يحصل فيما بعد فقد اختلفت فيه كلماتهم قد ذهب صاحب الكفاية الى جواز الرجوع الى الاصل فى كل من الطرفين واختار المحقق النائينى عدم جواز الرجوع الى الاصول فى كل من الطرفين واما الشيخ قدس‌سره فقد فصل بين ما اذا كان الملاك فى الامر المتأخر تاما من الآن وبين ما اذا لم يكن كذلك.

(تحقيق الحال) بحيث يتضح ملاك الاقوال المذكورة يستدعى بيان مقدمة وهى ان تأخر التكليف قد يستند الى عدم امكانه فعلا مع تمامية المقتضى له كما اذا تعلق النذر بامر متأخر بناء على استحالة الواجب التعليقى فان الفعل المنذور يتصف فعلا بالملاك الملزم بتعلق النذر به إلّا ان الامر بالوفاء مشروط بمجىء زمانه بناء على استحالة الامر بالشىء المتأخر وقد يستند الى عدم تمامية المقتضى لعدم تحقق ما له دخل فى تماميته وهذا كاكثر الشرائط التى تتوقف عليها فعلية التكليف كما اذا علمت المرأة بانها تحيض ثلاثة ايام مرددة فى ايام الشهر كلها فلا علم لها بالتكليف الفعلى ولا بملاكه التام لعدم العلم بالحيض فعلا المترتب عليه التكليف وملاكه.

٢٠١

ـ (اذا عرفت ذلك) فاعلم ان من نظر الى ان تنجيز العلم الاجمالى يتوقف على كونه متعلقا بالتكليف الفعلى فقد ذهب الى عدم تنجيزه فى المقام والرجوع الى الاصول فى جميع الاطراف اذا المفروض تردد التكليف فيه بين كونه فعليا وكونه مشروطا بشرط غير حاصل فلا علم بالتكليف الفعلى فلا مانع من الرجوع الى الاصل فى الطرف المبتلى به فعلا كما لا مانع من الرجوع الى الاصل فى الطرف الآخر فى ظرف الابتلاء به.

(ومن ذهب) الى ان العلم بالملاك التام الفعلى بمنزلة العلم بالتكليف الفعلى فقد فصل بين القسمين المذكورين والتزم بعدم تنجيز العلم الاجمالى عند عدم العلم بالملاك التام فعلا وبتنجيزه فيما اذا علم الملاك التام فعلا وان لم يكن التكليف فعليا على تقدير لعدم حصول شرطه لان الترخيص فى تفويت الملاك الملزم فعلا بمنزلة الترخيص فى مخالفة التكليف الفعلى اذ عدم فعلية التكليف انما هو لوجود المانع مع تمامية المقتضى.

(ومن هنا فصل الشيخ قدس‌سره) بين المثالين المذكورين فالتزم بتنجيز العلم الاجمالى فى مسئلة العلم بالنذر المردد تعلقه بامر حالى او استقبالى وبعدم تنجيزه فى مسئلة علم المرأة بالحيض المردد فى ايام الشهر فتمسك فيه باستصحاب عدم تحقق الحيض الى الآن الاول من ثلاثة ايام الباقية من الشهر وبالبراءة بعد ذلك.

(والوجه) فى رجوعه الى البراءة هو ان المرأة بعد تحقق الآن الاول من الايام الثلاثة الباقية يحصل لها اليقين بحيض وطهر سابقين على هذا الآن قطعا وبما ان تاريخ كل منهما مجهول فالاستصحاب غير جار للمعارضة على مسلكه قدس‌سره او لوجه آخر كما ذهب اليه صاحب الكفاية وعلى كل حال فلا مجال للاستصحاب فيرجع الى البراءة.

٢٠٢

(ويشكل الفرق) بين هذا وبين اذا نذر او حلف على ترك الوطى فى ليلة خاصة ثم اشتبهت بين ليلتين او ازيد ولكن الاظهر هنا وجوب الاحتياط وكذا فى المثال الثانى من المثالين المتقدمين وحيث قلنا بعدم وجوب الاحتياط فى الشبهة التدريجية فالظاهر جواز المخالفة القطعية لان المفروض عدم تنجز التكليف الواقعى بالنسبة اليه فالواجب الرجوع فى كل مشتبه الى الاصل الجارى فى خصوص ذلك المشتبه اباحة وتحريما فيرجع فى المثال الاول الى استصحاب الطهر الى ان يبقى مقدار الحيض فيرجع فيه الى اصالة الاباحة لعدم جريان استصحاب الطهر وفى المثال الثانى الى اصالة الاباحة والفساد فيحكم فى كل معاملة يشك فى كونها ربوية بعدم استحقاق العقاب على ايقاع عقدها وعدم ترتب الاثر عليها لان فساد الربوا ليس دائرا مدار الحكم التكليفى.

