موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٣

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٢٠

البراء فيقال : لم يقم من مكانه حتى مات. وقيل : لم يقم من مكانه حتى صار لونه كالطّيلسان (١) ولم يمت ، ولكنّه لا يتحوّل من مكانه إلّا أن يحوّل (٢).

واحتجم رسول الله من ذلك على كاهله ، أو كتفه اليسرى ، بالقرن والشفرة ، حجمه أبو هند. وأمر أصحابه (الثلاثة) فاحتجموا من أكلهم من الشاة أوساط رءوسهم. ودعا رسول الله بزينب فقال لها : سممت الذراع؟ ـ فقالت : من أخبرك؟ قال : الذراع! ـ قالت : نعم! فقال : وما حملك على ذلك؟ قالت : قتلت أبي وعمي وزوجي ، ونلت من قومي ما نلت ، فقلت : إن كان نبيّا فستخبره الشاة ما صنعت ، وإن كان ملكا استرحنا منه! فقيل : عفا عنها رسول الله. وقيل : أمر بها فقتلت ثم صلبت (٣)!.

__________________

(١) الطّيلسان فارسيّ معرّب أصله تالشان ، وهو من لباس العجم ثوب يحيط بالبدن ينسج للّبس خال عن التفصيل والخياطة ، أبيض. مجمع البحرين.

(٢) وماطله وجعه سنة ثم مات منه ، أي قبل رسول الله بسنتين ، في أواخر الثامنة للهجرة.

(٣) مغازي الواقدي ٢ : ٦٧٨. وروى الخبر ابن اسحاق في السيرة لابن هشام ٣ : ٣٥٢ اخصر من هذا ، وقال : مات بشر ، وتجاوز عنها رسول الله. وعنه الطبرسي في مجمع البيان ٩ : ١٨١ ـ ١٨٤ وعنه في البحار ٢١ : ٦ ، ٧. وروى الصدوق في الخصال ١ : ٢٧٩ بسنده عن الإمام الكاظم عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام فيما أجاب به أمير المؤمنين عليه‌السلام حبرا يهوديا من يهود الشام ، وقال : أنّه أخرجه بتمامه في آخر الجزء الرابع من كتاب النبوة ، وأخرجه الطبرسي في الاحتجاج ١ : ٣١٤ ـ ٣٢٥ : أنّه عليه‌السلام قال له : لما نزل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله بخيبر سمّته الخيبريّة فصيّر الله السمّ في جوفه بردا وسلاما إلى منتهى أجله. وروى الكليني في الكافي ٦ : ٣١٥ عن الصادق عليه‌السلام قال : سمّت اليهودية النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في ذراع ، وكان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يحبّ الذراع والكتف ، ويكره الورك لقربها من المبال.

٦١

زواج النبيّ بصفيّة :

مرّ في الخبر عن الواقدي : أنّ أربع عشرة امرأة من نساء الأنصار خرجن يوم احد بعد القتال ، جئن يحملن الطعام والشراب على ظهورهنّ ويسقين الجرحى ويداوينهم ، منهن أمّ سليم بنت ملحان (١).

ومرّ في الخبر عنه أيضا أنها خرجت مع عشرين امرأة مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى خيبر (٢). وفيه أيضا أن أنس بن مالك يقول : إنّ أمّ سليم بنت ملحان امّي (٣).

وهنا روى الواقدي عن أنس قال : انصرف من خيبر ومعه [امّه] أمّ سليم (٤) بنت ملحان ، ورسول الله يريد وادي القرى (٥).

وقد مرّ في الخبر عن الواقدي أيضا بسنده عن صفية نفسها : أنّها لما سبيت في النّزار قبل الكتيبة ، أرسلها إلى رحله ، ولما أمسى دعاها وقال لها : إن أقمت على دينك لم أكرهك ، وإن اخترت الله ورسوله فهو خير لك؟ فقالت : أختار الله ورسوله ، وأسلمت ، فتزوّجها وأعتقها وجعل عتقها مهرها. وأمر بستر فسترت به ، فعرف أنه تزوّجها (٦).

وهنا قال أنس بن مالك : لما بلغ ثبارا ـ على ستة أميال من خيبر إلى وادي القرى ـ أعلمها أنه يريد أن يعرّس بها هناك ، فأبت عليه ، فلم يكرهها ، وتركها.

__________________

(١) مغازي الواقدي ١ : ٢٤٩.

(٢) مغازي الواقدي ٢ : ٦٨٥.

(٣) مغازي الواقدي ٢ : ٩٠٣ وكذلك في السيرة لابن هشام عن ابن اسحاق ٣ : ٣٥٤.

(٤) اثبتنا الصواب ، وفي المطبوع خطأ : أمّ سلمة بنت ملحان.

(٥) مغازي الواقدي ٢ : ٧٠٧.

(٦) مغازي الواقدي ٢ : ٦٧٤ ، ٦٧٥.

٦٢

وسار حتى بلغ الصّهباء على اثني عشر ميلا ، فمال إلى دومة هناك. وأراد أن يعرّس بها هناك ، فطاوعته.

قال أنس : فقال رسول الله [لامّي] أمّ سليم انظري صاحبتك هذه ، فامشطيها ، قال أنس : ولم يكن معنا سرادقات ولا فساطيط ، فأخذت [امّي] أمّ سليم كساءين وعباءتين فشدتها إلى شجرة فتستّرت بها. وجاءت بصفية فأدخلتها الستر ، ومشّطتها وعطّرتها (١).

وأولم رسول الله يومئذ لها بالتمر والسّويق والحيس (٢) على بسط الأديم. وادخلت عليه مساء تلك الليلة. فقال لها رسول الله : ما حملك على ما صنعت حين أردت أن أنزل [بك] بثبار؟ فقالت : يا رسول الله ، خفت عليك قرب اليهود ، فلما بعدت أمنت. وعلم النبيّ أنها قد صدقته فزادها ذلك خيرا عند النبيّ (٣).

