موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٣

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٢٠

هداية ... وأمانة :

قال : وكان يسار الحبشي عبدا أسود لعامر اليهودي في غنم مولاه فلما رأى أهل خيبر يتحصّنون للقتال سألهم من يقاتلون؟ فقالوا : نقاتل هذا الذي يزعم أنه نبيّ ، فوقعت هذه الكلمة في نفسه ، فأقبل يسوق غنمه الى معسكر رسول الله حتى وصل إليه فقال : يا محمد ما تقول؟ وإلى ما تدعو؟ قال : أدعو الى الاسلام ، فاشهد ان لا إله إلّا الله وانّي رسول الله. قال : ومالي إذا أسلمت؟ قال : ان ثبتّ على ذلك فالجنة. فأسلم الرجل. ثم قال : وما أفعل بهذه الاغنام وهي وديعة عندي؟ فقال له النبيّ : أخرجها من العسكر ثم صح بها وارمها بحصيات ، فان الله سيؤدي عنك أمانتك ، ففعل العبد ذلك ، فخرجت الأغنام الى صاحبها (١).

واصطفوا للقتال :

قال : وكان رسول الله حين انتهى الى حصن ناعم في النطاة وصفّ أصحابه نهاهم عن القتال حتى يأذن لهم ، ومع ذلك حمل رجل من المسلمين من أشجع على يهودي ، فحمل عليه مرحب اليهودي فقتله. فقال بعض المسلمين لرسول الله : استشهد فلان. فقال رسول الله : أبعد ما نهيت عن القتال؟ قالوا : نعم. فأمر رسول الله مناديا فنادى في المسلمين : ألا لا تحل الجنة لعاص. ثم أذن رسول الله في القتال.

ووعظ رسول الله الناس ، وفرّق بينهم الرايات ، وكانت ثلاث رايات ، ولواء. فدفع راية الى سعد بن عبادة ، وراية الى الحباب بن المنذر ، وراية الى علي عليه‌السلام (٢).

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٦٤٩. ورواه ابن اسحاق في السيرة ٣ : ٣٥٨ ، ٣٥٩.

(٢) مغازي الواقدي ٢ : ٦٤٩ وقال : وكانت راية النبي سوداء ولواؤه أبيض. وعليه فالرايات كنّ أربعا لا ثلاثا ، وانما ذكر الثلاث دون راية رسول الله ، فمع النبي علمان : كبير

٢١

وانما بدأ النبي بذلك لما ولّى عيينة بن حصن الغطفاني بالأربعة آلاف من قومه الى اهلهم. وانتهى رسول الله ومعه المسلمون الى حصون ناعم وهي عدة حصون ، فرماهم اليهود بالنبل. وكان على النبي يومئذ درعان ومغفر وبيضة ، وهو على فرس يقال له الظرب ، وفي يده قناة وترس ، وأصحابه محدقون به ، فلما رموهم بالنبل ترسوا عن رسول الله (١).

وروى المفيد عن ابن هشام وابن اسحاق (كذا) قالوا : حاصر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خيبر بضعا وعشرين ليلة (٢) ولحق عليا عليه‌السلام رمد أعجزه عن الحرب.

وكان اليهود قد خندقوا حول أنفسهم ، فكان المسلمون يناوشونهم من جوانبهم. وذات يوم فتحوا الباب ... وخرج مرحب برجّالته يتعرض للحرب (٣). وكان

__________________

ـ هو اللواء الأبيض ، وصغير هي الراية السوداء من برد لعائشة ، كما في الواقدي. بينما لم يذكر ابن اسحاق إلّا راية واحدة بيضاء بيد علي عليه‌السلام ٣ : ٣٤٢ وفي ٣٤٩ قال : بعث أبا بكر برايته (البيضاء) ... ثم بعث عمر ... ثم دعا عليا وقال : خذ هذه الراية. وقال الواقدي : وكان قد دفع لواءه الى رجل من المهاجرين (؟) فرجع ولم يصنع شيئا ، ثم دفعه الى آخر فرجع ولم يصنع شيئا ... ثم ارسل الى علي عليه‌السلام فذهب إليه ... فدفع إليه اللواء ٢ : ٦٥٣ ، ٦٥٤ بينما الحديث عندهما : لأعطينّ الراية غدا رجلا ... فلعله دفع إليه الراية البيضاء أولا ثم اللواء الأبيض ثانيا.

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٦٥٣.

(٢) الارشاد ١ : ١٢٥ واعلام الورى ١ : ٢٠٧ وعنه في قصص الأنبياء : ٣٤٧. وفي السيرة : بضع عشرة ليلة ٣ : ٣٤٧.

(٣) ليس بهذا النص في السيرة ، وليس فيه تعيين مرحب من اي حصن ، وفي مغازي الواقدي : أنه وأخويه الحارث وياسر ، واسير وعامر كانوا جميعا من حصن ناعم ٢ : ٦٥٧ و ٦٥٨ و ٦٤٥ و ٦٤٩ و ٦٥٠ و ٧٠٠.

٢٢

علي عليه‌السلام قد لحقه رمد أعجزه عن الحرب ... فدعا رسول الله أبا بكر فقال له : خذ الراية ، فأخذها في جمع من المهاجرين ، فاجتهد ، ولم يغن شيئا ، فعاد يؤنب القوم الذين اتبعوه ، ويؤنبونه (١).

وروى ابن اسحاق في السيرة بسنده عن سلمة بن الأكوع قال : بعث رسول الله أبا بكر برايته الى بعض حصون خيبر ، فقاتل وجهد ولم يك فتح ورجع (٢).

وكنّى الواقدي فقال : وكان قد دفع لواءه الى رجل من أصحابه من المهاجرين ، فرجع ولم يصنع شيئا ... وجعل صاحب راية المهاجرين يستبطئ أصحابه ويقول : أنتم وأنتم! (٣) ودفع رسول الله لواء الانصار الى رجل منهم (سعد بن عبادة).

