دروس في الرسائل - ج ٢

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٠

المسألتين.

لكن هذا الوجه قد يأباه مقتضى أدلّتهم ، فلاحظ وتأمّل.

____________________________________

وحاصل هذا الجواب : إنّ مرادهم بتقديم الناقل على المقرّر قولا إنّما هو بملاحظة رجحانه مع قطع النظر عن أخبار التخيير في باب التعارض ، مثل ما يقال من : أنّ الأصل في الكلام هو التأسيس الذي يقتضي الأخذ بالناقل والحاظر ، وأمّا عملهم في الفروع بالتخيير أو الاحتياط فلأجل الأخبار الواردة في هذا الباب ، كمرفوعة زرارة مثلا ، فحينئذ لا تنافي بين القول والعمل.

ومنه يظهر الجواب عن الإيراد الثالث ـ أيضا ـ بأن يقال : إنّ ذهاب جماعة إلى التخيير كان بملاحظة الأخبار الواردة في باب التعارض ، فيكون التخيير بالأصل الثانوي.

هذا ويمكن الجواب عن الجميع بعدم صحّة النسبة المذكورة أصلا ، وأنّ المجتهدين بين قائل بتقديم ما يكون موافقا للأصل ، وقائل بالتوقّف ، أو التساقط والرجوع إلى الأصل ، أو التخيير بين الخبرين في أوّل الأمر ، أو دائما.

(لكن هذا الوجه قد يأباه مقتضى أدلّتهم).

أي : ما ذكر من الجواب الأوّل والثاني يكون منافيا لمقتضى أدلّتهم ، فإنّهم استدلّوا في المسألة الاولى على ترجيح الناقل بأنّ الأصل في الكلام هو التأسيس ، فلا يفرّق ـ حينئذ ـ بين كون الشبهة وجوبيّة أو تحريميّة ، فلا وجه لما ذكر في الجواب الأوّل من تخصيص الناقل بالشبهة الوجوبيّة ، والحاظر بالشبهة التحريميّة ، وأيضا استدلّوا على التخيير بأنّه مقتضى حجيّة الخبرين المتعارضين ، مع عدم إمكان العمل بهما معا ، فحينئذ يكون التخيير مقتضى الأصل الأولي ، ولم يستدلّوا على التخيير بالأخبار الواردة في باب التعارض ليكون بالأصل الثانوي الذي تقتضيه الأخبار ، ثمّ الرجوع إلى الاحتياط كان لأجل تساقط الخبرين لا لأجل الأخبار الواردة في هذا الباب ، فتنبّه!!.

* * *

٤٢١

المسألة الرابعة

الاشتباه في بعض الأمور الخارجية

دوران الحكم بين الحرمة وغير الوجوب ، مع كون الشكّ في الواقعة الجزئيّة لأجل الاشتباه في بعض الامور الخارجيّة.

كما إذا شكّ في حرمة شرب مائع أو إباحته ، للتردّد في أنّه خلّ أو خمر ، وفي حرمة لحم لتردّده بين كونه من الشاة أو من الأرنب.

والظاهر عدم الخلاف في أنّ مقتضى الأصل فيه الإباحة ، للأخبار الكثيرة في ذلك ، مثل قوله عليه‌السلام : (كلّ شيء لك حلال حتى تعلم أنّه حرام) (١) ، و (كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال) (٢).

____________________________________

(المسألة الرابعة : دوران الحكم بين الحرمة وغير الوجوب ، مع كون الشكّ في الواقعة الجزئيّة لأجل الاشتباه في بعض الامور الخارجيّة).

يقع الكلام في الشبهة الموضوعيّة التي تسمّى بالشبهة في طريق الحكم عند الأخباريّين ، وذلك بأن يكون الحكم المتعلّق بالموضوع الكلّي مثل الخمر حرام ، والخلّ حلال مثلا معلوما من دون قصور في بيان الشارع ، وإنّما الشكّ ينشأ لأجل الاشتباه في بعض الامور الخارجيّة ، كما إذا شك في حرمة شرب المائع لتردّده بين الخمر والخلّ ، وفي حرمة أكل لحم لتردّده بين كونه من الشاة أو الأرنب ، فالشكّ في المثالين في الواقعة الجزئيّة وهي المائع واللحم الخارجيّان.

(والظاهر عدم الخلاف في أنّ مقتضى الأصل فيه الإباحة ، للأخبار الكثيرة في ذلك ، مثل قوله عليه‌السلام : (كلّ شيء لك حلال حتى تعلم أنّه حرام) ، و (كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال)).

ومن الواضح أنّ الرواية الاولى وإن لم تكن مختصّة بالشبهة الموضوعيّة إلّا إنّها شاملة لها.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣١٣ / ٤٠. التهذيب ٧ : ٢٢٦ / ٩٨٩. الوسائل ١٧ : ٨٩ ، أبواب ما يكتسب به ، ب ٤ ، ح ٤.

(٢) الفقيه ٣ : ٢١٦ / ١٠٠٢. التهذيب ٩ : ٧٩ / ٣٣٧. الوسائل ١٧ : ٨٨ ، أبواب ما يكتسب به ، ب ٤ ، ح ١.

٤٢٢

واستدلّ العلّامة رحمه‌الله في التذكرة على ذلك برواية مسعدة بن صدقة :

(كلّ شيء لك حلال حتى تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك ، وذلك مثل الثوب يكون عليك ولعلّه سرقة ، أو العبد يكون عندك لعلّه حر قد باع نفسه ، أو قهر فبيع ، أو خدع فبيع ، أو امرأة تحتك وهي اختك أو رضيعتك ، والأشياء كلّها على هذا حتى يستبين لك غير هذا أو تقوم به البيّنة) (١).

