دروس في الرسائل - ج ٢

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٠

العزيز أيضا ، فإنّ موارد الإشكال فيها ـ وهي الخطأ والنسيان وما لا يطاق وما اضطرّوا إليه ـ هي بعينها ما استوهبها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ربّه ، جلّ ذكره ، ليلة المعراج ، على ما حكاه الله تعالى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في القرآن بقوله تعالى :

(رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا).

والذي يحسم أصل الإشكال منع استقلال العقل بقبح المؤاخذة على هذه الامور بقول مطلق ، فإنّ الخطأ والنسيان الصادرين من ترك التحفّظ لا تقبح المؤاخذة عليهما ، وكذا المؤاخذة على ما لا يعلمون مع إمكان الاحتياط ، وكذا التكليف الشاقّ الناشئ عن اختيار المكلّف. والمراد بما لا يطاق في الرواية هو ما لا يتحمّل في العادة ، لا ما لا يقدر عليه أصلا ،

____________________________________

(لكنّ الذي يهوّن الأمر في الرواية جريان هذا الإشكال في الكتاب العزيز أيضا).

أي : والذي يوجب ضعف الإشكال في الرواية وروده بعينه على الكتاب العزيز ، حيث استوهب نبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله من الله تعالى رفع المؤاخذة بواسطة الخطأ والنسيان ، على ما حكاه الله تعالى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله في القرآن حيث قال : (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً) أي : أمرا يثقل علينا من الشدائد والبلايا (كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ)(١) أي : ربّنا ولا تكلّفنا بما لا نطيقه.

والمستفاد من هذه الآية هو عدم قبح المؤاخذة عقلا على هذه الامور ، وإلّا لم يكن معنى لطلب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله رفع المؤاخذة على هذه الامور ، وبهذا التقريب يصح أن يقال بأنّ رفع المؤاخذة على هذه الامور يكون من خواصّ هذه الامّة منّة عليهم ، فتأمّل تعرف.

(والذي يحسم أصل الإشكال منع استقلال العقل بقبح المؤاخذة على هذه الامور بقول مطلق).

وملخّص الجواب الذي يرتفع به الإشكال من أصله هو إنّ الخطأ والنسيان :

تارة : يكون كل واحد منهما ناشئا من عدم المبالاة.

واخرى : يكون حصولهما قهريا.

__________________

(١) البقرة : ٢٨٦.

٢٤١

كالطيران في الهواء.

وأمّا في الآية فلا يبعد أن يراد به العذاب والعقوبة. فمعنى (لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ)(١) : لا تورد علينا ما لا نطيقه من العقوبة.

وبالجملة ، فتأييد إرادة رفع جميع الآثار بلزوم الإشكال على تقدير الاختصاص برفع المؤاخذة ضعيف جدا ، وأضعف منه وهن إرادة العموم بلزوم كثرة الإضمار ، وقلّة الإضمار أولى وهو كما ترى.

____________________________________

وثالثة : يكون حصولهما ناشئا من ترك التحفّظ.

والعقل يحكم بحسن المؤاخذة في القسم الأول ، ويحكم بقبحها في القسم الثاني ، ولا يحكم بقبح المؤاخذة على الخطأ والنسيان الصادرين من جهة ترك التحفّظ ، وكذلك لا يحكم بقبح المؤاخذة على ما لا يعلمون مع إمكان الاحتياط ، فاستوهب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عدم المؤاخذة على الخطأ والنسيان الصادرين من جهة ترك التحفّظ مع أنّها كانت ثابتة على الامم السابقة ، وكذلك (ما لا يعلمون) ، وبهذا البيان يكون رفع المؤاخذة من خواص أمّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

كما لا يحكم العقل بقبح المؤاخذة على ترك التكليف الشاق الناشئ عن اختيار المكلّف ، كالصوم في يوم ترك الأكل في ليله ، فرفع المؤاخذة في هذا الفرض يكون من خواصّ أمّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أيضا.

نعم ، يحكم العقل بقبح المؤاخذة على ما هو غير مقدور عادة ، كالطيران في الهواء.

(وأمّا في الآية فلا يبعد أن يراد به العذاب والعقوبة) فيكون مفاد الآية ـ حينئذ ـ لا تعذّبنا عذابا لا نطيقه.

وكيف كان ، فالمتحصّل من الجميع هو أنّ تأييد إرادة رفع تمام الآثار بلزوم الإشكال ـ على تقدير الاختصاص برفع خصوص المؤاخذة ـ ضعيف جدا.

(وأضعف منه وهن إرادة العموم بلزوم كثرة الإضمار ، وقلّة الإضمار أولى وهو كما ترى).

وقد ذكر المصنّف قدس‌سره مؤيّدين لإرادة العموم ، أي : رفع جميع الآثار من حديث الرفع ،

__________________

(١) البقرة : ٢٨٦.

٢٤٢

____________________________________

ثمّ حكم على ضعف المؤيّد الثاني بقوله : (فتأييد إرادة رفع جميع الآثار بلزوم الإشكال على تقدير الاختصاص برفع المؤاخذة ضعيف جدا).

ثمّ يذكر امورا موجبة لوهن إرادة العموم من حديث الرفع ، ثمّ يحكم بضعف هذه الامور أيضا :

منها : ما أشار إليه بقوله : (وأضعف منه) أي : من التأييد المذكور لإرادة العموم بلزوم الإشكال على تقدير رفع المؤاخذة فقط(وهن إرادة العموم بلزوم كثرة الإضمار) أي : إنّ الحكم على وهن إرادة العموم بلزوم كثرة الإضمار يكون أضعف من التأييد المذكور ، وحينئذ لا بدّ من بيان أمرين :

أحدهما : بيان لزوم كثرة الإضمار من إرادة العموم.

وثانيهما : بيان أنّ الحكم على وهن إرادة العموم بلزوم كثرة الإضمار كيف يكون أضعف؟

أمّا لزوم كثرة الإضمار من إرادة العموم ، فيمكن أن يقال : إنّه يقدّر ـ حينئذ ـ الآثار واحدا واحدا ، فيقدر رفع المؤاخذة ، والقصاص ، والحدّ ، والكفّارة ، والقضاء ، والضمان ، وحصول النقل ، والانتقال و... إلى آخره ، في موارد الامور المذكورة في الحديث ، وهي الخطأ والنسيان ... إلى آخره.

وهذا بخلاف إرادة رفع خصوص المؤاخذة ، فتقدّر المؤاخذة وحدها ، وقد علم من هذا البيان أنّ إرادة العموم توجب كثرة الإضمار ، وإرادة المؤاخذة فقط توجب قلّة الإضمار.

وقوله : (وقلّة الإضمار أولى) يقتضي أن يكون المقدّر المرفوع خصوص المؤاخذة ، ولازم ذلك هو وهن إرادة العموم من حديث الرفع ، هذا غاية ما يمكن أن يقال في بيان الأمر الأول.

