دروس في الرسائل - ج ٢

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٠

ومنها : أنّ الآية لا تشمل الإخبار مع الواسطة ؛ لانصراف النبأ إلى الخبر بلا واسطة ، فلا يعمّ الروايات المأثورة عن الأئمّة عليهم‌السلام ، لاشتمالها على وسائط.

وضعف هذا الإيراد على ظاهره واضح ؛ لأنّ كلّ واسطة من الوسائط إنّما يخبر خبرا بلا واسطة ، فإنّ الشيخ قدس‌سره ، إذا قال : «حدّثني المفيد ، قال : حدثني الصدوق ، قال : حدّثني أبي ، قال : حدّثني الصفّار ، قال : كتبت إلى العسكريّ عليه‌السلام بكذا» فإنّ هناك أخبارا متعدّدة بتعدّد الوسائط.

____________________________________

والوجه في فساد هذا الجواب :

أولا : أنّه ليس مرتبطا بما ادّعاه المستشكل أصلا ؛ لأنّه لم يدّع التعارض أصلا ، حتى يقال : بأنّ الإجماع مظنون الاعتبار لا يقاوم ما هو مقطوع الاعتبار ، بل التعارض لا يعقل بين الإجماع المنقول المدلول لمفهوم الآية وبين المفهوم الدال ، إذ لا يتصور التعارض بين الدليل والمدلول.

وثانيا : إنّ الظن الحاصل من الإجماع المنقول لا يخلو عن أحد أمرين ؛ لأنّه إمّا يعلم اعتباره ، أو لم يعلم.

فعلى الأول يعارض ، وليس بمظنون الاعتبار.

وأمّا على الثاني فلا يعارض أصلا ، فيكون فساد هذا الجواب أظهر من الشمس.

(ومنها : أنّ الآية لا تشمل الإخبار مع الواسطة ؛ لانصراف النبأ إلى الخبر بلا واسطة) وحاصل الإشكال : إنّ النبأ في الآية منصرف إلى الخبر بلا واسطة.

والمراد من الانصراف : هو الانصراف إلى الخبر عن الإمام عليه‌السلام بلا واسطة فلا يشمل بقية الأخبار ؛ لأنّها تحكي عن الإمام عليه‌السلام مع الواسطة ، كما أشار إليه بقوله : (لاشتمالها) ، أي : الأخبار الموجودة في الكتب الأربعة(على وسائط) فلا تشملها الآية.

(وضعف هذا الإيراد على ظاهره واضح ... إلى آخره) ويمكن الجواب عن هذا الإشكال :

أولا : بمنع الانصراف المذكور ، فتشمل الآية الأخبار مطلقا ، سواء كانت بلا واسطة أو معها.

وثانيا : بأنّه لو سلّمنا الانصراف لقلنا : بأنّ كل واسطة يكون خبرا بلا واسطة ، إذ يكون

٤١

فخبر الشيخ قوله : «حدّثني المفيد ... إلى آخره» وهذا خبر بلا واسطة يجب تصديقه ، فإذا حكم بصدقه وثبت شرعا أنّ المفيد حدّث الشيخ بقوله : «حدّثني الصدوق» فهذا الإخبار ـ اعني : قول المفيد الثابت بخبر الشيخ «حدثني الصدوق» ـ أيضا خبر عادل وهو المفيد ، فنحكم بصدقه وأن الصدوق حدّثه.

فيكون كما لو سمعنا من الصدوق إخباره بقوله : «حدثني أبي» والصدوق عادل فيصدق في خبره ، فيكون كما لو سمعنا أباه يحدّث بقوله : «حدّثني الصفّار» فنصدّقه لأنّه عادل ، فيثبت خبر الصفّار أنّه كتب إليه العسكري عليه‌السلام ، وإذا كان الصفّار عادلا وجب تصديقه والحكم بأنّ العسكري عليه‌السلام كتب إليه ذلك القول ، كما لو شاهدنا الإمام عليه‌السلام يكتب إليه ، فيكون المكتوب حجّة ، فيثبت بخبر كلّ لاحق إخبار سابقه ، ولهذا تعتبر العدالة في جميع الطبقات ؛ لأنّ كلّ واسطة مخبر بخبر مستقل.

هذا ، ولكن قد يشكل الأمر بأنّ ما يحكيه الشيخ عن المفيد صار خبرا للمفيد بحكم وجوب التصديق ، فكيف يصير موضوعا لوجوب التصديق الذي لم يثبت موضوع الخبرية له إلّا به؟ ويشكل : بأنّ الآية إنّما تدلّ على وجوب تصديق كلّ مخبر ، ومعنى وجوب تصديقه ليس إلّا ترتيب الآثار الشرعية المترتبة على صدقه عليه.

____________________________________

في الحقيقة كل واسطة يخبر خبرا بلا واسطة ، فيتعدّد الخبر بتعدّد الواسطة فتشمل الآية جميع الوسائط لأنّها أخبار بلا واسطة.

وبالجملة ، إنّ الآية تشمل الأخبار المرويّة عن الأئمّة عليهم‌السلام على فرض تسليم انصراف النبأ فيها إلى الإخبار بلا واسطة ؛ لأنّ كل مخبر لاحق يخبر عن سابقه بلا واسطة ، فتلاحظ الوسائط بالنسبة إلى آية النبأ عرضية في مرتبة واحدة ، لا طولية حتى تتحقّق الواسطة.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في توضيح كلام المصنّف رحمه‌الله ؛ لأن ما ذكره المصنّف رحمه‌الله لا يخلو عن إجمال ، فلا بدّ من تطبيقه على الإشكال بأن يقال :

إنّ المراد من الآية ليس الإخبار عن الإمام عليه‌السلام حتى يتوجّه عليه الإيراد المذكور ، بل المراد : إخبار كل لاحق عن سابقه كما ذكرنا ، وإخبار كل لاحق عن سابقه يكون إخبارا بلا واسطة.

(ولكن قد يشكل الأمر ... إلى آخره) ، وهذا الإشكال يكون أدق من الإشكال السابق ،

٤٢

فإذا قال المخبر : إنّ زيدا عدل ، فمعنى وجوب تصديقه وجوب ترتيب الآثار الشرعية المترتبة على عدالة زيد من جواز الاقتداء به وقبول شهادته ، وإذا قال المخبر : أخبرني عمرو أنّ زيدا عادل ، فمعنى تصديق المخبر ـ على ما عرفت ـ وجوب ترتيب الآثار الشرعية المترتبة على إخبار عمرو بعدالة زيد ، ومن الآثار الشرعية المترتبة على إخبار عمرو بعدالة زيد إذا كان عادلا ، وإن كان هو وجوب تصديقه في عدالة زيد ، إلّا أنّ هذا الحكم الشرعي لإخبار عمرو إنّما حدث بهذه الآية وليس من الآثار الشرعية الثابتة للمخبر به مع قطع النظر عن الآية حتى يحكم بمقتضى الآية بترتيبه على إخبار عمرو به.

والحاصل أنّ الآية تدلّ على ترتيب الآثار الشرعية الثابتة للمخبر به الواقعي على إخبار العادل ، ومن المعلوم أنّ المراد من الآثار غير هذا الأثر الشرعي الثابت بنفس الآية ، فاللّازم على هذا دلالة الآية على ترتيب جميع آثار المخبر به على الخبر ، إلّا الأثر الشرعي الثابت بهذه الآية للمخبر به إذا كان خبرا.

