موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٣

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٢٠

فبلغ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قوله ، فاستحضره وقال له : أنت القائل :

أتجعل نهبي ونهب العبي

د بين الأقرع وعيينة؟!

فقال له أبو بكر : بأبي أنت وامّي لست بشاعر! قال : وكيف قال؟ فقال أبو بكر : بين عيينة والأقرع. فقال رسول الله لأمير المؤمنين : قم يا عليّ إليه فاقطع لسانه!

فروى عن العباس بن مرداس قال : أخذ بيدي عليّ بن أبي طالب فانطلق بي ، ولو أرى أنّ أحدا يخلّصني منه لدعوته ، فقلت : يا علي ، إنّك لقاطع لساني؟! قال : انّي ممض فيك ما امرت! ومضى بي! فقلت : يا علي ، انّك لقاطع لساني؟! قال : انّي ممض فيك ما امرت! وما زال بي حتى أدخلني حظائر الإبل فقال لي : اعتد ما بين أربع إلى مائة ، إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جعلك مع المهاجرين [إذ] أعطاك أربعا ، فان شئت فخذها ، وإن شئت فخذ المائة وكن مع أهل المائة (المؤلفة قلوبهم). فقلت : بأبي أنتم وامّي ، ما أكرمكم وأحلمكم وأعلمكم! أشر عليّ. فقال : فانّي آمرك أن تأخذ ما أعطاك وترضى. ففعلت.

قال المفيد : فتولّى من أمر العباس بن مرداس ما كان سبب استقرار الإيمان في قلبه وزوال الريب في الدين من نفسه ، والانقياد إلى رسول الله والطاعة لأمره والرضا بحكمه صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

تنبّؤ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بأمر الخوارج :

قال : ولما قسّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله غنائم حنين ، أقبل رجل أحدب طويل طول

__________________

(١) الإرشاد ١ : ١٤٧ و ١٥٠. هذا وآية موارد الصدقات ومنهم المؤلفة قلوبهم هي ٦٠ من سورة التوبة النازلة بعد تبوك في التاسعة ، والآية وإن كانت في الصدقات لا الغنائم إلّا انها تؤيّد فعل الرسول صلّى الله عليه وآله.

٣٢١

آدم ، بين عينيه أثر السجود ، فسلّم ـ ولم يخصّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بالسلام ـ ثم قال : قد رأيتك وما صنعت في هذه الغنائم! فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : وكيف رأيت؟ قال : لم أرك عدلت!

فغضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : ويلك! إذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون؟!

فقال المسلمون : ألا نقتله؟! فقال : دعوه ، سيكون له أتباع يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرّمية ، يقتلهم الله على يد أحبّ الخلق إليه بعدي (١).

وروى ابن اسحاق عن أبي جعفر محمد الباقر عليه‌السلام ، وعن محمد بن عمّار بن ياسر ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي : أن الرجل من بني تميم يقال له ذو الخويصرة ، وأنّ عمر بن الخطّاب قال : يا رسول الله ألا أقتله؟! فقال : لا ، دعه ، فانّه سيكون له شيعة يتعمّقون في الدين حتى يخرجوا منه ، كما يخرج السهم من الرّميّة ، ينظر في النصل فلا يوجد شيء ، ثم في القدح فلا يوجد شيء ، ثم في الفوق (أسفل السهم) فلا يوجد شيء ، سبق الفرث والدم! (٢) ولم يرو الذيل.

وروى الواقدي عن أبي سعيد (عقيصا أو الخدري) عن علي عليه‌السلام قال : جلس رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وفي ثوب بلال فضة يقبضها للناس على ما يراه ، فأتاه ذو الخويصرة التميمي فقال : اعدل ، يا رسول الله! فقال رسول الله : ويلك! فمن يعدل إذا لم أعدل؟! فقال عمر : يا رسول الله ، ائذن لي أن أضرب عنقه! فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : دعه ، فانّ له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، يقرءون القرآن لا يتجاوز تراقيهم. يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرّمية ، ينظر الرامي في قذذه (ريشه) فلا يرى شيئا ، ثم ينظر في

__________________

(١) الإرشاد ١ : ١٤٨ ، ١٤٩.

(٢) ابن اسحاق في السيرة ٤ : ١٣٩.

٣٢٢

نصله فلا يرى شيئا ، ثم ينظر في رصافه (عقيب النصل) فلا يري شيئا ، قد سبق الفرث والدم! يخرجون على فرقة من المسلمين (كذا) فيهم رجل احدى يديه مثل ثدي المرأة أو كبضعة تدردر (١) أي : تترجرج. ولم يرو الذيل أيضا.