قال ابن اسحاق : وبات أبو أيّوب خالد بن زيد الأنصاري من بني النجّار ، متوشّحا سيفه يطيف بالقبة يحرس رسول الله حتى أصبح ، فلما أصبح رسول الله ورأى مكانه قال له : مالك يا أبا أيوب؟ فقال : يا رسول الله ، خفت عليك من هذه المرأة ، وكانت امرأة قد قتلت أباها وزوجها وقومها ، وكانت حديثة عهد بالكفر ، فخفتها عليك! فزعموا أنّ رسول الله قال : اللهم احفظ أبا أيوب كما بات يحفظني (٤).

__________________

(١) وفي ابن هشام ٣ : ٣٥٤ : لما أعرس رسول الله بصفية ، أصلحت من أمرها ومشّطتها وجمّلتها لرسول الله أمّ سليم أمّ أنس بن مالك.

(٢) الحيس : خليط الأقط والسمن بالتمر ، كما في النهاية ١ : ٢٧٤.

(٣) مغازي الواقدي ٢ : ٧٠٧ ، ٧٠٨.

(٤) وفي مغازي الواقدي : قالوا : وبات أبو أيوب الأنصاري قريبا من قبّته ، آخذا بقائم

٦٣

خبر ردّ الشمس لعليّ عليه‌السلام :

رجعت أسماء بنت عميس الخثعمية المهاجرة إلى الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب ، فقدموا على رسول الله بخيبر بعيد فتحه.

وفي منصرف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من فتح خيبر ، وفي منزل الصّهباء هذا ، روت أسماء بنت عميس : أنّ النبيّ بعد صلاة العصر استلقى ورأسه في حجر علي عليه‌السلام ـ وهو لم يصل العصر ـ فاعترف النبيّ حالة الوحي ، فلم يوقظه علي عليه‌السلام ولم يضع راسه من حجره ليصلي العصر حتى غربت الشمس ، واستيقظ النبيّ ، وكان يعلم أنّ عليا عليه‌السلام لم يكن يصلي العصر ، فقال له : أصليت يا علي؟ قال : لا. فجعل النبيّ يدعو : اللهم إنّه (عليّ) كان في طاعتك وطاعة رسولك ، فاردد عليه الشمس! قالت أسماء : فرأيتها طلعت بعد ما غربت حتى وقعت على الجبل والأرض حتى أدّى عليّ عليه‌السلام صلاته فغربت (١). فقال حسّان بن ثابت في ذلك :

إن عليّ بن أبي طالب

ردّت له الشمس من المغرب (٢)

__________________

ـ السيف حتى أصبح ، فلما خرج رسول الله بكرة ، كبّر أبو أيوب ، فقال رسول الله : ما لك يا أبا أيوب؟ قال : يا رسول الله ، دخلت بهذه الجارية وكنت قد قتلت أباها وإخوتها وعمومتها وزوجها وعامّة عشيرتها ، فخفت أن تغتالك! فضحك رسول الله وقال له معروفا ٢ : ٧٠٨. هذا ، وأضاف الحلبي سعد بن أبي وقاص في حراسته تلك الليلة ١ : ١٦٣.

(١) انظر تسعة من المحدثين الذين أفردوا لهذا الحديث رسائل خاصة ، في مقدمة الدكتور الشيخ محمد هادي الأميني المحقق لكتاب فتح الملك العلي : ١٦ ـ ١٩ الحيدرية النجف الأشرف. وفي الكافي ٤ : ٥٦١ ح ٧ عن الصادق عليه‌السلام عن أسماء عن علي عليه‌السلام ، ورواه في الفقيه ١ : ١٣٠ ح ١١ وانظر مصادره في فضائل الخمسة ٥ : ١١٢ ـ ١١٩ وإحقاق الحق ٥ : ٥٢٢ ـ ٥٣٦ و ١٦ : ٣١٥ ـ ٥٣١ ، وكتاب : ردّ الشمس للطريحي.

(٢) الخرائج والجرائح ٢ : ٤٩٩ ح ١٣ وانظر مصادر الخبر فيه إلى صفحة : ٥٠٣.

٦٤

خبر فتح خيبر في مكة :

قال الواقدي : كان للحجّاج بن علاط البهزيّ السلمي معادن الذهب بأرض بني سليم ، فكان له مال كثير ، وكان قد تزوّج بامّ شيبة بنت عمير بن هاشم العبدي اخت مصعب بن عمير بن هاشم ، وله عندها مال (ومال متفرّق في تجّار أهل مكة (١)) ومع ذلك كانت له غارات وقد خرج لذلك ، فذكر له أن رسول الله بخيبر [وفي خيبر الخير الكثير] فحضر إلى خيبر ، وأسلم (٢) [وسلم وغنم].

ولما فتحت خيبر كلّم رسول الله فقال : يا رسول الله ، إنّ لي بمكة مالا عند صاحبتي أمّ شيبة بنت أبي طلحة ... ومال متفرّق في تجار أهل مكة ، فأذن لي يا رسول الله (٣) حتى أذهب فآخذ مالي عند امرأتي ، فإن علمت بإسلامي لم آخذ منه شيئا. فأذن له. فقال : ولا بدّ لي يا رسول الله من أن أقول؟! فأذن له رسول الله أن يقول ما شاء (٤).

__________________

ـ وقد مرّ في الخبر : أن ذلك كان في منزل الصهباء. ونقل عبد الرحمن خويلد في كتابه المساجد والأماكن الأثرية المجهولة ، عن كتاب آداب الحرمين : ١٤٧ أن حادثة ردّ الشمس بعد غروبها لعليّ كرّم الله وجهه ليدرك صلاة العصر ، وقعت في موضع مسجد الفضيخ ، ثم قال : وهذا صحيح ؛ لأنّه مرويّ عن غير واحد من قدماء العلماء ، ذكرهم الطريحي في كتابه ردّ الشمس : ٩٤. وعن محل مسجد الفضيخ قال : يقع في جنوب مشربة أم إبراهيم في الشارع الموصل بين شارع العوالي وخط الحزام العام باتجاه مستشفى المدينة الوطني ، في الشارع الفرعي الأيمن قبل صالة (مرحبا) للأفراح بنصف كيلومتر تقريبا. كما في مجلة ميقات الحج ٧ : ٢٧٥.

