دروس في الرسائل - ج ٢

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٠

ذلك ، فلم أدر ما عليه ، قال : (إذا اصبتم بمثل هذا ولم تدروا ، فعليكم الاحتياط حتى تسألوا عنه وتعلموا) (١).

ومنها : موثّقة عبد الرحمن بن وضّاح ، على الأقوى ، قال : كتبت إلى العبد الصالح : يتوارى عنّا القرص ويقبل الليل ويزيد الليل ارتفاعا ويستر عنّا الشمس ويرتفع فوق الجبل حمرة ويؤذّن عندنا المؤذّنون ، فأصلّي حينئذ ، وافطر إن كنت صائما ، أو انتظر حتى تذهب الحمرة التي فوق الجبل؟ فكتب عليه‌السلام : (أرى لك أن تنتظر حتى تذهب الحمرة وتأخذ بالحائطة لدينك) (٢).

____________________________________

قال : (بل عليهما أن يجزي كلّ واحد منهما الصيد) فقلت : إنّ بعض أصحابنا سألني عن ذلك ، فلم أدر ما عليه ، قال : (إذا اصبتم بمثل هذا ولم تدروا ، فعليكم الاحتياط حتى تسألوا وتعلموا).

والرواية المذكورة لا تحتاج إلى شرح وتوضيح ، فنكتفي بتقريبها على وجوب الاحتياط ، فنقول : إنّ الاستدلال بها على وجوب الاحتياط في الشبهة التحريميّة مبنيّ على أن يكون المراد بمثل هذه المماثلة في جنس الشبهة ، لا في نوعها حتى يشمل مطلق الشبهة الحكميّة ، وجوبيّة كانت كما هو موردها ، أو تحريميّة ، وبذلك يكون مفاد هذه الرواية ـ حينئذ ـ إذا اصبتم ، أي : ابتليتم بمثل هذه الشبهة التي لا يعلم حكمها ، فعليكم بالاحتياط حتى تسألوا وتعلموا.

وحينئذ يمكن الاستدلال بها على وجوب الاحتياط في المقام ، أي : الشبهة التحريميّة.

(ومنها : موثّقة عبد الرحمن بن وضّاح ، على الأقوى قال : كتبت إلى العبد الصالح : يتوارى عنّا القرص ويقبل الليل ويزيد الليل ارتفاعا ، ويستر عنّا الشمس ويرتفع فوق الجبل حمرة ، ويؤذّن عندنا المؤذّنون ، فأصلي حينئذ ، وافطر إن كنت صائما ، أو انتظر حتى تذهب الحمرة التي فوق الجبل؟ فكتب عليه‌السلام : (أرى لك أن تنتظر حتى تذهب الحمرة وتأخذ بالحائطة لدينك)).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٩١ / ١. الوسائل ٢٧ : ١٥٤ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٥٩ / ١٠٣١. وفيه : عن عبد الله بن وضّاح ، الاستبصار ١ : ٢٦٤ / ٩٥٢ وفيه : عن عبد الله بن صباح. الوسائل ٤ : ١٧٦ ، أبواب مواقيت الصلاة ، ب ١٦ ، ح ١٤ ، وفيه : عن عبد الله بن وضّاح.

٣٤١

فإنّ الظاهر أنّ قوله عليه‌السلام : (تأخذ) بيان لمناط الحكم. كما في قولك للمخاطب : أرى لك أن توفّي دينك وتخلّص نفسك ، فيدلّ على لزوم الاحتياط مطلقا.

ومنها : ما عن أمالي المفيد الثاني ولد الشيخ ، بسند كالصحيح ، عن مولانا أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : (قال أمير المؤمنين عليه‌السلام لكميل بن زياد : أخوك دينك فاحتط لدينك بما شئت) (١). وليس في السند إلّا علي بن محمّد الكاتب الذي يروي عنه المفيد.

ومنها : ما عن خطّ الشهيد رحمه‌الله في حديث طويل عن عنوان البصري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام يقول فيه : (سل العلماء ما جهلت وإيّاك أن تسألهم تعنّتا وتجربة ، وإيّاك أن تعمل

____________________________________

ومحلّ الاستشهاد والاستدلال في هذه الموثّقة هو قول الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام ، حيث قال في الجواب : (أرى لك ان تنتظر حتى تذهب الحمرة ، وتأخذ بالحائطة لدينك) حيث يكون ظاهرا في التعميم وبيان القاعدة الكليّة وهي وجوب الاحتياط في مورد الشبهة لا الأخذ به في هذه المسألة فقط ، فتدلّ الموثّقة ـ حينئذ ـ على وجوب الاحتياط مطلقا لا في خصوص هذه المسألة ، لأنّ وجوب الانتظار في هذه المسألة يكون من مصاديق تلك القاعدة الكليّة كما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(فإنّ الظاهر أنّ قوله : (تأخذ) بيان مناط الحكم) بعنوان القاعدة الكليّة.

(ومنها : ما عن أمالي المفيد الثاني ولد الشيخ قدس‌سرهما بسند كالصحيح ، عن مولانا أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : (قال أمير المؤمنين عليه‌السلام لكميل بن زياد : أخوك دينك فاحتط لدينك بما شئت)).

وهذه الرواية من حيث السند معتبرة ، لأنّها كالصحيح ، إذ الوسائط كلّها عدل إمامي (إلّا علي بن محمد الكاتب ... إلى آخره) وهو ثقة ، ومن حيث الدلالة تامّة بناء على أن يكون المراد بالمشيئة هو الاستطاعة ، فيكون ـ حينئذ ـ مفادها : أخوك دينك فاحتط لدينك بما استطعت. ومن المعلوم أنّ التعليق بالاستطاعة يفيد الوجوب.

(ومنها : ما عن خطّ الشهيد رحمه‌الله في حديث طويل عن عنوان البصري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام يقول فيه : (سل العلماء ما جهلت ، وإيّاك أن تسألهم تعنتا وتجربة ، وإيّاك أن تعمل

__________________

(١) أمالي الطوسي : ١١٠ / ١٦٨. الوسائل ٢٧ : ١٦٧ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٤٦.

٣٤٢

برأيك شيئا ، وخذ الاحتياط في جميع امورك ما تجد إليه سبيلا ، واهرب من الفتيا هربك من الأسد ، ولا تجعل رقبتك عتبة للنّاس) (١).

ومنها : ما أرسله الشهيد رحمه‌الله وحكي عن الفريقين من قوله : (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ، فانّك لن تجد فقد شيء تركته لله عزوجل) (٢).

ومنها : ما أرسله الشهيد رحمه‌الله ـ أيضا ـ من قوله عليه‌السلام : (لك أن تنظر الحزم وتأخذ بالحائطة لدينك) (٣).

ومنها : ما أرسل ـ أيضا ـ عنهم عليهم‌السلام : (ليس بناكب عن الصّراط من سلك سبيل الاحتياط) (٤).

____________________________________

برأيك شيئا ، وخذ الاحتياط في جميع امورك ما تجد إليه سبيلا ، واهرب من الفتيا هربك من الأسد ، ولا تجعل رقبتك عتبة للناس)).

