دروس في الرسائل - ج ٢

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٠

ومنها : رواية جميل عن الصادق عن آبائه عليهم‌السلام : إنّه قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (الامور ثلاثة ، أمر بيّن لك رشده فخذه ، وأمر بيّن لك غيّه فاجتنبه ، وأمر اختلف فيه فردّه إلى الله عزوجل) (١).

ومنها : رواية جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام في وصيّته لأصحابه : (إذا اشتبه الأمر عليكم فقفوا عنده وردّوه إلينا حتى نشرح لكم من ذلك ما شرح الله لنا) (٢).

ومنها : رواية زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : (حقّ الله على العباد أن يقولوا ما يعلمون ويقفوا عند ما لا يعلمون) (٣).

وقوله عليه‌السلام في رواية المسمعي الواردة في اختلاف الحديثين : (وما لم تجدوا في شيء من هذه الوجوه فردّوا إلينا علمه فنحن أولى بذلك ، ولا تقولوا فيه بآرائكم. وعليكم الكفّ والتثبّت والوقوف ، وأنتم طالبون باحثون حتى يأتيكم البيان من عندنا) (٤) إلى غير ذلك ممّا ظاهره وجوب التوقّف.

____________________________________

عبد الله عليه‌السلام : (إنّه لا يسعكم) أي : لا حقّ لكم (فيما نزل بكم ممّا لا تعلمون ، إلّا الكفّ عنه والتثبّت والردّ إلى أئمّة الهدى عليهم‌السلام حتى يحملوكم فيه إلى القصد)).

أي : يهدوكم إلى التوسّط ، والعدل (ويجلوا عنكم فيه العمى ... إلى آخر الخبر).

أي : يكشفوا عنكم فيه العمى ، والمستفاد من هذه الرواية هو وجوب التوقّف عند عدم العلم بما هو الحق.

(ومنها : رواية جميل عن الصادق عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام : إنّه قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (الامور ثلاثة : أمر بيّن لك رشده فخذه ، وأمر بيّن لك غيّه فاجتنبه ، وأمر اختلف فيه فردّه إلى الله عزوجل)).

ومثال بيّن الرشد : كشرب الماء من البحر مثلا ، ومثال بيّن الغي : كشرب الخمر مثلا ، ومثال مورد الاختلاف : كشرب التتن مثلا ، ولازم وجوب ردّه إلى الله تعالى هو وجوب التوقّف وعدم الارتكاب في محتمل الحرمة. هذا تمام الكلام في شرح بعض جملات

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٨٦ / ٨٥٤. الخصال ١ : ١٥٣ / ١٨٩. الوسائل ٢٧ : ١٦٢ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٢٨.

(٢) أمالي الطوسي : ٢٣٢ / ٤١٠. الوسائل ٢٧ : ١٦٨ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٤٨.

(٣) الكافي ١ : ٤٣ / ٧. الوسائل ٢٧ : ٢٣ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٤ ، ح ٩.

(٤) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢١ / ٤٥. الوسائل ٢٧ : ١٦٥ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٣٦.

٣٢١

والجواب : إنّ بعض هذه الأخبار مختصّ بما إذا كان المضيّ في الشبهة اقتحاما في التهلكة ،

____________________________________

الروايات التي استدل بها على وجوب التوقّف عند الشبهة.

وقد اجيب عن الاستدلال المذكور بأجوبة مختلفة ، وقد تقدّم الاثنان منها بعنوان الإيراد على الاستدلال بهذه الأخبار على وجوب التوقّف.

والثالث : ما صرّح به المصنّف قدس‌سره بقوله :

(والجواب : إنّ بعض هذه الأخبار مختصّ بما إذا كان المضي في الشبهة اقتحاما في التهلكة).

وتوضيح هذا الجواب هو أنّ هذه الأخبار تنقسم إلى قسمين من جهة الدلالة :

قسم منها : ما يدل على وجوب التوقّف.

وقسم منها : ما لا يدل إلّا على الاستحباب.

فالقسم الثاني : مثل قوله عليه‌السلام : (أورع الناس من توقّف عند الشبهة) (١) ـ مثلا ـ خارج عن المقام ، وذلك لأنّ الأخباري يقول بوجوب التوقّف والاحتياط لا بالاستحباب.

وأمّا القسم الأوّل مثل المقبولة وموثّقة حمزة بن طيار وأمثالهما فإنّه وإن كان ظاهرا في الوجوب فيدلّ على وجوب التوقّف ، إلّا إنّه ـ أيضا ـ خارج عن المقام بأحد وجوه ، كما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(إنّ بعض هذه الأخبار مختصّ بما إذا كان المضيّ في الشبهة اقتحاما في التهلكة ولا يكون ذلك إلّا مع عدم معذوريّة الفاعل ... إلى آخره).

والوجوه هي :

الوجه الأوّل : أن يكون الوجوب المستفاد من بعض هذه الأخبار إرشاديا ، أي : إرشادا إلى ما حكم به العقل مع قطع النظر عن هذه الأخبار من الملازمة بين عدم التوقّف والهلكة بمعنى العقاب ، ومحل النزاع هو كون الأمر بالتوقّف مولويّا لا إرشاديا ، فيكون خارجا عن المقام ، كما سيأتي في الجواب الرابع.

والوجه الثاني : أن يكون بعض ما يدلّ على وجوب التوقّف مختصّا بالشبهات المقرونة

__________________

(١) الخصال ١ : ١٦ / ٥٦. الوسائل ٢٧ : ١٦٥ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٣٨.

٣٢٢

ولا يكون ذلك إلّا مع عدم معذوريّة الفاعل لأجل القدرة على إزالة الشبهة بالرجوع إلى الإمام عليه‌السلام ، أو إلى الطرق المنصوبة عنه. كما هو ظاهر المقبولة (١) ، وموثّقة (٢) حمزة بن طيّار ، ورواية جابر (٣) ، ورواية المسمعيّ (٤).

وبعضها وارد في مقام النهي عن ذلك ، لاتّكاله في الامور العمليّة على الاستنباطات العقليّة الظّنيّة.

____________________________________

بالعلم الإجمالي ، أو الشبهات البدويّة قبل الفحص التي لا يكون الفاعل فيها معذورا لتمكّنه من إزالة الشبهة بالرجوع إلى الإمام عليه‌السلام أو الدليل المنصوب من قبله ، ومن المعلوم هو خروج الشبهات قبل الفحص ـ كالشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي ـ عن محلّ النزاع ، وقد أشار اليه بقوله :

(ولا يكون إلّا مع عدم معذوريّة الفاعل لأجل القدرة على إزالة الشبهة بالرجوع إلى الإمام عليه‌السلام أو إلى الطرق المنصوبة عنه عليه‌السلام).

والوجه الثالث : ما أشار إليه بقوله :

(وبعضها وارد في مقام النهي عن ذلك ، لاتّكاله في الامور العمليّة على الاستنباطات العقلية الظنية).

فيكون في ذمّ من يعتمد في الاستنباط على القياس والاستحسان العقلي كعلماء العامّة ، ومن المعلوم هو عدم جواز الاعتماد على الاستحسان العقلي في استنباط الحكم الفرعي باتّفاق من الأخباري والاصولي معا ، فيكون خارجا عن محلّ النزاع.