____________________________________

أي : انصراف النبأ إلى الإخبار بلا واسطة.

ثمّ يمكن تقريب هذا الإشكال بوجوه ، والجامع فيها أنّ الأدلة الدالّة على حجّية أخبار الآحاد لا تشمل الإخبار مع الواسطة ؛ أمّا من جهة عدم ترتّب أثر شرعي ، أو من جهة لزوم تقدّم الشيء على نفسه ، أو من جهة لزوم اتحاد الأثر مع الحكم.

أمّا تقريب الوجه الأول : فيتضح بعد تقديم مقدمة ، وهي أنّ قصارى مفاد أدلة الحجّية على اختلافها هو : صدّق العادل ، ثمّ هذه القضية تنحل إلى حكم : وهو الوجوب ، وموضوع : وهو تصديق العادل ، ومعنى وجوب التصديق : هو ترتّب الأثر الشرعي الثابت في المرتبة السابقة عن هذا الحكم على المخبر به بخبر العادل.

فمثلا : إذا أخبر العادل بعدالة زيد يترتّب على المخبر به ـ أي : عدالة زيد ـ الأثر الثابت مع قطع النظر عن الحكم بوجوب التصديق ، وهو جواز الاقتداء به أو الطلاق عنده.

إذا عرفت هذه المقدّمة يتضح لك أنّ دليل الحجّية لا يشمل مثل أخبار الشيخ رحمه‌الله والمفيد رحمه‌الله ؛ لأنّ المخبر به في الموردين ليس حكما شرعيا ، ولا ذا أثر شرعي كما لا يخفى ، وما يترتب عليه أثر شرعي هو : الخبر الأخير كخبر الصفار عن الإمام عليه‌السلام أو خبر زرارة عنه عليه‌السلام ؛ لأن المخبر به بالخبر الأخير هو : قول الإمام عليه‌السلام يكون حكما شرعيا.

٤٣

وبعبارة اخرى : الآية لا تدلّ على وجوب قبول الخبر الذي لم يثبت موضوع الخبرية له إلّا بدلالة الآية على وجوب قبول الخبر ؛ لأن الحكم لا يشمل الفرد الذي يصير موضوعا له بواسطة ثبوته لفرد آخر.

____________________________________

وبعبارة اخرى : إنّ التعبّد بحجّية الخبر يتوقف على أن يكون المخبر به بنفسه حكما شرعيا ، أو ذا أثر شرعي ، والواسطة في سلسلة الرواة إلّا الخبر الأخير لم تكن بنفسها حكما شرعيا ، ولا ذات أثر شرعي ، فلا يمكن التعبّد بحجّيتها ، ويستفاد هذا الوجه من مواضع كلام المصنّف رحمه‌الله.

والوجه الثاني : يمكن تقريبه بقياس استثنائي ، وهو : لو شمل دليل الحجّية ـ أي : صدّق العادل ـ الواسطة لزم تقدّم الحكم على موضوعه ، والتالي باطل ، فالمقدّم مثله.

وبيان الملازمة : إنّ خبر المفيد في المثال المذكور في المتن يتحقّق بسبب وجوب تصديق خبر الشيخ عن المفيد قدس‌سرهما ، ثم يصير خبر المفيد عن الصدوق قدس‌سرهما موضوعا لوجوب التصديق بعد تحقّقه به ، فيكون الحكم سببا ومحقّقا لموضوعه ، فيلزم كونه متقدّما على الموضوع حتى يكون سببا لتحقّقه وهو نفس تقدّم الحكم على الموضوع ، وهو تال باطل. وبطلانه لا يحتاج إلى بيان ، إذ الحكم يجب أن يكون متأخرا عن الموضوع تأخر المعلول عن علته ، فيكون تقدّمه على الموضوع مستلزما لتقدّم الشيء على نفسه ، وهو نتيجة الدور المحال الباطل ، هذا ما أشار إليه بقوله : (لأن الحكم لا يشمل الفرد الذي يصير موضوعا له ... إلى آخره).

والوجه الثالث : هو لزوم اتحاد الحكم والأثر ، وذلك أنّ الحكم بوجوب تصديق العادل يجب أن يكون بلحاظ ترتّب الاثر الثابت في الرتبة السابقة عن مجيء الحكم ، كجواز الاقتداء على زيد المترتّب على عدالته بعد الإخبار عنها.

ففي المقام ، لو شمل دليل الحجّية خبر الشيخ عن المفيد قدس‌سرهما لكان معناه وجوب ترتيب الأثر على ما أخبر به الشيخ رحمه‌الله ، وهو خبر المفيد رحمه‌الله ، والمفروض أنّه ليس هناك أثر سوى وجوب التصديق ، فيلزم ما ذكرناه من اتحاد الحكم والأثر ، وهو باطل ؛ لأنّ الأثر يجب أن يكون موجودا قبل الحكم ، ليكون الحكم لأجل ذلك الأثر.

وهذا ما أشار إليه بقوله : (ومن المعلوم أنّ المراد من الآثار غير هذا الأثر الشرعي

٤٤

ومن هنا يتجه أن يقال : إنّ أدلّة قبول الشهادة لا تشمل الشهادة على الشهادة ؛ لأنّ الأصل لا يدخل في موضوع الشاهد إلّا بعد قبول شهادة الفرع ، ولكن يضعّف هذا الإشكال :

____________________________________

الثابت بنفس الآية) إذ لو كان المراد منها هو الثابت بنفس الآية يلزم اتحاد الحكم والأثر ، كما لا يخفى.

(ومن هنا يتجه أن يقال : إنّ أدلة قبول الشهادة لا تشمل الشهادة على الشهادة) ، وتوضيح ذلك يحتاج إلى بيان أمرين :

الأول : بيان الشهادة على الشهادة.

والثاني : بيان عدم شمول الأدلة لها.

ومعنى الشهادة على الشهادة : أن يكون هناك شهادتان ، بأن يكون المشهود به بالشهادة الاولى ، وهي الأصل : المال ، والمشهود به بالثانية ، وهي الفرع : الشهادة الاولى.

مثلا بأن شهد عمرو بأنّ هذه الدار لخالد عند زيد ، ثمّ شهد زيد عند الحاكم بشهادة عمرو ، فتكون شهادة زيد شهادة على الشهادة.

وعدم شمول الأدلة لهذه الشهادة سببه عدم ترتّب أثر شرعي عليها إلّا وجوب التصديق والقبول لشهادة عمرو الثابتة بنفس وجوب التصديق والقبول لشهادة زيد ، فيلزم محذور لزوم تقدّم الشيء على نفسه وكون الحكم مثبتا لموضوعه كما أشار إليه بقوله : (لأنّ الأصل) ، أي : شهادة عمرو لا تتحقّق و (لا يدخل في موضوع الشاهد إلّا بعد قبول شهادة الفرع) ، أي : شهادة زيد.

(ولكن يضعف هذا الإشكال : أولا : بانتقاضه بورود مثله في نظيره الثابت بالإجماع ، كالإقرار بالإقرار).

