دروس في الرسائل - ج ٢

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٠

لأنّه في مقام بيان ما تردّد بين الحرام والحلال لا في مقام التحذير عن ارتكاب المجموع ، مع أنّه ينافي استشهاد الإمام عليه‌السلام ، ومن المعلوم أنّ ارتكاب جنس الشبهة لا يوجب الوقوع

____________________________________

والهلاك من حيث لا يعلم بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (ومن أخذ بالشبهات وقع في المحرّمات ، وهلك من حيث لا يعلم).

ومنها : إنّ هذه الملازمة تكون صحيحة ، إذا كان المراد بالشبهات هو الاستغراق الأفرادي أو المجموعي ، لأنّ ارتكاب الشبهات فردا فردا أو مجموعا يلازم الوقوع في الحرام ، وأمّا إذا كان المراد بها الجنس الفرد المتحقّق في ضمن فرد واحد ، لما كانت الملازمة صحيحة ، لأنّ ارتكاب فرد من الشبهة لا يلازم الوقوع في المحرّم.

ومنها : الشبهات وهي الجمع المعرف باللّام ، فإنّها وإن كانت حقيقة في الاستغراق ـ لكون الجمع المحلّى بالألف واللّام يكون حقيقة في الاستغراق ـ إلّا إنّ المراد بها في النبوي هو جنس الشبهة ، لا الاستغراق الأفرادي ولا المجموعي ، بل المراد بها هو الجنس الفرد الصادق على القليل والكثير ، وذلك بقرائن :

ومنها : ما أشار إليه بقوله :

(لأنّه في مقام بيان ما تردّد بين الحلال والحرام ، لا في مقام التحذير عن ارتكاب المجموع).

أي : لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان في مقام بيان المفهوم المردّد بين الحلال البيّن والحرام البيّن الذي يكون محلّا للنزاع بين الأخباري والاصولي ، لا في مقام التحذير عن المجموع بما هو مجموع الذي يكون خارجا عن محل الكلام ، مع أنّ إرادة التحذير عن المجموع تنافي استشهاد الإمام عليه‌السلام لأنّ الإمام عليه‌السلام استشهد بالنبوي على ترك شبهة واحدة وهي الشاذّ.

ومنها : عدم إمكان ارتكاب جميع الشبهات عادة ، فيكون ـ حينئذ ـ طلب الاجتناب ولو إرشادا لغوا ، لأنّه تحصيل للحاصل.

ومنها : إن الإمام عليه‌السلام قد استشهد به على وجوب ترك الشبهة في مورد خاص وهو الشاذّ.

والحاصل أنّ هذه القرائن تدلّ على كون المراد من الشبهات هو الجنس ، لا الاستغراق.

إذا عرفت هذه المقدّمة يتضح لك أنّ المراد بالشبهات هو الجنس ، وعليه فلا ملازمة بين ارتكاب الشبهات وبين الوقوع في المحرّمات ، إذ الملازمة بين ارتكاب الشبهات

٣٦١

في الحرام ولا الهلاك من حيث لا يعلم إلّا على مجاز المشارفة ، كما يدلّ عليه بعض ما مضى وما يأتي من الأخبار. فالاستدلال موقوف على إثبات كبرى ، وهي : إنّ الاشراف على الوقوع في الحرام والهلاك من حيث لا يعلم محرّم من دون سبق علم به أصلا.

الثالث : الأخبار الكثيرة المساوقة لهذا الخبر الشريف الظاهرة في الاستحباب بقرائن مذكورة فيها :

____________________________________

والوقوع في المحرّمات لا تصح إلّا على الاستغراق ، كما تقدّم في الأمر الثاني ، فحينئذ لا ملازمة بين ارتكاب شبهة واحدة وبين الوقوع في المحرم.

(إلّا على مجاز المشارفة ، كما يدلّ عليه بعض ما مضى).

كقوله عليه‌السلام : (والمعاصي حمى الله فمن يرتع حولها ـ وهي الشبهات ـ يوشك أن يدخلها) (١).

فمفاد النبوي حينئذ هو : من أخذ بالشبهات أشرف على الوقوع في المحرّمات أي : يقترب من الوقوع بالمحرّمات لا أنّه يقع فيها ، فارتكاب الشبهة يوجب الإشراف على الوقوع في الحرام ، وبهذا البيان تصح الملازمة حينئذ بين ارتكاب الشبهة ، وبين الإشراف على الوقوع في الحرام.

إلّا إنّ كون الشبهة موجبة للإشراف لا ينفع لإثبات وجوب الاجتناب عن الشبهة ما لم تضم إلى هذه الصغرى كبرى ، وهي : إن الإشراف على الوقوع في الحرام حرام ، فيقال :

إنّ ارتكاب الشبهة إشراف على الوقوع في الحرام ، وإنّ الإشراف على الوقوع في الحرام حرام ، فارتكاب الشبهة حرام.

ولكن الإشراف على الوقوع في الحرام ليس حراما مطلقا ، بل هو حرام مع سبق العلم الإجمالي ، كالشكّ في المكلّف به الذي يكون خارجا عن محل الكلام دون الشك في التكليف في الشبهة البدويّة الذي يكون محلّا للكلام فيما نحن فيه.

(الثالث : الأخبار الكثيرة المساوقة لهذا الخبر الشريف الظاهرة في الاستحباب بقرائن مذكورة فيها).

أي : الأمر الثالث الذي يؤيّد حمل النبوي على الإرشاد المشترك ، هي الأخبار الموافقة

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٥٣ / ١٩٣. الوسائل ٢٧ : ١٧٥ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٦٨.

٣٦٢

منها : قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في رواية النعمان (١) ، وقد تقدّم في أخبار التوقّف.

ومنها : قول أمير المؤمنين عليه‌السلام في مرسلة الصدوق أنّه خطب وقال : (حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك ، فمن ترك ما اشتبه عليه من الإثم فهو لما استبان له أترك ، والمعاصي حمى الله ، فمن يرتع حولها يوشك أن يدخلها) (٢).

ومنها : رواية أبي جعفر الباقر عليه‌السلام : قال : (قال جدّي رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث يأمر بترك الشبهات بين الحلال والحرام : من رعى غنمه قرب الحمى نازعته نفسه إلى أن يرعاها في الحمى ، ألا أنّ لكلّ ملك حمى وأنّ حمى الله محارمه ، فاتقوا حمى الله ومحارمه) (٣).

ومنها : ما ورد من : (أنّ في حلال الدنيا حسابا ، وفي حرامها عقابا ، وفي الشبهات عتابا) (٤).

____________________________________

للنبوي في المضمون ، إلّا إنّها للاستحباب دون الوجوب ، وذلك لقرائن مذكورة في هذه الأخبار ، فلا بدّ من حمل النبوي على الإرشاد المشترك ليوافق هذه الأخبار حكما أيضا.

