دروس في الرسائل - ج ٢

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٠

ومنها : ما ذكره ابن إدريس في رسالة خلاصة الاستدلال التي صنّفها في مسألة فوريّة القضاء ، في مقام دعوى الإجماع على المضايقة ، وأنّها ممّا أطبقت عليه الإماميّة ، إلّا نفر يسير من الخراسانيّين ، قال في مقام تقريب الإجماع :

«إنّ ابني بابويه ، والأشعريّين ، كسعد بن عبد الله وسعيد بن سعد ومحمّد بن عليّ بن محبوب ، والقميّين أجمع ، كعليّ بن إبراهيم ومحمّد بن الحسن بن الوليد ، عاملون بالأخبار المتضمّنة للمضايقة لأنّهم ذكروا أنّه لا يحلّ ردّ الخبر الموثوق برواته» انتهى.

____________________________________

ومن القرائن الدالة على صحّة إجماع الشيخ قدس‌سره دعوى النجاشي أنّ مراسيل ابن أبي عمير مقبولة عند الأصحاب ، إذ أنّهم عملوا بمراسيل ابن أبي عمير لا من أجل القطع بالصدور حتى يكون العمل خارجا عن محل الكلام ، بل لأن ابن أبي عمير كان لا يروي إلّا عن ثقة ، أو كان يروي بأسانيد صحيحة.

ثمّ لمّا ذهبت كتبه جرّاء ظلم الظالمين نقلت رواياته مرسلة وهي في الحقيقة كانت مسندة ، فمراسيل ابن أبي عمير في الحقيقة مسانيد لا أنّها مراسيل بالمعنى المصطلح ، فلذا كان الأصحاب يحكمون عليها بحكم المسانيد.

والحاصل أنّه لو لم يكن خبر الواحد حجّة لما كان لقبول الأصحاب مراسيل ابن أبي عمير وجه أصلا.

(ومنها : ما ذكره ابن إدريس في رسالة خلاصة الاستدلال التي صنّفها في مسألة فورية القضاء).

ومن القرائن الدالة على صحة الإجماع على حجّية خبر الواحد ـ أيضا ـ ما ذكره ابن ادريس ، فإنّه ادّعى الإجماع على وجوب الفور في قضاء الفوائت ، حيث قال : إنّ المضايقة في قضاء الفوائت ممّا أطبقت عليه الإمامية لأنّهم قد أطبقوا على العمل بالأخبار الدالة على المضايقة.

قوله : (لأنّهم ذكروا أنّه لا يحل ردّ الخبر الموثوق) دفع لما يتوهّم من أنّ هؤلاء وإن كانوا قد نقلوا أخبار المضايقة في كتبهم إلّا أنّ عملهم بها غير معلوم ، فكيف يدّعي ابن ادريس إجماعهم على العمل بهذه الأخبار؟

وحاصل الجواب أنّهم قد عملوا بها ؛ وذلك لأنّهم ذكروا أنّه لا يحل ردّ الخبر الموثوق.

١٦١

فقد استدلّ على مذهب الإماميّة بذكرهم لأخبار المضايقة وذهابهم إلى العمل برواية الثقة ، فاستنتج من هاتين المقدّمتين ذهابهم إلى المضايقة.

وليت شعري ، إذا علم ابن ادريس أنّ مذهب هؤلاء ـ الذين هم أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام ، ويحصل العلم بقول الإمام عليه‌السلام من اتّفاقهم ـ وجوب العمل برواية الثقة ، وأنّه لا يحلّ ترك العمل بها ، فكيف تبع السيّد في مسألة خبر الواحد؟

إلّا أن يدعي أنّ المراد بالثقة من يفيد قوله القطع ، وفيه ما لا يخفى.

أو يكون مراده ومراد السيّد قدس‌سرهما من الخبر العلميّ ما يفيد الوثوق والاطمئنان ، لا ما يوجب اليقين ، على ما ذكرناه سابقا في الجمع بين كلامي السيّد والشيخ قدس‌سرهما.

ومنها : ما ذكره المحقّق في المعتبر ، في مسألة خبر الواحد ، حيث قال : «أفرط الحشويّة في

____________________________________

ومن هنا يمكن أن يستدل على إجماع الإمامية على وجوب الفور بعد ثبوت الأمرين :

الأوّل : ذكرهم هذه الأخبار في كتبهم.

والثاني : ذهابهم إلى العمل برواية الثقة ، وعدم جواز ردّها.

فاستنتج ابن ادريس من هاتين المقدّمتين ـ أي : ذكرهم أخبار المضايقة وذهابهم إلى العمل برواية الثقة ـ إجماعهم على المضايقة.

ثمّ يردّ المصنّف رحمه‌الله ما ذكره ابن ادريس من إجماع الإمامية على العمل بأخبار المضايقة ، حيث يقول متعجبا : كيف يدّعي الإجماع على عدم جواز ردّ خبر الثقة ، وعمل الأصحاب بأخبار المضايقة ، مع أنّه تبع السيّد المرتضى في عدم حجّية خبر الواحد؟

(إلّا أن يدّعي أنّ المراد بالثقة من يفيد قوله القطع).

نعم ، إلّا أن يقال : إنّ مراد ابن ادريس من الخبر الموثوق هو الخبر المقطوع ، وأنّ أخبار المضايقة عنده مقطوعة الصدور.

(وفيه ما لا يخفى) وذلك لأنّ إطلاق الثقة على من يفيد قوله القطع خلاف الظاهر ، فلا يمكن الالتزام به إلّا بالقرينة.

(أو يكون مراده ومراد السيّد قدس‌سرهما من الخبر العلمي ما يفيد الوثوق والاطمئنان لا ما يوجب اليقين) وحينئذ لا ينافي كونه موافقا للسيّد المرتضى قدس‌سره ما ادّعاه من الإجماع على عدم جواز رد خبر الثقة وحجّيته بإجماع الإمامية على العمل به.

١٦٢

العمل بخبر الواحد حتى انقادوا لكلّ خبر ، وما فطنوا لما تحته من التناقض ، فإنّ من جملة الأخبار قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : (ستكثر بعدي القالة عليّ) (١) وقول الصادق عليه‌السلام : (إنّ لكلّ رجل منّا رجلا يكذب عليه) (٢).

واقتصر بعضهم عن هذا الإفراط فقال : «كلّ سليم السند يعمل به» وما علم أنّ الكاذب قد يصدق ، ولم يتنبّه على أنّ ذلك طعن في علماء الشيعة وقدح في المذهب ، إذ ما من مصنّف إلّا وهو يعمل بخبر المجروح كما يعمل بخبر العدل.

____________________________________

(ومنها : ما ذكره المحقّق قدس‌سره في المعتبر ، في مسألة خبر الواحد ، حيث قال : أفرط الحشويّة في العمل بخبر الواحد حتى انقادوا لكلّ خبر).

الحشوية : هم طائفة من أهل السنّة من أصحاب أبي الحسن البصري ، ولهم مقالات فاسدة ، وعقائد باطلة من جهة جمودهم على ظواهر الآيات والأخبار ، ولمّا رأى أبو الحسن البصري منهم مقالات فاسدة أمرهم بالحشو ، أي : الهجر عنه فسمّوا بهذا الاسم.