وتقريب الاستدلال بهذه الرواية هو أنّ الامام عليه‌السلام قد أمر بالاحتياط بقوله : (وخذ الاحتياط ... إلى آخره) ومن المعلوم أن الأمر ظاهر في الوجوب.

(ومنها) قوله عليه‌السلام : (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ، فانك لم تجد فقد شيء تركته لله عزوجل).

أي : اترك ما تشكّ في جوازه ، وهو ارتكاب الشبهة إلى ما لا تشكّ ، وهو ترك الشبهة والاجتناب عنها ، فإنّك لن تجد ما تركته لله مفقود الثواب والأجر.

(ومنها : ما أرسل ـ أيضا ـ عنهم عليهم‌السلام : (ليس بناكب عن الصراط من سلك سبيل الاحتياط)).

أي : لا يسقط عن الصراط في الآخرة من سلك سبيل الاحتياط في الدنيا.

هذه جملة من الطائفة الثالثة التي يمكن أن يستدل بها على وجوب الاحتياط.

__________________

(١) الوسائل ٢٧ : ١٧٢ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٦١.

(٢) كنز الفوائد ١ : ٣٥١. غوالي اللئالي ١ : ٣٩٤ / ٤٠. الذكرى : ١٣٨. الوسائل ٢٧ : ١٧٣ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٦٣.

(٣) الذكرى : ١٣٨. الوسائل ٢٧ : ١٧٣ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٦٥.

(٤)؟؟

٣٤٣

والجواب : أمّا عن الصحيحة (١) ، فبعدم الدلالة ، لأنّ المشار إليه في قوله عليه‌السلام : (بمثل هذا) إمّا نفس واقعة الصيد ، وإمّا أن يكون السؤال عن حكمها.

وعلى الأوّل : فإن جعلنا المورد من قبيل الشكّ في التكليف ، بمعنى : إنّ وجوب نصف الجزاء على كلّ واحد متيقّن ويشكّ في وجوب النصف الآخر عليه ، فيكون من قبيل وجوب

____________________________________

(والجواب : أمّا عن الصحيحة فبعدم الدلالة ... إلى آخره) وعدم دلالتها على وجوب الاحتياط في المقام أي : في الشبهة الحكميّة التحريميّة ، يتضح بعد ذكر مقدمة وهي :

إنّ المشار إليه في قوله عليه‌السلام : (بمثل هذا) لا يخلو عن أحد أمرين :

أحدهما : أن يكون المشار إليه نفس واقعة الصيد المشكوك فيها ، بحيث يكون دوران الأمر فيها بين الأقل وهو النصف والأكثر وهو النصفان ، فيكون مفاد الرواية حينئذ : إذا ابتليتم بمثل هذه الواقعة التي يدور الأمر فيها بين الأقل والأكثر ، فعليكم الاحتياط ... إلى آخره.

وثانيهما : أن يكون المشار إليه هو السؤال عن حكمها ، فيكون مفادها حينئذ : إذا ابتليتم بمثل هذا السؤال في مسألة لا تدرون حكمها ، كما لا تدرون حكم هذه المسألة ، فعليكم بالاحتياط ... إلى آخره.

وبهذا البيان يتضح لك أنّ الصحيحة أجنبية عن الدلالة بوجوب الاحتياط في الشبهة التحريميّة على كلا التقديرين.

وأمّا على التقدير الأوّل بأن يكون المشار إليه نفس واقعة الصيد ، فعدم الدلالة يتضح بعد مقدمة ، وهي : إنّ واقعة الصيد يدور أمرها بين الأقل والأكثر ، ثمّ دوران الأمر بين الأقل والأكثر يكون على قسمين :

أحدهما : دوران الأمر بين الأقل والأكثر الاستقلاليين ، بأن يكون الأقل واجبا مستقلّا ولو على تقدير وجوب الأكثر في الواقع ، فيسقط التكليف لو أتى به بالنسبة إليه ، كدوران ما في الذمّة من الدّين بين دينار ودينارين ، فتبرأ الذمّة بدفع دينار بالنسبة إلى الدينار الواحد ، ويكون الشكّ فيه شكّا في أصل التكليف بالنسبة إلى الزائد.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٩١ / ١. الوسائل ٢٧ : ١٥٤ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ١.

٣٤٤

أداء الدّين المردّد بين الأقلّ والأكثر ، وقضاء الفوائت المردّدة. والاحتياط في مثل هذا غير لازم بالاتّفاق ، لأنّه شكّ في الوجوب. وعلى تقدير قولنا بوجوب الاحتياط في مورد الرواية وأمثاله ممّا ثبت التكليف فيه في الجملة ، لأجل هذه الصحيحة وغيرها ، لم يكن ما نحن فيه من الشبهة مماثلا له ، لعدم ثبوت التكليف فيه رأسا.

____________________________________

وثانيهما : هو دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين ، بأن لا يكون الأقل واجبا مستقلّا على تقدير وجوب الأكثر ، فلم يسقط التكليف بإتيانه لو كان الواجب في الواقع هو الأكثر ، كدوران أمر الصلاة الرباعيّة بين القصر والتمام ، فلو أتى بها قصرا وكان الواجب هو التمام ، لم يسقط الأمر بالصلاة أصلا ، ويرجع الشكّ فيه إلى الشكّ في المكلّف به ، وذلك لأنّ المكلّف لا يعلم متعلّق التكليف ، هل هو الأقل أو الأكثر؟ لأنّهما ـ حينئذ ـ من قبيل المتباينين.

إذا عرفت هذه المقدّمة يتضح لك أنّ أمر جزاء الصيد يدور بين الأقل والأكثر ، حيث لا يعلم أنّ الواجب هل هو نصف الجزاء أو نصفان؟ فإن قلنا : إنّه يكون من القسم الأوّل ، ويجري أصل البراءة بالنسبة إلى النصف الزائد ، لكون الشكّ في وجوبه شكّا في أصل التكليف وهو مجرى البراءة بالاتّفاق ، ولكون الشبهة شبهة وجوبيّة ، ولا يجب فيها الاحتياط بالاتّفاق ، كما أشار إليه بقوله :

(والاحتياط في مثل هذا غير لازم بالاتّفاق).

ولو فرضنا وجوب الاحتياط في مورد الرواية لأجل ثبوت التكليف بالعلم الإجمالي المستفاد من الصحيحة ، لا يجوز التعدّي عن مورد الرواية إلى ما نحن فيه ، وذلك لعدم كون المقام مماثلا لمورد الرواية ، وذلك لوجهين :

أحدهما : إنّ الشبهة في مورد الرواية وجوبيّة ، وفي المقام تحريميّة.

وثانيهما : هو ثبوت التكليف في مورد الرواية في الجملة بالعلم الإجمالي ، غاية الأمر ينحل العلم الإجمالي إلى العلم التفصيلي بالنسبة إلى الأقل ، والشكّ في أصل التكليف بالنسبة إلى الزائد ، فيجري أصل البراءة فيه ، وهذا بخلاف المقام ، حيث يكون الشكّ في أصل التكليف أصلا ، ولم يكن مقرونا بالعلم الإجمالي.