ثم روى عن عبد الله بن مسعود قال : سمعت يومئذ رجلا من المنافقين (معتّب بن قشير العمري) يقول : انها (العطايا) ما يراد بها وجه الله! فقلت له : أما والله لا بلّغن رسول الله ما قلت! وذهبت إليه فأخبرته خبره ، فتغيّر لونه! ثم قال : يرحم الله أخي موسى! (فانّه) قد اوذي بأكثر من هذا فصبر! (٢).

ثم سهام الناس :

قال الواقدي : واختلف فيما أعطى يومئذ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله هؤلاء الناس من الغنائم : هل كانت من الخمس أم كانت فارعة من أصلها قبل أن تخمّس؟! ثم قال : وأثبت القولين أنها كانت من الخمس (٣).

وقال : ثم أمر رسول الله زيد بن ثابت باحصاء الناس والغنائم ، ثم فضّها على الناس ، فكانت سهامهم : لكل رجل راجل أربعون شاة أو أربع من الإبل ، ولكل فارس اثنا عشر بعيرا أو مائة وعشرون شاة (٤) وهذا يؤيد أن العطايا كانت قبل التخميس.

__________________

(١) رواه القشيري في الصحيح ٢ : ٧٤٤ ، ونقله الطبرسي في إعلام الورى عن صحيح البخاري عن الزهري عن أبي سعيد الخدري ، وذيله : يخرجون على خير فرقة من المسلمين وله تتمة. إعلام الورى ١ : ٢٤١.

(٢) مغازي الواقدي ٢ : ٩٤٩ وروى مثله العياشي في تفسيره ٢ : ٩١ ، ٩٢.

(٣) مغازي الواقدي ٢ : ٩٤٨.

(٤) مغازي الواقدي ٢ : ٩٤٩.

٣٢٣

حيرة الأنصار ثم خيرتهم :

روى الكليني في «الكافي» بسنده عن زرارة عن الباقر عليه‌السلام قال : غضبت الأنصار (لتوزيع الأموال) فاجتمعوا إلى سعد بن عبادة. فانطلق بهم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله ، أتأذن لي بالكلام! قال : نعم. قال : إن كان هذا الأمر في هذه الأموال التي قسّمت بين قومك شيئا أنزله الله وأمرك به رضينا ، وإن كان غير ذلك لم نرض! فقال لهم رسول الله : يا معشر الأنصار ، أكلّكم على مثل قول سيّدكم سعد؟! فقالوا : سيّدنا الله ورسوله. فأعادها عليهم ثلاث مرّات كل ذلك يقولون : سيّدنا الله ورسوله ، ثم قالوا : (نعم) نحن على مثل قوله ورأيه (١).

فقال لهم : اجلسوا ، ولا يقعد معكم أحد من غيركم. فتنادوا فيما بينهم ، فلما قعدوا جاءهم النبيّ ومعه علي عليه‌السلام حتى جلس وسطهم فقال لهم : إنّي سائلكم عن أمر فأجيبوني عنه. فقالوا : قل ، يا رسول الله. فقال لهم : ألستم كنتم ضالّين فهداكم الله بي؟! قالوا : بلى ، فلله المنّة ولرسوله. فقال : ألم تكونوا على شفا حفرة من النار فانقذكم الله بي؟! قالوا : بلى ، فلله المنّة ولرسوله. قال : ألم تكونوا قليلا فكثّركم الله بي؟! قالوا : بلى ، فلله المنّة ولرسوله. قال : ألم تكونوا أعداء فألّف بين قلوبكم بي؟! قالوا : بلى ، فلله المنّة ولرسوله.

ثم سكت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هنيهة ثم قال لهم : ألا تجيبوني بما عندكم؟! قالوا : قد أجبناك بأنّ لك الفضل والمنّ والطول علينا ، فبم نجيبك فداك آباؤنا وامّهاتنا! فقال : أما لو شئتم لقلتم : وأنت قد كنت جئتنا طريدا فآويناك! وجئتنا خائفا فآمنّاك! وجئتنا مكذّبا فصدّقناك!

__________________

(١) اصول الكافي ٢ : ٤١١ وتفسير العياشي ٢ : ٩١ ، ٩٢.