وما يدلّ على ذمّ من يعمل بغير دليل معتبر شرعا قوله عليه‌السلام في مقام ذمّ الفرق : (لا يقتفون أثر نبي ، ولا يقتدون بعمل وصي يعملون في الشبهات ، ويسيرون في الشهوات ، المعروف منهم ما عرفوا ، المنكر عندهم ما انكروا ، مفرّهم في المعضلات إلى أنفسهم ، وتعويلهم في المبهمات على آرائهم ... إلى آخره) (٥) ، كما في شرح الاعتمادي.

__________________

(١) الكافي ١ : ٦٨ / ١٠. الفقيه ٣ : ٦ / ١٨. الوسائل ٢٧ : ١٥٧ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٩.

(٢) الكافي ١ : ٥٠ / ١٠.

(٣) أمالي الطوسي : ٢٣٢ / ٤١٠. الوسائل ٢٧ : ١٦٨ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٤٨.

(٤) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢١ / ٤٥. الوسائل ٢٧ : ١٦٥ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٣٦.

(٥) نهج البلاغة : خطبة ٨٨. الوسائل ٢٧ : ١٦٠ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٢٠.

٣٢٣

أو لكون المسألة من الاعتقاديّات ، كصفات الله سبحانه ورسوله والأئمة عليهم‌السلام ، كما يظهر من قوله عليه‌السلام في رواية زرارة :

(لو أنّ العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا) (١). والتوقّف في هذه المقامات واجب.

وبعضها ظاهر في الاستحباب ، مثل قوله عليه‌السلام : (أورع الناس من وقف عند الشبهة) (٢) ، وقوله عليه‌السلام : (لا ورع كالوقوف عند الشبهة) (٣) ، وقول أمير المؤمنين عليه‌السلام : (من ترك ما اشتبه عليه من الإثم فهو لما استبان له أترك. والمعاصي حمى الله ، فمن يرتع حولها يوشك أن يدخلها) (٤). وفي رواية نعمان بن بشير قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : (لكلّ ملك حمى ، وحمى الله حلاله وحرامه ، والمشتبهات بين ذلك. لو أنّ راعيا رعى إلى جانب الحمى لم يثبت غنمه أن يقع في وسطه ، فدعوا المشتبهات) (٥). وقوله عليه‌السلام : (من اتّقى المشتبهات فقد استبرأ لدينه) (٦).

____________________________________

والوجه الرابع : ما أشار إليه بقوله : (أو لكون المسألة من الاعتقاديّات ، كصفات الله سبحانه).

ومن المعلوم والضروري أن الامور الاعتقادية يجب أن تكون مستندة إلى العلم والبراهين العلميّة ، فإن لم تكن كذلك لكان المضيّ فيها اقتحاما في الهلكة ، كما يظهر من قوله عليه‌السلام في رواية زرارة : (لو أنّ العباد إذا جهلوا) بشيء من المعتقدات ، ولم يعرفوا طرف الحقّ (وقفوا ولم يجحدوا) ، ولم يعتقدوا (لم يكفروا).

والحاصل من جميع ما ذكر ، هو أن الوقوف في هذه المقامات المذكورة واجب عقلا وشرعا بالاتّفاق ، فيكون وجوب التوقّف في هذه الموارد خارجا عن المقام أصلا.

ثمّ إنّ القسم الثاني الذي يدلّ على استحباب الاحتياط لا يحتاج إلى الشرح ، إلّا

__________________

(١) الكافي ٢ : ٣٨٨ / ١٩. الوسائل ٢٧ : ١٥٨ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ١١.

(٢) الخصال ١ : ١٦ / ٥٦. الوسائل ٢٧ : ١٦٥ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٣٨.

(٣) نهج البلاغة : قصار الحكم ، حكمة ١١٣. الوسائل ٢٧ : ١٦١ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٢٣.

(٤) الفقيه ٤ : ٥٣ / ١٩٣. الوسائل ٢٧ : ١٧٥ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٦٨.

(٥) أمالي الطوسي : ٣٨١ / ٨١٨. الوسائل ٢٧ : ١٦٧ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٤٥.

(٦) الذكرى : ١٣٨. غوالي اللآلئ ١ : ٣٩٤ / ٤١. الوسائل ٢٧ : ١٧٣ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٦٤.

٣٢٤

وملخّص الجواب عن تلك الأخبار : إنّه لا ينبغي الشكّ في كون الأمر فيها للإرشاد ، من قبيل أوامر الأطباء المقصود منها عدم الوقوع في المضار ، إذ قد تبيّن فيها حكمة طلب التوقّف.

____________________________________

قوله عليه‌السلام : (من اتّقى المشتبهات فقد استبرأ لدينه) أي : فقد نزّه دينه عن ارتكاب الحرام ، إذا كان حرف الدال مكسورا ، أو فقد أبرأ ذمّته من المحرمات التي هي دين في الذمّة ، إذا كان مفتوحا.

ومن الواضح أن تنزيه الدين ، أو إبراء الذمّة عن الحرام غير المعلوم لا دليل على وجوبه ، كما في شرح الاعتمادي.

(وملخّص الجواب عن تلك الأخبار : إنّه لا ينبغي الشك في كون الأمر فيها للإرشاد ... إلى آخره).

هذا هو الجواب الرابع عن الاستدلال بأخبار التوقّف على وجوب التوقّف عند الشبهة ، وحاصل هذا الجواب الذي اختاره المصنّف قدس‌سره هو :

إنّ الطلب المستفاد من جميع أخبار التوقّف يحمل على الطلب الإرشادي المشترك بين الوجوب والندب ، بمعنى : إن ما يحتمل من الهلكة إن كان عقابا اخرويّا كان الاحتراز عنه واجبا عقلا وشرعا ، فيكون الأمر بالتوقّف للإرشاد الوجوبي ، وإن كان غيره ، لكان الاحتراز عنه مستحبّا ، فيكون الأمر الإرشادي للاستحباب ، وعلى التقديرين لا ينفع للأخباري ، فإنه يقول بالوجوب النفسي المولوي لا الإرشادي ، وكون الطلب في هذه الأخبار للقدر المشترك بين الوجوب والندب لا ينافي ما تقدّم في الجواب الثالث من دلالة بعض هذه الأخبار على الوجوب بالخصوص ، وبعضها على الاستحباب كذلك ، لأنّ الدلالة على الخصوصية المذكورة تكون بملاحظة اخرى ، وهي القرينة الخارجيّة ، وأمّا كون الأمر والطلب فيها للإرشاد فبملاحظة تعليل التوقّف بكونه خيرا من الاقتحام في الهلكة ، وظاهر هذا التعليل هو كون الهلكة مفروضة التحقّق مع قطع النظر عن هذه الأخبار ، وبذلك لا يمكن أن تكون الهلكة مترتّبة على نفس وجوب التوقّف المتأخّر عن احتمال الهلكة ، فلا يكون وجوب التوقّف مولويّا حتى يعاقب على مخالفته ، ويثاب على موافقته.