والحاصل أنّه لا يجوز التعدّي عن مورد الرواية على تقدير وجوب الاحتياط فيه إلى ما

٣٤٥

وإن جعلنا المورد من قبيل الشكّ في متعلّق التكليف ، وهو المكلّف به ، لكون الأقل على تقدير وجوب الأكثر غير واجب بالاستقلال ، نظير وجوب التسليم في الصلاة ، والاحتياط هنا وإن كان مذهب جماعة من المجتهدين ـ أيضا ـ إلّا إنّ ما نحن فيه من الشبهة الحكميّة التحريميّة ليس مثلا لمورد الرواية ، لأنّ الشكّ فيه في أصل التكليف.

هذا مع أنّ ظاهر الرواية التمكّن من استعلام حكم الواقعة بالسؤال والتعلّم فيما بعد ، ولا مضايقة عن القول بوجوب الاحتياط في هذه الواقعة الشخصيّة حتى تعلم المسألة لما يستقبل من الوقائع.

____________________________________

نحن فيه ، لعدم المماثلة.

هذا تمام الكلام فيما إذا كان جزاء الصيد من قبيل دوران الأمر بين الأقل والأكثر الاستقلاليين.

وإن قلنا : بأنّه يكون من القسم الثاني ، وهو دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين حتى يرجع الشكّ فيه إلى الشكّ في المكلّف به ، فالاحتياط فيه وإن كان مذهب الأخباريين ، وجماعة من المجتهدين ـ أيضا ـ إلّا إنّ ما نحن فيه ليس مماثلا لمورد الرواية وذلك لوجهين :

أحدهما : ما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(لأنّ الشك فيه في أصل التكليف).

أي : بكون الشكّ في المقام في أصل التكليف ، وفي مورد الرواية في المكلف به.

وثانيهما : إن الشبهة في موردها وجوبيّة ، وفي المقام تحريميّة.

(هذا مع أنّ ظاهر الرواية التمكّن من استعلام حكم الواقعة بالسؤال والتعلّم فيما بعد ... إلى آخره).

يقول المصنّف قدس‌سره : إنّ الرواية أجنبية عن المقام من جهة اخرى ، وهي :

إن الرواية ظاهرة في صورة تمكّن المكلّف من استعلام حكم الواقعة بالسؤال والتعلّم.

وبعبارة اخرى : في الشبهة قبل الفحص وإمكان إزالتها بالفحص ، ومن المعلوم أن الاحتياط واجب في كل شبهة كذلك ، وهذا بخلاف ما نحن فيه حيث يكون المفروض فيه عدم التمكّن من إزالة الشبهة ، فلا يجوز التعدّي عن مورد الرواية إلى ما نحن فيه ، وذلك

٣٤٦

ومنه يظهر : إنّه إن كان المشار إليه ب (هذا) هو السؤال عن حكم الواقعة ـ كما هو الثاني من شقّي الترديد ـ فإن اريد بالاحتياط فيه الافتاء بالاحتياط لم ينفع فيما نحن فيه ، وإن اريد من الاحتياط الاحتراز عن الفتوى فيها أصلا حتى بالاحتياط فكذلك.

____________________________________

لعدم المماثلة.

هذا تمام الكلام في الشقّ الأوّل من المقدّمة الاولى حيث قلنا : إنّ المشار إليه لا يخلو عن أحد أمرين ... إلى آخره.

وبقي الكلام في الأمر الثاني والشقّ الثاني ، وقد أشار إليه بقوله :

(ومنه يظهر : إنّه إن كان المشار إليه ب (هذا) هو السؤال عن حكم الواقعة ـ كما هو الثاني من شقيّ الترديد ـ).

أي : ممّا ذكر من أن ظاهر الرواية هو صورة تمكّن المكلّف من استعلام حكم الواقعة بالسؤال والتعلّم ، يظهر : إنّه إن كان المشار إليه ب(هذا) هو السؤال عن حكم الواقعة ... إلى آخره ، فإنّ ما ذكر في الرواية من قوله عليه‌السلام : (فعليكم الاحتياط) لا يخلو عن أحد احتمالين :

أحدهما : أن يكون المراد بالاحتياط هو الإفتاء به. أي : فعليكم الإفتاء بالاحتياط لا بالبراءة.

وثانيهما : أن يكون المراد به هو الاحتراز عن الفتوى بالاحتياط. بمعنى : إنّه لا يجوز الإفتاء بالاحتياط ولا بالبراءة.

وعلى التقديرين لا ينفع فيما نحن فيه.

أمّا على الاحتمال الأوّل ، فلأنّ وجوب الإفتاء بالاحتياط في واقعة يتمكّن المكلّف فيها من تعلّم المسألة بالسؤال ، لا يدلّ على وجوب الإفتاء به في مسألة لا يتمكّن المكلّف فيها من الاستعلام كما هو محلّ الكلام في المقام.

وأمّا على الاحتمال الثاني ، فلأنّ الاحتراز عن الفتوى عند التمكّن من الاستعلام كما هو مورد الرواية لا يدلّ على الاحتراز عن الفتوى والتوقّف فيها عند عدم التمكّن من الاستعلام ، فيجوز أن يفتي فيه بالبراءة.

وبعبارة اخرى : إن وجوب الفتوى بالاحتياط في مورد الرواية لا ينفع في المقام ، أي : في الشبهة التحريميّة ، وذلك لأنّ المراد بالمماثلة إن كان في النوع ، فلا ربط لمورد الرواية

٣٤٧

وأمّا عن الموثّقة (١) : فبأنّ ظاهرها الاستحباب. والظاهر أنّ مراده الاحتياط من حيث الشبهة الموضوعيّة ، لاحتمال عدم استتار القرص وكون الحمرة المرتفعة أمارة عليها ؛ لأنّ إرادة الاحتياط في الشبهة الحكميّة بعيدة عن منصب الإمام عليه‌السلام ؛ لأنّه لا يقرّر الجاهل بالحكم على جهله.

____________________________________

بالمقام أصلا ، لكون الشبهة فيه وجوبيّة ، وفي المقام تحريميّة ، وإن كان في الجنس ، فإنّه وإن كان يشمل المقام إلّا إنّه لا ينفع أيضا ، لأنّه مستلزم لتخصيص المورد ، لأنّ الأخباري لا يقول بوجوب الفتوى بالاحتياط في الشبهة الوجوبيّة وهي مورد الرواية ، فيلزم خروج مورد الرواية عنها وهو غير جائز.

وخلاصة القول هو أنّ الصحيحة لا تدل على وجوب الاحتياط في الشبهة التحريميّة وذلك بالبيان المتقدّم.

(وأمّا عن الموثّقة : فبأنّ ظاهرها الاستحباب ... إلى آخره).

وهو المستفاد من قوله عليه‌السلام : (أرى لك ان تنتظر ... إلى آخره).

وأمّا تفصيل الجواب عن الموثّقة فلا بدّ أن يكون الجواب عنها :

تارة : على مذهب من يقول بتحقّق الغروب باستتار القرص ، كالسيد والشيخ وابن بابويه قدس‌سرهم ، حيث تكون الشبهة ـ حينئذ ـ موضوعيّة على ما يأتي تفصيل ذلك.

