دروس في الرسائل - ج ٢

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٠

وفيه : إنّ ظاهرها الإخبار بوقوع التعذيب سابقا بعد البعث ، فيختصّ بالعذاب الدنيوي الواقع في الامم السابقة.

ثمّ إنّه ربّما يورد التناقض على من جمع بين التمسّك بالآية في المقام وبين ردّ من استدلّ بها ؛ لعدم الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع ، بأنّ نفي فعليّة التعذيب أعمّ من نفي الاستحقاق.

____________________________________

والشرع كلاهما يحكم بحسن فعل أو قبحه ، إلّا إنّه لا يترتب العقاب الفعلي على ما حكم العقل بقبحه ما لم يرد النهي عنه شرعا ، وعدم فعليّة العقاب قبل النهي شرعا لا ينافي استحقاقه عقلا ، بأن يكون العقل ملازما للشرع في مرحلة الاستحقاق دون الفعلية.

(وفيه : إنّ ظاهرها الإخبار بوقوع التعذيب سابقا بعد البعث ، فيختصّ بالعذاب الدنيوي الواقع في الامم السابقة).

ويرد على الاستدلال بالآية بما حاصله : من أنها ظاهرة في نفي التعذيب الدنيوي عن الامم السابقة قبل إتمام الحجّة عليهم ببعث الرسل بقرينة التعبير بلفظ الماضي ، أي : وما كنّا معذّبين حتى نبعث رسولا ، فهي تدل على عدم وقوع التعذيب الدنيوي في الامم السابقة قبل البيان ، فلا دلالة لها على نفي العذاب الاخروي عند عدم البيان حتى يستلزم نفي التكليف ، وهو المطلوب. وبهذا البيان تكون أجنبية عن المقام كما لا يخفى.

(ثمّ إنّه ربّما يورد التناقض على من جمع بين التمسّك بالآية في المقام وبين ردّ من استدلّ بها ؛ لعدم الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع).

والجامع بين الاستدلال بالآية على البراءة ، وبين ردّ الاستدلال بها على عدم الملازمة هو الفاضل التوني ، والمورد عليه بأنّ الجمع المذكور مستلزم للتناقض هو المحقّق القمّي قدس‌سره.

وإيراد المحقّق القمّي قدس‌سره بأنّ الجمع مستلزم للتناقض يتضح بعد تقديم امور :

منها : تقريب الاستدلال بالآية على عدم الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع في مسألة الحسن والقبح ، حيث قالت الأشاعرة بعدم الملازمة ، وادّعت المعتزلة الملازمة ، فاستدلت الأشاعرة لنفي الملازمة بهذه الآية بأنّ الآية تدل بظاهرها على إناطة العذاب بالبيان النقلي ، إذ بعث الرسول ظاهر في البيان النقلي.

فيكون معناها عدم وقوع العذاب بدون البيان النقلي بالرسول ، وإن حكم به العقل

٢٢١

فإنّ الإخبار بنفي التعذيب إن دلّ على عدم التكليف شرعا فلا وجه للثاني ، وإن لم يدلّ فلا وجه للأول.

____________________________________

المستقل ، وبذلك ينفك حكم العقل عن حكم الشرع حيث يوجد الأول دون الثاني ، فثبت عدم الملازمة ، وعدم حجّية العقل لعدم العقاب على مخالفته.

ومنها : تقريب ردّ عدم الملازمة بإثبات الملازمة ، كما أشار إليه بقوله :

(بأنّ نفي فعليّة التعذيب أعمّ من نفي الاستحقاق).

فنفي فعليّة العذاب لا يستلزم نفي الاستحقاق ، لأنّ فعلية العقاب أخصّ من الاستحقاق ونفي الأخصّ لا يدل على نفي الأعمّ ، كما في علم المنطق أن نقيض الأخصّ أعمّ من نقيض الأعمّ.

والحاصل إن نفي فعليّة العقاب قبل البيان النقلي لا ينافي استحقاقه بالبيان العقلي ، فالملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع ـ حينئذ ـ وإن لم تكن ثابتة في مرحلة فعليّة العقاب إلّا إنّها ثابتة في مرحلة استحقاقه.

ومنها : تقريب الاستدلال بها على البراءة ، وقد تقدم التقريب ، فلا حاجة إلى التكرار.

إذا عرفت هذه الامور يتضح لك لزوم التناقض من الجمع المذكور ، كما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(فإنّ الإخبار بنفي التعذيب إن دلّ على عدم التكليف شرعا فلا وجه للثاني).

أي : لردّ الاستدلال بها على عدم الملازمة ، بل الاستدلال بها على عدم الملازمة صحيح ، إذ نفي التكليف شرعا

مستلزم لنفي استحقاق العذاب ، إذ العذاب ناشئ عن التكليف ، فإذا انتفى التكليف كما هو المفروض لم يعقل العذاب لا فعلا ولا استحقاقا ، فكيف يلازم حكم الشرع حكم العقل مع تحقق الثاني دون الأول؟!

(وإن لم يدلّ فلا وجه للأول).

أي : وإن لم يدل الإخبار بنفي التعذيب على عدم التكليف شرعا فلا وجه للتمسك بها على البراءة ، إذ البراءة عبارة عن نفي الحكم والتكليف شرعا ، والمفروض أنّ الآية لا تدل على ذلك.

وبالجملة ، لا يمكن الجمع بين الاستدلال بها على البراءة وبين ردّ الاستدلال بها على

٢٢٢

ويمكن دفعه : بأنّ عدم الفعليّة يكفي في هذا المقام ، لأنّ الخصم يدّعي أنّ في ارتكاب الشبهة الوقوع في العقاب والهلاك فعلا من حيث لا يعلم ، كما هو مقتضى رواية التثليث ونحوها التي هي عمدة أدلّتهم ، ويعترف بعدم المقتضي للاستحقاق على تقدير عدم الفعليّة ،

____________________________________

عدم الملازمة ، لأنه مستلزم للتناقض ، إذ لازم البراءة هو نفي استحقاق العذاب بنفي التكليف ، ولازم ردّ عدم الملازمة هو ثبوت استحقاق العذاب عند عدم البيان النقلي ، والتناقض بين اللازمين أظهر من الشمس.

وبعبارة اخرى : إن مقتضى الاستدلال بها على البراءة هو نفي التكليف المستلزم لنفي الاستحقاق ، ومقتضى الردّ على القول بعدم الملازمة ـ بما هو مذكور في المتن ـ هو نفي فعليّة التعذيب مع تسليم أصل الاستحقاق ، والتنافي بين نفي الاستحقاق وثبوته واضح.

(ويمكن دفعه : بأنّ عدم الفعليّة يكفي في هذا المقام ... إلى آخره).