وتبعه عليه جماعة من المتأخّرين ، ولا إشكال في ظهور صدرها في المدّعى إلّا إنّ الأمثلة المذكورة فيها ليس الحلّ فيها مستندا إلى أصالة الحلّيّة ، فإنّ الثوب والعبد إن لوحظا باعتبار اليد عليهما حكم بحلّ التصرف فيهما لأجل اليد ، وإن لوحظا مع قطع النظر عن اليد كان الأصل فيهما حرمة التصرف ، لأصالة بقاء الثوب على ملك الغير وأصالة الحريّة في الإنسان المشكوك في رقيّته ، وكذا الزوجة إن لوحظ فيها أصل عدم تحقّق النسب

____________________________________

وأما الرواية الثانية فهي مختصّة بالشبهة الموضوعيّة ، بقرينة ظهورها في التقسيم الفعلي الخارجي ، كما تقدّم ذلك في أدلّة القائلين بالبراءة ، حيث قال المصنّف قدس‌سره هناك : فالرواية مختصّة بالشبهة في الموضوع ، وهذا واضح ، وإنّما الكلام في رواية مسعدة بن صدقة حيث استدل العلّامة قدس‌سره بها على البراءة ، وهي قول أبي عبد الله عليه‌السلام :

((كلّ شيء لك حلال حتى تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك ، وذلك مثل الثوب يكون عليك ولعلّه سرقة ، أو العبد يكون عندك لعلّه حر قد باع نفسه ، أو قهر فبيع ، أو خدع فبيع ، أو امرأة تحتك وهي اختك أو رضيعتك ، والأشياء كلّها على هذا حتى يستبين لك غير هذا ، أو تقوم به البيّنة) ... إلى آخره).

ثمّ إن هذه الرواية ، وإن كانت مختصّة بالشبهة الموضوعيّة ـ لأنّ الأمثلة المذكورة فيها كلّها من قبيل الشبهة الموضوعيّة ، بالإضافة إلى أن قوله عليه‌السلام : (أو تقوم به البيّنة) قرينة على إرادة خصوص الشبهة الموضوعيّة ، بناء على أن يكون المراد منها هو البيّنة المصطلحة ، لاختصاصها بالموضوعات ـ إلّا إنّ الحلّية فيها ليست مستندة إلى أصالة البراءة ، بل إنّها في مثال الثوب والعبد مستندة إلى اليد ، وهي من الأمارات ، وفي مثال

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣١٣ / ٤٠. الوسائل ١٧ : ٨٩ ، أبواب ما يكتسب به ، ب ٤ ، ح ٤.

٤٢٣

أو الرضاع ، فالحلّيّة مستندة إليه ، وإن قطع النظر عن هذا الأصل فالأصل عدم تأثير العقد فيها فيحرم وطؤها.

وبالجملة ، فهذه الأمثلة الثلاثة بملاحظة الأصل الأولي محكومة بالحرمة ، والحكم بحلّيّتها إنّما هو من حيث الأصل الموضوعي الثانوي ، فالحلّ غير مستند إلى أصالة الإباحة في شيء منها.

هذا ، ولكن في باقي الأخبار المتقدّمة ، بل جميع الأدلّة المتقدّمة من الكتاب والعقل كفاية ، مع أنّ صدرها وذيلها ظاهران في المدّعى.

____________________________________

المرأة مستندة إلى أصل عدم تحقّق المانع أي : النسب ، أو الرضاع.

ولو أغمضنا النظر عن هذا الأصل بالنسبة إلى مثال المرأة ، وعن قاعدة اليد في المثالين الأوّلين ، لكان مقتضى الأصل الأوّلي في الجميع هو الحرمة من جهة أصالة تملّك البائع وأصالة الحريّة في الإنسان المشكوك في رقيّته ، هذا مضافا إلى أصالة الفساد في المعاملات في الجميع من جهة أصالة عدم تأثير العقد ، ولهذا قال المصنّف قدس‌سره :

(والحكم بحلّيّتها إنّما هو من حيث الأصل الموضوعي الثانوي).

وفي إطلاق كلامه قدس‌سره نظر.

وذلك لأنّ الحكم بالحليّة من جهة الأصل الموضوعي الثانوي مختصّ بمثال المرأة ، كما تقدّم ، وأمّا الحكم بالحلّيّة في مثال الثوب والعبد فهو لأجل قاعدة اليد ، وهي من الأمارات ، إلّا أن يقال : إنّ اليد تكون من الاصول تعبّدا.

فالمتحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ الحليّة في هذه الرواية لم تكن من جهة أصالة البراءة ، فلا يصحّ الاستدلال بها على أصالة البراءة في الشبهة الموضوعيّة إلّا أن يقال : إنّ ذكر الامور المذكورة ليس من باب المثال ، بل إنّما من باب التنظير والتشبيه ، وبذلك تدلّ على الحليّة من جهة أصالة الحليّة والبراءة فيما إذا لم تكن مستندة إلى أصل آخر ، كما لا يخفى.

(ولكن في باقي الأخبار المتقدّمة ، بل) في (جميع الأدلّة المتقدّمة من الكتاب والعقل كفاية).

أي : لو لم يكن في المقام دليل على البراءة غير الأخبار المتقدّمة في أدلّة القائلين بالبراءة الشاملة للشبهات الحكميّة والموضوعيّة ، لكان في هذه الأخبار مع الكتاب والعقل

٤٢٤

وتوهّم : «عدم جريان قبح التكليف من غير بيان هنا ، نظرا إلى أنّ الشارع بيّن حكم الخمر مثلا ، فيجب ـ حينئذ ـ اجتناب كل ما يحتمل كونه خمرا من باب المقدّمة العلميّة ، فالعقل لا يقبّح العقاب خصوصا على تقدير مصادفة الحرام» مدفوع بأنّ النهي عن الخمر

____________________________________

كفاية في إثبات أصالة الحلّيّة في الشبهات الموضوعيّة.

مع أنّ صدرها وهو : (كلّ شيء لك حلال) وذيلها وهو : (والأشياء كلّها على هذا) أي : الإباحة ، حتى تظهر لك حرمتها بالبيّنة ظاهران في المدّعى.

(وتوهّم : «عدم جريان قبح التكليف من غير بيان هنا ، نظرا إلى أنّ الشارع بيّن حكم الخمر مثلا ، فيجب ـ حينئذ ـ اجتناب كل ما يحتمل كونه خمرا من باب المقدّمة العلميّة ... إلى آخره).

وتقرير هذا التوهّم يحتاج إلى مقدمة وهي :

إنّ التكاليف الشرعيّة قد تعلّقت بالموضوعات الواقعيّة بما هي هي ، من دون تقييدها بالعلم أو الجهل ، كما أنّ الألفاظ ـ أيضا ـ وضعت للمعاني الواقعيّة كذلك.

فحينئذ يكون مفاد قول الشارع : اجتنب عن الخمر ، هو وجوب الاجتناب عن الخمر الواقعي ، سواء علم المكلّف به تفصيلا أو إجمالا أو لم يعلم به أصلا ، فيكون المحرّم هو الخمر الواقعي.