٣٢٤

فقام إليه ساداتهم وشيوخهم فقبّلوا يديه ورجليه ثم قالوا : رضينا بالله وعنه وبرسوله وعنه ، وهذه أموالنا بين يديك ، فان شئت فاقسمها على قومك. وإنمّا قال من قال منا على غير وغر صدر وغلّ في قلب (ضغن وعداوة) ولكنّهم ظنّوا سخطا عليهم وتقصيرا بهم. وقد استغفروا الله من ذنوبهم فاستغفر لهم يا رسول الله. فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ولأبناء أبناء الأنصار. ثم قال لهم : يا معشر الأنصار ، أما ترضون أن يرجع غيركم بالشاء والنعم وترجعون أنتم وفي سهمكم رسول الله؟! قالوا : بلى رضينا.

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : الأنصار كرشي وعيبتي (بطانتي وموضع سرّي) لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار. ثم قال : اللهم اغفر للأنصار (١).

وروى ابن اسحاق الخبر بسنده عن أبي سعيد الخدري ، عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال في آخره للأنصار : أوجدتم ـ يا معشر الأنصار ـ في أنفسكم في لعاعة من الدنيا (٢) تألّفت بها قوما ليسلموا ، ووكلتكم إلى إسلامكم؟! ألا ترضون ـ يا معشر الأنصار ـ أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله إلى رحالكم؟! فو الذي نفس محمد بيده لو لا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ، ولو سلك الناس شعبا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار. قال : فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم (بدموعهم) وقالوا : رضينا برسول الله قسما وحظّا (٣).

__________________

(١) الإرشاد ١ : ١٤٥ ، ١٤٦.

(٢) لعاعة : من البقول الناعمة ، شبّه بها خضرة الحياة الدنيا.

(٣) ابن اسحاق في السيرة ٤ : ١٤١ ـ ١٤٣ ورواه الطبرسي في مجمع البيان ٥ : ٣٠ ، ٣١ رفعه عن أبي سعيد الخدري.

٣٢٥

وروى الواقدي قال : بلغ رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم مقالة الأنصار ، ودخل عليه سعد بن عبادة ، فقال له رسول الله : ما يقول فيّ قومك؟ قال : وما يقولون يا رسول الله؟ قال : يقولون : أما حين القتال فنحن أصحابه ، وأما حين القسم فقومه وعشيرته ، وددنا أنا نعلم من أين هذا! إن كان من قبل الله صبرنا ، وإن كان من رأى رسول الله استعتبناه! فأين أنت من ذلك يا سعد؟ فقال سعد : يا رسول الله ، ما أنا إلّا كأحدهم ، وإنّا لنحبّ أن نعلم من أين هذا؟ فقال له رسول الله : فاجمع من كان هاهنا من الأنصار في هذه الحظيرة.

فجمع الأنصار في تلك الحضيرة .. فلما اجتمعوا له جاءه سعد بن عبادة فقال : يا رسول الله ، قد اجتمع لك هذا الحيّ من الأنصار. فأتاهم رسول الله والغضب يعرف في وجهه ، فحمد الله وأثنى عليه بالذي هو أهله ، ثم قال : «يا معشر الأنصار (ما) مقالة بلغتني عنكم وجدة وجدتموها في انفسكم (؟!) ألم آتكم ضلالا فهداكم الله؟! وعالة فأغناكم الله؟! وأعداء فألّف بين قلوبكم؟!».

إلى أن قال : أمّا لا ، فسترون بعدي أثرة ، فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله ، فإن موعدكم الحوض ، وهو كما بين صنعاء وعمان ، وآنيته أكثر من عدد النجوم.

وانصرف عنهم رسول الله ، وتفرّقوا (١).

وفد هوازن :

مرّ في خبر التقاء الشيماء بنت حليمة السعدية به صلى‌الله‌عليه‌وآله حين أسرها في حنين قبل أن يمضي إلى الطائف ، أنه قال لها : ارجعي إلى الجعرّانة تكونين مع قومك ، فانّي أمضي إلى الطائف. فرجعت إلى الجعرّانة. ورجع صلى‌الله‌عليه‌وآله من الطائف إلى

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٩٥٧ و ٩٥٨.

٣٢٦

الجعرّانة فالتقى بها وأعطاها نعما وشاء لها ولمن بقي من أهل بيتها (١) ثم قال لها : إن أحببت فأقيمي عندنا محبّة مكرّمة ، وإن أحببت أن ترجعي إلى قومك وصلتك ورجعت إلى قومك. فقالت : أرجع إلى قومي. وأسلمت ، فأعطاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثة أعبد وجارية (٢).