وملخّص هذا الجواب النقضي هو : إنّ الإقرار بالإقرار نافذ ، بأن أقرّ زيد بإقراره السابق بالدّين على ذمته لعمرو ، فكان إقراره الفعلي نافذا بقاعدة إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ونافذ ، ويثبت به إقراره الأول ثمّ يحكم بمقتضاه.

وقد قام الإجماع بقبول الإقرار بالإقرار مع أنّه مستلزم لتقدّم الحكم على موضوعه المستلزم لتقدّم الشيء على نفسه ؛ لأن إقراره الأول يثبت بوجوب قبول إقراره الثاني ،

٤٥

أوّلا : بانتقاضه بورود مثله في نظيره الثابت بالإجماع ، كالإقرار بالإقرار ، فتأمّل.

وإخبار العادل بعدالة مخبر ، فإنّ الآية تشمل الإخبار بالعدالة بغير إشكال وعدم قبول الشهادة على الشهادة ـ لو سلّم ـ ليس من هذه الجهة.

____________________________________

ثمّ يترتّب عليه نفس ذلك الحكم المثبت للموضوع ، وهو إقراره الأول. فيلزم تقدّم الحكم بوجوب قبول الإقرار الأول لكونه سببا له مع لزوم تأخره عنه ، إذ الحكم يجب أن يكون متأخرا عن الموضوع.

وبالجملة ، يشمل الحكم ما يتولد منه من الموضوع ، فينتقض به ما تقدّم من الإشكال بأنّ الحكم لا يشمل الفرد الذي يتولّد من شمول الحكم لفرد آخر.

(فتأمّل) لعلّه إشارة إلى ضعف الانتقاض المذكور ، وذلك أنّ دليل حجّية الإقرار لا يشمل إلّا الإقرار الثاني.

وأمّا إقراره الأول فلا يثبت بوجوب قبول الإقرار الثاني حتى يلزم المحذور ، بل يثبت بالإجماع ، أو يقال : إنّ في الإقرار توسعة ، والإقرار بالإقرار يرجع إلى الإقرار بالحق ، فيشمله قول المعصوم عليه‌السلام : (إقرار العقلاء على أنفسهم جائز) (١) ، فلا يكون هو نظير المقام كما لا يخفى.

قوله : (وعدم قبول الشهادة على الشهادة ... إلى آخره) دفع لما يمكن أن يقال : من أنّ بعض الفقهاء قد خالف قبول الشهادة على الشهادة ، فلعلّ الوجه فيه هو : عدم شمول أدلة حجّية الشهادة الشهادة على الشهادة ، فكذا في المقام يمكن أن يقال : إنّ أدلة حجّية خبر العادل لا تشمل خبر العادل الذي يكون المخبر به خبرا كالخبر مع الواسطة.

فدفع المصنّف رحمه‌الله هذا الإشكال بقوله : (لو سلّم) هذه المخالفة (ليس من هذه الجهة) ، أي : من جهة كون الحكم مثبتا لموضوعه ، كما تقدّم تفصيله ، بل المخالفة تكون من جهة أنّ الشهادة مشروطة بأن تقع عند الحاكم ، فحينئذ تكون الشهادة الاولى فاقدة للشرط ؛ لأنها لم تقع عند الحاكم ، ولهذا لا تقبل ، فعدم قبول الشهادة على الشهادة لا يكون نقضا للمقام أصلا.

__________________

(١) غوالي اللآلئ ١ : ٢٢٣ / ١٠٤ ، و ٢ : ٢٥٧ / ٥ ، و ٣ : ٤٤٢ / ٥. الوسائل ٢٣ : ١٨٤ ، كتاب الإقرار ، ب ٣ ، ح ٢.

٤٦

وثانيا : بالحلّ وهو أنّ الممتنع هو توقف فردية بعض أفراد العام على إثبات الحكم لبعضها الآخر ، كما في قول القائل : كل خبري صادق أو كاذب.

____________________________________

(وثانيا : بالحلّ وهو أنّ الممتنع هو توقف فردية بعض أفراد العام على إثبات الحكم لبعضها الآخر).

وتوضيح كلام المصنّف رحمه‌الله يحتاج إلى مقدمة ، وهي :

إنّ ثبوت الحكم لفرد من العام ، تارة يكون واسطة في الثبوت لفرد آخر منه ، واخرى واسطة في الإثبات.

والأول كقول القائل بعد إخباره بألف خبر : كل خبري صادق ، وخبره الأخير يكون واحدا بعد الألف يحكم به بصدق كل ما أخبره. فيشمل هذا الحكم جميع ما أخبر به قبل هذا الخبر من ألف خبر ، ولا يشمل نفسه ؛ لأن الحكم فيه وهو (صادق) يكون واسطة في الثبوت لهذا الخبر ، أي : يكون علّة له ، إذ الخبر يكون مركّبا من الموضوع والمحمول ، ولا يتحقّق إلّا بهما ، فلا يتحقّق هذا الخبر إلّا بعد ضمّ المحمول وهو (صادق) إلى الموضوع وهو (كل خبري) ، ولا يشمل الحكم في هذا الخبر نفس هذا الخبر لما تقدّم من محذور لزوم تقدّم الشيء على نفسه.

ثمّ القسم الثاني وهو ما إذا كان الحكم لبعض الأفراد واسطة في الإثبات لفرد آخر ـ كما نحن فيه ـ لكان شاملا للفرد الآخر أيضا.

إذا عرفت هذه المقدمة ، فنقول :

إنّ ثبوت الحكم لخبر الشيخ يكون سببا للعلم بفردية خبر المفيد من دون أن يكون سببا لفرديته وتحقّقه في الواقع ، ويكون واسطة في الإثبات لا في الثبوت ، فلا يلزم من شمول الحكم خبر المفيد ما تقدّم من المحذور ، إذ يكون خبر المفيد ثابتا في الواقع ، مع قطع النظر عن الحكم بوجوب تصديق خبر الشيخ رحمه‌الله ، فيكون الموضوع وهو (خبر المفيد) ثابتا في الواقع قبل الحكم ، فكيف يلزم تقدّمه على الموضوع؟

هذا غاية ما يمكن أن يقال في شرح كلام المصنّف رحمه‌الله ، وإن كانت عبارته قاصرة عن إفادة المقصود.

ومنه ظهر الجواب عن الوجه الثاني في الإشكال ، وقد أشار إلى هذا الجواب بقوله :

٤٧

أمّا توقّف العلم ببعض الأفراد وانكشاف فرديته على ثبوت الحكم لبعضها الآخر ـ كما فيما نحن فيه ـ فلا مانع منه.

وثالثا : بأنّ عدم قابليّة اللفظ العامّ لأن يدخل فيه الموضوع الذي لا يتحقّق ولا يوجد إلّا بعد ثبوت حكم هذا العامّ لفرد آخر ، لا يوجب التوقّف في الحكم إذا علم المناط الملحوظ في الحكم العامّ ، وأنّ المتكلم لم يلاحظ موضوعا دون آخر ، فإخبار عمرو بعدالة زيد فيما لو قال المخبر : أخبرني عمرو بأنّ زيدا عادل ، وإن لم يكن داخلا في موضوع ذلك الحكم العامّ ، وإلّا لزم تأخّر الموضوع وجودا عن الحكم ، إلّا أنّه معلوم أنّ هذا الخروج مستند إلى قصور العبارة وعدم قابليّتها لشموله ، لا للفرق بينه وبين غيره في نظر المتكلّم حتّى يتأمّل في شمول حكم العامّ له.