إذا عرفت هذا نقول : إنّ الواجب ـ حينئذ ـ هو الاجتناب عن كلّ ما يحتمل كونه خمرا من باب المقدّمة العلميّة حتى يحصل العلم بالاجتناب عن الخمر الواقعي ، فلا يجري هنا حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان ، لفرض وجود بيان الشارع في الشبهات الموضوعيّة ، كما أشار إليه بقوله قدس‌سره :

(فالعقل لا يقبح العقاب خصوصا على تقدير مصادفة الحرام).

أي : إنّ العقل لا يحكم بقبح العقاب على ارتكاب محتمل الخمريّة خصوصا على تقدير كونه حراما في الواقع ؛ وذلك لأنّ العقاب على ارتكاب الحرام الواقعي لم يكن قبيحا عقلا.

نعم ، إذا لم يصادف الواقع ، كما لو لم يكن خمرا ، يمكن القول بعدم العقاب لكونه تجرّيا ، والعقاب عليه محلّ خلاف ، كما مرّ تفصيله في مسألة التجرّي.

٤٢٥

يوجب حرمة الأفراد المعلومة تفصيلا والمعلومة إجمالا بين محصورين. والأوّل لا يحتاج إلى مقدّمة علميّة ، والثاني يتوقّف على الاجتناب من أطراف الشبهة لا غير.

وأمّا ما احتمل كونه خمرا من دون علم إجمالي ، فلم يعلم من النهي تحريمه ، وليس مقدّمة

____________________________________

(مدفوع) خبر لقوله : وتوهّم ... إلى آخره.

ودفع التوهّم المزبور يتّضح بعد بيان مقدمة وهي :

إنّ الأحكام الشرعيّة وإن كانت متعلّقة بالموضوعات من دون تقييدها بالعلم أو الجهل ، والألفاظ وإن كانت موضوعة للمعاني كذلك ، إلّا إنّ حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان لم يكن مطلقا ، بل يتوقّف على عدم البيان الواصل إلى المكلّف الذي يوجب تنجّز التكليف ، فإذا انتفى هذا القسم من البيان يحكم العقل بقبح العقاب ، سواء لم يبيّنه الشارع أصلا ، أو بيّنه ولم يصل إلى المكلّف ، أو وصل ولم يعلم بتوجّهه إليه من جهة عدم العلم بوجود موضوعه لا تفصيلا ولا إجمالا ، كما في المقام.

فالعقل هنا يحكم بقبح تنجّز التكليف الواقعي من دون بيان ، ثمّ إنّ التكليف لا يتنجّز إلّا بالعلم بنفس الحكم وهو أكبر والعلم بموضوعه وهو أصغر ، لأنّ شرط تنجّز التكليف هو العلم بالموضوع والمحمول معا ، ولا يكفي فيه العلم بالمحمول أي : الحكم ، كما هو المفروض في المقام حيث يعلم المكلّف حرمة الخمر ، ولكنّه لا يعلم الموضوع أي : الخمر ، بل يحتمل كون المائع المعيّن خمرا ، فالعقل لا يحكم بقبح التكليف الواقعي بلا بيان واقعي حتى يقال بعدم جريانه في المقام لوجود البيان في الشبهة الموضوعيّة ، بل وجود البيان مختصّ بمورد العلم بالموضوع ، أو الحكم تفصيلا أو إجمالا فيما إذا كانت أطرافه محصورة ، إذ يجب الاجتناب عن أطراف العلم الإجمالي بالحرمة أو الخمريّة من باب المقدّمة العلميّة ، فلا يجري فيه حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان لوجود البيان وتنجّز التكليف به وهو العلم مطلقا.

فظهر من هذا البيان أنّه لا يجب الاجتناب عمّا يحتمل كونه خمرا من باب المقدّمة العلميّة ؛ لأنّ وجوب المقدّمة فرع لوجوب ذيها ، ووجوبه لم يكن ثابتا في المقام ، وذلك لعدم العلم بالموضوع ؛ لأنّ تنجّز التكليف يتوقّف على إحراز الصغرى ، وهي في المقام ليست محرزة ، لعدم كون المائع الموجود خمرا ، والكبرى وهي كون الخمر حراما شرعا

٤٢٦

للعلم باجتناب فرد محرّم يحسن العقاب عليه ، فلا فرق ـ بعد فرض عدم العلم بحرمته ولا بتحريم خمر يتوقّف العلم باجتنابه على اجتنابه ـ بين هذا الفرد المشتبه وبين الموضوع الكلّي المشتبه حكمه كشرب التتن في قبح العقاب عليه.

وما ذكر من التوهّم جار فيه أيضا ، لأنّ العمومات الدالّة على حرمة الخبائث والفواحش (وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(١) تدلّ على حرمة امور واقعيّة يحتمل كون شرب التتن منها.

ومنشأ التوهّم المذكور ملاحظة تعلّق الحكم بكلّي مردّد بين مقدار معلوم وبين أكثر منه ، فيتخيّل أن الترديد في المكلّف به ، فمع العلم بالتكليف يجب الاحتياط.

____________________________________

وإن كانت ثابتة إلّا إنّ ثبوتها وحدها لا يكفي في تنجّز التكليف ، وبعد عدم تنجّز التكليف في جانب ذي المقدّمة لا منشأ لحكم العقل بوجوب المقدّمة العلميّة ، فيكون حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان ثابتا في المقام ، فلا فرق في حكم العقل بلا بيان بين المقام حيث تكون الشبهة فيه موضوعيّة ، وبين الموضوع الكلّي المشتبه حكمه ، كشرب التتن حيث تكون الشبهة فيه حكميّة ، كما أشار إليه بقوله قدس‌سره :

(فلا فرق ـ بعد فرض عدم العلم بحرمته ... إلى آخره).

وبالجملة ، كما يحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان في الشبهة الحكميّة ، كذلك يحكم بالقبح في الشبهة الموضوعيّة ، هذا مع أنّ التوهّم المذكور في الشبهة الموضوعيّة جار في الشبهة الحكميّة أيضا ، بتقريب عدم جريان حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان فيها ، لوجود البيان بالعمومات القرآنيّة الدالّة على حرمة الخبائث والفواحش (وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) حيث تدلّ تلك العمومات على حرمة هذه الامور في الواقع ، ويحتمل أن يكون شرب التتن منها ، فيجب الاجتناب عنه من باب المقدّمة العلميّة.