وسالت كتائب اليهود امامهم الحارث أبو زينب (أخو مرحب) يقدم اليهود ، يهدّ الارض هدا. فأقبل صاحب راية الانصار (سعد بن عبادة) فلم يزل يسوقهم حتى انتهوا الى الحصن فدخلوه. ثم خرج اسير اليهودي يقدم أصحابه ومعه جماعة يعدون بأرجلهم ، فكشف أصحاب راية الانصار حتى انتهى الى رسول الله في موقفه ، فوجد رسول الله في نفسه حدّة شديدة ، وأمسى مهموما ، وقد رجع سعد بن عبادة (وهو صاحب الراية كما مرّ) مجروحا يستبطئ أصحابه (٤).

__________________

(١) الارشاد ١ : ١٢٥ ، ١٢٦.

(٢) سيرة ابن هشام ٣ : ٣٤٩.

(٣) مغازي الواقدي ٢ : ٦٥٣ وروى مثله الصدوق في الأمالي : ٤١٤ بسنده عن عمرو بن العاص قال : ان رسول الله في يوم خيبر دفع الراية الى رجل من أصحابه فرجع منهزما ، فدفعها الى آخر فرجع يجبّن أصحابه ويجبّنونه قد رد الراية منهزما ...

(٤) مغازي الواقدي ٢ : ٦٥٣ وروى الراوندي عن الامام الباقر عليه‌السلام قال : انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث سعدا براية الأنصار الى خيبر فرجع منهزما ، ثم بعث عمر بن الخطاب براية

٢٣

فقال لهم رسول الله : إن الشيطان قد قال لليهود : إن محمدا يقاتلكم على أموالكم ، فنادوهم : قولوا لا إله إلّا الله ، تحرزون بذلك دماءكم وأموالكم ، وحسابكم على الله. فنادوهم بذلك ، فنادت اليهود : انا لا نترك عهد موسى ، والتوراة بيننا (١).

وقاتل رسول الله يومه ذلك أهل حصون النطاة (ومنها الناعم) الى الليل ، وأخذت نبالهم تخالط عسكر المسلمين وتجاوزه ، فجعل المسلمون يلقطون نبلهم ثم يردّونها عليهم ، وكان شعارهم : يا منصور أمت (٢).

وجاء الحباب بن المنذر فقال : يا رسول الله ، انّ اليهود ترى النخل أحب إليهم من أبكار أولادهم ، فاقطع نخلهم. فأمر رسول الله بقطع النخل. ووقع المسلمون في قطعها ، وأسرعوا في القطع حتى قطعوا أربعمائة عذق من النطّاة ـ ولم تقطع في غيرها. وكان يوما صائفا شديد الحرّ ... فلما اشتد الحرّ على محمود بن مسلمة (أخي محمد) وعليه أداته كاملة ، جلس تحت حصن ناعم يبتغي فيئه ... فدلّى عليه مرحب رحى فأصاب رأسه ، فهشمت البيضة رأسه حتى سقطت جلدة جبينه على وجهه ، واتى به رسول الله فردّ الجلدة فرجعت كما كانت ، وعصّبها رسول الله بثوب (٣). وجرح من نبالهم خمسون رجلا من المسلمين (٤).

__________________

ـ المهاجرين فأتى بسعد جريحا وعمر يجبّن أصحابه ويجبنونه. بحار الأنوار ٢١ : ١١ ، عن الخرائج والجرائح للراوندي ، ولم نجده فيه.

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٦٥٣.

(٢) مغازي الواقدي ٢ : ٦٤٤ وابن هشام ٣ : ٣٤٧ : يا منصور أمت أمت.

(٣) مغازي الواقدي ٢ : ٦٤٥.

(٤) مغازي الواقدي ٢ : ٦٤٦.

٢٤

وتحوّلوا في الليل :

ومرّ الخبر ان النبي كان قد بعث محمد بن مسلمة ليرى لهم منزلا بريئا من الوباء بعيدا من حصون اليهود يأمن فيه من بياتهم ، فطاف محمد يومه ذلك حتى انتهى الى وادي الرجيع ثم رجع الى النبي ليلا فقال : وجدت لك منزلا. فقال رسول الله : على بركة الله (١) فلما أمسى أمر الناس أن يتحولوا الى الرجيع ... فضرب عسكره هناك وبات فيه (٢) ثم أخبر محمد أنّ أخاه قد اصيب. وكانوا قد قدموا خيبر على ثمرة خضراء واكلوا منها وكانت وبيئة فأصابتهم الحمّى ، فشكوا ذلك الى رسول الله فقال لهم : صبوا الماء في القرب ، فاذا كان بين الأذانين (كذا) فصبوه على أنفسكم واذكروا اسم الله. ففعلوا ، فكأنّما نشطوا من عقال (٣).

وكان مقامه بالرجيع سبعة أيام ، يترك العسكر كل يوم بالرجيع يستخلف عثمان بن عفّان ، ويغدو كل يوم بالمسلمين على راياتهم ... وانما قاتل اليوم الأول من أسفل حصون النطاة ، وبعد قاتلهم من أعلاها ، يقاتلهم كلّ يوم الى الليل ، فإذا أمسى رجع الى الرجيع ... ومن كان يجرح من المسلمين فان كان به أن يمشي انطلق الى المعسكر في الرجيع ، والا فيحمل الى المعسكر فيداوى فيه ... حتى فتح الله له (٤).

اليوم الثاني :

روى المفيد عن ابن هشام وابن اسحاق وغيرهما قالوا : لما كان من الغد تعرّض للراية عمر ، فسار بها غير بعيد ، ثم رجع يجبّن أصحابه ويجبّنونه. فقال

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٦٤٤.

(٢) مغازي الواقدي ٢ : ٦٤٥.

(٣) مغازي الواقدي ٢ : ٦٤٦.

(٤) مغازي الواقدي ٢ : ٦٤٥.

