دروس في الرسائل - ج ٢

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٠

الفضل يدفع هذا الإيراد ، لكنّها من الآحاد ، فلا ينفع في صرف الآية من ظاهرها في مسألة حجّيّة الآحاد مع إمكان منع دلالتها على المدّعى ، لأن الغالب تعدّد من يخرج إلى الحجّ من كلّ صقع ، بحيث يكون الغالب حصول القطع من حكايتهم لحكم الله الواقعيّ عن الإمام عليه‌السلام ، وحينئذ فيجب الحذر عقيب إنذارهم ، فاطلاق الرواية منزّل على الغالب.

____________________________________

نقله منه.

وأمّا بيان الضعف فلاحتمال أن يكون مدح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لترغيب الناس ، حتى يكثر الحفّاظ بحيث يكون نقلهم من جهة كثرتهم متواترا ومفيدا للعلم ، فلا يكون الحديث دليلا على حجّية خبر الواحد ، ولكن ظاهر الرواية المتقدّمة عن علل الفضل يدفع هذا الإيراد.

هذا الكلام من المصنّف قدس‌سره دفع للإيراد الثالث بالرواية المتقدّمة عن الفضل بن شاذان ، حيث بيّن الإمام عليه‌السلام فيها غايات للحجّ ومنها التفقّه ، ثمّ نقل أخبار الأئمة عليهم‌السلام إلى كل صفح وناحية.

ثمّ استشهد الإمام على وجوب التفقّه بهذه الآية ، فيعلم منه أنّ المراد من الإنذار هو مطلق تبليغ الأحكام الشامل لنقل الخبر أيضا ، فيكون المراد من الحذر أعمّ من مجرد تصديق خبر المخبر والاتّعاظ والاسترشاد.

فيدفع هذا الإيراد بأنّ الآية لا تختصّ بالإنذار بمعنى الإبلاغ مع التخويف ، حتى لا تشمل نقل الروايات.

(لكنّها من الآحاد) ، أي : لكن الرواية المتقدّمة تكون من أخبار الآحاد(فلا ينفع في صرف الآية عن ظاهرها) أي : وجوب الوعظ والإرشاد إلى المعنى العام الشامل لنقل الروايات.

بل دفع هذا الإيراد بهذه الرواية مستلزم للدور ، لأنها من الآحاد وحجّيتها موقوفة على شمول الآية لنقل الروايات والأخبار ، وشمولها له موقوف على حجّيّة الرواية المتقدمة ، فالنتيجة هي حجّية هذه الرواية موقوفة على حجّيتها.

(مع إمكان منع دلالتها على المدّعى ؛ لأن الغالب تعدّد من يخرج إلى الحجّ من كل صقع).

كما يمكن منع دلالة الرواية المتقدّمة على حجّيّة خبر الواحد لأن الغالب تعدّد وكثرة من يذهب إلى الحجّ من كل بلد ، فيكون إخبارهم مفيدا للعلم ، ويكون وجوب الحذر

٨١

ومن جملة الآيات التي استدلّ بها جماعة ـ تبعا للشيخ في العدّة ـ على حجّيّة الخبر ، قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ)(١) الآية.

والتقريب فيه نظير ما بيّناه في آية النّفر ، من أنّ حرمة الكتمان تستلزم وجوب القبول عند الاظهار.

____________________________________

عقيب إنذارهم من جهة حصول العلم ، لا من جهة إنذارهم مطلقا وإن لم يفد العلم.

قوله : (فإطلاق الرواية منزّل على الغالب). دفع لما يتوهم من أنّ الرواية مطلقة ، فتدل بإطلاقها على وجوب الحذر عقيب إنذارهم ، وإن لم يفد العلم.

وحاصل الدفع إن اطلاق الرواية منزّل على الغالب ، لأنّه لمّا كان الغالب حصول العلم فيحمل وينزّل الإطلاق عليه من دون التقييد اللفظي ، فيكون المراد من الإطلاق هو الغالب.

(ومن جملة الآيات التي استدل بها جماعة ـ تبعا للشيخ في العدّة ـ على حجّيّة الخبر ، قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ)).

والاستدلال بهذه الآية الشريفة يتوقف على امور :

الأول : إنّ معاني القرآن عامة شاملة لا تختصّ بطائفة دون طائفة ، ولا تنحصر بعصر دون آخر ، فهذه الآية ، وإن كان مورد نزولها علماء اليهود الذين يكتمون ما كان موجودا في التوراة من البينات والشواهد الدالة على نبوة نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إلّا أنّ ما يستفاد منها من حرمة كتمان الحق لا يختصّ بهم.

والثاني : هو أنّ حرمة الكتمان ووجوب الإظهار يلازم وجوب القبول ، وإلّا يكون وجوب الإظهار لغوا.

والثالث : هو أنّ الروايات الصادرة عن الأئمة عليهم‌السلام حقّ.

إذا عرفت هذه الامور ، فنقول :

__________________

(١) البقرة : ١٥٩.

٨٢

ويرد عليها ما ذكرنا من الايرادين الأوّلين في آية النّفر ، من سكوتها وعدم التعرّض فيها لوجوب القبول وإن لم يحصل العلم عقيب الإظهار ، أو اختصاص وجوب القبول المستفاد منها بالأمر الذي يحرم كتمانه ويجب إظهاره ، فإنّ من أمر غيره باظهار الحقّ للناس ليس مقصوده إلّا عمل الناس بالحقّ ، ولا يريد بمثل هذا الخطاب تأسيس حجّيّة قول المظهر تعبّدا ووجوب العمل بقوله وإن لم يطابق الحق.

____________________________________

إنّ تقريب هذه الآية على حجّيّة خبر الواحد يكون نظير ما ذكر في آية النّفر ، حيث قلنا هناك : بأن وجوب الإنذار كان مستلزما لوجوب الحذر والعمل بقول المنذر مطلقا ، فنقول في هذه الآية : إنّ حرمة الكتمان تستلزم وجوب القبول عند الإظهار مطلقا ، فالآية تدل على حرمة كتمان البيّنات والهدى بعد معرفتها.

ومن جملة البيّنات والهدى في الأخبار الصادرة عن الأئمة عليهم‌السلام ، إذ المراد من الهدى كلّ ما يوجب الهداية ، والأخبار الصادرة عنهم عليهم‌السلام تكون موجبة للهداية ، وكذا تكون الأخبار شواهد على تكاليف العباد ، فحينئذ يحرم على الرواة كتمان الروايات بعد سماعها عن الأئمة عليهم‌السلام ، فيجب القبول والعمل بها مطلقا عند إظهارهم بالنقل.

(ويرد عليها ما ذكرنا من الإيرادين الأوّلين في آية النّفر ، من سكوتها وعدم التعرّض فيها لوجوب القبول وإن لم يحصل العلم عقيب الإظهار ، أو اختصاص وجوب القبول ... إلى آخره).