وأمّا بيان الأمر الثاني ، أي : الحكم على وهن إرادة العموم كيف يكون أضعف حتى لا تكون إرادة العموم موهونة بلزوم كثرة الإضمار؟ فقد أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(وهو كما ترى) أي : وهن إرادة العموم بلزوم كثرة الإضمار باطل كما ترى ؛ وذلك لعدم

٢٤٣

وإن ذكره بعض الفحول.

ولعلّه أراد بذلك أن المتيقّن رفع المؤاخذة ، ورفع ما عداه يحتاج إلى دليل.

وفيه : إنّه إنّما يحسن الرجوع إليه بعد الاعتراف بإجمال الرواية ، لا لإثبات ظهورها في رفع المؤاخذة.

____________________________________

لزوم كثرة الإضمار من إرادة العموم لأنّ المقدّر في صورة إرادة العموم ليس كل فرد فرد من الآثار حتى تلزم كثرة الإضمار ، بل المقدّر هو لفظ واحد مرّة واحدة ، أعني : الآثار أو تمام الآثار ، فيكون حال إرادة العموم كحال إرادة خصوص المؤاخذة حيث يقدّر لفظ واحد على كلا التقديرين ، فأين ما ذكر من لزوم كثرة الإضمار على تقدير إرادة العموم؟!

(وإن ذكره بعض الفحول).

أي : العلّامة قدس‌سره في قواعده ، فما ذكره العلّامة قدس‌سره من وهن إرادة العموم من حديث الرفع بلزوم كثرة الإضمار لا يرجع إلى محصّل صحيح ، ولهذا يقول المصنّف قدس‌سره في مقام توجيه كلامه :

(ولعلّه أراد بذلك أنّ المتيقّن رفع المؤاخذة ، ورفع ما عداه يحتاج إلى دليل) قطعي فيرجع ما أفاده العلّامة قدس‌سره من لزوم كثرة الإضمار هو كثرته من حيث المعنى لا من حيث اللفظ ، فحينئذ يدور الأمر بين كثرة المرفوع إذا كان تمام الآثار وبين قلته إذا كان خصوص المؤاخذة ، فالالتزام بكون المرفوع خصوص المؤاخذة أولى من كونه تمام الآثار ؛ لكون رفع المؤاخذة متيقّنا.

ثمّ يردّ هذا التوجيه بقوله : (وفيه : إنّه إنّما يحسن الرجوع إليه بعد الاعتراف بإجمال الرواية ، لا لإثبات ظهورها في رفع المؤاخذة).

وتوضيح ردّ التوجيه المذكور يحتاج إلى مقدمة وهي :

إنّ الالتزام بكون المرفوع في حديث الرفع خصوص المؤاخذة يمكن لأحد وجهين :

الأول : من جهة كونه متيقّنا.

والثاني : من جهة كون الرواية ظاهرة فيه.

والمطلوب هو الثاني ، أي : إثبات ظهور الرواية في رفع خصوص المؤاخذة ، والالتزام برفع خصوص المؤاخذة من جهة كونه متيقّنا مردود بأحد أمرين :

٢٤٤

إلّا أن يراد إثبات ظهورها ، من حيث إنّ حملها على خصوص المؤاخذة يوجب عدم التخصيص في عموم الأدلة المثبتة لآثار تلك الامور ، وحملها على العموم يوجب التخصيص فيها. فعموم تلك الأدلّة مبيّن لتلك الرواية ، فإنّ المخصّص إذا كان مجملا من جهة تردّده بين ما يوجب كثرة الخارج وبين ما يوجب قلّته ، كان عموم العامّ بالنسبة إلى التخصيص

____________________________________

أحدهما : إنّ الرجوع إلى المتيقّن إنّما يتمّ ويحسن بعد الاعتراف بإجمال الرواية ونحن لم نعترف بالإجمال.

وثانيهما : إنّ الرجوع إلى المتيقّن بعد تسليم إجمال الرواية إنّما يصحّ إذا كان دليلا لإثبات ظهور الرواية في المتيقّن ، وفي المقام لا ينفع الرجوع إلى المتيقّن لإثبات ظهورها في رفع خصوص المؤاخذة ؛ وذلك لأنّ ما يرجع إليه أصل عملي فيكون أجنبيا عن ظهور الرواية في رفع خصوص المؤاخذة.

ومنها : أي : ومن الامور الموهنة لإرادة العموم من حديث الرفع ما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(إلّا أن يراد إثبات ظهورها من حيث إنّ حملها على خصوص المؤاخذة يوجب عدم التخصيص في عموم الأدلّة المثبتة لآثار تلك الامور ، وحملها على العموم يوجب التخصيص فيها ، فعموم تلك الأدلة مبيّن لتلك الرواية ...).

وتوضيح هذا الأمر الثاني الذي يوجب وهن إرادة العموم يحتاج إلى بيان مقدمة وهي :

إنّ الخاص الوارد بعد العام يكون على قسمين : منه مجمل ، ومنه مبيّن ، وحكم الثاني واضح لأنّه يخصّص العام من دون إشكال.

وأمّا الحكم في الأول فهو التمسّك بعموم العام لرفع اجمال المخصّص فيكون العام مبيّنا لإجمال الخاص ، كما إذا ورد من المولى لعبده : اكرم العلماء ، ثمّ ورد : لا تكرم فسّاقهم ، حيث يكون الفاسق مجملا لا يعلم المراد منه بأنّه هل هو مرتكب مطلق المعاصي صغيرة كانت أو كبيرة ، أو هو مرتكب المعاصي الكبيرة فقط؟

فعلى الأول يكون الخارج عن العموم أكثر ، وحينئذ يتمسك بعموم العام ، فيرفع به إجمال المخصّص ، ويقال : إنّ الخارج عن العام بالتخصيص هو مرتكب الكبائر ، فيبقى مرتكب المعاصي الصغيرة تحت العام.

٢٤٥

المشكوك فيه مبيّنا لإجماله. فتأمّل وأجمل.

____________________________________

إذا عرفت هذه المقدمة فنقول :

إنّ ما نحن فيه يكون من هذا القبيل ـ أيضا ـ حيث يكون الخاص ـ وهو حديث الرفع ـ مجملا كما لا يخفى ، وفي الشرع عمومات مثبتة للآثار والأحكام على الامور المذكورة في الحديث ، كعمومات العقابات والقصاصات والحدود والكفّارات في أبواب الجنايات ، وارتكاب المحرمات ، وقضاء ما فات في باب الواجبات ، فيدور أمر المخصّص ـ وهو حديث الرفع ـ بين رفع خصوص المؤاخذة حتى يكون الخارج بالتخصيص عن العمومات هو المؤاخذة فقط ، وبين رفع جميع الآثار حتى يكون الخارج هو جميع الآثار فيكون المخصّص مجملا ، ويكون خروج المؤاخذة متيقّنا وخروج ما عداها مشكوكا ، فيتمسك بالعمومات لرفع إجمال المخصّص ويحكم بأنّ الخارج بالتخصيص عنها هو المؤاخذة فقط ، ولازم ذلك هو وهن إرادة العموم من حديث الرفع وظهور الحديث في رفع خصوص المؤاخذة. هذا غاية ما يمكن أن يقال في توضيح وهن إرادة العموم من حديث الرفع من جهة الأمر الثاني.