ويمكن دفع التناقض عن الجمع بين الاستدلال بالآية على البراءة ، وبين ردّ الاستدلال بها على عدم الملازمة بين حكم الشرع وبين حكم العقل ، وذلك بأحد وجهين :

أحدهما : إنّ الآية وإن كانت تدل على نفي فعليّة العقاب عند عدم البيان الشرعي فقط ، والاستدلال على البراءة موقوف على نفي استحقاق العقاب ، إلّا إنّ نفي الاستحقاق يحصل عند انتفاء الفعليّة باعتراف من الخصم بالملازمة بين نفي الفعليّة ونفي الاستحقاق ، فيتمّ الاستدلال بها على البراءة باعتراف الخصم ، إلّا إنّ هذا الاستدلال جدلي لا برهاني.

ثمّ إن الاستدلال بها ـ بهذه الكيفية ـ على البراءة لا ينافي الملازمة بين حكم العقل والشرع ، لأنّ الآية لا تدل على عدمها ، وإنّما تدل على توقف فعليّة العقاب على البيان الشرعي ، وعدم كفاية العقل في ترتّب العقاب الفعلي على مخالفته ، وهذا لا ينافي ثبوت الحكم الشرعي في مورد حكم العقل بالاستحقاق ، وبذلك تحصل الملازمة بين حكم الشرع وبين حكم العقل في مرحلة الاستحقاق ، إذ لا منافاة بين الاستحقاق وعدم الفعليّة.

وحينئذ يرد الاستدلال بها على عدم الملازمة ، فقد جمع بين الاستدلال بها على البراءة ، وبين ردّ الاستدلال على عدم الملازمة من دون لزوم تناقض ، لأنّ الاستدلال على البراءة مبنيّ على نفي الاستحقاق ، وهو حاصل بالفرض واعتراف الخصم ، وردّ عدم

٢٢٣

فيكفي في عدم الاستحقاق نفي الفعليّة ، بخلاف مقام التكلّم في الملازمة ، فإنّ المقصود فيه إثبات الحكم الشرعي في مورد حكم العقل ، وعدم ترتّب العقاب على مخالفته لا ينافي ثبوته ، كما في الظّهار ، حيث قيل : إنّه محرّم معفوّ عنه. وكما في العزم على المعصية على احتمال.

نعم ، لو فرض هناك ـ أيضا ـ إجماع على أنّه لو انتفت الفعليّة انتفى الاستحقاق ـ كما يظهر من بعض ما فرّعوا على تلك المسألة ـ لم يجز التمسّك به هناك.

____________________________________

الملازمة المستلزم لثبوتها مبني على ثبوت الاستحقاق واقعا ، ومن المعلوم أنه لا تناقض بين نفي الاستحقاق ظاهرا وبالفرض وبين ثبوته واقعا.

وثانيهما : أن يقال : إن موضوع البراءة هو الأمن من العقاب الفعلي ، فالآية تدل على نفي العقاب الفعلي عند عدم البيان الشرعي ، فيتحقق بها موضوع البراءة فتجري البراءة ، وهذا لا ينافي ثبوت الحكم الشرعي في مورد حكم العقل بالاستحقاق ، فتحصل وتتحقق الملازمة بينهما في مرحلة الاستحقاق ، فلا يلزم من الجمع بين الاستدلال بها على البراءة وبين ردّ الاستدلال بها على عدم الملازمة بإثبات الملازمة أي تناقض.

هذا ما استفدناه من تعليقة غلام رضا ، فنذكر ما في التعليقة من دون تصرف ، فلعلك تستفد غير ما استفدناه ، حيث قال ما لفظه :

«أقول : ملخّص الدفع : إنّ محل الكلام في المقام بين الأخباري والاصولي هو أن الأول يدّعي فيه عدم حصول الأمن من العقاب ، ولذا لا يجوز ارتكاب الشبهات ، والثاني يدّعي فيه حصول الأمن منه ، ولو من جهة حصول العفو ، وحينئذ فله أن يتمسك في هذا الباب بالآية المزبورة لنفي العذاب وحصول الأمن منه ، وهذا بخلاف باب الملازمة ، فإنّ المقصود فيها إثبات الحكم الشرعي في مورد حكم العقل ، وعدم ترتّب العقاب على مخالفته لا ينافي ثبوته ، لأنه من باب العفو الحتمي». انتهى كلامه.

قوله : (نعم ، لو فرض هناك ـ أيضا ـ إجماع على أنّه لو انتفت الفعلية انتفى الاستحقاق).

استدراك ورجوع من المصنّف قدس‌سره عن عدم صحة الاستدلال بالآية على عدم الملازمة إلى صحة الاستدلال بها عليه ، وذلك لأنّه يجوز لمنكر الملازمة التمسّك بها على نفي الملازمة على فرض ثبوت الإجماع على الملازمة بين انتفاء الفعليّة وانتفاء الاستحقاق عند انتفاء البيان الشرعي ، فإنّ الآية تدل على نفي الفعلية ، فيضمّ إليها الإجماع المزبور

٢٢٤

والإنصاف : إنّ الآية لا دلالة لها على المطلب في المقامين.

ومنها : قوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ)(١) ، أي : ما يجتنبونه من الأفعال والتروك ، وظاهرها أنّه تعالى لا يخذلهم بعد هدايتهم إلى الإسلام إلّا بعد ما يبيّن لهم.

وعن الكافي وتفسير العياشي وكتاب التوحيد : (حتى يعرّفهم ما يرضيه وما يسخطه) (٢).

____________________________________

فيتمّ نفي الملازمة ، إلّا إنّ الكلام في ثبوت الإجماع.

(والإنصاف : إنّ الآية لا دلالة لها على المطلب في المقامين).

أمّا عدم دلالتها على البراءة فلأنّها واردة في مقام نفي العذاب الدنيوي ، لا الاخروي ، فلا ربط لها على البراءة ، وأمّا عدم دلالتها على نفي الملازمة فلما تقدم من أنّها تدل على نفي العذاب الفعلي ، ونفي العذاب كذلك لا ينافي استحقاقه ، وبذلك يمكن إثبات الملازمة بين حكم العقل والشرع في مرحلة الاستحقاق فقط.

و (ومنها : قوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ) اي : ما يجتنبونه من الأفعال والتروك) الاستدلال بهذه الآية يتضح بعد تقديم امور :

منها : بيان شأن نزولها ، ففي مجمع البيان «قيل : مات قوم من المسلمين على الإسلام قبل أن تنزل الفرائض ، فقال المسلمون : يا رسول الله إخواننا الذين ماتوا قبل الفرائض ما منزلتهم؟ فنزل : (وَما كانَ اللهُ) الآية. وقيل في نزولها : إنّه لمّا نسخ بعض الشرائع ، وقد غاب أناس وهم يعملون بالأمر الأول إذ لم يعلموا بالأمر الثاني مثل تحويل القبلة وغير ذلك ، وقد مات الأولون على الحكم الأول ، فسئل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عن ذلك فأنزل الله الآية (٣)».