(١) ستأتي الفقرة عن ابن اسحاق.

(٢) مغازي الواقدي ٢ : ٧٠١.

(٣) سيرة ابن هشام ٣ : ٣٥٩.

(٤) مغازي الواقدي ٢ : ٧٠١.

٦٥

قال الحجّاج : فخرجت ، حتى إذا قدمت مكة ، وجدت في ثنيّة البيضاء (١) رجالا من قريش .. قد بلغهم أن رسول الله قد سار إلى خيبر ، وقد عرفوا أنها قرية الحجاز ريفا ومنعة ورجالا ، فكانوا يسألون الركبان يتسمّعون الأخبار ويتحسسونها. ولم يكونوا علموا بإسلامي ، فلما رأوني قالوا : الحجّاج بن علاط ، عنده والله الخبر .. يا ابا محمد ، إنّه بلغنا أن القاطع (٢) قد سار إلى خيبر ، وهي بلد يهود وريف الحجاز ، فأخبرنا! فقلت : قد بلغني ذلك ، وعندي من الخبر ما يسرّكم! فالتبطوا (٣) بجنبي ناقتي يقولون : ايه يا حجّاج! فقلت : هزم هزيمة لم تسمعوا بمثلها قط ، وقتل أصحابه قتلا لم تسمعوا بمثله قط ، واسر محمد أسرا وقالوا : لا نقتله حتى نبعث به إلى أهل مكة فيقتلوه بين أظهرهم بمن كان أصاب من رجالهم! (٤). وقلت : لم يلق محمد وأصحابه قوما يحسنون القتال مثل أهل خيبر ، قد ساروا في العرب حتى جمعوا عشرة آلاف ، فهزم هزيمة لم يسمع قط بمثلها .. ولهذا فإنهم يرجعون إليكم يطلبون الأمان في عشائرهم ويرجعون إلى ما كانوا عليه ، فلا تقبلوا منهم وقد صنعوا بكم ما صنعوا! (٥). وقلت : أعينوني على جمع مالي بمكة ، وعلى غرمائي ، فانّي اريد أن أرجع إلى خيبر فاصيب من فلّ محمد وأصحابه قبل أن يسبقني التجار إلى ما هنالك! فقاموا ، وصاحوا بمكة : قد جاءكم الخبر : هذا محمد انما تنتظرون أن يقدم به عليكم فيقتل بين أظهركم! وجمعوا مالي كأحثّ جمع سمعت به.

__________________

(١) ثنيّة البيضاء هي ثنيّة التنعيم ـ كما في معجم البلدان ـ والتنعيم اوّل الحرم بمكة.

(٢) أي القاطع للرحم ، كانوا يطلقون ذلك على رسول الله!

(٣) التبطوا : أي أطافوا بجانبي ناقتي مزدحمين ولذلك كانوا يتعثرون في مشيهم حولي.

(٤) سيرة ابن هشام ٣ : ٣٦٠.

(٥) مغازي الواقدي ٢ : ٧٠٣.

٦٦

وسمع العباس بن عبد المطلب الخبر عنّي .. وكنت في خيمة من خيام التجّار (١) في جمع مالي ، إذ أقبل العباس حتى وقف إلى جنبي فقال : يا حجاج ، ما هذا الخبر الذي جئت به؟! قلت له : أنا في جمع مالي كما ترى ، فانصرف عنّي حتى أفرغ ، واستأخر عنّي حتى ألقاك في خلأ.

فلمّا فرغت من جمع كل شيء كان لي بمكة .. لقيت العباس فقلت : يا أبا الفضل ، احفظ عليّ حديثي ثلاثا ثم قل ما شئت! فانّي أخشى الطلب. فقال : أفعل فقلت : فانّي والله لقد تركت ابن أخيك عروسا على بنت ملكهم (يعني صفيّة بنت حييّ (٢)) ولقد افتتح خيبر وانتفل ما فيها وصارت له ولأصحابه .. ولقد أسلمت ، وما جئت إلّا لآخذ مالي فرقا من أن اغلب عليه ، فإذا مضت ثلاث فأظهر أمرك ، فهو والله على ما تحب!

فلما كان اليوم الثالث لبس العباس حلّة وتطيّب بالخلوق وأخذ عصاه وخرج حتى أتى الكعبة فطاف بها. فلما رآه المشركون قالوا : يا أبا الفضل ، هذا والله التجلّد لحرّ المصيبة! فقال : كلّا والله الذي حلفتم به ، لقد افتتح محمد خيبر وترك عروسا على بنت ملكهم ، وأحرز أموالهم وما فيها فأصبحت له ولأصحابه! فقالوا : من جاءك بهذا الخبر؟! قال : هو الذي جاءكم ، ولقد دخل عليكم مسلما فأخذ ماله وانطلق ليلحق بمحمد وأصحابه فيكون معه (٣) فابعثوا إلى أهله! فبعثوا ، فسألوا عن ذلك كله ، فوجدوا الحجاج قد انطلق بماله واستكتم أهله .. ولم تلبث قريش خمسة أيام حتى جاءهم الخبر بذلك. فكبت المشركون وفرح بذلك المسلمون (٤).

__________________

(١) فكثير من مساكن مكة خيام وليست بناء.

(٢) وهذا هو السبب السياسي في زواج النبي بها.

(٣) سيرة ابن هشام ٣ : ٣٦٠ ، ٣٦١.