(فتأمّل) لعلّه إشارة إلى ضعف هذا الأمر الثاني الموهن لإرادة العموم من حديث الرفع ، بل إلى بطلانه ، وذلك لأحد وجهين :

أحدهما : إنّ نسبة الأدلة المثبتة للآثار إلى حديث الرفع لم تكن نسبة العام والخاص ، بل هي نسبة الحاكم إلى المحكوم ، بمعنى : إنّ حديث الرفع حاكم على تلك الأدلة فلا تعارض بينهما أصلا.

وثانيهما : إنّه لو قلنا بعدم صحة حكومة الحديث على تلك الأدلة لما كان المقام من قبيل إجمال المخصّص ، لأنّ إجماله إنّما يصح لو كانت النسبة بين الأدلة المثبتة للآثار وحديث الرفع عموما مطلقا ، وليست كذلك ، بل النسبة بينهما هي العموم من وجه ، ونكتفي في توضيح ذلك بذكر مثال واحد ، فنقول :

إنّ من الأدلة المثبتة للآثار ما دلّ على بطلان الصلاة في النجاسة ، ويشمل حال العمد والنسيان معا ، وحينئذ تكون مادة الاجتماع هي الصلاة في النجاسة حال النسيان ، ومادة الافتراق عن جانب الأدلة هي الصلاة في النجاسة حال العمد ، ومادة الافتراق عن جانب

٢٤٦

وأضعف من الوهن المذكور وهن العموم بلزوم التخصيص بكثير من الآثار ، بل أكثرها ، حيث إنّها لا ترتفع بالخطإ والنسيان وأخواتهما وهو ناشئ عن عدم تحصيل معنى الرواية كما هو حقّه.

____________________________________

الحديث هي الصلاة في غير النجاسة ، أي : في المكان المغصوب نسيانا.

والحاصل أنّ الحديث يبقى على إجماله ، فيحمل على إرادة رفع خصوص المؤاخذة من باب أنّه المتيقّن ، لا من باب ظهور الحديث فيه ، فيكون وهن إرادة العموم لظهور الحديث في رفع المؤاخذة فقط ضعيفا ، بل باطلا.

ومنها : أي : ومن الامور الموهنة لإرادة العموم من حديث الرفع ما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(وأضعف من الوهن المذكور وهن العموم بلزوم التخصيص بكثير من الآثار ، بل أكثرها ، حيث إنّها لا ترتفع بالخطإ ، والنسيان ، وأخواتهما).

أي : أضعف من الوهن المذكور ـ وهو وهن إرادة العموم بلزوم كثرة الإضمار ـ وهن إرادة العموم بلزوم كثرة التخصيص في نفس الحديث ، حيث لم ترتفع عدّة من الآثار ، كوجوب سجدتي السهو عند نسيان الجزء ، والدية عند قتل الخطأ ، والضمان عند أكل مال الغير اضطرارا ... ، وحينئذ لو كان المرفوع جميع الآثار لزم التخصيص الكثير في نفس حديث الرفع بخروج الآثار المذكورة عنه ، وحيث لم ترتفع فلا بدّ من أن يكون المرفوع به خصوص المؤاخذة لئلّا تلزم كثرة التخصيص في نفس الحديث.

ثمّ يحكم المصنّف قدس‌سره بضعف هذا الأمر الثالث الذي توهّم لوهن إرادة العموم حيث يقول :

(وهو ناشئ عن عدم تحصيل معنى الرواية كما هو حقّه).

وتوهّم وهن العموم من جهة لزوم كثرة التخصيص في نفس الحديث ناشئ عن عدم تحصيل معنى الرواية كما هو حقّه ، وحينئذ لا بدّ من تحصيل معنى الرواية كما هو حقّه حتى يتضح لنا أنّ التوهّم المذكور ناشئ عن عدم تحصيل معنى الرواية.

وفهم معناها كما هو حقّه يتوقف على مقدمة وهي :

إنّه لا بدّ من معرفة الآثار التي يمكن رفعها بحديث الرفع على تقدير كون المرفوع به جميع الآثار ، فنقول :

٢٤٧

فاعلم أنّه إذا بنينا على عموم رفع الآثار ، فليس المراد بها الآثار المترتبة على هذه العنوانات من حيث هي ، إذ لا يعقل رفع الآثار الشرعيّة المترتبة على الخطأ والسهو من حيث هذين العنوانين ، كوجوب الكفّارة المترتبة على قتل الخطأ ، ووجوب سجدتي السهو المترتب على نسيان بعض الأجزاء ، وليس المراد ـ أيضا ـ رفع الآثار المترتبة على الشيء بوصف عدم الخطأ مثل قوله : من تعمّد الافطار فعليه كذا ، لأنّ هذا الأثر يرتفع بنفسه في صورة الخطأ ، بل المراد أنّ الآثار المترتبة على نفس الفعل ـ لا بشرط الخطأ والعمد ـ قد

____________________________________

إنّ للآثار تقسيمات ثلاثة على ما يظهر من كلام المصنّف قدس‌سره ، فلا بدّ أوّلا من بيانها إجمالا قبل بيانها تفصيلا :

التقسيم الأول : تقسيمها باعتبار الموضوع.

التقسيم الثاني : تقسيمها باعتبار كونها مجعولة شرعيّة وغير شرعيّة.

التقسيم الثالث : تقسيمها باعتبار ترتّب الامتنان عليها وعدمه.

وأمّا بيانها تفصيلا فنقول : إنّ المصنّف قدس‌سره قد أشار إلى التقسيم الأول بقوله :

(فليس المراد بها الآثار المترتبة على هذه العنوانات من حيث هي ... إلى آخره).

وملخّص هذا التقسيم هو أنّ الآثار بلحاظ موضوعاتها على ثلاثة أقسام :

القسم الأول : ما يطرأ على الموضوع المتّصف والمقيّد بالعناوين المذكورة في الحديث كوجوب سجدتي السهو المترتب على نسيان بعض الأجزاء ، أو وجوب الكفارة المترتب على قتل الخطأ ، وليس المراد بالآثار المرفوعة بحديث الرفع هذا التقسيم من الآثار ، بل لا يعقل رفع ما يكون موضوعه الخطأ بالخطإ ، لأنّ ثبوت الموضوع يقضي ثبوت ما يترتب عليه ، فيكون مثبتا له لا رافعا له.

والقسم الثاني : ما يطرأ على الموضوع المقيّد بعدم العناوين المذكورة في الحديث ، مثل وجوب كفارة إفطار صوم شهر رمضان المبارك حيث يكون مترتبا على الإفطار عن عمد مقابل الخطأ ، وهكذا القصاص المترتب على قتل العمد ، وليس المراد ـ أيضا ـ رفع هذا القسم من الآثار ، وذلك لأنّ ارتفاع هذا القسم يكون بارتفاع موضوعه لا بحديث الرفع.