وقال المحقّق : إنّ هذه الطائفة قد أفرطوا في العمل بخبر الواحد حتى انقادوا لكل خبر ، ولم يتفطنوا ما يلزم من هذا الإفراط من التناقض بعد ملاحظة قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : (ستكثر بعدي القالة عليّ) أي : الكاذبون عليّ ، فإنّ المستفاد من هذا الحديث هو عدم جواز العمل ببعض الأخبار لكذبه.

فانقياد الحشوية لكل خبر على نحو الإيجاب الكلي مناقض لما هو مفاد هذا الخبر من السلب الجزئي ، وهو عدم جواز العمل ببعض الأخبار.

(واقتصر بعضهم عن هذا الإفراط فقال : كلّ سليم السند يعمل به).

وتنزّل بعضهم عمّا قال به الحشوية من الإفراط ، فقال بجواز العمل بكل ما هو سليم السند وعدم جواز العمل بخبر من هو متهم بالكذب ، ولم يعلم أنّ الكاذب قد يصدق فيجوز العمل بخبره ، فلا ينبغي الاقتصار بخبر سليم السند.

(ولم يتنبّه على أنّ ذلك طعن في علماء الشيعة).

إذ لم يتفطن بأنّ الاقتصار على العمل بخبر سليم السند طعن في علماء الشيعة ، بل قدح

__________________

(١) المعتبر : ٦.

(٢) المعتبر : ٦.

١٦٣

وأفرط آخرون في طريق ردّ الخبر حتى أحالوا استعماله عقلا.

واقتصر آخرون ، فلم يروا العقل مانعا ، لكنّ الشرع لم يأذن في العمل به.

وكلّ هذه الأقوال منحرفة عن السنن ، والتوسّط أقرب ، فما قبله الأصحاب أو دلّت القرائن على صحّته عمل به ، وما أعرض عنه الأصحاب أو شذّ يجب اطّراحه» انتهى.

وهو ـ كما ترى ـ ينادي بأنّ علماء الشيعة قد يعملون بخبر المجروح كما يعملون بخبر العدل ، وليس المراد عملهم بخبر المجروح والعدل إذا أفاد العلم بصدقه ؛ لأنّ كلامه في الخبر الغير العلمي ، وهو الذي أحال قوم استعماله عقلا ومنعه آخرون شرعا.

ومنها : ما ذكره الشهيد في الذكرى ، والمفيد الثاني ولد شيخنا الطوسيّ ، من «أنّ

____________________________________

في المذهب ؛ لأنهم يعملون بخبر المجروح ، كما يعملون بخبر العادل ، لانجبار خبر الشخص المجروح بالشهرة عندهم.

(وأفرط آخرون في طريق ردّ الخبر) حتى قالوا باستحالة استعماله عقلا ، كابن قبة ، كما تقدّم في أوّل بحث الظن.

(واقتصر آخرون) حيث قالوا بعدم المانع عقلا في العمل بخبر الواحد(لكنّ الشرع لم يأذن في العمل به) ثمّ قال المحقّق قدس‌سره : وكل هذه الأقوال الأربعة منحرفة عن السّنن الحقّة ، ويجب الالتزام بالوسط ، وهو أقرب.

وقد أشار إليه بقوله : (فما قبله الأصحاب أو دلّت القرائن على صحته عمل به ، وما أعرض عنه الأصحاب ، أو شذّ يجب اطّراحه. انتهى).

هذا الكلام من المحقّق قدس‌سره صريح في أنّ الإمامية كانوا يعملون بخبر المجروح ، كما يعملون بخبر الواحد العادل.

وقوله : (وليس المراد عملهم بخبر المجروح والعدل إذا أفاد العلم بصدقه).

دفع لما يتوهّم من أنّه لعلّ مراد المحقّق قدس‌سره هو أنّ الأصحاب كانوا يعملون بخبر الواحد عند حصول العلم لهم بصدقه فلا يكون دليلا على حجّية ما لا يفيد العلم.

وحاصل الدفع والجواب أنّه ليس مراد المحقّق عملهم بالخبر إذا أفاد العلم بصدقه ؛ وذلك لأن كلام المحقّق قدس‌سره يكون في الخبر غير العلمي ، إذ القول بالاستحالة عقلا ، كما عن ابن قبة ، والمنع شرعا ، كما عن السيّد المرتضى قدس‌سره مختص بالخبر غير العلمي.

١٦٤

الأصحاب قد عملوا بشرائع الشيخ أبي الحسن عليّ بن بابويه عند إعواز النصوص تنزيلا لفتاواه منزلة رواياته. ولو لا عمل الأصحاب برواياته الغير العلميّة لم يكن وجه للعمل بتلك الفتاوى عند عدم رواياته».

ومنها : ما ذكره المجلسيّ في البحار في تأويل بعض الأخبار التي تقدّم ذكرها في دليل السيّد وأتباعه ، ممّا دلّ على المنع من العمل بالخبر الغير المعلوم الصدور ، من : «أنّ عمل أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام بالخبر غير العلمي متواتر بالمعنى».

ولا يخفى أنّ شهادة مثل هذا المحدّث الخبير الغوّاص في بحار أنوار أخبار الأئمّة الأطهار بعمل أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام بالخبر غير العلمي ، ودعواه حصول القطع له بذلك من جهة التواتر لا يقصر عن دعوى الشيخ والعلّامة الاجماع على العمل بأخبار الآحاد. وسيأتي أنّ المحدّث الحرّ العاملي في الفصول المهمة ادّعى أيضا تواتر الأخبار بذلك.

ومنها : ما ذكره شيخنا البهائي في مشرق الشمسين من : «أنّ الصحيح عند القدماء ما كان محفوفا بما يوجب ركون النفس إليه» وذكر فيما يوجب الوثوق امورا لا تفيد إلّا الظنّ.

____________________________________

(ومنها : ما ذكره الشهيد في الذكرى).

من أنّ الأصحاب قد عملوا بالشرائع عند عدم النصوص والروايات ، تنزيلا لفتاواه منزلة رواياته ، فلو لا رواياته حجّة لم يكن وجه لهذا التنزيل أصلا ، إذ وجه عملهم بالفتاوى ظن منهم بأنّ فتاواه تكون طبق متون الأخبار.

وبالجملة ، تنزيل الفتاوى منزلة الروايات يدل بالصراحة على حجّية الأخبار.

(ومنها : ما ذكره المجلسي في البحار في تأويل بعض الأخبار).

ولقد وجّه المجلسي قدس‌سره بعض الأخبار التي استدل بها السيّد وأتباعه على منع العمل بأخبار الآحاد ، وعدم حجّيتها ، حيث قال :

(إنّ عمل أصحاب الأئمة عليهم‌السلام بالخبر الغير العلمي متواتر بالمعنى).

وهذا الكلام منه ظاهر في دعواه العلم بعمل الأصحاب بالخبر غير العلمي ، وهو لا يقصر عن دعوى الشيخ والعلّامة قدس‌سرهما الإجماع على العمل بأخبار الآحاد.