٢٥

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ليست هذه الراية لمن حملها ، جيئوني بعلي بن أبي طالب. فقيل له : انه أرمد ، فقال : أرونيه تروني رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، يأخذها بحقّها ، ليس بفرّار (١)!

ورواه ابن اسحاق في السيرة بسنده عن سلمة بن الاكوع قال : بعث من الغد عمر بن الخطاب ، فقاتل وجهد ولم يك فتح فرجع. فقال رسول الله : لاعطينّ الراية غدا رجلا يحبّ الله ورسوله ... يفتح الله على يديه ، ليس بفرّار (٢).

وكنّى الواقدي قال : ثم دفعه الى آخر فرجع ولم يصنع شيئا ... وجعل صاحب راية المهاجرين يستبطئ أصحابه ويقول : انتم وانتم! (٣)

ووجد رسول الله في نفسه حدّة شديدة ... وأمسى مهموما ... وقال : لاعطينّ الراية غدا رجلا يحبّه الله ورسوله ... يفتح الله على يديه ، ليس بفرّار. أبشر يا محمد ابن مسلمة غدا إن شاء الله يقتل قاتل أخيك ، وتولّي عادية اليهود.

اليوم الثالث :

قال : فلما أصبح أرسل الى علي بن أبي طالب عليه‌السلام وهو أرمد ، فقال : ما ابصر سهلا ولا جبلا. ثم ذهب [به] إليه ، فقال له : افتح عينيك. ففتحهما فتفل فيهما (قال علي عليه‌السلام : فما رمدت حتى الساعة) ثم دفع إليه اللواء ، ودعا له ومن معه من أصحابه بالنصر (٤).

__________________

(١) الارشاد ١ : ١٢٦.

(٢) سيرة ابن هشام ٣ : ٣٤٩.

(٣) مغازي الواقدي ٢ : ٦٥٣ ومرّ عن الصدوق في الامالي : ٤١٤ مثله عن عمرو بن العاص قال : ان رسول الله يوم خيبر دفع الراية الى رجل من أصحابه فرجع منهزما ، فدفعها الى آخر فرجع يجبّن أصحابه ويجبّنونه قد ردّ الراية منهزما ، فقال رسول الله ...

(٤) مغازي الواقدي ٢ : ٦٥٣ ، ٦٥٤.

٢٦

وروى ابن اسحاق عن سلمة قال : فدعا رسول الله عليا رضوان الله عليه وهو أرمد ، فتفل في عينه ثم قال : خذ هذه الراية ، فامض بها حتى يفتح الله عليك (١).

وروى عنه المفيد في «الارشاد» قال : فجاؤوا بعلي عليه‌السلام يقودونه إليه ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما تشتكي يا علي؟ قال : رمد (في عيني) وصداع برأسي. فقال له : اجلس وضع رأسك على فخذي. ففعل علي عليه‌السلام ذلك ، فدعا له النبيّ وتفل في يده فمسحها على عينيه ورأسه ، فانفتحت عيناه وسكن ما كان يجده من الصداع ، وقال في دعائه له : اللهم قه الحر والبرد. وأعطاه الراية ـ وكانت راية بيضاء ـ وقال له : خذ الراية وامض بها ، فجبرئيل معك ، والنصر أمامك (٢) ، والرعب مبثوث في صدور القوم. واعلم يا علي أنهم يجدون في كتابهم : أن الذي يدمّر عليهم اسمه ايليا ، فاذا لقيتهم فقل : أنا علي ، فانهم يخذلون ان شاء الله.

فجاء في الحديث : أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام لمّا قال لهم : أنا علي بن أبي طالب ، قال حبر من أحبار القوم : غلبتم وما انزل على موسى. فدخل قلوبهم من الرعب ما لم يمكنهم معه الاستيطان به (٣).

وروى ابن اسحاق بسنده عن سلمة قال : فخرج بها يهرول هرولة ، وبه نفس شديد من الاعياء ، وإنّا خلفه نتبع اثره ، حتى ركز رايته فيما بين أحجار مجتمعة تحت الحصن. فاطلع إليه يهودي من رأس الحصن فقال : من أنت؟ قال : أنا علي بن ابي طالب. فقال اليهودي : علوتم وما انزل على موسى (٤).

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٣ : ٣٤٩.

(٢) وفي المناقب وجبرئيل عن يمينك وميكائيل عن يسارك ، وعزرائيل أمامك واسرافيل وراءك ، ونصر الله فوقك ودعائي خلفك. مناقب آل أبي طالب ٢ : ٧٨.

(٣) الارشاد ١ : ١٢٦ ، ١٢٧.

(٤) سيرة ابن هشام ٣ : ٣٤٩.

٢٧

قال علي عليه‌السلام : فمضيت بها حتى أتيت الحصون ، فخرج مرحب وعليه مغفر وحجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه وهو يرتجز ويقول :

قد علمت خيبر أني مرحب

شاك السلاح بطل مجرّب

فقلت :

أنا الذي سمتني أمّي حيدرة

عبل الذراعين شديد قسورة

اكيلكم بالسيف كيل السندرة (١)

فاختلفنا ضربتين فبدرته فضربته فقددت الحجر والمغفر ورأسه ، حتى وقع السيف في اضراسه وخرّ صريعا (٢).

وقال الواقدي : فكان أول من خرج إليهم الحارث (ابو زينب) أخو مرحب ، في جماعة معه يعدون على أرجلهم ، فانكشف المسلمون! وثبت علي عليه‌السلام ، فاضطربا ضربات فقتله علي عليه‌السلام ، ورجع أصحاب الحارث الى الحصن فدخلوه وأغلقوه عليهم ، فرجع المسلمون الى مواضعهم. وخرج مرحب وهو يقول : (فجاء برجزه السابق ثم قال :) فحمل عليه علي عليه‌السلام فجدله على باب الحصن (٣).

__________________

(١) السندرة : كيل ضخم.

