دروس في الرسائل - ج ٢

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٠

بل يمكن انصراف المفهوم بحكم الغلبة إلى صورة إفادة خبر العادل الظنّ الاطمئنانيّ بالصدق ، كما هو الغالب مع القطع بالعدالة. فيصير حاصل مدلول الآيات اعتبار خبر العادل الواقعيّ بشرط إفادته الظنّ الاطمئنانيّ والوثوق ، بل هذا أيضا منصرف سائر الآيات وإن لم يكن انصرافا موجبا لظهور عدم إرادة غيره ، حتى يعارض المنطوق.

[نعم ، لو لم نقل بدلالة آية النبأ من جهة عدم المفهوم لها اقتصر على منصرف سائر الآيات ، وهو الخبر المفيد للوثوق وإن لم يكن المخبر عادلا].

____________________________________

(بل يمكن انصراف المفهوم بحكم الغلبة) وشهادة التعليل (إلى صورة إفادة خبر العادل الظنّ الاطمئناني بالصدق) ، ويمكن تقييد الآيات بالقيد الآخر بأن يقال : إنّ مقتضى الآيات بعد التقييد هو حجّيّة خبر العادل مطلقا ، سواء كان مفيدا للاطمئنان أم لا ، فيمكن التقييد ثانيا ، ويقال : إنّ المعتبر والحجّة هو خبر العادل المفيد للاطمئنان ، لا مطلقا ، وذلك بأحد وجهين :

الوجه الأوّل : هو الغلبة ، إذ خبر العادل مفيد للاطمئنان غالبا.

والوجه الثاني : هو مقتضى التعليل حيث يقتضي تحصيل الاطمئنان تجنّبا عن الوقوع في الندم.

فهذان الوجهان موجبان لانصراف المفهوم إلى صورة حصول الاطمئنان من خبر العادل ، فيصير حاصل مدلول الآيات اعتبار خبر العادل الواقعي بشرط إفادة الظنّ الاطمئناني.

(نعم ، لو لم نقل بدلالة آية النبأ من جهة عدم المفهوم لها اقتصر على منصرف سائر الآيات ، وهو الخبر المفيد للوثوق وإن لم يكن المخبر عادلا).

أي : لو قلنا بعدم دلالة أية النبأ على الحجّية أصلا ، إذ كانت دلالتها على الحجّية بالمفهوم.

وقد تقدّم الإشكال على المفهوم بما لا يمكن الذب عنه ، اقتصر في الالتزام بالحجّيّة التي تكون على خلاف الأصل على منصرف سائر الآيات ، فيمكن أن يقال بانصرافها إلى حجّيّة الخبر المفيد للوثوق ، وإن لم يكن المخبر عادلا بقاعدة انصراف المطلق إلى الفرد الأكمل ؛ وهو الخبر المفيد للوثوق.

هذا تمام الكلام في الاستدلال على حجّية أخبار الآحاد بالآيات

١٠١

أدلّة السنّة

وأمّا السّنّة فطوائف من الأخبار :

منها : ما ورد في الخبرين المتعارضين ، من الأخذ بالأعدل والأصدق والمشهور ، والتخيير عند التساوي ، مثل مقبولة عمر بن حنظلة ، فإنّها وإن وردت في الحكم ، حيث يقول : (الحكم ما حكم به أعدلهما ، وأفقههما ، وأصدقهما في الحديث) (١) وموردها وإن كان في

____________________________________

(وأمّا السّنّة فطوائف من الأخبار ، منها : ما ورد في الخبرين المتعارضين ، من الأخذ بالأعدل).

وممّا يمكن الاستدلال به على حجّية خبر الواحد هو الأخبار والمصنّف رحمه‌الله رتّبها وجعلها طوائف أربع :

الطائفة الاولى : هي الأخبار العلاجية الدالة على أنّ حجّية الأخبار في نفسها كانت مفروغا عنها عند الأئمة عليهم‌السلام وأصحابهم ، وأنّهم اتفقوا على العمل بها ، وإنّما توقفوا عن العمل من جهة المعارضة ، ولذا سأل الأصحاب منهم عليهم‌السلام عن حكمها حال التعارض ، فأرجعهم الأئمة عليهم‌السلام على العمل بالمرجّحات إن كانت ، أو التخيير إن لم يكن.

فهذه الأخبار تدل على العمل بالأخبار المتعارضة تعيينا أو تخييرا ، مع أنّ المفروض عدم القطع بصدورهما أو أحدهما ، لبعد المعارضة بين مقطوعي الصدور ، على أنّ ظاهر سؤال الراوي بقوله : يأتي عنكم خبران متعارضان ، هو السؤال عن حكم مشكوكي الصدور.

ثمّ هذه الأخبار وإن كانت تدل على حجّية الأخبار المتعارضة بالصراحة ، إلّا أنّها تدل بالالتزام على حجّية مطلق الأخبار والروايات المروية عنهم عليهم‌السلام.

وبالجملة ، إنّ المستفاد من هذه الروايات هو كون أصل حجّية الأخبار المتعارضة مفروغا عنه ، وإنّما الكلام في التعيين والتخيير عند التعارض ، وإلّا لم يكن معنى لبيان العلاج.

__________________

(١) الكافي ١ : ٦٨ / ١٠. والوسائل ٢٧ : ١٠٦ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ١.

١٠٢

الحاكمين ، إلّا أنّ ملاحظة جميع الرواية تشهد بأنّ المراد بيان المرجّح للروايتين اللّتين استند إليهما الحاكمان.

ومثل رواية غوالي اللآلي المرويّة عن العلّامة ، المرفوعة إلى زرارة :

قال : يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان ، فبأيّهما نأخذ؟ قال : (خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذّ النادر) قلت : فإنّهما معا مشهوران ، قال : (خذ بأعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك) (١).

ومثل رواية ابن أبي الجهم عن الرضا عليه‌السلام ، قلت : يجيئنا الرّجلان وكلاهما ثقة ، بحديثين مختلفين ، فلا نعلم أيّهما الحق؟ قال : (إذا لم تعلم فموسّع عليك بأيّهما أخذت) (٢).

ورواية الحارث بن المغيرة عن الصادق عليه‌السلام ، قال : (إذا سمعت من أصحابك الحديث وكلّهم ثقة ، فموسّع عليك حتى ترى القائم) (٣) وغيرها من الأخبار.

والظاهر أنّ دلالتها ـ على اعتبار الخبر الغير مقطوع الصدور ـ واضحة ،

____________________________________

ثمّ يذكر المصنّف رحمه‌الله عدة من الروايات من الطائفة الاولى ، ومنها مقبولة عمر بن حنظلة ، ثمّ يقول : (فإنّها وإن وردت في الحكم ، حيث يقول : (الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث) وموردها وإن كان في الحاكمين) إلّا أنّ الترجيح فيها يرجع إلى ترجيح إحدى الروايتين اللّتين استند إليهما الحاكمان على الاخرى ، فيجب الأخذ بالحكم المستند إلى ما له مرجّح.