ـ (اقول) قد تقدمت الاشارة الى وجه الفرق بين مسئلة العلم بالنذر المردد تعلقه بامر حالى او استقبالى وبين مسئلة علم المرأة بالحيض المردد بين ايام الشهر(ولكن) من ذهب الى ان العلم بالملاك التام الفعلى بمنزلة العلم بالتكليف الفعلى فقد التزم بعدم تنجيز العلم الاجمالى عند عدم العلم بالملاك التام فعلا وبتنجيزه فيما اذا علم الملاك التام فعلا وان لم يكن التكليف فعليا على تقدير لعدم حصول شرطه لان الترخيص فى تفويت الملاك الملزم فعلا بمنزلة الترخيص فى مخالفة التكليف الفعلى.

(ومن هنا فصل الشيخ قدس‌سره) بين المثالين فالتزم بتنجيز العلم الاجمالى فى مسئلة العلم بالنذر المردد تعلقه بامر حالى او استقبالى وبعدم تنجيزه فى علم المرأة بالحيض المردد بين ايام الشهر فتمسك باستصحاب عدم تحقق الحيض الى الآن الاول من ثلاثة ايام فى آخر الشهر وبالبراءة بعده.

٢٠٣

ـ (قوله الى ان يبقى مقدار الحيض فيرجع فيه الى اصالة الاباحة) يعنى الى ان يبقى مقدار ثلاثة ايام فى آخر الشهر بناء على ما فرضه من العلم بكون الحيض ثلاثة ايام فى الشهر والسر فى عدم جريان الاستصحاب فى مقدار الحيض هو العلم بانتقاض الحالة السابقة فيه فلا بد من الرجوع فى الزمان المذكور الى اصالة الاباحة من حيث عدم الاعتناء بالعلم الاجمالى فى المقام.

(وفى بعض الحواشى) انه اذا بقى من الشهر مقدار ثلاثة ايام فاذا مضى جزء من هذا المقدار يحصل للمرأة القطع بكونها حائضا اما فى هذا الزمان او فى سابقه فيتعين عليها استصحاب الحيض ولا معنى للرجوع الى اصالة الاباحة وفيه انه لا بد فى الاستصحاب من القطع بثبوت المستصحب فى الزمان السابق المتصل بزمان الشك ومن المعلوم عدم القطع به كذلك لاحتمال كونها حائضا فى اول الشهر الى ثلاثة منه مثلا وذلك ظاهر هذا ولكن يمكن الخدشة فيما ذكره المصنف على ما تعرض له بعض المحشين.

(قوله الى اصالة الاباحة والفساد) الرجوع الى اصالة الاباحة فيما اذا شك فى كون ايقاع العقد الربوى حراما ذاتيا فيرجع فيه الى اصالة الاباحة بخلاف ما اذا شك فيه من حيث الحرمة التشريعية فانه لا يجرى فيه اصالة الاباحة.

(واما اصالة الفساد) فهى الاصل المسلم بينهم فى كل ما شك فى صحته وفساده وهو راجع الى استصحاب عدم ترتب الاثر كالنقل والانتقال لان فساد الربوا ليس دائرا مدار الحكم التكليفى يعنى حرمة ايقاع العقد لجواز كون ايقاع العقد جائزا مع عدم ترتب الاثر عليه نعم هو والصحة دائر ان مدار جواز التصرف وعدمه بل منتزعان منهما بناء على عدم مجعولية الاحكام الوضعية كما هو المشهور

(قوله او الصغر على وجه) يعنى بناء على صحة معاملات الصبى فى الجملة فان البيع الربوى وغيره من المحرمات الصادرة منه فاسدة لا يترتب عليها الاثر مع عدم كونه معاقبا على ايقاع المعاملات من جهة رفع القلم عنه وكذلك اذا كان

٢٠٤

ولذا يفسد فى حق القاصر بالجهل والنسيان او الصغر على وجه وليس هنا مورد التمسك بعموم صحة العقود وان قلنا بجواز التمسك بالعام عند الشك فى مصداق ما خرج للعلم بخروج بعض الشبهات التدريجية عن العموم لفرض العلم بفساد بعضها فيسقط العام عن الظهور بالنسبة اليها ويجب الرجوع الى اصالة الفساد اللهم إلّا ان يقال ان العلم الاجمالى بين المشتبهات التدريجية كما لا يقدح فى اجراء الاصول العملية فيها كذلك لا يقدح فى الاصول اللفظية فيمكن التمسك فيما نحن فيه بصحة كل واحد من المشتبهات باصالة العموم لكن الظاهر الفرق بين الاصول اللفظية والعملية فتأمل.

ـ جاهلا قاصرا او ناسيا ولكن لا يخفى ان الربوا جهلا لا يترتب عليه الاثم والعقاب وانما الكلام فى ترتب الحكم الوضعى وعدمه والبحث من هذه الجهة تفصيلا موكول الى الفقه.

(قوله اللهم إلّا ان يقال الخ) نظره قدس‌سره من هذا الاستدراك الى ان العلم الاجمالى بوقوع معاملة ربوية فى احد طرفى النهار كما لا يمنع من جريان الاصول العملية كذلك لا يمنع من جريان الاصول اللفظية فيصح التمسك بمثل أحل الله البيع لصحة كل من البيع الواقع فى اول النهار وآخره كما لو كانت الشبهة بدوية(ثم) ضعفه بابداء الفرق بين الاصول اللفظية والاصول العملية من غير بيان الفارق حيث قال لكن الظاهر الفرق بين الاصول اللفظية والعملية.