(٢) الارشاد ١ : ١٢٧ عن ابن اسحاق وابن هشام ، وليس في السيرة الا رجز مرحب وجواب كعب بن مالك له ومبارزة محمد بن مسلمة وقتله لمرحب!

(٣) مغازي الواقدي ٢ : ٦٥٤ هكذا اختصر هذا الخبر وأجمله ، وطوّل القول وفصّل فيما يقابل ذلك قال : أما الحارث أبو زينب أخو مرحب ـ فقد روى ابن أبي سبرة ـ أن الذي قتله ابو دجانة الأنصاري. وروى بثلاثة طرق عن جابر وسلمة بن سلامة ، ومجمّع بن حارثة قالوا جميعا : إن محمد بن مسلمة هو الذي قتل اسيرا اليهودي وكان رجلا قويا ، ومرحبا ، ويقال : ان مرحبا برز وهو كالفحل الصؤول ... يدعو للبراز فقال محمد بن مسلمة : يا رسول الله أنا والله الموتور الثائر ، قتل اخي بالامس ، فأذن لي في قتال مرحب وهو قاتل أخي.

٢٨

__________________

ـ فأذن له رسول الله في مبارزته ودعا له بدعوات وأعطاه سيفه ، فخرج محمد فصاح : يا مرحب ، هل لك في البراز؟ فقال : نعم ، فبرز إليه مرحب ... وبرز كل واحد منهما الى صاحبه فحال بينهما شجر العشر وكان لها أصل كمثل أصل الفحل من النخل وأغصان منكرة ، فاستترا بها حتى قطعا كل ساق لها وبقى أصلها قائما ، ورفع مرحب السيف ليضرب محمدا فاتقاه محمد بالدّرقة فشب سيفه فيها ، وطأطأ محمد بالسيف وانشمرت الدرع عن ساقي مرحب فقطع محمد رجليه من ساقيه فوقع ، فجاوزه محمد ، ومرّ به علي عليه‌السلام فضرب عنقه. فقال محمد لرسول الله : يا رسول الله قد كنت قادرا بعد أن قطعت رجليه أن اجهز عليه وما منعني من الاجهاز عليه شيء ، والله ما قطعت رجليه ثم تركته الا ليذوق مرّ السلاح وشدة الموت كما ذاق اخي مكث ثلاثا يموت. فقال علي عليه‌السلام : صدق ، ضربت عنقه بعد أن قطع رجليه. فأعطاه رسول الله سلبه ٢ : ٦٥٦.

وقال : إن فرائض البنات (كذا) لم تكن لتنزل حتى ذلك اليوم ... ولذلك جعل محمود بن مسلمة يقول لاخيه : يا أخي لا تدع بنات أخيك يتبعن الأفياء يسألن الناس! فيقول له أخوه محمد بن مسلمة : يا أخي لو لم تترك مالا فإن لي مالا ... فلما كان اليوم الثالث وهو اليوم الذي قتل فيه مرحب قال رسول الله : من يبشر محمود بن مسلمة انّ محمد بن مسلمة قد قتل قاتله ، وان الله قد أنزل فرائض البنات (كذا) فخرج جعال بن سراقة إليه فأخبره فسرّ بذلك وأمره أن يقرئ رسول الله السلام منه ... ثم مات ... فقبر في غار ... فقال محمد : يا رسول الله اقطع لي (اقطاعا) عند قبر اخي! فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : لك حضر الفرس. أي لك بأرض خيبر بمقدار عدو الفرس وآيات الفرائض هي الآيات الاولى والاخيرة من سورة النساء ، وهذا يعني انها نزلت في ايام خيبر. وهي السورة الثانية والتسعون في النزول والسادسة في النزول بالمدينة. التمهيد ١ : ١٠٦.

ودفن مع محمود بن مسلمة عامر بن سنان الاكوع ٢ : ٦٥٨ وكان يقاتل رجلا من اليهود فرجع سيفه عليه فجرحه جرحا شديدا فمات منه ، فقال المسلمون : انما قتله سلاحه.

٢٩

ويبدو أن مبارزة مرحب وقتله وفتح حصون الناعم من حصون النطاة كان آخر الأمر ، فهناك أخبار من قبل ذلك ، منها :

برز ياسر (١) ، وكان من أشداء اليهود ، وكانت معه حربة يسوق بها المسلمين سوقا ، فبرز له علي عليه‌السلام ، فقال له الزبير بن العوام : أقسمت عليك الا خلّيت بيني وبينه ، فتركه علي عليه‌السلام. وأقبل ياسر يسوق بحربته الناس ، فبرز له الزبير ، فقالت أمه صفية بنت عبد المطلب عمة النبيّ : يا رسول الله وا حزنا! ابني يقتل يا رسول الله! فقال : بل ابنك يقتله. فاقتتلا فقتله الزبير. فلما قتل ياسر ومرحب قال رسول الله : أبشروا قد ترحبت خيبر وتيسّرت!

وبرز عامر ، وكان رجلا جسيما طويلا ، يخطر بسيفه وعليه درعان مقنّع في الحديد يصيح : من يبارز؟! ورآه النبي طويلا فقال : أترونه خمسة أذرع؟! فبرز إليه علي عليه‌السلام فضربه ضربات لم تصنع فيه شيئا ، حتى ضرب ساقيه فبرك ثم أجهز عليه وأخذ سلاحه.

وقتل من اليهود ناس كثير ، وإنمّا سمّي اسير وياسر وعامر والحارث ومرحب

__________________

ـ فاخبر سلمة بن عمر الاكوع ابن اخيه رسول الله وسأله عن ذلك. فقال رسول الله : انه لشهيد ، وصلّى عليه ، فصلّى عليه المسلمون معه. سيرة ابن هشام ٣ : ٣٤٣ هذا وقد روى الواقدي نفسه عن سلمة بن الاكوع أن عامر بن الاكوع قتل في حصار حصن الصعب بن معاذ بعد عشرة أيام من وصولهم خيبر ٢ : ٦٥٩ و ٦٦١ ، ٦٦٢.