ثمّ الحكم بالترجيح أو التخيير في غير المقبولة كمرفوعة زرارة ورواية ابن أبي الجهم عن الرضا عليه‌السلام ، ورواية الحارث بن المغيرة عن الصادق عليه‌السلام يكون إلى نفس الرواية ، فيكون الحكم بالترجيح أو التخيير كاشفا عن حجّيّة الأخبار مع قطع النظر عن التعارض كما تقدّم تفصيله ، فدلالة هذه الأخبار على حجّية الخبر غير المقطوع صدوره واضحة.

إلّا أنّها لا تدل على حجّية جميع الأخبار ، أو صنف خاص منها ، كخبر العادل أو الثقة ،

__________________

(١) غوالي اللآلئ ٤ : ١٣٣ / ٢٢٩.

(٢) الاحتجاج ٢ : ٢٦٤. الوسائل ٢٧ : ١٢١ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ٤٠. وفيهما : (عن الحسن بن الجهم).

(٣) الاحتجاج ٢ : ٢٦٤. الوسائل ٢٧ : ١٢٢ ، باب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ٤١.

١٠٣

إلّا أنّه لا إطلاق لها ، لأنّ السؤال عن الخبرين اللّذين فرض السائل كلّا منهما حجّة يتعيّن العمل بها لو لا المعارض ، كما يشهد به السؤال بلفظ «أيّ» الدالّة على السؤال عن المعيّن مع العلم بالمبهم ، فهو كما إذا سئل عن تعارض الشهود أو أئمّة الصلاة ، فأجاب ببيان المرجّح ، فإنّه لا يدلّ إلّا على أنّ المفروض تعارض من كان منهم مفروض القبول لو لا المعارض.

نعم ، رواية ابن المغيرة تدلّ على اعتبار خبر كلّ ثقة. وبعد ملاحظة ذكر الأوثقيّة والأعدليّة في المقبولة والمرفوعة يصير الحاصل من المجموع اعتبار خبر الثقة ، بل العادل.

لكنّ الإنصاف أنّ ظاهر مساق الرواية أنّ الغرض من العدالة حصول الوثاقة ، فتكون العبرة بها.

ومنها : ما دلّ على إرجاع آحاد الرواة إلى آحاد أصحابهم عليهم‌السلام ، بحيث يظهر منه

____________________________________

بأن تدل على كون المناط في اعتبارها هو وثاقة الراوي ، أو عدالته ، أو نحو ذلك ، ودلالتها على الحجّيّة في الجملة غير مجدية ، كما لا يخفى.

وقد أشار إلى هذا الإشكال بقوله : (إلّا أنّه لا إطلاق لها) ، أي : لا تدل على حجّيّة جميع أقسام الخبر ، ولا على حجّية صنف خاص منه ، إذ المستفاد منها هو حجّية الخبرين اللّذين فرضهما السائل حجّتين لو لا التعارض بينهما ، وأمّا بأيّ ملاك يكون كل منهما حجّة ، فلا يعلم ، بل هو في بطن السائل ، فتعيين ملاك الحجّية يحتاج إلى دليل من الخارج ، ولم يستفد من نفس هذه الروايات.

(نعم ، رواية ابن المغيرة تدل على اعتبار خبر كل ثقة) ، حيث قال الإمام عليه‌السلام : (إذا سمعت من أصحابك الحديث ، وكلّهم ثقة ، فموسّع عليك).

المستفاد من هذه الرواية هو أنّ المناط في الحجّية هو الوثاقة ، وهكذا المستفاد من المقبولة والمرفوعة ، حيث أرجع الإمام عليه‌السلام السائل فيهما إلى ملاحظة الأعدلية والأوثقية ، والأخذ بما هو أعدل أو أوثق ، مبيّنا أنّ الملاك في حجّية الأخبار هو الوثاقة والعدالة.

فالمتحصّل من المجموع هو حجّيّة خبر الثقة ، بل العادل ، بل يمكن أن يقال : إنّ الغرض من بيان العدالة هو حصول الوثوق من الخبر ، فيكفي في حجّيّة الرواية وثاقة الراوي ، ولا يجب أن يكون الراوي عادلا.

(ومنها : ما دل على إرجاع آحاد الرواة إلى آحاد أصحابهم عليهم‌السلام) ، والطائفة الثانية التي

١٠٤

عدم الفرق بين الفتوى والرواية :

مثل : إرجاعه عليه‌السلام إلى زرارة بقوله عليه‌السلام : (إذا أردت حديثا فعليك بهذا الجالس) (١) مشيرا إلى زرارة.

وقوله عليه‌السلام في رواية اخرى : (وأمّا ما رواه زرارة عن أبي عليه‌السلام ، فلا يجوز ردّه) (٢).

وقوله عليه‌السلام ، لابن أبي يعفور ـ بعد السؤال عمّن يرجع إليه إذا احتاج ، أو سئل عن مسألة ـ : (فما يمنعك عن الثقفي) ـ يعني محمّد بن مسلم ـ (فإنّه سمع من أبي أحاديث ، وكان عنده وجيها) (٣).

وقوله عليه‌السلام ، فيما عن الكشّي لسلمة بن أبي حبيبة : (ائت أبان بن تغلب ، فإنّه قد سمع منّي حديثا كثيرا ، فما روى لك عنّي فاروه عنّي) (٤).

وقوله عليه‌السلام لشعيب العقرقوفيّ بعد السؤال عمّن يرجع إليه : (عليك بالأسدي ، يعني أبا بصير) (٥).

وقوله عليه‌السلام ، لعليّ بن المسيّب ـ بعد السؤال عمّن يأخذ عنه معالم الدين : (عليك

____________________________________

تدل على حجّية أخبار الآحاد هي الأخبار الآمرة برجوع الناس إلى أشخاص معيّنين من الأصحاب والرواة ، كقول الإمام عليه‌السلام :

(إذا أردت حديثا فعليك بهذا الجالس) مشيرا إلى زرارة ، وفي رواية اخرى : (ما رواه زرارة عن أبي عليه‌السلام فلا يجوز ردّه) ، وقوله عليه‌السلام : (عليك بالأسدي ، يعني أبا بصير) ، وقوله عليه‌السلام : بزكريا بن آدم ، المأمون على الدّين والدّنيا) (٦).

__________________

(١) رجال الكشي ١ : ٣٤٧ / ٢١٦. الوسائل ٢٧ : ١٤٣ ، باب وجوب الرجوع في القضاء والفتوى ، ب ١١ ، ح ١٩.

(٢) رجال الكشي ١ : ٣٤٦ / ٢١١. والوسائل ٢٧ : ١٤٣ ، باب وجوب الرجوع في القضاء والفتوى ، ب ١١ ، ح ١٧ ، وفيهما : (ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام).

(٣) رجال الكشّي ١ : ٣٨٣ / ٢٧٣. الوسائل ٢٧ : ١٤٤ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١١ ، ح ٢٣.

(٤) رجال الكشّي ٢ : ٦٢٣ / ٦٠٤ ، وفيه : (عن مسلم بن أبي حية) ، الوسائل ٢٧ : ١٤٧ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١١ ، ح ٣٠.

(٥) رجال الكشّي ١ : ٤٠٠ / ٢٩١. الوسائل ٢٧ : ١٤٢ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١١ ، ح ١٥.