هذا ، وهو صلى‌الله‌عليه‌وآله لما انتهى إلى الجعرّانة كانت الغنائم محبوسة بها ، والسبي في حظائر يستظلّون بها من الشمس ، فلما نظر صلى‌الله‌عليه‌وآله إليها سأل عنها فقالوا له : هذا سبي هوازن استظلوا من الشمس ، وهنّ ستة آلاف.

وكان قد وهب منها في حنين عشرة جواري لعشرة ممن كان معه من المسلمين وغيرهم ، وأرسلهنّ إلى الجعرّانة. فلما قدمها من الطائف بعث بسر بن سفيان الخزاعي إلى مكة ليشتري لهنّ ثيابا فيكسوهنّ ، فكسا السبي كلّه (٣) كما مرّ.

وبدأ بالأموال فقسمها ، وأقام يتربّص أن يقدم عليه وفدهم (٤) ثم أمر رسول الله زيد بن ثابت بإحصاء الناس والغنائم ، ثم فضّها على الناس ، فقدم وفد هوازن (٥) وقد قسم السبي وجرت فيهم السهام.

قدم عليه أربعة عشر رجلا منهم مسلمين ، وجاءوا بإسلام من وراءهم من قومهم. فكان رأس القوم والمتكلم زهير أبو صرد ، فقال : يا رسول الله إنا أهلك وعشيرتك ، وقد أصابنا من البلاء ما لا يخفى عليك يا رسول الله ، انما في هذه

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٩١٤.

(٢) مغازي الواقدي ٢ : ٩٤٣.

(٣) مغازي الواقدي ٢ : ٩١٤.

(٤) مغازي الواقدي ٢ : ٩٤٤.

(٥) مغازي الواقدي ٢ : ٩٤٩.

٣٢٧

الحظائر اخواتك وعماتك وبنات عماتك ، وخالاتك وبنات خالاتك ، وأبعدهن قريب منك يا رسول الله بأبي أنت وأمّي ، انهنّ حضنّك في حجورهنّ وأرضعنك بثديهنّ ... ولو أنا ملحنا (١) للحارث بن أبي شمر وللنعمان بن المنذر ، ثم نزلا منّا بمثل الذي نزلت به رجونا عطفهما وعائدتهما ، وأنت خير المكفولين :

امنن علينا رسول الله في كرم

فانك المرء نرجوه وندّخر

امنن على نسوة قد عاقها قدر

ممزّق شملها ، في دهرها غير

امنن على نسوة قد كنت ترضعها

إذ فوك يملؤه من محضها الدّرر

اللاء إذ كنت طفلا كنت ترضعها

وإذ يريبك ما تأتي وما تذر

الا تداركها نعماء تنشرها

يا أرجح الناس حلما حين يختبر

لا تجعلنا كمن شالت نعامته

واستبق منّا فانا معشر زهر

إنّا لنشكر آلاء وإن قدمت

وعندنا بعد هذا اليوم مدّخر (٢)

أبقت لنا الدّهر هتافا على حزن

على قلوبهم الغمّاء والغمر

فالبس العفو من قد كنت ترضعه

من امهاتك إن العفو منتشر

يا خير من مرحت كمت الجياد به

عند الهياج إذا ما استوقد الشرر

إنا نؤمّل عفوا منك تلبسه

هذي البرّية إذ تعفو وتنتصر

فاعف عفا الله عما أنت راهبه

يوم القيامة ، إذ يهدى لك الظفر (٣)

__________________

(١) ملحنا : كناية عن الطعام ، وهنا عن الرضاع. النهاية ٤ : ١٠٥.

(٢) مغازي الواقدي ٢ : ٩٥٠ ، ٩٥١ وكلمات : يملؤه ، ويريبك ، وحلما ، من نسخ اخرى.

(٣) روى الأبيات الاثني عشرة الصدوق في أماليه : ٤٠٥ ، ٤٠٦ بسنده عن زياد بن طارق الجشمي عن جدّه زهير أبي صرد. ورواها المجلسي في بحار الأنوار ٢١ : ١٨٤ ، ١٨٥ عن خط الشهيد عن تاريخ ابن عساكر.