(ومنها : ما ذكره شيخنا البهائي في مشرق الشمسين من : إنّ الصحيح عند القدماء ما كان محفوفا بما يوجب ركون النفس إليه).

١٦٥

ومعلوم أنّ الصحيح عندهم هو المعمول به ، وليس مثل هذا الصحيح عند المتأخّرين في أنّه قد لا يعمل به ، لإعراض الأصحاب عنه أو لخلل آخر ، فالمراد أنّ المقبول عندهم ما تركن إليه النفس وتثق به.

هذا ما حضرني من كلمات الأصحاب الظاهرة في دعوى الاتفاق على العمل بخبر الواحد الغير العلميّ في الجملة ، المؤيّدة لما ادّعاه الشيخ والعلّامة.

وإذا ضممت إلى ذلك كلّه ذهاب معظم الأصحاب ، بل كلّهم ، عدا السيّد وأتباعه ، من زمان الصدوق إلى زماننا هذا ، إلى حجّيّة الخبر غير العلمي ، حتى أنّ الصدوق تابع في التصحيح والردّ لشيخه ابن الوليد ، وأنّ ما صحّحه فهو صحيح وأنّ ما ردّه فهو مردود ، كما صرّح به في صلاة الغدير ، في الخبر الذي رواه في العيون (١) عن كتاب الرحمة.

ثمّ ضممت إلى ذلك ظهور عبارة أهل الرجال في تراجم كثير من الرواة في كون العمل بالخبر غير العلميّ مسلّما عندهم ، مثل قولهم : فلان لا يعتمد على ما ينفرد به ، وفلان مسكون في روايته ، وفلان صحيح الحديث ؛ والطّعن في بعض بأنّه يعتمد الضعفاء والمراسيل ، إلى غير ذلك ؛ وضممت إلى ذلك ما يظهر من بعض أسئلة الروايات السابقة ، من أنّ العمل بالخبر غير العلميّ كان مفروغا عنه عند الرواة ، تعلم علما يقينا صدق ما ادّعاه الشيخ من إجماع الطائفة.

____________________________________

ثمّ ذكر فيما يوجب ركون النفس إليه امورا لا تفيد إلّا الظن ، فكل ما تركن إليه النفس وتثق به يكون حجّة وهو المطلوب ؛ لأن المقصود إثبات حجّية أخبار الآحاد على نحو الإيجاب الجزئي في مقابل السلب الكلي.

(وإذا ضممت إلى ذلك) ما ذكر من الإجماعات المنقولة ، وما يؤيّدها من ذهاب معظم الأصحاب من زمن الصدوق رحمه‌الله إلى زماننا ، إلى حجّية الخبر غير العلمي (ثمّ ضممت إلى ذلك ظهور عبارة أهل الرجال في تراجم كثير من الرواة في كون العمل بالخبر الغير العلمي مسلّما عندهم) مثل قولهم : فلان ثقة أو عادل ، وفلان ليس بثقة ، أو كسؤالهم عن الإمام عليه‌السلام: أيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه معالم ديني؟ فإنّ المستفاد من الجميع هو حجّيّة خبر

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢١ ـ ٢٢.

١٦٦

والإنصاف أنّه لم يحصل في مسألة يدّعي فيها الإجماع ـ من الإجماعات المنقولة ، والشهرة العظيمة القطعيّة ، والأمارات الكثيرة الدالّة على العمل ـ ما حصل في هذه المسألة ، فالشاك في تحقّق الإجماع في هذه المسألة ، لا أراه يحصل له الاجماع في مسألة من المسائل الفقهيّة ، اللهمّ إلّا في ضروريّات المذهب.

لكنّ الإنصاف أنّ المتيقّن من هذا كلّه الخبر المفيد للاطمئنان ، لا مطلق الظنّ ، ولعلّه مراد السيّد من العلم ، كما أشرنا إليه آنفا ، بل ظاهر كلام بعض احتمال أن يكون مراد السيّد قدس‌سره من خبر الواحد غير مراد الشيخ قدس‌سره.

قال الفاضل القزوينيّ في لسان الخواص ، على ما حكي عنه :

«إنّ هذه الكلمة ـ أعني : خبر الواحد ـ على ما يستفاد من تتبّع كلماتهم ، يستعمل في ثلاثة معان :

أحدها : الشاذّ النادر الذي لم يعمل به أحد ، أو ندر من يعمل به ، ويقابله ما عمل به كثيرون.

الثاني : ما يقابل المأخوذ من الثّقات ، المحفوظ في الاصول المعمولة عند جميع خواصّ الطائفة فيشمل الأوّل ومقابله.

الثالث : ما يقابل المتواتر القطعيّ الصدور ، وهذا يشمل الأوّلين وما يقابلهما».

ثمّ ذكر ما حاصله : «إنّ ما نقل إجماع الشيعة على إنكاره هو الأوّل ، وما انفرد السيّد قدس‌سره بردّه هو الثاني ، وأمّا الثالث فلم يتحقّق من أحد نفيه على الإطلاق» انتهى.

وهو كلام حسن ، وأحسن منه ما قدّمناه ، من أنّ مراد السيّد من العلم ما يشمل الظنّ الاطمئنانيّ ، كما يشهد به التفسير المحكيّ عنه للعلم بأنّه ما اقتضى سكون النفس ، والله

____________________________________

الثقة ، وإلّا لا معنى للسؤال عن كون فلان ثقة أم لا.

بل يكون من يمنع حجّية خبر الواحد مبدعا في الدين ، فيعد من الفاسقين ، كما يظهر من الحكاية المذكورة في المتن ، حيث إنّه لم يزر صاحب المدارك المولى عبد الله التستري ، واعتذر بأنّه لا يرى العمل بأخبار الآحاد ، فيكون مبدعا.

ثمّ نقل رواية مضمونها : إنّ من زار مبدعا فقد خرب الدين (١).

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٣٧٥ / ١٧٧١. الوسائل ١٦ : ٢٧١ ، أبواب الأمر والنهي ، ب ٤٠ ، ح ٧.

١٦٧

العالم.

الثاني من وجوه تقرير الإجماع : أن يدّعى الإجماع ، حتى من السيّد وأتباعه ، على وجوب العمل بالخبر الغير العلمي ، في زماننا هذا وشبهه ، ممّا انسدّ فيه باب القرائن المفيدة للعلم بصدق الخبر ، فإنّ الظاهر أنّ السيّد إنّما منع من ذلك لعدم الحاجة إلى خبر الواحد المجرّد ، كما يظهر من كلامه المتضمّن للاعتراض على نفسه بقوله : «فإن قلت : إذا سددتم طريق العمل بأخبار الآحاد ، فعلى أي شيء تعوّلون في الفقه كلّه؟».

فأجاب بما حاصله : «إنّ معظم الفقه يعلم بالضرورة والإجماع والأخبار العلميّة ، وما يبقى من المسائل الخلافيّة يرجع فيها إلى التخيير».