ويمكن الإيراد على هذه الآية من وجوه :

الأول : إنّ الآية ساكتة عن وجوب القبول مطلقا وإن لم يحصل العلم من الإظهار ، فيمكن حملها على وجوب القبول عند حصول العلم من الإظهار.

ويمكن الجواب عن هذا الإيراد بما تقدم في آية النفر من أنّ الآية مطلقة ، ومقتضى الإطلاق هو وجوب القبول مطلقا ، فيؤخذ به ما لم يدل دليل على التقييد بصورة حصول العلم.

وتقريب الإيراد الثاني : إنّ الآية تدل على وجوب ما يجب اظهاره وهو الحق ، ومعلوم أنّ قبول ما هو الحق في الواقع يتوقف على إحراز الحقيّة والعلم بها ، وهذا يوجب اختصاص وجوب القبول بما حصل العلم من الإظهار بكون ما أظهره حقا.

٨٣

ويشهد لما ذكرنا أنّ مورد الآية كتمان اليهود لعلامات النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بعد ما بيّن الله لهم ذلك في التوراة ، ومعلوم أنّ آيات النبوّة لا يكتفى فيها بالظنّ.

نعم ، لو وجب الإظهار على من لا يفيد قوله العلم غالبا أمكن جعل ذلك دليلا على أنّ المقصود العمل بقوله وإن لم يفد العلم ؛ لئلّا يكون إلقاء هذا الكلام كاللغو.

ومن هنا يمكن الاستدلال بما تقدّم من آية تحريم كتمان ما في الأرحام على النساء على

____________________________________

وقد أشار إلى هذا الإيراد بقوله : أو اختصاص وجوب القبول ، كما أشار إلى الإيراد الأول بقوله : من سكوتها وعدم التعرض.

ويمكن الجواب عن هذا الإيراد ـ أيضا ـ بما تقدّم في آية النفر من أنّ الواجب هو إظهار الحق بطرق متعارفة عند العرف لا بما يفيد العلم.

ثمّ أشار إلى الإشكال الثالث بقوله : (ويشهد لما ذكرنا أنّ مورد الآية كتمان اليهود لعلامات النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ... إلى آخره).

والدليل على ما ذكرنا ـ من اختصاص وجوب القبول عند حصول العلم من الإظهار ـ هو أنّ الآية قد وردت ونزلت في اصول العقائد ، وفي مقام توبيخ علماء أهل الكتاب الذين كتموا ما رأوا في الكتاب من علائم وشواهد نبوّة نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ومن المعلوم أنّ خبر الواحد ليس حجّة في اصول الدين ، بل لا بدّ من تحصيل العلم فيها ، فإثبات حجّية خبر الواحد بها في سائر الموارد دون موردها مستلزم لتخصيص موردها بحيث لا يبقى شيء لكونه من العقائد ، وعدم حجّية خبر الواحد فيها ، وتخصيص المورد كذلك يكون مستهجنا وقبيحا.

ويمكن الجواب عن هذا الإشكال : بأنّ المورد وإن كان من العقائد إلّا أنّ العبرة بعموم الألفاظ والمفاهيم لا بخصوصية المورد.

قوله : (نعم ، لو وجب الإظهار على من لا يفيد قوله العلم غالبا أمكن جعل ذلك دليلا على أنّ المقصود العمل بقوله وإن لم يفد العلم ؛ لئلّا يكون إلقاء هذا الكلام كاللغو) هذا دفع للإشكال ، ولا بدّ من تقرير الإشكال أولا ، وتقرير الدفع ثانيا.

وتقريب الإشكال : إنّه لو كان حرمة الكتمان أو وجوب الإظهار مشروطا بحصول العلم من الإظهار لما جاز الاستدلال بحرمة كتمان ما في الأرحام على النساء على وجوب

٨٤

وجوب تصديقهنّ ، وبآية وجوب إقامة الشهادة على وجوب قبولها بعد الإقامة ، مع إمكان كون وجوب الإظهار لأجل رجاء وضوح الحقّ من تعدّد المظهرين. ومن جملة الآيات التي

____________________________________

تصديقهن ، وقبول قولهن ، تعبّدا بقوله تعالى : (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَ)(١) ولما جاز الاستدلال بآية وجوب إقامة الشهادة مثل قوله تعالى : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ)(٢) وقوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ)(٣) وقوله تعالى : (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ)(٤) وغيرها من الآيات على وجوب قبول الشهادة تعبّدا.

ونكشف من استدلالهم على وجوب تصديق النساء تعبّدا ، ووجوب قبول الشهادة تعبّدا : إنّ القبول في آية الكتمان لم يكن مشروطا بحصول العلم من الإظهار ، بل يجب القبول تعبّدا وهو المطلوب ، هذا ما يمكن تقريبه من الإشكال.

وحاصل الدفع أنّه لو وجب الإظهار على من لا يفيد قوله العلم ، كإظهار المرأة ما في رحمها ، وشهادة الشاهدين عند من يحتاج إليها ؛ لكان جعل إيجاب الإظهار في حقهم دليلا على حجّية قولهم وقبول قولهم وإن لم يفد العلم لئلّا يكون كلامهم كاللّغو. وهذا لا يرتبط بالمقام ، إذ حصول العلم من الإظهار في المقام ممكن ، فلا بأس أن يكون وجوب القبول مشروطا بحصول العلم من الإظهار.

وقد أشار إلى الإشكال الرابع بقوله : (مع إمكان كون وجوب الإظهار لأجل رجاء وضوح الحق من تعدّد المظهرين).

ويمكن أن يكون وجوب الإظهار من جهة حصول العلم من قول المظهرين لأجل تعدّدهم لا من جهة حجّية قولهم تعبّدا ، فلا ربط لهذه الآية بالمقام أصلا.

والجواب : إنّ إطلاقها يشمل لكلتا حالتي حصول العلم من قولهم وعدم حصوله ، فيتمسّك بالإطلاق على وجوب القبول مطلقا وهو المطلوب.

__________________

(١) البقرة : ٢٢٨.

(٢) البقرة : ٢٨٢.

(٣) الطلاق : ٢.

(٤) البقرة : ٢٨٣.

٨٥

استدلّ بها بعض المعاصرين قوله تعالى : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(١).

