موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٣

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٢٠

هذه أخبار فتنة مسيلمة في بني حنيفة باليمامة ، على عهده صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولنظر الآن في فتن اليمن.

أخبار اليمن بعد الحج :

مرّ في أخبار اليمن : أن حاكمها الساساني بادان أو بادام لما أسلم وأسلم معه أكثر أبناء الفرس في اليمن ، وكتب بإسلامه وإسلامهم الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أقرّه على عمله على اليمن فجمع له عمل اليمن كلّها وأمّره على جميع مخاليفها (ـ محافظاتها) ثم لم يعزله عنها ولا عن شيء منها ، ولا أشرك معه فيها شريكا باقي أيام حياته حتى مات.

وبعد ما حجّ صلى‌الله‌عليه‌وآله حجّة الوداع ورجع الى المدينة مات بادان ، فلذلك فرّق عملها بين ابنه شهر بن بادان على صنعاء ، وخالد بن سعيد بن العاص على ما بين نجران ورمع وزبيد ، والطاهر بن أبي هالة على عكّ والاشعريين ، وعامر بن شهر الهمداني على همدان ، وأبا موسى عبد الله بن قيس الأشعري على مأرب ، وعمرو بن حزم على نجران ، ويعلى بن أميّة على الجند ، وعلى السكون والسكاسك من بلاد حضر موت : زياد بن لبيد البياضي ، وعكّاشة بن ثور الغوثي (١).

__________________

(١) تاريخ الطبري ٣ : ٢٢٧ ، ٢٢٨ ، وانظر مكاتيب الرسول ٢ : ٤٩٩ ، وذكر لكل منهم عدّة مصادر أوردها الطبري عن سيف بن عمر التميمي! في خبرين بطريقين أحدهما عن قرص بن عبادة الليثي والآخر عن عبيد بن صخر السلمي الأنصاري وكان مع يعلى الى الجند في اليمن ، كما في الطبري ٣ : ٢٩ وكأن الراوي كان يعدّ من بعث يومئذ أو كان باليمن من قبل إذ ذكر عمرو بن حزم ومعاذ بن جبل ، وقد مرّ خبرهما من قبل.

٦٦١
٦٦٢

أهم حوادث

السنة الحادية عشرة للهجرة

٦٦٣
٦٦٤

نشر المصدّقين في العرب :

لما انحدر رسول الله صلّى الله عليه وآله من الحج للسنة العاشرة إلى المدينة ورأى هلال المحرم من السنة الحادية عشرة بعث المصدّقين في العرب ، فبعث على عجز هوازن عكرمة المخزومي ، وعلى بني كلاب الضحاك بن سفيان ، وعلى أسد وطيء عديّ بن حاتم الطائي ، وعلى أسد حامية بن سبيع الأسدي ، وعلى بني دارم وحنظلة من تميم الأقرع بن حابس ، وعلى بني يربوع منهم مالك بن نويرة (١).

وابن العاصي لابني الجُلندا :

قال المسعودي : وهي سنة الوفاة. وفيها كان توجيه رسول الله صلّى الله عليه وآله عمرو بن العاص إلى جيفر وعبّاد ابني الجُلندى بن مسعود الأزديين صاحبي عُمان ، يدعوهما إلى الاسلام ، فأسلما (٢).

__________________

(١) الاكتفاء في سيرة المصطفى للبلنسي (م ٧٣٤ هـ) وراجع عبدالله بن سبأ ٢ : ٣٩.

(٢) التنبيه والاشراف : ٢٤٠. ولم يذكره في حوادثها في مروج الذهب ٢ : ٢٩١.

٦٦٥

ویبدو أنه استند في ذلك إلى ما رواه الطبري عن سيف قال : كان رسول الله في منصرفه من حجة الوداع قد بعث عمرو بن العاص إلى جيفر في عمان ، فمات رسول الله وعمرو في عمان (١).

وكان الاغلب على عُمان الأزد ، وبها وفي بواديها من غيرهم بشر كثير (٢). وكان حكامها من بني المستكبر من الأزد ، استعملهم عليها ملوك الفرس (٣) وكان بريد كسرى يصل بأبراده اليهم (٤).

ونصّ كتابه إليهما :

«بسم الله الرحمنِ الرحيم ، من محمد بن عبدالله ، إلى جيفر وعبد ابني الجُلندى. سلام على من اتّبع الهدى. أما بعد : فإني أدعوكما بدعاية الاسلام : أسلما تسلما. إنّي رسول الله إلى الناس كافة لاُنذر من كان حيّاً ويحقّ القول على الكافرين. وانكما إن أقررتما بالاسلام ولّيتكما ، وإن أبيتها أن تقرّا بالاسلام فانّ ملككما زائل عنكما وخيلي تحلّ بساحتكما وتظهر نبوّتي على ملككما» وكتب اُبيّ بن كعب وختم رسول الله.