(ولكن قد اشار) بعض الاعلام الى وجه الفرق بينهما حيث قال ان المطلوب فى الاصول العملية هو مجرد تطبيق العمل على المؤدى وربما لا يلزم من جريانها فى موارد العلم الاجمالى مخالفة عملية وهذا بخلاف الاصول اللفظية فان اعتبارها انما هو لاجل كونها كاشفة عن المرادات النفس الامرية والعلم الاجمالى بالمخصص يمنع عن كونها كاشفة كما لا يخفى ثم قال ولعله الى ذلك يرجع ما ذكره

٢٠٥

ـ الشيخ قدس‌سره اخيرا من ابداء الفرق بين الاصول العملية والاصول اللفظية انتهى

(قوله فتامل) يمكن ان يكون الامر بالتأمل اشارة الى وجه الفرق وهو ان مبنى اعتبار الاصول اللفظية هو الظن والظهور من جهة بناء العرف واهل اللسان بخلاف الاصول العملية فان وجه اعتبارها هو قول الشارع بالعمل بها تعبدا (قال بعض المحشين) انه لم يذكر فى بعض نسخ الكتاب قوله وان قلنا بجواز التمسك بالعام عند الشك فى مصداق ما خرج فعلى هذا يمكن ان يكون وجه التأمل عدم جواز التمسك بالعموم فى الشبهات الموضوعية ولو كان الشك بدويا وقال بعضهم يمكن ان يكون اشارة الى منع سقوط العام عن الظهور فى الفرض فانا نرى بناء العرف على التمسك بالعموم فيما لم يكن بعض اطراف الشبهة فى مورد العلم الاجمالى محلا للابتلاء.

(ثم قال) والتحقيق ما افاده الشيخ قدس‌سره من عدم صحة التمسك هنا بعموم صحة العقود للعلم بخروج بعض الشبهات التدريجية عن العموم لفرض العلم بفساد بعضها فيسقط العام عن الظهور بالنسبة اليها ويجب الرجوع الى اصالة الفساد.

٢٠٦

(السابع) قد عرفت ان المانع من اجراء الاصل فى كل من المشتبهين بالشبهة المحصورة هو العلم الاجمالى بالتكليف المتعلق بالمكلف وهذا العلم قد ينشأ عن اشتباه المكلف به كما فى المشتبه بالخمر او النجس او غيرهما وقد يكون من جهة اشتباه المكلف كما فى الخنثى العالم اجمالا بحرمة احد لباسى الرجل والمرأة عليه وهذا من قبيل ما اذا علم ان هذا الاناء خمرا وان هذا الثوب مغصوب وقد عرفت فى الامر الاول انه لا فرق بين الخطاب الواحد المعلوم وجود موضوعه بين المشتبهين وبين الخطابين المعلوم وجود موضوع احدهما بين المشتبهين وعلى هذا فيحرم على الخنثى كشف كل من قبليه لان احدهما عورة قطعا والتكلم مع الرجال والنساء الا لضرورة وكذا استماع صوتهما وان جاز للرجال والنساء استماع صوتها بل النظر اليها لاصالة الحل بناء على عدم العموم فى آية الغض للرجال وعدم جواز التمسك بعموم حرمة ابداء الزينة على النساء لاشتباه مصداق المخصص وكذا يحرم عليه التزويج والتزوج لوجوب احراز الرجولية فى الزوج والانوثية فى الزوجة اذ الاصل عدم تأثير العقد ووجوب حفظ الفرج.

ـ (اقول) ان العلم الاجمالى بالتكليف المتعلق بالمكلف قد ينشأ عن اشتباه المكلف به كما فى المشتبه بالخمر او النجس او غيرهما وقد يكون من جهة اشتباه المكلف كما فى الخنثى العالم اجمالا بحرمة احد لباسى الرجل والمرأة عليه هذا على تقدير عدم كونها طبيعة ثالثة لعدم العلم الاجمالى على تقدير كونها كذلك.

(وكيف كان) ان الكلام فى الخنثى تارة يقع فى حكمها التكليفى واخرى

٢٠٧

ـ فيما يتعلق بها من الحكم الوضعى والمناسب لباب البراءة هو التعرض للاول دون الثانى لانه لا مسرح لاصل البراءة فيه.

(والكلام فى الخنثى) تارة فى معاملتها مع غيرها من معلوم الذكورية والانوثية او مجهولهما وحكمها بالنسبة الى التكاليف المختصة بكل من الفريقين وتارة فى معاملة الغير معها وحكم الكل يرجع الى الاشتباه المتعلق بالمكلف به.

(اما معاملتها مع الغير) فمقتضى القاعدة احترازها عن غيرها مطلقا للعلم الاجمالى بحرمة نظرها الى احدى الطائفتين فيجتنب عنهما مقدمة وهذه القاعدة المذكورة فى نظرها الى غيرها وان هذه القاعدة احد الاقوال فى المسألة الراجع الى وجوب الاحتياط مطلقا كما هو ظاهر كلام بعض الاصحاب.