٣٢٥

ولا يترتّب على مخالفته عقاب ما يترتّب على ارتكاب الشبهة أحيانا من الهلاك المحتمل فيها. فالمطلوب في تلك الأخبار ترك التعرّض للهلاك المحتمل في ارتكاب الشبهة.

فإن كان ذلك الهلاك المحتمل من قبيل العقاب الاخروي ـ كما لو كان التكليف متحقّقا فعلا في موارد الشبهة ، نظير الشبهة المحصورة ونحوها ، أو كان المكلّف قادرا على الفحص ، أو إزالة الشبهة بالرجوع إلى الإمام عليه‌السلام أو الطرق المنصوبة ، أو كانت الشبهة من العقائد والغوامض التي لم يرد الشارع التديّن به بغير علم وبصيرة ، بل نهى عن ذلك بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (إنّ الله سكت عن أشياء ، لم يسكت عنها نسيانا ، فلا تتكلّفوها ، رحمة من الله لكم) (١) ـ فربّما يوقع تكلّف التديّن فيه بالاعتبارات العقليّة والشواذ النقليّة إلى العقاب ، بل إلى الخلود فيه إذا وقع التقصير في مقدّمات تحصيل المعرفة في تلك المسألة ، ففي هذه المقامات ونحوها يكون التوقّف لازما عقلا وشرعا من باب الإرشاد ، كأوامر الطبيب بترك المضار.

____________________________________

وأمّا كون الأمر فيها للقدر المشترك دون الوجوب ، فلأجل أن الشبهة في هذه الأخبار عامّة شاملة للشبهة الحكميّة والموضوعيّة ، وللشبهة الوجوبيّة والتحريميّة ، وكذلك الهلكة فيها عامّة شاملة للهلكة الدينيّة والدنيويّة بلا فرق في الدينيّة بين كونها عقابا ، أو غيره ، كما هو مبيّن في المتن.

ومن المعلوم هو عدم وجوب التوقّف والاجتناب عن ارتكاب الشبهة بالاتفاق فيما إذا كانت الشبهة وجوبيّة أو موضوعيّة ، فيلزم التخصيص بإخراج الشبهة الوجوبية والموضوعيّة عن هذه الأخبار لو كان المراد بالطلب هو الوجوب مع أنّها آبية عن التخصيص ، كما لا يخفى ، فلا بدّ من أن يكون الطلب فيها للقدر المشترك بين الوجوب والندب.

والخلاصة هو أن الأمر فيها يكون للطلب الإرشادي المشترك بين الوجوب والندب ، (ولا يترتّب على مخالفته عقاب ما يترتّب على ارتكاب الشبهة أحيانا من الهلاك المحتمل فيها) فيما إذا صادفت الحرمة الواقعيّة.

ثمّ إن كان ذلك الهلاك المحتمل من قبيل العقاب الاخروي ، كان التوقّف واجبا عقلا

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٥٣ / ١٩٣ ، ورد الحديث فيه عن الإمام علي عليه‌السلام. الوسائل ٢٧ : ١٧٥ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٦٨.

٣٢٦

وإن كان الهلاك المحتمل مفسدة اخرى غير العقاب ، سواء كانت دينيّة كصيرورة المكلّف بارتكاب الشبهة أقرب إلى ارتكاب المعصية ، كما دلّ عليه غير واحد من الأخبار المتقدّمة ، أم دنيويّة كالاحتراز عن أموال الظلمة ، فمجرّد احتماله لا يوجب العقاب على فعله لو فرض حرمته واقعا ، والمفروض أنّ الأمر بالتوقّف في هذه الشبهة لا يفيد استحقاق العقاب على مخالفته ، لأنّ المفروض كونه للإرشاد ، فيكون المقصود منه التخويف عن لحوق غير العقاب من المضارّ المحتملة. فاجتناب هذه الشبهة لا يصير واجبا شرعيّا بمعنى ترتّب العقاب على ارتكابه.

وما نحن فيه ـ وهي الشبهة الحكميّة التحريميّة ـ من هذا القبيل ، لأنّ الهلكة المحتملة فيها لا تكون هي المؤاخذة الاخرويّة باتفاق الأخباريّين ، لاعترافهم بقبح المؤاخذة على مجرّد مخالفة الحرمة الواقعيّة المجهولة وإن زعموا ثبوت العقاب من جهة بيان التكليف في الشبهة بأوامر التوقّف والاحتياط ، فإذا لم يكن المحتمل فيها هو العقاب الاخرويّ كان حالها حال الشبهة الموضوعيّة ، كأموال الظلمة والشبهة الوجوبيّة ، في أنّه لا يحتمل فيها إلّا غير العقاب من المضار ، والمفروض كون الأمر بالتوقّف فيها للإرشاد والتخويف عن تلك المضرّة المحتملة.

وبالجملة ، فمفاد هذه الأخبار بأسرها التحذير عن الهلكة المحتملة ، فلا بدّ من إحراز احتمال الهلكة ، عقابا كانت أو غيره.

وعلى تقدير إحراز هذا الاحتمال لا إشكال ولا خلاف في وجوب التحرّز عنه إذا كان

____________________________________

وشرعا من باب الإرشاد ، كأوامر الطبيب بترك المضار ، وإن كان الهلاك المحتمل مفسدة اخرى غير العقاب ، لكان التوقّف والاجتناب عن الشبهة مستحبا شرعا ، والمقام من هذا القبيل وذلك لأنّ الهلكة المحتملة فيها لا تكون فيها المؤاخذة الاخروية باتفاق الأخباريين ، وذلك لاعترافهم بقبح المؤاخذة على مجرد مخالفة الحرمة الواقعيّة المجهولة وبأن الأمر فيها للإرشاد.

والحاصل أنّ التوقف لو كان واجبا لكان وجوبه إرشاديا ، فلا ينفع للأخباري كما تقدّم تفصيله. هذا ملخّص الجواب الرابع ، وتفصيله موجود في المتن بوضوح فلا يحتاج إلى مزيد التوضيح فراجع.

٣٢٧

المحتمل عقابا ، واستحبابه إذا كان غيره ، فهذه الأخبار لا تنفع في إحداث هذا الاحتمال ولا في حكمه.

فإن قلت : إنّ المستفاد منها احتمال التهلكة في كلّ محتمل التكليف ، والمتبادر من الهلكة في الأحكام الشرعيّة الدينيّة هي الاخرويّة ، فتكشف هذه الأخبار عن عدم سقوط عقاب التكاليف المجهولة لأجل الجهل ، ولازم ذلك إيجاب الشارع الاحتياط ، إذ الاقتصار في العقاب على نفس التكاليف المختفية من دون تكليف ظاهري بالاحتياط قبيح.

____________________________________

(فهذه الأخبار لا تنفع في إحداث هذا الاحتمال ولا في حكمه).

أي : أخبار التوقّف لا تنفع في إحداث احتمال العقاب ، ولا في حكمه وهو وجوب التوقّف ، وأمّا عدم نفعها في إحداث احتمال العقاب ؛ فلأنّ احتمال العقاب يكون موضوعا لوجوب التوقّف ، وهذه الأخبار لا تدلّ إلّا على ثبوت الحكم ، فلا بدّ أن يكون الموضوع متحقّقا قبل ثبوت الحكم ، لتوقّف الحكم على الموضوع ، فلو كان تحقّق الموضوع بهذه الأخبار لزم الدور ، كما لا يخفى.