واخرى : على مذهب من يقول بتحقّق الغروب بذهاب الحمرة المشرقيّة ، كما عليه أكثر الفقهاء الإماميّة ، حيث تكون الشبهة ـ حينئذ ـ حكميّة ، كما سيأتي.

والمراد بالحمرة في قوله عليه‌السلام : (حتى تذهب الحمرة) على المذهب الأوّل هي الحمرة المغربيّة ، حيث تكون مردّدة بين الحمرة التي تكون أمارة على غروب الشمس ودخول وقت المغرب ، وبين الحمرة المغربيّة المرتفعة فوق الجبل الحاصلة من نور الشمس ، وتكون أمارة على عدم غروب الشمس ، فتكون الشبهة ـ حينئذ ـ موضوعيّة ؛ وذلك لكون الشكّ ناشئا من الامور الخارجيّة ، مع كون مفهوم الغروب واضحا ومعلوما شرعا على الفرض ، وهو استتار القرص.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٥٩ / ١٠٣١. الاستبصار ١ : ٢٦٤ / ٩٥٢. الوسائل ٤ : ١٧٦ ، أبواب مواقيت الصلاة ، ب ١٦ ، ح ١٤.

٣٤٨

ولا ريب أنّ الانتظار مع الشكّ في الاستتار واجب لأنّه مقتضى استصحاب عدم الليل والاشتغال بالصوم وقاعدة الاشتغال بالصلاة ، فالمخاطب بالأخذ بالحائطة هو الشاكّ في براءة ذمته عن الصوم والصلاة ، ويتعدّى منه إلى كل شاكّ في براءة ذمّته عمّا يجب عليه يقينا ، لا مطلق الشاكّ ، لأنّ الشاكّ في الموضوع الخارجي مع عدم تيقّن التكليف لا يجب عليه الاحتياط باتّفاق من الأخباريّين أيضا.

هذا كلّه على تقدير القول بكفاية استتار القرص في الغروب وكون الحمرة غير الحمرة المشرقيّة. ويحتمل بعيدا أنّ يراد من الحمرة الحمرة المشرقيّة التي لا بدّ من زوالها في تحقّق المغرب.

وتعليله ـ حينئذ ـ بالاحتياط وإن كان بعيدا عن منصب الإمام عليه‌السلام ـ كما لا يخفى ـ إلّا إنّه يمكن أن يكون هذا النحو من التعبير لأجل التقيّة ، لإيهام أنّ الوجه في التأخير هو حصول الجزم باستتار القرص وزوال احتمال عدمه ، لا أنّ المغرب لا يدخل مع تحقّق الاستتار ، كما أنّ

____________________________________

وظاهر الموثّقة وإن كان الاستحباب نظرا إلى قوله عليه‌السلام : (أرى لك أن تنتظر) الظاهر في استحباب الانتظار ، إلّا إنّ الانتظار واجب من جهة اخرى ، وهي ما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(ولا ريب أنّ الانتظار مع الشكّ في الاستتار واجب ، لأنّه مقتضى استصحاب عدم الليل والاشتغال بالصوم وقاعدة الاشتغال بالصلاة ... إلى آخره).

ولازم الجميع هو وجوب الانتظار حتى يتحقّق الليل ، فتحصل براءة الذمّة عن الصوم والصلاة ؛ لأنّ العقل يحكم بأنّ الاشتغال اليقيني المقتضي للبراءة اليقينية ، وهي لا تحصل إلّا بالانتظار.

(ويتعدّى منه إلى كل شاكّ في براءة ذمّته عمّا يجب عليه يقينا لا مطلق الشاكّ).

ويجوز التعدّي من مورد الموثّقة إلى مورد آخر إذا كان المكلّف شاكّا في براءة ذمّته بعد اليقين باشتغالها ، ولا يجوز التعدّي إلى مطلق الشاكّ ، كالشاكّ في وجوب الاحتياط في المقام ، والشاكّ في كون مائع خمرا في الموضوع الخارجي ، إذ لا يجب فيهما الاحتياط باتّفاق من الأخباريين.

وأمّا الجواب عن الموثّقة على مذهب من يقول بتحقّق الغروب بذهاب الحمرة

٣٤٩

قوله : (أرى لك) ، يستشمّ منه رائحة الاستحباب ، فلعلّ التعبير به مع وجوب التأخير من جهة التقيّة.

وحينئذ فتوجيه الحكم بالاحتياط لا يدلّ إلّا على رجحانه.

وأمّا عن رواية الأمالي (١) ، فبعدم دلالتها على الوجوب ، للزوم إخراج أكثر موارد الشبهة ، وهي الشبهة الموضوعيّة مطلقا والحكميّة الوجوبيّة. والحمل على الاستحباب ـ أيضا ـ مستلزم لإخراج موارد وجوب الاحتياط ، فتحمل على الإرشاد أو على الطلب المشترك بين الوجوب والندب.

____________________________________

المشرقيّة ، فبأنّ الموثّقة واردة في مقام التقيّة ، لأنّ وظيفة الإمام عليه‌السلام في الشبهة الحكميّة هو بيان الحكم الواقعي ورفع الاشتباه ، فكان الحقّ أن يقول : انتظر حتى تذهب الحمرة ، لأنّ الغروب يتحقّق بذهابها على الفرض ، فالتعبير بقوله : (أرى لك أن تنتظر حتى تذهب الحمرة) ثمّ تعليله الحكم بالاحتياط وإن كان بعيدا عن منصب الإمام عليه‌السلام إذ وظيفته عليه‌السلام بيان الغروب لا الاحتياط ، إلّا إنّه يمكن أن يكون هذا النحو من التعبير لأجل التقيّة ؛ لإيهام أنّ الوجه في التأخير هو حصول الجزم بالغروب ، لا أنّ المغرب لا يدخل مع تحقّق الاستتار.

والحاصل أنّ قوله عليه‌السلام : (أرى لك أن تنتظر) ظاهر في استحباب الانتظار ، ولعلّ التصريح بالاستحباب مع وجوب الانتظار عندنا كان من جهة التقيّة.

(وحينئذ فتوجيه الحكم بالاحتياط لا يدل إلّا على رجحانه).

أي : إنّ تعليل الحكم وهو استحباب الانتظار بالاحتياط ، وهو قوله : (وتأخذ بالحائطة ... إلى آخره) لا يدلّ إلّا على رجحان الاحتياط لا على وجوبه ، لأنّ علّة المستحب مستحبة ، وبذلك لا تكون الموثّقة دليلا على وجوب الاحتياط فيما نحن فيه أصلا.

(وأمّا عن رواية الأمالي ، فبعدم دلالتها على الوجوب للزوم إخراج أكثر موارد الشبهة ، وهي الشبهة الموضوعيّة مطلقا والحكميّة الوجوبيّة ... إلى آخره).