(٤) مغازي الواقدي ٢ : ٧٠٥. وألفاظه أقرب إلى إسلام العباس يومئذ والتزلّف بذلك إلى

٦٧

يهود وادي القرى وتيماء :

قال الواقدي : ومن منزل الصهباء سلك على برمة (١) إلى وادي القرى يريد من بها من اليهود (٢).

وروى ابن اسحاق بسنده عن أبي هريرة قال : نزلنا بوادي القرى أصيلا مع مغرب الشمس. وكان رفاعة بن زيد الجذامي قد أهدى غلاما له إلى رسول الله ، فو الله انّه ليضع رحل رسول الله ، إذ أتاه سهم غرب (٣) فأصابه فقتله. فقلنا : هنيئا له الجنة! فقال رسول الله : كلا والذي نفس محمد بيده! إن شملته (٤) الآن لتحترق عليه في النار ، كان غلّها من فيء المسلمين يوم خيبر! فسمعها رجل من أصحاب رسول الله ، فأتاه فقال : يا رسول الله أصبت شراكين لنعلين لي؟ فقال : يقدّ لك مثلهما من النار (٥).

وروى الواقدي الخبر عن أبي هريرة أيضا قال : انتهينا إلى اليهود بوادي القرى وقد ضوى إليها اناس من العرب .. ولم نكن على تعبئة ، وهم يضجّون في

__________________

ـ بنيه الخلفاء ، يظهر ذلك بالقياس والمقارنة ، فراجع وقارن وكلاهما لم يذكرا للخبر سندا خاصا ، وإنمّا أسنده الكازروني في المنتقى في مولد المصطفى عن أنس بن مالك ، وعنه المجلسي في بحار الأنوار ٢١ : ٣٤ ، ٣٥. وهو أقرب إلى ما في مغازي الواقدي ، وليس هو به.

(١) برمة : بين خيبر ووادي القرى قرب بلاكث ، من نواحي المدينة به عيون ونخل. كما في وفاء الوفاء ٢ : ٢٦٠.

(٢) مغازي الواقدي ٢ : ٧٠٩.

(٣) أي لا يعلم من رماه.

(٤) الشملة : كساء غليظ يلتحف به.

(٥) سيرة ابن هشام ٣ : ٣٥٣ ، ٣٥٤.

٦٨

آطامهم (١) فاستقبلونا بالرمي حيث نزلنا .. فأقبل سهم عائر (٢) فأصاب مدعم (الغلام) فقتله (٣).

وعبّأ رسول الله أصحابه للقتال وصفّهم ، ودفع لواءه إلى سعد بن عبادة ، وراية إلى الحباب بن المنذر ، وراية إلى سهل بن حنيف ، وراية إلى عبّاد بن بشر. ثم دعاهم رسول الله إلى الإسلام وأخبرهم إن أسلموا حقنوا دماءهم وأحرزوا أموالهم وحسابهم على الله. فبرز رجل منهم ، وبرز إليه الزبير بن العوّام فقتله ، وبرز إليه آخر فقتله أيضا. ثم برز آخر فبرز له أبو دجانة فقتله ، ثم برز إليه آخر فقتله. ثم برز آخر فبرز له علي عليه‌السلام فقتله. حتى قتل منهم أحد عشر رجلا.

وحضرت الصلاة فصلى رسول الله بأصحابه ثم عاد فدعاهم إلى الله ورسوله ، ثم قاتلهم حتى أمسى. وغدا عليهم ، فلم ترتفع الشمس قيد رمح حتى أعطوا بأيديهم ، فكان الفتح عنوة ، فغنّمه الله أموالهم وأصابوا أثاثا ومتاعا كثيرا ، أقام رسول الله بوادي القرى أربعة أيام ، فقسم ما أصاب على أصحابه بوادي القرى.

وعامل اليهود على الأرض والنخل بأيديهم (٤) كما عامل يهود خيبر (٥). فلما بلغ ذلك يهود تيماء (٦) ، بعثوا فصالحوا رسول الله على الجزية عما في أيديهم من أموالهم (٧).

__________________

(١) قباب اليهود المبنية.

(٢) سهم عائر : لا يعرف راميه.

(٣) مغازي الواقدي ٢ : ٧١٠.

(٤) مغازي الواقدي ٢ : ٧١٠ ، ٧١١.

(٥) الكامل في التاريخ ٢ : ١٥٠.

(٦) تيماء : على ثمان مراحل من المدينة إلى جهة الشام.

(٧) مغازي الواقدي ٢ : ٧١١.

٦٩

فوات الصلاة؟! :

وبعد أن فرغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أمر خيبر ووادي القرى انصرف راجعا إلى المدينة .. وسرى ليلته حتى إذا كان قبيل الصبح بقليل نزل (١).

فروى الشهيد في «الذكرى» في الصحيح عن الباقر عليه‌السلام : أن رسول الله قال : من يكلؤنا (٢)؟ فقال بلال : أنا ، فناموا ، ونام بلال ، حتى طلعت الشمس. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا بلال ، ما أرقدك؟ فقال : يا رسول الله أخذ بنفسي الذي أخذ بأنفاسكم! فقال رسول الله : قوموا فتحوّلوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة.

(ثم) قال : يا بلال ، أذّن. فأذّن ، فصلى رسول الله ركعتي الفجر ، وأمر أصحابه فصلّوا ركعتي الفجر. ثم قام فصلى بهم الصبح. ثم قال : من نسي شيئا من الصلاة فليصلّها إذا ذكرها ، فإنّ الله عزوجل يقول : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي)(٣).

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٧١١.