ومنها : أن يكون المراد من قوله تعالى : (لِيُضِلَ) العذاب الاخروي لا الحكم بالضلالة ، ولا الخذلان.

ومنها : أن يكون المراد بالهداية الهداية إلى الاسلام لا الهداية إلى الأحكام.

ومنها : أن يكون المراد من (ما) في قوله : (ما يَتَّقُونَ) الواجبات التي يجب الاجتناب

__________________

(١) التوبة : ١١٥.

(٢) الكافي ١ : ١٦٣ / ٥. العياشي ٢ : ١٢١ / ١٥٠. التوحيد : ٤١١ / ٤.

(٣) مجمع البيان ٥ : ٧٧.

٢٢٥

وفيه ما تقدّم في الآية السابقة ، مع أنّ دلالتها أضعف من حيث إنّ توقّف الخذلان على البيان غير ظاهر الاستلزام للمطلب ، اللهمّ إلّا بالفحوى.

ومنها : قوله تعالى : (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ)(١).

____________________________________

عن تركها ، والمحرمات التي يجب الاجتناب عن فعلها.

إذا عرفت هذه الامور يتضح لك تقريب الاستدلال بها على البراءة حيث يكون مفادها ـ حينئذ ـ ما كان الله ليعذّب قوما إلّا بعد بيان ما يجب عليهم من الأفعال والتروك وبعد إتمام الحجّة عليهم بإيصال التكاليف إليهم.

فلا معصية ولا مخالفة في ارتكاب ما يحتمل تحريمه واقعا ، ولا في ترك ما يحتمل وجوبه كذلك عند عدم وصل البيان من الشارع ، وعلى هذا تدل الآية على البراءة في مورد الجهل بالتكليف وعدم البيان.

(وفيه ما تقدم في الآية السابقة)

أي : ويرد في الاستدلال بهذه الآية ما ورد في الاستدلال بالآية السابقة حيث أخبر الله تعالى بعدم وقوع العذاب الدنيوي وهو الخذلان قبل البيان ، فيكون ظاهر الآية ما كان الخذلان من الله تعالى في الدنيا على الامم السابقة ، إلّا بعد بيان ما كان يجب أن يتركوه وما كان يجب أن يفعلوه ، فارتكبوا ما يجب تركه ، وتركوا ما يجب فعله ، فخذلهم الله بعد المعصية والمخالفة ، فالآية ـ حينئذ ـ أجنبية عن البراءة ، لأنّها تدل على انتفاء الخذلان عند انتفاء البيان ، ولا تدل على انتفاء التكليف عند انتفاء البيان ، إلّا أن يقال : إنّ الآية وإن لم تدل على البراءة بالصراحة ، إلّا إنّها تدل عليها بالأولويّة ، وذلك لأنّه إذا توقف الخذلان ـ وهو عذاب دنيوي بمعنى سلب التوفيق ـ على البيان ، لكان العذاب الاخروي متوقفا على البيان بطريق أولى ؛ لكونه أشد من العذاب الدنيوي.

وقد أشار المصنّف قدس‌سره إلى هذا بقوله : اللهمّ إلّا بالفحوى.

(ومنها : قوله تعالى : (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ...)).

والاستدلال بهذه الآية يتوقف على أن يكون المراد بالهلاكة مطلق الضلالة والشقاوة ،

__________________

(١) الأنفال : ٤٢.

٢٢٦

وفي دلالتها تأمّل ظاهر.

ويرد على الكلّ أنّ غاية مدلولها عدم المؤاخذة على مخالفة النهي المجهول عند المكلّف لو فرض وجوده واقعا ، فلا ينافي ورود الدليل العامّ على وجوب اجتناب ما يحتمل التحريم. ومعلوم أنّ القائل بالاحتياط ووجوب الاجتناب لا يقول به إلّا عن دليل علمي.

____________________________________

الصادق على من رفض الدين اصولا وفروعا فيقال : إنّه ضلّ وشقي بعد إتمام الحجّة عليه ، وبالبيّنة مطلق بيان الحجّة ، وبالحياة مطلق الاهتداء والسعادة ، الصادق على من أخذ الإسلام اصولا وفروعا بعد بيان الحجّة.

فيكون معنى الآية ـ حينئذ ـ هو عدم شيء قبل البيان ، فقبل البيان لا ضلالة ولا مؤاخذة على ترك ما يجب بعد البيان أو فعل ما يحرم بعده ، وإلّا لم يكن معنى لتخصيص الضلال والاهتداء بما بعد البيان.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب دلالة الآية على البراءة.

(وفي دلالتها تأمّل ظاهر).

وذلك لأنّ الآية أجنبية عن المقام أصلا ، لأنّها راجعة إلى اصول الدين ، ويكون المراد بالبيّنة هي المعجزة الدالة على صدق نبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله في دعوى النبوّة ، وبالهلاكة الكفر الذي يوجب الهلاك الدائم ، وبالحياة الإسلام والإيمان ، فيكون مفادها ـ حينئذ ـ أنّ الله تعالى أتمّ الحجّة على أهل بدر بالمعجزة الدالة على صدق رسوله ، وهي غلبة المسلمين مع قلتهم على الكافرين في غزوة بدر.

(لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ).

أي : ليكون كفر من كفر عن بيّنة وعلم ، لئلّا يكون لهم على الله حجّة ، ويكون إسلام من أسلم عن بيّنة وبرهان.

وبالجملة ، فإنّ الآية مختصّة باصول الدين ، ولا يجوز التعدّي منها إلى الفروع ، ثمّ منها ننتقل إلى موارد الشك والشبهة.

(ويرد على الكلّ ... إلى آخره).

ويرد على دلالة جميع ما ذكر من الآيات على البراءة بما حاصله :

إنّ الآيات تدل على البراءة وعدم المؤاخذة على الحكم مطلقا ـ واقعيا كان أو

٢٢٧

وهذه الآيات بعد تسليم دلالتها غير معارضة لذلك الدليل ، بل هي من قبيل الأصل بالنسبة إليه ، كما لا يخفى.

ومنها : قوله تعالى مخاطبا لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ملقّنا إيّاه طريق الردّ على اليهود ، حيث حرّموا بعض ما رزقهم الله تعالى افتراء عليه : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً)(١) فأبطل تشريعهم بعدم وجدان ما حرّموه في جملة المحرّمات التي أوحى الله إليه ، وعدم وجدانه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك فيما اوحي إليه وإن كان دليلا قطعيّا على عدم الوجود ، إلّا إنّ في التعبير بعدم الوجدان دلالة على كفاية عدم الوجدان في إبطال الحكم بالحرمة.