بناء على أنّ وجوب السؤال يستلزم وجوب قبول الجواب وإلّا لغى وجوب السؤال ، وإذا وجب قبول الجواب وجب قبول كلّ ما يصحّ أن يسأل عنه ويقع جوابا له. لأن خصوصيّة المسبوقيّة بالسؤال لا دخل فيه قطعا ، فإذا سئل الراوي الذي هو من أهل العلم عمّا سمعه عن الإمام عليه‌السلام ، في خصوص الواقعة ، فأجاب بأنّي سمعته يقول : كذا ، وجب القبول بحكم الآية ، فيجب قبول قوله ابتداء : «إنّي سمعت الإمام عليه‌السلام يقول كذا» ؛ لأن حجّية قوله هو الذي أوجب السؤال عنه ، لا أنّ وجوب السؤال أوجب قبول قوله ، كما لا يخفى.

____________________________________

(ومن جملة الآيات التي استدل بها بعض المعاصرين) والمراد به صاحب الفصول (قوله تعالى : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)) والاستدلال بهذه الآية الشريفة يتّضح بعد بيان امور :

منها : أن يكون المراد من أهل الذكر في الآية مطلق أهل العلم ، الشامل لعلماء أهل الكتاب كما هو ظاهرها بحسب المورد ، والأئمة عليهم‌السلام كما في بعض الروايات الواردة في تفسير الآية : إنّ المراد بأهل الذكر هم الأئمة عليهم‌السلام ، والرواة والفقهاء ، فأهل الذكر عنوان عام يشمل الجميع ، ويختلف باختلاف الموارد.

ففي مقام إثبات النبوّة الخاصة لنبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله يكون المراد من أهل الذكر علماء اليهود والنصارى.

وفي زمان الأئمة عليهم‌السلام بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يكون المراد منهم الأئمة فيجب السؤال عنهم عليهم‌السلام فيما يتعلّق بالأحكام الشرعية.

كما أنّ أهل الذكر في زمان الغيبة هم الرواة بالنسبة إلى الفقهاء ، والفقهاء بالنسبة إلى العوام ، والمعنى في الجميع واحد ، وإنّما الاختلاف في المصاديق بحسب الموارد.

ومنها : أن يكون مورد السؤال أعمّ من الاصول والفروع.

ومنها : أن يكون وجوب السؤال ملازما لوجوب القبول مطلقا تعبّدا.

ومنها : أن يكون حجّية الخبر سببا لوجوب السؤال ، بمعنى أنّ الشارع أوجب السؤال من

__________________

(١) النحل : ٤٣.

٨٦

ويرد عليه :

أولا : إنّ الاستدلال إن كان بظاهر الآية فظاهرها بمقتضى السياق إرادة علماء أهل الكتاب ، كما عن ابن عباس ، ومجاهد ، والحسن ، وقتادة ، فإنّ المذكور في سورة النحل : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ)(١) وفي سورة الأنبياء : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(٢).

وإن كان مع قطع النظر عن سياقها ففيه :

أوّلا : إنّه ورد في الأخبار المستفيضة أنّ أهل الذكر هم الأئمّة عليهم‌السلام ، وقد عقد في

____________________________________

جهة كون الخبر حجّة دون العكس ، أي : لم يكن وجوب السؤال والقبول سببا لحجّية الخبر حتى يقال : إنّ مقتضى الآية ـ حينئذ ـ هو حجّية الأخبار المسبوقة بالأسئلة لا مطلقا.

إذا عرفت هذه الامور يتضح لك حجّية مطلق الخبر ، سواء كان مفيدا للعلم أم لا ، وسواء كان مسبوقا بالسؤال أم لا ، وهو المطلوب.

(ويرد عليه : أولا : إنّ الاستدلال إن كان بظاهر الآية فظاهرها بمقتضى السياق ارادة علماء أهل الكتاب).

إنّ ظاهر الآية بمقتضى الصدر والذّيل إرادة علماء أهل الكتاب ، فالمستفاد منها وجوب السؤال على عوام أهل الكتاب من علمائهم ، فلو دلّت على حجّية الخبر لدلّت على حجّية أخبار علماء اليهود على عوامّهم ، فلا ربط لها بالمقام.

فالمستفاد من هذه الآية بحسب السياق هو اختصاصها بأهل الكتاب ، كما هو المستفاد من الآية الاخرى المذكورة في المتن ، هذا إن كان الاستدلال بها مع ملاحظة السياق.

وأمّا إن كان مع قطع النظر عنه ، أعني : نظرا إلى نفس قوله تعالى : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْر) كما أشار إليه بقوله : (وإن كان مع قطع النظر عن سياقها) ، فيرد عليه ـ أيضا ـ كما أشار بقوله :

(ففيه : أولا : إنّه ورد في الأخبار المستفيضة أنّ أهل الذكر هم الأئمة عليهم‌السلام).

__________________

(١) النحل : ٤٣ و ٤٤.

(٢) الأنبياء : ٧.

٨٧

اصول الكافي (١) بابا لذلك ، وقد أرسله في المجمع (٢) عن علي عليه‌السلام.

وردّ بعض مشايخنا هذه الأخبار بضعف السّند بناء على اشتراك بعض الرواة في بعضها وضعف بعضها في الباقي.

وفيه نظر ؛ لأن روايتين منها صحيحتان ، وهما روايتا محمّد بن مسلم (٣) والوشّاء (٤) ، فلاحظ ، ورواية أبي بكر الحضرميّ حسنة أو موثّقة (٥).

نعم ، ثلاث روايات أخر منها لا تخلو من ضعف ولا تقدح قطعا.

وثانيا : إنّ الظاهر من وجوب السؤال عند عدم العلم وجوب تحصيل العلم ، لا

____________________________________

أي : إن كان الاستدلال بالآية من دون ملاحظة سياقها ، بل كان الاستدلال بها نظرا إلى جملة (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) فقط فيرد عليه :

أولا : إنّها أجنبية عن المقام أصلا ؛ لأن المراد من أهل الذكر هم الأئمة عليهم‌السلام ، وقولهم عليهم‌السلام حجّة من دون إشكال ونزاع أصلا ، وكون بعض ما دل على أنّ المراد من أهل الذكر هم الأئمة عليهم‌السلام ضعيفا لا يقدح بحجّية ما ورد صحيحا وقد دلّ على كون المراد من أهل الذكر هم الأئمة عليهم‌السلام.

(وثانيا : إنّ الظاهر من وجوب السؤال عند عدم العلم وجوب تحصيل العلم).

ويرد ثانيا : إنّ السؤال ظاهر في طلب العلم عمّا لا يعلم ، فالأمر به ظاهر في وجوب تحصيل العلم لا وجوب السؤال مقدّمة للعمل بالجواب تعبّدا.

فيكون مفاد قوله تعالى : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) وجوب تحصيل العلم بالسؤال لا وجوب قبول الجواب والعمل به مطلقا ، فلا ربط للآية بالمقام كما لا يخفى.

والشاهد على هذا هو قول القائل : (سل إن كنت جاهلا) حيث يكون الأمر بالسؤال عند العرف ظاهرا في وجوب تعلّم ما لم يعلم بالسؤال عن العالم.