(واما نظر الغير اليها) فمقتضى القاعدة جواز نظر الغير اليها لكون الشبهة بالنسبة اليه موضوعية لا يجب فيها الاحتياط نظير ما لو اشتبه المرئى من البعيد بين كونه رجلا او امرأة لاجل بعد المسافة ونحوه فانه يجوز النظر اليه من دون لزوم الفحص عن حاله.

(وهكذا حكم لباس الخنثى) حيث انه يعلم اجمالا بحرمة واحد من مختصات الرجال كالمنطقة والعمامة او مختصات النساء يجب عليها الاحتياط بالاجتناب عن مختصاتهما فى مسئلة اللباس بان يلبس ما لا يختص باحدهما من الالبسة المشتركة بينهما كالعباء والدرع ونحوهما.

(قوله لاصالة الحل الخ) يعنى ان قلنا بعدم العموم للخنثى فى آية الغض اعنى قوله تعالى فى سورة النور (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ) الآية باعتبار ان المحذوف المتعلق بالغض فيها هو النساء خاصة وفى آية غض المؤمنات هو الرجال خاصة فليس حذف المتعلق فيهما للتعميم فيجوز للرجل والمرأة النظر الى الخنثى لاصالة الحل وعدم الحرمة فالثابت على تقدير عدم العموم فى الآيتين حرمة نظر

٢٠٨

ـ كل واحد من الرجال والنساء الى الآخر واما نظر كل طائفة الى الخنثى فمقتضى الاصل جواز ذلك.

(واما التناكح) فيحرم بينه وبين غيره قطعا لاصالة عدم ذكوريتها وعدم كونها امرأة فلا يجوز لها تزويج امرأة ولا التزوج برجل كما صرح به الشهيد وبالجملة ان عدم جواز التناكح بين الخنثى وغيره من معلوم الذكورية والانوثية ومجهولهما مما لا شبهة فيه بل لا خلاف.

٢٠٩

(ويمكن ان يقال) بعدم توجه الخطابات التكليفية المختصة اليها اما لانصرافها الى غيرها خصوصا فى حكم اللباس المستنبط مما دل على حرمة تشبه كل من الرجل والمرأة على الآخر واما لاشتراط التكليف بعلم المكلف بتوجه الخطاب اليه تفصيلا وان كان مرددا بين خطابين موجهين اليه تفصيلا لان الخطابين بشخص واحد بمنزلة خطاب واحد بشيئين اذ لا فرق بين قوله اجتنب عن الخمر واجتنب عن مال الغير وبين قوله اجتنب عن كليهما بخلاف الخطابين الموجهين الى صنفين يعلم المكلف دخوله تحت احدهما.

ـ (اقول) قبل توضيح كل من الدعويين الذين اشار اليهما الشيخ قدس‌سره لا بأس بالاشارة الى نكتة وهو ان الاصل كما حقق فى محله اشتراك افراد الانسان ذكورا واناثا فى التكليف.

(ولكن) انخرم هذا الاصل فى موارد كثيرة من جهة اختصاص الحكم باحدى الطائفتين كاستحباب بدأة الرجل بالظهر وبدأة المرأة بالبطن فى الوضوء لهما ، والجهر والاخفات ، وكيفية قيام المرأة وقعودها واوضاع اعضائها فى الصلاة ، وكيفية سترها فى الصلاة ، وجواز لبس الحرير والذهب لها دون الرجل ، وعدم وجوب الجهاد عليها وعدم جواز قتلها فى الجهاد وان عاونت الا مع الضرورة كتترسها بالكفار وتوقف الفتح على قتلها ، وقبول توبة المرأة وان كانت ردتها عن فطرة فلا تقتل بل تحبس دائما ، ولا جزّ على المرأة ولا تغريب بل تجلد مائة بخلاف الرجل فانهما ثابتان عليه ، وعدم جواز امامتها للرجال ، وعدم رجحان خروجها الى المسجد ، وعدم وجوب صلاة الجمعة عليها ، وتحريم لبس ما يستر ظهر القدم والتظليل فى الاحرام للرجل دون المرأة ، واحكام الكفن بالنسبة اليهما ، واحكام النزع فى وقوع بولهما فى البئر ، واحكام الميراث ، وعدم نفوذ قضائها ، وكون اثنتين منها فى الشهادة فى حكم الرجل الواحد ، وعدم كفاية شهادتها

٢١٠

لكن كل من الدعويين خصوصا الاخيرة ضعيفة فان دعوى عدم شمول ما دل على حفظ الفرج عن الزنا او العورة عن النظر للخنثى كما ترى وكذا دعوى اشتراط التكليف بالعلم بتوجه خطاب تفصيلى فان المناط فى وجوب الاحتياط فى الشبهة المحصورة عدم جواز اجراء اصل الاباحة فى المشتبهين وهو ثابت فيما نحن فيه ضرورة عدم جواز جريان اصالة الحل فى كشف كل من قبلى الخنثى للعلم بوجوب حفظ الفرج من النظر والزنا على كل احد فمسألة الخنثى نظير المكلف المردد بين كونه مسافرا او حاضرا لبعض الاشتباهات فلا يجوز له ترك العمل بخطابيهما.

ـ بدون انضمام الرجال الا فى موارد مخصوصة ، واختلاف ديتهما نفسا وطرفا الى غير ذلك من الاحكام المختصة بالرجال او النساء المذكورة فى الابواب المتفرقة فى الفقه فراجع.