____________________________________

ظاهريا ـ عند عدم البيان الواصل إلى المكلّف ، فيكون موضوعها عدم البيان ، ثمّ إنّ ما دلّ على وجوب الاحتياط في مورد الشبهة عن محتمل الحرمة يكون بيانا يرتفع به موضوعها ، فلا تكون الآيات معارضة لأدلّة الاحتياط ، بل تكون كالأصل بالنسبة إلى الدليل ، ومن المعلوم أنّ الأصل لا يعارض الدليل بل الدليل وارد عليه.

ومن المعلوم أنّ القائل بوجوب الاحتياط لا يقول به إلّا عن دليل ، ويكون هذا الدليل واردا على الآيات ، ومقدما عليها بالورود أو الحكومة ، إلّا أن يقال : إنّ موضوع الآيات هو عدم العلم بالحكم الواقعي ، وكذلك موضوع أدلة الاحتياط فتكون معارضة لها.

(ومنها : قوله تعالى مخاطبا لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ملقّنا إيّاه طريق الردّ على اليهود حيث حرّموا بعض ما رزقهم الله تعالى افتراء عليه : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً)).

ودلالة هذه الآية على البراءة تتوقف على أن يكون عدم الوجدان دليلا على عدم الوجود واقعا ، فحينئذ تكون دلالتها على البراءة واضحة حيث جعل تبارك وتعالى عدم وجدان الحرمة في ما أوحى إلى نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله دليلا على الحليّة ، وبهذا قد ردّ اليهود القائلين بالحرمة مع عدم وجدان الدليل على الحرمة فتدل على توبيخهم.

__________________

(١) الأنعام : ١٤٥.

٢٢٨

لكنّ الانصاف أنّ غاية الأمر أن يكون في العدول عن التعبير بعدم الوجود إلى عدم الوجدان إشارة إلى المطلب. وأمّا الدّلالة فلا ، ولذا قال في الوافية : «وفي الآية إشعار بأنّ إباحة الأشياء مركوزة في العقل قبل الشرع». مع أنّه لو سلّم دلالتها ، فغاية مدلولها كون عدم وجدان التحريم فيما صدر عن الله تعالى من الأحكام يوجب عدم التحريم ، لا عدم وجدانه فيما بقي بأيدينا من أحكام الله تعالى بعد العلم باختفاء كثير منها عنّا ، وسيأتي توضيح ذلك عند الاستدلال بالإجماع العملي على هذا المطلب.

ومنها : قوله تعالى : (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ)(١).

يعني مع خلوّ ما فصّل عن ذكر هذا الذي يجتنبونه.

____________________________________

ويكون مفادها كفاية عدم وجدان الحرمة في الحكم بالحليّة وهو معنى البراءة.

وبالجملة ، إنّ المستفاد منها هي القاعدة الكليّة ، وهي الحكم بالحليّة في ما شك في حرمته ولم يوجد في الشرع تحريمه.

ثمّ إنّ المتحصّل من كلام المصنّف قدس‌سره هو عدم دلالة الآية على البراءة بالصراحة ، بل فيها إشارة إلى المطلب ، لأنّها إرشاد إلى حكم العقل بإباحة الأشياء قبل الشرع ، فتكون تأكيدا لما حكم به العقل ، فتأمّل تعرف.

(مع أنّه لو سلّم دلالتها فغاية مدلولها) هو أنّ عدم وجدان التحريم في جميع ما صدر عن الله تعالى من الأحكام يوجب عدم التحريم لا عدم وجدانه في ما في أيدينا من الأحكام ، فلا يدل عدم الوجدان على عدم التحريم ، مع العلم باختفاء كثير من الأحكام عنّا.

(ومنها : قوله تعالى : (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) ... إلى آخره).

وتقريب الاستدلال بهذه الآية هو : إنّ الله قد ذمّ الذين يجتنبون أكل ما لم يكن من المحرّمات التي فصّل لهم ، فجعل عدم كونه ممّا فصّل تحريمه دليلا على الحليّة مع

__________________

(١) الأنعام : ١١٩.

٢٢٩

ولعلّ هذه الآية أظهر من سابقتها ، لأنّ السابقة دلّت على أنه لا يجوز الحكم بحرمة ما لم يوجد تحريمه في ما أوحى الله سبحانه إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذه تدلّ على أنّه لا يجوز التزام ترك الفعل مع عدم وجوده فيما فصّل وإن لم يحكم بحرمته فيبطل وجوب الاحتياط أيضا ، إلّا إنّ دلالتها موهونة من جهة اخرى ، وهي أنّ ظاهر الموصول العموم ، فالتوبيخ على الالتزام بترك الشيء مع تفصيل جميع المحرّمات الواقعيّة وعدم كون المتروك منها ، ولا ريب أنّ اللازم من ذلك العلم بعدم كون المتروك محرّما واقعيّا ، فالتوبيخ في محلّه.

والإنصاف ما ذكرنا ، من أنّ الآيات المذكورة لا تنهض على إبطال القول بوجوب الاحتياط ، لأنّ غاية مدلول الدالّ منها هو عدم التكليف في ما لم يعلم خصوصا أو عموما بالعقل أو النقل. وهذا ممّا لا نزاع فيه لأحد. وإنّما أوجب الاحتياط من أوجبه بزعم قيام

____________________________________

احتمال حرمته ، فتدل الآية على حليّة مشكوك الحرمة مع عدم دليل على الحرمة.

(ولعلّ هذه الآية أظهر من سابقتها ... إلى آخره).

ووجه أظهريتها عن سابقتها هو أنّ الآية السابقة تدل على عدم تحريم شيء ما لم يوجد تحريمه في ما أوحى الله إلى نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وأمّا إثبات الإباحة ـ كما هو المقصود في المقام ـ فلا دلالة لها عليها ، وهذا بخلاف هذه الآية ، فإنّها تدل على الإباحة زائدا على عدم جواز الحكم بالحرمة ، إذ مفاد قوله تعالى : (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا) هو الأمر بالأكل ، وهو ينافي وجوب الاحتياط بالترك.

(إلّا إنّ دلالتها موهونة من جهة اخرى).

أي : إنّ دلالة هذه الآية موهونة من جهة اخرى ، وهي : إنّ عدم كون الشيء ممّا فصّل تحريمه يوجب العلم بعدم الحرمة ، لأنّ الموصول وهو (ما) في قوله : (ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) ظاهر في العموم ، فيكون مفاد الآية حينئذ : إنّ الله تعالى قد فصّل جميع المحرّمات الواقعية ، فإذا لم يكن محتمل الحرمة منها يحصل العلم بعدم كونه محرّما في الواقع فلا تدل على الإباحة الظاهرية كما هو المقصود.