(ومنشأ التوهّم المذكور) في الشبهة الحكميّة هو تعلّق الحكم بوجوب الاجتناب بمفهوم كلّي مردّد بين مقدار معلوم وهو الدم والميتة والخمر وغيرها وبين الأكثر منه ، بأن يشكّ في كون التتن منها أو لا ، فيرجع الشكّ إلى الشكّ في المكلّف به حيث يكون مردّدا

__________________

(١) الحشر : ٧.

٤٢٧

ونظير هذا التوهّم قد وقع في الشبهة الوجوبيّة حيث تخيّل بعض أن دوران ما فات من الصلاة بين الأقل والأكثر موجب للاحتياط من باب وجوب المقدّمة العلميّة ، وقد عرفت وسيأتي اندفاعه.

فإن قلت : الضرر محتمل في هذا الفرد المشتبه ، لاحتمال كونه محرّما فيجب دفعه.

____________________________________

بين الأقل والأكثر ، وهو مجرى الاحتياط ، كما هو واضح.

وقد تقدّم الجواب عن ذلك بما ملخّصه : هو حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان ، لأنّ البيان يحصل بالعلم تفصيلا أو إجمالا ، وفي المقام ليس الموضوع معلوما ، لا تفصيلا ولا إجمالا ، فيقع مجرى حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان ، وذلك لانتفاء البيان.

(ونظير هذا التوهّم قد وقع في الشبهة الوجوبيّة حيث تخيّل بعض أنّ دوران ما فات من الصلاة بين الأقل والأكثر موجب للاحتياط).

فيجب الإتيان بكلّ ما يحتمل فواته من الصلوات من باب المقدّمة العلميّة ، ولا يجوز التمسّك بحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان لوجود بيان وجوب قضاء ما فات بقول الشارع : (واقض ما فات كما فات) (١) ، وقد ظهر الجواب عنه ممّا تقدّم من أنّ الواجب ما علم فوته فقط ، وأمّا المشكوك ، فلا يجب قضاؤه ، لأدلّة البراءة الشرعيّة والعقليّة ، هذا مع أنّ عدم وجوب الاحتياط في الشبهة الوجوبيّة الموضوعيّة اتّفاقي.

(فإن قلت :) إن (الضرر محتمل في هذا الفرد المشتبه ، لاحتمال كونه محرّما فيجب دفعه).

وملخّص الإشكال يتّضح بعد مقدّمة :

وهي أنّ قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، كما لا تجري فيما إذا كان هناك بيان شرعا ، كذلك لا تجري فيما إذا كان هناك بيان عقلا ، فبناء على هذا يتّضح لك عدم جريان هذه القاعدة في المقام ؛ وذلك لأنّ البيان الشرعي وإن كان منفيّا إلّا إنّ البيان العقلي يكون موجودا ، لحكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل ، ومن المعلوم أنّ احتمال الضرر موجود في كلّ محتمل الحرمة ، فيكون الضرر محتملا في الفرد المشتبه لاحتمال كونه محرّما ، فيجب دفعه بقاعدة وجوب دفع الضرر الواردة على قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، كما تقدّم تفصيل

__________________

(١) انظر الوسائل ٤ : ٢٧٦ ، أبواب المواقيت ، ب ٥٧ ، ح ٦.

٤٢٨

قلت : إن اريد بالضرر العقاب وما يجري مجراه من الامور الاخرويّة فهو مأمون بحكم العقل بقبح العقاب من غير بيان ، وإن اريد ما لا يدفع العقل ترتّبه من غير بيان ، كما في المضار الدنيويّة ، فوجوب دفعه عقلا لو سلّم ـ كما تقدّم من الشيخ وجماعة ـ لم يسلّم وجوبه شرعا ، لأنّ الشارع صرّح بحليّة ما لم يعلم حرمته ، فلا عقاب عليه ، كيف وقد يحكم الشرع بجواز ارتكاب الضرر القطعي الغير المتعلّق بأمر المعاد ، كما هو المفروض في الضرر المحتمل في المقام؟!

____________________________________

ذلك في البراءة العقليّة.

(قلت : إن اريد بالضرر العقاب وما يجري مجراه من الامور الاخرويّة فهو مأمون بحكم العقل بقبح العقاب من غير بيان ... إلى آخره).

أي : لو كان المراد بالضرر هو الضرر الاخروي الذي هو عبارة عن العقاب ، أو انحطاط الدرجة ، لكان منتفيا بقاعدة قبح العقاب بلا بيان ؛ لأنّ هذه القاعدة تنفي احتمال العقاب ، فتكون واردة على قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل ، كما مرّ في البراءة العقليّة.

(وإن اريد ما لا يدفع العقل ترتّبه من غير بيان كما في المضار الدنيويّة).

أي : ولو كان المراد بالضرر المحتمل هو الضرر الدنيوي ، فلا يحكم العقل بوجوب دفعه.

ولو سلّمنا بوجوب دفعه ، لم نسلّم وجوبه شرعا ؛ لأنّ الشارع صرّح بحليّة كلّ ما لم يعلم حرمته ، فينتفي حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل ، بعد إذن الشارع بارتكابه ؛ لأنّ العقل لا يحكم بوجوب دفع مطلق الضرر ، وإنّما يحكم بوجوب دفع الضرر غير المتدارك ، ومع حكم الشرع بالحليّة وجواز الارتكاب يتدارك الضرر ، فلا يحكم العقل بوجوب دفعه ، كما لا يحكم الشرع بالاجتناب عنه ، إذ لا تفكيك ـ حينئذ ـ بين حكم الشرع والعقل ، فلا يرد ما قيل من : لزوم التفكيك بين حكم العقل والشرع ، حيث يحكم العقل بوجوب دفع الضرر الدنيوي والشرع بعدمه ، مع أنّ المعروف هو الملازمة بين حكم العقل والشرع ؛ لأنّ العقل إنّما يحكم بالوجوب في خصوص ما لم يحكم الشرع بجواز ارتكابه ، وقد حكم الشرع بجواز ارتكاب الضرر المقطوع إذا لم يكن اخرويا فضلا عن المحتمل ، كما لم يحكم العقل بالوجوب ، وبذلك لا يلزم التفكيك بين العقل والشرع.