قال البلاذري : بعث رسول الله أبا زيد (ثابت بن زيد أو قيس بن السكن أو عمرو بن أخطب) الانصاري الخزرجي ومعه عمرو بن العاص بكتابه إليهما يدعوهما الى الاسلام ، وقال لهما : إن أجاب القوم إلى شهادة الحق وأطاعوا الله ورسوله فعمرو الامير (كذا) وأبو زيد على الصلاة وأخذ الاسلام على الناس ، وتعليمهم القرآن والسنن. وكان أبو زيد جامعاً (أي حافظاً) للقرآن (٥).

__________________

(١) تاریخ الطبري ٣ : ٢٥٨. وانظر عن ابن اسحاق فيه ٣ : ٣٠٢.

(٢) مكاتيب الرسول ٣ : ٣٦٨ عن فتوح البلدان.

(٣) مکاتیب الرسول ٣ : ٣٦٧ عن المحبّر للبغدادي : ٢٦٥.

(٤) انظر المقصّل في تاريخ العرب ٥ : ٣٢٠ و ٩ : ٥٣٣.

(٥) مكاتيب الرسول ٣ : ٣٦١ و ٣٦٨ عن فتوح البلدان.

٦٦٦

وقال لهما : انهم سيقبلون كتابي ويصدّقوني ، ويسألكم ابن جُلندى : هل بعث رسول الله معكم بهدية؟ فقولوا : لا ، فسيقول : لو كان رسول الله بعث معكم بهدية لكانت مثل المائدة التي نزلت على بني اسرائيل وعلى المسيح (١).

فخرج عمرو حتى انتهى إلى عمان ، فروى ابن سعد عنه قال : وكان عبد أحلم الرجلين وأسهلها خلقاً (وأصغرهما) فعمدت إليه وقلت له : إني رسول رسول الله إليك وإلى أخيك بهذا الكتاب. فقال : وما تدعوا إليه؟ قلت : ادعوك إلى الله وحده وتخلع ما عُبد من دونه ، وتشهد أن محمداً عبده ورسوله. فقال : ومتى تبعته؟ قلت : قريباً. قال : فأخبرني ما يأمر به وينهى عنه؟ قلت : يأمر بطاعة الله عزّ وجلّ وينهى عن معصيته ، يأمر بالبر وصلة الرحم وينهى عن الظلم والعدوان ، وعن الزنا وشرب الخمر ، وعن عبادة الحجر والوثن والصليب.

فقال : ما أحسن هذا الذي يدعوا اليه ، لو كان أخي يتابعني لركبنا حتى نؤمن بمحمد ونصدّق به ، ولكن أخي أظنّ بملكه من أن يدعه ويصير ذنباً! فقلت : إنه إن أسلم ملّكه رسول الله على قومه (وليس عمرواً) ويأخذ الصدقة من غنيّهم ويردّها على فقيرهم. قال ك وما الصدقة؟ قال : فأخبرته بما فرض رسول الله من الصدقات في الاموال ، فلما ذكرت المواشي ، قال : يا عمرو ، ويؤخذ من سوائم مواشينا التي ترعى في الشجر وترد المياه؟! قلت : نعم. قال : والله ما أرى قومي في بعد دارهم وكثرة عددهم يطيعون بهذا! وأخي مقدم عليَّ بالسنّ والملك وأنا اوصلك إليه حتى يقرأ كتابك.

قال عمرو : فمکثت أياماً بباب جيفر حتى دعاني فدخلت وذهبت لأجلس فأبوا أن يدعوني وقال : تكلّم بحاجتك. فدفعت إليه الكتاب ففضَّ خاتمه وقرأه ثمّ دفعه إلى أخيه فقرأه ، ثمّ قال : ألا تخبرني عن قريش كيف صنعت؟ قلت : تبعوه إما راغب في الدين أو راهب مقهور بالسيف! قال : ومن معه؟ قلت : ناسٌ قد رغبوا في الاسلام

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ١ : ١٥٥.

٦٦٧

واختاروا على غيره وعرفوا بعقولهم مع هدى الله اياهم أنهم كانوا في ضلال مبين. فما أعرف أحداً بقى غيرك في هذه الخرجة! وأنت إن لم تسلم اليوم وتتبعه تطؤك الخيول وتبيد خضراؤك ، فأسلم تسلم ويستعملك على قومك ، ولا تدخل عليك الخيل والرجال!

قال : دعني يومي هذا وارجع إليّ غداً.

قال عمرو : فلما كان الغد أتيت إليه ، فأبى أن يأذن لي! فرجعت إلى أخيه فأخبرته أني لم أصل إليه ، فأوصلني إليه ، فقال لي : فكّرت فيما دعوتني إليه فإذا أنا أضعف العرب إن ملّكت رجلاً ما في يدي وهو لا تبلغه خيله هاهنا! وإن بلغت ألفت قتالاً ليس كقتال من لاقى!

