درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٤

السيّد يوسف المدني التبريزي

درر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٤

المؤلف:

السيّد يوسف المدني التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مكتبة بصيرتي
المطبعة: العلميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٣

فان التحقيق ان الذى ثبت علينا بالدليل هو تحصيل ما يمكننا تحصيله من الادلة الظنية لا تحصيل الحكم النفس الامرى فى كل واقعة ولذا لم نقل بوجوب الاحتياط وترك العمل بالظن الاجتهادى من اول الامر نعم لو فرض حصول الاجماع او ورود النص على وجوب شىء معين عند الله تعالى مردد عندنا بين امور من دون اشتراطه بالعلم به المستلزم ذلك الفرض لاسقاط قصد التعيين فى الطاعة لتم ذلك ولكن لا يحسن حينئذ قوله يعنى المحقق الخوانسارى فلا يبعد القول بوجوب الاحتياط حينئذ بل لا بد من القول باليقين والجزم بالوجوب ولكن من اين هذا الفرض وانى يمكن اثباته انتهى كلامه رفع مقامه.

ـ وضع الكف اليمنى على اليسرى او بالعكس او غير ذلك مثل من اشتبه عليه الامر فى وجوب القصر فى الصلاة او الاتمام او الظهر والجمعة.

(ثم قال ايضا) ونقول وان كان مقتضى النظر الجليل هو ما ذكره ره ولكن دقيق النظر يقتضى خلاف ذلك الى ان قال فان التحقيق ان الذى ثبت علينا بالدليل هو تحصيل ما يمكننا تحصيله من الادلة الظنية لا تحصيل الحكم النفس الامرى فى كل واقعة الخ.

(ومراد المحقق القمى قده) من التحقيق المذكور انه لا يجب على المكلف تحصيل اليقين بالواقع النفس الامرى حتى يجب تحصيله به صورتى التمكن منه وعدمه ففى الفرض الاول يتخير بين تحصيل العلم بالواقع او العمل بالطرق الظنية المعتبرة وفى الفرض الثانى يتخير بين العمل بالظن المطلق او الاحتياط فمراده نفى كون الاحتياط مرجعا بحيث يتعين الرجوع اليه فى صورة الانسداد وليس مقصوده نفى وجوب تحصيل العلم بالواقع رأسا فى الفرض الاول ولا نفى وجوب الاحتياط كذلك فى الفرض الثانى كيف وقد صرح فى كلامه

٢٨١

ـ هذا ببطلان التصويب.

(ولما ذكرنا) من بيان مراده قال فى بحر الفوائد ليس ما ربما يتوهمه الغير المتأمل فى اطراف كلام المحقق القمى من كون التكليف الواقعى الواقع فى الشرعيات تابعا لما ادى اليه الطرق الظنية فيورد عليه بانه كيف يجامع القول بالتخطئة مع انه جعل هذا المعنى اولى بالثبوت على مذهب اهل الحق من التخطئة فى الكلام المتعقب بالكلام المزبور بل ما يقتضيه النظرة الاولى فى كلامه من حصر التكليف الفعلى الذى هو مناط الاطاعة والعصيان والثواب والعقاب عند العقل فيما ادى اليه الطرق الظنية فالتكليف الشأنى الواقعى الصادر من الشارع فى نفس الامر متعلق بنفس الواقع إلّا انه ليس منجزا على المكلف بمجرد ثبوته النفس الامرى ما لم يساعد عليه الامارات الظنية فهو اشبه كلام بكلام القائل بحجية الظن بالطريق.

(نعم) فيما افاده من اولوية ثبوت هذا المعنى على القول بالتخطئة تأمل ظاهر بل الظاهر فى النظر تعين ذلك على القول بالتصويب اذ لا واقع عليه الا ما ادى اليه الطرق الظنية نعم على تقدير ارادة الحكم الظاهرى من التكليف لا بد من ابتنائه على القول بالتخطئة فلا يناسب اولوية الثبوت ايضا.

(ثم) ان الوجه فيما افاده قده والحامل له على ذلك هو ما يستفاد من مطاوى كلماته وبنى عليه فى غير موضع منها من ان الذى يحكم به العقل وعليه بناء العقلاء فى امورهم هو وجوب دفع الضرر المظنون لا المحتمل والموهوم فلا يجب دفعه حتى يلزم تحصيل العلم بالواقع او الاحتياط فى تحصيله ومن هنا بنى على كون مقتضى الاصل الاولى عند انسداد باب العلم بالاحكام الشرعية العمل بالظن دون الاحتياط بل ظاهر قوله فى المقام بعد الكلام المذكور على وجه التفريع ولذا لم نقل بوجوب الاحتياط وترك العمل بالظن الاجتهادى من اول الامر.

(قوله ولذا لم نقل بوجوب الاحتياط الخ) يعنى من اجل ما ذكرنا من

٢٨٢

ـ ان المكلف به ليس هو الواقع من حيث هو لم نقل بان مقتضى القاعدة هو وجوب الاحتياط من جهة العلم الاجمالى وانه انما يرفع اليد عنه من جهة الاجماع او لزوم العسر والحرج كما فعله القوم فالاحتياط ليس مرجعا من اول الامر من جهة عدم كون المكلف به الفعلى هو الواقع بل المكلف به كذلك هو مؤدى الطرق فيكون الاصل هو حجية الظن المطلق فى زمان الانسداد وان الاصل الاولى المقتضى لحرمة العمل به قد انقلب الى الاصل المذكور فى الزمان المذكور وقد صرح بهذا فى مبحث الاجتهاد والتقليد وغيره.