ثمّ أن المصنّف قدس‌سره يذكر هذه الأخبار ، ويقول :

منها : رواية أبي جعفر الباقر عليه‌السلام (قال : قال جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث يأمر بترك الشبهات بين الحلال والحرام : من رعى غنمه قرب الحمى نازعته نفسه إلى أن يرعاها في الحمى ، ألا أنّ لكلّ ملك حمى وأنّ حمى الله محارمه ، فاتّقوا حمى الله ومحارمه).

ومن الواضح أن الاجتناب عن قرب الحمى ـ لئلّا يقع في حمى الله وهي المحرّمات ـ مستحبّ.

(ومنها : قول أمير المؤمنين في مرسلة الصدوق ... إلى آخره) حيث قال عليه‌السلام : (فمن ترك ما اشتبه عليه من الإثم ، فهو لما استبان له أترك ، والمعاصي حمى الله ، فمن يرتع حولها يوشك أن يدخلها).

وقد ظهر وجه الاستحباب من رواية النعمان مع أنّ الأتركيّة مستحبّة.

(ومنها : ما ورد من (أنّ في حلال الدنيا حسابا ، وفي حرامها عقابا ، وفي الشبهات عتابا))

__________________

(١) أمالي الطوسي : ٣٨١ / ٨١٨. الوسائل ٢٧ : ١٦٧ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٤٥.

(٢) الفقيه ٤ : ٥٣ / ١٩٣. الوسائل ٢٧ : ١٧٥ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٦٨.

(٣) كنز الفوائد ١ : ٣٥٢. الوسائل ٢٧ : ١٦٩ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٥٢.

(٤) البحار ٤٤ : ١٣٩ / ٦.

٣٦٣

ومنها : رواية فضيل بن عيّاض : قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : من الورع من النّاس؟ قال : (الذي يتورّع عن محارم الله ويجتنب هؤلاء ، فإذا لم يتق الشبهات وقع في الحرام وهو لا يعرفه) (١).

____________________________________

أي : ذمّا ، فيكون تركها مستحبّا.

(ومنها : رواية فضيل بن عيّاض قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : من الورع من الناس؟ قال : (الذي يتورّع من محارم الله ، ويجتنب هؤلاء)) الظلمة أي : بني اميّة ، وبني العباس ، وعمّالهم ... إلى آخر الخبر.

ومن المعلوم أنّ التورّع ليس بواجب. هذا تمام الكلام في تقريب استدلال الأخباريّين بطوائف من السنّة على وجوب الاحتياط. وبقي الكلام في استدلالهم بالعقل على وجوب الاحتياط وقد أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

* * *

__________________

(١) معاني الأخبار : ٢٥٢ / ١. الوسائل ١٦ : ٢٥٨ ، أبواب الأمر والنهي ، ب ٣٧ ، ح ٥.

٣٦٤

الدليل العقلي على الاحتياط

وأمّا العقل فتقريره بوجهين :

أحدهما : إنّا نعلم إجمالا قبل مراجعة الأدلّة الشرعيّة بمحرّمات كثيرة يجب ـ بمقتضى

____________________________________

(وأمّا العقل فتقريره بوجهين :).

ولمّا فرغ المصنّف قدس‌سره من وجوب الاحتياط شرعا بالأدلّة النقليّة بدأ الاستدلال على وجوبه عقلا بالدليل العقلي ، والقسم الأوّل يسمّى بالاحتياط الشرعي ، والثاني بالعقلي ، وذكر المصنّف قدس‌سره تقرير العقل بوجهين :

والاستدلال بالوجه الأوّل المسمّى بقاعدة الاشتغال على وجوب الاحتياط مبني على امور :

منها : أن يكون الاستدلال المذكور من باب الجدل ، وإلّا فالعقل ليس بحجّة عند الأخباريين كما تقدّم في بحث القطع ، إلّا أن يكون المراد بالعقل هو الفطري الضروري النظري المؤيّد بالنقل ، كما تقدّم تفصيله في القطع.

ومنها : أن يكون العلم الإجمالي كالعلم التفصيلي منجّزا للتكليف حتى يثبت به الاشتغال اليقيني الذي يقتضي البراءة اليقينيّة ، ليكون الاجتناب واجبا عن جميع أطراف العلم الإجمالي تحصيلا للبراءة اليقينيّة ، وذلك بأن تكون الشبهة شبهة محصورة ، كالعلم إجمالا بحرمة مائة شاة من ألف شاة ، ومن المعلوم أنّ نسبة المائة إلى الألف تكون مثل نسبة الواحد إلى العشرة ، فتكون الشبهة محصورة من باب شبهة الكثير في الكثير ، كما أنّ العلم الإجمالي بحرمة الواحد من العشرة شبهة محصورة من باب شبهة القليل في القليل ، وبأن لا يكون بعض أطراف العلم الإجمالي خارجا عن محل الابتلاء ، وإلّا فلم يكن العلم الإجمالي منجّزا ، كما لا يخفى.

ومنها : أن لا يكفي الظنّ المعتبر بالخروج عن عهدة التكليف ، بل لا بدّ من العلم بالخروج عن عهدة التكليف ؛ لأنّ الاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينيّة عقلا ، ونتيجة هذه الامور هي وجوب الاحتياط ، بأن يترك المكلّف كلّ ما يحتمل حرمته ؛ لأنّ البراءة

٣٦٥

قوله تعالى : (وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(١) ونحوه ـ الخروج عن عهدة تركها على وجه اليقين بالاجتناب ، أو اليقين بعدم العقاب ؛ لأنّ الاشتغال اليقيني يستدعي اليقين بالبراءة باتّفاق المجتهدين والأخباريين ، وبعد مراجعة الأدلّة والعمل بها لا يقطع بالخروج عن جميع تلك المحرّمات الواقعيّة ، فلا بدّ من اجتناب كلّ ما احتمل أن يكون منها إذا لم يكن هناك دليل شرعي يدلّ على حلّيّته ، إذ مع هذا الدليل يقطع بعدم العقاب على الفعل على تقدير الحرمة واقعا.

فإن قلت : بعد مراجعة الأدلّة نعلم تفصيلا بحرمة امور كثيرة ، ولا نعلم إجمالا بوجود ما عداها ، فالاشتغال بما عدا المعلوم بالتفصيل غير متيقّن ، حتى يجب الاحتياط ، وبعبارة

____________________________________

اليقينيّة لا تحصل إلّا بذلك.

وقوله : (يجب ـ بمقتضى قوله تعالى : (وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) ونحوه ـ الخروج عن عهدة تركها على وجه اليقين بالاجتناب ... إلى آخره).

ظاهر في الاستدلال بالآية على وجوب تحصيل اليقين بالبراءة ، لا بالعقل ، إلّا أن يقال : إنّ الاستدلال بالآية من باب تأييد العقل ، ليكون العقل مؤيّدا بالنقل ، فيكون حجّة عند الأخباريّين كما تقدّم في القطع.