ودفن معهم العبد الأسود اليهودي الذي اسلم وتبع عليا عليه‌السلام فقاتل حتى قتل ، فقال رسول الله : لقد كرم الله هذا العبد الأسود ... ولقد رأيت عند رأسه زوجتين من الحور العين ٢ : ٦٤٩ ، ٦٥٠.

(١) أخو مرحب ، مغازي الواقدي ٢ : ٦٧٩.

٣٠

لانهم كانوا أهل شجاعة ، وكان هؤلاء جميعا من حصن ناعم (١) وأبو الحكم سلّام بن مشكم كان مريضا وكان في حصن النطاة فقيل له : انه لا قتال فيك فكن في حصن الكتيبة ، فلم يقبل ، فقتل مريضا (٢).

وروى المفيد عن ابن هشام وابن اسحاق وغيرهم قالوا : لما قتل أمير المؤمنين عليه‌السلام مرحبا ، رجع من كان معه واغلقوا باب الحصن عليهم دونه ، فصار إليه أمير المؤمنين عليه‌السلام فعالجه حتى فتحه ... فأخذ باب الحصن فجعله على الخندق جسرا لهم حتى عبروا وظفروا بالحصن ونالوا الغنائم.

وروى بسنده عنه عليه‌السلام قال : لما عالجت باب خيبر جعلته مجنّا لي وقاتلت القوم ، فلما أخزاهم الله وضعت الباب على حصنهم طريقا ثم رميت به في خندقهم (٣).

وروى ابن اسحاق بسنده عن أبي رافع القبطي مولى رسول الله قال : لما بعث رسول الله علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) برايته خرجنا معه ، فلما دنا من الحصن خرج إليه اهله فقاتلهم ، فضربه رجل من اليهود فطاح ترسه من يده ، فتناول علي عليه‌السلام بابا كان عند الحصن فترّس به عن نفسه ، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه ، فلما فرغ ألقاه من يده (٤).

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٦٥٧ ، ٦٥٨.

(٢) مغازي الواقدي ٢ : ٦٧٩.

(٣) الارشاد ١ : ١٢٧ و ١٢٨.

(٤) سيرة ابن هشام ٣ : ٣٤٩ ، ٣٥٠ ورواه الطبرسي في مجمع البيان ٩ : ١٨٢ عن دلائل النبوة للبيهقي ٤ : ٢١٢ ثم نقل عنه عن الامام الباقر عليه‌السلام عن جابر بن عبد الله الأنصاري : أن عليا عليه‌السلام حمل الباب يوم خيبر فصعد المسلمون عليه فاقتحموها ، وانه حرك بعد

٣١

ورواه الواقدي وزاد : فلما فتح عليه الحصن بعث رجلا يبشّر النبي بفتح حصن مرحب ودخولهم فيه (١).

وروى الطبرسي عن أبان بن عثمان البجلي الكوفي عن زرارة بن أعين عن الباقر عليه‌السلام قال : انتهى علي عليه‌السلام الى باب الحصن وقد اغلق في وجهه فاجتذبه اجتذابا (فاقتلعه) وتترّس به ، ثم حمله على ظهره واقتحم المسلمون الحصن (من فوق) الباب على ظهره ، ثم رمى بالباب رميا.

وخرج البشير الى رسول الله : أنّ عليا دخل الحصن. فأقبل رسول الله ، فخرج علي عليه‌السلام يتلقاه فقال له : قد بلغني نبؤك المشكور وصنيعك المذكور ، وقد رضي الله عنك ورضيت عنك! فبكى علي عليه‌السلام ، فقال له : ما يبكيك يا علي؟ قال : فرحا بأن الله ورسوله عنّي راضيان (٢).

وروى المفيد قال : لما قتل أمير المؤمنين مرحبا وفتح الحصن وأغنم المسلمين أموالهم ، استأذن حسّان بن ثابت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يقول شعرا فقال له : قل. فقال :

__________________

ـ ذلك فلم يحمله أربعون رجلا. وفي اخرى : سبعون رجلا. ومثله في الارشاد ١ : ١٢٨. وروى الصدوق في الخصال بسنده عن عامر بن واثلة قال : سمعت عليا عليه‌السلام يوم الشورى يقول : نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله حين رجع عمر قد ردّ راية رسول الله منهزما فقال رسول الله : لاعطينّ الراية غدا رجلا ليس بفرّار يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله لا يرجع حتى يفتح الله عليه. فلما أصبح قال : ادعوا لي عليا. فقالوا : يا رسول الله هو رمد ما يطرف. فقال : جيئوني به ٢ : ٥٥٥ ، وروى مثله الطوسي في الأمالي : ٦ عن أبي ذر. وروى مثله الطبرسي في الاحتجاج ١ : ٢٠٤ عن الامام الباقر عليه‌السلام.

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٦٥٥.

(٢) اعلام الورى ١ : ٢٠٨.

٣٢

وكان عليا أرمد العين يبتغي

دواء ، فلما لم يحسّ مداويا

شفاه رسول الله منه بتفلة

فبورك مرقيّا وبورك راقيا

وقال : سأعطي الراية اليوم صارما

كميا محبا للرسول مواسيا

يحبّ الهي والاله يحبّه

به يفتح الله الحصون الأوابيا

فأصفى بها دون البرية كلّها

عليا ، وسمّاه الوزير المؤاخيا

وقال شاعر آخر :

إنّ امرأ حمل الرتاج بخيبر

يوم اليهود بقدرة ، لمؤيّد

حمل الرتاج رتاج باب قموصها

والمسلمون وأهل خيبر شهّد (١)

والرتاج : الباب العظيم ، واضافه الى القموص ، وهو اسم حصن من حصون اليهود بخيبر.