(والذى يظهر) من كلمات الفقهاء فى ابواب العبادات ملاحظة طريق الاحتياط بالنسبة الى الخنثى وظاهر كلام المحقق الكركى ره فى جامع المقاصد فى باب صلاة الجمعة كون ذلك مسلما بين الاصحاب ويؤيده ما ظهر من فتوى المعظم باصالة الاشتغال فى اجزاء العبادات وشرائطها.

(وكيف كان) ان قوله قدس‌سره ويمكن ان يقال الخ اشارة الى اقامة الدليل على القول بالبراءة المحكى عن صاحب الحدائق مع كونه قائلا بالاحتياط فى الشبهة المحصورة مستدلا عليه بدعويين.

(الاولى) انصراف الخطابات التكليفية المختصة للرجال والنساء سيما الواردة فى باب اللباس الى غير الخنثى ومنشؤه قلة وجود الخنثى فعلى هذا يجوز لها لبس كلا اللباسين المختصين.

(الثانية) دعوى اختصاص تنجز الخطاب بعلم المكلف بتوجه الخطاب

٢١١

ـ اليه من الشارع تفصيلا وان كان مرددا بين الخطابين الموجهين اليه تفصيلا لان الخطابين بشخص واحد بمنزلة خطاب واحد بشيئين بخلاف الخطابين الموجهين الى صنفين يعلم المكلف دخوله تحت احدهما وما ذكرناه محصل الدعويين على القول بالبراءة.

(وقد اجاب قدس‌سره) عن كلا الدعويين بقوله كل من الدعويين خصوصا الاخيرة ضعيفة اما الاولى فان دعوى عدم شمول ما دل على حفظ الفرج عن الزنا والعورة عن النظر للخنثى ضعيفة تارة لضرورة عدم جواز جريان اصالة الحل فى كشف كل من قبلى الخنثى من آلتى الرجولية والانوثية للعلم بوجوب حفظ الفرج من النظر والزنا على كل احد واخرى بان المنشأ للانصراف المدعى ليس إلّا ندرة وجود الخنثى وهى لا يجدى فى ثبوت الانصراف ما لم ينضم اليها ندرة الاستعمال وهى غير معلومة.

(واما الدعوى الثانية فهى ايضا كما ترى لان المناط فى وجوب الاحتياط فى الشبهة المحصورة عدم جواز اجراء اصالة الاباحة فى المشتبهين وهو ثابت فيما نحن فيه فلا وجه لمنع العلم بالتكليف فى المقام فمسألة الخنثى نظير المكلف المردد بين كونه حاضرا او مسافرا لبعض الشبهات الخارجية فهل يجوز له ترك الصلاتين.

٢١٢

(الثامن) ان ظاهر كلام الاصحاب التسوية بين كون الاصل فى كل واحد من المشتبهين فى نفسه هو الحل او الحرمة لان المفروض عدم جريان الاصل فيهما لاجل معارضته بالمثل فوجوده كعدمه ويمكن الفرق من المجوزين لارتكاب ما عدا مقدار الحرام وتخصيص الجواز بالصورة الاولى ويحكمون فى الثانية بعدم جواز الارتكاب بناء على العمل بالاصل فيهما ولا يلزم هنا مخالفة قطعية فى العمل ولا دليل على حرمتها اذا لم تتعلق بالعمل خصوصا اذا وافق الاحتياط إلّا ان استدلال بعض المجوزين للارتكاب بالاخبار الدالة على حلية المال المختلط بالحرام ربما يظهر منه التعميم.

ـ (اقول) محصل الكلام فى التنبيه الثامن انه اذا اقتضى الاصل الحرمة فى كل واحد من المشتبهين فى نفسه اى مع قطع النظر عن العلم الاجمالى بان كانا مسبوقين بالنجاسة او الحرمة فهناك وجهان.

(الوجه الاول) كونه داخلا فى محل النزاع وهو ظاهر كلام الاصحاب حيث انهم لم يفصلوا بين المقامين فالقائل بوجوب الاجتناب فى غير المقام يقول به فى المقام ايضا كما ان القائل بالاباحة يقول بها فى المقامين.

(الوجه الثانى) كون القائلين بالبراءة والاباحة فى الشبهة المحصورة الى ان تلزم المخالفة القطعية موافقين للقائلين بوجوب الاجتناب فى المقام من جهة عدم المانع من جريان الاصلين لعدم المخالفة القطعية فى العمل وجواز المخالفة الالتزامية وهذا هو الذى اشار اليه الشيخ قدس‌سره بقوله ويمكن الفرق لكن هذا خلاف ظاهر كلماتهم لعدم تفصيلهم بين المقامين كما اشار اليه ايضا بقوله ان ظاهر كلام الاصحاب التسوية.