(٢) أي يحرسنا؟ وفي أمثل نقل مشابه لهذا عن شرح السنة عن سعيد بن المسيب أن رسول الله حين قفل من خيبر ، أسرى حتى إذا كان من آخر الليل عرس وقال لبلال : أكلأ لنا الصبح .. كما عنه في بحار الأنوار ١٧ : ١٢٠ وفي ٢١ : ٤٢ مثله عن الكازروني عن أبي هريرة. ورواه ابن اسحاق في السيرة عن الزهريّ عن ابن المسيّب : من يحفظ لنا الفجر ٣ : ٣٥٥ وكأنه نقله بالمعنى. ونقله الواقدي : ألا رجل صالح حافظ لعينه يحفظ لنا صلاة الصبح؟ ٢ : ٧١١.

(٣) سورة طه : ١٤. ثم قال الشهيد رحمه‌الله : ولم أقف على رادّ لهذا الخبر من حيث توهّم القدح في العصمة. وقد روى العامة عن أبي قتادة وجماعة من الصحابة : أنّ النبيّ أمر بلالا فأذّن فصلى ركعتي الفجر ثم أمره فأقام فصلى صلاة الفجر.

وقال شيخنا البهائي قدس‌سره بعد نقل هذا الخبر وخبر ابن سنان : وربما يظنّ تطرّق الضعف إليهما لتضمّنهما لما يوهم القدح في العصمة ، ونقل قول الشهيد في الذكرى ثم قال :

٧٠

وروى الطوسي بسنده عن الصادق صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إنّ رسول الله رقد فغلبته عيناه فلم يستيقظ حتى آذاه حرّ الشمس فاستيقظ .. وقال : يا بلال ، مالك؟! فقال بلال : أرقدني الذي أرقدك يا رسول الله (١).

وروى الكليني بسنده عنه عليه‌السلام أيضا قال : نام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن صلاة الصبح ، والله ـ عزوجل ـ أنامه حتى طلعت الشمس عليه (٢).

وروى الصدوق بسنده عنه عليه‌السلام أيضا قال : أنام الله رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس ثم قام ، فبدأ فصلّى الركعتين اللتين قبل الفجر ، ثم صلى الفجر (٣).

__________________

ـ وهو يعطي تجويز الأصحاب صدور ذلك وأمثاله عن المعصوم ، وللنظر فيه مجال واسع. بحار الأنوار ١٧ : ١٠٧ ، ١٠٨ ويبدو أن مقصوده من خبر ابن سنان ما رواه الصفّار في بصائر الدرجات : ١٣٤ بسنده عن محمد بن سنان عن المفضل عن الصادق عليه‌السلام قال : يا مفضل ، إن الله تبارك وتعالى جعل للنبيّ خمسة أرواح : روح الحياة فبه دبّ ودرج ، وروح القوة فبه نهض وجاهد. وروح الشهوة فبه أكل وشرب وأتى النساء من الحلال. وروح الإيمان فبه أمر وعدل. وروح القدس فبه حمل النبوة .. وروح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يسهو ، والأرواح الأربعة تنام وتلهو وتغفل وتسهو. كما في بحار الأنوار ١٧ : ١٠٦.

(١) الاستبصار ١ : ٢٨٦ ، الباب ١٥٦ ، الحديث ١ والتهذيب ٢ : ٢٦٥ ، الباب ١٣ ، الحديث ٩٥.

(٢) فروع الكافي ٣ : ٢٩٤ ، الباب ، ١٢ ، الحديث ٩ وتمامه : وكان ذلك رحمة من ربك للناس ، ألا ترى لو أن رجلا نام حتى تطلع الشمس لعيّره الناس وقالوا : لا تفزع لصلاتك! فصارت اسوة وسنة ، فإن قال رجل لرجل : نمت عن الصلاة ، قال : قد نام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فصارت اسوة ورحمة رحم الله بها هذه الامّة.

(٣) كتاب من لا يحضره الفقيه ١ : ٣٥٨ ، ٣٥٩ ، الحديث ١٠٣١ وتمامه : وإنّما فعل ذلك به رحمة لهذه الامّة لئلا يعيّر الرجل المسلم إذا هو نام عن صلاته .. فيقال : قد أصاب

٧١

وانتهى إلى المدينة :

ولما نظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى جبل احد من بعد قال : احد جبل يحبّنا ونحبّه ، اللهم إنّي احرّم ما بين لابتي المدينة. وانتهى (بعد صلاة العشاء) إلى الجرف قرب المدينة فقال لمن معه : لا تطرقوا النساء بعد صلاة العشاء.

فروى الواقدي بسنده عن أمّ عمارة : أنّ رجلا من أهل الحيّ عصى رسول الله وذهب فطرق أهله فوجد ما يكره .. وكان يحبّ زوجته ، وله منها أولاد ، فضنّ بها أن يفارقها (١).

ومن أخبار الصفّة :

لم نعثر على أخبار الصفّة في المسجد النبويّ الشريف بالمدينة قبل هذا ، وهنا أول ما نعثر على ذلك. وهي : موقع مظلّ في مؤخرة المسجد شمالا ، كما محلّها اليوم عند باب جبرئيل.

روى الكليني في «فروع الكافي» بسنده عن أبي حمزة الثمالي عن الإمام الباقر عليه‌السلام قال : إن جويبر كان رجلا من أهل اليمامة قصيرا دميما محتاجا عاريا من قباح السودان! أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله منتجعا للإسلام ، فأسلم وحسن اسلامه ،

__________________

ـ ذلك رسول الله ، وللشيخ الصدوق تعليق بتحقيق مفاد هذا الخبر وتصحيحه ، فراجعه.

ونذكّر بأن فوات صلاة العصر من علي عليه‌السلام لرقدة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في حجره ، واستجابة دعاء النبي بردّ الشمس لأداء صلاة علي عليه‌السلام ، كانت في منزل الصهباء قبل هذا ، فلعلّ الله أراد بهذا الحادث هنا أن يقول للملإ : إنّ تلك التي حصلت لعلي عليه‌السلام إنّما هي قضية في واقعة ، ويمكن أن تفوت الصلاة بغير معصية من الوصي بل وحتى من النبي ، ولا يتوقع أحد ردّ الشمس لأداء صلاته بل يقضيها.