وأمّا عدم نفعها بإحداث الحكم ؛ فلأنّ الحكم ثابت بعد ثبوت الموضوع عقلا ولا يحتاج ثبوته إلى هذه الأخبار ، وبذلك لا تبقى فائدة لهذه الأخبار سوى التأكيد.

(فإن قلت : إنّ المستفاد منها احتمال التهلكة في كلّ محتمل التكليف ، والمتبادر من الهلكة في الأحكام الشرعيّة الدينيّة هي الاخرويّة ، فتكشف هذه الأخبار عن عدم سقوط عقاب التكاليف المجهولة لأجل الجهل ، ولازم ذلك إيجاب الشارع الاحتياط ، إذ الاقتصار في العقاب على نفس التكاليف المختفية من دون تكليف ظاهري بالاحتياط قبيح).

وحاصل الإشكال يرجع إلى ما ذكر أخيرا من عدم نفع هذه الأخبار في إحداث احتمال العقاب ولا في الحكم بوجوب التوقّف ولا في وجوب التوقّف والاحتياط بالوجوب النفسي المولوي ، فيكون مفاد الإشكال هو إمكان إحداث الاحتمال والحكم ، حتى وجوب التوقّف والاحتياط بالوجوب النفسي المولوي من نفس هذه الأخبار ، من دون محذور أصلا ، وذلك لأنّ المستفاد من هذه الأخبار هو وجوب التوقّف إرشادا إلى النجاة من التهلكة المحتملة ، والمتبادر منها في لسان الشارع هو العقاب الاخروي ، وذلك لأنّ العمدة في نظر الشارع هو صرف الناس عن الوقوع في العقاب الاخروي.

٣٢٨

____________________________________

ومن المعلوم أنّ احتمال العقاب الاخروي يكشف على نحو كشف اللازم المساوي عن وجود الملزوم ، وهو وجوب الاحتياط في مرحلة الظاهر بعد ضمّ حكم العقل بقبح العقاب من دون بيان وحكم الشرع برفع المؤاخذة عمّا لم يبيّنه الشارع أصلا لا واقعا ولا ظاهرا ، فلا بدّ من الالتزام ـ حينئذ ـ بوجوب الاحتياط في محتمل الحرمة شرعا في الظاهر ، وذلك لعدم صلاحيّة كون الطلب المستفاد من هذه الأخبار من جهة كونه إرشاديّا مترتّبا على احتمال العقاب بيانا للواقع ، بل الطلب المستكشف بالأخبار المذكورة الذي يتعلّق بمحتمل الحرمة يكون بيانا للواقع على تقدير ثبوته في نفس الأمر.

فهذه الأخبار تدل بالمطابقة على وجوب التوقّف إرشادا إلى النجاة من العقاب المحتمل ، فتكون موجبة لإحداث الحكم ، وبالتضمّن على ثبوت احتمال العقاب في كل شبهة ، وهذا هو الموضوع ، فتكون موجبة لإحداث الاحتمال أيضا ، وبالالتزام على إيجاب الشارع الاحتياط في كل شبهة ، حيث اكتفى الشارع عن بيان الملزوم وهو وجوب الاحتياط في مرحلة الظاهر ببيان لازمه وهو احتمال العقاب في كل شبهة ، وهذا هو المطلوب عند الأخباري من هذه الأخبار.

وبعبارة اخرى : إنّ مفاد هذه الأخبار بمقتضى كون لفظ (الخير) فيها للتعيين لا للتفصيل ، هو وجوب التوقّف في مورد احتمال التهلكة الظاهرة في العقاب الاخروي ، وهذا الاحتمال موجود في كل شبهة ، حتى في الشبهة البدوية ، ومن هنا يكشف عدم سقوط العقاب في الشبهة البدوية.

ثمّ إنّ عدم سقوط العقاب في الشبهة البدوية لمّا كان مخالفا لما حكم به العقل من قبح العقاب من غير بيان ، فلا بدّ من الالتزام بأنّ الشارع قد أوجب الاحتياط في الشبهة البدوية ولم يقتصر في العقاب على التكليف المختفي حتى يلزم القبح العقلي.

والحاصل أنّ الأمر بالتوقّف يكون بيانا للواقع بجعل الحكم الظاهري فيكون مانعا عن جريان قبح العقاب من دون بيان ، وبذلك يكون استدلال الأخباريين على وجوب الاحتياط بهذه الأخبار صحيحا.

وهذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب قوله قدس‌سره : فإن قلت.

٣٢٩

قلت : إيجاب الاحتياط إن كان مقدّمة للتحرّز عن العقاب الواقعي فهو مستلزم لترتّب العقاب على التكليف المجهول وهو قبيح ، كما اعترفت ، وإن كان حكما ظاهريّا نفسيّا فالهلكة الاخرويّة مترتّبة على مخالفته لا مخالفة الواقع ، وصريح الأخبار إرادة الهلكة الموجودة في الواقع على تقدير الحرمة الواقعيّة.

هذا كلّه ، مضافا إلى دوران الأمر في هذه الأخبار بين حملها على ما ذكرنا ، وبين ارتكاب التخصيص فيها بإخراج الشبهة الوجوبيّة والموضوعيّة.

____________________________________

(قلت : إيجاب الاحتياط إن كان مقدمة للتحرّز عن العقاب الواقعي فهو مستلزم لترتّب العقاب على التكليف المجهول وهو قبيح ، كما اعترفت ، وإن كان حكما ظاهريّا نفسيّا ، فالهلكة الاخرويّة مترتّبة على مخالفته لا على مخالفة الواقع ... إلى آخره).

والحق في الجواب هو منع الاستظهار المذكور لكونه منافيا للمورد حيث لا يحتمل فيه العقاب في بعض الأخبار المذكورة ، لكون الشبهة فيه موضوعيّة ، كما في مسألة النكاح مع إبائها عن التخصيص كما لا يخفى.

وأمّا ما أجاب به المصنّف قدس‌سره في المتن ، فحاصله أنّ إيجاب الاحتياط لا يخلو عن أحد احتمالين :

أحدهما : ما أشار إليه بقوله : (إن كان مقدمة للتحرّز ... إلى آخره).

أي : إنّ إيجاب الاحتياط إن كان مقدمة وإرشادا للتحرّز عن العقاب الواقعي ، فهو مبنيّ على ثبوت العقاب على التكليف المجهول وهو باطل ، لأنّ العقل حاكم بقبح العقاب على على التكليف المجهول ، كما اعترف به نفس المستشكل في قوله المتقدّم حيث قال : (إذ الاقتصار في العقاب على نفس التكاليف المختفية من دون تكليف ظاهري بالاحتياط قبيح).

وثانيهما : ما أشار إليه بقوله : (وإن كان حكما ظاهريا) نفسيّا ، فالهلكة الاخروية مترتّبة على مخالفته ، لا على مخالفة الواقع ، وهو ـ أيضا ـ باطل ، لأنّه مخالف لما هو صريح الأخبار المذكورة من أنّ العقاب إنّما هو على مخالفة الواقع ، لا على مخالفة الاحتياط.