٤٢٩

فإن قيل : نختار أوّلا : احتمال الضرر المتعلّق بامور الآخرة ، والعقل لا يدفع ترتّبه من دون بيان ، لاحتمال المصلحة في عدم البيان ، ووكول الأمر إلى ما يقتضيه العقل ، كما صرّح في العدّة في جواب ما ذكره القائلون بأصالة الإباحة ، من أنّه لو كان هناك في الفعل مضرّة آجلة لبيّنها.

وثانيا : المضرّة الدنيويّة ، وتحريمه ثابت شرعا ، لقوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)(١) ، كما استدلّ به الشيخ ـ أيضا ـ في العدّة على دفع أصالة الإباحة. وهذا الدليل ومثله رافع للحليّة الثابتة بقولهم عليهم‌السلام : (كلّ شيء لك حلال حتى تعرف أنّه حرام) (٢).

____________________________________

(فإن قيل : نختار أولا : احتمال الضرر المتعلّق بامور الآخرة ، والعقل لا يدفع ترتّبه من دون بيان ، لاحتمال المصلحة في عدم البيان ، ووكول الأمر إلى ما يقتضيه العقل).

وحاصل الكلام في هذا المقام هو أنّ المراد بالضرر هو العقاب إلّا إنّ العقل لا يحكم بقبح ترتّبه من دون بيان ، وذلك لاحتمال المصلحة في ترك البيان من الشارع ووكول الأمر إلى حكم العقل قبل الشرع لأن يحكم بالاحتياط دفعا للعقاب المحتمل ، فالنتيجة تكون جريان قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل دون قاعدة قبح العقاب من دون بيان.

(وثانيا :) نختار(المضرّة الدنيوية ، وتحريمه ثابت شرعا ، لقوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) ... إلى آخره).

وملخص الكلام إنّا نختار الضرر الدنيوي ، فنقول : إنّ المراد من الضرر هو الضرر الدنيوي ، إلّا إنّ ما ذكر من جواز ارتكابه غير صحيح لثبوت تحريمه بقوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) فتكون الآية الشريفة وأمثالها من الأدلّة الرافعة(للحليّة الثابتة بقولهم عليهم‌السلام : (كلّ شيء لك حلال حتى تعرف أنّه حرام)) لأنّ حكم الشرع بالحليّة في روايات الحلّ مغيّا بمعرفة الحرام والعلم به ، ومع حكم الشرع بحرمة ارتكاب الضرر الدنيوي ولو كان محتملا تعلم الحرمة ولو في مرحلة الظاهر ، فيكون ما دلّ على حرمة ارتكاب الضرر الدنيوي من الآية المذكورة وغيرها حاكما على روايات الحلّ إن لم يكن واردا عليها ، فتأمّل جيدا.

__________________

(١) البقرة : ١٩٥.

(٢) الكافي ٥ : ٣١٣ / ٤٠. التهذيب ٧ : ٢٢٦ / ٩٨٩. الوسائل ١٧ : ٨٩ ، أبواب ما يكتسب به ، ب ٤ ، ح ٤.

٤٣٠

قلت : لو سلّمنا احتمال المصلحة في عدم بيان الضرر الاخروي ، إلّا إنّ قولهم عليهم‌السلام : (كل شيء لك حلال) بيان لعدم الضرر الاخروي ، وأمّا الضرر الغير الاخروي فوجوب دفع المشكوك منه ممنوع ، وآية التهلكة مختصّة بمظنّة الهلاك ، وقد صرّح الفقهاء في باب المسافر بأنّ سلوك الطريق الذي يظنّ معه العطب معصية ، دون مطلق ما يحتمل فيه ذلك ، وكذا في باب التيمّم والإفطار لم يرخّصوا إلّا مع ظنّ الضرر الموجب لحرمة العبادة دون الشكّ.

نعم ، ذكر قليل من متأخّري المتأخّرين انسحاب حكم الإفطار والتيمّم مع الشكّ أيضا ، لكن لا من جهة حرمة ارتكاب مشكوك الضرر ، بل لدعوى تعلّق الحكم في الأدلّة

____________________________________

(قلت : لو سلمنا احتمال المصلحة في عدم بيان الضرر الاخروي ... إلى آخره).

وحاصل الجواب عن الشقّ الأوّل هو أنا لا نسلّم احتمال وجود المصلحة في عدم بيان الضرر الاخروي أوّلا.

وثانيا : إنّ هذا الاحتمال خارج عن المقام ، وذلك لعدم تعلّقه بالشبهة الموضوعيّة ، واختصاصه بالشبهة الحكميّة الناشئة من عدم بيان الشارع لمصلحة في عدم البيان ، ومن المعلوم أنّ الشبهة الناشئة من عدم البيان تكون حكميّة.

وثالثا : إنّ قولهم عليهم‌السلام : (كلّ شيء لك حلال حتى تعرف أنّه حرام) بيان لعدم الضرر الاخروي ، ولذلك يطمئن العقل بعدم العقاب.

وأما الجواب عن الشقّ الثاني ، فقد أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله : (وأما الضرر الغير الاخروي فوجوب دفع المشكوك منه ممنوع).

إذ تقدّم عدم وجوب دفع المقطوع منه فضلا عن المشكوك منه ، وأمّا الآية فمختصّة في دفع الضرر المقطوع والمظنون دون المحتمل ، كما يظهر من فتاوى الفقهاء في باب المسافر حيث قالوا : بأنّ سلوك الطريق الذي يظنّ معه الضرر معصية. وهكذا في باب التيمّم والإفطار لم يرخصوا التيمّم مع وجود الماء ، والإفطار في شهر رمضان المبارك ، إلّا مع الظنّ بالضرر الموجب لحرمة العبادة.

(نعم ، ذكر قليل من متأخّري المتأخّرين انسحاب حكم الإفطار والتيمّم مع الشك أيضا).

إلّا إنّ هذا الحكم منهم لم يكن مبنيّا على حرمة ارتكاب مشكوك الضرر ووجوب دفع الضرر المحتمل ، وإنّما مبنيّ على خوف الضرر الصادق مع العلم والظنّ والشكّ والوهم

٤٣١

بخوف الضرر الصادق مع الشكّ ، بل مع بعض أفراد الوهم أيضا.