____________________________________

(أمّا توقّف العلم ببعض الأفراد وانكشاف فرديته على ثبوت الحكم لبعضها الآخر ـ كما فيما نحن فيه ـ فلا مانع منه) إذ لا مانع من أن يكون الحكم الثابت لخبر الشيخ رحمه‌الله سببا للعلم بفردية خبر المفيد ، وهكذا إلى أن ينتهي إلى قول الإمام عليه‌السلام ، فيكون من قبيل ثبوت موضوع حكم تعبّدا بحكم موضوع آخر.

ومن هنا يظهر الجواب عن الوجه الثالث وهو لزوم اتحاد الحكم والأثر ، فلا يلزم اتحادهما شخصا ، وما يلزم من اتحادهما نوعا لا يكون باطلا.

ثمّ يشير المصنّف رحمه‌الله إلى جواب آخر بقوله : (وثالثا : بأنّ عدم قابلية اللفظ العامّ لأن يدخل فيه الموضوع الذي لا يتحقّق ولا يوجد إلّا بعد ثبوت حكم هذا العامّ لفرد آخر ، لا يوجب التوقّف في الحكم ... إلى آخره) ، أي : إنّ العام بحسب اللفظ لا يشمل ما لا يتحقّق إلّا به ؛ لأن الموضوع يجب أن يكون محقّقا وثابتا قبل العام ، ولكنّ هذا صحيح فيما إذا كان العام ـ أي : صدق العادل ـ قضية خارجية يترتّب الحكم فيها على خصوص أفراد الموضوع الموجود في الخارج فعلا.

فحينئذ لا يمكن أن يكون وجوب التصديق لخبر الشيخ مترتّبا على خبر المفيد قدس‌سرهما لكونه مثبتا له ، فكيف يترتّب عليه؟ وليس صدق العادل قضية خارجية ، بل هذه القضية قضية حقيقية يترتّب فيها الحكم على طبيعة الموضوع ، ومنها يسري إلى أفرادها الخارجية المحقّقة أو المقدّرة.

٤٨

بل لا قصور في العبارة بعد ما فهم منها أنّ هذا المحمول وصف لازم لطبيعة الموضوع ولا ينفكّ عن مصاديقه ، فهو مثل ما لو أخبر زيد بعض عبيد المولى ، بأنّه قال : لا تعمل بأخبار زيد ، فإنّه لا يجوز أن يعمل به ، ولو اتكالا على دليل عامّ يدلّ على الجواز ويقول إنّ هذا العامّ لا يشمل نفسه ، لأنّ عدم شموله له ليس إلّا لقصور اللفظ وعدم قابليّته للشمول ، لا لتفاوت بينه وبين غيره من أخبار زيد في نظر المولى ، وقد تقدّم في الإيراد الثاني من هذه الإيرادات ما يوضّح لك ، فراجع.

____________________________________

وبعبارة اخرى : إنّه قضية حقيقية تنحل حكما وموضوعا إلى أحكام متعدّدة حسب تعدّد الموضوع ، فلا مانع من أن يكون الحكم بوجوب التصديق والحجّية مترتبا على جميع ما وقع في سلسلة الرواة ، فيشمل خبر المفيد ، إذ يكون وجوب التصديق من لوازم طبيعة خبر العادل سواء كانت محقّقة قبل الحكم أو بعده.

ويمكن الجواب عن الإشكال حتى على فرض القضية الخارجية ، ويقال : إنّ الحكم وإن كان لا يشمل ما يوجد من أفراد الموضوع بدلالة لفظية ، ولكن يشمله مناطا ، إذ لا فرق بينه وبين سائر الأفراد في نظر المتكلم ، فإنّ جميع أفراد خبر العادل يكون مساويا مناطا.

هذا على تقدير أن يكون صدق العادل قضية خارجية وأمّا على ما تقدّم من كونه قضية حقيقية فلا إشكال في شمول الحكم جميع أفراد الموضوع ، سواء كانت محقّقة أو مقدّرة.

وعلى هذا : (لو أخبر زيد بعض عبيد المولى) من قبل المولى (بأنّه قال : لا تعمل بأخبار زيد) لكان المتبادر منه أنّ المولى قد منع عن العمل بطبيعة خبر زيد على نحو القضية الحقيقية ، فيشمل كل ما صدر من زيد من الخبر حتى يشمل نفس هذا الخبر منه ، فلا يجوز العمل به ، ولازم حرمة العمل بخبر زيد هذا ـ أي : لا تعمل بأخبار زيد ، أو بأخباري ـ هو جواز العمل بسائر أخباره ، اتكالا على دليل عام من المولى يدل على الجواز ، ولا يجوز للعبد ترك العمل بسائر أخبار زيد ، والعمل بخبره ـ أي : لا تعمل بأخباري ـ بحجّة أنّ العام لا يشمل نفسه.

وقد تقدّم في الإيراد الثاني في هذه الإيرادات ما يوضح ذلك ، حيث قلنا : بأنّ خبر السيد المرتضى بالإجماع على عدم حجّية خبر الواحد يشمل نفسه ـ أيضا ـ بتنقيح المناط.

٤٩

ومنها : إنّ العمل بالمفهوم في الأحكام الشرعيّة غير ممكن ، لوجوب التفحّص عن المعارض لخبر العدل في الأحكام الشرعيّة ، فيجب تنزيل الآية على الإخبار في الموضوعات

____________________________________

بقي الكلام في الجواب عن الوجه الأول ، وهو أنّ الحكم بوجوب التصديق وحجّية خبر العادل يتوقّف على أن يكون المخبر به بنفسه حكما شرعيا ، أو ذا أثر شرعي ، وهو مردود من وجهين :

أولا : بأنّ الحكم بحجّية خبر العادل لا يتوقّف على أن يكون المخبر به والمؤدّى حكما شرعيا ، أو ذا أثر شرعي ؛ وذلك لأن المجعول في باب الطرق والأمارات هو الطريقية والكاشفية بتتميم الكشف ، وذلك بأن يعتبر الشارع الكاشف الناقص كاشفا تاما ، فيكون التعبّد ناظرا إلى نفس الطريقية من دون حاجة إلى كون المؤدّى حكما شرعيا ، أو ذا أثر شرعي.

وثانيا : بأنّ الواسطة لها مدخلية في ترتّب بالحكم ، حيث تنتهي سلسلة الأخبار إلى قول الإمام عليه‌السلام فيترتّب الأثر على جميع ما وقع في السلسلة ، وهذا المقدار كاف في شمول صدق العادل للواسطة.

وبعبارة اخرى : إنّ الحكم الشرعي لازم لخبر الصفّار عن الإمام عليه‌السلام ، وخبر الصفّار لازم لخبر الصدوق قدس‌سرهما ، وهكذا ، ومقتضى قياس المساواة بأنّ لازم اللّازم لازم يكون الحكم لازما لخبر الشيخ قدس‌سرهما ، فيكون حجّة لترتّب الحكم الشرعي عليه.