والقسم الثالث : ما يطرأ على نفس الفعل لا بشرط الخطأ ولا بشرط العمد ، والمراد من الآثار المرفوعة في الحديث هذا القسم من الآثار.

٢٤٨

رفعها الشارع عن ذلك الفعل إذا صدر عن خطأ بحال الذكر ، فتصير صلاة الناسي في النجاسة مطابقة للمأمور به فلا تجب الإعادة. وكذلك الكلام في الجزء المنسي ، فتأمّل.

____________________________________

وقد اتضح من المقدمة إلى الآن كون التوهّم المذكور ناشئا عن عدم تحصيل معنى الرواية ، وذلك لأنّ التوهّم المذكور مبنيّ على أن يكون المرفوع بحديث الرفع هو القسم الأول ، فيلزم بخروجه عنه كثرة التخصيص فيه ، وقد علم أنّ الحديث لا يشمل القسم الأول ، بل يكون خروجه عنه تخصّصا فلا يلزم التخصيص فضلا عن كثرته.

وأمّا التقسيم الثاني : قد أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(ثمّ المراد بالآثار هي الآثار المجعولة الشرعية التي وضعها الشارع ، لأنّها القابلة للارتفاع برفعه ... إلى آخره).

أي : إنّ الآثار تنقسم إلى شرعية ، وعقلية ، وعادية.

الأول : كالحرمة والوجوب من الأحكام التكليفية ، والضمانات والكفّارات والحدود من الأحكام الوضعية.

والثاني : كترك أحد الضدين عند فعل الضد الآخر.

والثالث : كالسكر عند شرب الخمر.

والمرفوع بالرواية هو القسم الأول أي : الآثار الشرعية ، وذلك لأنّ الشارع يرفع ما يكون وضعه في يده من الآثار ، ولا يرفع ما لم يكن وضعه بيده بما هو شارع كالآثار العقلية والعادية ، ولا ترتفع ـ أيضا ـ الآثار الشرعية المترتبة على الآثار العقلية أو العادية.

الأول : كما لو نذر إعطاء درهم للفقير عند ترك أحد الضدين.

الثاني : كما لو نذر إعطاءه له عند السكر ؛ لأنّ ثبوت الموضوع في الموردين يقتضي ثبوت الحكم بوجوب دفع الدرهم إلى الفقير ، فلا يمكن الحكم برفع ذلك الحكم.

والحاصل أنّ المرفوع بحديث الرفع هو القسم الواحد من الأقسام المذكورة في التقسيم الأول والثاني.

وأمّا التقسيم الثالث : فقد أشار إليه بقوله :

٢٤٩

واعلم ـ أيضا ـ أنّه لو حكمنا بعموم الرفع لجميع الآثار ، فلا يبعد اختصاصه بما لا يكون في رفعه ما ينافي الامتنان على الامّة ، كما إذا استلزم إضرار المسلم.

فإتلاف المال المحترم نسيانا أو خطأ لا يرتفع معه الضّمان ، وكذلك الإضرار بمسلم لدفع الضرر عن نفسه لا يدخل في عموم ما اضطرّوا إليه ، إذ لا امتنان في رفع الأثر عن الفاعل بإضرار الغير ، فليس الإضرار بالغير نظير سائر المحرّمات الإلهيّة المسوّغة لدفع الضرر.

ثمّ المراد بالآثار هي الآثار المجعولة الشرعيّة التي وضعها الشارع ، لأنّها هي القابلة للارتفاع برفعه. وأمّا ما لم يكن بجعله من الآثار العقليّة والعاديّة ، فلا تدلّ الرواية على رفعها ولا رفع الآثار المجعولة المترتبة عليها.

____________________________________

(واعلم ـ أيضا ـ أنّه لو حكمنا بعموم الرفع لجميع الآثار ، فلا يبعد اختصاصه بما لا يكون في رفعه ما ينافي الامتنان على الامّة).

أي : إنّ الآثار باعتبار ترتب الامتنان عليها وعدمه تنقسم إلى قسمين :

قسم ينافي الامتنان على الامّة كما يكون في رفعه إضرار على الآخرين.

وقسم منه لا ينافي الامتنان على الامّة كما لم يكن في رفعه إضرار على الآخرين.

والمرفوع بحديث الرفع هو ما لا ينافي الامتنان على الامّة ؛ لأنّ الحديث ورد في مقام الامتنان على الامّة.

وعلى أي حال فالمتحصّل من الجميع أنّ المرفوع بحديث الرفع هو القسم الواحد من كل تقسيم ، فيرفع به ثلاثة أقسام من ثمانية أقسام ، ويمكن صدق الأقسام الثلاث في الأثر الواحد حيث يكون مجعولا شرعيا ، ويترتب عليه الامتنان ، ولم يكن موضوعه مقيدا بالخطإ أو العمد.

(ثمّ المراد بالرفع ما يشمل عدم التكليف مع قيام المقتضي له فيعمّ الدفع).

وتوضيح ما أفاده المصنّف قدس‌سره من أنّ المراد بالرفع ما يشمل الدفع يحتاج إلى مقدمة ، وهي بيان الفرق بين الرفع والدفع ، فنقول :

إنّ الرفع عند العرف : عبارة عن إزالة الشيء الموجود مع وجود المقتضي لبقائه.

والدفع : عبارة عن منع تأثير المقتضي في وجود الشيء.

وبعبارة اخرى : الرفع عبارة عن إعدام الشيء الموجود ، والدفع عبارة عن المنع عن

٢٥٠

ثمّ المراد بالرفع ما يشمل عدم التكليف مع قيام المقتضي له ، فيعمّ الدفع ولو بأن يوجّه التكليف على وجه يختصّ بالعامد ، وسيجيء بيانه.

____________________________________

أصل الإيجاد.

فالفرق بينهما هو أنّ الرفع يرد في مورد أثر المقتضي ـ بالكسر ـ على المقتضى ـ بالفتح ـ وصار موجودا ، وهذا بخلاف الدفع ، فإنّه يرد في مورد المقتضي ـ بالكسر ـ قبل تحقق المقتضى ـ بالفتح ـ فيمنع عن تحقّقه ، والجامع بينهما هو ورودهما في مورد يكون المقتضي لوجود الشيء موجودا ، غاية الأمر أنّ المقتضي في مورد الدفع يقتضي وجود الشيء ابتداء ، وفي مورد الرفع يقتضي وجود الشيء بقاء بعد تحقّقه ابتداء. فإذا اريد من الرفع ما يرد في مورد المقتضي ، لكان شاملا للدفع.

إذا عرفت هذه المقدمة يتضح لك ما أفاده المصنّف قدس‌سره من أنّ الرفع يعمّ الدفع ، وغرض المصنّف قدس‌سره من هذا الكلام هو تصحيح أن يكون الرفع في حديث الرفع بمعنى الدفع كما يظهر من كلامه حيث يقول :

(ثمّ المراد بالرفع ما يشمل عدم التكليف مع قيام المقتضي له).