أي : وأمّا الجواب عن رواية الأمالي وهي قوله عليه‌السلام : (أخوك دينك فاحتط لدينك) ، فبعدم دلالتها على وجوب الاحتياط ؛ وذلك لأنّها لو دلّت على الوجوب ، لدلّت عليه في

__________________

(١) أمالي الطوسي : ١١٠ / ١٦٨. الوسائل ٢٧ : ١٦٧ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٤٦.

٣٥٠

وحينئذ فلا ينافي لزومه في بعض الموارد وعدم لزومه في بعض آخر ، لأنّ تأكّد الطلب الإرشادي وعدمه بحسب المصلحة الموجودة في الفعل ، لأنّ الاحتياط هو الاحتراز عن موارد احتمال المضرّة ، فيختلف رضاء المرشد بتركه وعدم رضاه بحسب مراتب المضرّة كما أنّ الأمر في الأوامر الواردة في إطاعة الله ورسوله للإرشاد المشترك بين فعل الواجبات وفعل المندوبات.

هذا ، والذي يقتضيه دقيق النظر أنّ الأمر المذكور بالاحتياط لخصوص الطلب الغير الإلزامي ، لأنّ المقصود منه بيان أعلى مراتب الاحتياط لا جميع مراتبه ولا المقدار الواجب.

____________________________________

كل شبهة ، والتالي باطل ، فالمقدم مثله.

أمّا الملازمة فواضحة ، وذلك لجعل الدّين بمنزلة الأخ في وجوب المحافظة ، فيجب حفظ الدّين ورعايته في جميع الموارد.

وأمّا بطلان التالي ، فلما ذكره المصنّف قدس‌سره من إخراج أكثر موارد الشبهة عنها ، وكذلك حملها على الاستحباب مستلزم لإخراج موارد الوجوب ، عنها مع أنّها آبية عن التخصيص كما لا يخفى ، فيجب حملها أمّا على الإرشاد المشترك بين الوجوب والندب ، أو على الطلب المولوي المشترك بين الوجوب والندب ؛ لئلّا يلزم تخصيص الأكثر في الأوّل بإخراج الشبهات الموضوعية مطلقا ، والحكميّة الوجوبيّة لعدم وجوب الاحتياط فيها بالاتّفاق ، وأصل التخصيص في الثاني بإخراج موارد وجوب الاحتياط ، وهي الشكّ في المكلّف به وأنّها آبية عن التخصيص.

(والذي يقتضيه دقيق النظر أن الأمر المذكور بالاحتياط لخصوص الطلب الغير الإلزامي).

أي : الإرشادي الاستحبابي ، وذلك ، لأنّ المقصود منه بيان أعلى مراتب الاحتياط لا جميعها ، والفرق بينهما : إن الأوّل أي : بيان أعلى المراتب لا يتحقق إلّا بضمّ الاحتياطات الواجبة مع المستحبة.

ومن المعلوم أنّ هذا الضمّ مستحب وليس بواجب قطعا ، وبذلك تكون النتيجة هي الاحتياط في الدّين حسب القدرة والاستطاعة. وهذا بخلاف الاحتياط في جميع المراتب ، إذ الاحتياط في جميع المراتب لا يتحقّق ، إلّا بالاحتياط في جميع موارد وجوب الاحتياط

٣٥١

والمراد من قوله : (بما شئت) ، ليس التعميم من حيث القلّة والكثرة والتفويض إلى مشيئة الشخص ، لأنّ هذا كلّه مناف لجعله بمنزلة الأخ ، بل المراد أنّ أيّ مرتبة من الاحتياط شئتها فهي في محلّها ، وليس هنا مرتبة من الاحتياط لا تستحسن بالنسبة إلى الدّين لأنّه بمنزلة الأخ الذي هو كذلك ، وليس بمنزلة سائر الامور لا يستحسن فيها بعض مراتب الاحتياط ، كالمال وما عدا الأخ من الرجال ، فهو بمنزلة قوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)(١).

وممّا ذكرنا يظهر الجواب عن سائر الأخبار المتقدّمة ، مع ضعف السند في الجميع.

نعم ، يظهر من المحقّق رحمه‌الله في المعارج اعتبار إسناد النبوي : (دع ما يريبك) (٢) ، حيث اقتصر في ردّه على : «أنّه خبر واحد لا يعوّل عليه في الاصول ، وأنّ إلزام المكلّف بالأثقل مظنّة الريبة».

____________________________________

وموارد استحبابه ، فلا بدّ ـ حينئذ ـ من حملها على القدر المشترك ، لئلّا يلزم التخصيص.

(والمراد من قوله عليه‌السلام : (بما شئت) ليس التعميم من حيث القلّة والكثرة والتفويض إلى مشيئة الشخص).

أي : المراد(بما شئت) هو : ما استطعت ، لا التفويض إلى المشيئة ليكون مفادها : احتط لدينك بما تريد وتشاء ، فيكون الأمر ظاهرا في الاستحباب لكون التفويض منافيا لجعل الدّين بمنزلة الأخ في كمال المحافظة عليه ، بل يكون معناها احتط لدينك بما استطعت ، أي : بأيّ مرتبة من مراتب الاحتياط استطعتها.

(وممّا ذكرنا يظهر الجواب عن سائر الأخبار المتقدمة ... إلى آخره).

أي : وممّا ذكرنا في رواية الأمالي من حملها على القدر المشترك بين الوجوب والندب ، يظهر الجواب عن سائر الأخبار المذكورة ، فإنّها تحمل على الإرشاد المشترك بين الوجوب والندب ، أو الطلب المولوي المشترك كذلك ، هذا مضافا إلى ضعف سندها ، فلا تكون حجّة حتى يصحّ الاستدلال على وجوب الاحتياط.

__________________

(١) التغابن : ١٦.

(٢) كنز الفوائد ١ : ٣٥١. غوالي اللآلئ ١ : ٣٩٤ / ٤٠. الذكرى : ١٣٨. الوسائل ٢٧ : ١٧٣ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٦٣.

٣٥٢

وما ذكره محلّ تأمّل ، لمنع كون المسألة اصوليّة ، ثمّ منع كون النبوي من أخبار الآحاد المجرّدة ، لأنّ مضمونه ـ وهو ترك الشبهة ـ يمكن دعوى تواتره ، ثمّ منع عدم اعتبار أخبار الآحاد في المسألة الاصوليّة. وما ذكره من : «أنّ إلزام المكلّف بالأثقل ... إلى آخره» ، فيه : إنّ الإلزام من هذا الأمر ، فلا ريبة فيه.

____________________________________

نعم ، قيل باعتبار النبوي من حيث السند ، وهو : (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) وقد أجاب عنه المحقّق قدس‌سره بوجهين :

أحدهما : إنّه خبر واحد لا يعوّل عليه في الاصول.

وثانيهما : إنّ في وجوب الاحتياط مظنّة الريبة ، لأنّ فيه إلزام المكلّف بالأثقل وهو فعل محتمل الوجوب وترك محتمل الحرمة لاحتمال عدم رضى الله تعالى بمشقّة عباده.

ويقول المصنّف قدس‌سره في ردّ ما أجاب به المحقّق قدس‌سره :

(وما ذكره محلّ تأمّل).