وقد مرّ في أخبار الواقدي : أنّ النبي بدأ القتال في خيبر بأهل النطّاة ، فقاتل في أوّل يوم من أسفلها ، ثم عاد بعد فقاتلهم من اعلاها حتى فتح الله عليه ، وأن أوّل حصن بدأ به القتال من النطاة حصن ناعم ، وهو اسم يهودي كانت له عدة حصون (٢) والنطاة عدة حصون (٣) وكان مدد غطفان الأربعة آلاف في حصن ناعم (٤) وحصون ناعم أيضا عدة حصون (٥) وخرج إليهم الحارث اخو مرحب من هذا

__________________

(١) الارشاد ١ : ١٢٨ ، ١٢٩.

(٢) مغازي الواقدي ٢ : ٦٤٥.

(٣) مغازي الواقدي ٢ : ٦٥٠.

(٤) مغازي الواقدي ٢ : ٦٥١.

(٥) مغازي الواقدي ٢ : ٦٥٢.

٣٣

الحصن (١) وكذلك أخواه مرحب (٢) وياسر (٣) وكذلك اسير وعامر (٤) كان هؤلاء من حصن ناعم جميعا فالحصن الذي اقتلع علي عليه‌السلام بابه هو حصن ناعم ، وليس في ما بأيدينا من الآثار التأريخية والأخبار ما يدل أو يشير الى أن حصن ناعم كان يسمّى القموص أيضا. وفي ما يأتي نقف على موقع القموص.

مقامه على حصون النطاة :

قال الواقدي : كان مقامه بالرجيع سبعة أيام ، يترك المعسكر كل يوم بالرجيع يستخلف عثمان بن عفان ، ويغدو كل يوم بالمسلمين على راياتهم ... وكان قد قاتل أول يوم من أسفل النطاة ثم عاد فقاتلهم من أعلاها ، يقاتلهم كل يوم الى الليل ، فاذا أمسى رجع الى الرجيع ... ومن كان يجرح من المسلمين فإن كان به أن يمشي انطلق الى المعسكر في الرجيع ، والّا فيحمل الى المعسكر فيداوى فيه ... حتى فتح الله له.

قالوا : وكان رسول الله في مقامه بالرجيع سبعة ايام يناوب بين اصحابه في حراسة الليل ، فلما كانت الليلة السادسة من السبع استعمل لذلك عمر بن الخطاب ، فطاف عمر باصحابه حول العسكر وفرّقهم لذلك.

فكان كعب بن مالك يحدّث : أن رجلا من اليهود من أهل النطاة نادانا ليلا ونحن بالرجيع : أنا آمن وابلّغكم؟ قلنا : نعم ، ثم ابتدرناه فكنت أول من سبق إليه ،

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٦٥٤.

(٢) مغازي الواقدي ٢ : ٦٥٥.

(٣) مغازي الواقدي ٢ : ٦٧٩.

(٤) مغازي الواقدي ٢ : ٦٥٧.

٣٤

فقلت له : ما أنت؟ فقال : رجل من اليهود ، فأدخلناه على رسول الله. فقال له : يا أبا القاسم تؤمنني وأهلي على أن أدلّك على عورة اليهود؟ فقال رسول الله : نعم. فقال اليهودي : خرجت من حصن النطاة من عند قوم ليس لهم نظام ، تركتهم يتسللون من الحصن في هذه الليلة. فقال رسول الله : فأين يذهبون؟ قال : الى أذل مما كانوا فيه الى الشقّ ، وقد رعبوا منك ، حتى انّ أفئدتهم لتخفق. وهذا حصن اليهود فيه السلاح والطعام والودك (اللحم) وفيه آلة حصونهم التي كانوا يقاتلون بها ... قد غيّبوا ذلك في بيت من حصونهم تحت الارض. قال رسول الله : وما هو؟ قال : منجنيق مفكّكة ودبّابتان ، وسلاح من دروع وبيض وسيوف ، فاذا دخلت الحصن ـ قال رسول الله : ان شاء الله ـ فقال اليهودي : ان شاء الله اوقفك عليه ، فانه لا يعرفه احد من اليهود غيري. واخرى! فقيل : وما هي؟ قال : تستخرجه (المنجنيق) ثم انصبه على حصن الشق ، وتدخل الرجال تحت الدبابتين فيحفرون الحصن فتفتحه من يومك ، وكذلك تفعل بحصن الكتيبة.

ثم قال اليهودي : يا أبا القاسم ، احقن دمي! قال : أنت آمن. قال : ولي زوجة في حصن النزّار فهبها لي. قال : هي لك.

ثم قال رسول الله : ما لليهود حوّلوا ذراريهم من النطاة؟ قال : جرّدوها للمقاتلة ، وحوّلوا الذراري الى الشق والكتيبة. ثم دعاه رسول الله الى الاسلام ، فقال : أنظرني أياما (١).

ثم روى عن معتّب الاسلمي قال : لما قدمنا خيبر أقمنا عشرة أيام على حصن النطاة لا نفتح (حصنا) فيه طعام ، فاتّفق بنو أسلم أن يرسلوا أسماء بن حارثة الاسلمي ليشكو حالهم الى النبي ، فقالوا له : ائت رسول الله فقل له : ان أسلم يقرءونك السلام ويقولون : إنا جهدنا من الجوع والضعف.

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٦٤٥ ـ ٦٤٨.

٣٥

فجاءه اسماء بن حارثة فقال : يا رسول الله ، ان اسلم تقول : انا قد جهدنا من الجوع والضعف فادع الله لنا. فدعا لهم رسول الله فقال : اللهم افتح عليهم اعظم حصن فيه اكثره طعاما وودكا (لحما) ودفع اللواء الى الحباب بن المنذر بن الجموح.

وندب رسول الله الناس معه فنهضوا ... وانتهوا الى حصن الصعب بن معاذ وان عليه لخمسمائة مقاتل ، وكان حصن اليهود فيه الطعام والودك والماشية والمتاع.