ثمّ إنّ المراد بالاتّفاق في قوله باتّفاق المجتهدين والأخباريّين ليس هو الإجماع المصطلح الكاشف عن قول الإمام عليه‌السلام حتى يرد على الاستدلال المزبور بأنّه ليس بالعقل أصلا ؛ لأنّ وجوب الانتهاء عمّا نهى الرسول قد ثبت بالآية ، ووجوب تحصيل اليقين بالفراغ عن التكليف تشبّث بالإجماع ، فأين هذا من الاستدلال بالعقل؟!

بل المراد بالاتّفاق هو الاتّفاق الناشئ عن حكم العقل ، فيرجع الاستدلال به على وجوب تحصيل اليقين بالفراغ إلى الاستدلال بالعقل ، فلا مجال للإيراد.

وبالجملة إن الاشتغال اليقيني ولو بالعلم الإجمالي يقتضي البراءة اليقينيّة وهي لا تتحقّق إلّا بوجوب الاحتياط والاجتناب عن كلّ محتمل الحرمة.

(فإن قلت : بعد مراجعة الأدلّة نعلم تفصيلا بحرمة امور كثيرة ، ولا نعلم إجمالا بوجود ما

__________________

(١) الحشر : ٧.

٣٦٦

اخرى : العلم الإجمالي قبل الرجوع إلى الأدلّة ، وأمّا بعده فليس هنا علم إجمالي.

قلت : إن اريد من الأدلّة ما يوجب العلم بالحكم الواقعي الأوّلي ، فكلّ مراجع في الفقه يعلم أنّ ذلك غير متيسّر ، لأن سند الأخبار لو فرض قطعيّا لكن دلالتها ظنيّة ، وإن اريد منها ما يعمّ الدليل الظنّي المعتبر من الشارع فمراجعتها لا توجب اليقين بالبراءة من ذلك التكليف المعلوم إجمالا ، إذ ليس معنى اعتبار الدليل الظنّي إلّا وجوب الأخذ

____________________________________

عداها ... إلى آخره).

وحاصل الإشكال هو أنّ قاعدة الاشتغال تجري فيما إذا ثبت اشتغال ذمّة المكلّف بالتكليف ولو بالعلم الإجمالي ، وكان المكلّف متيقّنا بالاشتغال حتى يجب الاحتياط تحصيلا للبراءة اليقينيّة ، فإذا انتفى اليقين باشتغال الذمّة لا مجال لوجوب الاحتياط ، فوجوب الاحتياط يدور مدار الاشتغال اليقيني ، والاشتغال اليقيني في المقام يدور مدار وجود العلم الإجمالي بوجود محرّمات كثيرة في الشرع ، وهذا العلم الإجمالي وإن كان حاصلا قبل المراجعة إلى الأدلّة إلّا إنّه ينتفي بعد المراجعة إلى الأدلّة والاطّلاع بمقدار ما هو المعلوم بالإجمال من المحرّمات ؛ وذلك لانحلال العلم الإجمالي إلى العلم التفصيلي بالنسبة إلى ما وجد بالرجوع إلى الأدلّة من المحرّمات ، والشكّ البدوي بالنسبة إلى ما عداها ، فيكون مجرى قاعدة البراءة.

(قلت : إن اريد من الأدلّة ما يوجب العلم بالحكم الواقعي الأوّلي ، فكل مراجع في الفقه يعلم أنّ ذلك غير متيسّر ... إلى آخره).

وحاصل الجواب : أنّ ما ذكر في تقريب الإشكال من انحلال العلم الإجمالي إلى العلم التفصيلي والشكّ البدوي ، إنّما يتمّ ويصحّ فيما إذا كانت الأدلّة الدالّة على وجود المحرّمات ـ بمقدار المعلوم بالإجمال ـ مفيدة للعلم ، بأن كانت علميّة لا ظنيّة وذلك غير متيسّر كما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله : إنّ ذلك غير متيسّر ؛ وذلك لقلّة الأدلّة العلميّة ؛ لأنّ الأخبار أكثرها ظنيّة سندا ودلالة ، ولو فرض فيها ما هو مقطوع الصدور لكانت دلالته ظنيّة ، والكتاب وإن كان قطعيّا من حيث الصدور ، إلّا إنّ دلالته ظنيّة ، وحينئذ لا تكون هذه الأدلّة مفيدة للعلم بالحكم الواقعي حتى توجب انحلال العلم الإجمالي.

(وإن اريد منها ما يعمّ الدليل الظنيّ المعتبر من الشارع فمراجعتها لا توجب اليقين

٣٦٧

بمضمونه ، فإن كان تحريما صار ذلك كأنّه أحد المحرّمات الواقعيّة ، وإن كان تحليلا كان اللّازم منه عدم العقاب على فعله وإن كان في الواقع من المحرّمات ، وهذا المعنى لا يوجب انحصار المحرّمات الواقعيّة في مضامين تلك الأدلّة حتى يحصل العلم بالبراءة بموافقتها ، بل ولا يحصل الظنّ بالبراءة عن جميع المحرّمات المعلومة إجمالا.

____________________________________

بالبراءة من ذلك التكليف المعلوم إجمالا ... الخ).

وهذا الشقّ الثاني من الجواب يتضح بعد بيان مقدمة وهي :

إنّ الحقّ في اعتبار الظنّ هو اعتباره من باب الطريقيّة لا من باب السببيّة ، ومعنى اعتباره من باب الطريقيّة أنّ الشارع جعله طريقا إلى الواقع ، فإن كان ما دلّ على حرمته ظنّ معتبر حراما في الواقع كان ذلك من المحرّمات الواقعيّة على القول بعدم جعل مؤدّاه حكما ظاهريا ، أو كان ذلك من المحرّمات الظاهريّة الموافقة للحرام الواقعي على القول بجعل مؤدّاه حكما ظاهريا ، وإن كان ما دلّ على حرمته ظنّ معتبر شرعا حلالا في الواقع لكان اللّازم منه عدم العقاب على فعله.

ومن هذه المقدّمة يتضح لك أنّ مراجعة الأدلّة الظنيّة ، وحصول الظنّ منها بالمحرّمات بمقدار المعلوم إجمالا لا يوجب اليقين بالبراءة من التكليف المعلوم إجمالا ؛ وذلك لأنّ اعتبار الظنّ من باب الطريقيّة لا يوجب انحصار المحرّمات الواقعيّة المعلومة إجمالا في مضامين تلك الأدلّة الظنيّة حتى يحصل العلم بالبراءة بموافقتها.

(بل ولا يحصل الظنّ بالبراءة عن جميع المحرّمات المعلومة إجمالا).

وذلك لاحتمال أن تكون المحرّمات الواقعية أكثر ممّا علم إجمالا ، فلا توجب الأدلّة الظنيّة انحلال العلم الإجمالي إلى الظن التفصيلي والشكّ البدوي فضلا عن الانحلال إلى العلم التفصيلي والشكّ البدوي ، وذلك للفرق بين الظنّ التفصيلي والعلم التفصيلي.

وحاصل الفرق هو أنّ العلم التفصيلي بنفسه مناف للعلم الإجمالي ، والظنّ التفصيلي ليس مناف له.