فظاهر كلامه هذا أنّ الرفع يكون بمعنى الدفع ، بل يجب أن يكون بمعنى الدفع ولا يصح أن يكون بمعنى الرفع ، وذلك لأنّ الحكم المجهول في (ما لا يعلمون) لا يخلو عن أحد حالين :

أمّا موجود حال الشك وأما معدوم ، وعلى الأول يكون رفع ذلك الحكم بحديث الرفع نسخا ، وهو معلوم البطلان ، وعلى الثاني يلزم اختصاص الأحكام الشرعية بالعالمين بها ، وهو تصويب قام الإجماع على بطلانه ، وحينئذ لا مناص من أن يكون الرفع بمعنى الدفع.

وتقريب الدفع في المقام هو ما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(ولو بأن يوجّه التكليف على وجه يختصّ بالعامد).

وتوضيح هذا الكلام هو أنّ التكليف إذا كان معلوما للمكلّف كان علمه باعثا ومحرّكا لامتثاله ، وهذا يكفي فيه الجعل الأولي للتكليف ، ولا يحتاج في تنجّزه أو امتثاله إلى جعل آخر ، وأمّا في مورد الجهل والشك في التكليف فإنّه لا يصل إلى مرتبة التنجّز إلّا بجعل آخر ، وهذا الجعل الثاني يسمّى بمتمّم الجعل الأولي ، وهو في المقام عبارة عن

٢٥١

فإن قلت : على ما ذكرت يخرج أثر التكليف في (ما لا يعلمون) عن مورد الرواية ؛ لأنّ استحقاق العقاب أثر عقلي له مع أنّه متفرّع على المخالفة بقيد العمد ، إذ مناطه ـ أعني المعصية ـ لا يتحقق إلّا بذلك.

وأمّا نفس المؤاخذة فليست من الآثار المجعولة الشرعيّة.

____________________________________

وجوب الاحتياط ، وحينئذ تكون ملاكات الأحكام الواقعية مقتضية لجعل وجوب الاحتياط ، وقد جعل وجوب الاحتياط في الشبهات الثلاث ، أي : الفروج والدماء والأموال.

وأمّا فيما عداها من موارد الشبهة فقد دفع الشارع المقتضيات عن التأثير في وجوب الاحتياط ، أي : لم يجعله مع وجود المقتضي له ، وهو معنى الدفع ، ولازم ذلك هو اختصاص الأحكام المنجّزة في الظاهر بالعالم والعامد ، ولكن الأحكام الواقعية تبقى مشتركة بين العالم والجاهل ، وحينئذ لا يلزم التصويب ، ولا النسخ.

والحاصل أنّ المراد بالرفع هو الدفع ، وتقريبه في المقام هو : دفع تأثير الأحكام المجهولة وملاكاتها في وجوب الاحتياط ، فدفع وجوب الاحتياط مع وجود المقتضي له يكون بمعنى عدم جعله.

(فإن قلت : على ما ذكرت يخرج أثر التكليف في (ما لا يعلمون) عن مورد الرواية ؛ لأنّ استحقاق العقاب أثر عقلي له ... إلى آخره).

وحاصل الإشكال هو خروج استحقاق العقاب من حديث الرفع ، ويكون خروجه عنه بأحد وجهين :

أحدهما : إنّ استحقاق العقاب أثر عقلي ، وقد تقدّم في تقسيم الآثار أنّ حديث الرفع لا يشمل الآثار العقلية والعادية فلا ترتفع به.

وثانيهما : إنّ استحقاق العقاب يترتب على العمد ؛ لأنّه يترتب على مخالفة التكليف عمدا.

وقد تقدم في بيان أقسام الآثار أنّ الحديث لا يشمل ما يطرأ على الموضوع المقيّد بالعمد ، فلا يرتفع به استحقاق المؤاخذة والعقاب ؛ إمّا لكونه أثرا عقليا ، وإمّا لكونه أثرا يترتب على العمد.

قوله : (وأمّا نفس المؤاخذة فليست من الآثار المجعولة الشرعية) دفع لما يتوهّم من أنّ

٢٥٢

والحاصل أنّه ليس في (ما لا يعلمون) أثر مجعول من الشارع مترتب على الفعل لا بقيد العلم والجهل حتى يحكم الشارع بارتفاعه مع الجهل.

قلت : قد عرفت أنّ المراد برفع التكليف عدم توجيهه إلى المكلّف مع قيام المقتضي له ، سواء كان هناك دليل يثبته لو لا الرفع ، أم لا.

____________________________________

استحقاق المؤاخذة والعقاب وإن كان لا يرتفع بحديث الرفع إلّا إنّ نفس المؤاخذة ترتفع به.

وحاصل الدفع أنّ نفس المؤاخذة هي من فعل الملائكة الموكّلين لعذاب العاصين ، فلم تكن من الآثار المجعولة الشرعية حتى ترتفع بالحديث.

وبالجملة ، إنّه ليس في (ما لا يعلمون) أثر مجعول شرعي حتى يحكم الشارع برفعه بحديث الرفع في مورد الجهل.

(قلت : قد عرفت أنّ المراد برفع التكليف عدم توجيهه إلى المكلّف مع قيام المقتضي له ، سواء كان هناك دليل يثبته لو لا الرفع ، أم لا).

وحاصل الجواب أنّ المراد بالرفع هو عدم توجّه التكليف إلى المكلّف مع وجود المقتضي له ، أي : يكون المراد هو دفع تأثير المقتضي للتكليف ، فالمرتفع هو التكليف وهو مجعول شرعا ، فيجوز ارتفاعه بحديث الرفع ، فما ذكر في الإشكال ـ من أنّ المرتفع بحديث الرفع لا بدّ أن يكون مجعولا شرعا ولا يجوز أن يكون من الآثار غير المجعولة شرعا ـ صحيح ، إلّا إنّ المرتفع في المقام هو التكليف ، أي : وجوب الاحتياط.

فالمرتفع بالذات مجعول شرعا ثمّ يترتب عليه ارتفاع أمر غير مجعول وهو استحقاق العقاب ، فحينئذ لا يرد الإشكال المذكور لأنّ المرتفع بالحديث هو أمر مجعول شرعا.

وعلى أي حال ، فإن الحاصل هو أنّ المراد بالرفع هو الدفع بمعنى عدم توجّه التكليف إلى المكلّف مع وجود المقتضي له ، سواء كان هناك دليل مثبت له عليه مثل : (حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ)(١) حيث يشمل المختار والمضطر ، والمفسدة الواقعية تقتضي حرمة الميتة حتى على المضطر ، إلّا إنّ الله تعالى منّ علينا فرفع هذا التكليف عنّا في حال الاضطرار.

__________________

(١) البقرة : ١٧٣.