__________________

(١) الكافي ١ : ٢١٠ ، باب : أنّ أهل الذكر الذين أمر الله الخلق بسؤالهم هم الأئمّة عليهم‌السلام ، وفيه تسعة أحاديث.

(٢) تفسير مجمع البيان (٧ ـ ٨) : ٤٠.

(٣) الكافي ١ : ٢١١ / ٧.

(٤) الكافي ١ : ٢١٢ / ٨.

(٥) الكافي ١ : ٢١١ / ٦ ، مرآة العقول ٢ : ٤٣٠ / ٦ ، وفيه : (إنّ الحديث حسن موثّق).

٨٨

وجوب السؤال للعمل بالجواب تعبّدا ، كما يقال في العرف : سل إن كنت جاهلا ، ويؤيّده أنّ الآية واردة في اصول الدين وعلامات النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، التي لا يؤخذ فيها بالتعبّد إجماعا.

وثالثا : لو سلّم حمله على إرادة وجوب السؤال للتعبّد بالجواب لا لحصول العلم منه ، قلنا : إنّ المراد من أهل العلم ليس مطلق من علم ولو بسماع رواية من الإمام عليه‌السلام ، وإلّا لدلّ على حجّيّة قول كلّ عالم بشيء ولو من طريق السمع والبصر ، مع أنّه يصحّ سلب هذا العنوان من مطلق من أحسّ شيئا بسمعه أو بصره.

والمتبادر من وجوب سؤال أهل العلم بناء على إرادة التعبّد بجوابهم هو سؤالهم عمّا هم عالمون به ويعدّون من أهل العلم في مثله. فينحصر مدلول الآية في التقليد ، ولذا تمسّك به جماعة على وجوب التقليد على العامّي.

وبما ذكرنا يندفع ما يتوهّم : من أنّا نفرض الراوي من أهل العلم ، فإذا وجب قبول روايته وجب قبول رواية من ليس من أهل العلم بالإجماع المركّب.

____________________________________

(ويؤيّده) ، أي : يؤيّد كون السؤال ظاهرا في وجوب تحصيل العلم أنّ الآية قد وردت في اصول الدين ، ولا يجوز الاكتفاء بالظنّ فيها ، بل لا بدّ من تحصيل العلم بالبراهين.

(وثالثا : لو سلّم حمله على إرادة وجوب السؤال للتعبّد بالجواب لا لحصول العلم منه ، قلنا : إنّ المراد من أهل العلم ليس مطلق من علم ، ولو بسماع رواية من الإمام عليه‌السلام).

أي : لو سلّم أنّ وجوب السؤال يكون للعمل بالجواب تعبّدا ولم يكن العمل به مشروطا بحصول العلم من الجواب لما كانت آية السؤال دليلا على حجّية الأخبار في المقام ، كما هو محلّ الكلام.

وذلك لأن المراد من أهل العلم الذين يجب السؤال عنهم ليس مطلق من علم ، ولو من طريق الحواس الظاهرية حتى تشمل الرواة ، بل المراد بهم من علم بالأدلة بعد إعمال الفكر والاجتهاد بما يستفاد منها ، وأهل العلم بهذا المعنى هم الفقهاء ، فالآية تدل على حجّية الفتوى ، ووجوب التقليد ، لا على وجوب العمل بالخبر وحجّيته بما هو خبر لعارف بألفاظ الإمام عليه‌السلام ، لعدم صدق أهل العلم عليه لأن أهل العلم يطلق على من علم بالقوة الناطقة ، ولا يصدق على من علم بالقوة الباصرة السامعة.

(وبما ذكرنا يندفع ما يتوهّم : من أنّا نفرض الراوي من أهل العلم ، فإذا وجب قبول

٨٩

حاصل وجه الاندفاع : إنّ سؤال أهل العلم عن الألفاظ التي سمعها من الإمام عليه‌السلام والتعبّد بقوله فيها ليس سؤالا من أهل العلم من حيث هم أهل العلم ، ألا ترى أنّه لو قال : سل الفقهاء إذا لم تعلم ، أو الأطبّاء ، لا يحتمل أن يكون قد أراد ما يشمل المسموعات والمبصرات الخارجيّة من قيام زيد ، وتكلّم عمرو وغير ذلك.

ومن جملة الآيات ، قوله تعالى في سورة البراءة :

(وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ)(١) مدح الله ـ عزوجل ـ رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بتصديقه للمؤمنين ، بل قرنه بالتصديق بالله

____________________________________

روايته وجب قبول رواية من ليس من أهل العلم بالإجماع المركّب).

فلا بدّ أوّلا : من تقريب التوهّم ، وثانيا : من بيان الاندفاع.

أمّا تقريب التوهّم فنقول : إنّ أكثر الرواة يصدق عليهم أنّهم أهل العلم ، كزرارة ومحمد بن مسلم مثلا ، فإذا ثبت وجوب قبول رواية هؤلاء وحجّية أخبارهم بالآية لكان قبول رواية غيرهم واجبا بالإجماع المركّب ، إذ لم يفرق أحد بين كون الراوي من أهل العلم وغيره فيتمّ المطلوب.

وأمّا الاندفاع فنقول : إنّ ما ذكرتم فيما إذا كان السؤال عن مثل زرارة سؤالا من جهة كونه من أهل العلم ، فيجب قبول روايته ـ حينئذ ـ بمقتضى الآية وقبول رواية غيره بالإجماع المركّب.

إلّا أنّه ليس السؤال من جهة كونه من أهل العلم ، بل السؤال يكون من حيث كونه راويا فلا يكون قوله وروايته حجّة ، إذ الآية تدل على حجّية رواية أهل العلم لا الراوي ، فلا مجال حينئذ للتمسّك بالإجماع المركّب أصلا.

وبالجملة ، يكون السؤال عن الرواة من حيث كونهم رواة ما سمعوا عن الأئمة عليهم‌السلام من الألفاظ والأصوات ، لا من حيث كونهم أهل العلم حتى يكون قولهم حجّة بالآية وقول غيرهم حجّة بالإجماع المركّب ؛ لأنّ الإجماع المركّب يتمّ على الثاني وهو لم يكن ثابتا دون الأوّل.

__________________

(١) التوبة : ٦١.

٩٠

جلّ ذكره ، فإذا كان التصديق حسنا يكون واجبا.

ويزيد في تقريب الاستدلال وضوحا ما رواه في فروع الكافي ، في الحسن بإبراهيم بن هاشم ، أنّه كان لاسماعيل بن أبي عبد الله دنانير ، وأراد رجل من قريش أن يخرج بها إلى اليمن. فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام :

(يا بنيّ ، أما بلغك أنّه يشرب الخمر؟) قال : سمعت الناس يقولون ، فقال : (يا بنيّ إنّ الله ـ عزوجل ـ يقول : (يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) يقول : يصدّق الله ويصدّق للمؤمنين. فإذا شهد

____________________________________

(ومن جملة الآيات ، قوله تعالى في سورة البراءة : (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ)).