٣٢٨

وكان في الوفد عمّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من الرضاعة ، فقال له يومئذ : يا رسول الله ، إنّما في هذه الحظائر من كان يكفلك من عمّاتك وخالاتك وحواضنك ، حضنّاك في حجورنا وأرضعناك بثدينا. ولقد رأيتك مرضعا فما رأيت مرضعا خيرا منك ، ورأيتك فطيما فما رأيت فطيما خيرا منك ، ثم رأيتك شابّا فما رأيت شابّا خيرا منك. وقد تكاملت فيك خلال الخير ، ونحن مع ذلك أهلك وعشيرتك ، فامنن علينا منّ الله عليك! فقال لهم رسول الله : قد أستأنيت بكم حتى ظننت أنكم لا تقدمون ، وقد قسم السبي وجرت فيه السهمان (١) وإن أحسن الحديث أصدقه .. فأبناؤكم ونساؤكم أحبّ إليكم أم أموالكم؟ (٢) أو قال : أي الأمرين أحبّ إليكم : السبي أو الأموال؟ فقالوا : يا رسول الله ، خيّرتنا بين الحسب وبين الأموال ، والحسب أحبّ إلينا. فقال رسول الله : أما الذي لبني هاشم فهو لكم ، وسوف اكلّم لكم المسلمين وأشفع لكم ، فكلّموهم وأظهروا إسلامكم. فلما صلى صلى‌الله‌عليه‌وآله الظهر قاموا فتكلّموا (٣).

وذهبت رواية الطبرسي في «إعلام الورى» إلى أن اخته الشيماء بنت حليمة كانت راجعة إليه مع الوفد ، وإنّها كلّمته معهم في ذلك ، فقال لها : أما نصيبي ونصيب بني عبد المطّلب فهو لك ، وأمّا ما كان للمسلمين فاستشفعي بي عليهم. فلما صلوا الظهر قامت فتكلّمت ، وتكلّموا ، فوهب لها الناس ذلك.

وقد كان رسول الله قسم منهنّ ما شاء الله ، فوقعن في أنصباء الناس ، فلم يأخذهن منهم إلّا بطيبة نفس ، ولو لا أن النساء وقعن في القسمة لوهبهنّ كما وهب ما لم يقع في القسمة منهنّ (٤).

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٩٥٠.

(٢) مغازي الواقدي ٢ : ٩٥١.

(٣) مجمع البيان ٥ : ٣١ عن أهل السير ، وفاقا لما في السيرة والمغازي.

(٤) إعلام الورى ١ : ٢٤٠. والأخير في السيرة ٤ : ١٣٢.

٣٢٩

ثم قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال للناس : إنّ هؤلاء القوم جاءوا مسلمين ، وقد كنت استأنيت بهم ، فخيّرتهم بين النساء والأبناء والأموال فلم يعدلوا بالنساء والأبناء (شيئا) فمن كان عنده منهنّ فطابت نفسه أن يردّ فليرسل ، ومن أبى منكم وتمسّك بحقه فليردّه عليهم وليكن فرضا علينا ستّ فرائض (إبل) من أول ما يفيء الله به علينا! فقال الناس : يا رسول الله رضينا وسلّمنا! فقال : فمروا عرفاءكم أن يدفعوا ذلك إلينا حتى نعلم.

فكان عمر بن الخطّاب يطوف على المهاجرين يسألهم عن ذلك فلم يتخلّف منهم أحد. وكان زيد بن ثابت يطوف على الأنصار يسألهم ، فأخبروه أنهم سلّموا ورضوا. وكان أبو رهم الغفاري يطوف على قبائل العرب يسألهم : فقال عباس بن مرداس السّلمي : أما أنا وبنو سليم فلا! فقالت بنو سليم : ما كان لنا فهو لرسول الله! فردّوا عليه.

وقال الأقرع بن حابس التميمي المجاشعي : أما أنا وبنو تميم فلا! وسكت بنو تميم!

وقال عيينة بن حصن الفزاري : أما أنا وبنو فزارة فلا! وسكت بنو فزارة! وانما اختارت التي كانت لسعد بن أبي وقاص أن تقيم عنده ، واختار سائرهنّ أن يرجعن إلى قومهن : اللواتي كنّ عند علي عليه‌السلام وعثمان وطلحة والزبير وابن عوف وابن عمر (١).

وقال الأقرع وعيينة : يا رسول الله ، إنّ هؤلاء قد أصابوا من نسائنا ، فنحن نحبّ أن نصيب من نسائهم مثل ما أصابوا من نسائنا (!).

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٩٥٢.

٣٣٠

فأقرع رسول الله بينهم وقال : اللهم نوّه سهمهما! فأصاب أحدهما خادمة لبني عقيل ، وأصاب الآخر خادمة لبني نمير! (١).