(٦) رجال الكشّي ٢ : ٨٥٨ / ١١١٢. الوسائل ٢٧ : ١٤٦ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١١ ، ح ٢٧.

١٠٥

وقوله عليه‌السلام ، لمّا قال له عبد العزيز بن المهتدي : ربّما أحتاج ولست ألقاك في كلّ وقت ، أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه معالم ديني؟ قال : (نعم) (١).

وظاهر هذه الرواية أنّ قبول قول الثقة كان أمرا مفروغا عنه عند الراوي ، فسأل عن وثاقة يونس ، ليترتّب عليه أخذ المعالم منه.

ويؤيّده في إناطة وجوب القبول بالوثاقة ما ورد في العمريّ وابنه اللذين هما من النوّاب والسفراء ، ففي الكافي في باب النهي عن التسمية :

عن الحميريّ عن أحمد بن إسحاق ، قال سألت أبا الحسن عليه‌السلام وقلت له : من أعامل ، وعمّن آخذ ، وقول من أقبل؟ فقال عليه‌السلام له : (العمريّ ثقتي فما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدّي ، وما قال لك عنّي فعنّي يقول ، فاسمع له وأطع ، فإنّه الثقة المأمون). وأخبرنا أحمد بن إسحاق أنّه سأل أبا محمّد عليه‌السلام ، عن مثل ذلك ، فقال له : (العمري وابنه ثقتان ، فما أدّيا إليك عنّي فعنّي يؤدّيان ، وما قالا لك فعنّي يقولان ، فاسمع لهما ، وأطعهما ، فإنّهما الثّقتان المأمونان) (٢) الخبر.

وهذه الطائفة ـ أيضا ـ مشتركة مع الطائفة الاولى في الدلالة على اعتبار خبر الثقة

____________________________________

(عليك بزكريا بن آدم) ، وغيرها ممّا ذكره المصنّف رحمه‌الله في المتن.

وهذه الروايات تدل دلالة واضحة على حجّيّة خبر الثقة ، ولا يرد عليها بأنّها أخبار آحاد ، فلا يمكن الاستدلال بها على حجّية أخبار الآحاد ؛ لأنّها متواترة معنى ، وإن لم تكن كذلك لفظا.

وذلك ؛ لأنّ كل واحدة من هذه الأخبار تكون بصدد بيان معنى واحد ، وهو حجّيّة خبر الثقة ، فليس إثبات حجيّة خبر الواحد بها من قبيل إثبات حجّية خبر الواحد بخبر الواحد ، بل يكون إثبات حجّية خبر الواحد بالمتواتر.

وبالجملة ، إنّ المستفاد من هذه الأخبار هو حجّية قول الأصحاب والرواة ، وإلّا لم يكن معنى لإرجاع بعضهم إلى بعض.

(وهذه الطائفة ـ أيضا ـ مشتركة مع الطائفة الاولى في الدلالة على اعتبار خبر الثقة

__________________

(١) رجال الكشّي ٢ : ٧٨٤ / ٩٣٥ ، باختلاف يسير. الوسائل ٢٧ : ١٤٧ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١١ ، ح ٣٣.

(٢) الكافي ١ : ٣٣٠ / ١.

١٠٦

المأمون.

ومنها : ما دلّ على وجوب الرجوع إلى الرّواة والثّقات والعلماء ، على وجه يظهر منه عدم الفرق بين فتواهم بالنسبة إلى أهل الاستفتاء ، وروايتهم بالنسبة إلى أهل العمل بالرواية :

مثل قول الحجّة ـ عجّل الله فرجه ـ لإسحاق بن يعقوب ، على ما في كتاب الغيبة للشيخ ، وإكمال الدين للصدوق ، والاحتجاج للطبرسيّ :

(وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ، فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله عليهم) (١).

فإنّه لو سلّم أنّ ظاهر الصدر الاختصاص بالرجوع في حكم الوقائع إلى الرواة ، أعني الاستفتاء منهم ، إلّا أنّ التعليل بأنّهم حجّته عليه‌السلام ، يدلّ على وجوب قبول خبرهم.

ومثل الرواية المحكيّة عن العدة من قوله عليه‌السلام : (إذا نزلت بكم حادثة لا تجدون حكمها

____________________________________

المأمون) لأنّ المستفاد من بعض هذه الطائفة هو كون المناط في الحجّية وثاقة الراوي ، كما في رواية عبد العزيز وروايتي أحمد بن اسحاق.

(ومنها : ما دل على وجوب الرجوع إلى الرّواة والثّقات والعلماء).

وأمّا الطائفة الثالثة التي تدل على حجّية خبر الواحد فهي الأخبار الآمرة بوجوب الرجوع إلى الثّقات ، وعدم جواز التشكيك فيما يروى عنهم عليهم‌السلام ، كقوله عليه‌السلام : (لا عذر لأحد في التشكيك فيما يؤدّيه ثقاتنا) (٢).

ويظهر من بعض الروايات أنّ حجّية خبر الثقة كانت أمرا مفروغا عنه ، وإنّما يسأل الإمام عليه‌السلام عن وثاقة الراوي كقول السائل : أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما احتاج من معالم ديني؟ فقال عليه‌السلام : (نعم).

و (مثل قول الحجّة ـ عجّل الله فرجه الشريف ـ : (وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ، فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله عليهم)).

__________________

(١) الغيبة : ١٧٧ ، كمال الدين ٢ : ٤٨٤ / ٤. الاحتجاج ٢ : ٥٤٣. الوسائل ٢٧ : ١٤٠ / ٩.

(٢) رجال الكشّي ٢ : ٨١٦ / ١٠٢٠. الوسائل ٢٧ : ١٥٠ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١١ ، ح ٤٠ ، (يرويه) بدل (يؤدّيه).

١٠٧

فيما روي عنّا ، فانظروا إلى ما رووه عن عليّ عليه‌السلام) (١).

دلّ على الأخذ بروايات الشيعة وروايات العامّة مع عدم وجود المعارض من رواية الخاصّة.

ومثل ما في الاحتجاج عن تفسير العسكريّ عليه‌السلام ـ في قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ)(٢) الآية ـ من أنّه قال رجل للصادق عليه‌السلام :

فإذا كان هؤلاء القوم من اليهود والنصارى لا يعرفون الكتاب إلّا بما يسمعونه من علمائهم ، لا سبيل لهم إلى غيره ، فكيف ذمّهم بتقليدهم والقبول من علمائهم؟ هل عوامّ اليهود إلّا كعوامّنا يقلّدون علماءهم؟ فإن لم يجز لاولئك القبول من علمائهم لم يجز لهؤلاء القبول من علمائهم.

فقال عليه‌السلام : (بين عوامّنا وعلمائنا وبين عوامّ اليهود وعلمائهم فرق من جهة وتسوية من جهة ، أمّا من حيث استووا ، فإنّ الله تعالى ذمّ عوامّنا بتقليدهم علماءهم كما ذمّ عوامّهم بتقليدهم علماءهم ، وأمّا من حيث افترقوا فلا).