(قيل) يمكن القول بالاحتمال الثالث وهو ان القائل بالبراءة ان كان مستندا الى الاخبار الواردة فى المال المختلط او ذاهبا الى كون المخالفة الالتزامية مضرة

٢١٣

وعلى التخصيص فيخرج عن محل النزاع كما لو علم بكون احدى المرأتين اجنبية او احدى الذبيحين ميتة او احد المالين مال الغير او احد الاسيرين محقون الدم او كان الاناء ان معلومى النجاسة سابقا فعلم طهارة احدهما وربما يقال ان الظاهر ان محل الكلام فى المحرمات المالية ونحوها كالنجس لا فى الانفس والاعراض فيستظهر انه لم يقل احد فيها بجواز الارتكاب لان المنع فى مثل ذلك ضرورى وفيه نظر (التاسع) ان المشتبه باحد المشتبهين حكمه حكمهما لان مقدمة المقدمة مقدمة وهو ظاهر.

ـ فلا بد له من رجوعه الى البراءة فى المقام وان لم يستند اليها ولم تكن المخالفة الالتزامية مضرة عنده فلا بد له من القول بوجوب الاجتناب من جهة جريان الاصلين فتأمل.

(قوله لان المفروض عدم جريان الاصل فيهما) يمكن حمله على كونه علة للتسوية بين المقامين على كلا المذاقين الاحتياط والبراءة ويمكن كونه تعليلا على التسوية على القول بالبراءة فقط لان القول بوجوب الاجتناب فى صورة كون الاصل فى المشتبهين الحلية يستلزم القول به فى صورة كون الاصل فيهما الحرمة بل هو كالبديهى فلا يحتاج الى التنبيه عليه بالتعليل المزبور فيكون الغرض من التعليل دفع توهم عدم امكان الرجوع الى البراءة من جهة وجود الاصلين الموجبين للاجتناب بان وجودهما كالعدم فيمكن الرجوع الى البراءة.

(قوله خصوصا اذا وافق الاحتياط) يعنى فى وجوب الاجتناب فى مرحلة الظاهر وان كان بين الرجوع الى الاستصحاب والرجوع الى الاحتياط فرق من جهة ترتيب آثار الواقع التى منها نجاسة الملاقى على الاول دون الثانى.

(قوله ربما يظهر منه التعميم) بناء على كون الاصل فى المشتبهين فى المال

٢١٤

ـ المختلط التحريم من جهة كون الحلية محتاجة الى السبب والاصل عدمه.

(قوله وعلى التخصيص فيخرج) يعنى على تقدير تخصيص النزاع فى البراءة والاحتياط بصورة كون الاصل فى المشتبهين الحلية والطهارة وخروج مورد كون الاصل فى المشتبهين الحرمة والنجاسة عن محل النزاع يخرج الامثلة المذكورة عنه بمعنى انهم متفقون فيها وفى امثالها على الاحتياط.

(ففى المثال الاول) الاصل عدم وجود سبب الحل وهو النكاح الصحيح او ملكية اليمين.

(وفى المثال الثانى) عدم التذكية وفى المثال الثالث عدم وجود سبب الحل وفى الرابع عدم وجود سبب حقن الدم وفى الخامس استصحاب النجاسة.

(قوله وربما يقال ان الظاهر ان محل الكلام) والقائل هو المحقق الشيخ محمد تقى فى حاشية المعالم فى آخر مسئلة مقدمة الواجب قال بعض المحشين ووجه النظر فى كلامه هو ان الضرورة قضت بحرمة نفس العنوانات فى الانفس والاعراض واما المنع عند الاشتباه فليس بضرورى مطلقا ومجرد الاهتمام فيهما لا يصلح ان يكون فارقا.

(قوله التاسع) ان المشتبه باحد المشتبهين حكمه حكمهما وذلك كما اذا اشتبه احد الثوبين المشتبهين بثوب ثالث فلم يعلم ان هذا طرف الشبهة او ذلك ومن الواضح تكثر اطراف الشبهة حينئذ ويجب الاجتناب عن الكل ما لم يبلغ حد الشبهة الغير المحصورة لجريان المقدمية من اجل حصول العلم الاجمالى فى الجميع.

(وبعبارة اخرى) العلم الذى يتوقف تحصيله على الاجتناب عن المشتبهين يتوقف حينئذ على ما يتوقف تحصيل العلم باجتناب احد المشتبهين عليه فيجب الاجتناب عنه مقدمة(هذا) تمام الكلام فى الشبهة المحصورة وفى التنبيهات المتعلقة بها.

٢١٥

فى الشبهة الغير المحصورة

(المقام الثانى) فى الشبهة الغير المحصورة والمعروف فيها عدم وجوب الاجتناب ويدل عليه وجوه (الاول) الاجماع الظاهر المصرح به فى الروض وعن جامع المقاصد وادعاه صريحا المحقق البهبهانى فى فوائده وزاد عليه نفى الريب فيه وان مدار المسلمين فى الاعصار والامصار عليه وتبعه فى دعوى الاجماع غير واحد ممن تأخر عنه وزاد بعضهم دعوى الضرورة عليه فى الجملة وبالجملة فنقل الاجماع مستفيض وهو كاف فى المسألة (الثانى) ما استدل به جماعة من لزوم المشقة فى الاجتناب ولعل المراد به لزومها فى اغلب افراد هذه الشبهة لاغلب افراد المكلفين.