(ومنها : إنّ العمل بالمفهوم في الأحكام الشرعية غير ممكن ، لوجوب التفحّص عن المعارض لخبر العدل في الأحكام الشرعية) ، وممّا يرد على مفهوم الآية : هو أنّ المفهوم وإن كان يدل على حجّية خبر العادل إلّا أنّ العمل بخبر العادل من دون التبيّن والفحص كما يقتضيه المفهوم غير ممكن في الأحكام الشرعية.

فالعمل بالمفهوم غير ممكن في الأحكام الشرعية للإجماع القائم على وجوب الفحص عن المعارض في الأحكام الشرعية ، وحينئذ لا بدّ من تنزيل الآية على الموضوعات الخارجية.

ويمكن تقريب هذا الإيراد بقياس استثنائي ، فيقال : إنّ الآية لو دلّت بمفهومها على اعتبار خبر العادل لدلّت على وجوب قبوله من غير فحص عن معارضه والتالي باطل

٥٠

الخارجيّة ، فإنّها هي التي لا يجب التفحّص فيها عن المعارض. ويجعل المراد من القبول فيها هو القبول في الجملة ، فلا ينافي اعتبار انضمام عدل آخر إليه ، فلا يقال : إنّ قبول خبر الواحد في الموضوعات الخارجيّة مطلقا يستلزم قبوله في الأحكام بالإجماع المركّب والأولوية.

____________________________________

بالإجماع المتقدّم ، فالمقدّم مثله ، والملازمة واضحة ؛ لأن معنى حجّية خبر العادل هو القبول من دون الفحص ، فلا بدّ من حمل الآية على الأخبار في الموضوعات الخارجية ، لعدم وجوب الفحص عن المعارض في العمل بها فيها.

وقوله : (ويجعل المراد من القبول فيها هو القبول في الجملة) دفع لما يتوهّم من أنّ خبر العادل في الموضوعات ليس بحجّة ، بل الحجّة فيها هي شهادة العدلين فيعمل بها من دون التبيّن والتفحّص.

وحاصل الدفع أنّ المراد من قبول خبر العادل في الموضوعات هو القبول والحجّية في الجملة ، أي : ولو مع اعتبار التعدّد ، فيكون حجّة من دون وجوب التبيّن والتفحّص عنه ولكن يعتبر التعدّد(فلا ينافي) القبول والحجّية في الجملة(انضمام عدل آخر إليه).

قوله : (فلا يقال) دفع لما يقال ، لا بدّ أولا من تقريب الإشكال وثانيا من تقريب الدفع عنه.

أمّا تقريب الإشكال فهو أنّ حجّية خبر الواحد في الموضوعات يستلزم حجّيته في الأحكام بالإجماع المركب والأولوية.

أمّا الإجماع المركّب فلأن كل من قال بحجّية خبر العدل الواحد في الموضوعات قال بحجّيته في الأحكام أيضا ، إذ لم يذهب أحد إلى حجّيته في الموضوعات فقط ، بل ذهب بعضهم إلى الحجّية في الأحكام فقط ، وبعضهم إلى الحجّية مطلقا ، ومقتضى كلا القولين : هو عدم الحجّية في الموضوعات فقط ، فلو ثبت اعتباره فيها لثبت في الأحكام بالإجماع المركّب.

وأمّا الأولوية فيمكن تقريرها بوجوه :

الأول : إنّ الموضوعات من حقوق الناس ، والأحكام من حقوق الله تعالى ومن المعلوم أنّ لحقوق الناس أهمية ليست لحقوق الله تعالى ، لأنه تعالى غفور رحيم ، غني عن كل شيء ، وحينئذ لو كان خبر العادل حجّة في حقوق الناس لكان حجّة في حقوق الله تعالى بطريق

٥١

وفيه : إنّ وجوب التفحّص عن المعارض لخبر العدل في الأحكام الشرعية ، غير وجوب التبيّن في الخبر ، فإنّ الأوّل يؤكّد حجّية خبر العادل ولا ينافيها ، لأنّ مرجع التفحّص عن المعارض إلى الفحص عمّا أوجب الشارع العمل به ، كما أوجب العمل بهذا. والتبيّن المنافي للحجّيّة هو التوقّف عن العمل والتماس دليل آخر ، فيكون ذلك الدليل هو المتّبع ولو كان أصلا من الاصول.

____________________________________

اولى.

والثاني : إنّ باب العلم في الموضوعات مفتوح غالبا ، بخلاف الأحكام ، حيث يكون الأمر فيها بالعكس ، فإذا جعل الشارع خبر العدل في الموضوعات حجّة مع إمكان تحصيل العلم فيها بسهولة لجعله حجّة في الأحكام بطريق اولى.

والثالث : إنّ حجّية خبر العدل في الموضوعات تدل على الاهتمام بها ، ومن المعلوم أنّ الاهتمام بالأحكام يكون أكثر ، فحينئذ لو كان خبر العدل حجّة في الموضوعات لكان حجّة في الأحكام والأولوية.

والرابع : إنّ خبر العادل لو كان حجّة في الموضوعات مع احتياجها إلى العدلين لكان حجّة في الأحكام بطريق اولى.

وأمّا الجواب والدفع عن الإجماع المركّب والأولوية ، فقد ظهر ممّا تقدّم من أنّ خبر العادل في الموضوعات حجّة مع الانضمام والتعدّد لا منفردا ، وبعبارة اخرى : يكون حجّة بعنوان : الشهادة والبيّنة لا بعنوان خبر الواحد.

وحينئذ لا مجال للإجماع المركّب ، ولا للأولوية لأنهما يجريان فيما لو كان خبر العادل في الموضوعات حجّة مطلقا أي : بلا اشتراط التعدّد ، فلا يصح الاستدلال على حجّية خبر العادل في الأحكام ـ أيضا ـ والأولوية أو الإجماع المركّب.

(وفيه : إنّ وجوب التفحّص عن المعارض لخبر العدل في الأحكام الشرعية ، غير وجوب التبيّن في الخبر ... إلى آخره) وجواب المصنّف رحمه‌الله على أصل الإشكال ، وهو يتم بعد بيان الفرق بين وجوب التفحص عن المعارض لخبر العادل الذي قام عليه الإجماع ، ووجوب التبيّن في خبر الفاسق الذي يدل عليه منطوق الآية.

وملخّص الفرق أنّ وجوب التفحّص في خبر العادل عن المعارض يرجع إلى الفحص

٥٢

فإذا يئس عن المعارض عمل بهذا الخبر ، وإذا وجده أخذ بالأرجح منهما ، وإذا يئس عن التبيّن توقّف عن العمل ورجع إلى ما تقتضيه الاصول العمليّة ، فخبر الفاسق وإن اشترك مع خبر العادل في عدم جواز العمل بمجرّد المجيء ، إلّا أنه بعد اليأس عن وجود المنافي يعمل بالثاني دون الأوّل. ومع وجدان المنافي يؤخذ به في الأوّل ويؤخذ بالأرجح في الثاني ، فتتبع الأدلّة في الأوّل لتحصيل المقتضي الشرعي للحكم الذي تضمّنه خبر الفاسق ، وفي الثاني لطلب المانع عمّا اقتضاه الدليل الموجود.

ومنها : إنّ مفهوم الآية غير معمول به في الموضوعات الخارجيّة التي منها مورد الآية ،

____________________________________

عن وجود المانع بعد فرض تحقّق المقتضي أي : حجّية خبر العادل ، ولذا يكون وجوب الفحص عن المعارض مؤكدا لحجّيته ، كما لا يخفى.