وذلك لأنّ العلم التفصيلي بالمحرّمات بمقدار المعلوم إجمالا يوجب انحلال العلم الإجمالي إلى العلم التفصيلي بالمحرّمات المعلومة تفصيلا ، والشكّ البدوي فيما عداها ، وحينئذ لا يبقى علم إجمالي أصلا.

٣٦٨

وليس الظنّ التفصيلي بحرمة جملة من الأفعال كالعلم التفصيلي بها ، لأنّ العلم التفصيلي بنفسه مناف لذلك العلم الإجمالي والظنّ غير مناف له ، لا بنفسه ولا بملاحظة اعتباره شرعا على الوجه المذكور.

نعم ، لو اعتبر الشارع هذه الأدلّة بحيث انقلب التكليف إلى العمل بمؤدّاها بحيث يكون هو المكلّف به كان ما عدا ما تضمّنته الأدلّة من محتملات التحريم خارجا عن المكلّف به ، فلا يجب الاحتياط فيها.

____________________________________

هذا ما ذكر من التنافي بينهما ، وهو بخلاف الظنّ التفصيلي حيث لا يوجب الانحلال الظنّي فضلا عن العلمي ؛ وذلك لأنّ الامور التي دلّ الظنّ المعتبر شرعا على حرمتها يمكن أن لا يكون بعضها حراما في الواقع ، فحينئذ يبقى العلم الإجمالي على حاله ، ويجتمع مع الظنّ التفصيلي ، وهذا ما ذكر من عدم التنافي بينهما.

فالمتحصّل من الجميع أنّ الأدلّة الظنيّة لا توجب انحلال العلم الإجمالي ، والأدلّة العلميّة وإن كانت موجبة للانحلال إلّا إنّها غير موجودة.

قوله : (ولا بملاحظة اعتباره شرعا على الوجه المذكور).

أي : ولا ينافي الظنّ المعتبر العلم الإجمالي نظرا إلى اعتباره شرعا على الوجه المذكور أي : الطريقيّة ؛ لأنّ أدلّة اعتباره ـ حينئذ ـ لا تنزّله علما ، بل تنزّل مؤدّاه منزلة الواقع.

(نعم ، لو اعتبر الشارع هذه الأدلّة بحيث انقلب التكليف إلى العمل بمؤدّاها بحيث يكون هو المكلّف به كان ما عدا ما تضمّنته الأدلّة من محتملات التحريم خارجا عن المكلّف به ، فلا يجب الاحتياط فيها).

أي : لا فرق بين العلم التفصيلي والظن التفصيلي ، في كون كل واحد منهما موجبا لانحلال العلم الإجمالي ، فلا يجب الاحتياط فيما إذا اعتبر الشارع هذه الأدلّة الظنيّة على نحو السببيّة ، بأن يكون الحكم في حقّ الجاهل ما أدّى إليه ظنّه ، سواء كان حكمه من الأوّل تابعا لقيام الأمارة ، كما يقول به الأشعري ، وهو المسمّى بالتصويب الأشعري ، أو لم يكن حكمه من الأوّل تابعا لقيام الأمارة ، إلّا إنّ الحكم ينقلب إلى مؤدّى الأمارة عند مخالفة الأمارة للواقع ، وعلى كلا التقديرين ينحصر حكمه الفعلي في مؤدّى الأمارة بحيث يكون ما عداه خارجا عن المكلّف به ، فلا يجب الاحتياط حينئذ ، وذلك لانحلال العلم الإجمالي

٣٦٩

وبالجملة ، فما نحن فيه بمنزلة قطيع غنم نعلم إجمالا بوجود محرّمات فيها ، ثمّ قامت البيّنة على تحريم جملة منها وتحليل جملة ، وبقى الشكّ في جملة ثالثة ، فإنّ مجرّد قيام البيّنة على تحريم البعض لا يوجب العلم ولا الظنّ بالبراءة من جميع المحرّمات.

نعم ، لو اعتبر الشارع البيّنة في المقام ، بمعنى أنّه أمر بتشخيص المحرّمات المعلومة وجودا وعدما بهذا الطريق ، رجع التكليف إلى وجوب اجتناب ما قامت عليه البيّنة ، لا الحرام الواقعي.

والجواب :

أوّلا : منع تعلّق تكليف غير القادر على تحصيل العلم إلّا بما تؤدّي إليه الطرق الغير العلميّة المنصوبة له فهو مكلّف بالواقع بحسب تأدية هذه الطرق ، لا بالواقع من حيث هو ،

____________________________________

إلى العلم التفصيلي في ما أدّى اليه ظنّه ، والشكّ البدوي فيما عداه ، فتجرى البراءة.

(وبالجملة ، فما نحن فيه بمنزلة قطيع غنم نعلم إجمالا بوجود محرّمات فيها ... إلى آخره).

أي : إنّ العلم الإجمالي بعدّة من المحرّمات في المقام نظير العلم الإجمالي بوجود محرّمات في قطيع غنم ، فكما أنّ مجرد قيام البيّنة على تحريم البعض في قطيع الغنم لا يوجب العلم ولا الظنّ بالبراءة من جميع المحرّمات الموجودة فيها ، فكذلك قيام الأمارة على تعيين المحرّمات المعلومة إجمالا لا يوجب الظنّ بالبراءة من جميع المحرّمات الواقعيّة ، وذلك لاحتمال أن تكون المحرّمات غير ما قامت عليه البيّنة أو الأمارة ، أو أكثر ممّا قامتا عليه ، وعدم حصول الظنّ بانحصار المحرّمات فيما قامت عليه البيّنة أو الأمارة حتى يحصل الظنّ بالبراءة.

نعم ، لو اعتبر الشارع الأمارات على نحو السببيّة يحصل الظنّ ، بل العلم بالبراءة من العمل بها كما تقدّم.

وهكذا لو جعل الشارع البيّنة طريقا لتشخيص الحرام والحلال ، بحيث لم يكن الحرام إلّا ما قامت البيّنة على تحريمه ، رجع التكليف إلى وجوب اجتناب ما قامت عليه البيّنة لا الحرام الواقعي ، فيحصل ـ حينئذ ـ من العمل بالبيّنة اليقين بالبراءة.

(والجواب :

أوّلا : منع تعلّق تكليف غير القادر على تحصيل العلم إلّا بما تؤدّي إليه الطرق الغير

٣٧٠

ولا بمؤدّى هذه الطرق من حيث هو حتى يلزم التصويب أو ما يشبهه ، لأنّ ما ذكرناه هو المحصّل من ثبوت الأحكام الواقعيّة للعالم وغيره وثبوت التكليف بالعمل بالطرق ، وتوضيحه في محلّه. وحينئذ فلا يكون ما شكّ في تحريمه ممّا هو مكلّف به فعلا على تقدير حرمته واقعا.

____________________________________

العلميّة المنصوبة له ... إلى آخره).

ولم يذكر المصنّف النقض بالشبهات الوجوبيّة التي لم يوجب الأخباريون الاحتياط فيها بقاعدة الاشتغال مع تحقّق موضوعها فيها ، حيث يعلم المكلّف إجمالا بوجود واجبات في الشرع والاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينيّة ، ولا تحصل البراءة اليقينيّة عنها إلّا بإتيان كل ما يحتمل الوجوب.