المقام الثانى فى الشبهة الغير المحصورة ـ (اقول) توضيح الحال فى المقام الثانى يستدعى التكلم فى مقامين (الاول) فى تحديد الموضوع وبيان المراد من الشبهة الغير المحصورة(الثانى) فى بيان حكمها.

(اما الكلام فى المقام الاول) فهو انه ذكر لتعريفها وجوه كثيرة انا نكتفى بذكر ما هو العمدة منها.

(الوجه الاول) ان غير المحصورة ما يعسر عدّه وزاد بعض قيد فى زمان قليل.

(وفيه) اولا ان عسر العدّ لا عبرة به لعدم انضباطه فى نفسه من جهة اختلاف الاشخاص واختلاف زمان العدّ فالالف يعسر عدّه فى ساعة مثلا ولا يعسر فى يوم او اكثر.

(وثانيا) ان تردد الشاة الواحدة المغصوبة بين شياه البلد التى لا تزيد على الالف مثلا من الشبهة الغير المحصورة عندهم والحبة الواحدة من الارز المغصوبة

٢١٦

فيشمله عموم قوله تعالى (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) وقوله تعالى (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) بناء على ان المراد ان ما كان الغالب فيه الحرج على الغالب فهو مرتفع عن جميع المكلفين حتى من لا حرج بالنسبة اليه وهذا المعنى وان كان خلاف الظاهر إلّا انه يتعين الحمل عليه بمعونة ما ورد من اناطة الاحكام الشرعية وجودا وعدما بالعسر واليسر الغالبين وفى هذا الاستدلال نظر لان ادلة نفى العسر والحرج من الآيات والروايات لا تدل الاعلى ان ما كان فيه ضيق على مكلف فهو مرتفع عنه واما ارتفاع ما كان ضيقا على الاكثر عمن هو عليه فى غاية السهولة فليس فيه امتنان على احد بل فيه تفويت مصلحة التكليف من غير تداركها بالتسهيل.

ـ المرددة فى الف الف حبة مجتمعة فى اناء لا تعدّ من الشبهة الغير المحصورة مع ان عد الحبات اعسر بمراتب من عدّ الشياه فيستكشف بذلك ان عسر العدّ لا يكون ضابطا للشبهة الغير المحصورة.

(الوجه الثانى) ما ذكره الشيخ قدس‌سره فيما يأتى عن قريب من تحديده بما بلغ كثرة الاطراف الى حد يوجب عدم اعتناء العقلاء بالعلم الاجمالى فيها لما هو المعلوم من اختلاف حال العلم الاجمالى عند العقلاء فى التأثير وعدمه مع قلة المحتملات وكثرتها كما يرى بالوجدان الفرق الواضح بين قذف احد الشخصين لا بعينه وبين قذف احد من فى البلد حيث يرى تأثير كلا الشخصين فى الاول وعدم تأثير احد من فى البلد فى الثانى.

(وفيه) ان ما افيد من عدم اعتناء العقلاء بالضرر مع كثرة الاطراف انما يتم فى مثل المضارّ الدنيوية وذلك ايضا فيما يجوز توطين النفس على تحملها لبعض الاغراض لا ما يكون مورد الاهتمام التام عندهم كالمضار النفسية وإلّا ففيها

٢١٧

ـ يمنع اقدامهم على الارتكاب بمحض كثرة الاطراف لو علم بوجود سمّ قاتل فى كأس مردد بين الف كئوس مثلا يرى انه لا يقدم احد على ارتكاب شىء من تلك الكئوس وان بلغت الاطراف فى الكثرة ما بلغت لا فى المضار الاخروية التى يستقل العقل فيها بلزوم التحرز عنها ولو موهوما فان فى مثله لا بد فى تجويز العقل للارتكاب من تحصيل المؤمّن الذى يوجب القطع بعدم لعقوبة على ارتكابه.

(الوجه الثالث) ان الشبهة الغير المحصورة ما يعسر موافقتها القطعية(وفيه) ان العسر بنفسه مانع عن تنجز التكليف وفعليته سواء كانت اطراف الشبهة قليلة او كثيرة فلا يكون ذلك ضابطا ايضا.

(الوجه الرابع) ان الميزان فى كون الشبهة غير محصورة هو الصدق العرفى فما صدق عليه عرفا انه غير محصور يلحقه حكمه وربما يختلف ذلك باختلاف الموارد.

(وفيه) اولا ان هذه الكلمة لم ترد فى موضوع دليل ليرجع فى فهم معناها الى العرف وانما هى من الاصطلاحات المستحدثة وثانيا ان العرف لا ضابطة عندهم لتمييز المحصور عن غيره فلو سألوا عن معنى هذه الكلمة تحيّروا فى تحديدها والسر فيه ان عدم الحصر ليس من المعانى المتأصلة وانما هو امر اضافى يختلف باختلاف الاشخاص والازمان وغير ذلك.

(الوجه الخامس) ما اختاره المحقق النائينى ره من تحديد عدم حصر الشبهة ببلوغ كثرة الاطراف الى حد لا يتمكن المكلف عادة من جمعها فى الاستعمال من اكل او شرب او لبس او نحو ذلك لا مجرد كثرة الاطراف ولو مع التمكن العادى من المخالفة بالجمع بين الاطراف فى الاستعمال ولا مجرد عدم التمكن العادى من الجمع بينها من كثرة الاطراف.