وهو بخلاف وجوب التبيّن في خبر الفاسق ، حيث يكون وجوب التبيّن فيه ، التبيّن عن أصل المقتضي من الخارج غير خبر الفاسق ، فيكون المتّبع ما يوجد بالفحص من دليل أو أصل ، ويجب التوقف ما لم يوجد.

إذا عرفت هذا الفرق ، لقد ظهر لك أنّ عدم وجوب التبيّن في خبر العادل ، كما يقتضيه مفهوم آية النبأ لا ينافي وجوب التفحّص عن المعارض في خبر العادل بالإجماع ؛ لأن المفهوم ينفي وجوب الفحص عن المقتضي في خبر العادل لتحقّق المقتضي فيه ، والإجماع يثبت وجوب التفحّص عن المانع في خبر العادل بعد تحقّق المقتضي فلا يكون مورد النفي والاثبات متحدا ، فلا يتحقّق التنافي لأنه مشروط باتحاد المورد.

وقد أشار المصنّف رحمه‌الله إلى الثمرة بين التبيّن في الموردين في مواضع من كلامه :

منها : إنّه إذا يئس عن المعارض لخبر العادل عمل به ، وإذا وجده أخذ بالأرجح منهما أو المعارض لأنهما حينئذ يتعارضان ، فيجب الأخذ بما له مرجّح ، وأمّا في خبر الفاسق فيجب التوقف إذا يئس عن التبيّن ثمّ يرجع إلى ما يقتضيه الأصل العملي ، وإذا وجد المنافي يعمل به في خبر الفاسق لو كان أرجح.

ومنها : إنّ وجوب التبيّن في خبر الفاسق يكون لتحصيل المقتضي للحكم المستفاد من خبر الفاسق ، وفي خبر العادل لطلب المانع عما يقتضيه خبر العادل.

(ومنها : إنّ مفهوم الآية غير معمول به في الموضوعات الخارجية التي منها مورد الآية ...

٥٣

وهو إخبار الوليد بارتداد طائفة. ومن المعلوم أنّه لا يكفي فيه خبر العادل الواحد ، بل لا أقلّ من اعتبار العدلين ، فلا بدّ من طرح المفهوم ، لعدم جواز إخراج المورد.

وفيه : أنّ غاية الأمر لزوم تقيّد المفهوم بالنسبة إلى الموضوعات بما إذا تعدّد المخبر العادل ، فكلّ واحد من خبري العدلين في البيّنة لا يجب التبيّن فيه ، وأمّا لزوم إخراج المورد فممنوع ، لأنّ المورد داخل في منطوق الآية لا مفهومها ، وجعل أصل خبر الارتداد موردا للحكم بوجوب التبيّن إذا كان المخبر به فاسقا ، ولعدمه إذا كان المخبر به عادلا. لا يلزم منه

____________________________________

إلى آخره) أي : وممّا يرد على مفهوم آية النبأ هو خروج موردها عنها ، وهو قبيح.

وبيان ذلك : إنّه لو كان للآية مفهوم لزم أن يكون موردها خارجا عنها والتالي باطل ، فالمقدّم مثله ، ثمّ بطلان التالي يكون واضحا ، إذ كل دليل يكون شاملا لمورده بالنص ، فيكون خروج المورد قبيحا.

وأمّا بيان الملازمة فبأنّ مورد الآية وهو إخبار الوليد بالارتداد يكون من الموضوعات ، وحينئذ يكون مقتضى منطوق الآية وجوب التبيّن عن خبر الفاسق في الموضوعات ، ومقتضى المفهوم عدم وجوب التبيّن عن خبر العادل في الموضوعات ، وكونه حجّة فيها من دون التبيّن ، مع أنّه ليس بحجّة فيها ، بل الحجّة فيها هي البيّنة ، فيكون المفهوم غير معمول به وخارجا عنها ، فالنتيجة هي القول بعدم المفهوم دفعا للقبح.

(وفيه : أنّ غاية الأمر لزوم تقيّد المفهوم بالنسبة إلى الموضوعات بما إذا تعدّد المخبر العادل) ويردّ الإشكال :

أولا : بعدم خروج المورد عن الآية ، وذلك لعدم صحة الملازمة بين المقدّم والتالي في القياس المذكور ، لأنها مبنية على كون المورد مختصا بالموضوعات. وليس الأمر كذلك ، بل يكون المورد عامّا يشمل الأخبار مطلقا في الأحكام والموضوعات ، فيكون مفهوم الآية معمولا به في الأحكام والموضوعات.

غاية الأمر يلزم تقييد المفهوم بقيد التعدد في الموضوعات ، فيكون مفاد الآية حينئذ : إن جاءكم فاسق بنبإ فتبيّنوا ، سواء كان إخباره عن الأحكام أو الموضوعات ، ويكون مفهومها : إن جاءكم عادل بنبإ فلا يجب التبيّن عنه ، سواء كان عن الأحكام أو الموضوعات ، ولا يجب التبيّن عن كل واحد من خبري العدلين في البيّنة.

٥٤

إلّا تقييد الحكم في طرف المفهوم وإخراج بعض أفراده ، وهذا ليس من إخراج المورد المستهجن في شيء.

ومنها : ما عن «غاية البادي» ، من أنّ المفهوم يدّل على عدم وجوب التبيّن وهو لا يستلزم العمل لجواز وجوب التوقف. وكأنّ هذا الإيراد مبني على ما تقدّم فساده من إرادة وجوب التبيّن نفسيّا ، وقد عرفت ضعفه ، وأنّ المراد وجوب التبيّن لأجل العمل عند إرادته ، وليس التوقف ـ حينئذ ـ واسطة.

____________________________________

وثانيا : بعدم قبح إخراج المورد في المقام ، وهو يرجع إلى عدم بطلان التالي في المقام.

وبيان ذلك : إنّه لو سلّمنا اختصاص مورد الآية بالموضوعات لما كان ذلك مستلزما لخروج جميع أفراد الخبر عن المورد ، حتى يكون مستهجنا وقبيحا ، وخروج بعض الأفراد وإن كان يلزم ولكن ليس قبيحا حتى يكون باطلا.

فيكون معنى الآية حينئذ : إن جاءكم فاسق بنبإ الارتداد ونحوه فتبيّنوا ، وإن جاءكم عادل بنبإ الارتداد ، فلا يجب عليكم التبيّن.

نعم ، اختصاص المورد بالموضوعات يستلزم تقييد الحكم بالحجّية بالتعدد ، فيخرج بعض أفراده عن المورد كخبر العادل بالارتداد ونحوه من دون ضم عادل آخر.

(وهذا ليس من إخراج المورد المستهجن في شيء) إذ إخراج المورد المستهجن هو إخراجه بحيث لا يبقى شيء ، وفي المقام لا يلزم إخراج المورد بهذا المعنى ، كما لا يخفى. (ومنها : ما عن «غاية البادي» من أنّ المفهوم يدل على عدم وجوب التبيّن وهو لا يستلزم العمل لجواز وجوب التوقف).

وملخّص الإشكال على مفهوم الآية : هو أنّ المدّعى في المقام هو حجّية خبر العادل ووجوب العمل به ، ومفهوم الآية إنّما يدل على عدم وجوب التبيّن فيه ، ولا يدل على وجوب العمل به ليكون دليلا على ما هو المدّعى في المقام.