٢٥٣

فالرفع هنا نظير رفع الحرج في الشريعة ، وحينئذ فإذا فرضنا أنّه لا يقبح في العقل أنّ يوجد التكليف بشرب الخمر على وجه يشمل صورة الشكّ فيه ، فلم يفعل ذلك ، ولم يوجب تحصيل العلم ولو بالاحتياط ، ووجّه التكليف على وجه يختصّ بالعالم تسهيلا على المكلّف كفى في صدق الرفع.

وهكذا الكلام في الخطأ والنسيان ، فلا يشترط في تحقّق الرفع وجود دليل يثبت التكليف في حال العمد وغيره.

نعم ، لو قبح عقلا المؤاخذة على الترك ـ كما في الغافل غير المتمكّن من الاحتياط ـ لم يكن في حقّه رفع أصلا ، إذ ليس من شأنه أن يوجّه إليه التكليف.

____________________________________

بمعنى أنّه لم يوجّه تحريم الميتة إلى المضطر مع وجود المقتضي ، ومثال ما لم يكن هناك دليل مثبت له على المكلف كقوله عليه‌السلام : (من أفطر صوم رمضان متعمدا فعليه الكفّارة) (١) حيث لا يدل على وجوب الكفّارة على الخاطئ والناسي ، إلّا إنّ المصلحة الواقعية تقتضي وجوبها حتى على من شقّ عليه الصوم ، كالناسي والخاطئ ولو بجعل إيجاب التحفّظ عليهما ، إلّا إنّ الشارع رفع وجوبه عن غير العامد ، وخصّ الوجوب بالعامد من الأول ، وكان الرفع بمعنى عدم توجّه التكليف إلى غير العامد ، فيكفي في صدق الرفع عدم توجّه التكليف إلى غير العامد مع وجود المقتضي للتكليف بإيجاب التحفّظ عليه.

وهكذا التكليف بتحريم شرب الخمر يشمل العالم والجاهل من حيث الدليل ، كقوله تعالى : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ)(٢) حيث يكون شاملا للجاهل أيضا ، إلّا إنّه تعالى رفع التكليف عن الشاك بعدم إيجاب الاحتياط الموجب لتحريم الخمر على الشاك مع وجود المقتضي ، فيختصّ تحريم الخمر بالعالم ، وهكذا رفع تحريم الخمر عن الناسي والخاطئ مع أنّ المفسدة الواقعية تقتضي حرمة الخمر عليهما بواسطة إيجاب التحفّظ ، فيكفي في صدق الرفع عدم توجّه التكليف بواسطة إيجاب التحفّظ مع وجود المقتضي.

(نعم ، لو قبح عقلا المؤاخذة على الترك ـ كما في الغافل غير المتمكّن من الاحتياط ـ لم

__________________

(١) انظر الوسائل ١٠ : ٤٤ ـ ٤٥ ، أبواب ما يمسك عنه الصائم ، ب ٨ ، ح ١.

(٢) المائدة : ٩٠.

٢٥٤

وحينئذ فنقول : معنى رفع أثر التحريم في (ما لا يعلمون) عدم إيجاب الاحتياط والتحفّظ فيه حتى يلزمه ترتب العقاب إذا أفضى ترك التحفّظ إلى الوقوع في الحرام الواقعي.

وكذلك الكلام في رفع أثر النسيان والخطأ ، فإنّ مرجعه إلى عدم إيجاب التحفّظ عليه ، وإلّا فليس في التكاليف ما يعمّ صورة النسيان لقبح تكليف الغافل.

والحاصل إنّ المرتفع في (ما لا يعلمون) وأشباهه ـ ممّا لا تشمله أدلّة التكليف ـ هو إيجاب التحفّظ على وجه لا يقع في مخالفة الحرام الواقعي ، ويلزمه ارتفاع العقاب واستحقاقه ، فالمرتفع أولا وبالذات أمر مجعول يترتب عليه ارتفاع أمر غير مجعول.

ونظير ذلك ما ربّما يقال في ردّ من تمسّك على عدم وجوب الإعادة على من صلّى في النجاسة ناسيا بعموم حديث الرفع من : «أنّ وجوب الإعادة وإن كان حكما شرعيّا إلّا أنّه مترتب على مخالفة المأتيّ به للمأمور به الموجب لبقاء الأمر الأول ، وهي ليست من الآثار الشرعيّة للنسيان ، وقد تقدّم أن الرواية لا تدل على رفع الآثار غير المجعولة ولا الآثار الشرعيّة المترتبة عليها ، كوجوب الإعادة فيما نحن فيه».

____________________________________

يكن في حقّه رفع أصلا).

أي : لا بمعنى الدفع وهو المنع عن تأثير المقتضي ، ولا بمعنى الرفع وهو إزالة الشيء الموجود ، وذلك لعدم المقتضي أصلا.

والحاصل من جميع ما ذكرنا هو أنّ المرتفع في (ما لا يعلمون) وغيره هو إيجاب الاحتياط والتحفّظ وهو أمر مجعول شرعا ، ولازم ذلك استحقاق العقاب عند المخالفة ، وبذلك لا يبقى مجال لما ذكر من أنّ المرتفع في (ما لا يعلمون) بالحديث لا يمكن أن يكون استحقاق العقاب لأنّه أثر عقلي.

(ونظير ذلك ما ربّما يقال في ردّ من تمسك على عدم وجوب الإعادة على من صلّى في النجاسة ناسيا بعموم حديث الرفع)

وهذا نظير ما ذكر من الإشكال بعنوان : «إن قلت» في البطلان ، وهو الإشكال على من تمسّك بعدم وجوب الإعادة على من صلّى في النجاسة ناسيا ، ولا بدّ أولا من ذكر الإشكال ، ثم بيان كونه نظيرا للإشكال السابق في البطلان.

وأمّا الإشكال فقد أشار إليه بقوله : (من : «أنّ وجوب الإعادة وإن كان شرعيا ... إلى

٢٥٥

ويردّه ما تقدّم في نظيره من أنّ الرفع راجع هنا إلى شرطيّة طهارة اللباس بالنسبة إلى الناسي ، فيقال بحكم حديث الرفع : إنّ شرطيّة الطهارة شرعا مختصّة بحال الذكر ، فتصير صلاة الناسي في النجاسة مطابقة للمأمور به فلا تجب الإعادة. وكذلك الكلام في الجزء المنسي ، فتأمّل.

____________________________________

آخره)

وملخّص تقريب الإشكال هو : إنّ حديث الرفع كما تقدّم في تقسيم الآثار لا يشمل الآثار العقلية ولا الآثار الشرعية المترتبة على الآثار العقلية ، فحينئذ نقول في تقريب الإشكال : إنّ وجوب الإعادة بنفسه وإن كان أثرا شرعيا ، إلّا إنّه مترتب على ما هو أثر عقلي ، أي : مخالفة المأتي به للمأمور به الموجبة لبقاء الأمر الأول المقتضي لإتيانه في الوقت بعنوان الإعادة ، ومن المعلوم أنّ المخالفة ليست من الآثار الشرعية للنسيان أو الشرط أو الجزء ، بل هي من الآثار العقلية ، فوجوب الإعادة وإن كان شرعيا إلّا إنه لمّا كان مترتبا على ما هو أثر عقلي لا يرتفع بحديث الرفع حتى يتمسّك على عدمه به ، فالتمسّك بحديث الرفع على عدم وجوب الإعادة على من صلّى في النجاسة ليس بصحيح.