(والإنصاف ما ذكرنا ، من أنّ الآيات المذكورة لا تنهض على إبطال القول بوجوب الاحتياط ... إلى آخره).

ولعلّ مراده بقوله ما ذكرنا هو ما تقدم منه حيث قال : ويرد على الكلّ.

٢٣٠

الدليل العقليّ أو النقليّ على وجوبه ، فاللّازم على منكره ردّ ذلك الدليل أو معارضته بما يدلّ على الرخصة وعدم وجوب الاحتياط فيما لا نصّ فيه ، وأمّا الآيات المذكورة فهي كبعض الأخبار الآتية لا تنهض بذلك ، ضرورة أنّه إذا فرض أنّه ورد بطريق معتبر في نفسه أنّه يجب الاحتياط في كلّ ما يحتمل أن يكون قد حكم الشارع فيه بالحرمة لم يكن يعارضه شيء من الآيات المذكورة.

____________________________________

وحاصل كلامه في المقام هو أنّ الآيات تدل على البراءة مع قطع النظر عن أدلة وجوب الاحتياط في موارد الشبهة ، وأمّا معها فلا دلالة لها عليها ، لأنّ أدلّة وجوب الاحتياط حاكمة أو واردة عليها ، إذ غاية مدلولها هو عدم التكليف في ما لم يعلم خصوصا بأن لم يدل الدليل على حرمة شرب التتن ، أو عموما بأن لم يدل الدليل على وجوب الاحتياط عن الشبهة ، أو لم يحكم العقل بوجوب دفع عقاب محتمل.

ومن يدّعي وجوب الاحتياط في موارد الشبهة يقول به لأجل الدليل الدال على وجوب الاحتياط عموما ، فحينئذ لا بدّ للقائل بالبراءة أن يردّ ما ادّعاه القائل بوجوب الاحتياط من الدليل فإنّ الآيات لا تنهض على ردّ ما دلّ على وجوب الاحتياط.

* * *

٢٣١

أدلة البراءة من السنّة

وأمّا السنّة ، فيذكر منها في المقام أخبار كثيرة :

منها : المرويّ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسند صحيح في الخصال ، كما عن التوحيد : (رفع عن امّتي تسعة أشياء : الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه ، وما لا يعلمون ، وما لا يطيقون ، وما اضطرّوا إليه ...) (١) ، الخبر.

____________________________________

(وأمّا السنّة ، فيذكر منها في المقام أخبار كثيرة :

منها : المرويّ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بسند صحيح في الخصال ، كما عن التوحيد : (رفع عن امتي تسعة أشياء : الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه ، وما لا يعلمون وما لا يطيقون ، وما اضطروا إليه) والحسد ، والطيرة ، والتفكّر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة). انتهى الحديث.

ومحل الشاهد فيه هو الأمر الرابع ، أي : (ما لا يعلمون).

وتقريب الاستدلال به على البراءة يتضح بعد تقديم امور :

منها : إنّ المراد برفع هذه الامور سوى (ما لا يعلمون) لم يكن تكوينا لأنّها موجودة في الخارج بالضرورة والوجدان ، وحينئذ لا بدّ من تقدير شيء من باب دلالة الاقتضاء حتى يكون هو المرفوع ؛ حفظا لكلام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الكذب ، والمقدّر المرفوع لا يخلو عن أحد امور :

أحدها : هو خصوص المؤاخذة في الجميع.

وثانيها : هو جميع الآثار كذلك.

وثالثها : هو الأثر الظاهر في كل واحد منها.

نعم ، يمكن أن يكون الرفع في (ما لا يعلمون) تكوينيّا أيضا ، وذلك فيما إذا كان المراد بالموصول هو الحكم الشرعي ، كما لا يخفى.

__________________

(١) الخصال : ٤١٧ / ٩. التوحيد : ٣٥٣ / ٢٤. الوسائل ١٥ : ٣٦٩ ، أبواب جهاد النفس وما يناسبه ، ب ٥٦ ، ح ١.

٢٣٢

فإنّ حرمة شرب التتن ـ مثلا ـ ممّا لا يعلمون ، فهي مرفوعة عنهم ، ومعنى رفعها ـ كرفع الخطأ والنسيان ـ رفع آثارها أو خصوص المؤاخذة ، فهو نظير قوله عليه‌السلام : (ما حجب الله علمه

____________________________________

ومنها : أن يكون المراد بالآثار المرفوعة بحديث الرفع هي الآثار التي تعرض على موضوعاتها من دون أن تكون مقيّدة بوجود أحد هذه العناوين ولا بعدمها ، إذ لو كانت مقيّدة بوجودها لكانت الآثار ثابتة عند وجود هذه العناوين ، كوجوب سجدتي السهو عند زيادة شيء أو نقصانه في الصلاة نسيانا مثلا ، وذلك لأنّ ثبوت العنوان حينئذ يقتضي وضع الأثر لا رفعه.

وأمّا لو كانت مقيّدة بعدم أحد هذه العناوين ، كانت الآثار مرفوعة بارتفاع موضوعها بلا حاجة إلى حديث الرفع ، كالكفّارة في شهر رمضان مثلا ، حيث تكون مقيّدة بعدم كون الإفطار نسيانا فترتفع إذا كان الافطار نسيانا ويكون ارتفاعها بارتفاع الموضوع ، لأنّ موضوعها هو الإفطار عن عمد ، كما هو واضح.

ومنها : إنّ حديث الرفع حيث ورد في مقام الامتنان على الامّة يكون مختصّا في رفع ما كان في رفعه منّة على الامّة فقط دون غيره.

ومنها : أن يكون المراد بالموصول في (ما لا يعلمون) هو خصوص الحكم المجهول حتى تكون الشبهة شبهة حكميّة ، أو الأعمّ من فعل المكلّف الذي هو الموضوع ومن الحكم حتى يشمل الشبهة الموضوعية أيضا ، وعلى التقديرين يصحّ الاستدلال به على البراءة.

إذا عرفت هذه الامور يتضح لك تقريب الاستدلال بهذا الحديث في إثبات البراءة ، وذلك لأنّ رفع خصوص المؤاخذة ، أو جميع الآثار عن مخالفة الحكم المجهول مستلزم لرفع الحكم المجهول تنجّزا وإن كان باقيا في الواقع في مرتبة الشأنيّة ، لئلّا يلزم التصويب ، فالشارع قد يرفع تنجّز التكليف بواسطة رفع الآثار ، ومرجع رفع التنجّز هو عدم وجوب الاحتياط منّة منه على الامّة وتسهيلا للأمر عليهم.