وقد اعترف السيّد رحمه‌الله في بعض كلامه على ما في المعالم ، بل وكذا الحلّي في بعض كلامه ـ على ما هو ببالي ـ : بأنّ العمل بالظنّ متعيّن فيما لا سبيل فيه إلى العلم.

الثالث من وجوه تقرير الإجماع : استقرار سيرة المسلمين طرّا على استفادة الأحكام

____________________________________

وهذه حكاية عجيبة لأن التستري كان ممّن يعمل في الفقه بخبر الواحد ، لا أنّه ممّن لا يرى ذلك ، فلا بدّ من توجيه هذه الحكاية بأن يقال : إنّه كان ممّن يمنع العمل بأخبار الآحاد في أوائل اجتهاده ، ثمّ رجع إلى الحجّية.

(الثاني من وجوه تقرير الإجماع : أن يدّعى الإجماع ، حتى من السيّد وأتباعه ، على وجوب العمل بالخبر الغير العلمي ، في زماننا هذا وشبهه ، ممّا انسدّ فيه باب القرائن المفيدة للعلم بصدق الخبر).

بدأ المصنّف في التقرير الثاني بعد الفراغ من التقرير الأوّل ، والفرق بين التقريرين هو أنّ التقرير الأوّل أعمّ من حيث المورد ، حيث يشمل صورتي الانفتاح والانسداد ، والتقرير الثاني أعمّ من حيث المجمعين حتى يشمل السيد وأتباعه.

وحاصل تقريب هذا التقرير هو أنّ كل من منع عن العمل بأخبار الآحاد ، كالسيد وأتباعه إنّما منع ذلك لعدم الحاجة إليه في فرض انفتاح باب العلم ؛ لأن المكلّف يتمكّن من تحصيل العلم ، فلا يحتاج إلى العمل بخبر الواحد ، بخلاف ما إذا كان باب العلم منسدّا ، فيجوز العمل بخبر الواحد ، فيكون حجّة حتى عند السيد وأتباعه ؛ لأن السيد قد اعترف في بعض كلامه على أنّ العمل بالظن متعيّن فيما لا سبيل فيه إلى العلم.

١٦٨

الشرعيّة من أخبار الثقات ، المتوسّطة بينهم وبين الإمام عليه‌السلام أو المجتهد.

أترى أنّ المقلّدين يتوقفون في العمل بما يخبرهم الثقة عن المجتهد ، أو الزوجة تتوقف فيما يحكيه زوجها من المجتهد في مسائل حيضها وما يتعلّق بها ، إلى أن يعلموا من المجتهد تجويز العمل بالخبر غير العلمي ، وهذا ممّا لا شك فيه؟!

ودعوى حصول القطع لهم في جميع الموارد بعيدة عن الإنصاف. نعم ، المتيقّن من ذلك صورة حصول الاطمئنان بحيث لا يعتنى باحتمال الخلاف.

وقد حكي اعتراض السيّد قدس‌سره على نفسه : بـ «أنّه لا خلاف بين الامّة في أنّ كلّ من وكلّ وكيلا أو استناب صديقا في ابتياع أمة أو عقد على امرأة في بلدته أو في بلاد نائية ، فحمل إليه الجارية وزفّ إليه المرأة ، وأخبره أنّه أزاح العلّة في ثمن الجارية ومهر المرأة وأنّه اشترى هذه وعقد على تلك : إنّ له وطئها والانتفاع بها في كلّ ما يسوغ للمالك والزوج.

____________________________________

(الثالث من وجوه تقرير الإجماع : استقرار سيرة المسلمين طرّا).

قد جرت سيرة المسلمين والمتديّنين من زمن الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى يومنا هذا جميعا من جميع أصناف المسلمين على العمل بأخبار الثقات (على استفادة الأحكام الشرعيّة من أخبار الثقات المتوسطة بينهم) أي : المسلمين (وبين الإمام عليه‌السلام أو المجتهد).

أي : استقرت سيرة المقلّدين على أخذ الأحكام من الثقات المتوسطة بينهم وبين المجتهد ، فإنّهم لا يتوقفون في العمل بما يخبرهم الثقة عن المجتهد حتى في الزوجة تعمل بخبر زوجها عن المجتهد في مسائل حيضها وغيرها ممّا يتعلّق بها.

وبالجملة : إنّ المسلمين يعملون بأخبار الثقات على حسب السيرة المستمرة بينهم.

قوله : (ودعوى حصول القطع لهم في جميع الموارد بعيدة عن الإنصاف).

دفع لما يمكن أن يقال : من أنّ سيرة المسلمين قد جرت على استفادة الأحكام من أخبار الثقات عند حصول العلم لهم فلا تكون هذه السيرة دليلا على المقام ، كما لا يخفى.

فأجاب عنه بما حاصله : إنّ هذه الدعوى بعيدة عن الإنصاف (نعم ، المتيقّن من ذلك) ، أي : استقرار السيرة ، هو صورة حصول الاطمئنان.

(وقد حكي اعتراض السيد قدس‌سره على نفسه ...) بما حاصله : أنّه قد أجمع الإماميّة على العمل بقول الوكيل إذا كان وكيلا في اشتراء أمة أو عقد امرأة فأخبر موكّله على الاشتراء أو

١٦٩

وهذه سبيله مع زوجته وأمته إذا أخبرته بطهرها وحيضها ، ويردّ الكتاب على المرأة بطلاق زوجها أو بموته فتتزوّج ، وعلى الرجل بموت امرأته فيتزوّج اختها ، وكذا لا خلاف بين الأمّة في أنّ للعالم أن يفتي ، وللعاميّ أن يأخذ منه مع عدم علم أنّ ما أفتى به من شريعة الإسلام وأنّه مذهبه».

فأجاب بما حاصله :

«إنّه إن كان الغرض من هذه الردّ على من أحال التعبّد بخبر الواحد فمتوجّه ، فلا محيص.

وإن كان الغرض الاحتجاج به على وجوب العمل بأخبار الآحاد في التحليل والتحريم ، فهذه مقامات ثبت فيها التعبّد بأخبار الآحاد من طرق علميّة من إجماع وغيره على أنحاء مختلفة :

في بعضها لا يقبل إلّا إخبار أربعة.

وفي بعضها لا يقبل إلّا عدلان.

وفي بعضها يكفي قول العدل الواحد.

____________________________________

العقد ، فيجوز له وطء المرأة ، أو الأمة والانتفاع بها ، إلى أن قال : و (لا خلاف بين الامّة في أنّ للعالم أن يفتي ، وللعامي أن يأخذ منه) من دون أن يحصل له العلم بأنّ (ما أفتى به من شريعة الإسلام).

فأجاب عنه بما حاصله :

إنّه إن كان الغرض من الاستدلال بهذا الإجماع هو الردّ والنقض على من يقول باستحالة التعبّد بخبر الواحد كابن قبة فمتوجه ، والاستدلال تام ؛ لأن وقوع الشيء يكون أقوى دليل على إمكانه ، فلا محيص عن الالتزام بإمكان التعبّد بخبر الواحد.