(نعم) لو فرض حصول الاجماع او ورود النص على وجوب شىء معين عند الله تعالى مردد عندنا بين امور من دون اشتراطه بالعلم به المستلزم ذلك الفرض لاسقاط قصد التعيين فى الطاعة لتم ذلك ولكن لا يحسن حينئذ قول المحقق الخوانسارى فلا يبعد القول بوجوب الاحتياط حينئذ بل لا بد من القول باليقين والجزم بالوجوب ولكن من اين هذا الفرض وانى يمكن اثباته.

(وفيه) ان التكليف بالمجمل ان كان جائزا فى الشرع فلا وجه لما ذكره المحقق القمى من تخصيص الجواز بصورة الاجماع وورود النص مع دعوى اتفاق اهل العدل على استحالة التكليف المذكور وان لم يكن جائزا فى نظر العقل والشرف فلا معنى لقيام الدليل عليه من ناحية الشارع بل قيام الدليل عليه محال من الشارع لكونه مستحيلا فى نظر العقل والشرع فتأمل.

(قوله) وانى يمكن اثباته اقول يكفى فى اثباته عدم قبح التكليف بالمجمل مع التمكن من الاحتياط ووروده فى الشرع فى الجملة كما صرح به غير واحد من القائلين بالبراءة على ما نقله الشيخ قدس‌سره فيما سبق.

٢٨٣

(وما ذكره قده) قد وافق فيه بعض كلمات ذلك المحقق التى ذكرها فى مسئلة الاستنجاء بالاحجار حيث قال بعد كلام له والحاصل اذا ورد نص او اجماع على وجوب شىء معين معلوم عندنا او ثبوت حكم الى غاية معينة معلومة عندنا فلا بد من الحكم بلزوم تحصيل اليقين او الظن بوجود ذلك الشىء المعلوم حتى يتحقق الامتثال الى ان قال وكذا اذا ورد نص او اجماع على وجوب شىء معين فى الواقع مردد فى نظرنا بين امور وعلم ان ذلك التكليف غير مشروط بشىء من العلم بذلك الشىء مثلا او على ثبوت حكم الى غاية معينة فى الواقع مرددة عندنا بين اشياء وعلم ايضا عدم اشتراطه بالعلم وجب الحكم بوجوب تلك الاشياء المردد فيها فى نظرنا وبقاء ذلك الحكم الى حصول تلك الاشياء ولا يكفى الاتيان بواحد منها فى سقوط التكليف وكذا حصول شىء واحد من الاشياء فى ارتفاع الحكم المعين الى ان قال.

ـ (اقول) وما ذكره المحقق القمى قد وافق فيه بعض كلمات المحقق الخوانسارى قال بعض المحشين ان هذا بعد حمل مطلق كلامه على مقيده وانه قد رجع عن المخالفة وصرح بالموافقة فيما نقلنا عنه فى باب الاستصحاب ولعل الشيخ قدس‌سره لم يعثر على كلمات المحقق القمى فى باب الاستصحاب حتى يحكم بموافقته له مطلقا (نعم) لم يظهر من المحقق القمى الا الموافقة فى مورد ثبوت حكم معين عند الله غير معين عندنا والمستفاد من كلام المحقق الخوانسارى الرجوع الى قاعدة الاشتغال فى صورة الشك فى وجود الشىء المعين المعلوم عندنا ايضا سواء كان بالاشتباه المصداقى او المفهومى فيكون قاعدة الاشتغال حجة عنده فى ثلاث صور على ما رجحناه فى باب الاستصحاب واوضحناه بقرائن كلامه خلافا للشيخ حيث فهم من كلامه حجيتها فى صورتين لا ازيد. (قوله والحاصل اذا ورد نص او اجماع الخ) حيث قال المحقق الخوانسارى

٢٨٤

واما اذا لم يكن كذلك بل ورد نص مثلا على ان الواجب الشىء الفلانى ونص آخر على ان هذا الواجب شىء آخر او ذهب بعض الامة الى وجوب شىء وبعض آخر الى وجوب شىء آخر دونه وظهر بالنص والاجماع فى الصورتين ان ترك ذينك الشيئين معا سبب لاستحقاق العقاب فحينئذ لم يظهر وجوب الاتيان بهما فى تحقق الامتثال بل الظاهر الاكتفاء بواحد منهما سواء اشتركا فى امر او تباينا بالكلية وكذا الكلام فى ثبوت الحكم الى غاية معينة انتهى كلامه رفع مقامه.

ـ فى مسئلة الاستنجاء بالاحجار بعد كلام له اذا ورد نص او اجماع على وجوب شىء معين معلوم عندنا او ثبوت حكم الى غاية معينة معلومة عندنا فلا بد من الحكم بلزوم تحصيل اليقين او الظن بوجود ذلك الشىء المعلوم حتى يتحقق الامتثال الى ان قال.