وبقي هنا سؤال وهو : إنّ المصنّف قدس‌سره لما ذا حكم برفع المؤاخذة المستلزم لرفع التكليف ، ولم يحكم برفع التكليف من الأول كالسيد الخوئي ـ دام ظله ـ حيث حكم برفع الحكم المجهول؟ ولعلّه كان نظره إلى حفظ وحدة السياق لأنّ المرفوع في سائر الفقرات

٢٣٣

عن العباد فهو موضوع عنهم) (١).

ويمكن أن يورد عليه بأنّ الظاهر من الموصول في (ما لا يعلمون) بقرينة أخواتها ، هو الموضوع.

____________________________________

هو الآثار.

(فهو نظير قوله عليه‌السلام : (ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم)).

والرفع في حديث الرفع نظير الوضع في قوله عليه‌السلام : (ما حجب الله علمه عن العباد) أي : لم يبيّن لهم ، فهو موضوع عنهم ، أي : آثاره ، أو مؤاخذته مرفوعة عنهم ، لأنّ كلمة الوضع إذا تعدّت بـ (عن) تكون بمعنى الرفع ، وإذا تعدت ب (على) تكون بمعنى الوضع وقد تعدّت في الحديث ب(عن) ، كما لا يخفى.

(ويمكن أن يورد عليه بأنّ الظاهر من الموصول في (ما لا يعلمون) بقرينة أخواتها ، هو الموضوع ، أعني فعل المكلّف غير المعلوم ، كالفعل الذي لا يعلم أنّه شرب الخمر ، أو شرب الخلّ).

وهذا الإيراد من المصنّف قدس‌سره يتضح بعد بيان مقدمة وهي :

إنّ الاستدلال بهذا الحديث في إثبات البراءة إنّما يتمّ إذا كان المراد بالموصول في (ما لا يعلمون) هو خصوص الحكم ، أو الأعمّ منه ومن الموضوع لتكون الشبهة حكميّة ، وذلك لأنّ محل النزاع في مسألة البراءة هي الشبهة الحكمية ، وأمّا لو كان المراد من الموصول هو خصوص الموضوع ـ كما هو كذلك في أخواته ـ كانت الشبهة ـ حينئذ ـ شبهة موضوعية وهي خارجة عن محل الكلام.

إذا عرفت هذه المقدّمة يتضح لك الإيراد ، وذلك لأنّ المراد بالموصول في (ما لا يعلمون) هو خصوص الموضوع ، وبذلك يختصّ الحديث بالشبهات الموضوعية فقط ، ولا يرتبط بالمقام أصلا.

ثمّ إنّ المصنّف قدس‌سره ذكر وجهين لإثبات كون المراد بالموصول هو خصوص الموضوع :

أحدهما : ما أشار إليه بقوله :

(بأنّ الظاهر من الموصول في (ما لا يعلمون) بقرينة أخواتها هو الموضوع).

__________________

(١) التوحيد : ٤١٣ / ٩.

٢٣٤

أعني فعل المكلّف غير المعلوم ، كالفعل الذي لا يعلم أنّه شرب الخمر ، أو شرب الخلّ ، وغير ذلك من الشبهات الموضوعيّة ، فلا يشمل الحكم غير المعلوم.

مع أنّ تقدير المؤاخذة في الرواية لا يلائم عموم الموصول للموضوع والحكم ، لأنّ المقدّر المؤاخذة على نفس هذه المذكورات ولا معنى للمؤاخذة على نفس الحرمة المجهولة ، نعم ، هي من آثارها.

____________________________________

ومرجع هذا الوجه هو إثبات المطلب من جهة وحدة السياق ، لأنّ المراد بالموصول في (ما استكرهوا عليه ، وما لا يطيقون ، وما اضطروا إليه) هو الفعل الذي اضطرّ المكلّف إليه ، أو اكره عليه ، أو خرج عن طاقته ، وحينئذ يجب أن يكون المراد بالموصول في (ما لا يعلمون) أيضا هو الفعل الذي لا يعلم أنّه شرب الخمر ، أو شرب الخلّ مثلا ؛ حفظا لوحدة السياق وبذلك لا يشمل الحكم المجهول ، وإنّما يختصّ الحديث بالشبهات الموضوعية فقط دون الحكمية.

وثانيهما : ما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(مع أنّ تقدير المؤاخذة في الرواية لا يلائم عموم الموصول للموضوع والحكم ... إلى آخره).

ومرجع هذا الوجه إلى وحدة الإسناد ، لأنّ الرفع في قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : (رفع عن امّتي تسعة) قد اسند إلى الامور المذكورة في الحديث ، فجعل في الحديث لفعل واحد وهو رفع متعلّقات متعدّدة ، وهي تسعة ، فيجب أن يكون إسناده بمعنى واحد وعلى نهج واحد.

ثمّ إن رفع هذه الامور حقيقة وتكوينا لم يكن مرادا قطعا ، وذلك لتحقّقها في الخارج بالعيان والوجدان ، وبعد عدم إسناد الرفع إليها على نحو الحقيقة لا بدّ من تقدير شيء باعتبار دلالة الاقتضاء حتى يكون هو المرفوع ؛ حفظا لكلام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الكذب.

والمقدّر في الرواية لا يخلو عن أحد احتمالات :

الاحتمال الأول : هو أن يكون المرفوع جميع الآثار في كل واحد من التسعة ، وهو أقرب المجازات إلى المعنى الحقيقي لأنّ المعنى الحقيقي هو رفع حقيقة هذه الامور ، ورفع جميع الآثار أقرب إلى المعنى الحقيقي لأنّ ما لا يترتب عليه أثر الوجود أقرب إلى المعدوم ممّا يترتّب عليه بعض الآثار ، كما لا يخفى.

٢٣٥

فلو جعل المقدّر في كلّ من هذه التسعة ما هو المناسب من أثره ، أمكن أن يقال : إنّ أثر حرمة شرب التتن المؤاخذة على فعله فهي مرفوعة ، لكنّ الظاهر بناء على تقدير المؤاخذة نسبة المؤاخذة إلى نفس المذكورات.

والحاصل أنّ المقدّر في الرواية ، باعتبار دلالة الاقتضاء ، يحتمل أن يكون جميع الآثار في كلّ واحد من التسعة ، وهو الأقرب اعتبارا إلى المعنى الحقيقي ، وأن يكون في كلّ منها ما هو الأثر الظاهر فيه ، وأن تقدّر المؤاخذة في الكلّ.