وإن كان الغرض الاستدلال به على وجوب العمل بأخبار الآحاد في الأحكام فلا ينفع هذا الاستدلال ؛ لأن التعبّد بالخبر في الموضوعات في هذه الموارد لأجل الدليل الخاص لا يكون دليلا على التعبّد به في الأحكام كما هو محل الكلام في المقام.

وبالجملة ، قد ثبت التعبّد بخبر الواحد في الموضوعات لدليل خاص (على أنحاء مختلفة : في بعضها) ، أي : الموضوعات (لا يقبل إلّا إخبار أربعة) كالزنا(وفي بعضها لا يقبل إلّا عدلان) كما في أكثر الموضوعات من الحقوق والأموال (وفي بعضها يكفي قول العدل

١٧٠

وفي بعضها يكفي خبر الفاسق والذمّي ، كما في الوكيل ومبتاع الأمة والزوجة في الحيض والطهر.

وكيف يقاس على ذلك رواية الأخبار في الأحكام؟».

أقول : المعترض ، حيث ادّعى الإجماع على العمل في الموارد المذكورة ، فقد لقّن الخصم طريق إلزامه والردّ عليه بأنّ هذه الموارد للاجماع ، ولو ادّعى استقرار سيرة المسلمين على العمل في الموارد المذكورة وإن لم يطّلعوا على كون ذلك إجماعيّا عند العلماء ، كان أبعد عن

____________________________________

الواحد) كفتوى المفتي (وفي بعضها يكفي خبر الفاسق والذميّ ، كما في الوكيل) وغيره.

فلا يقاس على الأخبار في الموضوعات رواية الأخبار في الأحكام مثل أخبار الرواة عن الواجبات والمحرّمات وغيرهما.

(أقول : المعترض ، حيث ادّعى الإجماع على العمل في الموارد المذكورة ، فقد لقّن الخصم طريق إلزامه والردّ عليه).

إنّ من اعترض على السيّد قدس‌سره ويردّ ما يقول به السيد قدس‌سره ، من المنع عن العمل بخبر الواحد بقيام الإجماع على العمل بخبر الواحد في هذه الموارد ، فقد لقّن وأعلم الخصم ، وهو السيّد قدس‌سره طريق الجواب ، فكأنه يقول للسيّد : لك أن تجيب عن استدلالي بالإجماع وتقول :

إنّ العمل بخبر الواحد في هذه الموارد قد ثبت بالإجماع ، وتكون هذه الموارد من الموضوعات ، ولم يكن هذا الإجماع في الأخبار عن الأحكام ، فلا يكون دليلا على حجّية خبر الواحد في الأحكام كما هو محل الكلام.

(ولو ادّعى استقرار سيرة المسلمين على العمل في الموارد المذكورة) دون الإجماع كان أبعد عن الرد ، فكان استدلال المعترض بالسيرة على حجّية خبر الواحد في الأحكام تاما وصحيحا ، وذلك للفرق بين الإجماع والسيرة ، فإنّ ملاك حجّية الإجماع هو كشفه عن قول المعصوم عليه‌السلام ، فيكون مختصّا بمورده ، ولا يجوز التعدي عنه إلى غيره.

ومورد الإجماع فيما نحن فيه هو العمل بخبر الواحد في الموضوعات فقط ، فلا يكون دليلا على حجّية خبر الواحد في الأحكام بخلاف السيرة ، فإنّ ملاك الحجّية فيها هو وثاقة المخبر والراوي ، فهي كاشفة عن استمرار عمل المسلمين بخبر الواحد ، واستمرار العمل

١٧١

الردّ ، فتأمّل.

الرابع من وجوه تقرير الإجماع : استقرار طريقة العقلاء طرّا على الرجوع إلى خبر الثقة في امورهم العاديّة ، ومنها الأوامر الجارية من الموالي إلى العبيد.

فنقول : إنّ الشارع إن اكتفى بذلك منهم في الأحكام الشرعيّة فهو ، وإلّا وجب عليه

____________________________________

الذي كان باعتبار وثاقة الراوي كاشف عن صدور الحكم بالحجّية عن المعصوم عليه‌السلام.

وهذا الملاك موجود في مورد الأحكام أيضا ، ولذا نرى المسلمين كثيرا ما يعملون بالخبر في هذه الموارد من دون اطّلاعهم على الإجماع عند العلماء.

(فتأمّل) لعلّه إشارة إلى عدم صحة الاستدلال بالسيرة ؛ إمّا لعدم جريانها في الأحكام كالإجماع ، وإمّا لعدم اعتبارها لأنها ناشئة عن قلة المبالاة.

(الرابع من وجوه تقرير الإجماع : استقرار طريقة العقلاء طرّا) ، أي : جميعا(على الرجوع إلى خبر الثقة).

والفرق بين هذا التقرير والتقرير الثالث واضح ، فإنّ هذا التقرير أعمّ من الثالث ، حيث تكون السيرة مختصّة بالمسلمين فيه ، وعامة شاملة لهم ولغيرهم في هذا التقرير ، هذا أولا.

وثانيا : إنّ الفرق بينهما هو أنّ سيرة المتشرّعة والمسلمين حجّة ، ولا يحتاج في حجّيتها إلى إمضاء من المعصوم عليه‌السلام ، بل مجرّد انعقادها يكشف عن رضا المعصوم عليه‌السلام ، إذ المتدين لا يعمل بما لم يكن من الدين بخلاف سيرة العقلاء بما هم عقلاء ، حيث تكون حجّة بعد إمضاء الشارع وعدم ردعه عنها ؛ لأنهم ربّما تجري طريقتهم على شيء من غير اتباع الشارع أصلا.

والحاصل أنّه قد جرت سيرة العقلاء على العمل بخبر الثقة ، فإنّهم يعملون بخبر الثقات (في امورهم العاديّة ، ومنها الأوامر الجارية من الموالي إلى العبيد) فإذا أخبر ثقة عبد المولى بأنّ مولاك أمرك بكذا يقبل خبره ويعمل به.

(فنقول : إنّ الشارع إن اكتفى بذلك) أي : بالرجوع إلى الثقة من العقلاء(فهو) أي : فما اكتفى به الشارع من العمل بخبر الثقة يكون مطلوبا ، وثبت ما هو المدّعى من حجّية خبر الثقة.

١٧٢

ردعهم وتنبيههم على بطلان سلوك هذا الطريق في الأحكام الشرعيّة ، كما ردع في مواضع خاصّة ، وحيث لم يردع علم منه رضاه بذلك ؛ لأنّ اللّازم في باب الإطاعة والمعصية الأخذ بما يعدّ طاعة في العرف وترك ما يعدّ معصية كذلك.

فإن قلت : يكفي في ردعهم الآيات المتكاثرة والأخبار المتظافرة ، بل المتواترة ، على حرمة العمل بما عدا العلم.

____________________________________

(وإلّا وجب عليه ردعهم) أي : وإن لم يكتف الشارع بالرجوع إلى الثقة ، ولم يمض هذه الطريقة منهم ، وجب عليه ردع العقلاء عن سلوك هذا الطريق في الأحكام الشرعية ، كما ردع عن العمل بخبر الثقة في مواضع خاصة كالتي يجب فيها الرجوع إلى البيّنة ، كما في الزنا والقتل وغيرهما.