وقد أجاب المصنّف قدس‌سره عن الاستدلال المذكور بجوابين :

الجواب الأوّل منهما : يتضح ببيان أن التكليف بما لا طريق للمكلّف إليه قبيح عقلا ، فلا يصدر عن عاقل فضلا عن الشارع الحكيم! ومنه يظهر وجه ما ذكره المصنّف قدس‌سره من منع تعلّق تكليف غير القادر على تحصيل العلم ، إلّا بما أدّى إليه الطرق غير العلمية المنصوبة له ، إذ التكليف بالواقع بما هو الواقع وإن كان لازمه وجوب الاحتياط إلّا إنّه مستلزم للتكليف بما لا طريق للمكلّف إليه ، وهو قبيح عقلا فلا يجوز شرعا ، فحينئذ لا بدّ من أن يكون التكليف بالواقع بحسب تأدية الأمارات إليه ، بمعنى : عدم تنجّز التكليف الواقعي إلّا بالعلم للقادر على تحصيله أو بالأمارات لغير القادر على العلم ، فلا يكون المكلّف مكلّفا بالواقع بما هو هو ، ولا بمؤدّى الأمارات بحيث يكون التكليف من الأوّل تابعا لها حتى يلزم التصويب الأشعري.

أو كان التكليف ثابتا في الواقع مع قطع النظر عن الأمارة ، إلّا إنّه ينقلب إلى مؤدّى الأمارة فيما إذا كانت مخالفة للواقع حتى يلزم التصويب المعتزلي.

وقد أشار إلى التصويب الأشعري بقوله : (حتى يلزم التصويب).

وإلى التصويب المعتزلي بقوله : (أو ما يشبهه).

والمتحصّل من الجميع هو عدم وجوب الاحتياط ، إذ ليس على المكلّف إلّا ترك ما قامت على تحريمه أمارة لا كلّ ما يحتمل تحريمه حتى يجب الاحتياط.

٣٧١

وثانيا : سلّمنا التكليف الفعلي بالمحرّمات الواقعيّة ، إلّا إنّ من المقرّر في الشبهة المحصورة ـ كما سيجيء إن شاء الله تعالى ـ أنّه إذا ثبت في المشتبهات المحصورة وجوب الاجتناب عن جملة منها لدليل آخر غير التكليف المتعلّق بالمعلوم الإجمالي اقتصر في الاجتناب عن ذلك القدر ، لاحتمال كون المعلوم الإجمالي هو هذا المقدار المعلوم حرمته تفصيلا ،

____________________________________

وبعبارة اخرى : إن العلم الإجمالي إذا كان منجّزا للتكليف المعلوم إجمالا لكان علّة تامة بالنسبة إلى حرمة مخالفته القطعيّة ، إلّا إنّه بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعيّة يكون من قبيل المقتضي ، وحينئذ لا مانع للشارع من أن يجعل بعض أطراف العلم الإجمالي ـ وهو الذي دلّ دليل ظنّي على حرمته ـ بدلا عن الواقع ، فيكون مؤدّى الأمارة بعد كونها حجّة في مورد العلم الإجمالي بدلا عن الواقع ، بحيث إذا تركه المكلّف فيما إذا قامت الأمارة على تحريمه يسقط التكليف الواقعي عنه ، فلا يجب عليه الاحتياط في مورد عدم الأمارة.

هذا تمام الكلام في الجواب الأوّل ، إلّا إنّ هذا الجواب لمّا كان غير خال عن الإشكال ـ لأنّ حجيّة الأمارات لمصلحة التسهيل وغيرها لا تقتضي إلّا مجرّد ترتيب آثار الواقع على ما قامت عليه الأمارة ، وهذا لا يكون مستلزما لجعل البدل ، ولا منافيا لوجوب الاحتياط مراعاة للعلم الإجمالي ـ أجاب ثانيا بقوله :

(وثانيا : سلّمنا التكليف الفعلي بالمحرّمات الواقعيّة ... إلى آخره).

أي : لو سلّمنا أنّ التكليف الفعلي بالمحرّمات الواقعيّة باق ولم يسقط بالعمل على طبق الأمارات ، إذ لم يجعل الشارع مؤدّياتها بدلا عن الواقع ، إلّا إنّ العلم الإجمالي في المقام لا يوجب تنجّز التكليف المعلوم إجمالا ؛ وذلك لأنّ تنجّز التكليف بالعلم الإجمالي مشروط بأن يكون التكليف في أطرافه منجّزا به على كل تقدير ، وذلك بأن لا يكون التكليف في بعض أطرافه منجّزا من غير جهة هذا العلم الإجمالي بعلم تفصيلي أو بدليل معتبر شرعا.

ومثال الأوّل : ما إذا علم إجمالا بنجاسة أحد الإناءين ، فيجب الاجتناب عنهما معا.

ومثال الثاني : ما إذا علم تفصيلا بنجاسة أحدهما المعيّن ، ثمّ حصل العلم الإجمالي بوقوع قطرة من البول في أحدهما.

ومثال الثالث : ما إذا قامت البيّنة على نجاسة أحدهما المعيّن ، ثمّ حصل العلم الإجمالي

٣٧٢

فأصالة الحلّ في البعض الآخر غير معارضة بالمثل ، سواء كان ذلك الدليل سابقا على العلم الإجمالي ، كما إذا علم نجاسة أحد الإنائين تفصيلا ، فوقع قذرة في أحدهما المجهول ، فإنّه لا يجب الاجتناب عن الآخر ، لأن حرمة أحدهما معلومة تفصيلا ، أم كان لاحقا كما في مثال الغنم المذكور فإنّ العلم الإجمالي غير ثابت بعد العلم التفصيلي بحرمة بعضها بواسطة وجوب العمل بالبيّنة ـ وسيجيء توضيحه إن شاء الله تعالى ـ وما نحن فيه من هذا القبيل.

____________________________________

بوقوع مقدار من البول في أحدهما.

ثمّ إن الوجه على هذا الاشتراط في تنجّز التكليف بالعلم الإجمالي على ما يظهر من المصنّف قدس‌سره في المتن هو أن العلم الإجمالي موجب لتنجّز التكليف لو لا المانع ، والمانع هو الأصل ، ففي المثال الأوّل يكون المانع مفقودا ، إذ الأصل في كل واحد من الإناءين يكون معارضا بالأصل في الآخر ، مثلا : أصالة الطهارة في كلّ واحد منهما معارضة بأصالة الطهارة في الآخر ، فيؤثّر العلم الإجمالي في تنجّز التكليف بعد سقوط الأصلين بالتعارض.