ثمّ أصبح فأرسل إليّ وأجاب إلى الاسلام هو وأخوه جميعاً ، وأسلم معهما خلق كثير ، وخلّيا بيني وبين الحكم فيهم بالصدقة (الزكاة) وكان عوناً على من خالف (١).

تنبؤ الأسود العنسي :

واسمه : عبهلة بن كعب العنسي المذحجي ، ولسواده غلب عليه اسم الأسود ، ولذلك كان يختمر بخمرة ويعتمّ عليها أبدا فلذا سمّي أيضا ذا الخمار ، أو ذا الحمار ؛ لأنّه كان له حمار علّمه يقول له : ابرك ، فيبرك ، ويقول له : اسجد لربّك ، فيسجد! وسمّى نفسه : رحمان اليمن (١).

خرج بعد حجة الوداع أي بعد خروج علي عليه‌السلام من اليمن الى الحج ، وبعد وفاة بادان الحاكم الفارسيّ على اليمن. وكان كاهنا شعواذا يريهم الأعاجيب ويسبي قلب من سمعه! ولد في كهف خبّان ونشأ بها وفيها داره ، واعده أهل نجران ، وكاتبه قومه من مذحج ، فكانت أول ردّة عن الإسلام في اليمن على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مع

__________________

(١) مكاتيب الرسول ٢ : ٣٧١ ، ٣٧٢ وتمامه : وتوفي النبيّ وعمرو بعمان.

(٢) فتوح البلدان : ١٣ ـ ١١٥.

٦٦٨

الأسود ذي الخمار في عامة مذحج بعد حجة الوداع (١).

وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد بعث بعد بادان الى الجند من اليمن ـ كما مرّ ـ يعلى بن اميّة ومعه عبيد بن صخر السلمي الأنصاري ، فروي عنه قال : بينا نحن بالجند قد أقمناهم على ما ينبغي وكتبنا بيننا وبينهم الكتب ، إذ جاءنا كتاب من الأسود من كهف خبّان :

«أيّها المتورّدون علينا! أمسكوا علينا ما أخذتم من أرضنا ووفّروا ما جمعتم فنحن أولى به! وأنتم على ما أنتم عليه».

ثمّ توجّه الى نجران بعامة مذحج بعد عشرة أيام من وثوبه فأخذها (٢).

وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد بعث بعد بادان الى نجران خالد بن سعيد بن العاص وعمرو بن حزم كما مرّ فأخرجوهما منها وأنزلوا الأسود منزلهما. وثبت على الاسلام جمع من مذحج فالتحقوا بفروة بن مسيك المرادي في مراد بالأحسية (قرية). فكتب فروة بذلك الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فكان أول خبر بلغه عنه (٣).

وبعد عشرة أيام من ذلك أي عشرين يوما من وثوبه توجّه الى صنعاء حتى بلغ الى بساتين شعوب بظاهر صنعاء ... وهرب معاذ بن جبل الى السكون في حضر موت ... ومع الأسود في يوم صنعاء سبعمائة فارس سوى الركبان ... وخرج إليه شهر بن بادان بمن تبعه من أبناء الفرس المسلمين ، فقتل شهرا وهزم الأبناء وغلب على صنعاء بعد خمسة أيام أي بعد خمس وعشرين ليلة من وثوبه.

وفرّ أبو موسى الأشعري من مأرب الى المفازة والمفوّر من حضر موت.

__________________

(١) الطبري ٣ : ١٨٥ عن سيف بن عمر التميمي.

(٢) الطبري ٣ : ٢٢٩ ، عن سيف بن عمر التميمي عن عبيد بن صخر السلمي الأنصاري. ولعلّ ذلك كان في أواخر ذي الحجة من العاشرة أو أوائل المحرم من الحادية عشرة ، إذ كان وثوبه في أواخر حجة الوداع.

(٣) الطبري ٣ : ١٨٥ ، عن سيف بن عمر التميمي عن فيروز الديلمي.

٦٦٩

وانحاز سائر امراء اليمن الى الطاهر بن أبي هالة التميمي في وسط بلاد عكّ بحيال صنعاء. وغلب الأسود على ما بين مفازة حضر موت الى عدن الى البحرين الى الطائف! فطابقت عليه اليمن ما عدا عك! فحاز عثر والشرجة والحردة وغلافقة وعدن والجند وصنعاء الى عليب وحتى الأحسية ، عامله المرتدون بالارتداد والمسلمون بالتقيّة ومنهم الأبناء فأسند أمرهم الى دادويه الاصطخري وفيروز الديلمي. وكانت ابنة عمه آزاد امرأة شهر بن بادان ، فتزوّجها الأسود.