والتأمّل فيما ذكره المحقّق قدس‌سره يمكن أن يتصوّر من وجوه ، كما أشار إليها المصنّف قدس‌سره :

الأوّل : هو التأمّل في الوجه الأوّل من الجواب بوجوه :

الأوّل : منع كون مسألة وجوب الاحتياط اصولية حتى لا يجوز الاعتماد فيها على خبر الواحد ، بل هي من المسائل الفرعيّة ، لأنّ الاحتياط يكون من عوارض فعل المكلّف ، فيكون البحث فيه بحثا عن عوارض فعل المكلّف ، ومن المعلوم أنّ البحث عن عوارض فعل المكلّف من المسائل الفرعية لا الاصولية.

الثاني : منع كون النبوي من الأخبار الآحاد المجردة ، لأنّ مضمونه ـ وهو ترك الشبهة ـ يمكن دعوى تواتره.

والثالث : منع عدم اعتبار أخبار الآحاد في المسألة الاصولية ، نعم ، لا تعتبر في اصول الدين.

وأمّا التأمّل في الوجه الثاني من الجواب فقد أشار إليه بقوله :

(فيه : إنّ الإلزام من هذا الأمر ، فلا ريبة فيه).

أي : إن الإلزام بالأثقل ثابت من هذا الأمر ، وغيره ، فلا يبقى ريب في الإلزام إذا ثبت بالدليل.

٣٥٣

الرابعة : أخبار التثليث المرويّة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والوصي عليه‌السلام وبعض الأئمّة عليهم‌السلام.

ففي مقبولة ابن حنظلة الواردة في الخبرين المتعارضين ـ بعد الأمر بأخذ المشهور منهما وترك الشاذّ النادر ، معلّلا بقوله عليه‌السلام : (فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه) (١).

قوله : (إنّما الامور ثلاثة ، أمر بيّن رشده فيتّبع ، وأمر بيّن غيّه فيجتنب ، وأمر مشكل يردّ حكمه إلى الله ورسوله ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك ، فمن ترك الشّبهات نجى من المحرّمات ، ومن أخذ بالشّبهات وقع في المحرّمات وهلك من حيث لا يعلم) (٢).

____________________________________

(والرابعة : أخبار التثليث المرويّة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والوصي عليه‌السلام).

وهي الطائفة الرابعة التي استدل بها على وجوب الاحتياط وهي أخبار التثليث ، وما أشار إليه المصنّف قدس‌سره هي ثلاثة :

أحدها : ما عن الإمام عليه‌السلام. والثانية والثالثة ما عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ففي ذيل مقبولة عمر بن حنظلة الواردة في الخبرين المتعارضين قال الإمام عليه‌السلام :

(إنّما الامور ثلاثة ، أمر بيّن رشده فيتّبع ، وأمر بيّن غيّه فيجتنب ، وأمر مشكل يردّ حكمه إلى الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله).

ثمّ ذكر ما عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك ، فمن ترك الشبهات نجى من المحرّمات ومن أخذ بالشبهات وقع في المحرّمات ، وهلك من حيث لا يعلم)).

ثمّ أشار إلى الثالثة التي رويت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله :

(النبوي المروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في كلام طويل ، وقد تقدّم في أخبار التوقّف). وهو قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (الامور ثلاثة أمر بيّن لك رشده فاتّبعه ، وأمر بيّن لك غيّه فاجتنبه ، وأمر اختلف فيه فردّه إلى الله تعالى).

والاستدلال بهذه الطائفة مبني على أن يكون الشاذ الذي أمر الإمام عليه‌السلام بتركه وأوجب

__________________

(١) الكافي ١ : ٦٨ / ١٠. الفقيه ٣ : ٦ / ١٨. الوسائل ٢٧ : ١٠٦ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ١.

(٢) الكافي ١ : ٦٨ / ١٠. الفقيه ٣ : ٦ / ١٨. التهذيب ٦ : ٣٠٢ / ٨٤٥. الوسائل ٢٧ : ١٥٧ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٩.

٣٥٤

وجه الدلالة : إنّ الإمام عليه‌السلام أوجب طرح الشاذّ معلّلا بأنّ المجمع عليه لا ريب فيه ، والمراد أنّ الشاذّ فيه الريب ، لا أنّ الشهرة تجعل الشاذّ ممّا لا ريب في بطلانه ، وإلّا لم يكن معنى لتأخّر الترجيح بالشهرة عن الترجيح بالأعدليّة والأصدقيّة والأورعيّة ، ولا لفرض الراوي الشهرة في كلا الخبرين ، ولا لتثليث الامور ، ثمّ الاستشهاد بتثليث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

____________________________________

طرحه داخلا في الأمر المشكل الذي يجب ردّه إلى الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في التثليث الإمامي ، وداخلا في الشبهات في التثليث النبوي الأوّل ، وداخلا في الأمر المختلف فيه في النبوي الثاني ، وذلك بأن يكون المراد بنفي الريب عن المجمع عليه في قوله عليه‌السلام : (فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه) نفيه بالإضافة إلى الشاذّ ؛ ليكون مفهومه ثبوت الريب في الشاذ ، لا نفي الريب عنه رأسا حتى يكون مقطوع الصحّة ، ليكون مفهومه كون الشاذّ معلوم البطلان ، فيكون الأوّل داخلا في البيّن الرشد ، والحلال البيّن ، والثاني أي : الشاذّ داخلا في البيّن الغي ، والحرام البيّن ، فلا يحتاج ـ حينئذ ـ وجوب ترك الشاذّ إلى الاستدلال ، لأنّه أمر مركوز في النفس.

وحينئذ إذا وجب طرح الشاذّ الداخل في الأمر المشكل والشبهات ، لوجب الاجتناب عن كل أمر مشكل وشبهة ، كشرب التتن مثلا ، وهو المطلوب.

ولكن الكلام في إثبات كون الشاذ داخلا في الأمر المشكل والشبهات ، لا في البيّن الغي والحرام البيّن ، كما توهّمه صاحب الفصول قدس‌سره ، حيث قال : بأنّ الشاذّ داخل في البيّن الغي ، فيكون مقطوع البطلان ، كما أنّ المشهور داخل في البيّن الرشد ، فيكون معلوم الصحّة.

وقد أشار المصنّف قدس‌سره بردّ هذا التوهّم بقوله : (لا أنّ الشهرة تجعل الشاذّ ممّا لا ريب في بطلانه).

والشاهد على عدم دخول الشاذّ في البيّن الغي والحرام البيّن ، امور قد أشار إليها بقوله :

(وإلّا لم يكن معنى لتأخير الترجيح بالشهرة عن الترجيح بالأعدليّة والأصدقيّة والأورعيّة ، ولا لفرض الراوي الشهرة في كلا الخبرين ، ولا لتثليث الامور ، ثمّ الاستشهاد بتثليث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله).