وبرز من الحصن رجل يقال له يوشع ، يدعو إلى البراز ، فبرز إليه الحباب بن المنذر فاختلفا ضربات فقتله الحباب. وبرز آخر يقال له الزيّال ، فبرز له عمارة بن عقبة الغفاري ، فبدره الغفاري فضربه ضربة على هامته وهو يقول : خذها وأنا الغلام الغفاري! فقال الناس : بطل جهاده! فبلغ ذلك رسول الله فقال : ما به بأس ، بل يؤجر ويحمد (١).

وروى عن سلمة بن سنان الاكوع قال : غدا (عمي) عامر بن سنان (الاكوع) فلقي رجلا من اليهود فبدره اليهودي وضربه ، فاتقاه عامر بدرقته فنبا سيف اليهودي عنه ، وضرب عامر رجل اليهودي فقطعها ورجع السيف عليه فأصابه ذبابة ، فنزف حتى مات. فقال اسيد بن حضير : حبط عمله! فبلغ ذلك رسول الله فقال : كذب من قال ذلك! إنّ له لاجرين : انه جاهد مجاهد ، وانه ليعوم في الجنة عوم الدعموص (٢).

قال : وكان قد حمل الى الرجيع فقبر مع محمود بن مسلمة في غار (٣).

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٦٥٨ ـ ٦٦٠.

(٢) مغازي الواقدي ٢ : ٦٦١ ، ٦٦٢. والدعموص : الدخّال في الأمور ، أي انه سياح في الجنة دخّال في منازلها لا يمنع من موضع ، راجع النهاية ٢ : ١٢٠.

(٣) مغازي الواقدي ٢ : ٦٥٨. وروى مقتله ابن اسحاق في السيرة ٣ : ٣٤٣. قال : بلغني أن سيفه رجع عليه وهو يقاتل فكلمه كلما شديدا فمات منه ، فشك المسلمون فيه وقالوا :

٣٦

واستمر حصار حصن الصعب بن معاذ ثلاث ايام ، فكان حصنا منيعا. فبينا هم محاصرون الحصن اذ خرج منه عشرون أو ثلاثون حمارا لم يقدر اليهود على ادخالها ، فأخذها المسلمون وهم جياع فذبحوها وأوقدوا النيران وطبخوا لحومها في القدور. ومرّ بهم رسول الله وهم على تلك الحال ، فسأل عن ذلك فاخبر الخبر ، فأمر مناديا فنادى فيهم : إنّ رسول الله ينهاكم عن الحمر الإنسية ... وعن كل ذي ناب ومخلب فكفوا القدور (١).

__________________

ـ انما قتله سلاحه. فاخبر ابن اخيه سلمة بن سنان الاكوع رسول الله وسأله عن ذلك فقال رسول الله : إنه لشهيد ، وصلى عليه ، فصلى عليه المسلمون معه. وروى معناه الطبرسي في مجمع البيان ٩ : ١٨١ ، ١٨٢.

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٦٦٠ ، ٦٦١ وفيه : وعن متعة النساء! هكذا بلا مناسبة. وقد يناسب البحث هنا عن نكاح المتعة تأريخيا ، ولكن المسألة أقرب الى البحث الفقهي منه الى التأريخ والسيرة ، وقد أوسع العلماء الفقهاء المسألة دراسة وبحثا فنوكل ذلك إليهم في كتب عديدة منها : أصل الشيعة واصولها للامام الشيخ كاشف الغطاء. وأجوبة مسائل موسى جار الله للامام السيد عبد الحسين شرف الدين. والمتعة وأثرها في الاصلاح الاجتماعي للمحامي الدكتور توفيق الفكيكي. والزواج الموقت للسيد جعفر مرتضى العاملي. ومع الخطيب في خطوطه العريضة للشيخ الصافي. ونكاح المتعة بين السنة والبدعة للسيد مرتضى الموسوي الأردبيلي.

اما عن الحمر الأهلية ففي وسائل الشيعة باب فيه عشرة أخبار في كراهتها ٢٤ : ١١٧ ـ ١٢٠. وفي مستدركه باب فيه ثلاثة أحاديث ١٦ : ٧٧٤ منها عن أبي الجارود قال سمعت الباقر عليه‌السلام يقول : ان المسلمين كانوا جهدوا في خيبر فأسرع المسلمون في دوابهم (هكذا) فأمر رسول الله باكفاء القدور ولم يقل انها حرام ، وكان ذلك ابقاء على الدواب ٢٤ : ١١٨. وعن أبي بصير قال : سمعت الباقر عليه‌السلام يقول : إن الناس اكلوا لحوم دوابّهم يوم خيبر ، فأمر رسول الله باكفاء القدور ونهاهم عن ذلك ، ولم يحرّمها ١٦ : ١٧٤.

٣٧

وروى عن أمّ عمارة قال : ذبح بنو مازن بن النجار بخيبر فرسين فكنا نأكل منهما قبل أن يفتح حصن الصعب بن معاذ.

وروى بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري (١) قال : ذبح المسلمون خيلا من خيلهم قبل ان يفتح حصن الصعب بن معاذ.

وروى عنه أيضا قال : غزا بنا الحباب بن المنذر بن الجموح ومعه رايتنا وتبعه المسلمون الى حصن الصعب بن معاذ ... وأقمنا عليه يومين نقاتلهم أشد القتال. فلما كان اليوم الثالث ، بكر رسول الله عليهم ، فخرج رجل من اليهود كأنه دقل (السفينة من الطول) وفي يده حربة وخرج جماعة يعدون معه ، فأمطرونا ساعة بالنبل مثل الجراد حتى ظننت أن لا يقلعوا ، وترّسنا عن رسول الله. ثم حملوا علينا حملة رجل واحد ، فانكشف المسلمون حتى انتهوا الى رسول الله وهو واقف قد نزل عن فرسه ، ومولاه مدعم (الاسود) ممسك بزمام فرسه. وثبت الحباب برايتنا والله ما يزول ، يراميهم على فرسه.