(١) مغازي الواقدي ٢ : ١١٣. ضنّ : شحّ وبخل ، وعزّ وثقل عليه ذلك.

٧٢

فكساه رسول الله شطّتين وأمره أن يلزم المسجد ويرقد فيه بالليل لحال غربته وعراه ، وكان يجري عليه طعاما صاعا من تمر. ثم كثر من دخل في الإسلام من أهل الحاجة من الغرباء بالمدينة حتى ضاق بهم المسجد ، فأوحى الله إلى نبيّه : أن طهّر مسجدك وأخرج من المسجد من يرقد فيه بالليل (١) فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يتخذ للمسلمين سقيفة ـ هي الصفّة ـ فعملت لهم ، فأمر الغرباء والمساكين أن يظلوا فيها ليلهم ونهارهم ، فاجتمعوا فيها. وكان رسول الله يتعاهدهم بالبر والشعير والتمر والزبيب إذا كان عنده ، ويتعاهدهم المسلمون ويرقون عليهم لرقة رسول الله بهم ويصرفون صدقاتهم إليهم (٢).

ومناسبة ذكرها هنا نزول أبي هريرة وقومه من دوس من أزد اليمن وهم ثمانون رجلا ومعهم الأشعريون الخمسون الذين أسهم لهم النبيّ في غنائم خيبر والفضل في وصف الصفّة يعود بالعمدة إلى أبي هريرة منهم وإن كانوا غير قليل ، فعنه قال : رأيت سبعين من أصحاب الصفّة وما منهم رجل عليه رداء ، وإنّما عليه إمّا إزار ، وإمّا كساء ربطوه في أعناقهم ، فمنها ما يبلغ الكعبين ، ومنها ما يبلغ نصف الساقين فيجمعه بيده لئلّا ترى عورته (٣) وكنا إذا أمسينا حضرنا رسول الله فيأمر كل رجل لينصرف برجل منّا أو أكثر (٤)! ومع ذلك قال : إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع ، وأشدّ الحجر على بطني من الجوع. ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه من المسجد فمرّ أبو بكر ، فسألته عن آية من كتاب الله ،

__________________

(١) وهنا في الخبر : ومر بسدّ الأبواب ... بينما في العديد من أخبار سدّ الأبواب حضور العباس واعتراضه ، وهو انما حضر لحرب تبوك في التاسعة لا قبلها ، فأجّلناه الى هناك.

(٢) فروع الكافي ٥ : ٣٣٩ ، الباب ٢١ الحديث ١ وفيه تمام خبر عرس جويبر.

(٣) صحيح البخاري ١١ : ٤١٦.

(٤) صحيح البخاري ١١ : ٢٣٨.

٧٣

وما سألته إلّا ليشبعني ، فمرّ ولم يفعل. ثم مرّ بي عمر فسألته عن آية من كتاب الله وما سألته إلّا ليشبعني ، فلم يفعل (١) .. فمشيت غير بعيد فخررت لوجهي من الجهد والجوع (٢) .. ولقد رأيتني وإنّي لأخرّ فيما بين منبر رسول الله إلى حجرة عائشة مغشيّا عليّ ، فيجيء الجائي فيضع رجله على عنقي ويرى أنّي مجنون ، وما بي إلّا الجوع! (٣) وقال : (وإنّما) كنت استقرئ الرجل الآية وهي معي كي ينقلب بي فيطعمني. وكان أخير الناس للمسلمين جعفر بن أبي طالب ، كان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته (٤) ولهذا فهو يقول فيه : ما وطئ التراب ولا احتذى النعال ولا ركب المطايا (أحد) بعد رسول الله أفضل من جعفر بن أبي طالب (٥)

ولا نجد كهذا وصفا لأصحاب الصفّة إلّا ما عن واثلة بن الأسقع قال : كنت من أصحاب الصفّة وما منّا إنسان يجد ثوبا تامّا ، قد جعل الغبار والعرق في جلودنا طرقا! (٦).

في دار النبيّ بعد خيبر :

بعد رجوع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من خيبر ، ومعه جعفر بن أبي طالب وزوجته أسماء بنت عميس ، دخلت أسماء على حفصة بنت عمر بن الخطّاب تزورها ، فدخل على حفص

__________________

(١) فتح الباري ١١ : ٢٣٦ و ٢٣٧.

(٢) فتح الباري ٩ : ٤٢٨.

(٣) فتح الباري ١٣ : ٢٥٩ ، ٢٦٠.

(٤) فتح الباري ٧ : ٦١ و ٦٢.

(٥) سير أعلام النبلاء ١ : ١٥٨ عن الترمذي والنسائي.

(٦) أنساب الأشراف ١ : ١٧٢. وانظر التفاصيل في أبي هريرة شيخ المضيرة لأبي ريّة : ٣٧ فما بعد ط ٣.

٧٤

أبوها عمر يزورها ، وعندها أسماء ، فقال لابنته : من هذه؟ قالت : هي أسماء بنت عميس. فقال : هذه الحبشية؟! هذه البحرية؟! ثم قال لها : لقد سبقناكم بالهجرة فنحن أحقّ برسول الله منكم! فقالت أسماء : كلّا والله ، كنتم مع رسول الله يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم! وكنّا في أرض البغضاء بالحبشة ، وذلك في الله وفي رسوله ، وأيم الله لا أطعم طعاما ولا اشرب شرابا حتى أذكر ما قلته لي لرسول الله وأسأله عنه! وإنّي لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه.

ثم أتت النبيّ وقالت له : يا رسول الله ، إنّ عمر بن الخطّاب قال لي كذا وكذا. فقال لها : فما قلت له : فأخبرته بمقالتها. فقال لها : إنّه ليس بأحقّ بي منكم ، وله ولأصحابه هجرة ، ولكم أهل السفينة هجرتان (١).