وأما كون هذا الإشكال نظيرا للسابق في البطلان ، فهو أنّ المرتفع بحديث الرفع أمر مجعول شرعا ، ولم يكن مترتبا على ما هو أثر عقلي ؛ وذلك لأن المرتفع بالحديث هو شرطيّة الطهارة حال النسيان ، بل تكون مختصّة بالذاكر ولم تجعل شرطا للناسي ، فالمأمور به في حقّ الناسي هو الصلاة غير المشروطة بالطهارة ، فتكون صلاته في النجاسة مأمورا به ، وحينئذ يكون المأتي به مطابقا للمأمور به ، ولهذا لا تجب الإعادة ، فالتمسّك بحديث الرفع على عدم وجوب الإعادة على من صلّى في النجاسة ناسيا صحيح من دون أي إشكال أصلا. وسيأتي هذا الكلام في الجزء المنسي ـ أيضا ـ إن شاء الله تعالى.

(فتأمّل) لعلّه إشارة إلى ما قد يتوهّم من أنّ حديث الرفع لا يرفع شرطية الطهارة ، لأنّ الشرطية كالجزئيّة ليست من المجعولات الشرعية ، بل من الامور المنتزعة من الأحكام كسائر الأحكام الوضعية ، كما هو مختار المصنّف قدس‌سره ، ومن المعلوم أنّ الامور الانتزاعية التي تكون الشرطية منها غير قابلة للجعل أو الرفع وإنّما وجودها وعدمها تابع لوجود منشأ انتزاعها وعدمه ، كما هو ثابت في محله.

٢٥٦

واعلم ـ أيضا ـ أنّه لو حكمنا بعموم الرفع لجميع الآثار ، فلا يبعد اختصاصه بما لا يكون في رفعه ما ينافي الامتنان على الامّة ، كما إذا استلزم إضرار المسلم.

فإتلاف المال المحترم نسيانا أو خطأ لا يرتفع معه الضمان ، وكذلك الإضرار بمسلم لدفع الضرر عن نفسه لا يدخل في عموم (ما اضطرّوا إليه) ، إذ لا امتنان في رفع الأثر عن الفاعل بإضرار الغير ، فليس الإضرار بالغير نظير سائر المحرّمات الإلهيّة المسوّغة لدفع الضرر.

وأمّا ورود الصحيحة المتقدّمة عن المحاسن (١) في مورد حقّ الناس ـ أعني العتق والصدقة ـ فرفع أثر الإكراه عن الحالف يوجب فوات نفع على المعتق والفقراء لا إضرارا

____________________________________

وملخص الدفع أن الشرطية كالجزئيّة وإن كانت من الامور الانتزاعية إلّا إنّها قابلة للرفع برفع منشأ انتزاعها وهو الحكم التكليفي ، فتكون شرطيّة الطهارة قابلة للارتفاع بالتبع.

(واعلم ـ أيضا ـ أنّه لو حكمنا بعموم الرفع لجميع الآثار ، فلا يبعد اختصاصه بما لا يكون في رفعه ما ينافي الامتنان على الامّة ... إلى آخره).

أي : إن حديث الرفع وارد في مقام الامتنان على الامّة ، فيختصّ برفع ما يكون في رفعه امتنانا على الامّة ، ولا يرفع ما ينافي الامتنان ، كما إذا استلزم رفع الأثر عن مسلم إضرار المسلم الآخر ، فإتلاف المال المحترم كما إذا لم يكن ممّا لا ماليّة له شرعا ـ كالخمر والخنزير مثلا ـ نسيانا أو خطأ لا يرتفع معه الضمان ، وكذا لا يجوز الإضرار بمسلم لدفع الضرر عن نفسه تمسّكا بحديث الرفع ، لأنّ الحديث لا يشمل ما ليس في رفعه امتنان ، فلم يكن الإضرار بالغير ـ نظير سائر المحرمات ، كأكل الميتة مثلا ـ جائزا بحديث الرفع لكونه منافيا للامتنان.

قوله : (وأمّا ورود الصحيحة المتقدّمة عن المحاسن في مورد حقّ الناس ، أعني العتق والصدقة) دفع لما يتوهّم من أنك حكمت على أن النبوي لا يدل على رفع ما في رفعه إضرار بالغير ، لكونه منافيا للامتنان مع أن الإمام عليه‌السلام تمسّك به على رفع ما في رفعه إضرار بالغير ، وتقدم تمسّك الإمام عليه‌السلام ببطلان الطلاق والعتاق وصدقة ما يملك بقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو رفع (ما استكرهوا) ، ومن المعلوم أنّ رفع أثر هذه الامور إضرار على العبيد والفقراء

__________________

(١) المحاسن ٢ : ٦٩ / ١١٩٥. الوسائل ٢٣ : ٢٢٦ ، كتاب الأيمان ، ب ١٢ ، ح ١٢.

٢٥٧

بهم ، وكذلك رفع أثر الإكراه عن المكره ـ فيما إذا تعلّق بإضرار مسلم من باب عدم وجوب تحمّل الضرر لدفع الضرر عن الغير ـ لا ينافي الامتنان ، وليس من باب الإضرار على الغير لدفع الضرر عن النفس لينافي ترخيصه الامتنان على العباد ، فإنّ الضرر أولا وبالذات متوجّه على الغير بمقتضى إرادة المكره ـ بالكسر ـ لا على المكره ـ بالفتح ـ فافهم.

توضيح لبعض ما ورد في حديث الرفع

بقي في المقام شيء وإن لم يكن مربوطا به ، وهو أنّ النبوي (١) المذكور مشتمل على ذكر الطّيرة والحسد والتفكّر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق الانسان بشفتيه ، وظاهره رفع

____________________________________

من الناس.

فدفع هذا التوهّم بقوله : (فرفع أثر الإكراه عن الحالف يوجب فوات نفع على المعتق والفقراء) فلا يكون مستلزما للإضرار بالغير حتى ينافي الامتنان.

(وكذلك رفع أثر الإكراه عن المكره فيما إذا تعلّق بإضرار مسلم ... إلى آخره).

أي : إنّ نظير رفع أثر الإكراه عن الحالف في عدم كونه منافيا للامتنان رفع أثر الإكراه عن المكره فيما إذا تعلّق الإكراه بإضرار مسلم ، فلا مؤاخذة عليه ولا ضمان لو أضرّ بالغير ، لأنّ الإضرار بالغير يكون من باب عدم وجوب تحمّل الضرر لدفع الضرر عن الغير ، فلا ينافي الامتنان ، لأنّ ما ينافي الامتنان هو الإضرار بالغير من باب دفع الضرر عن النفس ، والمقام ليس من هذا القبيل ، لأنّ الضرر أولا وبالذات متوجّه على الغير بمقتضى إرادة المكره ـ بالكسر ـ على المكره ، بالفتح.