قوله : (لأن اللّازم في باب الإطاعة والمعصية الأخذ بما يعدّ طاعة في العرف) دفع لما يمكن أن يقال من أنّه لم يرد ردع من الشارع ، ولكن عدم الردع منه لا يكون دليلا على الرضا منه.

وحاصل الدفع والجواب : هو أنّ اللّازم بحسب حكم العقل في باب الإطاعة والمعصية هو الأخذ بما يعدّ طاعة عند العرف ، وترك ما يعدّ معصية كذلك.

وبعبارة اخرى : إنّ العقل يحكم مستقلا في باب الإطاعة والمعصية بوجوب الأخذ بطريق يعدّ في العرف طاعة ، كالأخذ بخبر الثقة مثلا ، وكذلك يحكم بالاجتناب عن طريق يعدّ في العرف معصية ، كمخالفة خبر الثقة مثلا.

فوظيفة المكلّف بمقتضى حكم العقل هي أن يأخذ بخبر الثقة في طريق إطاعة أحكام الشرع لأنه طاعة عرفا ، وأن يجتنب عن مخالفة خبر الثقة لأنها معصية عرفا ، والشارع إن رضى بذلك فهو ، وإلّا لوجب عليه الردع عنه في الأحكام الشرعية لئلّا يلزم الإغراء بالجهل.

(فإن قلت : يكفي في ردعهم الآيات المتكاثرة) وهي الآيات الناهية عن العمل بغير العلم كقوله تعالى : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)(١) ، وقوله تعالى : (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِ

__________________

(١) الإسراء : ٣٦.

١٧٣

قلت : قد عرفت انحصار دليل حرمة العمل بما عدا العلم في أمرين ، وأنّ الآيات والأخبار راجعة إلى أحدهما.

الأوّل : إنّ العمل بالظنّ والتعبّد به من دون توقيف من الشارع تشريع محرّم بالأدلّة الأربعة.

والثاني : إنّ فيه طرحا لأدلّة الاصول العمليّة واللفظيّة التي اعتبرها الشارع عند عدم العلم بخلافها ، وشيء من هذين الوجهين لا يوجب ردعهم عن العمل ، لكون حرمة العمل بالظن من أجلهما مركوزا في ذهن العقلاء ؛ لأنّ حرمة التشريع ثابت عندهم ، والاصول العملية واللفظيّة معتبرة عندهم ، مع عدم الدليل على الخلاف ، ومع ذلك نجد بناءهم على العمل بالخبر الموجب للاطمئنان.

والسرّ في ذلك عدم جريان الوجهين المذكورين بعد استقرار سيرة العقلاء على العمل بالخبر ، لانتفاء التشريع ، مع بنائهم على سلوكه في مقام الإطاعة والمعصية.

____________________________________

شَيْئاً)(١).

(والأخبار المتظافرة) الدالة على حرمة العمل بغير العلم.

(قلت : قد عرفت) في تأسيس الأصل في أول بحث الظن حيث قلنا : إنّ الأصل هو حرمة العمل بالظن (انحصار دليل حرمة العمل بما عدا العلم في أمرين ، وأنّ الآيات والأخبار راجعة إلى أحدهما ...) وهما حرمة العمل بالظن من جهة التشريع ، ومن جهة كون العمل به موجبا لطرح أدلة الاصول العملية واللفظية.

ومثال الأوّل : كما إذا أخبر الفاسق عن حرمة شرب التتن ، وكان مقتضى أدلة البراءة من الاصول العملية هو الإباحة ، كان الأخذ بخبر الفاسق محرّما من جهتين : من جهة التشريع ، ومن جهة كونه مستلزما لطرح دليل أصل البراءة.

ومثال الثاني : كما إذا أخبر الفاسق بكراهة شرب التتن مثلا ، وقد ورد في خبر متواتر حرمة شرب التتن ، كان العمل به محرّما من الوجهين : أي : التشريع ، وكونه موجبا لطرح أصل من الاصول اللفظية.

__________________

(١) يونس : ٣٦.

١٧٤

فإنّ الملتزم بفعل ما أخبر الثقة بوجوبه وترك ما أخبر بحرمته لا يعدّ مشرّعا ، بل لا يشكّون في كونه مطيعا ، ولذا يعوّلون عليه في أوامرهم العرفيّة من الموالي إلى العبيد ، مع أنّ قبح التشريع عند العقلاء لا يختصّ بالأحكام الشرعيّة.

وأمّا الاصول المقابلة للخبر ، فلا دليل على جريانها في مقابل خبر الثقة ، لأن الاصول

____________________________________

ثمّ العمل بخبر الثقة لا يكون موجبا لأحد الأمرين ، أي : لا يكون مستلزما للتشريع ، ولا لطرح أدلة الاصول ، فلا تشمله الآيات والروايات ؛ وذلك لأن حرمة العمل بالظن لأجل الوجهين المذكورين يكون مركوزا في ذهن العقلاء لأنهم يعلمون حرمة التشريع وحرمة طرح أدلة الاصول.

ومع ذلك قد استقر بناؤهم على العمل بالخبر الموجب للاطمئنان ، فيكون السر في ذلك عدم جريان الوجهين في العمل بخبر الثقة ، فالعمل بخبر الثقة بعد استقرار السيرة على العمل به ، وحكم العقل بحجّيته ليس تشريعا ، كما أشار إليه بقوله : (فإنّ الملتزم بفعل ما أخبر الثقة بوجوبه وترك ما أخبر بحرمته لا يعدّ مشرّعا) بل يعدّ مطيعا.

وقوله : (مع أنّ قبح التشريع عند العقلاء لا يختصّ بالأحكام الشرعية).

دفع لما يتوهّم من أنّ عملهم بخبر الثقة لا يكون دليلا على نفي التشريع ، حتى يقال : إنّه ليس محرّما ، بل يمكن ثبوت التشريع ، غاية الأمر أنّه ليس قبيحا في العرف ، فالعمل بالظن حرام شرعا من جهة التشريع ولا يكون قبيحا عند العرف.

فأجاب بما حاصله : إنّ قبح التشريع عند العقلاء لا يختصّ بالأحكام الشرعية ، بل يجري في الامور العرفية ، فيكون استقرار السيرة على العمل بخبر الثقة كاشفا عن عدم التشريع في العمل بخبر الثقة أصلا ، إذ العقل يحكم بحجّيته ، والعمل بما هو الحجّة لم يكن تشريعا.

وحينئذ لا تكون الآيات والأخبار رادعة لهم من جهة التشريع ، وذلك لعدم التشريع.

وبالجملة : إنّ العمل بخبر الثقة ليس موجبا للتشريع.

وبقى الكلام في أنّ العمل به هل يكون موجبا لطرح أدلة الاصول أم لا؟

وقد أشار إليه بقوله : (وأمّا الاصول المقابلة للخبر ، فلا دليل على جريانها في مقابل خبر الثقة) إنّ الاصول لا تكون حجّة عند تعارضها مع خبر الثقة ليكون الأخذ بها واجبا

١٧٥

التي مدركها حكم العقل لا الأخبار ، لقصورها عن إفادة اعتبارها ، كالبراءة والاحتياط والتخيير ، لا إشكال في عدم جريانها في مقابل خبر الثقة ، بعد الاعتراف ببناء العقلاء على العمل به في أحكامهم العرفيّة ؛ لأنّ نسبة العقل في حكمه بالعمل بالاصول المذكورة إلى الأحكام الشرعيّة والعرفيّة سواء.