(وكذا) اذا ورد نص او اجماع على وجوب شىء معين فى الواقع مردد فى نظرنا بين امور وعلم ان ذلك التكليف غير مشروط بشىء من العلم بذلك الشىء مثلا او على ثبوت حكم الى غاية معينة فى الواقع مرددة عندنا بين اشياء وعلم ايضا عدم اشتراطه بالعلم وجب الحكم بوجوب تلك الاشياء المردد فيها فى نظرنا وبقاء ذلك الحكم الى حصول تلك الاشياء ولا يكفى الاتيان بواحد منها فى سقوط التكليف وكذا حصول شىء واحد من الاشياء فى ارتفاع الحكم المعين الى ان قال.

(واما اذا لم يكن) كذلك بل ورد نص مثلا على ان الواجب الشىء الفلانى وورد نص آخر على ان هذا الواجب شىء آخر او ذهب بعض الامة الى وجوب شىء وبعض آخر الى وجوب شىء آخر دونه وظهر بالنص والاجماع فى الصورتين ان ترك ذينك الشيئين معا سبب لاستحقاق العقاب فحينئذ لم يظهر وجوب الاتيان بهما فى تحقق الامتثال بل الظاهر الاكتفاء بواحد منهما سواء اشتركا فى امر او

٢٨٥

ـ تباينا بالكلية وكذا الكلام فى ثبوت الحكم الى غاية معينة.

(ثم نقل بعض المحشين) من المحقق الخوانسارى ايضا كلاما حاصله ان الاجمال قد يعرض نفس التكليف من غير ان يكون فى متعلق التكليف وقد يعرض المكلف به فما كان من قبيل الاول فالمرجع فيه البراءة لا الاحتياط وذلك مثل وجوب استعمال الحجر الى غاية حصول الطهارة حيث علمنا بوجوب الاستعمال فى الجملة لكن اشتبه علينا الغاية هل هى ثلاثة احجار او يكفى ذو الجهات فالترديد فى الغاية انما هو فى نظرنا فالمعلوم هى الغاية المرددة ولم نكلف إلّا بمقدار علمنا فلا نلتزم الا بالتخيير بين الثلاثة وذى الجهات واستصحاب النجاسة مدفوع بما حقق فى مسئلة الاستصحاب ومثل وجوب الصلاة يوم الجمعة المرددة بين الظهر والجمعة بذهاب جمع الى وجوب الجمعة استنادا الى خبر ضعيف وآخرين الى وجوب الظهر كذلك فيجوز نفى الوجوب العينى عن كل منهما باصل البراءة لكن لما انعقد الاجماع على حرمة مخالفة التكليف المردد يجب الالتزام بالتخيير لتحصيل الموافقة الاحتمالية وما كان من قبيل الثانى فلا بد فيه من الاحتياط عقلا ونقلا اذ لم يقيد المطلوب بالعلم مثل ان يأمر الشارع بصلاة معينة لم يدر أنها الظهر او الجمعة.

(ثم قال) بعد نقله الكلام المذكوران تحصيل المراد من هذه العبارات فى غاية الصعوبة وامثالها اوجب الاختلاط فى كلمات الاصحاب فى هذه المباحث بحيث تداخل المتباينان وتباين المتداخلان وارتبط المستقل واستقل المرتبط وحصل الخلط فى الاجمالات العرفية والذاتية والحكمية والموضوعية والناشية من التعارض والناشية من الاجمال والناشية من عدم النص وجرى الاحتياط فى موضع البراءة والبراءة فى موضع الاشتغال الى غير ذلك من الاختلالات.

٢٨٦

(وانت خبير) بما فى هذه الكلمات من النظر اما ما ذكره الفاضل القمى من حديث التكليف بالمجمل وتأخير البيان عن وقت الحاجة فلا دخل له فى المقام اذ لا اجمال فى الخطاب اصلا وانما طرأ الاشتباه فى المكلف به من جهة تردد ذلك الخطاب المبين بين امرين وازالة هذا التردد العارض من جهة اسباب اختفاء الاحكام غير واجبة على الحكيم تعالى حتى يقبح تأخيره عن وقت الحاجة بل يجب عند هذا الاختفاء الرجوع الى ما قرره الشارع كلية فى الوقائع المختفية وإلّا فما يقتضيه العقل من البراءة والاحتياط ونحن ندعى ان العقل حاكم بعد العلم بالوجوب والشك فى الواجب وعدم الدليل من الشارع على الاخذ باحد الاحتمالين المعين او المخير والاكتفاء به من الواقع بوجوب الاحتياط حذرا من ترك الواجب الواقعى واين ذلك من مسئلة التكليف بالمجمل وتأخير البيان عن وقت الحاجة مع ان التكليف بالمجمل وتأخير البيان عن وقت العمل لا دليل على قبحه اذا تمكن المكلف من الاطاعة ولو بالاحتياط.

ـ (اقول) قبل بيان ايراد الشيخ قدس‌سره على ما ذكره الفاضل القمى لا بأس بالاشارة الى مقدمة وهى فى بيان مسألتين مسئلة التكليف بالمجمل ومسئلة الخطاب بالمجمل.

(والمراد بالاولى) هو كون نفس التكليف مجملا وهو النوع الخاص من الالزام وان علم جنسه.

(والمراد بالثانية) ان يكون الخطاب الصادر من الشارع مجملا.