من المنافقين من يؤذي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالقول ، حيث يقول : هو اذن ، أي : قوة سامعة ؛ لأنه يستمع إلى كل ما يقال ، ويصغي إليه ويقبله ، وأمر الله تعالى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله : (قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ) الآية.

والاستدلال بهذه الآية الشريفة يتوقف على امور :

منها : أن يكون المراد من إيمانه للمؤمنين هو التصديق الحقيقي بمعنى ترتيب الأثر الواقعي على قولهم وكلامهم ، لا التصديق الصوري بمعنى إظهار القبول وعدم المبادرة إلى التكذيب.

ومنها : أن يكون مدحه تعالى لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله بتصديقه للمؤمنين تصديقا حقيقيا حتى يكون التصديق الحقيقي حسنا بسبب المدح.

ومنها : أن يكون وجوب تصديقهم ملازما لحجّية قولهم ، كما هو كذلك ، إذ لا معنى لوجوب التصديق إلّا الحجّية.

والعمدة هو إثبات الأمر الأول ، وهو أن يكون التصديق تصديقا حقيقيّا.

وقوله : (ويزيد في تقريب الاستدلال وضوحا ما رواه في فروع الكافي).

استدلال لإثبات كون التصديق حقيقيا ، وإلّا لم يستشهد الإمام الصادق عليه‌السلام لابنه اسماعيل بوجوب التصديق بالآية.

وهذا الخبر حسن لوجود ابن هاشم في سنده ، وهو إمامي ممدوح ، وملخّص مضمونه : إنّه كان لاسماعيل ابن الإمام الصادق عليه‌السلام دنانير ، فأدّاها إلى رجل من قريش يريد

٩١

عندك المسلمون فصدّقهم) (١).

ويرد عليه :

أوّلا : إنّ المراد بالاذن سريع التصديق والاعتقاد بكلّ ما يسمع ، لا من يعمل تعبّدا بما يسمع من دون حصول الاعتقاد بصدقه ، فمدحه عليه‌السلام بذلك لحسن ظنّه بالمؤمنين وعدم اتّهامهم.

____________________________________

أن يخرج إلى اليمن للتجارة ، فقال له الإمام عليه‌السلام : (يا بني أمّا بلغك أنّه يشرب الخمر؟) قال : سمعت الناس يقولون.

ثم قال الإمام عليه‌السلام : (يا بنيّ إنّ الله تعالى يقول : (يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) أي : يقول : يصدّق بالله ، ويصدّق للمؤمنين ، فإذا شهد عندك المسلمون فصدّقهم) ويجب عليك القبول ، والعمل بقولهم.

فيكشف ـ من أمر الإمام عليه‌السلام ابنه بتصديق المسلمين تصديقا حقيقيا ، ومن استشهاده عليه‌السلام بالآية ـ أنّ المراد من التصديق في الآية هو التصديق الحقيقي لا الصوري ، فهذا الاستشهاد من الإمام عليه‌السلام على وجوب التصديق بالآية دليل على أنّ المراد من التصديق في الآية هو التصديق الحقيقي لا الصوري.

(ويرد عليه أوّلا : إنّ المراد بالاذن سريع التصديق والاعتقاد بكلّ ما يسمع ، لا من يعمل تعبّدا بما يسمع من دون حصول الاعتقاد بصدقه).

وملخّص هذا الإيراد : إنّ الاستدلال بالآية مبني على أن يكون المراد من الاذن استماع القول ، ثمّ التصديق والعمل به وإن لم يحصل العلم منه ، فيرد عليه بأنّ المراد بالاذن ليس مجرّد استماع الكلام ، بل المراد به سرعة الاعتقاد بالخبر ، فمفاده ـ حينئذ ـ أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان سريع الاعتقاد ، ويحصل له العلم من أخبار المؤمنين فيصدقهم بعد العلم بصدقهم ، ومعلوم أنّ العلم حجّة ، ولا كلام في حجّيته أصلا ، فآية الاذن أجنبية عن المقام أصلا.

نعم ، يمكن أن يقال : بأنّ سرعة الاعتقاد لا يوجب مدحا ، فلما ذا مدح الله نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله : (أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ) و (يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ)؟

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٩٩ / ١ ، نقله باختصار واختلاف يسير. الوسائل ١٩ : ٨٢ ، كتاب الوديعة ، باب ٦ ، ح ١.

٩٢

وثانيا : أنّ المراد من التصديق في الآية ليس جعل المخبر به واقعا وترتيب جميع آثاره عليه ، إذ لو كان المراد به ذلك لم يكن أذن خير لجميع الناس ، إذ لو أخبره أحد بزنا أحد أو شربه أو قذفه أو ارتداده ، فقتله النبيّ أو جلده ، لم يكن في سماعه ذلك الخبر خير للمخبر عنه ، بل كان محض الشرّ له ، خصوصا مع عدم صدور الفعل منه في الواقع.

نعم ، يكون خيرا للمخبر من حيث متابعة قوله وإن كان منافقا مؤذيا للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، على ما يقتضيه الخطاب في (لَكُمْ) ، فثبوت الخير لكلّ من المخبر والمخبر عنه لا يكون إلّا إذا صدق المخبر ، بمعنى إظهار القبول عنه وعدم تكذيبه وطرح قوله رأسا مع العمل في نفسه بما

____________________________________

فإنّه يقال : إنّ المدح تعلّق بأخلاقه الحميدة ، وهي حسن معاملته ومعاشرته مع المؤمنين وحسن ظنّه بهم ، وعدم اتّهامهم بالكذب ، والحاصل : إنّ هذه الآية أجنبية عمّا نحن فيه ، ولا ربط لها بالمقام أصلا.

ولكن هذا التوهم والإيراد باطل إذ لازمه أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يقبل قولهم ويصدّق كلامهم واقعا في مقابل الوحي ، وهذا محال بالنسبة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كما لا يخفى.

(وثانيا : انّ المراد من التصديق في الآية ليس جعل المخبر به واقعا).

وهذا الإيراد يتّضح بعد بيان مقدّمة ، وهي : إنّ التصديق ينقسم إلى قسمين :

الأوّل : هو الصورى.

والثاني : هو الحقيقي.

ومعنى التصديق الصوري : هو إظهار تصديق وقبول ما أخبر به المخبر ولو مع العلم بكذبه في مقابل إظهار كذبه وردّه.

ومعنى التصديق الحقيقي : هو جعل المخبر به واقعا ، ثمّ ترتيب آثار الواقع عليه.