قال الراوي السلمي الأنصاري الذي كان مع يعلى بن اميّة بالجند إنّهم لحقوا بحضرموت ، إذ جاءتهم كتب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يأمرهم فيها أن يبعثوا الرجال لمحاولته غيلة أو قتالا ، وأن يبلّغوا كلّ من يرجون عنده شيئا من ذلك عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وقدم وبر بن يوحنّس الأزدي بكتابه صلى‌الله‌عليه‌وآله على فيروز الديلمي يأمره فيه بالعمل على قتل الأسود إمّا غيلة أو مصادمة ، وأن يبلّغوا ذلك عنه من يرون عنده دينا ونجدة. فكاتبوا الناس ودعوهم (١).

قيس بن المكشوح المرادي :

وهنا يأتي ذكر قيس المرادي ابن عبد يغوث المكشوح ، وأوّل ما نرى ذكره في السيرة : أنّ عمرو بن معد يكرب الزبيدي كان صاحبه فقال له يوما : يا قيس قد ذكر لنا أنّ رجلا من قريش قد خرج بالحجاز يقول : انّه نبيّ ، يقال له محمد ، وأنت سيّد قومك ، فانطلق بنا إليه حتى نعلم علمه ، فان كان غير ذلك علمنا علمه ، وإن كان نبيّا كما يقول فإذا لقيناه اتّبعناه. فأبى عليه قيس وسفّه رأيه. وقدم عمرو عليه فأسلم ، فلما بلغ قيسا أوعده وتشدّد عليه (٢).

__________________

(١) الطبري ٣ : ٢٢٩ ـ ٢٣١ ، عن سيف بن عمر التميمي.

(٢) ابن اسحاق في السيرة ٤ : ٢٣٠.

٦٧٠

هذا كلّ ما رواه ابن اسحاق وعنه ابن هشام في السيرة ، والطبري في تاريخه ، ثم لم يذكر عنه إسلاما حتى روى عن فيروز الديلمي : أنّه وثب ـ متزامنا مع الأسود العنسي ـ على فروة بن مسيك المرادي فأجلاه ونزل منزله (١) ولما توجّه العنسي الى صنعاء أسند أمر جنده الى قيس بن عبد يغوث ، فكان قوّاده يومئذ هو ويزيد بن الافكل الأزدي ويزيد بن الحصين الحارثي ويزيد بن محرّم. فلما أثخن في الأرض واستغلظ أمره وثبت ملكه استخفّ بدادويه الاصطخري وفيروز الديلمي وقيس بن المكشوح المرادي وتغيّر له.

فلما بلغ كتاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الى فيروز الديلمي ورأى أن الأسود العنسي قد تغيّر لقيس حتى أمسى يخاف على دمه ، أبلغوه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ودعوه فأجابهم إلى ذلك.

وكتب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الى ذي ظليم وذي الكلاع وذي مزان وعامر بن شهر (بن بادان) فتهيّجوا لذلك واعترضوا على العنسي وكاتبوا فيروز الديلمي وبذلوا له النصر ، وكاتبهم وأمرهم أن لا يحرّكوا شيئا حتى يبرموا الأمر.

وكتب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الى ساكني نجران من العرب وغيرهم من أبناء الفرس ، فانضمّ بعضهم الى بعض وتنحّوا عن غيرهم ناحية. وكاتب فيروز الناس ودعاهم. وارتاب العنسي من قيس وفيروز وهم منه في ارتياب وعلى خطر عظيم (٢).

فيروز وابنة عمّه آزاد :

ودخل فيروز الديلمي على ابنة عمّه آزاد أرملة شهر بن بادان التي تملكها الأسود ، فقال لها : يا ابنة عمّ ، إنّ هذا لرجل قتل زوجك وأسرع القتل في قومك ، واهان من بقي منهم وفضح نساءهم ، فهل عندك من ممالأة عليه؟! فقالت : على أي

__________________

(١) الطبري ٣ : ١٨٥ ، عن سيف التميمي.

(٢) الطبري ٣ : ٢٣٠ ـ ٢٣١ ، عن سيف التميمي.

٦٧١

أمر؟ قال فيروز : على إخراجه. قالت : أو قتله! قال فيروز : أو قتله. قالت : نعم ، والله ما خلق الله شخصا أبغض إليّ منه ، ما يقوم لله على حق ولا ينتهي له عن حرمة ، فإذا عزمتم فاعلموني اخبركم بمنفذ هذا الأمر.

ثم أجمع ملأهم أن يعود الى المرأة فيخبرها بعزيمتهم لتخبرهم برأيها. فعاد إليها لذلك فقالت : هو متحرّز متحرّس ، وليس من القصر شيء إلّا والحرس محيطون به غير هذا البيت فإنّ ظهره الى مكان كذا في الطريق ، فإذا أمسيتم فنقّبوا عليه فإنّكم من دون الحرس وليس دون قتله شيء ، وستجدون فيه سراجا وسلاحا.