(قيل والنسبة بينهما) عموم من وجه مادة الاجتماع جميع التكاليف المشتملة على جهة التخاطب اذا كان فيها اجمال ومادة الافتراق من طرف الثانية جميع الخطابات المعرات عن عنوان التكليف ومادة الافتراق من طرف الاولى ما اذا

٢٨٧

ـ اعطى المولى عبده طومارا قائلا انه اذا خرجت من البلد فافتحه واعمل بما فيه وهو يعلم اجمالا ان المكتوب هو المسافرة لكنه لا يعلم ان الموضع المأمور بالمسافرة اليه هو الحلة او البغداد مثلا فظهر فى اثناء الطريق ظالم واخذ الطومار من يده فان الموجود فى حقه ليس إلّا تكليف صرف معرى عن عنوان التخاطب.

(ثم) انه يندرج تحت مسئلة الخطاب عنوانان.

(احدهما) تأخير البيان عن وقت الخطاب.

(والآخر) تأخير البيان عن وقت الحاجة.

(اما الاول) فقد نسب الى المشهور عدم قبح تأخير البيان عن وقت الخطاب.

(واما الثانى) فظاهر اطلاق الاكثر قبحه عن وقت الحاجة واستدل له.

(تارة) بان التأخير عن وقت الحاجة تكليف بما لا يطاق اذ هو فى ذلك الوقت مكلف باتيان المراد وهو غير عالم به.

(واخرى) بانه مستلزم للاغراء بالجهل وهو قبيح.

(وثالثا) بانه مستلزم لنقض الغرض ضرورة ان الغرض من التكليف انما هو البعث على الامتثال واذا كان الامتثال موقوفا على البيان من المولى ولم يصل منه فهو نقض للغرض.

(ورابعا) بان تأخير البيان عن وقت الحاجة بنفسه من القبائح الذاتية الخطابية وان لم يكن فيه قبح عملى ضرورة ان الخطاب بالمجمل مع فرض عدم المانع من البيان وكون المخاطب معدا لاستماعه مع حضور وقت الحاجة مما لا شبهة فى قبحه مع قطع النظر عن مقام الامتثال نظير تخصيص الاكثر وامثاله فانه ليس من القبائح العملية كيف ولم يكن فيه محذور فى مقام العمل وانما هو من القبائح الذاتية فانه بنفسه مما يستهجنه العرف فى مقام المخاطبة اذا عرفت ذلك

(فنقول) ملخص الجواب عما ذكره الفاضل القمى على ما يظهر من كلام الشيخ قدس‌سره وجهان.

٢٨٨

ـ (احدهما) ان امتناع التكليف بالمجمل وتأخير بيانه عن وقت الحاجة للمحذورات التى تقدم ذكرها انما هو فى صورة عدم تمكن المكلف من الاطاعة مع عدم البيان واما مع تمكنه منها كذلك ولو بالاحتياط فامتناعه بل قبحه ممنوع هذا مضافا الى انه لا دليل على قبح الخطاب بالمجمل ذاتا ومن حيث هو هو مع الاغماض عن عدم تعلقه بالمقام لما ذكره قدس‌سره من عدم الاجمال فى الخطاب الصادر من الشارع وانما طرأ الاشتباه فى المكلف به من جهة تردد ذلك الخطاب المبين بين امرين.

(وازالة) هذا التردد العارض من جهة اسباب اختفاء الاحكام غير واجبة على الحكيم تعالى حتى يقبح تأخيره عن وقت الحاجة بل يجب عند هذا الاختفاء الرجوع الى ما قرره الشارع كلية فى الوقائع المختفية وإلّا فما يقتضيه العقل من البراءة والاحتياط وقد عرفت فيما تقدم استقلال العقل بوجوب الاحتياط فى صورة العلم الاجمالى بالتكليف ونحن ندعى ان العقل حاكم بعد العلم بالوجوب والشك فى الواجب وعدم الدليل من الشارع على الاخذ باحد الاحتمالين المعين كما فى موارد الامارات وبعض الاصول كالاستصحاب او المخيّر كما فى موارد اصالة التخيير العقلى او الشرعى والاكتفاء باحد الاحتمالين المعين او المخير من الواقع

(قوله) بوجوب الاحتياط متعلق بقوله حاكم بعد العلم بالوجوب.

(الثانى) لا نسلم قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة كيف وقد يكون اللطف والمصلحة فى تأخير البيان وان كان ظاهر اطلاق الاكثر قبحه عن وقت الحاجة ولذا ذهب جمع من المحققين الى عدم قبحه اذا اقتضت المصلحة تأخيره واخفاء الواقع فى برهة من الزمان.

(قال فى بحر الفوائد) فى توجيه ايراد الشيخ قدس‌سره على ما افاده الفاضل القمى ان الخطاب الصادر من الشارع اما ان يكون ظاهرا فى معنى لا يكون مرادا فى نفس الامر وفى الواقع بل يكون المراد غيره واما ان لا يكون

٢٨٩

ـ ظاهرا فى معنى بل يكون مجملا ومحتملا لمعانى متعددة.