وهذا بخلاف المثال الثاني والثالث ، حيث يكون التكليف في أحد الطرفين منجّزا قبل العلم الإجمالي فلا يجري الأصل فيه ، ويجري في الطرف الآخر بلا معارض ، فلا يؤثّر العلم الإجمالي في تنجّز التكليف ، لوجود المانع وهو الأصل ، كما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(فأصالة الحلّ في البعض الآخر غير معارضة بالمثل سواء كان ذلك الدليل) الموجب لتنجّز التكليف سابقا على العلم الإجمالي كالمثال الثاني ، أو لاحقا كما في مثال الغنم ، فإنّ العلم الإجمالي بحرمة البعض يكون قبل قيام البيّنة على تعيين حرمة البعض.

(وما نحن فيه من هذا القبيل).

أي : من قبيل مثال الغنم حيث يكون الدليل الدالّ على تنجّز التكليف في بعض الأطراف ، وهي الأمارات بعد العلم الإجمالي بالمحرّمات الواقعية ، فالدليل في المقام ، وإن كان بعد العلم الإجمالي بالمحرّمات ، لكن هذا الدليل كاشف عن ثبوت حرمة ما دلّ على تحريمه قبل العلم الإجمالي ؛ لأنّ ما أتى به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لم ينسخ ولم يتغيّر ، فالظفر بالأمارات

٣٧٣

الوجه الثاني : إنّ الأصل في الأفعال الغير الضروريّة الحظر ، كما نسب إلى طائفة من الإماميّة ، فيعمل به حتى يثبت من الشرع الإباحة ، ولم ترد الإباحة فيما لا نصّ فيه ،

____________________________________

المثبتة للتكاليف ليس من قبيل لحوق التكليف ، بل هو من قبيل العلم بتكليف سابق عليه ، لأنّها كاشفة عن ثبوت مؤدّياتها من الأوّل ، وحينئذ يجب البناء على أنّ مواردها لم تكن من الأوّل مجرى لأصالة الإباحة ، فتبقى أصالة الإباحة في غير موارد الأمارات سليمة عن المعارض.

فالدليل في المقام وإن كان متأخّرا عن العلم الإجمالي في مقام الإثبات إلّا إنّه متقدّم عليه ثبوتا فيمنع عن تأثير العلم الإجمالي.

ومن هنا ظهر بطلان قياس ما نحن فيه ، بما إذا اضطر المكلف إلى بعض معيّن من أطراف العلم الإجمالي بعد العلم الإجمالي ، حيث لا يمنع الاضطرار عن تأثير العلم الإجمالي في تنجّز التكليف.

ففي المقام ـ أيضا ـ لا يمنع الدليل المتأخّر عن العلم الإجمالي عن تأثيره في تنجّز التكليف ، لأنّ هذا القياس قياس مع الفارق ؛ وذلك لأنّ الاضطرار متأخّر ثبوتا وإثباتا ، بخلاف الدليل في المقام حيث يكون متأخّرا إثباتا فقط فيكون في حكم المقدّم.

والمتحصّل من الجميع أن العلم الإجمالي بحرمة جملة من الأشياء ثابت قبل الرجوع إلى الأدلّة ، وأمّا بعد مراجعتها فليس بثابت ، بل ينحلّ إلى العلم التفصيلي بالمحرّمات في موارد الأدلّة والأمارات والشكّ البدوي في غيرها ، فتجري البراءة في غير موارد الأمارات.

(الوجه الثاني : إنّ الأصل في الأفعال الغير الضرورية الحظر ... إلى آخره).

إنّ القاعدة العقليّة في الأفعال غير الضرورية كالأفعال الاختيارية الصادرة عن الإنسان عادة هي الحظر والمنع عقلا حتى يثبت من الشرع الإذن والإباحة ، والاستدلال بهذا الوجه كالاستدلال بالوجه الأوّل مبنيّ على أن يكون من باب الجدل والإلزام ، وإلّا فالعقل ليس حجّة عند الأخباريّين إلّا فيما إذا كان بديهيّا كما تقدّم التفصيل في باب القطع.

ثمّ إن الاستدلال بهذا الوجه إنّما يتمّ على القول بكون الأصل في الأشياء قبل الشرع هو الحظر أو التوقّف ، وأمّا على القول بأن الأصل في الأشياء هو الإباحة فلا ، وحينئذ لا بدّ من ذكر الأقوال وما استدل به على كل واحد منها ليتضح ما هو الحقّ في هذه المسألة ،

٣٧٤

وما ورد على تقدير تسليم دلالته معارض بما ورد من الأمر بالتوقّف والاحتياط ، فالمرجع إلى الأصل ، ولو تنزّلنا عن ذلك فالوقف ، كما عليه الشيخان ، واحتج عليه في العدّة بأنّ الإقدام على ما لا يؤمن المفسدة فيه كالإقدام على ما يعلم المفسدة فيه.

____________________________________

فنقول :

إن الأقوال في هذه المسألة على ما يظهر من كلام المصنّف قدس‌سره ثلاثة هي : الحظر ، والتوقّف ، والإباحة.

وقد أشار المصنّف قدس‌سره إلى الأوّل بقوله : إن الأصل في الأفعال غير الضرورية الحظر ... إلى آخره ، وإلى الثاني بقوله : ولو تنزّلنا عن ذلك فالوقف ... إلى آخره ، وإلى الثالث بقوله : وإن قال بأصالة الإباحة ... إلى آخره.

قوله : (وما ورد على تقدير تسليم دلالته معارض بما ورد من الأمر بالتوقّف والاحتياط ... إلى آخره).

دفع لما قد يتوهّم من أنّ الأصل في الأشياء وإن كان هو الحظر مع قطع النظر عن الشرع ، فيعمل به حتى تثبت الإباحة شرعا ، إلّا إنّه قد ثبتت الإباحة شرعا فيما لا نصّ فيه بأدلّة البراءة ، وبذلك لا ينفع هذا الأصل في إثبات مفاد كلام الأخباريّين.

وحاصل الدفع أنّ ما ورد على تقدير تسليم دلالته من أدلّة البراءة معارض بما ورد من الأمر بالتوقّف والاحتياط فيتساقطان ، ويرجع إلى الأصل المذكور وهو الحظر. هذا تمام الكلام فيما يظهر من المصنّف قدس‌سره من الأقوال.

وأمّا ما استدل به لكلّ واحد منها ، فاحتجّ القائلون بالحظر بأنّ الأشياء كلّها لله تعالى ، ومن البديهي عند العقل هو عدم جواز التصرف في مال الغير بدون إذن منه ، فيحكم بقبح التصرف في مال الغير بغير الإذن.

وفيه : إنّ ذلك صحيح في نفسه ، إلّا إنّ الله تعالى خلق الأشياء للإنسان لا لنفسه ، لعدم الحاجة كما يدل عليه قوله تعالى : (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً)(١) وقوله تعالى : (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ)(٢).

__________________

(١) غافر : ٦٤.

(٢) غافر : ٧٩.

٣٧٥

وقد جزم بهذه القضيّة السيّد أبو المكارم في الغنية وإن قال بالإباحة كالسيّد المرتضى رحمه‌الله تعويلا على قاعدة اللطف وأنّه لو كان في الفعل مفسدة لوجب على الحكيم بيانه ، لكن ردّه في العدّة بأنّه قد تكون المفسدة في الإعلام وتكون المصلحة في كون الفعل على الوقف.