غاية الأمر ، بعد نفي وجوب التبيّن عن خبر العادل بمفهوم الآية ، يدور الأمر بين ردّ خبره وقبوله من دون تبيّن ، والآية ساكتة عنهما ، فالنتيجة هي أنّ الآية لا تدل على حجّية خبر العادل ، بل ساكتة.

(وكأنّ هذا الإيراد مبنيّ على ما تقدّم فساده من إرادة وجوب التبيّن نفسيا ... إلى آخره).

٥٥

ومنها : إنّ المسألة اصوليّة ، فلا يكتفى فيها بالظن.

وفيه : إنّ الظهور اللفظيّ لا بأس بالتمسّك به في اصول الفقه ، والاصول التي لا يتمسّك لها بالظنّ مطلقا هو اصول الدين لا اصول الفقه ، والظنّ الذي لا يتمسّك به في الاصول

____________________________________

ويردّ المصنّف رحمه‌الله هذا الإشكال بردّ مبناه ، حيث إنّ الإشكال مبنيّ على كون الوجوب بالتبيّن وجوبا نفسيا ، فلا يكون مرتبطا بالعمل بخبر العادل فيدور الأمر في مقام العمل بين الرد والقبول ، والآية ساكتة عنهما.

وحينئذ لا بدّ من حجّية خبر العادل ، عبر مقدّمة خارجية ، وهي لزوم كون العادل أسوأ حالا من الفاسق لو لم يعمل بخبره.

(وقد عرفت ضعفه) ، أي : ضعف كون الوجوب نفسيا وإنّما هو وجوب شرطي ، يكون معنى الآية : إنّ خبر الفاسق يكون العمل به مشروطا بالتبيّن ، والعمل بخبر العادل يجب أو يجوز من دون تبيّن ، حيث لم يكن العمل به مشروطا بالتبيّن.

وحينئذ لا يعقل التوقّف في خبر العادل ، ولا يحتاج قبوله والعمل به إلى المقدمة الخارجية أصلا ، كما لا يخفى.

(ومنها : إنّ المسألة اصولية ، فلا يكتفى فيها بالظنّ) ، وملخّص الإشكال عن مفهوم آية النبأ : هو أنّ حجّية خبر الواحد تكون من المسائل الاصولية فلا يجوز التمسّك بالظنّ فيها ؛ لأن الظنّ ليس بحجّة في الاصول.

(وفيه : إنّ الظهور اللفظي لا بأس بالتمسّك به في اصول الفقه) ، وما ذكره المصنف رحمه‌الله يتضح بعد بيان أقسام الاصول لأنها تنقسم إلى اصول الفقه ، واصول الدين.

وما ذكره المستشكل من عدم حجّية الظنّ في الاصول إنّما يصح في الثاني ، وأمّا الأول فلا بأس فيه بالتمسّك بالظهور اللفظي ، فحينئذ يجوز التمسّك بظاهر آية النبأ لإثبات حجّية خبر الواحد ؛ لأن الظاهر من الظنون الخاصة ، وهي حجّة في اصول الفقه كما تكون حجّة في الأحكام الفرعية.

نعم ، إنّ الظنّ المطلق لا يكون حجّة في مطلق الاصول ، أي : سواء كان من اصول الفقه أو اصول الدين ، كما إنّ مطلق الظنّ لا يكون حجّة في اصول الدين.

فما ذكره المصنف رحمه‌الله من أنّ (الظنّ الذي لا يتمسّك به في الاصول مطلقا هو مطلق

٥٦

مطلقا هو مطلق الظنّ ، لا الظنّ الخاصّ.

ومنها : إنّ المراد بالفاسق مطلق الخارج عن طاعة الله ولو بالصغائر ، فكلّ من كان كذلك أو احتمل في حقّه ذلك وجب التبيّن في خبره وغيره ممّن يفيد قوله العلم ، لانحصاره في المعصوم أو من هو دونه ، فيكون في تعليق الحكم بالفسق إشارة إلى أنّ مطلق خبر المخبر غير المعصوم لا عبرة به لاحتمال فسقه ؛ لأن المراد الفاسق الواقعيّ لا المعلوم.

فهذا وجه آخر لإفادة الآية حرمة اتّباع غير العلم لا يحتاج معه إلى التمسّك في ذلك بتعليل الآية ، كما تقدّم في الإيراد الثاني من الإيرادين الأوّلين.

____________________________________

الظنّ ، لا الظنّ الخاص) لا يخلو عن الإشكال ؛ وذلك لأن مراده من الاصول أمّا اصول الفقه ، أو الأعم منه ومن اصول الدين.

فعلى الأول كان عليه أن يعبّر بالظنّ المطلق بدل مطلق الظنّ ؛ ولأن مطلق الظنّ يشمل الظنّ الخاص أيضا ، فالعبارة الموجودة ليست في محلّها.

وعلى الثاني يكون التعبير موهما لحجّية الظنّ الخاص في اصول الدين ـ أيضا ـ مع أنّه ليس حجّه فيه.

فالصحيح أن يقال : إنّ مراده من الاصول اصول الفقه ، وكان عليه التعبير بالظنّ المطلق بدل مطلق الظنّ ، كما لا يخفى.

(ومنها : إنّ المراد بالفاسق مطلق الخارج عن طاعة الله ولو بالصغائر ... إلى آخره) وممّا يرد على مفهوم الآية : إنّ الآية تدل على حرمة العمل بغير العلم بمنطوقها ، فيكون مفهومها حجّية ما يفيد العلم ، فآية النبأ أجنبية عن المقام.

وبيان ذلك : إنّ الفاسق قسمان :

الأول : هو الفاسق الواقعي ، وهو من خرج عن طاعة الله ، ولو بارتكاب الصغائر فيشمل من احتمل في حقه الفسق ، فيكون المراد من العادل من لا يحتمل في حقه ذلك ، وينحصر في المعصوم ، وخبره يكون مفيدا للعلم.

والثاني : هو الفاسق الظاهري ، وهو من علم بفسقه.

والمراد من الفاسق هو الفاسق الواقعي ، وبذلك يكون معنى الآية منطوقا وجوب التبيّن في خبر أحتمل في حقه ذلك ، فضلا عمّن علم فسقه ، فلا يبقى في المفهوم إلّا خبر

٥٧

وفيه : إنّ إرادة مطلق الخارج عن طاعة الله من إطلاق الفاسق خلاف الظاهر عرفا ، فالمراد به :

إمّا الكافر ، كما هو الشائع إطلاقه في الكتاب ، حيث إنّه يطلق غالبا في مقابل المؤمن.

وأمّا الخارج عن طاعة الله بالمعاصي الكبيرة الثابتة تحريمها في زمان نزول هذه الآية ، فالمرتكب للصغيرة غير داخل تحت إطلاق الفاسق في عرفنا المطابق للعرف السابق ، مضافا إلى قوله تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ)(١).

____________________________________

المعصوم عليه‌السلام المفيد للعلم ، أو من دون المعصوم عليه‌السلام كسلمان رضى الله عنه مثلا.