(والاول) وان كان خارجا عن مفروض البحث إلّا ان صريح المشهور فيه عدم قبح تأخير البيان فيه عن وقت الخطاب وظاهر اطلاق الاكثر قبحه عن وقت الحاجة والذى يقتضيه التحقيق فيه عدم قبحه عن وقت الحاجة ايضا وفاقا لشيخنا وجمع من المحققين الى ان قال :

(واما الثانى) فهو متعلق بالمقام وظاهرهم وان كان اطلاق القول فيه بقبح تأخير البيان عن وقت الحاجة ايضا كما صرح به المحقق القمى قدس‌سره إلّا ان الذى يقتضيه التحقيق فيه ايضا وفاقا لجمع من المحققين منهم الفريد البهبهانى ره فى الفوائد كون قبحه دائرا مدار فوت الواقع لاجله فاذا كان متعلق الخطاب مرددا بين امرين يمكن للمكلف الجمع بينهما بالاحتياط فلا دليل على قبحه فيما اذا اقتضت المصلحة تأخير البيان.

(نعم) هو بلا مصلحة مقتضية له خلاف وضع الشارع المبين للاحكام وللحلال والحرام لكنّه لا تعلق له بالمقصود ايضا اذ وجوب ازالة الاشتباه على الشارع من حيث انه شارع اذا لم يكن هناك مصلحة مقتضية لترك البيان لا تعلق له بسقوط الامتثال عن المكلف فيما تمكن منه ولو بالجمع فلو فرض التكلم ممن يخاطب بالمجمل ويتعمد فى ترك البيان لا لمصلحة كما فى المولى العرفى مع قدرة العبد على امتثاله باتيان الامرين لم يكن اشكال فى وجوبه عليه عند العقلاء او عدم سقوطه عنه.

(قوله واين ذلك من مسئلة التكليف بالمجمل الخ) يعنى ليس ما نحن فيه من مسئلة التكليف بالمجمل اذ فيه تمكن المكلف من الاطاعة ولو بالاحتياط مع ان التكليف بالمجمل الذى لا سبيل للمكلف الى امتثاله ولو بالاحتياط كتعلق التكليف بالواقع من دون علم المكلف به ولا تمكنه من الوصول اليه ولو بالاحتياط او تعلق التكليف بالواقع وان المكلف يتمكن من تحصيل العلم به

٢٩٠

ـ بالاحتياط ولكن غرض المولى من الخطاب هو الاطاعة التفصيلية دون الاجمالية هو الذى اتفقت العدلية على قبحه.

(واما) التكليف بالمجمل الذى تمكن المكلف من الاطاعة ولو بالاحتياط فلا دليل على قبحه كما حكى التصريح به عن جماعة من المحققين منهم الوحيد البهبهانى ره.

(وكيف كان) فملخص الجواب عن كلام الفاضل القمى على ما يظهر من عبارة الشيخ قدس‌سره وجهان :

(احدهما) ان قبح الخطاب بالمجمل وتأخير البيان انما يسلّم فى المجمل الذاتى لا العرضى الذى يندرج فيه ما نحن فيه لعدم توجه الخطاب الينا لفقداننا المشافهة وانما حصل الاجمال بسبب الامور الخارجة فاللازم علينا فيما ليست فيه امارة شرعية من الوقائع الرجوع الى ما يقتضيه العقل من البراءة والاحتياط وقد عرفت استقلال العقل بوجوب الاحتياط فى صورة العلم الاجمالى بالتكليف (وثانيهما) انه لو سلّم فانما يسلم فيما لم يمكن فيه الاطاعة والامتثال ولو بالاحتياط إلّا ان يراد بالقبح ما يرجع الى التكليف بغير المقدور من جهة عدم علم المكلف بخصوص المأمور به.

٢٩١

(واما ما ذكره) تبعا للمحقق المذكور من تسليم وجوب الاحتياط اذا قام الدليل على وجوب شيء معين فى الواقع غير مشروط بالعلم به ففيه انه اذا كان التكليف بالشيء قابلا لان يقع مشروطا بالعلم ولان يقع منجزا غير مشروط بالعلم بالشيء كان ذلك اعترافا بعدم قبح التكليف بالشيء المعين المجهول فلا يكون العلم شرطا عقليا واما اشتراط التكليف به شرعا فهو غير معقول بالنسبة الى الخطاب الواقعى فان الخطاب الواقعى فى يوم الجمعة سواء فرض قوله صل الظهر ام فرض قوله صل الجمعة لا يعقل ان يشترط بالعلم بهذا الحكم التفصيلى نعم بعد اختفاء هذا الخطاب المطلق يصح ان يرد خطاب مطلق كقوله اعمل بذلك الخطاب ولو كان عندك مجهولا وائت بما فيه ولو كان غير معلوم كما يصح ان يرد خطاب مشروط وانه لا يجب عليك ما اختفى عليك من التكليف فى يوم الجمعة وان وجوب امتثاله عليك مشروط بعلمك به تفصيلا.

ـ (يعنى) ما ذكره المحقق القمى تبعا للمحقق الخوانسارى فى قوله المتقدم نعم لو فرض حصول الاجماع او ورود النص على وجوب شىء معين الخ من تسليمه وجوب الاحتياط على تقدير قيام الدليل على وجوب شيء معين فى الواقع غير مشروط بالعلم به.

(وقد اورد عليه) قدس‌سره بقوله ففيه ان التكليف بامر معين عند الله تعالى مردد فى الظاهر بين امور ان كان ممكنا على الحكيم تعالى فلم ادّعى اتفاق اهل العدل على استحالته وان لم يكن ممكنا كان ذلك اى تسليم وجوب الاحتياط اعترافا بعدم قبح التكليف بالشيء المعين عند الله تعالى المجهول عندنا لان القبح العقلى لا يصير حسنا بورود الامر الشرعى به بل لا يعقل قيام الدليل على خلافه فلا يكون العلم شرطا عقليا.