____________________________________

وصدر هذه الرواية وان كان ظاهرا في الاستفتاء من الرواة فيدل على حجّيّة فتواهم ولا يرتبط بالمقام ، إلّا أنّ التعليل المذكور في الذيل ـ وهو قوله عليه‌السلام : (فإنّهم حجّتي عليكم) ـ عامّ يدلّ على حجّية قولهم وخبرهم وإن لم يكن بعنوان الفتوى ، فعموم التعليل يقتضي كونهم حجّة مطلقا ، أي : في الفتوى والقضاء والرواية.

(ومثل ما في الاحتجاج عن تفسير العسكري عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ) الآية).

وملخّصه : أنّ الله تعالى ذمّ عوامّ اليهود في هذه الآية بسبب تقليدهم علماءهم ، مع أنّهم لا يعرفون الكتاب إلّا من طريق علمائهم ، وليسوا إلّا كعوام المسلمين ، حيث يقلّدون علماءهم في امورهم الدينيّة.

فسأل رجل عنه الصادق عليه‌السلام ، حيث قال : لما ذا ذمّ الله تعالى عوامّ اليهود مع أنّهم ليسوا إلّا كعوامّنا في التقليد؟ فأجاب الإمام عليه‌السلام ، وقال : (بين عوامّنا وعلمائنا وبين عوامّ اليهود

__________________

(١) عدّة الاصول ١ : ٦١. الوسائل ٢٧ : ٩١ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٨ ، ح ٤٧.

(٢) البقرة : ٧٨.

١٠٨

قال : بيّن لي يا ابن رسول الله ، قال : إنّ عوامّ اليهود قد عرفوا علماءهم بالكذب الصّريح وبأكل الحرام والرشاء ، وبتغيير الأحكام عن وجهها بالشفاعات والنسابات والمصانعات ، وعرفوهم بالتعصّب الشديد الذي يفارقون به أديانهم ، وأنّهم إذا تعصّبوا أزالوا حقوق من تعصّبوا عليه ، وأعطوا ما لا يستحقّه من تعصّبوا له من أموال غيرهم وظلموهم من أجلهم ، وعلموهم يقارفون المحرّمات واضطرّوا بمعارف قلوبهم إلى أنّ من فعل ما يفعلونه فهو فاسق ، لا يجوز أن يصدّق على الله تعالى ولا على الوسائط بين الخلق وبين الله تعالى ، فلذلك ذمّهم لمّا قلّدوا من عرفوا ومن علموا أنّه لا يجوز قبول خبره ولا تصديقه ، ولا العمل بما يؤدّيه إليهم عمّن لم يشاهدوه ، ووجب عليهم النظر بأنفسهم في أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذا كانت دلائله أوضح من أن تخفى وأشهر من أن لا تظهر لهم.

وكذلك عوامّ أمّتنا إذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر والعصبيّة الشديدة والتّكالب على حطام الدنيا وحرامها ، وإهلاك من يتعصّبون عليه وإن كان لإصلاح أمره مستحقّا ، والترفرف بالبرّ والاحسان على من تعصّبوا له ، وإن كان للإذلال والإهانة مستحقّا ، فمن قلّد من عوامّنا مثل هؤلاء الفقهاء ، فهم مثل اليهود الذين ذمّهم الله تعالى بالتقليد لفسقة فقهائهم.

فأمّا من كان من الفقهاء صائنا لنفسه ، حافظا لدينه ، مخالفا على هواه ، مطيعا لأمر مولاه ،

____________________________________

وعلمائهم فرق من جهة ، وتسوية من جهة).

وملخّص الفرق : أنّ عوامّنا يقلّدون العلماء العدول ، وعوامّهم يقلّدون علماءهم الفسّاق ، وهم عالمون بفسقهم بالكذب الصريح وأكل الحرام ، وأخذ الرشوة ، وتغيير الأحكام عن وجهها ب(النسابات) : أي : بملاحظة الرابطة النسبية كالابوّة والاخوّة ، وأمثالهما.

أو كانت النسابات من النسبة ، فيكون معناها : إنّهم يغيرون الأحكام عن وجهها بحكمهم لمن يكون منسوبا إليهم بقرابة أو غيرها ، ككونه خادما أو صديقا ، فيحكم العالم المتعصب لمن يكون منسوبا إليه على من لم يكن كذلك.

(المصانعات) المصانعة : هي أن تصنع شيئا لأحد ليصنع لك شيئا ، وقيل : هي الرشوة ، والحاصل : أنّ عوامّ اليهود مع علمهم بارتكاب علمائهم المعاصي يقلّدونهم ، فلهذا ذمّهم الله تعالى ، وكانوا مستحقين للذمّ حقيقة ، وعوامّنا يقلّدون من العلماء العدول ، لا الفسّاق.

وأمّا التسوية فهي من جهة أنّه يوجد في عوامّنا من يقلّد العلماء الفسّاق ، مع نهي

١٠٩

فللعوامّ أن يقلّدوه ، وذلك لا يكون إلّا بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم.

فأمّا من ركب من القبائح والفواحش مراكب فسقة فقهاء العامّة فلا تقبلوا منهم عنّا شيئا ، ولا كرامة ، وإنّما كثر التخليط فيما يتحمّل عنّا أهل البيت لذلك ، لأنّ الفسقة يتحمّلون عنّا فيحرّفونه بأسره لجهلهم ، ويضعون الأشياء على غير وجوهها لقلّة معرفتهم ، وآخرون يتعمّدون الكذب علينا ليجرّوا من عرض الدنيا ما هو زادهم إلى نار جهنّم.

ومنهم قوم نصّاب لا يقدرون على القدح فينا ، فيتعلّمون بعض علومنا الصحيحة فيتوجّهون عند شيعتنا وينتقصون بنا عند أعدائنا ، ثمّ يضيفون إليه أضعافه وأضعاف أضعافه من الأكاذيب علينا التي نحن براء منها ، فيقبله المستسلمون من شيعتنا على أنّه من علومنا ، فضلّوا وأضلّوا ، أولئك أضرّ على ضعفاء شيعتنا من جيش يزيد ، لعنه الله ، على الحسين بن عليّ عليه‌السلام) (١) انتهى.

____________________________________

الإمام عليه‌السلام عن تقليدهم ، حيث قال : (فأمّا من كان من الفقهاء صائنا لنفسه ، حافظا لدينه ، مخالفا على هواه ، مطيعا لأمر مولاه ، فللعوامّ أن يقلّدوه).

فمن خالف أمر الإمام عليه‌السلام ، وقلّد عن الفاسق يكون مثله كمثل عوامّ اليهود الذين ذمّهم الله تعالى بالتقليد.

إلى أن قال عليه‌السلام : (فأمّا من ركب من القبائح والفواحش مراكب فسقة فقهاء العامّة ، فلا تقبلوا منهم عنّا شيئا).

أي : من يرتكب الفواحش كما يرتكبها علماء العامّة ، فلا تقبلوا منهم عنّا شيئا فإنّه يكثر التخليط بين الصدق والكذب فيما يتحمل عنّا أهل البيت عليهم‌السلام ، فيأخذ بالكذب الذي ينفعه ، ويترك الصدق الذي يضره.