نية عيينة والعجوز! :

والتي أصابت سهم عيينة بن حصن كانت عجوزا من عجائز هوازن ، وقال حين أخذها : أرى عجوزا أحسب لها في الحيّ نسبا فعسى أن يعظم فداؤها! فقال له أبو صرد زهير : خذها ، فو الله لا زوجها بواجد (عليها) ولا بطنها بوالد ، ولا ثديها بناهد ، ولا درّها بماكد (غزير) ولا فوها ببارد (طيّب) (٢).

فجاء ابنها إلى عيينة وقال له : هل لك في مائة من الإبل! قال : لا. وقالت العجوز لابنها : ما أربك في نقد مائة ناقة! اتركه ، فما أسرع ما يتركني بغير فداء! فرجع الولد عنه وتركه ساعته .. ثم مرّ ابنها على عيينة وهو ساكت لا يقول ، فقال له عيينة : هل لك في العجوز فيما دعوته إليه؟! فقال له ابنها : فلا أزيدك على خمسين ناقة! فأبى عيينة! فلبث الولد ساعة ثم مرّ به مرة اخرى وهو معرض عنه! فقال له عيينة : هل لك في العجوز بما بذلت لي؟! فقال الفتى : فلا أزيدك على خمس وعشرين فريضة (إبل) فأبى عيينة! فلما أراد الناس الرحيل جاء عيينة إلى الفتى وقال له : هل لك إلى ما دعوتني إليه؟ فقال الفتي : هل لك إلى عشر فرائض؟! فأبى عيينة! فلما ارتحل الناس وخاف أن يتفرّقوا نادى عيينة للفتى يقول : هل لك إلى ما دعوتني إليه؟! فقال الفتى : أرسلها وإنمّا أحملك! أي على بعير واحد! فقال

__________________

(١) إعلام الورى ١ : ٢٤٠ واللفظ : خادما ، ولكنّه للذكر والانثى وإنمّا السبي من النساء والأبناء ، وآثرنا تأنيث اللفظة تصريحا.

(٢) ابن اسحاق في السيرة ٤ : ١٣٣.

٣٣١

عيينة : لا والله ما لي حاجة بحملك! فقال له الفتى : أنت صنعت هذا بنفسك! عمدت إلى عجوز كبيرة ـ والله ـ ما ثديها بناهد ، ولا بطنها بوالد ، ولا فوها ببارد ، ولا صاحبها بواجد (عليها) فأخذتها من بين من ترى! فقال له عيينة : فلا حاجة لي فيها خذها لا بارك الله لك فيها! فقال الفتى : يا عيينة ، إنّ رسول الله قد كسا السبي فأخطأها الكسوة من بينهم ، أفما أنت كاسيها ثوبا؟! فما فارقه حتى أخذ منه شمل ثوب ، ثم ولّى الفتى بامه وهو يقول لعيينة : انّك غير بصير بالفرص!

وروى الواقدي عن معاذ بن جبل عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال يومئذ : لو كان ثابتا على أحد من العرب ولاء أو رقّ لثبت اليوم ، ولكن إنّما هو أسار وفدية. وجعل رسول الله الفداء يومئذ : ستّ فرائض : ثلاث حقاق وثلاث جذاع (١).

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٩٥٣ ، ٩٥٤. والحقاق : جمع حقّة : الناقة في الرابعة. والجذاع : جمع جذعة : الناقة في الخامسة.

وقال ابن اسحاق : ولما فرغ رسول الله من ردّ سبايا حنين إلى أهلها ركب ، واتّبعه الناس يقولون : يا رسول الله اقسم علينا فيئنا من الإبل والغنم ، حتى ألجؤوه إلى شجرة (سمرة) فاختطفت (الشجرة) عنه رداءه! فقال لهم : أدّوا إليّ ردائي أيها الناس (كذا) فو الله لو كان لكم بعدد شجر تهامة نعما لقسمته عليكم ثم ما ألفيتموني بخيلا ولا جبانا ولا كذّابا ٤ : ١٣٤ ، ١٣٥.

بينما مرّ عن مغازي الواقدي ٢ : ٩٤٢ أن ذلك كان من الأعراب في طريقه.

وعلّقت عليه : أن ذلك لا يناسب قوله : لقسمته بينكم ، فالقسمة يناسب الغنيمة.