والجواب ، بعد تسليم استقلال العقل بدفع الضرر : إنّه إن اريد به ما يتعلّق بأمر الآخرة من العقاب يجب على الحكيم تعالى بيانه ، فهو مع عدم البيان مأمون ، وإن اريد غيره ممّا لا

____________________________________

وبالجملة ، أنّ هذا الوجه يرجع إلى لزوم دفع الضرر المحتمل عقلا كما هو المستفاد من الشيخ قدس‌سره في العدّة حيث احتجّ على الحظر بأنّ الإقدام على ما لا يؤمن المفسدة فيه كالإقدام على ما يعلم فيه المفسدة ، فكما أنّ الإقدام على مقطوع الضرر قبيح عقلا ، كذلك الإقدام على الضرر المحتمل قبيح.

وفيه : إنّ الإقدام على ما فيه احتمال المفسدة مثل شرب التتن ليس عند العقل كالإقدام على ما يعلم فيه المفسدة كالظلم مثلا ، بل العقل يحكم بقبح الثاني دون الأوّل.

(وقد جزم بهذه القضية السيد أبو المكارم قدس‌سره في الغنية).

جزم بكون الإقدام على محتمل المفسدة كالإقدام على مقطوع المفسدة من حيث حكم العقل بالقبح ، إلّا إنّ جزمه هذا في غير محلّه.

وأمّا القائلون بأنّ الأصل هو الإباحة فاحتجّوا بقاعدة اللطف ، ومقتضى هذه القاعدة هو أنّه لو كان الشيء مشتملا على المفسدة ، لكان الواجب على الله تعالى أن يبيّنها ، فكل مورد وجدنا البيان نأخذ به ، وإلّا نحكم بعدم المفسدة ، وبالإباحة هذا أوّلا.

وثانيا : ما تقدّم من أنّ الله تعالى خلق هذه الأشياء لنا ، فلو لم تكن مباحة لزم نقض الغرض.

وأمّا القائلون بالوقف فاحتجّوا بأنّ العقل لا يحكم بالحظر ولا بالإباحة ، لعدم تماميّة أدلة الطرفين عندهم ، فلا بدّ من التوقف ، إلّا إنّ التوقّف قد فسّر في كلامهم بمعنى عدم الحكم أصلا أي : لا بالحظر ولا بالإباحة.

هذا تمام الكلام في الأقوال وما استدل به عليها ، إلّا إنّ استدلال الأخباريّين كما تقدّم مبنيّ على أن يكون الأصل في الأشياء هو الحظر.

(والجواب ، بعد تسليم استقلال العقل بدفع الضرر : إنّه إن اريد ما يتعلّق بأمر الآخرة

٣٧٦

يدخل في عنوان المؤاخذة من اللّوازم المترتّبة مع الجهل ـ أيضا ـ فوجوب دفعها غير لازم عقلا ، إذ العقل لا يحكم بوجوب الاحتراز عن الضرر الدنيوي المقطوع إذا كان لبعض الدواعي النفسانيّة ، وقد جوّز الشارع بل أمر به في بعض الموارد ، وعلى تقدير الاستقلال فليس ممّا يترتّب عليه العقاب ، لكونه من باب الشبهة الموضوعيّة ، لأنّ المحرّم هو مفهوم الإضرار ، وصدقه في هذا المقام مشكوك ، كصدق المسكر المعلوم التحريم على هذا المائع الخاصّ ، والشبهة الموضوعيّة لا يجب الاجتناب عنها باتّفاق الأخباريّين أيضا ، وسيجيء الكلام في الشبهة الموضوعيّة إن شاء الله تعالى.

____________________________________

من العقاب ، يجب على الحكيم تعالى بيانه فهو مع عدم البيان مأمون ... إلى آخره).

وما يظهر من هذا الكلام هو عدم تسليم المصنّف قدس‌سره لحكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل عقابا كان أو غيره ، وعلى فرض تسليم حكم العقل يدفع الضرر ، فلا ينفع في المقام.

وذلك لأنّ الضرر المحتمل لا يخلو عن أحد أمرين :

أحدهما : أن يكون اخرويّا.

وثانيهما : أن يكون دنيويّا.

وحينئذ إذا كان المراد به هو الأوّل كان معلوم العدم ، وذلك لعدم احتمال العقاب في المقام بجريان قاعدة قبح العقاب من غير بيان ، فتكون هذه القاعدة واردة على قاعدة وجوب دفع الضرر كما تقدّم في البراءة العقليّة ، وإذا كان المراد به هو الثاني أي : الضرر الدنيوي فدفعه غير لازم عقلا ، إذ العقل لا يحكم بوجوب دفع الضرر المقطوع منه فضلا عن المحتمل ، وذلك لما نرى بالحسّ من تحمل العقلاء الضرر المقطوع للدواعي النفسانية ، بل الشارع أمر به في بعض الموارد كالجهاد مع الملحدين والمشركين وباب القصاص.

وعلى تقدير قبح ارتكاب الضرر الدنيوي عقلا ، وترتّب العقاب عليه شرعا ، فليس هذا الحكم من العقل ممّا يترتّب عليه العقاب شرعا في صورة الشكّ في الضرر ، لكون الشبهة ـ حينئذ ـ شبهة موضوعيّة لا يجب الاجتناب عنها باتّفاق من الأخباريّين ؛ وذلك لأنّ المحرّم هو مفهوم الإضرار ، وصدقه في هذا المقام الذي يحتمل فيه الضرر مشكوك ، فلذا تكون الشبهة موضوعية وهي خارجة عن محل النزاع.

٣٧٧

تنبيهات

وينبغي التنبيه على امور :

الأوّل : إنّ المحكيّ عن المحقّق التفصيل في اعتبار أصل البراءة بين ما يعمّ به البلوى وغيره ، فيعتبر في الأوّل دون الثاني ، ولا بدّ من حكاية كلامه رحمه‌الله في المعتبر والمعارج حتى يتّضح حال النسبة.

قال في المعتبر : «الثالث : ـ يعني من أدلّة العقل ـ الاستصحاب ، وأقسامه ثلاثة :

الأوّل : استصحاب حال العقل ، وهو التمسّك بالبراءة الأصليّة ، كما يقال : الوتر ليس واجبا ، لأنّ الأصل براءة الذمّة.

ومنه : أن يختلف العلماء في حكم الدية المتردّدة بين الأقلّ والأكثر ، كما في دية عين الدابّة المتردّدة بين النصف والربع ـ إلى أن قال :

____________________________________

(وينبغي التنبيه على امور :

الأوّل : إنّ المحكي عن المحقّق قدس‌سره التفصيل في اعتبار أصل البراءة بين ما يعمّ به البلوى وغيره ، فيعتبر في الأوّل دون الثاني).

ثمّ يقول المصنّف قدس‌سره : (ولا بدّ من حكاية كلامه رحمه‌الله في المعتبر والمعارج حتى يتّضح حال النسبة) صحة أو فسادا ، وجعل في المعتبر من أدلّة العقل الاستصحاب ، وقسّمه إلى ثلاثة أقسام :

الأوّل : استصحاب حال العقل.