(وما ذكرناه ملخص) ما تعرض له المحقق النائينى ره على ما ذكره المقرر رحمه‌الله حيث قال لا بد فى الشبهة الغير المحصورة من اجتماع كلا الامرين

٢١٨

ـ وهما كثرة العدد وعدم التمكن من جمعه فى الاستعمال وبهذا تمتاز الشبهة الغير المحصورة من انه يعتبر فيها امكان الابتلاء بكل واحد من اطرافها فان امكان الابتلاء بكل واحد غير امكان الابتلاء بالمجموع والتمكن العادى بالنسبة الى كل واحد من الاطراف فى الشبهة الغير المحصورة حاصل والذى هو غير حاصل التمكن العادى من جمع الاطراف لكثرتها فهى بحسب الكثرة بلغت حدا لا يمكن عادة الابتلاء بجمعها فى الاستعمال بحيث يكون عدم التمكن من ذلك مستندا الى كثرة الاطراف لا الى امر آخر انتهى.

(وفيه) ان اريد من عدم التمكن من الجمع بين الاطراف فى الاستعمال عدم التمكن منها ولو تدريجا بمضى الليالى والايام فلا ريب فى فساده اذ ما من شبهة غير محصورة الا ويتمكن المكلف من الجمع بين اطراف الشبهة ولو تدريجا وفى ازمنة طويلة.

(وان اريد بذلك) عدم التمكّن من الجمع بينها فى زمان قصير فهذا يحتاج الى تحديده بزمان معيّن ولا معيّن فى البين مع ان لازمه اندراج شبهة الكثير فى الكثير فى غير المحصور من جهة تحقق الضابط المذكور كما فى العلم الاجمالى بنجاسة الف ثوب فى الفين مع انه قال بعض الاعلام لا شبهة فى كونها ملحقة بالمحصور (وما ذكرناه من الوجوه) غاية ما ذكروا او يمكن ان يذكر فى ضابط المحصور وغيره ومع ذلك فلم يحصل الوثوق للنفس بشىء منها.

(ويمكن ان يقال) ان غير المحصور ما بلغ كثرة الوقائع المحتملة للتحريم الى حيث لا يعتنى العقلاء بالعلم الاجمالى الحاصل فيها وليعلم ان العبرة فى المحتملات كثرة وقلة انما هى بكثرة الوقائع التى تقع موردا للحكم بوجوب الاجتناب مع العلم بالحرام تفصيلا ويختلف ذلك فى انظار العرف باختلاف الموارد فقد يكون تناول امور متعددة باعتبار كونها مجتمعة معدودا فى انظارهم وقعة واحدة كاللقمة من الارز ويدخل المشتمل على الحرام منها فى المحصور.

٢١٩

ـ (كما لو علم) بوجود حبة محرّمة او نجسة من الارز او الحنطة فى الف حبة مع كون تناول الف حبة من الأرز في العادة بعشر لقمات فان مرجعه الى العلم بحرمة تناول احد لقماته العشر ومضغها لاشتمالها على مال الغير او النجس وقد يكون تناول كل حبة يعد فى انظارهم واقعة مستقلة كما لو كانت الحبوب متفرقة او كان المقام يقتضى كون تناولها بتناول كل حبة حبة ومضغها منفردة فيدخل بذلك فى غير المحصور.

(فالاولى) الرجوع فى موارد الشك الى حكم العقلاء بوجوب مراعاة العلم الاجمالى الموجود فى ذلك المورد فان قوله اجتنب عن الخمر لا فرق فى دلالته على تنجز التكليف بالاجتناب عن الخمر بين الخمر المعلوم المردد بين امور محصورة وبين الموجود المردد بين امور غير محصورة غاية الامر قيام الدليل فى غير المحصورة على اكتفاء الشارع عن الحرام الواقعى ببعض محتملاته كما تقدم سابقا فاذا شك فى كون الشبهة محصورة او غير محصورة شك فى قيام الدليل على قيام بعض المحتملات مقام الحرام الواقعى فى الاكتفاء عن امتثاله بترك ذلك البعض فيجب ترك جميع المحتملات لعدم الامن من الوقوع فى العقاب بارتكاب البعض.

(اما الكلام فى المقام الثانى) وهو بيان حكم الشبهة الغير المحصورة فالمشهور بين الاصحاب شهرة عظيمة هو عدم وجوب الموافقة القطعية فيها على خلاف بينهم فى حرمة المخالفة القطعية بل ونقل الاجماع عليه مستفيض كما عن الروض ومحكى جامع المقاصد بل عن المحقق البهبهانى قدس‌سره دعواه صريحا مع زيادة انه من ضرورة الدين قال فى حاشيته على المدارك على ما حكى عنه ان الاجماع وضرورة الدين وطريقة المسلمين فى الاعصار والامصار على عدم وجوب الاجتناب فيها ونحوه كلامه الآخر المحكى عن فوائده وهو كما افادوه فانه بالتتبع فى كلماتهم فى الفقه يظهر بان عدم وجوب الاجتناب فى الشبهات الغير المحصورة فى الجملة عندهم من المسلمات.

٢٢٠