وهذا أقرب عرفا من الأول وأظهر من الثاني أيضا ، لأنّ الظاهر أنّ نسبة الرفع إلى مجموع التسعة على نسق واحد ، فإذا اريد من الخطأ والنسيان وما اكرهوا عليه وما اضطرّوا ، المؤاخذة على أنفسها ، كان الظاهر في (ما لا يعلمون) ذلك أيضا.

____________________________________

والاحتمال الثاني : هو أن يكون المقدّر المرفوع في كل واحد منه ما هو الأثر الظاهر فيه.

والاحتمال الثالث : هو أن يكون المقدّر المرفوع هو المؤاخذة في كل واحد منها.

والصحيح من هذه الاحتمالات الثلاث هو الاحتمال الثالث فقط ؛ وذلك لأنّ الاحتمال الأول وهو رفع جميع الآثار مخالف للضرورة والوجدان ، وذلك لوجود بعض الآثار الثابتة لهذه الامور شرعا فلا يصح الأخذ به.

والاحتمال الثاني ينافي وحدة الإسناد ؛ لأنّ الأثر الظاهر في كل واحد منها يختلف عن الأثر الظاهر في الآخر ، فلا يمكن الالتزام به أيضا ؛ وذلك لأنّ الأخذ به مستلزم لأن يكون إسناد الرفع في كل واحد منه غير إسناده في الآخر ، مع أنّ ظاهر الرواية هو إسناد الرفع إلى التسعة لتكون على نسق واحد.

وحينئذ لا بدّ من أن نأخذ بالاحتمال الثالث ، ونقول :

إنّ المرفوع في الكلّ هو المؤاخذة على هذه الامور أنفسها ، وحينئذ يجب أن يكون المراد بالموصول في (ما لا يعلمون) هو الفعل غير المعلوم حتى يكون المرفوع هو المؤاخذة على نفس الفعل كأخواته ، وأمّا لو كان المراد منه الحكم ـ أي : الحرمة مثلا ـ لم تكن المؤاخذة على نفس الحرمة ، بل لا يعقل أن يكون العقاب على نفس الحرمة ؛ وذلك لأنّ المؤاخذة انما تصح على شرب ما هو محرّم وهو فعل المكلّف لا على الجعل والتكليف ، فتأمّل جيدا.

٢٣٦

نعم ، يظهر من بعض الأخبار الصحيحة عدم اختصاص المرفوع عن الامّة بخصوص المؤاخذة.

فعن المحاسن : عن أبيه ، عن صفوان بن يحيى ، والبزنطي جميعا ، عن أبي الحسن عليه‌السلام : في الرجل يستحلف على اليمين فحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك ، أيلزمه

____________________________________

وبالجملة ، إنّ مقتضى وحدة الإسناد هو أن يكون المراد بالموصول في (ما لا يعلمون) هو الفعل الذي هو الموضوع لا الحكم فقط ولا الأعمّ منه ومن الحكم ، وبناء على هذا يختصّ الحديث بالشبهات الموضوعية فقط ، ولا يشمل الشبهات الحكمية ، وبذلك يخرج عن كونه دليلا على البراءة.

(نعم ، يظهر من بعض الأخبار الصحيحة عدم اختصاص المرفوع عن الامّة بخصوص المؤاخذة).

وهذا الكلام من المصنّف قدس‌سره ردّ لإيراد اختصاص النبوي بالشبهات الموضوعية ، فلا يشمل الشبهات الحكمية حتى يستدل به على البراءة.

وحال الردّ يتضح بعد تقديم مقدمة ، وهي :

أن يراد اختصاص النبوي بالشبهات الموضوعية مبنيّ على وحدة السياق والإسناد كما تقدم في شرح الإيراد ، واتّحاد السياق مبنيّ على أن يكون المقدّر المرفوع خصوص المؤاخذة لا جميع الآثار ، ولا الأثر الظاهر ، وحينئذ لو أثبتنا بدليل خارجي أو قرينة خارجية بأنّ المرفوع ليس خصوص المؤاخذة لكان لازم ذلك انتفاء وحدة السياق ، فينتفي اختصاص النبوي بالشبهات الموضوعية تبعا له وذلك لكونه مبنيّا على اتّحاد السياق المنتفي بانتفاء كون الموضوع خصوص المؤاخذة.

وإذا عرفت هذه المقدمة لا يبقى لك شك في ردّ اختصاص النبوي بالشبهات الموضوعية ، وذلك لأنّ الاختصاص كان مبنيّا على أن يكون المرفوع خصوص المؤاخذة.

والمصنّف قدس‌سره يردّ تقدير خصوص المؤاخذة بوجهين :

أحدهما : ما أشار إليه بقوله :

(نعم ، يظهر من بعض الأخبار الصحيحة عدم اختصاص المرفوع) أي : المرفوع (عن الامّة بخصوص المؤاخذة).

٢٣٧

ذلك؟ فقال عليه‌السلام : (لا. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : رفع عن امّتي ما اكرهوا عليه ، وما لا يطيقون ، وما أخطئوا) (١) الخبر.

فانّ الحلف بالطلاق والعتاق والصدقة وإن كان باطلا عندنا مع الاختيار ـ أيضا ـ إلّا إنّ استشهاد الإمام عليه‌السلام على عدم لزومها مع الإكراه على الحلف بها بحديث الرفع شاهد على عدم اختصاصه برفع خصوص المؤاخذة ، لكنّ النبوي المحكي في كلام الإمام عليه‌السلام مختصّ

____________________________________

وملخّص ما عن المحاسن : إنّ رجلا يكره على الحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك ، فيحلف ويقول : إن فعلت كذا فزوجتي طالق ، وعبدي حر ، وملكي صدقة ، فيسأل عنه الإمام عليه‌السلام : (أيلزمه ذلك؟) أي : هل يحصل الطلاق وغيره على فرض مخالفة الشرط أم لا؟ (فقال عليه‌السلام : (لا ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : رفع عن امتي ما اكرهوا عليه وما لا يطيقون ، وما أخطئوا) الخبر).

فاستشهاد الإمام عليه‌السلام على عدم وقوع الامور المذكورة مع الإكراه على الحلف بها بحديث الرفع أقوى شاهد على عدم اختصاص الحديث برفع المؤاخذة فقط ، إذ رفع وقوع الطلاق والعتاق والصدقة لا يرتبط بالمؤاخذة ، وقس على ما ذكر(ما لا يعلمون) ، وبناء على هذا يمكن أن يكون المراد بالموصول في (ما لا يعلمون) خصوص الحكم بالمجهول الذي يكون مرفوعا بحديث الرفع ، ولا يكون الحديث مختصّا بالشبهات الموضوعية.