لكن الانصاف إلزام العقل بدفع الضرر المشكوك فيه ، كالحكم بدفع الضرر المتيقّن كما يعلم بالوجدان عند وجود مائع محتمل السمّيّة إذا فرض تساوي الاحتمالين من جميع الوجوه ، لكن حكم العقل بوجوب دفع الضرر المتيقّن إنّما هو بملاحظة نفس الضرر الدنيوي من حيث هو ، كما يحكم بوجوب دفع الضرر الاخروي كذلك ، إلّا إنّه قد يتّحد مع الضرر الدنيوي عنوان يترتّب عليه نفع اخروي ، فلا يستقل العقل بوجوب دفعه ، ولذا لا ينكر العقل أمر الشارع بتسليم النفس للحدود والقصاص وتعريضها له في الجهاد والإكراه على القتل أو على الارتداد.

وحينئذ فالضرر الدنيوي المقطوع يجوز أن يبيحه الشارع لمصلحة ، فإباحته للضرر المشكوك لمصلحة الترخيص على العباد أو لغيرها من المصالح أولى بالجواز.

____________________________________

القريب للاحتمال ، كما أشار إليه قدس‌سره بقوله : (بل مع بعض أفراد الوهم أيضا).

(لكن الانصاف إلزام العقل بدفع الضرر المشكوك فيه ، كالحكم بدفع الضرر المتيقّن ... إلى آخره).

أي : إنّ العقل لا يفرّق في حكمه بوجوب دفع الضرر الدنيوي ، كالضرر الاخروي بين كونه مقطوعا ، أو مظنونا ، أو مشكوكا ، فيما إذا كان الضرر الدنيوي ممّا يعتنى به عند العقلاء ، كما أشار إليه قدس‌سره بقوله : (محتمل السمّيّة).

فما تقدّم من اختصاص حكم العقل بوجوب دفع الضرر المقطوع ، أو المظنون محلّ تأمل ، وحكمه بوجوب دفع الضرر الدنيوي المقطوع يكون بلحاظ ذات الضرر مع قطع النظر عن ترتّب نفع اخروي عليه.

وأمّا لو كان الضرر الدنيوي ممّا يترتّب عليه نفع اخروي ، كتحمّل الضرر في باب الجهاد وباب الإكراه على قتل الغير أو الارتداد ، وتسليم النفس لإجراء الحدّ والقصاص ، فلا يحكم العقل بوجوب دفع الضرر الدنيوي في هذه الموارد ، مع كونه مقطوعا ، وذلك لتجويز الشارع ارتكابه في هذه الموارد ، فيكون تجويزه لارتكاب الضرر المشكوك لمصلحة التسهيل على العباد أو لغيرها أولى بالجواز.

وبالجملة ، أنّ العقل يحكم بوجوب دفع الضرر غير المتدارك فقط ، ولا يحكم بوجوب

٤٣٢

فإن قلت : إذا فرضنا قيام أمارة غير معتبرة على الحرمة فيظنّ الضرر ، فيجب دفعه مع انعقاد الإجماع على عدم الفرق بين الشكّ والظنّ الغير المعتبر.

قلنا : الظنّ بالحرمة لا يستلزم الظنّ بالضرر ، أمّا الاخروي فلأنّ المفروض عدم البيان فيقبح ، وأمّا الدنيوي فلأنّ الحرمة لا تلازم الضرر الدنيوي ، بل القطع بها أيضا لا يلازمه ،

____________________________________

دفعه فيما إذا كان متداركا كما لو كان يترتّب عليه نفع اخروي.

(فإن قلت : إذا فرضنا قيام أمارة غير معتبرة على الحرمة فيظنّ الضرر ، فيجب دفعه مع انعقاد الإجماع على عدم الفرق بين الشكّ والظنّ الغير المعتبر).

هذا الإشكال راجع إلى ما اعترف به المصنّف قدس‌سره قبل قوله : لكن الانصاف ... إلى آخره ، من وجوب دفع الضرر الدنيوي المظنون ، حيث قال : إنّ آية التهلكة تدلّ على حرمة ارتكاب ما هو مظنون الضرر ، فلا تشمل الضرر المشكوك ، فأورد عليه بقوله : إن قلت.

وحاصل الإيراد هو أنّ الدليل وإن كان لا يشمل الضرر المشكوك ، إلّا إنّ حرمته ثابتة بالإجماع على عدم الفرق بين الضرر المشكوك والمظنون بالظنّ غير المعتبر ، وذلك لأنّا إذا فرضنا قيام أمارة غير معتبرة على الحرمة يظنّ معها الضرر وذلك للملازمة بين الظنّ بالحرمة وبين الظنّ بالضرر ؛ لأنّ الأوّل علّة للثاني ، والملازمة بين العلّة والمعلول ثابتة بالضرورة ، وقد تقدّم وجوب دفع الضرر المظنون ، فيجب دفع الضرر المشكوك بعدم القول بالفصل بين الضرر المظنون بالظنّ غير المعتبر وبين الضرر المشكوك ، وحينئذ يتمّ المطلوب ، وهو وجوب دفع الضرر المشكوك.

(قلنا : الظنّ بالحرمة لا يستلزم الظنّ بالضرر ... إلى آخره).

وحاصل الجواب هو منع الملازمة بين الظنّ بالحرمة والظنّ بالضرر ؛ لأنّ الملازمة المذكورة مبنيّة على أن يكون كل حرام مشتملا على الضرر ، إلّا إنّ الأمر ليس كذلك ؛ لأنّ الحرمة لا تلازم الضرر ، لا الضرر الاخروي ولا الدنيوي أمّا الأوّل فلأجل أنّ المفروض هو عدم البيان لعدم اعتبار الظنّ بالحرمة ، فينتفي الضرر الاخروي بقبح العقاب من دون بيان ، وأمّا الثاني فلأجل أنّ الحرمة لا تلازم الضرر الدنيوي ، كالبيع الربوي حيث يكون محرّما شرعا ، وليس فيه الضرر الدنيوي بل فيه نفع ، فالقطع بالحرمة لا يلازم الضرر فضلا عن

٤٣٣

لاحتمال انحصار المفسدة فيما يتعلّق بالامور الاخرويّة ، ولو فرض حصول الظنّ بالضرر الدنيوي فلا محيص عن التزام حرمته ، كسائر ما ظنّ فيه الضرر الدنيوي من الحركات والسكنات.

____________________________________

الظنّ به ، حتى يجب دفعه بالدليل المتقدّم ، ثمّ دفع الضرر المشكوك بعدم القول بالفصل.

نعم ، (لو فرض حصول الظنّ بالضرر الدنيوي) من الظنّ بالحرمة ، نلتزم بحرمة ارتكاب هذا الضرر.