وما ذكر شاهدا على عدم دخول الشاذّ في معلوم البطلان كما توهّمه صاحب الفصول

٣٥٥

والحاصل أنّ الناظر في الرواية يقطع بأنّ الشاذّ ممّا فيه الريب فيجب طرحه وهو الأمر المشكل الذي أوجب الإمام ردّه إلى الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فيعلم من ذلك كلّه أنّ الاستشهاد بقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في التثليث لا يستقيم إلّا مع وجوب الاجتناب عن الشبهات ، مضافا إلى دلالة قوله : (نجى من المحرّمات) ، بناء على أنّ

____________________________________

هو ثلاثة امور ، لا بدّ من توضيح كل واحدة منها فنقول :

أمّا الأمر الأوّل : وهو عدم صحّة تأخير الترجيح بالشهرة على الترجيح بالصفات ؛ فلأنّ الشهرة ـ حينئذ ـ تكون من المرجّحات القطعيّة ، والصفات كالأعدليّة والأصدقيّة والأورعيّة تكون من المرجّحات الظنّية فيلزم أنّه لا يجوز تقديم المرجّح القطعي على المرجّح الظنّي وهو باطل.

وأمّا الأمر الثاني : وهو فرض الراوي الشهرة في كلا الخبرين ؛ فلأنّ الخبرين المشهورين يكونان قطعيين على الفرض ، ولا يعقل التعارض بين الدليلين القطعيّين من جميع الجهات ، فيكون فرض الشهرة في الخبرين المتعارضين باطلا.

وأمّا الأمر الثالث : وهو عدم صحة التثليث ، وعدم صحة الاستشهاد به ؛ فلأنّ الشاذ ـ حينئذ ـ يكون مقطوع البطلان ، فيجب طرحه من دون حاجة إلى تثليث الامور ، والاستشهاد به على ذلك.

فيعلم من ذلك كلّه أنّ الاستشهاد بقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في التثليث لا يستقيم إلّا مع وجوب الاحتياط والاجتناب عن الشبهات.

وتوضيح ذلك : إنّ الإمام عليه‌السلام استشهد على وجوب طرح الشاذّ ، لكونه من الشبهات ، فلا بدّ أن تكون الشبهات ممّا يجب الاجتناب عنه ، إذ لو لم يكن الاجتناب عنها واجبا ، بأن لا يدلّ كلام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله على وجوب ترك الشبهة لما صحّ الاستشهاد بكلام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله على وجوب طرح الشاذّ.

ثمّ يذكر المصنّف قدس‌سره ما يدلّ على وجوب الاجتناب عن الشبهات من القرائن في التثليث النبوي :

اولاها : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ((نجى من المحرّمات) بناء على أنّ تخلّص النفس من المحرمات واجب).

٣٥٦

تخلّص النفس من المحرّمات واجب ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (وقع في المحرّمات ، وهلك من حيث لا يعلم).

ودون هذا النبوي في الظهور ، النبويّ المرويّ عن أبي عبد الله عليه‌السلام في كلام طويل ، وقد تقدّم في أخبار التوقّف (١) ، وكذا مرسلة الصدوق (٢) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام.

والجواب عنه : ما ذكرنا سابقا ، من أنّ الأمر بالاجتناب عن الشبهة إرشادي للتحذير

____________________________________

فالاجتناب عن الشبهات ـ أيضا ـ واجب ، لأنّه مقدّمة للنجاة من المحرّمات ، وتخلّص النفس عنها ، فإذا كان تخلّص النفس عنها واجبا ، لكان الاجتناب عن الشبهات واجبا أيضا ؛ وذلك لأنّ مقدّمة الواجب واجبة.

وثانيتها : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (وقع في المحرّمات).

أي : الأخذ بالشبهات موجب للوقوع في المحرّمات ، ومن المعلوم أنّ إيقاع النفس في المحرّمات محرّم ، فالأخذ بالشبهات ـ أيضا ـ محرّم ، وإذا كان الأخذ بها محرّما كان الاجتناب عنها واجبا.

وثالثتها : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (وهلك من حيث لا يعلم).

وهذه الجملة تدلّ على أنّ في ارتكاب الشبهات هلاك أي : عقاب ، لأنّ الهلاك ظاهر في الهلاك الاخروي الذي يجب دفعه بترك الشبهات ، فترك الشبهات واجب وهو المطلوب.

(ودون هذا النبوي في الظهور ، النبويّ المرويّ ... إلى آخره).

ووجه كونه أدون ظهورا هو عدم استشهاد الإمام عليه‌السلام بهذا النبوي.

(والجواب عنه : ما ذكرنا سابقا من أنّ الأمر بالاجتناب عن الشبهة إرشادي ... إلى آخره).

والجواب عن الاستدلال بحديث التثليث النبوي ما ذكره المصنّف قدس‌سره سابقا في الجواب عن أخبار التوقّف والاحتياط من حملها على الإرشاد المشترك بين الوجوب والندب ، فالأمر بالاجتناب عن الشبهة ليس لخصوص الوجوب ليكون دليلا للأخباري ،

__________________

(١) الكافي ١ : ٦٨ / ١٠. الفقيه ٣ : ٦ / ١٨. التهذيب ٦ : ٣٠٢ / ٨٤٥. الوسائل ٢٧ : ١٥٧ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٩.

(٢) الفقيه ٤ : ٥٣ / ١٩٣. الوسائل ٢٧ : ١٧٥ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٦٨.

٣٥٧

عن المضرّة المحتملة فيها ، فقد تكون المضرّة عقابا ، وحينئذ فالاجتناب لازم ، وقد تكون مضرّة اخرى ، فلا عقاب على ارتكابها على تقدير الوقوع في الهلكة ، كالمشتبه بالحرام حيث لا يحتمل فيه الوقوع في العقاب على تقدير الحرمة اتفاقا ، لقبح العقاب على الحكم الواقعي المجهول باعتراف الأخباريين أيضا ، كما تقدّم.

وإذا تبيّن لك أنّ المقصود من الأمر بطرح الشبهات ليس خصوص الإلزام ، فيكفي ـ حينئذ ـ في مناسبة ذكر كلام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله المسوق للإرشاد أنّه إذا كان الاجتناب عن المشتبه بالحرام راجحا ، تفصّيا عن الوقوع في مفسدة الحرام ، فكذلك طرح الخبر الشاذّ واجب ، لوجوب التحرّي عند تعارض الخبرين في تحصيل ما هو أبعد من الريب وأقرب إلى الحقّ ، إذ لو قصّر في ذلك وأخذ بالخبر الذي فيه الريب احتمل أن يكون قد أخذ بغير ما هو الحجّة له ،

____________________________________

ولا لخصوص الندب ، لئلّا يلزم التخصيص وهو آب عنه ، بل يكون للإرشاد المشترك.

غاية الأمر تكون حكمة طلب ترك الشبهة إرشادا هي النجاة والتخلّص عن الهلاكة المحتملة ، كما أشار إليها المصنّف قدس‌سره بقوله :

(للتحذير عن المضرّة المحتملة فيها).

غاية الأمر لو كانت المضرّة المحتملة عقابا كان الاجتناب عن الشبهة واجبا ، وإن كانت غيره كان مستحبا ، ولا بدّ ـ حينئذ ـ من إحراز الصغرى أي : المضرّة عقابا ، أو غيره من الخارج ، فلا عقاب على ارتكابها أي : المضرّة ، على تقدير الوقوع في الهلكة بمعنى غير العقاب (كالمشتبه بالحرام حيث لا يحتمل فيه الوقوع في العقاب على تقدير الحرمة) لا من جهة احتمال الضرر ، ولا من جهة احتمال الحرمة.