إلى أن قال عليه‌السلام : (ومنهم قوم نصّاب) ، أي : في قلوبهم عداوة أهل البيت عليهم‌السلام (لا يقدرون على القدح فينا ، فيتعلّمون بعض علومنا الصحيحة ، فيتوجّهون عند شيعتنا) بأن يصبحوا ذوي وجهة ومقام عندهم.

(وينتقصون بنا عند أعدائنا) ، أي : يقلّلون أهميتنا عند خصومنا بالتنقيص من شأننا عن طريق الأكاذيب والافتراءات علينا ، ونحن بريئون منهم.

__________________

(١) الاحتجاج ٢ : ٥١٠ ، باختلاف يسير ، الوسائل ٢٧ : ١٣١ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٠ ، ح ٢٠ ، وفيه صدر الحديث.

١١٠

دلّ هذا الخبر الشريف ، اللائح منه آثار الصدق ، على جواز قبول قول من عرف بالتحرّز عن الكذب ، وإن كان ظاهره اعتبار العدالة ، بل ما فوقها ، لكنّ المستفاد من مجموعه أنّ المناط في التصديق هو التحرّز من الكذب ، فافهم.

ومثل ما عن أبي الحسن عليه‌السلام ، فيما كتبه جوابا عن السؤال عمّن نعتمد عليه في الدّين ، قال : (اعتمدا في دينكما على كلّ مسنّ في حبّنا ، كثير القدم في أمرنا) (١).

وقوله عليه‌السلام ، في رواية اخرى : (لا تأخذنّ معالم دينك من غير شيعتنا ، فإنّك إن تعدّيتهم أخذت دينك من الخائنين الّذين خانوا الله ورسوله وخانوا أماناتهم ، إنّهم ائتمنوا على كتاب الله فحرّفوه وبدّلوه) (٢) الحديث.

____________________________________

(فيقبله المستسلمون من شيعتنا) فيقبل المستضعفون منهم ما يقوله أعداؤنا علينا تخيلا منهم بأنّه (من علومنا ، فضلّوا وأضلّوا).

وهذا الخبر الشريف يدل على حجّيّة خبر الثقة بمقتضى ذمّ الإمام عليه‌السلام من يتعمّد الكذب على الأئمة عليهم‌السلام.

(فافهم) لعلّه إشارة إلى أنّ الفسق مطلقا يكون مانعا عن قبول الرواية ، وإن كان من جهة ارتكاب سائر المحرّمات غير الكذب ، إذ المناط في وجوب القبول هو إطاعة أمر المولى والتجنّب عن متابعة الهوى.

(ومثل ما عن أبي الحسن عليه‌السلام ، فيما كتبه جوابا عن السؤال ، عمّن نعتمد عليه في الدين ، قال عليه‌السلام : (اعتمدا في دينكما على كل مسنّ في حبّنا كثير القدم في أمرنا)).

يجوز الاعتماد في امور الدين على من يكون محبّا لأهل البيت عليهم‌السلام ومجدّا في تعلّم أحكامهم عليهم‌السلام.

وفي رواية اخرى قال عليه‌السلام : (لا تأخذنّ معالم دينك من غير شيعتنا ، فإنّك إن تعدّيتهم) ، أي : تجاوزت عنهم ، و (أخذت دينك من الخائنين).

__________________

(١) رجال الكشّي ١ : ١٦ / ٧ ، وفيه : (فهمت ما ذكرتما فاصمدا في دينكما على مستنّ في حبّنا ، وكلّ كثير القدم في أمرنا) الوسائل ٢٧ : ١٥١ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١١ ، ح ٤٥.

(٢) رجال الكشّي ١ : ٧ / ٤. الوسائل ٢٧ : ١٥٠ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١١ ، ح ٤٢.

١١١

وظاهرهما وإن كان الفتوى ، إلّا أنّ الإنصاف شمولهما للرواية بعد التأمّل ، كما تقدّم في سابقتهما.

ومثل ما في كتاب الغيبة ، بسنده الصحيح إلى عبد الله الكوفيّ خادم الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح ، حيث سأله أصحابه عن كتب الشلمغانيّ ، فقال الشيخ : «أقول فيها ما قاله العسكريّ عليه‌السلام ، في كتب بني فضّال ، حيث قالوا له : ما نصنع بكتبهم وبيوتنا منها ملاء؟ قال : (خذوا ما رووا وذروا ما رأوا) (١).

____________________________________

(وظاهرهما وإن كان الفتوى) ، أي : تعيين المفتي ، إلّا أنّ الإنصاف هو شمولهما للأخبار أيضا.

بل يمكن أن يقال : إنّ ظاهر قول الإمام عليه‌السلام حيث قال عليه‌السلام : (لا تأخذنّ معالم دينك) هو النهي عن أخذ الروايات عن طريق غير الإمامية ، لا أخذ الفتوى ، إذ عدم أخذ الفتوى من غير الشيعة لا يحتاج إلى النهي ، إذ لا يأخذ أحد من عوامّ الشيعة فتوى غير علماء الشيعة.

ويدل على هذا شيوع عمل الأصحاب ، أي : أصحاب الأئمة عليهم‌السلام ومعاصريهم بالأخبار ، هذا مضافا إلى أنّ مقتضى التعليل في ذيل الحديث ، حيث علّل النهي عن أخذ روايات غير الشيعة بكونه من الخائنين ؛ هو أنّ المراد من النهي هو النهي عن أخذ الأخبار عن غير الشيعة لا الفتوى ، لأنّ المستفاد من التعليل هو أنّ غير الشيعة من الخائنين والكاذبين في نقل الأخبار.

وعلى هذا يكون قول المصنّف رحمه‌الله : (إلّا أنّ الإنصاف شمولهما للرواية بعد التأمل) في غير محلّه ، كما لا يخفى.

(ومثل ما في كتاب الغيبة).

وملخّص ما في كتاب الغيبة أنّه سئل الحسين بن روح عن كتب الشلمغانيّ الذي كان من الإمامية ، وله كتب وروايات ، ثمّ عدل إلى مذهب فاسد ؛ لأجل الحسد لمقام الحسين بن روح الذي كان من النوّاب.

فقال الحسين بن روح في جواب السؤال : أقول فيها ما قال العسكري عليه‌السلام في كتب بني

__________________

(١) الغيبة : ٢٤٠.

١١٢

فإنّه دلّ بمورده على جواز الأخذ بكتب بني فضّال ، وبعدم الفصل على كتب غيرهم من الثقات ورواياتهم ، ولهذا إنّ الشيخ الجليل المذكور الذي لا يظنّ به القول في الدين بغير السماع من الإمام عليه‌السلام قال : «أقول في كتب الشلمغانيّ ما قاله العسكريّ عليه‌السلام ، في كتب بني فضّال» ، مع أنّ هذا الكلام بظاهره قياس باطل.

ومثل ما ورد مستفيضا في المحاسن وغيره : (حديث واحد في حلال وحرام تأخذه من صادق خير لك من الدّنيا وما فيها من ذهب وفضّة) (١) وفي بعضها : (يأخذ صادق عن صادق) (٢).

ومثل ما في الوسائل عن الكشّي ، من أنّه ورد توقيع على القاسم بن العلي ، وفيه : (إنّه لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنّا ثقاتنا ، قد علموا أنّا نفاوضهم سرّنا ونحمله إليهم) (٣).