* * *

٤٣٤

فهرس

* أدلة المجوّزين................................................................... ٧

* الاستدلال بآية النبأ من طريق مفهوم الوصف...................................... ٩

* كون التبيّن واجبا شرطيّا لا نفسيّا............................................... ١٠

* الإيراد الذي لا يمكن دفعه..................................................... ١٤

* الإشكال على مفهوم الشرط................................................... ١٦

* كون القضية الشرطية مسوقة لبيان الموضوع....................................... ١٧

* الإشكال على آية النبأ من جهة عموم التعليل.................................... ٢١

* تقديم عموم التعليل على الهدم.................................................. ٢٣

* المراد من الجهالة في آية النبأ.................................................... ٢٨

* معارضة مفهوم الآية بالآيات الناهية............................................. ٣٢

* الإشكال على مفهوم آية النبأ بإجماع السيّد المرتضى............................... ٣٦

* الإشكال بأنّ الآية لا تشمل الإخبار مع الواسطة................................. ٤١

* الجواب عن الإشكال المذكور بالحل.............................................. ٤٧

* الإشكال بأنّ العمل بالمفهوم في الأحكام الشرعية غير ممكن........................ ٥٠

* الإشكال بخروج المورد عن مفهوم آية النبأ........................................ ٥٣

* الإشكال بعدم جواز الاستدلال بالمفهوم في المسألة الاصولية........................ ٥٦

* انحصار مفهوم آية النبأ بالمعصوم ٧............................................. ٥٧

* حجّية خبر الفاسق بمفهوم الآية................................................. ٦٢

* تقريب الاستدلال بآية النّفر على حجّية خبر الواحد............................... ٦٣

* الوجه لوجوب الحذر........................................................... ٦٥

* الأخبار الدالة على وجوب التفقّه............................................... ٧٠

* الإشكال على آية النّفر....................................................... ٧٣

* تقريب الاستدلال على حجّية خبر الواحد بآية الكتمان............................ ٨٢

٤٣٥

* تقريب الاستدلال بآية السّؤال.................................................. ٨٦

* الإشكال على آية السّؤال...................................................... ٨٧

* تقريب الاستدلال بآية الاذن................................................... ٩٠

* الإشكال على آية الاذن....................................................... ٩٢

* مقدار دلالة الآيات سعة وضيقا.............................................. ١٠٠

* الاستدلال بالسّنّة على حجّية خبر الواحد...................................... ١٠٢

* الاستدلال بالطائفة الثانية من الأخبار......................................... ١٠٤

* الاستدلال بالطائفة الثالثة.................................................... ١٠٧

* الفرق بين عوام المسلمين وعوام اليهود في التقليد................................. ١٠٨

* قياس كتب الشلمغاني بكتب بني فضّال........................................ ١١٢

* الأخبار الواردة في تشجيع المسلمين على حفظ الروايات.......................... ١١٥

* القدر المتيقّن من أخبار حجّية خبر الواحد هو خبر الثقة.......................... ١١٧

* الاستدلال على حجّية خبر الواحد بالإجماع من وجوه............................ ١١٩

* إجماع الشيخ الطوسي....................................................... ١٢٠

* الإشكال على الاستدلال بالإجماعات المنقولة................................... ١٢٢

* الفرق بين المجبّرة والمشبّهة والمقلّدة والواقفية...................................... ١٢٧

* إشكال صاحب المعالم على إجماع الشيخ الطوسي............................... ١٣٥

* بيان ما قيل من موافقة السيد المرتضى للشيخ الطوسي............................ ١٣٧

* الإشكال على كلام بعض المتأخرين........................................... ١٤١

* عذر صاحب المعالم.......................................................... ١٤٦

* التحقيق فيما فهمه العلّامة والمحقّق............................................. ١٤٧

* التدافع بين إجماعي الشيخ والسيّد............................................. ١٤٨

* الجمع بين إجماعي الشيخ والسيّد.............................................. ١٥٢

* الإشكال على الإجماع المنقول على حجّية خبر الواحد............................ ١٥٧

* صحّة إجماع الشيخ الطوسي.................................................. ١٥٩

* القرائن الدالة على صحّة الإجماع.............................................. ١٦٠

٤٣٦

* الثاني من وجوه تقرير الإجماع.................................................. ١٦٨

* الثالث من وجوه تقرير الإجماع................................................ ١٦٨

* سيرة العقلاء على العمل بخبر الثقة............................................ ١٧٢

* الخامس من وجوه تقرير الإجماع................................................ ١٧٨

* المقصد الثالث : في الشك................................................... ١٨٣

* بحث الشكّ................................................................ ١٨٥

* وجه تقييد المصنف الحكم الشرعي بالعملي..................................... ١٨٦

* ما المراد من الشك في مورد الاصول العملية؟.................................... ١٨٧

* الفرق بين الحكم الواقعي والظاهري............................................ ١٨٧

* الفرق بين المفاهيم الأربعة أعني : الحكومة ، والورود ، والتخصيص ، والتخصّص.... ١٩١

* وجه تقديم الأدلة على الاصول................................................ ١٩٣

* التفصيل بين الاصول العقلية والشرعية بأن تكون الأدلة واردة على الاولى وحاكمة على الثانية      ١٩٨

* انحصار مجاري الاصول في الأربعة.............................................. ١٩٩

* جداول المطالب الثلاثة...................................................... ٢٠٤

* اختصاص الخلاف بالحكم الإلزامي في البراءة.................................... ٢٠٨

* والأقوال فيما لا نصّ فيه..................................................... ٢١٢

* أدلة القائلين بالبراءة......................................................... ٢١٤

* الكلام في آية : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها)............................ ٢١٥

* تقريب الاستدلال بآية : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ) على البراءة......................... ٢١٨

* الجواب عن آية : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ).......................................... ٢٢١

* دفع التناقض اللازم من الجمع بين التمسّك بالآية في المقام وبين ردّ من استدل بها لعدم الملازمة بين حكم الشرع وحكم العقل  ٢٢٣

* الاستدلال بآية : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً) على البراءة........................ ٢٢٥

* دلالة آية : (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ) على البراءة............................ ٢٢٦

* حول عدم دلالة الآيات على البراءة........................................... ٢٣٠

٤٣٧

* تقريب بدلالة حديث الرفع على البراءة........................................ ٢٣٢

* الإيراد على الاستدلال بحديث الرفع على البراءة................................. ٢٣٤