قوله : (هذا كلّه ، مضافا إلى دوران الأمر في هذه الأخبار بين حملها على ما ذكرنا ، وبين ارتكاب التخصيص فيها ... إلى آخره).

هذا إشارة إلى جواب خامس عن أخبار التوقّف ، وحاصل هذا الجواب هو أنّ دوران

٣٣٠

وما ذكرنا أولى ، وحينئذ فخيريّة الوقوف عند الشبهة من الاقتحام في الهلكة أعمّ من الرجحان المانع من النقيض ومن غير المانع منه. فهي قضيّة تستعمل في المقامين ، وقد استعملها الأئمّة عليهم‌السلام كذلك.

فمن موارد استعمالها في مقام لزوم التوقّف :

____________________________________

الأمر في هذه الأخبار منحصر في أحد أمرين :

أحدهما : ما ذكره المصنّف قدس‌سره في الجواب الرابع من حملها على الطلب الإرشادي المشترك بين الوجوب والندب.

وثانيهما : هو حمل هذه الأخبار على وجوب التوقّف والاحتياط كما تقدّم في الإشكال بعنوان : إن قلت.

ثمّ ان ما ذكره المصنّف قدس‌سره في الجواب الرابع من حمل هذه الأخبار على الإرشاد المشترك أولى من حملها على وجوب التوقّف كما تقدّم في (إن قلت) ، كما أشار إليه بقوله : (وما ذكرنا أولى) ، لأنّ حملها على الإرشاد المشترك لم يكن مستلزما للتخصيص ولا موجبا لخروج المورد ، وهذا بخلاف حملها على وجوب التوقّف حيث يكون مستلزما للتخصيص الأكثر وموجبا لإخراج المورد.

وأمّا الأوّل : فبإخراج الشبهات الموضوعيّة والحكميّة الوجوبيّة عنها ، إذ لا يجب الاحتياط فيهما بالاتفاق ، فيلزم ـ حينئذ ـ ما ذكر من التخصيص الأكثر في هذه الأخبار.

وأمّا الثاني : فلأنّ مورد بعضها هو الشبهة الموضوعيّة التي لا يجب فيها الاحتياط والتوقّف ، وذلك مثل مسألة النكاح في موثّقة سعد بن زياد وغيرها.

والحاصل أنّ حملها على وجوب التوقّف موجب للتخصيص ، مع أنّ الأخبار المذكورة آبية عن التخصيص كما لا يخفى ، فالحقّ ما ذكره المصنّف قدس‌سره من أن يكون الطلب المستفاد من هذه الأخبار للإرشاد المشترك بين الوجوب والندب.

(وحينئذ فخيريّة الوقوف عند الشبهة من الاقتحام في الهلكة أعمّ من الرجحان المانع من النقيض ومن غير المانع منه) والرجحان المانع من النقيض هو الوجوب ، وغير المانع منه هو الندب (فهي) الوقوف عند الشبهة ، خير من الاقتحام في الهلكة(قضيّة تستعمل في المقامين) أي : في الوجوب والندب.

٣٣١

مقبولة (١) عمر بن حنظلة التي جعلت هذه القضيّة فيها علّة لوجوب التوقّف في الخبرين المتعارضين عند فقد المرجّح.

وصحيحة جميل (٢) المتقدّمة التي جعلت القضيّة فيها تمهيدا لوجوب طرح ما خالف كتاب الله.

ومن موارد استعمالها في غير اللازم :

رواية الزهري (٣) المتقدّمة التي جعلت القضيّة فيها تمهيدا لترك رواية الخبر الغير المعلوم صدوره أو دلالته ، فإنّ من المعلوم رجحان ذلك لا لزومه.

وموثّقة سعد بن زياد المتقدّمة التى فيها قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : (لا تجامعوا في النكاح على الشبهة وقفوا عند الشبهة) ، فإنّ مولانا الصادق عليه‌السلام فسّره في تلك الموثّقة بقوله عليه‌السلام : (إذا بلغك أنّك قد رضعت عن لبنها أو أنّها لك محرم ، وما أشبه ذلك ، فإنّ الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة) (٤) الخبر.

ومن المعلوم أنّ الاحتراز عن نكاح ما في الرواية من النّسوة المشتبهة غير لازم باتّفاق الأخباريّين ، لكونها شبهة موضوعيّة ، ولأصالة عدم تحقّق مانع النكاح.

وقد يجاب عن أخبار التوقّف بوجوه غير خالية عن النظر :

____________________________________

وقد تقدّم مورد استعمالها في الوجوب في المقبولة وصحيحة جميل فراجع ، ومورد استعمالها في الندب في موثّقة سعد بن زياد ، لأنّ الشبهة فيها موضوعيّة لا يجب فيها التوقّف والاحتياط بالاتّفاق ، والتفصيل موجود في الكتاب.

(ولأصالة عدم تحقّق مانع النكاح).

وهي أصل موضوعي حاكم على أصالة الفساد ، وذلك لأنّ الحكم بالفساد يترتّب على وجود المانع ، فإذا رفع المانع بالأصل لا يبقى موضوع للحكم بالفساد ، كما لا يخفى.

__________________

(١) الكافي ١ : ٦٨ / ١٠. الفقيه ٣ : ٦ / ١٨. التهذيب ٦ : ٣٠٣ / ٨٤٥. الوسائل ٢٧ : ١٥٧ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٩.

(٢) الوسائل ٢٧ : ١١٩ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ٣٥.

(٣) المحاسن ١ : ٣٤٠ / ٦٩٩. الوسائل ٢٧ : ١٥٥ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٢.

(٤) التهذيب ٧ : ٤٧٤ / ١٩٠٤. الوسائل ٢٠ : ٢٥٩ ، أبواب مقدمات النكاح وآدابه ، ب ١٥٧ ، ح ٢.

٣٣٢

منها : إنّ ظاهر أخبار التوقّف حرمة الحكم والفتوى من غير علم ، ونحن نقول بمقتضاها ، ولكن ندّعي علمنا بالحكم الظاهري ، وهي الإباحة لأدلّة البراءة.

وفيه : إنّ المراد بالتوقّف ـ كما يشهد سياق تلك الأخبار وموارد أكثرها ـ هو التوقّف في العمل في مقابل المضي فيه على حسب الإرادة الذي هو الاقتحام في الهلكة ، لا التوقّف في الحكم.

نعم ، قد يشمله من حيث كون الحكم عملا مشتبها ، لا من حيث كونه حكما في شبهة ،

____________________________________

(وقد يجاب عن أخبار التوقّف بوجوه غير خالية عن النظر :

منها : إنّ ظاهر أخبار التوقّف حرمة الحكم والفتوى من غير علم ، ونحن نقول بمقتضاها ، ولكن ندّعي علمنا بالحكم الظاهري ، وهي الإباحة لأدلّة البراءة).

وخلاصة هذا الجواب السادس هو حرمة الفتوى ، وذلك لأنّها تكون من القول بغير علم بالنسبة إلى مطلق الحكم واقعيّا كان أو ظاهريّا ، وحرمة القول بغير علم معلومة ، إلّا إنّها لا تعارض ولا تنافي أدلّة البراءة ، وذلك لأنّها تفيد العلم بالإباحة الظاهريّة.