ومرّ عن الواقدي أيضا أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله بدأ بالأموال فقسمها ثم أقام يتربّص أن يقدم عليه وفدهم ٢ : ٩٤٤ ثم قسم السبي ، فجاء وفدهم فقال لهم : قد استأنيت بكم حتى ظننت أنكم لا تقدمون ٢ : ٩٥٠ وهذا هو الأنسب به صلى‌الله‌عليه‌وآله لا العكس. وإذا كان راكبا ـ كما في الخبر ـ فكيف ألجؤوه إلى شجرة فاختطفت الشجرة (كذا) رداءه فطلب رداءه منهم؟! اللهم إلّا أن يقال : إنّ ذلك كان في بداية وصوله إلى الجعرّانة قبل أن يبدأ بتقسيم الأموال ، ولم يعرفوا عزمه على ذلك ،

٣٣٢

وأمّا مصير النصري المهزوم :

وكان مالك بن عوف النصري ـ قائد هوازن المهزوم في حنين ـ صهر أبي أميّة المخزومي ، فلما هزم مالك اسرت اسرته ضمن السبايا بأيدي المسلمين وعرفوا ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : اكرموا كريم كل قوم ذلّ ، وإنّما يكرم المرء في ولده وأهله ، لذلك أمر بإرسالهم إلى مكة عند عمتهم أمّ عبد الله بنت أبي أميّة ، وأوقف ماله ولم يسهم فيه (١).

فلما جاءه وفد هوازن سألهم عن مالك فقالوا : يا رسول الله ، هرب فلحق بحصن الطائف مع ثقيف. فقال لهم رسول الله : أخبروه : أنه إن كان يأتي مسلما رددت عليه أهله وماله ، وأعطيته مائة من الإبل!

فلما رجع الوفد وبلغ مالكا خبرهم ، وأن أهله وماله موقوفون غير مقسومين ، وما وعده رسول الله ، خاف مالك أن تعلم ثقيف بذلك فيحبسونه عندهم ، فأمر رجاله برحاله إلى دحنا في حومة الطائف ، وأمر أن يأتوا بفرسه ليلا إلى جدار الحصن ، فخرج من الحصن ليلا وجلس على فرسه حتى أتى دحنا فركب بعيره حتى أدركه صلى‌الله‌عليه‌وآله محرما بالعمرة من الجعرّانة يريد الركوب إلى مكة. فأسلم لديه ، فأعطاه مائة من الإبل ، وأمر له بماله وأهله ثم عقد له لواء واستعمله على من أسلم من قومه من نصر وفهم وثمالة وسلمة والطوائف حول الطائف (٢).

__________________

ـ وقد استبطؤوه أكثر من شهر في ذلك! ولم يكن ذلك وهو راكب ، وانّهم هم نزعوه رداءه ولذلك طلبه منهم ، وليس ذلك من الجاهلين ببعيد ، ولا ضرورة لردّ ذلك إلى أعراب الطريق ـ كما في مغازي الواقدي ـ إلّا ابعادا لذلك عن نزاهة الصحابة كلهم! ولا ضرورة لذلك.

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٩٥٤.

(٢) ابن اسحاق في السيرة ٤ : ١٣٣ ، ١٣٤ ومغازي الواقدي ٢ : ٩٥٥ وفيه : فرجع حين

٣٣٣

ثم مضى إلى الجعرّانة :

بقي من الفيء بقايا ، فأمر صلى‌الله‌عليه‌وآله بإرسالها إلى ناحية مرّ الظّهران في طريقه من مكة إلى المدينة (١) ومضى هو إلى الجعرّانة فوصلها ليلة الخميس لخمس خلون من ذي القعدة ، فأقام بها ثلاثة عشر يوما إلى ليلة الأربعاء لاثنتي عشرة بقيت من ذي القعدة. وفي هذه الفترة كان يصلي في موضع المسجد الذي بالعدوة القصوى تحت الوادي (٢).

كتابه إلى بكر بن وائل :

وكان في من شهد معه حنينا خمسة رجال من بكر بن وائل : ابو الخمخام وبشير بن الخصاصية وعبد الله بن الأسود وفرات بن حبّاه ومرثد أو يزيد بن ظبيان ، وكانت ديارهم من اليمامة إلى البحرين ، وبعد حنين ـ ولعلّه هنا ـ أرادوا الرجوع إلى قومهم ، فكتب إليهم كتابا قال فيه : «من محمد رسول الله إلى بكر بن وائل ، أسلموا تسلموا» وسلّم لمرثد أو يزيد بن ظبيان ، فرووا عنه قال : ما جاءنا

__________________

ـ رجع وقد أمن الناس حيث انصرف عنهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد سرح الناس مواشيهم وانضم إليه مسلمون من قومه ، فأغار بهم على سرح لأهل الطائف فاستاق منهم ألف شاة في غداة واحدة ، وكان يبعث إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله بخمس ما يغير عليه مرة ألف شاة ومرة مائة بعير! لا يخرج لثقيف سرح إلّا أغار عليه ، ولا يقدر على سرح إلّا أخذه ، ويقاتل بمن معه من بقي على الشرك ، ويغير بهم على ثقيف يقاتلهم بهم ، ولا يقدر على رجل منهم مشرك لا يسلم إلّا قتله ، حتى ضيّق عليهم!