فيكون تعليق الحكم بالفسق الواقعي إشارة إلى عدم اعتبار خبر المخبر غير المفيد للعلم ، ولا يجوز العمل إلّا بما يفيد العلم ، فالآية تكون دليلا على حرمة العمل بغير العلم ، فلا حاجة إلى التمسّك بتعليل الآية لحرمة العمل بغير العلم.

وبالجملة ، إنّ الآية تدل على حرمة العمل بغير العلم من جهتين :

الجهة الاولى : هي تعليق الحكم بالفسق الواقعي.

الثانية : هي عموم التعليل ، فتكون أجنبية عن الدلالة على حجّية خبر الواحد.

(وفيه : إنّ إرادة مطلق الخارج عن طاعة الله من إطلاق الفاسق خلاف الظاهر عرفا).

وحاصل الجواب : إنّ ما ذكر من الإشكال يكون مبنيا على أن يكون المراد من الفاسق مطلق من خرج عن طاعة الله ، وإطلاق الفاسق على هذا المعنى يكون على خلاف الظاهر عرفا ، ثمّ إطلاق اللفظ على خلاف الظاهر من دون قرينة يكون قبيحا لا يصدر من الحكيم والقرينة منتفية ، فلا يمكن أن يكون المراد من الفاسق من خرج عن طاعة الله بارتكاب مطلق المعاصي ، وإنّما المراد بالفاسق :

إمّا الكافر كما هو الشائع في الكتاب العزيز ، كقوله تعالى : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً)(٢) ، وإمّا الخارج عن طاعة الله بالمعاصي الكبيرة كما هو المتبادر منه في زمن نزول هذه الآية.

فالمرتكب للصغائر غير داخل في إطلاق الفاسق في يومنا هذا ، بمقتضى أصالة عدم

__________________

(١) النساء : ٣١.

(٢) السجدة : ١٨.

٥٨

مع أنّه يمكن فرض الخلوّ عن الصغيرة والكبيرة ، كما إذا علم منه التوبة من الذنب السابق ، وبه يندفع الإيراد المذكور ، حتّى على مذهب من يجعل كلّ ذنب كبيرة.

وأمّا احتمال فسقه بهذا الخبر لكذبه فيه فهو غير قادح ؛ لأنّ ظاهر قوله : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ)(١) ، تحقّق الفسق قبل النبأ ، لا به ، فالمفهوم يدلّ على قبول خبر من ليس فاسقا مع قطع النظر عن هذا النبإ واحتمال فسقه به.

____________________________________

النقل مضافا إلى قوله تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) ، حيث يكون المستفاد منه : إنّ الفاسق هو الخارج عن طاعة الله بالمعاصي الكبيرة.

وعلى هذا لا يكون المفهوم منحصرا في المعصوم عليه‌السلام ، وانما يبقى فيه من اجتنب الكبائر ، ولو ارتكب الصغائر ، فيكون خبر العادل حجّة بمقتضى المفهوم ، وبذلك ارتفع إشكال انحصار المفهوم بالمعصوم عليه‌السلام.

(مع أنّه يمكن فرض الخلوّ عن الصغيرة والكبيرة ، كما إذا علم منه التوبة من الذنب السابق ... إلى آخره) ، أي : إنّ انحصار المفهوم في المعصوم عليه‌السلام يرتفع حتى على فرض أن يكون المراد من الفاسق من خرج عن طاعة الله بمطلق المعاصي ولو بارتكاب الصغيرة.

وذلك أنّه قد ورد في الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) (٢) ، فيكون من تاب عن ذنبه السابق خاليا عن الصغيرة والكبيرة ، فيكون هذا الشخص داخلا في المفهوم مع أنّه غير معصوم ، فيرتفع إشكال انحصار المفهوم بالمعصوم حتى على القول بجعل كل ذنب كبيرة.

وقوله : (وأمّا احتمال فسقه بهذا الخبر لكذبه فيه فهو غير قادح ... إلى آخره) دفع لما يمكن أن يقال : إنّ ما ذكرت من أنّ التائب عن الذنب السابق يكون ممّن لا ذنب له فيدخل في المفهوم وهو غير معصوم فيرتفع انحصار المفهوم ، وإن كان صحيحا إلّا أنّه يحتمل فسقه بما أخبر به بعد التوبة من الكذب ، فلا يكون خبره مع الاحتمال داخلا في المفهوم ، فيعود الإشكال المذكور ، وهو انحصار المفهوم في المعصوم.

وحاصل الدفع هو عدم الاعتناء باحتمال الكذب الموجب للفسق في هذا الإخبار ؛ لأن

__________________

(١) الحجرات : ٦.

(٢) عيون الأخبار ٢ : ٧٤ / ٣٤٧. الوسائل ١٦ : ٧٥ ، أبواب جهاد النفس ، ب ٨٦ ، ح ١٤.

٥٩

هذه جملة ممّا أوردوه على ظاهر الآية ، وقد عرفت أنّ الوارد منها إيرادان ، والعمدة الإيراد الأوّل الذي أورده جماعة من القدماء والمتأخّرين.

ثمّ إنّه كما استدلّ بمفهوم الآية على حجّيّة خبر العادل ، كذلك قد يستدلّ بمنطوقها على حجّيّة خبر غير العادل إذا حصل الظنّ بصدقه بناء على أنّ المراد بالتبيّن ما يعمّ تحصيل الظنّ ، فإذا حصل من الخارج ظنّ بصدق خبر الفاسق كفى في العمل به.

ومن التبيّن الظنّي تحصيل شهرة العلماء على العمل بالخبر أو على مضمونه أو على روايته ، ومن هنا تمسّك بعض بمنطوق الآية على حجّيّة الخبر الضعيف المنجبر بالشهرة وفي حكم الشهرة أمارة أخرى غير معتبرة.

____________________________________

ظاهر قوله تعالى : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) هو كون الفسق ثابتا قبل هذا النبأ لا الفسق المتحقّق بنفس هذا الإخبار والنبأ.

فالمفهوم يشمل من لم يكن فاسقا قبل النبأ فيدخل التائب في المفهوم ، وبه يرتفع الإشكال.

(قد يستدل بمنطوقها على حجّية خبر غير العادل إذا حصل الظنّ بصدقه بناء على أنّ المراد بالتبيّن ما يعمّ تحصيل الظنّ).

قد تقدّم الاستدلال على حجيّة خبر العادل بمفهوم آية النبأ ، ويمكن أن يستدل على حجّية خبر غير العادل بمنطوقها إذا حصل الظنّ بصدقه بناء على أن يكون المراد بالتبيّن ما يعم تحصيل الظنّ ، وحينئذ إذا حصل الظنّ بصدق خبر الفاسق لكان حجّة ، فيشمل التبيّن الظني تحصيل شهرة العلماء على العمل بالخبر أو على مضمونه أو على روايته.

والأول : كما إذا تمسّك المشهور به.

والثاني : بأن كانت فتاواهم مطابقة لمضمون خبر الفاسق.

والثالث : بأن كان خبره مشهورا بين الرواة.

(ومن هنا) ، أي : من كون المنطوق دالّا على حجّية خبر الفاسق إذا حصل الظنّ بصدقه (تمسّك بعض بمنطوق الآية على حجّية الخبر الضعيف المنجبر بالشهرة) العملية ، أو الفتوائية ، أو الروائية(وفي حكم الشهرة أمارة أخرى غير معتبرة) كخبر غير العادل.

٦٠