أمّا الأوّل : فلكون الشبهة بالنسبة إلى احتمال الضرر موضوعيّة ، فلا عقاب فيها بالاتّفاق.

أمّا الثاني : فلقبح العقاب على الحكم الواقعي المجهول باعتراف الأخباريين (وإذا تبيّن لك أنّ المقصود من الأمر بطرح الشبهات ليس خصوص الإلزام ، فيكفي ـ حينئذ ـ في مناسبة ذكر كلام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله المسوق للإرشاد أنّه إذا كان الاجتناب من المشتبه بالحرام راجحا تفصّيا عن الوقوع في مفسدة الحرام).

وبيان المناسبة : إنّه إذا كان اجتناب المشتبه بالحرام في الشبهات التكليفيّة راجحا تفصّيا عن احتمال الوقوع في الحرام الواقعي في النبوي ، لكان الاجتناب عن الشاذّ

٣٥٨

فيكون الحكم به حكما من غير الطريقة المنصوبة من الشارع ، فتأمّل.

ويؤيّد ما ذكرنا من أنّ النبوي ليس واردا في مقام الإلزام بترك الشبهات امور :

أحدها : عموم الشبهات للشبهة الموضوعيّة التحريميّة التي اعترف الأخباريّون بعدم وجوب الاجتناب عنها.

وتخصيصه بالشبهة الحكميّة مع أنّه إخراج لأكثر الأفراد ، مناف للسياق ، فإنّ سياق الرواية آب عن التخصيص ، لأنّه ظاهر في الحصر ، وليس الشبهة الموضوعيّة من الحلال البيّن ، ولو بني على كونها منه لأجل أدلّة جواز ارتكابها ، قلنا بمثله في الشبهة الحكميّة.

____________________________________

واجبا عند تعارضه مع المشهور أيضا ؛ وذلك لأنّ المشهور مقطوع الحجّية ، فيكون الأخذ به مبرئا للذمّة يقينا ، وهذا بخلاف الشاذّ حيث يكون مشكوك الاعتبار ، ولا بدّ من البناء على عدم اعتباره من جهة الأصل ، وعلى عدم أخذه من جهة حكم العقل.

فيكون المتحصّل من الجميع هو ترك الشاذّ ، وعدم جواز الأخذ به ، وعدم جعله دليلا على الحكم ، بقرينة(فيتّبع) أي : يجب اتّباع بيّن الرشد ، ولا يجوز اتّباع الشاذّ كبيّن الغيّ ، فلا يناسب الحكم بالحرمة ، والحليّة ، إذ لم يصدق على اختيار احتمال الحرمة اتّباع الحرمة حتى يجب ترك محتمل الحرمة.

(فتأمّل) لعلّه إشارة إلى ردّ المناسبة المذكورة لذكر كلام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّ ذكر كلام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يصحّ أن يكون للمناسبة فيما إذا كان الإمام عليه‌السلام في مقام بيان المناسبة ، وهو خلاف ظاهر الرواية ، لأنّ الظاهر منها هو كون الإمام عليه‌السلام في مقام الاستشهاد بالنبوي ، فذكر النبوي للاستشهاد لا للمناسبة فيكون ظاهر استشهاد الإمام عليه‌السلام إرادة الوجوب.

إلّا إنّ المصنّف قدس‌سره يقول بصرف النبوي عن هذا الظهور بامور حيث قال :

(ويؤيّد ما ذكرنا من أنّ النبوي ليس واردا في مقام الإلزام بترك الشبهات امور :

أحدها : عموم الشبهات للشبهة الموضوعيّة التحريميّة التي اعترف الأخباريون بعدم وجوب الاجتناب عنها).

وقد ذكر المصنّف قدس‌سره امورا تؤيّد كون النبوي للإرشاد المشترك لا للوجوب.

وحاصل الأمر الأوّل منها أنّ الشبهات في قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : (من أخذ بالشبهات) (١) تفيد

__________________

(١) الكافي ١ : ٦٨ / ١٠. الفقيه ٣ : ٦ / ١٨. التهذيب ٦ : ٣٠٢ / ٨٤٥. الوسائل ٢٧ : ١٥٧ ، أبواب صفات القاضي ، ـ

٣٥٩

الثاني : إنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله رتّب على ارتكاب الشبهة الوقوع في المحرّمات والهلاك من حيث لا يعلم ، والمراد جنس الشبهة.

____________________________________

العموم ، لكونها جمعا معرّفا بالألف واللّام ، والجمع المعرّف يدل على العموم ، فيشمل الشبهة الموضوعيّة والحكميّة ، ومن المعلوم أنّ الشبهة الموضوعيّة لا يجب فيها الاحتياط حتى عند الأخباريين أيضا ، فلا بدّ حينئذ ؛ إمّا من حمل النبوي على الإرشاد المشترك ، أو من اختصاصه بالشبهة الحكميّة بإخراج الشبهة الموضوعية عنه.

ولا يمكن الثاني أي : التخصيص ، لوجهين :

أحدهما : إنّ ذلك مستلزم لتخصيص الأكثر ، لكثرة أفراد الشبهة الموضوعيّة ، وتخصيص الأكثر لا يجوز لكونه مستهجنا.

وثانيهما : إن التخصيص ينافي السياق ، فإنّ السياق آب عن التخصيص ، إذ ظاهره هو الحصر أي : حصر الامور بالثلاث ، وهي : حلال بيّن ، وحرام بيّن ، وشبهات بين ذلك.

ثمّ إنّ الشبهة الموضوعيّة ليست من الحلال البيّن كما توهّمه الشيخ الحر قدس‌سره ولا من الحرام البيّن بالاتّفاق ، فلا بدّ ـ حينئذ ـ أن تكون من القسم الثالث ، وهي شبهات بين ذلك ، وإلّا يلزم أن تكون الامور أربعة لا ثلاثة ، وذلك مناف للحصر المستفاد من كلمة (إنّما).

فلو قال الأخباري : بأنّ الشبهة الموضوعيّة من الحلال البيّن ، لأدلة جواز ارتكابها فلا ينافي إخراجها بالتخصيص الحصر.

لقلنا : ذلك في الشبهة الحكميّة لأدلة البراءة.

وبهذا البيان يكون الحاصل هو لزوم حمل النبوي على الإرشاد المشترك وهو المطلوب.

(الثاني : إنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله رتّب على ارتكاب الشبهة ، الوقوع في المحرمات والهلاك من حيث لا يعلم ، والمراد جنس الشبهة).

وهذا الأمر الثاني يتضح كونه مؤيّدا على كون النبوي للإرشاد المشترك بعد ذكر مقدمة مشتملة على امور :

منها : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله جعل الملازمة بين ارتكاب الشبهات ، والوقوع في المحرمات ،

__________________

ـ ب ١٢ ، ح ٩.

٣٦٠