____________________________________

فضّال ، حيث قال عليه‌السلام ، في جواب السؤال عن كتب بني فضّال الذين كانوا ثقاتا غير إماميين :

(خذوا ما رووا وذروا ما رأوا) ، أي : خذوا رواياتهم واتركوا فتاويهم ، فجواب ابن روح يرجع إلى ما أجاب به الإمام عليه‌السلام ، فيجوز أخذ روايات الشلمغانيّ ، ويجب ترك فتاواه.

فقول الإمام عليه‌السلام يدل بحسب مورده على جواز الأخذ بكتب وروايات بني فضّال لكونهم ثقات ، ويدل بعدم الفصل على جواز الأخذ بروايات وكتب غيرهم من الثقات.

وكلام ابن روح بظاهره قياس ، إلّا أنّه في الحقيقة لا يحتمل في حقّه العمل بالقياس ، بل إنّه تمسّك بقول الإمام العسكري عليه‌السلام.

ثمّ إنّ ما بقي من هذه الطائفة من الأخبار الدالّة على حجّيّة خبر الواحد واضح لا يحتاج إلى البيان والتوضيح ، والعمدة هي أنّ هذه الروايات متواترة كما ادّعى المحقّق النائيني قدس‌سره تواترها ، فلا يرد على الاستدلال بها على حجّية خبر الواحد بأنّه مستلزم للمصادرة أو الدور.

__________________

(١) المحاسن ١ : ٣٥٨ / ٧٦٦. الوسائل ٢٧ : ٩٨ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٨ ، ح ٧٠.

(٢) الاختصاص «سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد» ١٢ : ٦١. البحار ٢ : ١٥٠ / ٢٦.

(٣) الوسائل ٢٧ : ١٥٠ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١١ ، ح ٤٠ ، باختلاف يسير. رجال الكشّي ٢ : ٨١٦ / ١٠٢٠.

١١٣

ومثل مرفوعة الكنانيّ عن الصادق عليه‌السلام ، في تفسير قوله تعالى : (مَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ)(١) ، قال : (هؤلاء قوم من شيعتنا ضعفاء ، وليس عندهم ما يتحمّلون به إلينا فيستمعون حديثنا ويفتشون من علمنا ، فيرحل قوم فوقهم وينفقون أموالهم ويتعبون أبدانهم ، حتى يدخلوا علينا ويسمعوا حديثنا فينقلون إليهم ، فيعيه أولئك ويضيّعه هؤلاء ، فأولئك الّذين يجعل الله لهم مخرجا ويرزقهم من حيث لا يحتسبون) (٢).

دلّ على جواز العمل بالخبر وإن نقله من يضيّعه ولا يعمل به.

ومنها : الأخبار الكثيرة التي يظهر من مجموعها جواز العمل بخبر الواحد وإن كان في دلالة كلّ واحد على ذلك نظر.

مثل النّبويّ المستفيض ، بل المتواتر : (إنّه من حفظ على أمّتي أربعين حديثا بعثه الله فقيها عالما يوم

القيامة) (٣).

قال شيخنا البهائيّ قدس‌سره ، في أوّل أربعينه : «إنّ دلالة هذا الخبر على حجّيّة خبر الواحد لا يقصر عن دلالة آية النّفر».

____________________________________

(ومنها : الأخبار الكثيرة التي يظهر من مجموعها جواز العمل بخبر الواحد).

والطائفة الرابعة : هي الأخبار الآمرة بحفظ الروايات وضبطها والاهتمام بشأنها على ألسنة مختلفة ، ويظهر من مجموعها جواز العمل بخبر الواحد.

(مثل النّبويّ المستفيض ، بل المتواتر : (إنّه من حفظ على امتي أربعين حديثا بعثه الله فقيها عالما يوم القيامة)).

وقد تقدّم هذا الحديث في ذيل آية النّفر ، وقلنا في تقريب الاستدلال به : إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد مدح حافظ الحديث ، وهذا المدح يكشف عن حجّيّة نقل الحديث ، إذ لا أثر للحفظ فقط لو لم يكن نقله حجّة.

وبعبارة اخرى : إنّ ترغيب الشارع على حفظ الحديث لا يكون إلّا من جهة كونه حجّة ،

__________________

(١) الطلاق : ٢ و ٣.

(٢) الكافي ٨ : ١٥٦ / ٢٠١ ، باختلاف يسير ، وفيه : (عن محمد الكناسي). الوسائل ٢٧ : ٩٠ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٨ ، ح ٤٥.

(٣) الخصال ٢ : ٥٤١ / ١٥ ، وثواب الأعمال : ١٦٢ / ١ ، باختلاف يسير فيهما.

١١٤

ومثل الأخبار الكثيرة الواردة في الترغيب في الرواية والحثّ عليها وإبلاغ ما في كتب الشيعة ، مثل ما ورد في شأن الكتب التي دفنوها لشدّة التقيّة ، فقال عليه‌السلام : (حدّثوا بها فإنّها حقّ) (١).

ومثل ما ورد في مذاكرة الحديث والأمر بكتابته ، مثل قوله للراوي : (اكتب وبثّ علمك في بني عمّك ، فانّه يأتي زمان هرج ، لا يأنسون إلّا بكتبهم) (٢) ، وما ورد في ترخيص النقل بالمعنى.

وما ورد مستفيضا ، بل متواترا ، من قولهم عليهم‌السلام : (اعرفوا منازل الرّجال منّا بقدر روايتهم عنّا) (٣).

وما ورد من قولهم عليهم‌السلام : (لكلّ رجل منّا من يكذب عليه) (٤).

____________________________________

فتشجيعه على الحفظ كاشف عن الحجّيّة.

نعم ، يرد عليه بأنّه يحتمل أن يكون ترغيب الشارع على الحفظ لأجل أن يصبح حفّاظ الحديث كثيرين ، بحيث يكون نقلهم متواترا ومفيدا للعلم ، فحينئذ لا يكون الحديث النبوي دليلا على حجّيّة خبر الواحد.

(ومثل الأخبار الكثيرة الواردة في الترغيب في الرواية).

هذه الأخبار تدل على تشجيع نقل الرواية ، وإبلاغ ما في كتب الشيعة ، ومثل ما ورد في مدح مذاكرة الحديث والأمر بكتابته ، وما ورد من أمر الإمام عليه‌السلام للراوي على كتابة الحديث ونشره ، ثمّ علّل ذلك بقوله : (فإنّه يأتي زمان هرج) لأنّه يأتي زمان تكون امور الناس في أيدي أهل الفتنة ، فأهل الدين لا يأنسون إلّا بكتبهم الدينية.

وما ورد في بيان مدح معرفة منزلة الرواة ، حيث قال الإمام عليه‌السلام : (اعرفوا منازل الرجال منّا بقدر روايتهم عنّا).

__________________

(١) الكافي ١ : ٥٣ / ١٥. الوسائل ٢٧ : ٨٤ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٨ ، ح ٢٧.

(٢) الكافي ١ : ٥٢ / ١١. الوسائل ٢٧ : ٨١ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٨ ، ح ١٨.

(٣) رجال الكشّي ١ : ٥ / ١.

(٤) المعتبر : ٦.