وخرج فيروز من عند ابنة عمّه ورآه الأسود فوجأ رأسه وقال له : ما أدخلك منزلي؟! فصاحت آزاد : ابن عمّي جاءني زائرا ، فوهبه لها.

فلما أمسوا واطئوا أشياعهم وعجّلوا فلم يراسلوا الحميريين والهمدانيين ، ونقّبوا خارج البيت حتى دخلوه فوجدوا جفنة وتحتها سراج ، وهم قيس ودادويه الاصطخري وجشيش (ـ كشايش) وفيروز الديلميان ، وفيروز أشدّهم وأنجدهم ، فقدّموه فخرج من ذلك البيت الى بيت الأسود ، فلما دنا من باب البيت سمع غطيطا شديدا وهو جالس والمرأة جالسة تنتظر ، فوضع فيروز ركبته في ظهر الأسود وأخذ برأسه فدقّ عنقه ، ثم أخبر أصحابه قيسا ودادويه وجشيش فقاموا معه ليحتزّوا رأسه فصاح فألجمه فيروز بثوب وأمرّ الشفرة على حلقه ، فخار خوار الثور ، فسمعه الحرس حول المقصورة فابتدروا الباب وسألوا : ما الخبر؟ فقالت آزاد : النبيّ يوحى إليه! حتى خمد.

وكانوا قد اجتمعوا من قبل على شعار بينهم وبين أشياعهم ، فلما طلع الفجر نادى دادويه بالشعار ، فتجمع الحرس وأحاطوا بهم ، فنادى جشيش بالأذان فقال : أشهد أنّ محمدا رسول الله وان عبهلة كذّاب! وألقوا رأسه إليهم ، وتنادوا : يا أهل صنعاء ، من كان عنده منهم أحد فتعلّقوا به ، ومن دخل عليه داخل فتعلّقوا

٦٧٢

به. فانتهب الحرس ما انتهبوا ومضوا خارجين ما بين صنعاء ونجران ، وأسر أهل الدور والطرق منهم سبعين فارسا ، وهم اختطفوا معهم سبعمائة من الصبيان والعيال فتراسلوا أن يتبادلوا ما في أيديهم.

وأعزّ الله الإسلام وأهله ، وخلصت صنعاء والجند ، وتراجع أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاصطلحوا على معاذ بن جبل يصلي بهم ، وكتبوا الى رسول الله بالخير.

وأتى النبي الخبر من السماء بقتل الأسود ليلة قتل فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله في صبيحتها لأصحابه : قتل العنسي البارحة ، قتله رجل مبارك من أهل بيت مباركين. قيل : ومن هو : قال : فيروز ، فاز فيروز (١) إنّ الله قد قتل الأسود الكذّاب العنسي ، قتله بيد رجل من إخوانكم من قوم أسلموا وصدّقوا (٢).

ونقل ابن حجر عن أبي عبيدة في مناقب الفرس : أنّ الفرس لما قتلوا الأسود العنسي بعثوا برأسه مع نفر منهم : زرعة بن عريب ، وعبد الله بن الديلمي وغيرهما ، فأنذر النبي بقدومهم وأوصى بهم وبمن في اليمن منهم خيرا (٣).

وفي تاريخ مقتله : روى الطبري عن الضحّاك بن فيروز الديلمي قال : كان العنسي مستسرا بأمره حتى خرج ، وكان ما بين خروجه في كهف خبّان الى مقتله في صنعاء نحو من أربعة أشهر (٤).

__________________

(١) الطبري ٣ : ٢٣٢ ـ ٢٣٦ ، عن سيف التميمي.

(٢) الطبري ٣ : ٢٣٩ ، عن سيف التميمي ، وفي هذا الخبر أن رهائن القوم ثلاثون غلاما من أبناء الفرس ، وهذا أولى وأقرب. والمرحوم المجلسي نقل مختصر خبر الأسود العنسي عن المنتقى للكازروني في بحار الأنوار ٢١ : ٤١١ ، ٤١٢.

(٣) الاصابة ١ : ٥٧٨ ح ٢٩٧٣ ، وانظر مكاتيب الرسول ٣ : ٤٣٢ ، ولكنّهم وصلوا المدينة بعد وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا يصحّ كتابه لهم. وانظر وقارن : عبد الله بن سبأ ٢ : ١٣٤ ـ ١٤١.

(٤) الطبري ٣ : ٢٤٠.

٦٧٣

وفي اخرى : كان من أوّل أمره إلى آخره ثلاثة أشهر (١).

وفي بدايته : روى عن أبي مويهبة مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لما قضى رسول الله حجة التمام ورجع الى المدينة تحلّل به السير ... فطارت الأخبار بتحلّل السير بالنبي وأنّه قد اشتكى (من المرض) فجاء الخبر عن مسيلمة باليمامة والأسود باليمن (٢).