وبذلك يتضح أنّ الاستدلال بالآية على حجّية خبر الواحد يكون مبنيا على أن يكون المراد من التصديق هو المعنى الثاني ؛ لأن التصديق الحقيقي يستلزم حجّية قول المخبر ، والتصديق الصوري لا يستلزم حجّية قول المخبر ؛ لأن المفروض هو إظهار التصديق لا العمل بقول المخبر.

ثمّ التصديق مع قطع النظر عن القرينة وإن كان المتبادر منه التصديق الحقيقي إلّا أنّ المراد من التصديق في الآية بمقتضى القرائن هو التصديق الصوري.

٩٣

يقتضيه الاحتياط التامّ بالنسبة إلى المخبر عنه ، فإن كان المخبر به ممّا يتعلّق بسوء حاله لا يؤذيه في الظاهر ، لكن يكون على حذر منه في الباطن ، كما كان هو مقتضى المصلحة في حكاية إسماعيل المتقدّمة (١).

ويؤيّد هذا المعنى : ما عن تفسير العياشي عن الصادق عليه‌السلام (من أنّه يصدّق المؤمنين ؛ لأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان رءوفا رحيما بالمؤمنين) (٢) ، فإنّ تعليل التصديق بالرأفة والرحمة على كافّة المؤمنين ينافي إرادة قبول قول أحدهم على الآخر ، بحيث يرتّب عليه آثاره وإن أنكر المخبر عنه وقوعه ، إذ مع الإنكار لا بدّ من تكذيب أحدهما ، وهو مناف لكونه أذن خير ورءوفا رحيما لجميع المؤمنين ، فتعيّن إرادة التصديق بالمعنى الذي ذكرنا.

ويؤيّده ـ أيضا ـ ما عن القمّي رحمه‌الله ، في سبب نزول الآية :

____________________________________

ومن القرائن : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد جعل اذن خير لجميع الناس حتى المنافقين ، كما يقتضيه عموم الخطاب بقوله : (أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ) ، وكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله اذن خير لجميع الناس لا يصح إلّا أن يكون المراد من التصديق التصديق الصوري ، وعلى فرض التصديق الحقيقي يكون اذن خير للمخبر فقط ، كما هو مبيّن في المتن تفصيلا بحيث لا يحتاج إلى البيان أصلا.

ومن القرائن : ما أشار إليه بقوله : (ويؤيّد هذا المعنى : ما عن تفسير العياشي عن الصادق عليه‌السلام (من أنّه يصدّق المؤمنين لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان رءوفا رحيما بالمؤمنين).

إذ كونه رءوفا بالمؤمنين جميعا لا يصح إلّا أن يكون المراد من التصديق هو التصديق الصوري الذي يرجع إلى حسن خلقه صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث يصدّق الناس بإظهار التصديق والقبول وعدم المبادرة إلى التكذيب.

وبالجملة ، إنّ كونه صلى‌الله‌عليه‌وآله رأفة ورحمة للناس كافة يناسب التصديق الظاهري ، وينافي إرادة التصديق الحقيقي ، بأن يقبل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قول بعضهم على ضرر بعضهم الآخر.

ومن القرائن ما أشار إليه بقوله : (ويؤيّده ـ أيضا ـ ما عن القمي رحمه‌الله ، في سبب نزول الآية).

وممّا يؤيّد ما ذكر من أنّ المراد من التصديق هو التصديق الصوري الظاهري ما في

__________________

(١) انظر : ٣٠٩

(٢) تفسير العياشي ٢ : ١٠١ / ٨٣ ، نقله باختلاف يسير.

٩٤

«أنّه نمّ منافق على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأخبره الله ذلك ، فأحضره النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وسأله ، فحلف أنّه لم يكن شيء ممّا ينمّ عليه ، فقبل منه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله. فأخذ هذا الرجل بعد ذلك يطعن على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ويقول : إنّه يقبل كلّ ما يسمع ، أخبره الله أنّي أنمّ عليه وأنقل أخباره ، فقبل ، فأخبرته أنّي لم أفعل ، فقبل ، فردّه الله تعالى بقوله لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : (قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ)(١)) (٢).

ومن المعلوم أنّ تصديقه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، للمنافق لم يكن بترتيب آثار الصدق عليه مطلقا ، وهذا التفسير صريح في أنّ المراد من المؤمنين المقرّون بالإيمان من غير اعتقاد ، فيكون الإيمان لهم على حسب إيمانهم ، ويشهد بتغاير معنى الإيمان في الموضعين ، مضافا إلى تكرار لفظه ، تعديته

____________________________________

تفسير القمّي رحمه‌الله من أنّ الآية الشريفة نزلت في عبد الله بن نفيل أو نوفل ، أنّه كان يسمع كلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وينقله إلى المنافقين فأوقف الله نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله على هذه النميمة ، فأحضره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسأله عنها ، فحلف له أنّه لم يكن شيء ممّا نمّ عليه ، فقبل منه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فأخذ هذا الرجل يطعن عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويقول : إنّه اذن يقبل كل ما يسمع ، فأخبره الله أنّي أنمّ عليه فقبل ، وأخبرته أنّي لم أفعل فقبل ، فردّ الله عليه بقوله : (قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ).

ومن المعلوم أنّ تصديقه صلى‌الله‌عليه‌وآله للمنافق لم يكن إلّا إظهارا للقبول وعدم مبادرته لتكذيبه ، وهو معنى التصديق الصوري الظاهري على ما تقدّم غير مرّة ، فيكون المراد من تصديقه بالله هو التصديق الحقيقي ، ومن تصديقه صلى‌الله‌عليه‌وآله المؤمنين هو التصديق الظاهري.

ثمّ يستشهد المصنّف رحمه‌الله على اختلاف التصديق في الموردين باختلاف السياق ، وهو تعدية كلمة يؤمن بالباء في الجملة الاولى ، وباللّام في الجملة الثانية ، وهذا الاختلاف يدل على اختلاف ما يراد من كلمة (يُؤْمِنُ) في المقامين.

ويمكن أن يكون اختلاف السياق في تعدّي كلمة (يُؤْمِنُ) تارة بالباء واخرى باللّام إشارة إلى نكتة اخرى ، وهي :

إنّ الاختلاف إنّما نشأ من كون التصديق إن كان متعلّقا بوجود الشيء فيتعدّى بالباء كما في قوله تعالى : (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ

__________________

(١) التوبة : ٦١.

(٢) تفسير القمي ١ : ٣٠٠ ، نقله بالمعنى.

٩٥

في الأوّل بالباء وفي الثاني باللّام ، فافهم.