١١٥

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (ستكثر بعدي القالة) (١) ، (وإنّ من كذب عليّ فليتبوّأ مقعده من النّار) (٢).

وقول أبي عبد الله عليه‌السلام : (إنّا أهل بيت صدّيقون ، لا نخلو من كذّاب يكذب علينا) (٣).

وقوله عليه‌السلام : (إنّ الناس اولعوا الكذب علينا ، كأنّ الله افترض عليهم ولا يريد منهم غيره) (٤). وقوله عليه‌السلام : (لكلّ منّا من يكذب عليه).

فإنّ بناء المسلمين لو كان على الاقتصار على المتواترات لم يكثر القالة والكذّابة ، والاحتفاف بالقرينة القطعيّة في غاية القلّة. إلى غير ذلك من الأخبار التي يستفاد من مجموعها رضاء الأئمّة عليهم‌السلام بالعمل بالخبر وإن لم يفد القطع.

____________________________________

(وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (ستكثر بعدي القالة ، وإنّ من كذب عليّ فليتبوّأ مقعده من النار).

وقد أخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن كثرة الكاذبين والدسّاسين بعده ، أي : ستكثر القالة ، أي : الكاذبون الذين يسندون أكاذيبهم إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بعنوان الأخبار النبوية.

ووجه دلالة هذه الأخبار على المقام يظهر من قول المصنّف رحمه‌الله ، حيث قال : (فإنّ بناء المسلمين لو كان على الاقتصار على المتواترات لم تكثر القالة والكذّابة ... إلى آخره) ، إذ لو لم يكن خبر الواحد حجّة لكان جعل الأخبار الكاذبة من الكذّابين لغوا ، إذ لم يعمل بها أحد.

وقوله : (والاحتفاف بالقرينة القطعية في غاية القلّة) دفع لما يتوهّم من أنّ بناء المسلمين لم يكن على العمل بكل خبر وإن لم يكن مفيدا للعلم ، بل كانوا يعملون بالخبر المحفوف بالقرائن المفيدة للعلم ، والكذّابون كانوا يجعلون الأخبار الكاذبة برجاء صيرورتها عند المسلمين محفوفة بالقرائن أو مخلوطة معها ، فيعملون به.

فدفع المصنّف رحمه‌الله هذا التوهّم بما حاصله : إنّ احتفاف الخبر بالقرينة القطعية أمر نادر جدا ، فيكون اختراع الأخبار بهذا الرجاء لغوا.

ثمّ الاستدلال بهذه الطوائف الأربعة المتقدّمة لا يصح إلّا بعد ثبوت تواترها ، لتكون

__________________

(١) المعتبر : ٦.

(٢) الكافي ١ : ٦٢ / ١. الفقيه ٤ : ٢٦٤ / ٨٢٤.

(٣) رجال الكشّي ٢ : ٥٩٣ / ٥٤٩.

(٤) رجال الكشّي ١ : ٣٤٧ / ٢١٦.

١١٦

وقد ادّعى في الوسائل تواتر الأخبار بالعمل بخبر الثقة ، إلّا أنّ القدر المتيقّن منها هو خبر الثقة الذي يضعف فيه احتمال الكذب على وجه لا يعتني به العقلاء ، ويقبّحون التوقّف فيه لأجل ذلك الاحتمال ، كما دلّ عليه ألفاظ الثقة والمأمون والصادق وغيرها الواردة في الأخبار المتقدّمة ، وهي أيضا منصرف إطلاق غيرها.

وأمّا العدالة ، فأكثر الأخبار المتقدّمة خالية عنها ، بل في كثير منها التصريح بخلافه ، مثل

____________________________________

مقطوعة الصدور.

فنقول : لا شكّ في كون هذه الأخبار متواترة إجمالا ، وذلك أنّ التواتر على أقسام ثلاثة :

الأوّل : التواتر اللفظي ، وهو اتفاق جماعة بحيث يكون اتفاقهم على الكذب ممتنعا عادة على نقل خبر بلفظه.

والثاني : التواتر المعنوي ، وهو اتفاقهم على نقل مضمون واحد مع الاختلاف في الألفاظ ، سواء كانت دلالة الألفاظ على المضمون الواحد بالمطابقة أو بالتضمّن أو بالالتزام أو بالاختلاف ، كالأخبار الحاكية لحالات علي عليه‌السلام في الحروب ؛ فإنّها متفقة الدلالة على شجاعته عليه‌السلام مع اختلافها بحسب الألفاظ.

والثالث : التواتر الإجمالي ، وهو ورود عدّة من الأخبار التي يعلم بصدور بعضها مع عدم اشتمالها على مضمون واحد ، فهذه الطوائف متواترة إجمالا قطعا. ومقتضى تواترها الإجمالي هو الالتزام بحجّية الأخص منها باعتبار كونه القدر المتيقّن.

والمصنّف رحمه‌الله قد أشار إلى تواترها بقوله : (وقد ادّعى في الوسائل تواتر الأخبار بالعمل بخبر الثقة ...).

ثمّ أشار إلى القدر المتيقّن من هذه الأخبار بقوله : (إلّا أنّ القدر المتيقّن منها هو خبر الثقة الذي يضعف فيه احتمال الكذب على وجه لا يعتني به العقلاء).

والشاهد على أنّ القدر المتيقّن هو خبر الثقة ورود ألفاظ الثقة والمأمون والصّادق وغيرها في هذه الأخبار.

والشاهد الثاني : هو أنّ الثقة(أيضا منصرف إطلاق غيرها) ، أي : إنّ الأخبار التي ليس فيها هذه العناوين ـ أي : الثقة والمأمون والصادق ـ منصرفة إلى خبر الثقة.

(وأمّا العدالة فأكثر الأخبار المتقدّمة خالية عنها ، بل في كثير منها التصريح بخلافه) ، أي :

١١٧

رواية العدّة (١) الآمرة بالأخذ بما رووه عن علي عليه‌السلام ، والواردة في كتب بني فضّال (٢) ، ومرفوعة الكنانيّ (٣) ، وتاليها.

نعم ، في غير واحد منها حصر المعتمد في أخذ معالم الدين في الشيعة ، لكنّه محمول على غير الثقة أو على أخذ الفتوى ، جمعا بينها وبين ما هو أكثر منها ، وفي رواية بني فضّال شهادة على هذا الجمع ، مع أنّ التعليل للنهي في ذيل الرواية بأنّهم ممّن خانوا الله ورسوله يدلّ على انتفاء النهي عند انتفاء الخيانة المكشوف عنه بالوثاقة ، فإنّ غير الإمامي الثقة ، مثل : ابن فضّال ، وابن بكير ليسوا خائنين في نقل الرواية ، وسيأتي توضيحه عند ذكر الإجماع إن شاء الله.

____________________________________

التصريح بعدم اعتبار العدالة في الراوي ، مثل الروايات الدالّة على اعتبار كتب بني فضّال ، ومثل مرفوعة الكنانيّ على جواز العمل بأخبار من يضيّع الأخبار ، أي : لا يعمل بها نفس الراوي.

(وتاليها) ، أي : الرواية المذكورة في الكتاب الذي اخذ منه رواية الكنانيّ لا تاليها في الرسائل.