وبعبارة اخرى : إنّ أخبار التوقّف تدل على وجوب التوقّف من حيث الحكم والفتوى ، ومقتضى أدلة البراءة هي الإباحة في مقام العمل.

ومن المعلوم عدم التنافي بين كون الشيء مباحا في مقام العمل وبين حرمة الفتوى على كونه مباحا بحسب القول من جهة كون القول بالإباحة قولا بغير علم.

(وفيه : إنّ المراد بالتوقّف ـ كما يشهد سياق تلك الأخبار وموارد أكثرها ـ هو التوقّف في العمل ... إلى آخره).

وملخّص الإشكال على هذا الجواب السادس ، هو أنّ المراد بالتوقّف في أخبار التوقّف هو التوقف في مقام العمل ، لا التوقّف في الحكم والفتوى ، فمفادها هو التوقّف في مقابل المضي وارتكاب الشبهة ، حيث يكون المضي محرّما ، لكونه اقتحاما في الهلكة ، فتكون ـ حينئذ ـ أخبار التوقّف بيانا لحرمة المضي وارتكاب الشبهة ، ورافعة لموضوع أدلّة البراءة ، وهو عدم البيان.

والحاصل أنّ أخبار التوقّف واردة على أدلّة البراءة ، لارتفاع موضوعها بها.

(نعم ، قد يشمله من حيث كون الحكم عملا مشتبها ، لا من حيث كونه حكما في شبهة).

٣٣٣

فوجوب التوقف عبارة عن ترك العمل المشتبه الحكم.

ومنها : إنّها ضعيفة السند.

ومنها : إنّها في مقام المنع عن العمل بالقياس وأنّه يجب التوقّف عن القول إذا لم يكن هنا نصّ من أهل بيت الوحي عليهم‌السلام.

وفي كلا الجوابين ما لا يخفى على من راجع تلك الأخبار.

____________________________________

هذا الكلام من المصنّف قدس‌سره استدراك عمّا ذكره بقوله : إن المراد بالتوقّف هو التوقّف في العمل ، وظاهره عدم شموله للتوقّف في الحكم ، فيقول : (قد يشمله) أي : يشمل التوقّف في العمل التوقّف في الحكم ـ أيضا ـ من حيث كون الحكم عملا مشتبها لا من حيث كونه حكما في شبهة ، وذلك لأنّ الحكم بالمعنى المصدري يكون من مصاديق العمل ، فينطبق على الحكم بإباحة ما هو مشتبه الحكم كشرب التتن مثلا ، وهذا فيه عنوانان :

أحدهما : هو حكم في عمل مشتبه ، أي : الحكم بالإباحة في شرب المشتبه من حيث الحكم.

وثانيهما : هو عمل مشتبه لاحتمال كون الحكم بالإباحة من حيث كونه عملا محرّما بأخبار التوقّف عملا ، فتشمله أخبار التوقّف ، لكونه من مصاديق العمل ، وإن كانت لا تشمله من حيث كونه حكما في شبهة.

وبالجملة إنّه لو تمّت دلالة هذه الأخبار على وجوب التوقّف في مقام العمل لثبتت حرمة الحكم بالإباحة لكونه من مصاديق العمل المحرّم ، فتكون واردة على أدلة البراءة كما تقدّم.

والجواب السابع : ما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(ومنها : إنّها ضعيفة السند) وهذا الجواب يتمّ على فرض كون أخبار التوقّف ضعيفة السند ، وإلّا فلا.

والجواب الثامن : ما أشار إليه بقوله : (ومنها : إنّها في مقام المنع عن العمل بالقياس ، وأنّه يجب التوقّف عن القول إذا لم يكن هناك نصّ من أهل بيت الوحي عليهم‌السلام).

ومن المعلوم أنّ الحكم بإباحة ما شكّ في حرمته قد ورد فيه نصّ عن أهل البيت عليهم‌السلام

٣٣٤

ومنها : إنّها معارضة بأخبار البراءة ، وهي أقوى سندا ودلالة واعتضادا بالكتاب والسنّة والعقل ، وغاية الأمر التكافؤ ، فيرجع إلى ما تعارض فيه النصّان ، والمختار فيه التخيير ، فيرجع إلى أصل البراءة.

وفيه : إنّ مقتضى أكثر أدلّة البراءة المتقدّمة ـ وهي جميع آيات الكتاب والعقل وأكثر السنّة وبعض تقريرات الإجماع ـ عدم استحقاق العقاب على مخالفة الحكم الذي لم يعلمه المكلّف.

____________________________________

فلا يكون مشمولا لتلك الأخبار(وفي كلا الجوابين ما لا يخفى على من راجع تلك الأخبار).

وأمّا ضعف الجواب الأوّل ، فلمنع كون الأخبار المذكورة كلّها ضعيفة سندا ، بل فيها الصحيح والموثّق أيضا ، هذا مع إمكان دعوى تواترها إجمالا ، فلا يضرّ ضعف السند.

وأمّا ضعف الجواب الثاني ، فلمنع كون جميعها واردة في المنع عن العمل بالقياس ، نعم ، بعضها وارد في المنع عن ذلك.

(ومنها : إنّها معارضة بأخبار البراءة ، وهي أقوى سندا ودلالة واعتضادا بالكتاب والسنة والعقل).

إذ قد تقدّم تقريب دلالة عدّة من الآيات والروايات على البراءة ، وتقدّم ـ أيضا ـ حكم العقل بقبح العقاب من غير بيان ، فيكون ـ حينئذ ـ اعتضاد أخبار البراءة بالأدلّة الثلاثة من المسلّمات ، وعلى فرض التكافؤ بينهما كما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله : (وغاية الأمر التكافؤ فيرجع فيها إلى ما تعارض فيه النصّان ، والمختار فيه التخيير ، فيرجع إلى أصل البراءة).

وملخّص هذا الجواب التاسع عن أخبار التوقّف أنّها معارضة بأخبار البراءة ، بل أنّ الترجيح مع أخبار البراءة لكونها أقوى سندا ودلالة واعتضادا ، وعلى فرض التكافؤ وعدم الترجيح المذكور فيرجع في مسألة تعارضهما إلى قاعدة تعارض النصّين ، ومقتضى القاعدة في تعارض النصّين على فرض عدم الترجيح هو التخيير بين الأخذ بأحدهما ، فيرجع في المقام إلى أصل البراءة باختيار ما دلّ على البراءة.