والثاني : عدم الدليل دليل العدم.

والثالث : استصحاب حال الشرع.

والمراد من الأوّل ، أي : استصحاب حال العقل هو التمسّك بالبراءة الأصليّة وهي عبارة عن استصحاب البراءة قبل الشرع ، أو حال الصغر والجنون.

(ومنه : أن يختلف العلماء في حكم الدّية المتردّدة بين الأقل والأكثر).

أي : من موارد التمسّك بالبراءة الأصليّة هو دوران الأمر بين الأقل والأكثر الاستقلاليّين كدية عين الدابّة المردّدة بين نصف قيمتها وربعها ، فيجري استصحاب براءة الذمّة عن

٣٧٨

الثاني : أن يقال : عدم الدليل على كذا فيجب انتفاؤه ، وهذا يصحّ فيما يعلم أنّه لو كان هنا دليل لظفر به ، أمّا لا مع ذلك فيجب التوقّف ، ولا يكون ذلك الاستدلال حجّة ، ومنه القول بالإباحة ، لعدم دليل الوجوب والحظر.

الثالث : استصحاب حال الشرع ، ثمّ اختار أنّه ليس بحجّة» ، انتهى موضع الحاجة من كلامه رحمه‌الله.

وذكر في المعارج ، على ما حكي عنه : «إنّ الأصل خلوّ الذمّة عن الشواغل الشرعيّة ، فإذا ادّعى مدّع حكما شرعيّا جاز لخصمه أن يتمسّك في انتفائه بالبراءة الأصليّة ، فيقول : لو

____________________________________

الزائد المشكوك ، ويؤخذ بالمتيقّن وهو الربع.

والمراد من الثاني هو أنّ عدم الدليل في حكم دليل العدم ، فيجب انتفاؤه (وهذا) أي : عدم الدليل دليل العدم (يصح فيما يعلم أنّه لو كان هنا دليل لظفر به).

أي : في المسائل التي هي عامّة البلوى كشرب التتن مثلا ، لأنّ انتفاء الدليل فيما يوجب الظنّ بعدم الحكم ، وهذا بخلاف ما لم يكن كذلك ، إذ عدم الدليل فيه غير مفيد للظنّ بعدم التكليف ، فلا يكون حجّة ، ومن هنا يظهر أنّ المحقّق قدس‌سره لا يفصّل في البراءة ، بل يفصّل في قاعدة عدم الدليل التي جعلها قسما ثانيا من الاستصحاب ، وحينئذ تكون نسبة التفصيل في مسألة البراءة إليه غير صحيحة.

وأمّا المراد من الثالث ـ أي : استصحاب حال الشرع ـ هو استصحاب الطهارة أو النجاسة أو الحرمة أو غيرها ، فاختار عدم اعتبار هذا الاستصحاب.

فإن قلت : إنّ البحث هو في الأدلّة العقليّة ، ومن المعلوم أنّ استصحاب حال الشرع ليس من الأدلّة العقليّة ، بل هو من الأدلّة الشرعيّة ، فكيف ذكره المحقّق فيها؟

قلت : إنّ الاستصحاب عند المحقّق ومن تقدّم عليه كان من الأدلّة العقليّة ، حيث يبحث عنه من جهة حكم العقل ببقاء ما كان على ما كان ، ولم يكن هناك فرق بين استصحاب حال العقل والشرع ، والفرق بينهما أمر حادث أحدثه من بحث عن حجّية الاستصحاب من جهة الأخبار.

(وذكر في المعارج ، على ما حكي عنه : «إنّ الأصل خلوّ الذمّة عن الشواغل الشرعيّة ، فإذا ادّعى مدّع حكما شرعيّا جاز لخصمه أن يتمسّك في انتفائه بالبراءة الأصليّة ، فيقول : لو

٣٧٩

كان ذلك الحكم ثابتا لكان عليه دلالة شرعيّة. لكن ليس كذلك ، فيجب نفيه.

وهذا الدليل لا يتمّ إلا ببيان مقدّمتين :

إحداهما : إنّه لا دلالة عليه شرعا بأن ينضبط طرق الاستدلالات الشرعيّة ويبيّن عدم دلالتها عليه.

والثانية : أن يبيّن أنّه لو كان هذا الحكم ثابتا لدلّت عليه إحدى تلك الدلائل ، ، لأنّه لو لم يكن عليه دلالة لزم التكليف بما لا طريق للمكلّف إلى العلم به ، وهو تكليف بما لا يطاق ، ولو كانت عليه دلالة غير تلك الأدلّة لما كانت الدلالات منحصرة فيها ، لكنّا بينّا انحصار الأحكام في تلك الطرق ، وعند ذلك يتمّ كون ذلك دليلا على نفي الحكم» ، انتهى.

____________________________________

كان ذلك الحكم ثابتا لكان عليه دلالة شرعيّة).

إذ كل حكم يتوقّف تنجّزه على الدليل الشرعي ، وذلك لقبح تنجّز التكليف من غير بيان ، لأنّه مستلزم للتكليف بما لا طريق للمكلّف إليه ، فإذا لم يكن هناك دليل على ثبوت حكم يجب نفيه.

ثمّ قال : (وهذا الدليل لا يتمّ إلّا ببيان مقدّمتين).

أي : إنّ التمسّك بالبراءة الأصلية إنّما يتمّ بعد تماميّة مقدّمتين :

(إحداهما : إنّه لا دلالة عليه شرعا) الكاشفة عن التكليف مبني على أن تكون طرق الاستدلالات الشرعيّة منضبطة ، ومنحصرة في الكتاب ، والسنة ، والإجماع ، والعقل ، والاستصحاب ، ثمّ تبيّن عدم دلالة شيء منها على ثبوت التكليف.

(والثانية : أن يبين أنّه لو كان هذا الحكم ثابتا لدلّت عليه إحدى تلك الدلائل).

إذ لو لم يكن عليه دلالة أصلا ، لزم التكليف بما لا طريق للمكلّف إلى العلم به ، وهو تكليف بما لا يطاق ، والتكليف بما لا يطاق قبيح عقلا ، كما أنّ العقاب عليه عقاب بلا بيان ، فيكون قبيحا عقلا ، فلا بدّ من الالتزام ـ حينئذ ـ بعدم التكليف ، لئلّا يلزم شيء منهما ، ولو كانت عليه دلالة غير تلك الأدلّة ، لما كانت أدلّة الشرع منحصرة فيها ، والتالي باطل ، لكونه على خلاف المفروض ، إذ قد فرضنا وبيّنا انحصار الأحكام في تلك الطرق ، فالمقدّم وهو دلالة غير تلك الأدلّة باطل أيضا ، وحينئذ تكون الأدلّة منحصرة في الطرق المذكورة ، فإذا لم تدلّ واحدة منها على ثبوت حكم كان ذلك دليلا على نفي ذلك الحكم. هذا تمام

٣٨٠