(فافهم) لعلّه إشارة إلى وجوب تحمّل الضرر اليسير إذا كان مستلزما لدفع الضرر الكثير عن الغير.

(بقي في المقام شيء وإن لم يكن مربوطا به ، وهو أنّ النبوي المذكور مشتمل على ذكر الطّيرة والحسد والتفكّر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق الانسان بشفتيه).

بقي في المقام شيء وهو البحث عن الامور الثلاث ، أي : الحسد وأخويه ، وظاهر النبوي هو رفع المؤاخذة على الحسد مطلقا ، أي : سواء أظهره الحاسد باللسان أو اليد ، أو

__________________

(١) الخصال : ٤١٧ / ٩. التوحيد : ٣٥٣ / ٢٤. الوسائل ١٥ : ٣٦٩ ، أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، ب ٥٦ ، ح ١.

٢٥٨

المؤاخذة على الحسد مع مخالفته لظاهر الأخبار الكثيرة. ويمكن حمله على ما لم يظهر الحاسد أثره باللسان أو غيره ، بجعل عدم النطق باللسان قيدا له أيضا.

ويؤيّده تأخير الحسد عن الكلّ في مرفوعة النهدي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، المرويّة في أواخر أبواب الكفر والإيمان من اصول الكافي ، قال : (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : وضع عن أمّتي تسعة أشياء : الخطأ ، والنسيان ، وما لا يعلمون ، وما لا يطيقون ، وما اضطروا إليه ، وما استكرهوا عليه والطّيرة والوسوسة في التفكّر في الخلق ، والحسد ما لم يظهر بلسان أو بيد) (١) ، الحديث.

ولعلّ الاقتصار في النبوي الأوّل على قوله : (ما لم ينطق) لكونه أدنى مراتب الإظهار.

وروي : (ثلاثة لا يسلم منها أحد ، الطّيرة والحسد والظنّ). قيل : فما نصنع؟ قال : (إذا

____________________________________

لم يظهره ، وذلك لإطلاق لفظ الحسد في النبوي ، فيكون معنى الحديث ـ حينئذ ـ أنّ الحسد كان حراما على الامم السابقة مطلقا ، وارتفعت حرمته أو المؤاخذة عليه عن هذه الامة مطلقا ، وهذا المعنى الذي كان لفظ الحسد ظاهرا فيه مخالف لظاهر الأخبار الكثيرة الدالة على الحرمة والمؤاخذة مطلقا ، فيكون إطلاق رفع أثر الحسد في النبوي معارضا للأخبار الكثيرة.

وقد أشار المصنّف قدس‌سره إلى رفع هذا التعارض بقوله :

(ويمكن حمله على ما لم يظهر الحاسد أثره باللسان أو غيره ، بجعل عدم النطق باللسان قيدا له أيضا).

وملخّص الجمع بينهما هو حمل الأخبار الدالة على الحرمة والمؤاخذة على صورة إظهار الحسد ، وحمل النبوي على صورة عدم الإظهار ، ثم إن هذا التقييد في إطلاق الحسد في النبوي يمكن بملاحظة جعل عدم النطق باللسان المذكور فى آخر الامور المذكورة فيه قيدا للحسد أيضا ، أي : كما هو قيد للوسوسة في التفكّر في الخلق قطعا ، فيكون مفاد الحديث ـ حينئذ ـ هو أنّ الحسد كان حراما على الامم السابقة ، فارتفعت حرمته عن هذه الامّة منّة وتفضّلا من الله تعالى ، أو ارتفع عقابه ما لم يظهره الحاسد باللسان.

(ويؤيّده تأخير الحسد عن الكل في مرفوعة النهدي ... إلى آخره).

__________________

(١) الكافي ٢ : ٤٦٣ / ٢. الوسائل ١٥ : ٣٧٠ ، أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، ب ٥٦ ، ح ٣ ، بتفاوت يسير فيهما.

٢٥٩

تطيّرت فامض ، وإذا حسدت فلا تبغ ، وإذا ظننت فلا تحقّق) (١).

والبغي عبارة عن استعمال الحسد ، وسيأتي في رواية الخصال : (إنّ المؤمن لا يستعمل حسده) (٢). ولأجل ذلك عدّ في الدروس من الكبائر في باب الشهادات إظهار الحسد ، لا نفسه ، وفي الشرائع : «إنّ الحسد معصية ، وكذا الظن بالمؤمن ، والتظاهر بذلك قادح في العدالة».

والإنصاف أنّ في كثير من أخبار الحسد إشارة إلى ذلك.

وأمّا الطّيرة ـ بفتح الياء ، وقد يسكّن ـ وهي في الأصل التشأم بالطير ، لأنّ أكثر تشأم العرب كان به ، خصوصا الغراب. والمراد إمّا رفع المؤاخذة عليها ، ويؤيّده ما روي من : (أنّ الطّيرة شرك ، وإنّما يذهبه التوكّل) (٣) وإمّا رفع أثرها ، لأنّ الطّيرة كانت تصدّهم عن مقاصدهم ، فنفاه الشرع.

____________________________________

أي : ويؤيّد ما ذكرناه من جعل عدم النطق قيدا للحسد ـ أيضا ـ تأخير ذكر الحسد عن الكل في بعض الأخبار ، كما هو المذكور في المتن ، فحينئذ يرجع التقييد إلى الحسد جزما. هذا خلاصة البحث حول الحسد.

(وأمّا الطّيرة ـ بفتح الياء ، وقد يسكن ـ وهي في الأصل التشأم بالطير ... إلى آخره) أي : إن الطّيرة في الأصل واللغة هو خصوص التشأم بالطّير ، ثم غلب استعمالها في مطلق التشأم سواء كان بالطّير أو بغيره ، وهذا لا كلام فيه.

وإنّما الكلام فيما هو المرفوع بحديث الرفع بالنسبة إلى الطّيرة.

إذ يمكن أن يكون المرفوع هو المؤاخذة عليها ، بمعنى أنها كانت محرمة على الأمم السابقة ، فارتفعت المؤاخذة عليها عن هذه الامّة.

(ويؤيّده ما روي من : (أن الطيرة شرك ، وإنّما يذهبه التوكّل)).

أي : يؤيّد كون الطيرة من المحرمات ما يدل على حرمتها بأنّها شرك من جهة أنّ

__________________

(١) البحار ٥٥ : ٣٢٠ / ٩.

(٢) الخصال : ٨٩ / ٢٧ ، نقله بالمعنى. الكافي ٨ : ٩٤ / ٨٦.

(٣) البحار ٥٥ : ٣٢٢ / ١٠ ، بتفاوت يسير. الوسائل ٢٢ : ٤٠٤ ، أبواب الكفارات ، ب ٣٥ ، ح ١ ، وفيه : «كفارة الطيرة التوكل».

٢٦٠