____________________________________

وطرحها حراما.

(لأن الاصول التي مدركها حكم العقل لا الأخبار ، لقصورها عن إفادة اعتبارها).

إنّ اعتبار الاصول :

تارة : يكون بحكم العقل لا بالأخبار لقصور دلالة الأخبار على اعتبارها ، كالبراءة والاحتياط والتخيير.

واخرى : يمكن أن يكون مدركها الأخبار ، كالاستصحاب ، على القول بأنّ الدليل على حجّيته هو الأخبار لا العقل.

فإذا كان الأصل من القسم الأوّل بأن كان الدليل على حجّيته العقل لا يجري في مورد خبر الثقة على خلافه ؛ وذلك لأن استقرار سيرة العقلاء على العمل بخبر الثقة يكون كاشفا عن حكم العقل بعدم حجّيته ، فلا يجري في مقابله الاصول ؛ لأن العقل إنّما يحكم بحجّيتها في غير صورة خبر الثقة على خلافها ، وحينئذ لا تكون حجّة.

فالأخذ بخبر الثقة وإن كان موجبا لطرح الأصل ولكن طرح الاصل ليس بحرام حتى يكون العمل به حراما.

قوله : (لأن نسبة العقل في حكمه بالعمل بالاصول المذكورة إلى الأحكام الشرعيّة والعرفية سواء).

دفع لما يتوهّم من أنّ حكم العقل بوجوب الأخذ بخبر الثقة وطرح الاصول عند تعارضها معه مختصّ بأحكامهم العرفية ، وامورهم العادية ، وأمّا في الأحكام الشرعية فيحكم العقل بحجّية الاصول مطلقا ، وحينئذ يكون الأخذ بخبر الثقة محرّما لكونه موجبا لطرح ما هو الحجّة.

وحاصل الدفع : إنّ العقل لا يفرق في حكمه بحجّية الاصول بين الشرعيات والعرفيات ، فإذا حكم بحجّيتها عند عدم خبر الثقة على خلافها حكم بها ـ كذلك ـ في الأحكام

١٧٦

وأمّا الاستصحاب ، فإن اخذ من العقل فلا إشكال في أنّه لا يفيد الظنّ في المقام ، وإن اخذ من الأخبار فغاية الأمر حصول الوثوق بصدورها دون اليقين.

وأمّا الاصول اللفظيّة ، كالإطلاق والعموم ، فليس بناء أهل اللسان على اعتبارها حتّى في مقام وجود الخبر الموثوق به في مقابلها ، فتأمّل.

____________________________________

الشرعية والعرفية معا.

(وأمّا الاستصحاب ، فإن اخذ من العقل فلا إشكال في أنّه لا يفيد الظّن في المقام).

فلو كان العمل بخبر الثقة موجبا لطرح الاستصحاب فإن قلنا :

بأنّ الاستصحاب يكون من الاصول العقلية ، بمعنى أنّ الحاكم على حجّيته هو العقل ، من باب كل ما هو ثابت يدوم ، فلا إشكال في طرحه والأخذ بخبر الثقة ؛ لأن الاستصحاب حينئذ يكون من الأمارات الظنّية ، ويكون ملاك حجّيته إفادته الظن ، ولا يفيد الظن عند تعارضه مع خبر الثقة ، فلا يكون حجّة إلّا عند انتفاء خبر الثقة.

وأمّا إن قلنا : بأنّه من الاصول الشرعية واخذ من الأخبار الدالة على حرمة نقض اليقين بالشك فيكون دليله خبر الثقة ، وبذلك يكون الاستصحاب معارضا لخبر الثقة لأنّ العمل بالاستصحاب حقيقة هو العمل بخبر الثقة ، فلا يكون العمل بخبر الثقة المعارض للاستصحاب وطرح الاستصحاب حراما ، إذ يجوز الأخذ بخبر الثقة وترك العمل بالاستصحاب ترجيحا أو تخييرا.

(وأمّا الاصول اللفظية ، كالإطلاق والعموم ، فليس بناء أهل اللسان على اعتبارها حتى في مقام وجود الخبر الموثوق به في مقابلها).

وأمّا إذا كان العمل بخبر الثقة موجبا لطرح الاصول اللفظية فيمكن أن يقال بجواز طرحها والأخذ بالخبر الموثوق به.

وذلك لأن الاصول اللفظية معتبرة ببناء أهل اللسان والعقلاء ، فإذا وجدنا استقرار سيرتهم على العمل بخبر الثقة المخالف لها حصل لنا القطع بأنّ اعتبارها مختصّ بغير صورة وجود خبر الثقة على الخلاف ، فحينئذ يجوز العمل بخبر الثقة وطرحها لأنّ طرحها ليس بمحرم.

(فتأمّل) لعلّه إشارة إلى عدم جواز طرح الاصول اللفظية لأنها معتبرة مطلقا ، وليس

١٧٧

الخامس من وجوه تقرير الإجماع : ما ذكره العلّامة في النهاية من إجماع الصّحابة على العمل بخبر الواحد من غير نكير ، وقد ذكر في النهاية مواضع كثيرة عمل فيها الصّحابة بخبر الواحد.

وهذا الوجه لا يخلو من تأمّل ، لأنه إن اريد من الصّحابة العاملين بالخبر من كان في ذلك الزمان لا يصدر إلّا عن رأي الحجّة عليه‌السلام ، فلم يثبت عمل أحد منهم بخبر الواحد ، فضلا عن ثبوت تقرير الإمام عليه‌السلام له ؛ وإن اريد به الهمج الرّعاع الذين يصغون إلى كلّ ناعق ، فمن

____________________________________

اعتبارها مشروطا بعدم وجود خبر الثقة على خلافها كالاصول العملية ، وحينئذ لا يجوز العمل بخبر الثقة عند تعارضه معها ، بل يأخذ بها دون الخبر ، وذلك لأجل الفرق بين الاصول العملية والاصول اللفظية.

فإنّ اعتبار الاصول العملية إنّما هو بحكم العقل وبناء العقلاء بما هم عقلاء ، فإذا استقرّت سيرتهم على العمل بخبر الثقة المخالف لها لكان ذلك كاشفا عن اختصاص اعتبارها عند انتفاء خبر الثقة ، بخلاف الاصول اللفظية ، حيث يكون اعتبارها ببناء أهل اللسان ، بما هم أهل اللسان ، لا بما هم عقلاء ، فقد استقرّ بناؤهم على اعتبارها مطلقا ، ثمّ امضاء الشارع هذا البناء منهم يكون رادعا عن الأخذ بخبر الثقة ، فيجب الاخذ بالظواهر دون خبر الثقة.

(الخامس من وجوه تقرير الإجماع : ما ذكره العلّامة في النهاية من إجماع الصّحابة على العمل بخبر الواحد من غير نكير).