وعليه فقد يستبعد ما نقله الطبري عن الواقدي : أنّ في النصف من المحرم من السنة الحادية عشرة قدم زرارة بن عمرو النخعي بوفد النخع من همدان اليمن على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) مقرّين بالإسلام وقد بايعوا من قبل معاذ بن جبل ، وهم مائتا رجل (٤) ثم لم يذكروا أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله طلب منهم جهاد المرتدّين في اليمن.

اللهم إلّا أن يقال بأنّهم من همدان التي أسلمت على يد علي عليه‌السلام ، فكانوا حديثي عهد بالاسلام.

فتنة طليحة في بني أسد :

روى الطبري عن ابن عامر الأسدي قال : جاء إلينا الخبر عن وجع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم بلغنا أن مسيلمة قد غلب على اليمامة ، وأنّ الأسود قد غلب على اليمن ، فلم نلبث إلّا قليلا حتى ادّعى طليحة بن خويلد الفقعسي الأسدي النبوّة واتّبعه العوام واستكثف أمره وعسكر في سميراء.

__________________

(١) الطبري ٣ : ٢٣٩.

(٢) الطبري ٣ : ١٤٧ و ١٨٤ ونحوه في ١٨٦.

(٣) الطبري ٣ : ٢٤٠.

(٤) المنتقى للكازروني وعنه في بحار الأنوار ٢١ : ٤٠٩.

٦٧٤

فكان أول من كتب الى النبي بخبر طليحة ، عامل الرسول على بني مالك : سنان بن أبي سنان.

وبعث طليحة إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله ابن أخيه حبال يخبره بخبره وأنّ الذي يأتيه ملك سمّاه : ذا النون. فقال له النبي : قتلك الله (١).

واجتمع على طليحة عوام أسد وطيّئ وغطفان وأشجع فبايعوه (٢) إلّا بعض خواصّهم. فاجتمعت بنو أسد في سميراء ، وغطفان وفزارة في جنوب المدينة ، وطيّئ في أرضهم ، وبنو ثعلبة وعبس ومرّة في الأبرق من الربذة ، وافترقت منهم فرقة سارت الى ذي القصّة من بني أسد ومن انضمّ إليهم من بني الدّئل وليث ومدلج وعليهم حبال أخو طليحة (٣). وذو القصّة على بريد (ـ ٢٢ كم) من المدينة تجاه نجد وارتحل طليحة من سميراء فنزل في بزاخة (٤). فوجّه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ضرار بن الأزور الى عمّاله على بني أسد ، وأمرهم بالقيام على كل من ارتدّ منهم. فلما نزل طليحة والمرتدون في سميراء نزل المسلمون في واردات ، وما زال المسلمون في نماء والمشركون والمرتدون في نقصان حتى أتى الخبر بوفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فأمسى المسلمون في نقصان وارفضّ الناس الى طليحة واستطار أمره ، حتى ارفضّ المسلمون! (٥).

وسمّى اسامة لبلقاء الشام :

لم يشغل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما كان عليه من الألم والمرض والوجع عن أمر الله

__________________

(١) الطبري ٣ : ١٨٦ ، ١٨٧ ، عن سيف.

(٢) الطبري ٣ : ٢٤٢ و ٢٤٤ ، عن سيف.

(٣) الطبري ٣ : ٢٤٤ ، عن سيف.

(٤) الطبري ٣ : ٢٤٨ و ٢٥٤ عن سيف.

(٥) الطبري ٣ : ٢٥٧ عن سيف ، وانظر الترديد في ذلك في كتاب عبد الله بن سبأ ٢ : ٢٦ ـ ٥٦.

٦٧٥

عزّ وجلّ والذبّ عن دينه أمام المرتدّين عنه على عهده في اليمن واليمامة وغيرهما ، ولكنّه إنّما حاربهم بالرسل والمراسلات ، فبعث وبر بن يوحنّس رسولا الى فيروز الديلمي ومساعد جشيش الديلمي ودادويه الاصطخري من الأبناء في صنعاء وكتب إليهم أن يستنجدوا برجال سمّاهم من بني تميم وقيس ، وأرسل الى أولئك أن ينجدوهم (١) وفعل مثل ذلك بشأن مسيلمة وطليحة ، ولم يجهّز لهم جيشا إلّا أنّه سمّى اسامة لبلقاء الشام.

جاء خبره في «مغازي موسى بن عقبة» عن الزهري قال : قدم رسول الله المدينة من حجة الوداع فعاش بها في المحرم واشتكى في صفر ... وكان رسول الله قد أمّر اسامة بن زيد على جيش عامّتهم المهاجرون ، وفيهم عمر بن الخطاب (٢) ، أمره رسول الله أن يغير على مؤتة حيث اصيب زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة. وكان اسامة بن زيد قد تجهّز للغزو وخرج في ثقله الى الجرف (٣) ثم أقام تلك الأيام لشكوى رسول الله ... حتى كانت ليلة الاثنين من شهر ربيع الأوّل (؟) فأقلع الوعك عن رسول الله وأصبح مفيقا ، فغدا الى صلاة الصبح يتوكأ على الفضل بن عباس ... وجلس رسول الله الى الجذع ، واجتمع إليه المسلمون يسلمون عليه ويدعون له بالعافية.