وأمّا توجيه الرواية فيحتاج إلى بيان معنى التصديق ، فنقول : إنّ المسلم إذا أخبر بشيء فلتصديقه معنيان :

أحدهما : ما يقتضيه أدلّة تنزيل فعل المسلم على الصحيح والأحسن ، فإنّ الإخبار ، من حيث إنّه فعل من أفعال المكلّفين ، صحيحه ما كان مباحا وفاسده ما كان نقيضه ، كالكذب والغيبة ونحوهما ، فحمل الإخبار على الصادق حمل على أحسنه.

والثاني : هو حمل إخباره ، من حيث إنّه لفظ دالّ على معنى يحتمل مطابقته للواقع وعدمها ، على كونه مطابقا للواقع بترتيب آثار الواقع عليه.

والحاصل أنّ المعنى الثاني هو الذي يراد من العمل بخبر العادل ، وأمّا المعنى الأوّل فهو الذي يقتضيه أدلّة حمل فعل المسلم على الصحيح والأحسن.

____________________________________

وَرُسُلِهِ)(١) ، حيث يكون التصديق متعلّقا بوجود ما أنزل من الرب ووجود الله والملائكة والكتب والرسل فقد تعدّى بالباء.

وإن كان التصديق متعلّقا بالقول ، فيتعدّى باللّام كما في قوله تعالى : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ)(٢) ، حيث يكون التصديق متعلّقا بالقول فتعدّى باللّام ، إذ المراد من الإيمان والتصديق هو تصديق يعقوب قول اخوة يوسف حينما قالوا كذبا : (وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ)(٣) وقالوا لأبيهم : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ)(٤).

فنقول : في المقام إنّ التصديق في الجملة الاولى لمّا كان متعلّقا بالذات الجامعة لجميع صفات الكمال ـ غاية الأمر التصديق بوجوده تعالى يلازم التصديق بقوله تعالى ـ تعدّى بالباء ، ولمّا كان التصديق في الجملة الثانية متعلّقا بالقول تعدّى باللّام ، وكيف كان فهذه الآية أجنبية عن المقام.

(فافهم) لعلّه إشارة إلى أنّ الاستدلال باختلاف السياق ـ بأن يقال : إنّ كلمة (يُؤْمِنَّ)

__________________

(١) البقرة : ٢٨٥.

(٢) يوسف : ١٧.

(٣) يوسف : ١٧.

(٤) يوسف : ١٧.

٩٦

وهو ظاهر الأخبار الواردة في : إنّ من حقّ المؤمن على المؤمن أن يصدّقه ولا يتّهمه ،

____________________________________

تتعدّى تارة بالباء فتكون بمعنى التصديق الحقيقي ، واخرى باللّام فتكون بمعنى التصديق الصوري الظاهري ـ غير صحيح.

فلا يصح الاستدلال بتعدّي الإيمان باللّام على كونه بمعنى التصديق الظاهري ، إذ ربّما يتعدّى الإيمان باللّام ، ويكون المراد منه التصديق الحقيقي كما في قوله تعالى في قصة سحرة فرعون حيث قالوا : (آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ)(١) ثمّ قال فرعون : (آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ)(٢) ، حيث كانوا مؤمنين حقيقة فكان تصديقهم حقيقيا ، ومع ذلك قد تعدّى الإيمان باللّام ، فالتعدّي باللّام لا يدل على كون التصديق صوريا وظاهريا.

وأمّا توجيه الرواية فيحتاج إلى بيان معنى التصديق ، وحيث إنّ المصنّف رحمه‌الله ردّ الاستدلال بهذه الآية ، فلا بدّ له أن يردّ الرواية التي قرّب بها الاستدلال بالآية فيقول : إنّ المراد من التصديق في الرواية ليس تصديقا حقيقيا وتوجيه هذه الرواية يتّضح بعد بيان معنى التصديق ، فإذا أخبر المسلم عن شيء فيكون لتصديقه معنيان :

أحدهما : حمله على الصحيح الشامل للصدق والمباح في مقابل حمله على الفاسد الشامل للكذب والحرام ؛ وذلك لأن إخبار المسلم من حيث إنّه إخبار يكون فعلا من أفعاله ، فيكون مشمولا لما تقتضيه أدلة حمل فعل المسلم على الصحيح والأحسن ، فيجب حمل إخباره على الصحيح ، أي : الصدق المباح.

وثانيهما : هو حمل إخبار المسلم على كونه مطابقا للواقع وترتيب آثار الواقع عليه ، وإن كان فيه احتمال مخالفة الواقع في مقابل حمله على خلاف الواقع وترتيب آثار الكذب عليه.

ومحلّ الكلام هو التصديق بالمعنى الثاني ، فيكون وجوب التصديق بهذا المعنى مستلزما لحجّية قول المخبر ، والتصديق بالمعنى الأوّل لا يستلزم حجّية خبر المخبر ، ثمّ التصديق في الرواية يكون بالمعنى الأوّل لا بالمعنى الثاني ، كما أنّ التصديق بالمعنى الأوّل ظاهر عدّة من الروايات.

__________________

(١) الشعراء : ٤٧.

(٢) الشعراء : ٤٩.

٩٧

خصوصا مثل قوله عليه‌السلام : (يا أبا محمّد ، كذّب سمعك وبصرك عن أخيك ، فان شهد عندك خمسون قسامة : أنّه قال قولا ، وقال : لم أقله ، فصدّقه وكذّبهم) (١) الخبر.

فإنّ تكذيب القسامة مع كونهم ـ أيضا ـ مؤمنين ، لا يراد منه إلّا عدم ترتيب آثار الواقع على كلامهم ، لا ما يقابل تصديق المشهود عليه ، فإنّه ترجيح بلا مرجّح ، بل ترجيح المرجوح.

____________________________________

منها : قوله ـ أي : موسى بن جعفر عليه‌السلام ـ للصحابي ، حيث قال عليه‌السلام :

(يا أبا محمّد كذّب سمعك وبصرك عن أخيك ، فإن شهد عندك خمسون قسامة : أنّه قال قولا ، وقال : لم أقله فصدّقه وكذّبهم).

والمراد من القسامة هو عدلان ، فخمسون قسامة مائة عادل ، ولا بدّ من بيان ما يمكن من الاحتمالات ، ثمّ بيان ما هو الصحيح منها :

الاحتمال الأوّل : أن يكون المراد من تصديق الأخ وتكذيب القسامة بالمعنى الأول ، أي : حمل إخبار الأخ على الصحيح المباح ، وحمل إخبار القسامة على الفاسد المحرم ، وهذا الاحتمال باطل ؛ لكونه مستلزما لترجيح ما هو المرجوح على الراجح ، كما لا يخفى.