* ردّ الإيراد الوارد على الاستدلال بحديث الرفع على البراءة......................... ٢٣٧

* أقسام الآثار ، وما هو المراد منها؟............................................. ٢٤٨

* أو المرفوع بحديث الرفع هو ما لا ينافي الامتنان.................................. ٢٥٠

* الفرق بين الرفع والدفع....................................................... ٢٥١

* المراد بالرفع ما يعمّ الدفع..................................................... ٢٥١

* الإشكال على حديث الرفع.................................................. ٢٥٢

* مرجع رفع أثر النسيان الخطأ إلى عدم إيجاب التحفّظ............................ ٢٥٤

* الجمع بين حديث الرفع الدال على رفع المؤاخذة عن الحسد وبين الأخبار الدالّة على المؤاخذة عليه  ٢٥٨

* الكلام فيما هو المرفوع بحديث بالنسبة إلى الطّيرة................................ ٢٥٩

* ما هو المقصود من الوسوسة في التفكّر في الخلق؟................................ ٢٦١

* تقريب الاستدلال على البراءة بحديث الحجب.................................. ٢٦٥

* دلالة قوله عليه‌السلام : (الناس في سعة ما لم يعلموا) على البراءة....................... ٢٦٦

* تقريب رواية عبد الأعلى على البراءة........................................... ٢٦٧

* الإشكال على الاستدلال بصحيحة عبد الرحمن على البراءة....................... ٢٧٢

* تقريب الاستدلال بقوله عليه‌السلام : (كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال ... الخ) على البراءة  ٢٧٥

* الإشكال على الاستدلال بقوله : (كلّ شيء فيه حلال وحرام ... الخ)............ ٢٧٨

* والانصاف ظهور بعض الأخبار في الدلالة على عدم وجوب الاحتياط فيما لا نصّ فيه ٢٨٥

* الوجه الأوّل من الإجماع على البراءة............................................ ٢٨٧

* الوجه الثاني : هو الإجماع التجزيئي على البراءة.................................. ٢٨٧

* الأوّل : هو الإجماع المحصّل الحاصل بملاحظة فتاوى العلماء....................... ٢٨٨

* الثاني من الوجوه الثلاث من الإجماع التجزيئي هو الإجماعات المنقولة على

٤٣٨

* البراءة..................................................................... ٢٩١

* الثالث : هو الإجماع العملي على البراءة....................................... ٢٩٢

* إيراد المصنّف على المحقّق..................................................... ٢٩٣

* تقريب حكم العقل بقبح العقاب من دون بيان.................................. ٢٩٥

* الإشكال على الاستدلال بحكم العقل على البراءة............................... ٢٩٦

* الجواب عن الإشكال على الاستدلال بحكم العقل............................... ٢٩٧

* الاستدلال على البراءة بدليل عقلي آخر....................................... ٣٠٠

* الإشكال على الاستدلال بالدليل العقلي الثاني.................................. ٣٠١

* الاستدلال باستصحاب البراءة................................................ ٣٠٤

* الإشكال على الاستدلال باستصحاب البراءة................................... ٣٠٤

* الاستدلال بالآيات على وجوب الاحتياط...................................... ٣١٠

* الجواب عن الاستدلال بالآيات على وجوب الاحتياط............................ ٣١٢

* الاستدلال بالأخبار على وجوب الاحتياط..................................... ٣١٥

* الاستدلال بأخبار التوقّف على وجوب الاحتياط................................ ٣١٥

* الإشكال على الاستدلال بأخبار التوقّف على وجوب التوقّف.................... ٣١٦

* الجواب عن الاستدلال بأخبار التوقّف......................................... ٣٢٢

* الجواب الرابع عن أخبار التوقّف : إنّ الأمر فيها إرشادي......................... ٣٢٥

* ومن الأجوبة : إنّ أخبار التوقّف معارضة بأخبار البراءة.......................... ٣٣٥

* ومنها : تخصيص أخبار التوقّف بأخبار البراءة................................... ٣٣٧

* الاستدلال بأخبار الاحتياط على وجوب الاحتياط.............................. ٣٤٠

* الجواب عن الاستدلال بالصحيحة على وجوب الاحتياط......................... ٣٤٤

* الجواب عن الموثّقة التي استدلّ بها على وجوب الاحتياط.......................... ٣٤٨

* الجواب عن الاستدلال برواية الأمالي........................................... ٣٥٠

* الاستدلال بأخبار التثليث.................................................... ٣٥٤

* تقريب دلالة أخبار التثليث على وجوب الاحتياط............................... ٣٥٦

* الامور المؤيّدة لكون النبوي إرشاديّا............................................ ٣٥٩

٤٣٩

* استدلال الأخباريّين بالعقل على وجوب الاحتياط............................... ٣٦٥

* الجواب عن الاستدلال بالعقل على وجوب الاحتياط الأصل في الأشياء قبل الشرع... ٣٧٤

* الجواب عن الاستدلال بالوجه الثاني على وجوب الاحتياط........................ ٣٧٦

* التفصيل بين ما يعمّ به البلوى وغيره........................................... ٣٧٨

* توقف الاستدلال بالبراءة الأصلية على مقدمتين................................. ٣٨٠

* التفصيل المنسوب إلى المحقّق ١................................................ ٣٨٤

* ردّ المصنّف على من يقول بكون أصالة البراءة من الأمارات....................... ٣٨٩

* رجحان الاحتياط عقلا وشرعا................................................ ٣٩١

* الفرق بين الأقوال الأربعة للأخباريّين........................................... ٣٩٧

* الفرق بين الحرمة الظاهريّة والواقعيّة............................................. ٣٩٩

* حكومة الأصل الموضوعي على أصالة الإباحة................................... ٤٠٢

* أقسام الشبهة الموضوعيّة..................................................... ٤٠٥

* الإشكال على استصحاب الحرمة قبل التذكية................................... ٤٠٦

* كلام الجزائري في حسن الاحتياط............................................. ٤١٠

* منشأ الاشتباه إجمال النصّ................................................... ٤١٣

* منشأ الاشتباه تعارض النصّين................................................ ٤١٥

* المشهور هو تقديم الخبر المخالف للأصل على الخبر الموافق......................... ٤١٨

* الشبهات الموضوعيّة......................................................... ٤٢٣

* الشبهات الموضوعيّة التحريميّة................................................. ٤٢٩

٤٤٠