ودعا رسول الله اسامة بن زيد فقال له : اغد على بركة الله والنصر والعافية ، ثم أغر حيث أمرتك أن تغير. فقال اسامة : يا رسول الله ، قد أصبحت مفيقا ،

__________________

(١) الطبري ٣ : ١٨٧ عن سيف.

(٢) ولم يذكر أبا بكر ، ولكن المعتزلي قال : ذكر موسى بن عقبة أنّ أبا بكر لم يكن في جيش اسامة. شرح النهج ١٧ : ١٨٣.

(٣) الجرف : موضع على ثلاثة أميال (ـ ٦ كم) من المدينة نحو الشام. معجم البلدان ٢ : ١٢٨.

٦٧٦

وأرجو أن يكون الله عزوجل قد عافاك ، فأذن لي فأمكث حتى يشفيك الله ، فإنّي إن خرجت وأنت على هذه الحال خرجت وفي نفسي منك قرحة ، وأكره أن أسأل عنك الناس. فسكت عنه رسول الله (كذا) (١).

وابن اسحاق فرق خبره على ثلاث فرق من القول ، فقال أوّلا ـ بعد حجة الوداع ـ وبغير رواية : ثم قفل رسول الله فأقام بالمدينة بقية ذي الحجة والمحرّم وصفر ، وضرب على الناس ـ من المهاجرين الأولين ـ بعثا الى الشام ، أمّر عليهم مولاه اسامة بن زيد بن حارثة ، وأمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين (٢).

وقال ثانيا قبل شكوى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كذلك بغير رواية : وبعث (كذا) رسول الله اسامة بن زيد بن حارثة الى الشام وأوعب معه المهاجرين الأولين ، وأمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين.

فبينا الناس على ذلك إذ ابتدأ رسول الله بشكواه الذي قبضه الله فيه ... في أواخر صفر أو أوائل شهر ربيع الأول (٣) هكذا أرّخ للخبر ابن اسحاق هذه المرّة.

وفي الثالثة روى عن عروة بن الزبير وغيره : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله استبطأ الناس في بعث اسامة بن زيد وهو في وجعه ، وقد كان الناس قالوا في امرة اسامة : إنّه أمّر غلاما حدثا على جلّة المهاجرين والأنصار (كذا لأول مرة في سياق قول ابن اسحاق بزيادة الأنصار مع المهاجرين الأولين).

__________________

(١) عن دلائل النبوة للبيهقي ٧ : ١٩٨ ـ ٢٠١.

(٢) ابن اسحاق في السيرة ٤ : ٢٥٣.

(٣) ابن اسحاق في السيرة ٤ : ٢٩١ ، ونقله عنه الطبري ٣ : ١٨٤ ، ولكنّه عنونه : ثم ضرب في المحرم! وعنه في الكامل!

٦٧٧

فخرج عاصبا رأسه حتى جلس على المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال : «أيها الناس ، أنفذوا بعث اسامة ، فلعمري لئن قلتم في إمارته لقد قلتم في إمارة أبيه من قبله ، وإنّه لخليق للإمارة وإن كان أبوه لخليقا لها» ثم نزل صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فخرج اسامة وخرج معه جيشه حتى نزلوا الجرف على فرسخ من المدينة فضرب عسكره هناك وتتام إليه الناس. واستعزّ برسول الله وجعه وثقل ، فأقام اسامة والناس لينظروا كيف يكون.

ثم روى عن اسامة قال : لما ثقل رسول الله رجعت ورجع الناس معي الى المدينة ، فدخلت عليه وقد اصمت فلا يتكلم ، فجعل يرفع يده الى السماء ثم يصبّها علي ، فعرفت أنّه يدعو لي (١).

وقال الواقدي : أمر رسول الله الناس (كذا) بالتهيّؤ لغزو الروم ، وأمرهم بالاسراع في غزوهم ، فتفرّق المسلمون (!) من عند رسول الله وهم مجدّون في الجهاد. ثم لم يخص المهاجرين ولم يصرح بالأنصار مع عموم الكلام. بل أولى عنايته بذكر تفاصيل الأخبار ولا سيما في تواريخها ، فبدأ الخبر بقوله : لما كان يوم الاثنين لأربع ليال بقين من شهر صفر سنة إحدى عشرة ... فلما أصبح رسول الله من الغد : يوم الثلاثاء لثلاث بقين من صفر ، دعا اسامة بن زيد فقال له : يا اسامة ، سر على اسم الله وبركته حتى تنتهي الى مقتل أبيك فأوطئهم الخيل ، فقد ولّيتك على هذا الجيش ، فأغر صباحا على أهل ابنى وحرّق عليهم ، وأسرع السير تسبق الخبر ، فإن أظفرك الله فأقلل اللبث فيهم ، وخذ معك الأدلّاء وقدّم العيون أمامك والطلائع.