٢٩٢

ومرجع الاول الى الامر بالاحتياط ومرجع الثانى الى البراءة عن الكل ان افاد نفى وجوب الواقع رأسا المستلزم لجواز المخالفة القطعية والى نفى ما علم اجمالا بوجوبه وان افاد نفى وجوب القطع باتيانه وكفاية اتيان بعض ما يحتمله فمرجعه الى جعل البدل للواقع والبراءة عن اتيان الواقع على ما هو عليه لكن دليل البراءة على الوجه الاول ينافى العلم الاجمالى المعتبر بنفس ادلة البراءة المغياة بالعلم وعلى الوجه الثانى غير موجود فيلزم من هذين الامرين اعنى وجوب مراعاة العلم الاجمالى وعدم وجود دليل على قيام احد المحتملين مقام المعلوم اجمالا ان يحكم العقل بوجوب الاحتياط اذ لا ثالث لذينك الامرين فلا حاجة الى امر الشارع بالاحتياط ووجوب الاتيان بالواقع غير مشروط بالعلم التفصيلى به مضافا الى ورود الامر بالاحتياط فى كثير من الموارد واما ما ذكره من استلزام ذلك الفرض اعنى تنجيز التكليف بالامر المردد من دون اشتراط بالعلم به لاسقاط قصد التعيين فى الطاعة ففيه ان سقوط قصد التعيين انما حصل بمجرد التردد والاجمال فى الواجب سواء قلنا فيه بالبراءة او الاحتياط وليس لازما لتنجز التكليف بالواقع وعدم اشتراطه بالعلم.

ـ (وبالجملة) ما افاده المحقق القمى فى الاستدراك المذكور يلازم حسن توجيه التكليف بالواقع على وجه الاطلاق من دون اشتراط بالعلم وهو يناقض تصريحه قبله بقبحه فلا يمكن التوفيق بينهما.

(قوله واما اشتراط التكليف به شرعا الخ) يعنى اشتراط تعلق التكليف بالعلم التفصيلى شرعا غير معقول بالنسبة الى الخطاب الواقعى من حيث استلزامه الدور وهو ظاهر الفساد.

(وقيل) ان اشتراط تعلق التكليف بالعلم الاجمالى بل الظن بل بالوهم

٢٩٣

ـ ايضا كذلك ضرورة تأخر هذه الامور عما تعلقت به فكيف يمكن توقفه عليها بل يلزم من ذلك اى من تعلق التكليف بالعلم التصويب الباطل من حيث مدخلية العلم والجهل فى ذلك.

(نعم) ان العلم تفصيلا او اجمالا مما يتوقف عليه تنجز الخطاب على المكلف وفعلية التكليف الواقعى فلا يلزم عليه الدور وقد تقدم غير مرة ان العلم الاجمالى بالتكليف علة تامة لفعليته وتنجزه على المكلف عند العقل وفى نظره ويقبح من الشارع الاذن فى مخالفته القطعية ومن المكلف الاقدام عليها.

(هذا) ملخص التوضيح فى بيان كلامه قدس‌سره فان الخطاب الواقعى فى يوم الجمعة سواء فرض قوله صل الظهر ام فرض قوله صلّ الجمعة لا يعقل ان يشترط بالعلم بهذا الحكم التفصيلى.

(ثم قال قدس‌سره) نعم بعد اختفاء هذا الخطاب المطلق اى الخطاب الواقعى يصح ان يرد خطاب خارجى مطلق كقوله اعمل بذلك الخطاب ولو كان عندك مجهولا وائت بما فيه ولو كان غير معلوم تفصيلا عندك فمرجع هذا الكلام الى الامر بالاحتياط كما اشار الى ذلك بقوله ومرجع الاول الى الامر بالاحتياط (وكذا) يصح ان يرد خطاب يدل على عدم وجوب امتثال ما اختفى عليك من التكليف فى يوم الجمعة وان وجوب امتثاله مشروط بان تعلمه تفصيلا ومرجع هذا الى البراءة كما اشار الى ذلك بقوله ومرجع الثانى الى البراءة عن الكل ان افاد نفى وجوب الواقع رأسا المستلزم لجواز المخالفة القطعية والى نفى ما علم اجمالا بوجوبه.

(وان افاد الثانى) نفى وجوب القطع باتيانه وكفاية اتيان بعض ما يحتمله فمرجع هذا الى جعل البدل للواقع والبراءة عن اتيان الواقع على ما هو عليه. (لكن) دليل البراءة.

(على الوجه الاول) اى البراءة عن الكل ينافى العلم الاجمالى المعتبر بنفس

٢٩٤

ـ ادلة البراءة المغياة بالعلم لانه اذا كان الغاية اعم من العلم الاجمالى والتفصيلى لا يمكن ان يحكم بجواز المخالفة القطعية لان اقل درجة اعتبار العلم الاجمالى حرمة المخالفة القطعية.