(وفيه : إنّ مقتضى أكثر أدلة البراءة المتقدّمة ـ وهي جميع آيات الكتاب والعقل وأكثر السنّة ، وبعض تقريرات ... إلى آخره) كالتقرير الأوّل وهو الإجماع الفرضي (عدم

٣٣٥

ومن المعلوم أنّ هذا من مستقلّات العقل الذي لا تدلّ أخبار التوقّف ولا غيرها من الأدلّة النقليّة على خلافه. وإنّما تثبت أخبار التوقّف بعد الاعتراف بتماميّتها على ما هو المفروض تكليفا ظاهريّا بوجوب الكفّ وترك المضي عند الشبهة ، والأدلّة المذكورة لا تنفي هذا المطلب. فتلك الأدلّة بالنسبة إلى هذه الأخبار من قبيل الأصل بالنسبة إلى الدليل ، فلا معنى لأخذ الترجيح بينهما ، وما يبقى من السنّة من قبيل قوله عليه‌السلام : (كلّ شيء مطلق) (١) لا يكافئ أخبار التوقّف ، لكونها أكثر وأصحّ سندا. وأمّا قوّة الدلالة في أخبار البراءة فلم تعلم. وظهر أنّ الكتاب والعقل لا ينافيان وجوب التوقّف.

____________________________________

استحقاق العقاب على مخالفة الحكم الذي لا يعلمه المكلّف).

وحاصل الجواب هو أنّ أكثر أدلّة البراءة يدلّ على البراءة ، وعدم استحقاق العقاب على مخالفة ما لم يعلمه المكلّف من الحكم ، ولم يوجد فيه بيان من الشارع أصلا ، أي : لا خاصّا ولا عامّا.

ومن المعلوم أن أدلّة التوقّف بيان للحكم الظاهري في مورد الشبهة ، فتكون واردة على أدلّة البراءة ، لكونها رافعة لموضوعها الذي هو عدم البيان ، وبذلك لا يبقى تعارض بينهما حتى يرجع إلى قاعدة التعارض من الترجيح أو التخيير ، إذ لا تعارض بين الدليل الوارد والدليل المورود كما هو واضح.

(وما يبقى من السنّة من قبيل قوله عليه‌السلام : (كل شيء مطلق)).

حيث لم يكن ما دلّ على وجوب التوقّف والاحتياط واردا ، بل يقع التعارض بينهما ، حيث يدل قوله عليه‌السلام : (كل شيء مطلق) على البراءة بالصراحة ، وعلى نفي وجوب الاحتياط بالالتزام ، إلّا إنّه خبر واحد لا يكون مكافئا لما دلّ على وجوب التوقّف والاحتياط ، لكون ما دلّ على وجوب الاحتياط أكثر عددا وأصحّ سندا.

(وأمّا قوة الدلالة في أخبار البراءة فلم تعلم ... إلى آخره).

أي : إنّ قوة الدلالة في أخبار البراءة غير معلومة ، بل الأمر بالعكس. وأمّا اعتضادها بالكتاب والعقل وإن كان مسلّما ، إلّا إنّ ظاهر الكتاب والعقل لا ينافي وجوب التوقّف بعد

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٠٨ / ٩٣٧. الوسائل ٢٧ : ١٧٤ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٦٧.

٣٣٦

وأمّا ما ذكره من الرجوع إلى التخيير مع التكافؤ فيمكن للخصم منع التكافؤ ، لأنّ أخبار الاحتياط مخالفة للعامّة ، لاتّفاقهم ـ كما قيل ـ على البراءة ومنع التخيير على تقدير التكافؤ ، لأنّ الحكم في تعارض النصّين الاحتياط مع أنّ التخيير لا يضرّه ، لأنّه يختار أدلّة وجوب الاحتراز عن الشبهات.

ومنها : إنّ أخبار البراءة أخصّ ، لاختصاصها بمجهول الحليّة والحرمة ، وأخبار التوقّف تشمل كلّ شبهة فتخصّص بأخبار البراءة.

وفيه : ما تقدّم ، من أنّ أكثر أدلّة البراءة بالإضافة إلى هذه الأخبار من قبيل الأصل والدليل.

____________________________________

وجود الدليل على وجوبه ، فيكون بيانا رافعا لموضوع البراءة كما تقدّم.

(وأمّا ما ذكره من الرجوع إلى التخيير مع التكافؤ) فمردود من وجوه :

أولا : لمنع التكافؤ ، لرجحان أخبار التوقّف على أخبار البراءة ، وذلك لكونها مخالفة للعامة ، وأخبار البراءة موافقة لهم ، لاتّفاقهم على البراءة والمخالفة للعامّة تكون من المرجّحات.

وثانيا : لمنع التخيير على فرض التكافؤ ، لأنّ الحكم في باب التعارض عند بعض هو الأخذ بما وافق الاحتياط ، والاحتياط موافق لأخبار التوقّف.

ثالثا : فلأنّ التخيير لا يضرّ الخصم ، لأنّه يختار أدلّة وجوب التوقّف ، فيجب الاجتناب والاحتراز عن الشبهات.

(ومنها : إنّ أخبار البراءة أخصّ ، لاختصاصها بمجهول الحليّة والحرمة ، وأخبار التوقّف تشمل كل شبهة فتخصّص بأخبار البراءة).

وحاصل هذا الجواب العاشر هو أنّ أخبار البراءة أخصّ من أخبار التوقّف وذلك لاختصاص الأوّل بالشبهة الحكميّة التحريميّة ، والثاني يشمل كل شبهة تحريميّة كانت ، أو وجوبيّة حكميّة كانت ، أو موضوعيّة اعتقاديّة كانت ، أو غيرها. ومقتضى القاعدة في العام والخاص هو تخصيص العام بالخاص ، فحينئذ تخصّص أخبار التوقّف بأخبار البراءة بإخراج الشبهة التحريميّة الحكميّة منها ، فيعمل بأخبار التوقّف في غير الشبهة التحريميّة.

(وفيه : ما تقدّم من أنّ أكثر أدلّة البراءة بالإضافة إلى هذه الأخبار من قبيل الأصل

٣٣٧

وما يبقى فإنّ كان ظاهره الاختصاص بالشبهة الحكميّة التحريميّة ، مثل قوله عليه‌السلام : (كلّ شيء مطلق حتى يرد فيه نهي) (١) ، فيوجد في أدلّة التوقّف ما لا يكون أعمّ منه ، فإنّ ما ورد فيه نهي معارض بما دلّ على الإباحة غير داخل في هذا الخبر وتشمله أخبار التوقّف ،

____________________________________

والدليل).

أي : أن أكثر أدلّة البراءة تكون من قبيل الأصل ، حيث يكون موضوعها على ما تقدّم عدم البيان ، وأخبار التوقّف تكون من قبيل الدليل ، حيث تكون رافعة لموضوع أدلّة البراءة ، كما يرفع الدليل موضوع الأصل ، وذلك لأنّ أخبار التوقّف تكون بيانا لحكم الشبهة فتكون واردة على أدلة البراءة.

وبهذا البيان لا يكون هناك تعارض بينهما حتى يلاحظ العموم والخصوص ، وعلى فرض التعارض بينهما لا يجوز تخصيص أخبار التوقّف بأخبار البراءة ، لأنّ التخصيص مستلزم لبقاء أخبار التوقّف بلا مورد ، وذلك لخروج الشبهات الوجوبيّة والموضوعيّة عنها باتّفاق من الأخباريين ، وذلك لعدم وجوب التوقّف والاحتياط فيهما ، فلو خرجت الشبهة الحكميّة التحريميّة عنها بالتخصيص لبقيت بلا مورد ، هذا مع أنّ اختصاص أخبار البراءة كلّها بالشبهة التحريميّة محلّ للنظر ، لأنّ بعضها كحديث الرفع ، وحديث السعة يشمل الشبهة الوجوبيّة أيضا.