__________________

(١) ابن اسحاق في السيرة ٤ : ٢٩٩ ، ٣٠٠ و ٣٠١.

٦٧٨

قال الواقدي : فلما كان يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر بدئ برسول الله فصدّع وحمّ. فلما أصبح يوم الخميس لليلة بقيت من صفر عقد رسول الله بيده لواء لاسامة وقال له : اغز بسم الله في سبيل الله فقاتلوا من كفر بالله ، اغزوا ولا تغدروا ، ولا تقتلوا وليدا ولا امرأة ... فإن لقوكم قد أجلبوا وصيّحوا فعليكم بالصمت والسكينة (وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)(١) وقولوا : اللهم نحن عبادك وهم عبادك ، نواصينا ونواصيهم بيدك ، وإنمّا تغلبهم أنت. واعلموا أنّ الجنة تحت البارقة ، ثم قال لاسامة : امض على اسم الله فعسكر بالجرف.

فأخذ اسامة اللواء ودفعه الى بريدة بن الحصيب الأسلمي ، فخرج به الى بيت اسامة.

وأخبر الواقدي : أن الجرف في عهده ، كان يعرف بسقاية سليمان ، وجعل الناس (كذا) يجدّون بالخروج ، فمن فرغ من حاجته خرج وبقي من لم يقض حاجته ليفرغ فيخرج. ثم نصّ على المهاجرين الأولين فقال : ولم يبق أحد من المهاجرين الأولين إلّا انتدب (؟) في تلك الغزوة. فذكر منهم أربعة : عمر بن الخطاب ، وأبا عبيدة بن الجراح ، وسعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد العدوي. ثم زاد رجلين من الأنصار : سلمة بن أسلم ، وقتادة بن النعمان.

ثم ذكر اعتراضهم على ذلك فقال : قال رجال من المهاجرين أشدّهم في ذلك عياش بن أبي ربيعة المخزومي : يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأوّلين؟! وكثرت القالة في ذلك! وجاء عمر بن الخطاب الى رسول الله فأخبره بذلك ... وذلك يوم السبت لعشر من ربيع الأول.

__________________

(١) الأنفال : ٤٦.

٦٧٩

فخرج وعليه قطيفة وقد عصّب رأسه بعصابة حتى صعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد يا أيها الناس! فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري اسامة بن زيد؟! والله لئن طعنتم في إمارته لقد طعنتم في إمارة أبيه من قبله.

وايم الله إن كان للإمارة لخليقا وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة ... فاستوصوا به خيرا فإنّه من خياركم! ثم نزل فدخل بيته.

وجاء المسلمون يودّعون رسول الله ليخرجوا مع اسامة فيهم عمر بن الخطاب ، ورسول الله يقول لهم : انفذوا بعث اسامة!

ودخلت عليه أم أيمن (أم اسامة) فقالت : أي رسول الله ، لو تركت اسامة يقيم في معسكره حتى تتماثل (للشفاء) فإن اسامة إن خرج على حالته هذه لم ينتفع بنفسه. فقال رسول الله : أنفذوا بعث اسامة!

فمضى الناس الى المعسكر ، فباتوا ليلة الأحد هناك مع اسامة. فلما أصبح يوم الأحد نزل الى المدينة فدخل على رسول الله وهو يبكي ، ورسول الله ثقيل مغمور بالمرض وعنده عمّه العباس ، وحوله نساؤه ، وهو لا يتكلّم ، فطأطأ على اسامة فقبّله فرفع رسول الله يده الى السماء ثمّ يقلب كفّه على اسامة كأنّه يدعو له ، فرجع اسامة الى معسكره فبات فيه ليلة الاثنين ، ثم غدا من معسكره يوم الاثنين الى رسول الله مرّة اخرى ، فجاءه اسامة وهو مفيق مريح ، فودّعه اسامة وهو يقول له : اغد على بركة الله! وركب اسامة الى معسكره ، وصاح بأصحابه باللحوق بالعسكر ، فانتهى الى معسكره ونزل وأمر الناس بالرحيل من الجرف. فبينا هو كذلك إذ أتاه رسول أمه أمّ أيمن يخبره أنّ رسول الله في حال الموت ، فرجع اسامة الى المدينة ومعه عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجرّاح.

أما أبو بكر فإنّه كان قد دخل عليه لما كان مفيقا فقال له : يا رسول الله إنّك

٦٨٠