(وعلى الوجه الثانى) اى قيام احد المحتملين مقام الواقع بدلا غير موجود اذ ليس فى ادلة البراءة دلالة على البدلية فيلزم من هذين الامرين اعنى وجوب مراعاة العلم الاجمالى وعدم وجود دليل على قيام احد المحتملين مقام المعلوم اجمالا ان يحكم العقل بوجوب الاحتياط اذ لا ثالث لذينك الامرين فلا حاجة الى امر الشارع بالاحتياط ووجوب الاتيان بالواقع غير مشروط بالعلم التفصيلى به مضافا الى ورود الامر بالاحتياط فى كثير من الموارد.

(قوله واما ما ذكره من استلزام ذلك الفرض الخ) يعنى ما ذكره القمى فى كلامه المتقدم من استلزام ذلك الفرض اى تنجيز التكليف بالامر المردد من دون اشتراط بالعلم به لاسقاط قصد التعيين فى الطاعة لا يخلو عن التأمل من جهات.

(احدها) ما ذكره الشيخ قدس‌سره من ان سقوط قصد التعيين انما حصل بمجرد التردد والاجمال فى الواجب سواء قلنا فيه بالاحتياط او البراءة وليس لازما لتنجز التكليف بالواقع وعدم اشتراطه بالعلم. اقول هذا الايراد لا يخلو عن اشكال اذ على القول باتيان الواقع بالاحتياط فى صورة تردد الواجب بين الامرين فلا بد لنا من القول بسقوط قصد التعيين واما على القول بالبراءة فى المقام فيرجع الامر الى التخيير لان نفى الوجوب عن كل من الامرين مرجعه الى التخيير فى الاخذ باحدهما ويمكن معه قصد التعيين فى الطاعة بالنسبة الى ما يختاره المكلف من الفرد ولذا لم يوجب المحقق المذكور الاحتياط فى التكليف المجمل إلّا اذا اعتبر فيه سقوط قصد التعيين فمع عدم اعتباره حكم بالبراءة

(ثانيها) ان الكلام فى المقام ليس مختصا بالتعبديات بل يعمّها

٢٩٥

ـ والتوصليات كما هو ظاهر وعدم اعتبار قصد التعيين فيها اجماعى.

(وثالثها) انه لو قيل باعتبار قصد التعيين فهو فيما اذا تمكن المكلف من التعيين لا فيما لا يمكن فيه تعيين الواقع لعدم مساعدة دليل عليه كذلك ولم يقل احد باعتباره كذلك.

(ورابعها) انه لا دليل على اعتبار قصد التعيين فى الطاعة حتى فيما يتمكن فيه من التعيين ولذا ذكر فى محله انه يصح صحة عبادة تارك طريقى الاجتهاد والتقليد.

٢٩٦

(فان قلت) اذا سقط قصد التعيين لعدم التمكن فبأيهما ينوى الوجوب والقربة قلت له فى ذلك طريقان احدهما ان ينوى بكل منهما الوجوب والقربة لكونه بحكم العقل مأمورا بالاتيان بكل منهما وثانيهما ان ينوى بكل منهما حصول الواجب به او بصاحبه تقربا الى الله فيفعل كلا منهما فيحصل الواجب الواقعى وتحصيله لوجوبه والتقرب به الى الله تعالى فيقصد انى اصلى الظهر لاجل تحقق الفريضة به او بالجملة التى افعل بعدها او فعلت قبلها قربة الى الله وملخص ذلك انى اصلى الظهر احتياطا قربة الى الله وهذا الوجه هو الذى ينبغى ان يقصد ولا يرد عليه ان المعتبر فى العبادة قصد التقرب والتعبد بها بالخصوص.

ـ (اقول) ان ما يلاحظ فى العبادات فى مقام امتثالها بين امور :

(احدها) نية الوجه وانها واضح البيان من حيث ثبوت الخلاف فيها وما هو مقتضى البرهان.

(وثانيها) قصد القربة وهذا مما لا خلاف فى ثبوته.

(وثالثها) قصد التعيين وقد تقدم انه لو قيل باعتباره فهو فيما اذا تمكن المكلف من التعيين لا فيما لا يمكن فيه تعيين الواقع مضافا الى انه لا دليل على اعتباره (فحينئذ) ان قلت اذا سقط قصد تعيين المأمور به الواقعى لعدم التمكن فبأيهما ينوى الوجوب والقربة.

(وقد اجاب قدس‌سره) عن الاشكال بما حاصله ان فى نية الوجوب والقربة طريقين.

(احدهما) ان ينوى المكلف بكل منهما الوجوب والقربة هذا يصح بناء على القول بان الامر بالاحتياط شرعيا لا ارشاديا اذ يجوز له حينئذ ان يقصد

٢٩٧

ولا ريب ان كلا من الصلاتين عبادة فلا معنى لكون الداعى فى كل منهما التقرب المردد بين تحققه به او بصاحبه لان القصد المذكور انما هو معتبر فى العبادات الواقعية دون المقدمية واما الوجه الاول فيرد عليه ان المقصود احراز الوجه الواقعى وهو الوجوب الثابت فى احدهما المعين ولا يلزم من نية الوجوب المقدمى قصده وايضا فالقربة غير حاصلة بنفس فعل احدهما ولو بملاحظة وجوبه الظاهرى لان هذا الوجوب مقدمى ومرجعه الى وجوب تحصيل العلم بفراغ الذمة ودفع احتمال ترتب ضرر العقاب بترك بعض منها وهذا الوجوب ارشادى لا تقرب فيه اصلا نظير اوامر الاطاعة فان امتثالها لا يوجب تقربا وانما المقرب نفس الاطاعة والمقرب هنا ايضا نفس الاطاعة الواقعية المرددة بين الفعلين فافهم فانه لا يخلو عن دقة ـ الوجوب والتقرب بكل من المشتبهين لكونه بحكم العقل مأمورا بالاتيان بكل منهما.