(نعم ، في غير واحد منها حصر المعتمد في أخذ معالم الدين في الشيعة ، لكنّه محمول على غير الثقة أو على أخذ الفتوى ، جمعا بينها وبين ما هو أكثر منها).

أي : ما دل على الرجوع إلى الشيعة في أخذ معالم الدين ، والمنع عن الرجوع إلى المخالف محمول على أحد أمرين :

الأوّل : على كون المخالف غير ثقة.

والثاني : على منع الرجوع إليه في باب التقليد ، وأخذ الفتوى منه ، لا في باب الرواية وأخذها منه ، جمعا بين الأخبار المانعة والأخبار المجوّزة التي هي أكثر منها.

(وفي رواية بني فضّال شهادة على هذا الجمع) بحمل الأخبار المانعة على غير الثقة ، أو على باب التقليد وأخذ الفتوى ، والمجوّزة على الثقة ، أو على باب الرواية ، هذا مع أنّ التعليل للنهي بالخيانة حيث قال الامام بأنّهم من الخائنين الذين خانوا الله ورسوله ، يدل على انتفاء النهي عند انتفاء الخيانة ، فيختص المنع بما إذا كان الراوي خائنا.

هذا تمام الكلام في الأخبار الدالّة على حجّية أخبار الآحاد.

__________________

(١) عدّة الأصول ١ : ٦١ ، الوسائل ٢٧ : ٩١ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٨ ، ح ٤٧.

(٢) الغيبة : ٢٤٠.

(٣) الكافي ٨ : ١٥٦ / ٢٠١. الوسائل ٢٧ : ٩٠ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٨ ، ح ٤٥.

١١٨

دليل الإجماع

وأمّا الإجماع فتقريره من وجوه :

أحدها : الإجماع على حجّية خبر الواحد في مقابل السيّد وأتباعه.

وطريق تحصيله أحد وجهين على سبيل منع الخلوّ :

أحدهما : تتبّع أقوال العلماء من زماننا إلى زمان الشيخين ، فيحصل من ذلك القطع بالاتّفاق الكاشف عن رضاء الإمام عليه‌السلام بالحكم ، أو عن وجود نصّ معتبر في المسألة.

ولا يعتنى بخلاف السيّد وأتباعه ، إمّا لكونهم معلومي النسب ، كما ذكر الشيخ في العدّة ،

____________________________________

(وأمّا الإجماع فتقريره من وجوه ...) وما ذكره المصنّف رحمه‌الله في تقرير الإجماع من الوجوه ينقسم إلى قسمين : قولي وعملي ، وأكثر الوجوه الآتية في كلامه إجماع عملي.

ثمّ القولي ينقسم إلى : محصّل ومنقول ، وقد أشار إليهما بقوله : (وطريق تحصيله أحد وجهين على سبيل منع الخلوّ) ، أي : يمكن تحصيله بكلا الوجهين :

الوجه الأوّل : هو الذي يرجع إلى إجماع محصّل باستقراء الفتاوى فردا فردا كما أشار إليه بقوله : (أحدهما : تتبّع أقوال العلماء من زماننا إلى زمان الشيخين) ، أي : الشيخ المفيد والشيخ الطوسي قدس‌سرهما.

فيحصل بذلك التتبّع العلم بالاتفاق الكاشف عن رضا الإمام عليه‌السلام بالحكم بحجّية خبر الواحد ، أو الكاشف عن وجود نصّ معتبر عند الكل في المسألة ، بحيث يحصل القطع باعتباره عند الشارع من دون أن يكون مبنيا على حجّية خبر الواحد ، حتى يقال : بأنّ ما يكون اعتباره مبنيا على حجّية خبر الواحد لا يمكن الاستدلال به على حجّية خبر الواحد ، كما لا يخفى.

(ولا يعتنى بخلاف السيد وأتباعه) لأحد وجوه :

الوجه الأوّل : ما أشار إليه بقوله : (أمّا لكونهم معلومي النسب) وتقدّم في بحث الإجماع : إنّ مخالفة من يكون معلوم النسب لا يضرّ في حجّية الإجماع الدخولي ، فلهذا خلاف السيد وأتباعه لا يضرّ في تحقّق الإجماع المبني على الدخول لكونهم معلومي النسب.

١١٩

وإمّا للاطّلاع على أنّ ذلك لشبهة حصلت لهم ، كما ذكره العلّامة في النهاية ، ويمكن أن يستفاد من العدّة أيضا. وإمّا لعدم اعتبار اتّفاق الكلّ في الإجماع على طريق المتأخرين المبنيّ على الحدس.

والثاني : تتّبع الاجماعات المنقولة في ذلك :

فمنها : ما حكي عن الشيخ قدس‌سره ، في العدّة في هذا المقام ، حيث قال : «وأمّا ما اخترته من المذهب فهو أنّ خبر الواحد إذا كان واردا من طريق أصحابنا القائلين بالإمامة ـ وكان ذلك مرويّا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو عن أحد الأئمّة عليهم‌السلام ، وكان ممّن لا يطعن في روايته ويكون سديدا في

____________________________________

الوجه الثاني : ما أشار إليه بقوله : (وأمّا للاطّلاع على أن ذلك لشبهة حصلت لهم ...) ، أي : أنّ دعوى السيد وأتباعه للإجماع على عدم حجّيّة خبر الواحد كانت لأجل الشبهة ، وهي أنّ الإمامية يبحثون مع العامة في بعض المسائل ، فإذا لم يتمكّنوا من ردّ استدلال العامة بالأخبار النبوية بالتصريح على كذبها وعدم صحتها ، اضطروا على القول بأنّ خبر الواحد عندنا ليس بحجّة.

فزعم السيد وأتباعه على أنّ ذلك مذهبهم ، فادّعوا الإجماع على عدم حجّية خبر الواحد ، ومن المعلوم أنّ المخالف إذا علم فساد مدركه كان قوله مردودا ، فلا يضر على الإجماع أصلا.

والوجه الثالث : ما أشار إليه بقوله : (وأمّا لعدم اعتبار اتفاق الكلّ في الإجماع على طريق المتأخرين المبني على الحدس ...) لم يكن اتفاق الكل معتبرا في الإجماع الحدسي ؛ لأنّ المناط فيه هو الحدس بقول الإمام عليه‌السلام ، من الاتفاق والحدس بموافقة الإمام عليه‌السلام مع المجمعين يحصل ، ويتحقّق باتفاق من عدا السيد وأتباعه.

هذا تمام الكلام في القسم الأوّل من الإجماع القولي.

(والثاني تتبّع الإجماعات المنقولة) والاستدلال بالإجماعات المنقولة يتوقف على تواترها أو اقترانها بالقرينة الموجبة للصدق بصدقها ، كما لا يخفى.

(فمنها : ما حكي عن الشيخ قدس‌سره في العدّة في هذا المقام ، حيث قال : وأمّا ما اخترته من المذهب هو أنّ خبر الواحد إذا كان واردا من طريق أصحابنا القائلين بالإمامة).

وملخّص ما أفاده الشيخ رحمه‌الله في المقام : هو حجّية خبر الواحد إذا كان مرويا عن

١٢٠