وندب رسول الله المسلمين وحضّهم على الجهاد ورغّبهم فيه ، وأخبرهم أنّ الله قد وعده خيبر يغنمه اياها! فأقبل الناس حتى عادوا الى صاحب رايتهم ، فزحف بهم الحباب ، فلم يزل يدنو قليلا قليلا ، وترجع اليهود على ادبارها ، حتى لحمها الشرّ فانكشفوا سراعا ، ودخلوا الحصن وغلّقوا عليهم ، ووافوا على جدره ـ وله جدر دون جدر ـ فجعلوا يرموننا بالجنادل رميا كثيرا ، حتى نحّونا عن حصنهم بوقع الحجارة حتى رجعنا الى الموضع الاول.

ثم خرج اليهود مستميتين .. ورجعنا إليهم فاقتتلنا على باب الحصن أشد

__________________

(١) وروى ابن اسحاق في السيرة ٣ : ٣٤٥ بسنده عن جابر وقال ـ ولم يشهد جابر خيبر ـ إن رسول الله حين نهى الناس عن لحوم الحمر أذن لهم في اكل لحوم الخيل. والواقدي في الخبر التالي ينص على حضوره ، ولكنه نص على تخلفه عن خيبر في ٦٨٤.

٣٨

القتال ... فقتلنا عددا منهم وكلّما قتلنا رجلا حملوه حتى يدخلوه الحصن .. وقتل يومئذ على الباب ثلاثة من أصحاب رسول الله : أبو صيّاح والحارث بن حاطب وعديّ بن مرة.

ثم حمل صاحب رايتنا وحملنا معه ، حتى أدخلنا اليهود الحصن وتبعناهم إلى جوفه ، فلما دخلنا عليهم الحصن أمسوا لنا كالأغنام فقتلنا من أشرف لنا وأسرنا من شئنا منهم ، وهربوا في كل وجه يريدون حصن قلعة الزبير ، وتركناهم يهربون ، وصعد المسلمون على جدره فكبّروا عليه تكبيرا كثيرا.

ووجدنا فيه من الأطعمة ما لم نظن أنّه هناك من الشعير والتمر والسمن والعسل والزيت والشحوم. ونادى منادي رسول الله : كلوا واعلفوا ، ولا تحتملوا. فكان المسلمون يأخذون من ذلك الحصن طول مقامهم هناك طعامهم وعلف دوابهم ، لا يمنع أحد أن يأخذ حاجته ، من دون أن يخمّس. ووجدوا فيه خوابي الخمر الكبار لا يطاق حملها ، فأمرهم النبي فكسروها حتى سال الخمر في الحصن.

وروى عن أبي ثعلبة الخشني قال : ووجدنا فيه أواني من نحاس وفخّار قد أكل اليهود فيها وشربوا ، فسألنا رسول الله عنها فقال : اسخنوا فيها الماء ثم اطبخوا فيها وكلوا واشربوا. وأخرجنا منه حمرا وبقرا وغنما كثيرا ، وآلة للحرب كثيرة ودبابات ومنجنيقا وعدة ، فعلمنا أنهم كانوا يظنون أن الحصار يكون دهرا طويلا ، فعجّل الله خزيهم. ووجدوا فيه من البزّ عشرين شدة محزومة من غليظ متاع اليمن ، وألفا وخمسمائة قطيفة.

وكان رجل من المسلمين يقال له عبد الله كان لا يصبر عن الشراب وقد ضربه رسول الله مرارا ، فعمد يومئذ فشرب من خمر اليهود ، فرفع أمره إلى النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلم فخفقه بنعله ، فخفقه من حضره بنعالهم (١).

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٦٦٢ ـ ٦٦٥.

٣٩

واستخرجوا ما كان قاله اليهودي من المنجنيق والدبابتين والدروع والسيوف والبيض (١). وتحول اليهود من كل حصون النطاة : حصن ناعم وحصن الصعب بن معاذ إلى قلعة الزبير ... وبقيت بقايا لا ذكر لهم في بعض حصون النطاة ، فجعل رسول الله بازائها رجالا يحرسونها لا يخرج أحد عليهم إلّا قتلوه.

حصار حصن الزّبير :

قال : وزحف رسول الله والمسلمون إلى حصن الزبير ، فغلّقوه عليهم ، وهو حصن منيع ، وانما هو في رأس قلعة لا تقدر عليه الخيل ولا الرجال لصعوبته ومناعته .. فحاصرهم رسول الله .. وأقام على ذلك ثلاثة أيام. ثم جاء رجل من اليهود يقال له غزّال ، فقال : أبا القاسم ، تؤمّنني على أن أدلك على ما تستريح به من أهل النطاة ، وتخرج إلى أهل الشق؟ فأمّنه رسول الله على أهله وماله. فقال اليهودي : إنّك لو أقمت شهرا ما بالوا ، فإنّ لهم جداول تحت الأرض ، يخرجون بالليل فيشربون ثم يرجعون إلى قلعتهم فيمتنعون منك ، وان قطعت مشربهم عنهم ضجّوا!

فارسل رسول الله إلى جداولهم فقطعها ، فلما قطع عنهم مشاربهم لم يطيقوا المقام على العطش (٢) ، فخرجوا فقاتلوا أشدّ القتال ... فاصيب ذلك اليوم عشرة من

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٦٤٨.

(٢) مغازي الواقدي ٢ : ٦٦٦ ـ ٦٦٧ وروى عن أبي شييم المزني الغطفاني من أصحاب عيينة ابن حصن ، بعد أن أسلم قال : لما رجعنا مع عيينة إلى خيبر وجد رسول الله قد فتح خيبر وغنّمه الله ما فيها .. فجعل يتدسّس إلى اليهود يقول لهم : ما رأيت كاليوم أمرا ، والله ما كنت أرى أحدا يصيب محمدا غيركم أهل الحصون والعدة والثروة ، أعطيتم بأيديكم وأنتم في هذه الحصون المنيعة وهذا الطعام الكثير ما يوجد له آكل والماء الدائم (الواتن)؟!

٤٠