(وثانيهما) ان ينوى بكل منهما حصول الوجوب به او بصاحبه تقربا الى الله فيفعل كلا منهما بهذه النية فيحصل الواجب الواقعى وتحصيله لوجوبه والتقرب به الى الله تعالى فيقصد انى اصلى الظهر لاجل تحقق الفريضة الواقعية به او بالجملة التى افعل بعدها او فعلت قبلها قربة الى الله وملخص ذلك انى اصلى الظهر احتياطا قربة الى الله.

(وهذا الوجه) اى الوجه الثانى من الطريقين المذكورين هو الذى ينبغى ان يقصد ضرورة ان نية الفعل لا يمكن ان تكون على غير الصفة التى هو عليها ولاجلها صار معروضا للوجوب وتعلق امر الشارع به. (ومن المعلوم) ان علة الوجوب فى كل منهما ليست إلّا احتمال كونه

٢٩٨

ـ واجبا واقعيا متعبدا به او غيره فلا بد من ان يقصد حين الاتيان به العنوان الذى اعتبر فيه.

(بخلاف الوجه الاول) فان كل واحد منهما باعتباره واجب متعبد به مأمور به بحكم العقل وقصد الفعل بهذا العنوان مخالف لما هو المقصود من اتيانهما والعنوان الملحوظ فى ذلك الفعل مغاير لما هو المقصود من الفعل فى الواقع.

(فاولوية الوجه الثانى على الاول) باعتبار مطابقة الفعل لما هو العنوان فى اتيانهما وصار كل واحد منهما معروضا للوجوب لاجله وهو كون كل واحد منهما محتملا لان يكون هو الواجب الواقعى الذى هو احدهما معينا والمطلوب الواقعى وهذا الاعتبار غير ملحوظ فى الوجه الاول.

(ولا يرد عليه) اى على الوجه الثانى ان المعتبر فى العبادة قصد التقرب والتعبد بها بالخصوص حيث ان قوامها به ضرورة كونه فارقا بين العبادة والمعاملة ولا ريب ان كلا من الصلاتين عبادة فلا معنى لكون الداعى فى كل منهما التقرب المردد بين تحققه به او بصاحبه لان القصد المذكور اى قصد التقرب بالخصوص انما هو معتبر فى العبادات الواقعية دون المقدمية كما فى المقام فان كلا منهما فيه بصورة العبادة.

(ويحتمل) كونه الواجب الواقعى العبادى الذى يشترط فى تحققه او صحته قصد التقرب ولكن لا يقتضى هذا المعنى قصد التقرب فى كل منهما بخصوصه لعدم العلم بكونه عبادة متقربا بها بالفرض فلا بد من الاتيان بكل منهما باحتمال كونه مطلوبا.

(واما الوجه الاول فيرد عليه) حاصل الايراد على ما افاده قدس‌سره انه على القول باعتبار قصد الوجه فى العبادة لا بد من ان يقصد وجه ما هو الواجب واقعا بعنوان العبادة مثل قصد التقرب المعتبر فيها.

(ومن المعلوم) ضرورة عدم حصول القصد المزبور بقصد الوجوب

٢٩٩

ـ المقدمى الارشادى العقلى فى كل من المحتملين لتغايرهما فلا يلزم من نية الوجوب المقدمى قصد الوجوب الثابت فى احدهما المعين فالقربة غير حاصلة بنفس فعل احدهما ولو بملاحظة وجوبه الظاهرى لان هذا الوجوب مقدمى ومرجعه الى وجوب تحصيل العلم بفراغ الذمة ودفع احتمال ترتب ضرر العقاب بترك بعض منها.

(وهذا الوجوب) ارشادى لا تقرب فيه اصلا نظير اوامر الاطاعة فان امتثالها لكونها ارشاديا لا يوجب تقربا وانما المقرب نفس الاطاعة والمقرب فى المقام ايضا نفس الاطاعة الواقعية المرددة بين الفعلين.

(والحاصل) ان حكم العقل والشرع بوجوب الاتيان بكل من المحتملين لدفع الضرر المحتمل فى تركه حكم ارشادى لا يوجب اطاعته تقربا اصلا على ما هو شأن الاوامر الارشادية مطلقا نظير حكمهما بوجوب اطاعة الاوامر الشرعية الحقيقة وان كان هناك فرق بينهما من جهة اخرى حيث ان حكمهما بوجوب اطاعة الاوامر الشرعية الحقيقية لا يمكن إلّا ان يكون ارشاديا ولا يقبل لغير ذلك (وهذا بخلاف) ايجاب الشارع للاحتياط فانه يمكن ان يكون على الوجه الشرعى الظاهرى المتعلق بموضوع عدم العلم بالواقع فحينئذ لا مناص من قصد التقرب فى المقام وغيره من موارد الاحتياط الا على الوجه الذى تقدم ذكره هذا محصل ما يستفاد من كلام الشيخ قدس‌سره فى تحقيق المقام وتوضيح المرام

٣٠٠