والاحتمال الثاني : أن يكون المراد منهما بالمعنى الثاني ، أي : حمل إخبار الأخ على كونه مطابقا للواقع ، ثمّ ترتيب آثار الواقع عليه ، وحمل إخبار القسامة على خلاف الواقع وترتيب آثار الكذب عليه ، وهذا الاحتمال ـ أيضا ـ باطل بنفس المحذور المتقدّم في الاحتمال الأوّل.

والاحتمال الثالث : أن يكون المراد من التصديق بالمعنى الثاني ، والمراد من تكذيب القسامة بالمعنى الأوّل ، وهذا الاحتمال ـ أيضا ـ باطل ، لكونه مستلزما لترجيح المرجوح على الراجح ، كما لا يخفى.

والاحتمال الرابع : أن يكون المراد من تصديق الأخ بالمعنى الأول ، أي : حمل قوله على الصحيح المباح ، وأن يكون المراد من تكذيب القسامة عدم ترتيب آثار الصدق على قولهم ، لا ترتيب آثار الكذب حتى يلزم الترجيح بلا مرجّح ، أو ترجيح المرجوح على

__________________

(١) ثواب الأعمال : ٢٩٥ / ١ ، نقله باختلاف يسير ، وفيه : (يا محمّد) مكان (يا أبا محمد) ، وكذلك مثله في الوسائل ١٢ : ٢٩٥ كتاب الحج باب ، ١٥٧ ، ح ٤.

٩٨

نعم ، قد خرج من ذلك مواضع وجوب قبول شهادة المؤمن على المؤمن وإن أنكر المشهود عليه.

وأنت إذا تأمّلت هذه الرواية ، ولاحظتها مع الرواية (١) المتقدّمة في حكاية إسماعيل ، لم يكن لك بدّ من حمل التصديق على ما ذكرنا.

____________________________________

الراجح ، فلا يكون قولهم محرّما ، ولا يترتّب عليه آثار الصدق بالمعنى الثاني ، ولا آثار الكذب بالمعنيين.

فالحاصل أنّ المراد بتصديق الأخ هو المعنى الأوّل ، والمراد من تكذيب القسامة هو التكذيب المقابل للمعنى الثاني للتصديق ، غاية الأمر يكون تكذيبهم مجرّدا عن الحكم بالحرمة ، بمعنى عدم ترتيب آثار الكذب على قولهم.

وقوله : (نعم ، قد خرج) دفع لما يتوهّم من أنّ مقتضى ما ذكر ـ من وجوب التصديق الصوري الظاهري لكل مؤمن ـ هو وجوب تصديق الشاهد والمشهود عليه جميعا في الظاهر ، فينافي حجّيّة البيّنة ، ووجوب ترتيب الآثار عليها.

وحاصل الدفع : أنّه (قد خرج) عن وجوب التصديق الظاهري (مواضع وجوب قبول شهادة المؤمن على المؤمن) ، فيكون التصديق في هذه المواضع تصديقا حقيقيا لا صوريا.

(وأنت إذا تأمّلت هذه الرواية ، ولاحظتها مع الرواية المتقدّمة في حكاية إسماعيل ، لم يكن لك بدّ من حمل التصديق على ما ذكرنا).

والتأمّل في هذه الرواية ، أي : قول موسى بن جعفر عليه‌السلام ، حيث قال : (فصدّقه وكذّبهم) والرواية المتقدّمة حيث استشهد الإمام عليه‌السلام بقوله تعالى : (وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ)(٢) يقتضي أنّ المراد من التصديق في كلا الموردين هو التصديق الظاهري ، وهو حمل قول المؤمن على الصحيح المباح.

فيكون المراد من التصديق في حكاية إسماعيل هو التصديق الظاهري ، فقول الإمام عليه‌السلام (ويصدّق للمؤمنين) تصديق ظاهري ؛ لأنّه تفسير لقوله تعالى : (وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) والمراد من الإيمان والتصديق في قوله تعالى ظاهري قطعا ؛ ليكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٩٩ / ١. الوسائل ١٩ : ٨٢ ، كتاب الوديعة ، ب ٦ ، ح ١.

(٢) التوبة : ٦١.

٩٩

وإن أبيت إلّا عن ظهور خبر إسماعيل في وجوب التصديق ، بمعنى ترتيب آثار الواقع ، فنقول : إنّ الاستعانة بها على دلالة الآية خروج عن الاستدلال بالكتاب إلى السنّة ، والمقصود هو الأوّل. غاية الأمر كون هذه الرواية في عداد الروايات الآتية إن شاء الله تعالى.

ثمّ إنّ هذه الآيات ، على تقدير تسليم دلالة كلّ واحد منها على حجّية الخبر ، إنّما تدلّ ـ بعد تقييد المطلق منها الشامل لخبر العادل وغيره بمنطوق آية النبأ ـ على حجّية خبر العادل الواقعي أو من أخبر عدل واقعيّ بعدالته.

____________________________________

اذن خير للكل كما تقدّم.

(وإن أبيت إلّا عن ظهور خبر إسماعيل في وجوب التصديق ، بمعنى ترتيب آثار الواقع).

يعني : أنّ المتحصّل ممّا ذكر من أنّ الرواية المشتملة على حكاية إسماعيل ليست ظاهرة في وجوب التصديق الحقيقي ، بمعنى ترتيب آثار الواقع.

فإن منعت عن ذلك ، وقلت بظهورها في وجوب التصديق الحقيقي ، بقرينة توبيخ الإمام عليه‌السلام لابنه إسماعيل على إبقاء الدنانير عند شارب الخمر وعدم أخذها منه ، بعد شهادة الناس بأنّ الرجل يكون شارب الخمر ، فقد خرجت عن الاستدلال بالآية إلى الاستدلال بالرواية مع أنّ المقصود هو الأوّل لا الثاني.

ثمّ يبيّن المصنّف رحمه‌الله مقدار دلالة الآيات المذكورة سعة وضيقا ، حيث يقول :

(ثمّ إنّ هذه الآيات ، على تقدير تسليم دلالة كلّ واحد منها على حجّية الخبر ، إنّما تدل ـ بعد تقييد المطلق منها الشامل لخبر العادل وغيره بمنطوق آية النبأ ـ على حجّية خبر العادل الواقعي ...).

والمستفاد من هذا الكلام هو عدم تسليم المصنّف رحمه‌الله دلالة الآيات المذكورة ـ كلّا أو بعضا ـ على حجّية الخبر ، حيث يقول : على تقدير التسليم فالمستفاد منها حجّيّة مطلق الخبر كما يقتضيه إطلاقها.

ولكن بقيد المطلق بمنطوق آية النبأ ، حيث يدل على حجّيّة خبر الفاسق ، فيكون مفادها بعد التقييد حجّيّة خبر العادل الواقعي ، أو من أخبر عدل واقعي بعدالته.

ثم يقول المصنّف رحمه‌الله بالتقييد ثانيا حيث أشار إليه بقوله :

١٠٠