إن قلت : إنّ عدم وقوع الامور المذكورة في الرواية لم يكن لحديث الرفع حتى يقال : إنّ المرفوع به لا يختصّ بالمؤاخذة ، بل عدم الوقوع يكون لأجل تعليق هذه الامور بالشرط ، لأنّ الإنشاء في العقود والإيقاعات عند الإمامية يجب أن يكون منجّزا ، فيبطل مع التعليق والاشتراط من دون حاجة إلى التمسّك بحديث الرفع عليه.

قلت : إنّ ما ذكرت من البطلان من جهة التعليق وإن كان صحيحا إلّا إنّ الإمام عليه‌السلام لم يستدل على بطلانها بالتعليق والاشتراط ، بل استدل عليه بحديث الرفع ، فيعلم من هذا الاستدلال أنّ الوجه في البطلان هو وقوعها عن إكراه ، ولعل النكتة في اختصاص الاستدلال على البطلان من جهة الإكراه مع أنّها باطلة من جهة التعليق ـ أيضا ـ هي أنّ

__________________

(١) المحاسن ٢ : ٦٩ / ١١٩٥. الوسائل ٢٣ : ٢٢٦ ، كتاب الأيمان ، ب ١٢ ، ح ١٢.

٢٣٨

بثلاثة من التسعة ، فلعلّ نفي جميع الآثار مختصّ بها ، فتأمّل.

وممّا يؤيّد إرادة العموم ظهور كون رفع كلّ واحد من التسعة من خواصّ أمّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

____________________________________

البطلان من جهة الإكراه كان عند العامة أيضا.

وبالجملة ، إنّ المستفاد من استشهاد الإمام عليه‌السلام بالنبوي هو عدم اختصاص النبوي برفع المؤاخذة ، فيجوز رفع جميع الآثار به ، كما هو ظاهر استشهاد الإمام عليه‌السلام به على عدم وقوع الطلاق وغيره عن إكراه ، ويجوز أن يكون المرفوع به بعض الآثار ، إلّا إنّ النبوي المحكي في كلام الإمام عليه‌السلام لم يكن مشتملا على الامور التسعة ، بل المذكور فيه ثلاثة منها فقط وهي : ما اكرهوا عليه ، وما لم يطيقوه ، وما أخطئوا.

وحينئذ يمكن أن يقال : إنّ استشهاد الإمام عليه‌السلام بهذا الحديث قد يكفي شاهدا على أنّ رفع تمام الآثار مختصّ بالثلاثة المذكورة ، فيكون المرفوع في الستة الباقية خصوص المؤاخذة ، وبذلك يبقى إشكال اختصاص (ما لا يعلمون) بالشبهة الموضوعية على حاله لأنّ المراد بالموصول ـ حينئذ ـ هو الموضوع فقط دون الحكم ، كما تقدم وجه ذلك.

(فتأمّل) لعلّه إشارة إلى الجواب.

وملخّصه : إنّ ما ذكر من إمكان رفع تمام الآثار في الثلاثة المذكورة في قول الإمام عليه‌السلام، رفع خصوص المؤاخذة في غيرها تفكيك ركيك لا يجوز ارتكابه أصلا.

وثانيهما : أي : الوجه الثاني على عدم تقدير خصوص المؤاخذة هو ما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(وممّا يؤيّد إرادة العموم ظهور كون رفع كلّ واحد من التسعة من خواصّ أمّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم).

أي : وممّا يؤيد إرادة عموم رفع الآثار لا خصوص المؤاخذة ، ظهور كون رفع كل واحد منها من خواصّ أمّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وبيان ذلك : إنّ المستفاد من حديث الرفع هو أمران :

أحدهما : إنّ رفع كل واحد من التسعة من خواصّ أمّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كما هو ظاهر الرواية.

وثانيهما : كون ذلك الرفع من باب المنّة عليهم ، واختصاص رفع كل واحد من التسعة

٢٣٩

إذ لو اختصّ الرفع بالمؤاخذة اشكل الأمر في كثير من تلك الامور ، من حيث إنّ العقل مستقلّ بقبح المؤاخذة عليها ، فلا اختصاص له بامّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، على ما يظهر من الرواية.

والقول بأنّ الاختصاص باعتبار رفع المجموع وإن لم يكن رفع كلّ واحد من الخواصّ شطط من الكلام ، لكنّ الذي يهوّن الأمر في الرواية جريان هذا الإشكال في الكتاب

____________________________________

للامّة من باب المنّة عليهم لا يتمّ إلّا إذا اريد من الحديث رفع جميع الآثار ؛ لأنّ رفع خصوص المؤاخذة حكم عقلي بقبح المؤاخذة على الخطأ والنسيان ، وما لا يطاق ، وما اضطر إليه ، وما استكره عليه ، وما لا يعلم ، ومن المعلوم أنّ حكم العقل لا يقبل التخصيص ، فلا يمكن اختصاصه بامّة دون اخرى وزمان خاص أو مكان مخصوص ، كما أنّ استحالة اجتماع النقيضين التي يحكم بها العقل غير قابلة للتخصيص أصلا.

والحاصل إنّ رفع المؤاخذة الذي يحكم به العقل لا يختصّ بهذه الامّة ، كما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(إذ لو اختصّ الرفع بالمؤاخذة اشكل الأمر في كثير من تلك الامور) لأنّ رفع المؤاخذة في الخطأ ، والنسيان ، وما لا يطاق وغيرها لا يختصّ بامّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كما تقدم ، فحينئذ لا بدّ أن يكون المراد بالمرفوع هو جميع الآثار حتى يكون رفعها من خواصّ أمّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قوله : (والقول بأنّ الاختصاص باعتبار رفع المجموع وإن لم يكن رفع كل واحد من الخواصّ شطط من الكلام).

دفع لما يتوهّم من أنّ المرفوع هو خصوص المؤاخذة ، ورفعها في الستة الاولى من التسعة وإن لم يكن من خواصّ الامّة ، إلّا إنّه لمّا كان رفع المؤاخذة في الثلاثة الأخيرة من خواصّ أمّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، جعل رفع مؤاخذة المجموع من حيث المجموع من خواص الامّة باعتبار اختصاص الثلاثة الأخيرة بهم.

وذكر المصنّف قدس‌سره في دفع هذا التوهّم ما حاصله : من أنّ القول بالاختصاص كذلك كلام بعيد عن الحق والواقع ، لا يمكن الأخذ به ؛ وذلك لأنّ ظاهر الحديث هو رفع كل واحد من الامور التسعة على نحو العموم الأفرادي من خواصّ الامّة ، فكون رفع المجموع من حيث المجموع على نحو العموم المجموعي من خواصّ الامّة خلاف ظاهر الحديث ، فلا يمكن الأخذ به من دون قرينة دالّة عليه.

٢٤٠