وصول مارية وهدايا المقوقس :

قال الواقدي : وفيها (سنة ٧) قدم حاطب بن أبي بلتعة ، من عند المقوقس ، بمارية ، واختها سيرين ـ ومعهما خصيّ ـ وقد دعاهما حاطب إلى الاسلام فأسلمتا.

فبعث النبيّ بسيرين إلى حسّان بن ثابت (٢) واتخذ مارية لنفسه فأنزلها على أم سليم بنت ملحان (٣) ثم اتّخذ لها المشربة ، وهي مزرعة فيها حجرة وبئر ماء.

وكانت الأخبار قد انتشرت باستيلاء النبيّ على الكنز الشهير في خيبر لآل أبي الحقيق زعيم اليهود ، وسمع به أزواجه ...

__________________

(١) فقه السنة عن البخاري ومسلم.

(٢) فولدت له عبد الرحمن بن حسّان.

(٣) الطبري ٣ : ٢١ ، ٢٢. وهي أم أنس بن مالك خادم النبيّ وحاجبه. ابن هشام ٣ : ٣٥٤ والواقدي ٣ : ٩٠٣ وكانت مع النبيّ في خيبر ، وهي التي مشّطت له صفية ، فلعل انزال مارية عليها لذلك أيضا.

٧٥

قال القمي في تفسيره : لما رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من غزاة خيبر وقد أصاب كنز آل أبي الحقيق قال له أزواجه : أعطنا مما أصبت!

فقال لهنّ رسول الله : قسّمته بين المسلمين على ما أمر الله!

فغضبن من ذلك وقلن : لعلك ترى أنك إن طلّقتنا أن لا نجد الأكفاء من قومنا يتزوّجونا؟!

فأنف الله لرسوله ، فأمره أن يعتزلهن!

فاعتزلهن رسول الله في مشربة أمّ إبراهيم (وهي مارية القبطية) تسعة وعشرين يوما حتى حضن وطهرن. ثم أنزل الله هذه الآية : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً* وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً).

فلما قرأها عليهنّ قامت أمّ سلمة أول من قامت و (عانقته) وقالت : قد اخترت الله ورسوله. فقمن كلهنّ فعانقنه وقلن مثل ذلك (١).

__________________

(١) تفسير القمي ٢ : ١٩٢ والآيتان ٢٨ و ٢٩ من سورة الأحزاب ، وهي التسعون في النزول و ٤ أو ٥ من المدنيات. التمهيد ١ : ١٠٦. وقد مرّ الحديث عن الآيات السابقة في ما نزل من القرآن في حرب الأحزاب ثم بني قريظة ، وأخّرت الخبر عن هذه الآيات إلى هنا بعد خيبر بناء على خبر القمى.

والطوسي حكى عن عكرمة : أنه كانت له يومئذ تسع نسوة من قريش : سودة بنت زمعة ، وعائشة ، وحفصة ، وأم سلمة بنت أبي أمية ، وأم حبيبة بنت أبي سفيان. ومن غير قريش : زينب بنت جحش الأسدية ، وجويرية بنت الحارث من بني المصطلق ، وصفية بنت حيي بن أخطب ، وميمونة بنت الحارث. البيان ٨ : ٣٣٥.

٧٦

وقد نقل الطبرسي عن مقاتل قال : لما رجعت أسماء بنت عميس مع زوجها جعفر بن أبي طالب عليه‌السلام من الحبشة ، قالت لنساء رسول الله : هل نزل فينا شيء من القرآن؟ قلن : لا.

فأتت رسول الله فقالت : يا رسول الله ، إن النساء لفي خيبة وخسار!

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ومم ذلك؟ قالت : لأنهن لا يذكرن بخير كما يذكر الرجال.

__________________

ـ وروى في سبب نزول هذه الآية : أن كل واحدة من نسائه طلبت شيئا : فسألت سودة قطيفة خيبرية ، وسألت حفصة ثوبا من ثياب مصر (ولعله من هدايا المقوقس) وسألت أم سلمة سترا ، وسألت زينب بنت جحش بردا يمانيا ، وسألت جويرية معجرا ، وسألت أم حبيبة ثوبا شحوانيا ، وسألت ميمونة حلة. التبيان ٨ : ٣٣٤. وقال الطبرسي : قال المفسّرون : إن أزواج النبيّ سألنه شيئا من عرض الدنيا وطلبن منه زيادة في النفقة ، وآذينه لغيرة بعضهن من بعض ، فآلى رسول الله منهن شهرا ، فنزلت آية التخيير وهي قوله : (قُلْ لِأَزْواجِكَ) وكن يومئذ تسعا : سودة بنت زمعة ، وعائشة ، وحفصة ، وأم سلمة بنت أبي أمية ، وأم حبيبة بنت أبي سفيان ، فهؤلاء من قريش. وزينب بنت جحش الأسدية ، وجويرية بنت الحارث المصطلقية ، وصفية بنت حييّ الخيبرية ، وميمونة بنت الحارث الهلالية. مجمع البيان ٨ : ٥٥٤.

ونقل عن ابن زيد أن الآية نزلت حين غار بعض أمهات المؤمنين على النبيّ ، وطلب بعضهن زيادة النفقة ، فهجرهن شهرا ، حتى نزلت آية التخيير ، فأمره الله أن يخيّرهن بين الدنيا والآخرة ، وأن يخلّي سبيل من اختارت الدنيا ويمسك من اختارت الله ورسوله ، على أنهنّ أمهات المؤمنين ولا ينكحن أبدا ، وعلى أنه يؤوي من يشاء منهنّ ويرجي من يشاء منهن ، ويرضين به قسم لهن أو لم يقسم ، أو قسم لبعضهن ولم يقسم لبعضهن ، أو فضّل بعضهن على بعض في النفقة والقسمة والعشرة ، أو سوّى بينهنّ ، فالأمر في ذلك إليه يفعل ما يشاء. فرضين بذلك كله واخترنه على هذا الشرط. وهذا من خصائصه. مجمع البيان ٨ : ٥٧٣.