والخامس من وجوه تقرير الإجماع على حجّية خبر الواحد ما ذكره العلّامة قدس‌سره من إجماع أصحاب المعصومين عليهم‌السلام على العمل بخبر الواحد من دون أن ينكره المعصوم عليه‌السلام ، فعدم الإنكار منه عليه‌السلام تقرير لذلك ، فيكون حجّة بتقرير من المعصوم عليه‌السلام.

ثمّ ذكر في النهاية مواضع كثيرة عمل فيها الصحابة بخبر الواحد :

منها : إنّ أبا بكر قضى في واقعة بين اثنين ، ثمّ أخبر بلال بأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قضى بخلاف ما قضيت ، فعمل بخبر بلال وقضى بقضاوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهذا الخبر يكون دليلا على حجّية خبر الواحد.

(وهذا الوجه لا يخلو من تأمّل).

١٧٨

المقطوع عدم كشف عملهم عن رضا الإمام عليه‌السلام لعدم ارتداعهم بردعه في ذلك اليوم.

ولعلّ هذا مراد السيّد قدس‌سره حيث أجاب عن هذا الوجه : بأنّه إنّما عمل بخبر الواحد المتأمّرون الذين يحتشم التصريح بخلافهم ، وإمساك النكير عليهم لا يدلّ على الرضا بعملهم ، إلّا أن يقال : إنّه لو كان عملهم منكرا لم يترك الإمام ـ بل ولا أتباعه من الصحابة ـ النكير على العاملين إظهارا للحقّ ، وإن لم يظنّوا الارتداع ، إذ ليست هذه المسألة بأعظم من مسألة الخلافة التي أنكرها عليهم من أنكر ، لإظهار الحقّ ودفعا لتوهّم دلالة السكوت على الرضا.

السادس من وجوه تقرير الإجماع : دعوى الإجماع من الإماميّة ، حتى السيّد وأتباعه ، على وجوب الرجوع إلى هذه الأخبار الموجودة في أيدينا ، المودعة في اصول الشيعة وكتبهم.

ولعلّ هذا هو الذي فهمه بعض من عبارة الشيخ المتقدّمة عن العدّة ، فحكم بعدم مخالفة الشيخ للسيّد قدس‌سرهما ، وفيه :

____________________________________

وذلك لانّه إن كان المراد من الصحابة من كان في زمان المعصوم عليه‌السلام ، كسلمان وأبي ذر وغيرهما لما صدر العمل بخبر الواحد عنهم ؛ لأنهم يأخذون الأحكام من المعصوم عليه‌السلام من دون واسطة أصلا.

وإن كان المراد منهم الهمج الرعاع ، أي : المتوحشين الذين يصغون إلى كل ناعق ، ويميلون مع كل ريح لما كان عملهم كاشفا عن رضا المعصوم عليه‌السلام ، وعدم ردع المعصوم عليه‌السلام عن عملهم لا يكون دليلا على تقريره ، إذ لعلّ عدم الردع كان لعدم ارتداعهم به ، والمعصوم عليه‌السلام كان عالما بأنّهم لا يرتدعون فلهذا لم يردعهم.

(إلّا أن يقال : إنّه لو كان عملهم منكرا لم يترك الإمام عليه‌السلام ـ بل ولا أتباعه من الصحابة ـ النكير على العاملين إظهارا للحقّ).

وملخّص ما يقال : إنّ الإمام عليه‌السلام وإن كان عالما بعدم ارتداعهم بالردع ولكن يردعهم إظهارا للحقّ ، ودفعا لتوهّم دلالة السكوت على الرضا ، فنكشف من ترك الإمام عليه‌السلام النكير عليهم أنّ العمل بخبر الواحد لم يكن أمرا منكرا.

(السادس من وجوه تقرير الإجماع : دعوى الإجماع من الإمامية ، حتى السيّد وأتباعه ، على وجوب الرجوع إلى هذه الأخبار الموجودة في أيدينا).

١٧٩

أوّلا : إنّه إن اريد ثبوت الاتّفاق على العمل بكلّ واحد واحد من أخبار هذه الكتب فهو ممّا علم خلافه بالعيان ، وإن اريد ثبوت الاتفاق على العمل بها في الجملة ، على اختلاف العاملين في شروط العمل ، حتى يجوز أن يكون المعمول به عند بعضهم مطروحا عند آخر ، فهذا لا ينفعنا إلّا في حجّيّة ما علم اتفاق الفرقة على العمل به بالخصوص ، وليس يوجد ذلك في الأخبار إلّا نادرا ، خصوصا مع ما نرى من ردّ بعض المشايخ ـ كالصدوق والشيخ ـ بعض الأخبار المودعة في الكتب المعتبرة ، بضعف السند أو بمخالفة الإجماع أو نحوهما.

وأمّا ثانيا : فلأنّ ما ذكر من الاتّفاق لا ينفع حتى في الخبر الذي علم اتفاق الفرقة على قبوله والعمل به ؛ لأن الشرط في الاتفاق العملي ، أن يكون وجه عمل المجمعين معلوما ، ألا ترى أنّه لو اتفق جماعة يعلم برضا الإمام عليه‌السلام بعملهم على النظر إلى امرأة ، لكن يعلم أو يحتمل أن يكون وجه نظرهم كونها زوجة لبعضهم ، وامّا لآخر ، وبنتا لثالث ، وأمّ زوجة لرابع ، وبنت زوجة لخامس ، وهكذا.

فهل يجوز لغيرهم ممّن لا محرميّة بينها وبينه أن ينظر إليها من جهة اتفاق الجماعة الكاشف عن رضا الإمام عليه‌السلام؟ بل لو رأى شخص الإمام عليه‌السلام ينظر إلى امرأة ، فهل يجوز لعاقل التأسّي به؟

____________________________________

والسادس من وجوه تقرير الإجماع هو دعوى الإمامية جميعا ، حتى السيّد قدس‌سره ، على العمل بالأخبار الموجودة في اصول الإمامية وكتبهم.

(ولعلّ هذا) ، أي : الإجماع على العمل بهذه الأخبار(هو الذي فهمه بعض من عبارة الشيخ) في العدّة ، حيث قال : فإنّي وجدت أنّ الفرقة مجمعة على العمل بهذه الأخبار ، فحكم هذا البعض بعدم مخالفة الشيخ للسيّد قدس‌سرهما لأنهما معا قد عملا بهذه الأخبار.

(وفيه : أوّلا : إنّه إن اريد ثبوت الاتّفاق على العمل بكلّ واحد واحد) فلم يتحقّق ، بل المتحقّق والثابت هو خلافه.

(وإن اريد ثبوت الاتّفاق على العمل بها في الجملة) فهو وإن كان ثابتا إلّا أنّه لا ينفع إلّا فيما علم اتّفاقهم على العمل به بالخصوص ، وهو غير موجود فيها.

(وأمّا ثانيا : فلأنّ ما ذكر من الاتّفاق لا ينفع حتى في الخبر الذي علم اتّفاق الفرقة على قبوله والعمل به).

١٨٠