(وما يبقى) أي : وما يبقى من أخبار البراءة معارضا لأخبار التوقّف ، ولم تكن أخبار التوقّف واردة عليه (مثل قوله عليه‌السلام : (كلّ شيء مطلق حتى يرد فيه نهي)).

(فإن كان ظاهره الاختصاص بالشبهة الحكميّة التحريميّة ، مثل قوله عليه‌السلام : (كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي) فيوجد في أدلّة التوقّف ما لا يكون أعمّ منه).

أي : ما لا يكون أعمّ منه حكما لا نسبة ، لأنّ أخبار التوقّف كلّها أعمّ من قوله : (كل شيء مطلق ... إلى آخره) بحسب النسبة المنطقية ، فلا بدّ من أن يكون المراد من نفي الأعميّة بحسب الحكم ، بمعنى : إنه لا يجري فيها حكم العام المخصّص بهذه المرسلة ، وذلك لأنّ النسبة بين قوله عليه‌السلام : (كل شيء مطلق ... إلى آخره) وأخبار التوقّف ، وإن كانت هي العموم

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٠٨ / ٩٣٧. الوسائل ٢٧ : ١٧٤ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٦٧.

٣٣٨

فإذا وجب التوقّف هنا وجب فيما لا نصّ فيه بالإجماع المركّب ، فتأمّل.

مع أنّ جميع موارد الشبهة التي امر فيها بالتوقّف لا تخلو عن أن يكون شيئا محتمل

____________________________________

والخصوص ، لشمول أخبار التوقّف تعارض النصّين بحيث دلّ أحدهما على الإباحة ، والآخر على الحظر ، وعدم شمول الخبر المذكور له لورود النهي فيه ، ولكن بعد ضمّ الإجماع المركّب ، وعدم القول بالفصل بين ما لا نصّ فيه ، الذي يكون مادة الاجتماع بينهما ، وبين تعارض النصّين الذي يكون مادة الافتراق من جانب أخبار التوقّف ، وبوحدة الحكم في المادتين بالإجماع المركّب تنقلب النسبة حكما إلى التباين ، إذ بمقتضى وحدة الحكم في مادة الاجتماع والافتراق بالإجماع المركّب ، لو كان التوقّف واجبا لكان واجبا فيهما معا ، ولا بدّ ـ حينئذ ـ من أن يعامل معهما معاملة المتباينين ، لا معاملة العام والخاص ، فيكون نظير قول المولى لعبده : أكرم العلماء ولا تكرم الشعراء منهم ، وقد ثبت من الخارج وحدة الحكم في الشعراء وغيرهم بمعنى : إنّه لو كان الإكرام واجبا ، لكان إكرام الشعراء ـ أيضا ـ واجبا ، فلا بدّ من أن يعامل معهما معاملة المتباينين في الحكم بالتخيير ، أو الترجيح مع أنّ النسبة المنطقية بينهما هي العموم والخصوص ، فتأمّل جيدا.

(فتأمّل) لعلّه إشارة إلى ردّ ما ذكر من عدم كون قوله عليه‌السلام : (كل شيء مطلق ... الخ) شاملا لتعارض النصّين ، بل يشمله كما يشمل لما لا نصّ فيه ، وذلك لأنّ المراد من النهي فيه ليس النهي اللفظي ، بل المراد به مدلوله أي : الحرمة.

ثمّ إنّ المراد من الورود المستفاد من (يرد) هو : التحقّق والحصول ، لا الوصول فمعنى قوله عليه‌السلام : (كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي) هو كل شيء مباح حتى تتحقّق حرمته ، ومن المعلوم أنّ ما تعارض فيه النصّان لم تتحقّق حرمته ، لكونه مبتلى بالمعارض ، فيكون مشمولا لقوله عليه‌السلام : (كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي). أو إشارة إلى منع ثبوت الإجماع المركّب ، والقول بعدم الفصل ، وذلك لثبوت القول بالتفصيل ، حيث يقول بعض : بأنّ الحكم في تعارض النصين هو الاحتياط ، وفيما لا نصّ فيه البراءة.

(مع أنّ جميع موارد الشبهة التي امر فيها بالتوقّف لا تخلو عن أن يكون شيئا محتمل الحرمة ... إلى آخره).

والغرض من هذا الكلام هو ردّ كون النسبة بين الخبر وهو قوله عليه‌السلام : (كل شيء مطلق ...

٣٣٩

الحرمة ، سواء كان عملا أو حكما أم اعتقادا ، فتأمّل. والتحقيق في المقام ما ذكرنا.

الثالثة : ما دلّ على وجوب الاحتياط ، وهي كثيرة :

منها : صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج : قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجلين أصابا صيدا وهما محرمان ، الجزاء بينهما أو على كلّ واحد منها جزاء؟

قال : (بل عليهما أن يجزي كلّ واحد منهما الصّيد) فقلت : إنّ بعض أصحابنا سألني عن

____________________________________

إلى آخره) وبين أخبار التوقّف هي العموم والخصوص وإرجاعها إلى نسبة التباين ، وذلك لأنّ مادة الافتراق في جانب أخبار التوقّف وهي الشبهة الوجوبيّة مختصّة في مقام العمل ، وأمّا في مقام الحكم فاحتمال الحرمة ثابت حتى في الشبهات الوجوبيّة ، وذلك لأنّ الحكم بالبراءة في الشبهة الوجوبيّة يكون فيه احتمال الحرمة ، وهكذا في الامور الاعتقادية احتمال الحرمة ثابت في مقام الاعتقاد بها ، لأنّ الاعتقاد بشيء من صفات الله تعالى من دون دليل وبرهان محتمل الحرمة.

والحاصل أنّ كلّ شبهة وجوبيّة لا تخلو من احتمال الحرمة ، فتكون النسبة بين أخبار التوقّف ، وبين الخبر المذكور هي التباين ، وبذلك تنقلب النسبة من العموم المطلق إلى التباين.

(فتأمّل) لعلّه إشارة ـ إلى ردّ انقلاب النسبة من العموم والخصوص إلى التباين ، بل تبقى النسبة هي العموم والخصوص ، سواء كان لحاظ الشبهة الوجوبيّة في مقام العمل أو الحكم ، وذلك لأنّ أخبار التوقّف تدلّ على وجوب التوقّف في محتمل الحرمة ، سواء كان احتمال الحرمة في مقام العمل أو الحكم أو الاعتقاد ، ومفاد أخبار البراءة هو ثبوت البراءة في محتمل الحرمة في مقام العمل فقط ، فحينئذ تكون النسبة بينهما هي العموم والخصوص لا التباين.

(والتحقيق في المقام ما ذكرنا) وهو ما ذكره المصنّف قدس‌سره قبل الجواب بوجوه غير خالية عن النظر من جوابه الأوّل إلى الخامس.

(الثالثة : ما دلّ على وجوب الاحتياط وهي كثيرة :

منها : صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجلين أصابا صيدا وهما محرمان ، الجزاء بينهما أو على كلّ واحد منها جزاء؟

٣٤٠