٧٧

فأنزل الله تعالى هذه الآية : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ)(١) وهي الآية ٣٥ من الأحزاب ، وهذا مما يؤيد نزول السورة أو هذه الآيات بعد خيبر.

وقد ورد في أخبار آية التخيير ٢٨ من السورة أن من أزواجه حين التخيير زينب بنت جحش الأسدية ابنة عمته ، التي تزوجها بعد طلاقها من زوجها زيد بن حارثة الشيباني. مما يقتضي نزول الآية بعد ذلك.

نزول سورة الرعد :

وهي السورة الرابعة والتسعون في النزول والثالثة عشر في النزول بالمدينة ، وفيها قوله سبحانه : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً ..)(٢) وفي «أسباب النزول» للواحدي : عن الكلبي قال : عيّرت اليهود رسول الله فقالت : ما نرى لهذا الرجل مهمّة إلّا نكاح النساء! ولو كان نبيّا ـ كما زعم ـ لشغله أمر النبوّة عن النساء! فأنزل الله تعالى الآية (٣).

وهذا يناسب ما بعد خيبر ، حيث أضيف إلى أزواجه الاول : سودة وعائشة وحفصة وأمّ سلمة وزينب بنت جحش ، نساء من اليهود : ريحانة بنت زيد بعد غزوة بني قريظة ، وجويرية بنت الحارث زعيم بني المصطلق ، وصفية بنت حيي بن أخطب النظري الخيبرية ، مع وصول مارية القبطية.

وروى الواقدي بسنده عن أمّ عبد الله المزنية عن صفية بنت حييّ بن أخطب

__________________

(١) مجمع البيان ٩ : ٥٦٠ وأسباب النزول للواحدي : ٢٩٦.

(٢) الرعد : ٣٨.

(٣) أسباب النزول : ٢٢٥ وأشار إليه في التبيان ٦ : ٢٦٣ ومجمع البيان ٦٥ : ٤٥٧.

٧٨

قالت : دخل عليّ رسول الله يوما وأنا أبكي ، فقال لي : مالك ـ وكان يلطف بي ويكرمني ـ فقلت له : أزواجك يقلن لي : يا بنت اليهودي ويفخرن علي! فغضب رسول الله وقال : إذا فاخروك أو قالوا لك ذلك فقولي لهنّ : أبي هارون ، وعمّي موسى (١).

تاريخ حرب خيبر :

قال ابن اسحاق : رجع رسول الله من الحديبية في ذي الحجة فأقام بالمدينة (بقيّة) ذي الحجة وبعض المحرم ، ثم خرج إلى خيبر في بقية المحرم (٢) وبه قال الطبري (٣) والمسعودي (٤).

وذكر الطبرسي مدة محاصرتهم فقال : حاصرهم رسول الله بضعا وعشرين ليلة. ذكر الواقدي : أنّها كانت أول سنة سبع من الهجرة (٥).

وروى الواقدي عن رواته قالوا : أقام رسول الله بالمدينة بقية ذي الحجة والمحرم ، وخرج في صفر سنة سبع. ثم قال : ويقال : لهلال ربيع الأوّل (٦) وأقام بالرجيع سبعة أيام (٧) وعلى حصن النطاة عشرة أيام (٨) وعلى حصن الصّعب بن معاذ

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٦٧٥.

(٢) سيرة ابن هشام ٣ : ٣٤٢.

(٣) الطبري ٢ : ٦٥٧ و ٣ : ٩ عن ابن اسحاق نفسه.

(٤) التنبيه والاشراف : ٢٢٢.

(٥) إعلام الورى ١ : ٢٠٧.

(٦) مغازي الواقدي ٢ : ٦٣٤.

(٧) المصدر نفسه : ٦٤٥ و ٦٤٧ و ٦٨٧.

(٨) المصدر نفسه : ٦٥٩.

٧٩

ثلاثة أيام (١) ثم أقاموا أكثر من شهر (٢) منها ثلاثة أيام محاصرة قلعة الزّبير (٣) وحاصرهم في الكتيبة ـ وفيها القموص ـ والوطيح وسلالم أربعة عشر يوما (٤) فلعله خرج في منتصف محرم ورجع لهلال ربيع الأوّل.

وقد مرّ في آخر السنة السادسة خبر الطبري عن الواقدي في إرسال رسل رسول الله إلى الملوك والامراء في ذي الحجة ، وفيهم دحية بن خليفة الكلبي إلى قيصر الروم (٥) واستبعدنا أن يكون سفره في ذي الحجة وقد حضر خيبر (٦) فرجّحنا تأجيل خبره إلى ما بعد خيبر. بل انّ خبر رجوعه من الشام يستتبع سرية زيد بن حارثة إلى حسمى في جمادى الآخرة سنة (سبع) (٧) وحيث أنّ كتاب النبيّ إلى فارس كان إلى خسرو پرويز.

وقد نقل الطبري عن الواقدي أن قتل خسرو پرويز كان لعشر مضين أو بقين من جمادى الاولى سنة سبع (٨) ، إذا فيبدو أن كتابه إلى فارس كان قبل الروم ، فنبدأ به.

__________________

(١) المصدر نفسه : ٦٦٠ و ٦٦٢.

(٢) المصدر نفسه : ٦٦٥.

(٣) المصدر نفسه : ٦٦٦.

(٤) المصدر نفسه : ٦٧٠.

(٥) الطبري ٢ : ٦٤٤.

(٦) مغازي الواقدي ٢ : ٦٧٤ وابن هشام ٣ : ٣٤٥.

(٧) مغازي الواقدي ٢ : ٥٥٥ وفيه سنة ست خطأ ، فإنّ الكتب كانت في السابعة.

(٨) الطبري ٢ : ٦٥٦.

٨٠