(١) ابن اسحاق في السيرة ٤ : ١٤٣.

(٢) مغازي الواقدي ٢ : ٩٥٩.

٣٣٤

من يقرأ الكتاب حتى قرأه رجل من بني ظبيعة من بكر بن وائل يسمونهم بني الكاتب (١) فأسلم قسم منهم.

وأمان لبني ثعلبة :

ولعلّه في هذه الفترة كان وفود صيفي بن عامر من بني ثعلبة مع ثلاثة آخرين من قومه عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما روى ابن سعد عن رجل منهم قال : قدمنا عليه أربعة نفر لما قدم (من) الجعرّانة ، فقلنا : نحن رسل من خلفنا من قومنا ، ونحن وهم مقرّون بالاسلام. فأقمنا أياما في ضيافته ، ثم جئنا لنودّعه ، فقال لبلال : أجزهم كما تجيز الوفد. فجاء بلال بفضة وقال : ليس عندنا دراهم ، فأعطى كل رجل منّا خمسة أواق (٢)! وكتب لصيفي بن عامر منهم : «بسم الله الرحمن الرحِيم ، هذا كتاب من محمد رسول الله لصيفي بن عامر على بني ثعلبة بن عامر ، من أسلم منهم وأقام الصلاة وآتى الزكاة (٣) وأعطى خمس الغنم وسهم النبيّ والصفيّ ، فهو آمن بأمان الله» (٤).

عمرته صلى‌الله‌عليه‌وآله من الجعرّانة :

مر أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان في الجعرّانة يصلّي في موضع المسجد الذي بالعدوة القصوى تحت الوادي ، فمنه أحرم ليلة الأربعاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة ، للعمرة ، فلم يجز الوادي إلّا محرما ملبّيا ، ولم يقطع التلبية حتى رأى البيت يوم

__________________

(١) مكاتيب الرسول ١ : ٢٨١ ، وانظر مكاتيب الرسول ١ : ١٦٦ ، ١٦٧.

(٢) الطبقات الكبرى ١ : ٢٩٨.

(٣) كذا ، وسيأتي أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله بدأ بأخذ الزكاة من أول محرّم للسنة التاسعة ، فهذا يوهن الخبر ، إلّا أن يكون ذلك تمهيدا لما سيأتي.

(٤) الإصابة : ٢ ، برقم ٤١١١ ، وانظر مكاتيب الرسول ٢ : ٣٧٤.

٣٣٥

الأربعاء. فأناخ راحلته على باب بني شيبة (حيث دفن هبل) فدخل واتّجه إلى الركن (الحجر الأسود) فاستلمه ، ثم أرمل (مشى مسرعا) منه إلى حجر إسماعيل ، وهكذا حتى أتمّ طوافه ، ثم خرج فركب راحلته واتّجه إلى الصفا فسعى على راحلته منه إلى المروة حتى أتمّ الشوط السابع عند المروة فنزل وحلق رأسه عندها خراش بن أميّة أو أبو هند عبد بني بياضة ، ولم يكن له هدي.

وخلّف أبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل ، يعلّمان الناس القرآن وفقه الدين. واستعمل عتّاب بن أسيد الاموي (١) أميرا على مكة والحجّ ، على أن يكون رزقه كل يوم درهما ، فقال : رزقني رسول الله كلّ يوم درهما ؛ فليست بي حاجة إلى أحد (٢).

وفي «المسترشد» : كان صلى‌الله‌عليه‌وآله يومئذ مقيما بالأبطح ، فأمر عتّابا أن يصلّي بالناس بمكة الظهر والعصر والعشاء الآخرة ، وأما الفجر والمغرب فكان يصليهما هو (٣).

وفد الطائف الأول :

وروى الطوسي في «الأمالي» بسنده عن الصادق عليه‌السلام عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : لما نزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مكة (في عمرة الجعرانة) قدم عليه نفر من

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٩٥٩ ، وعتّاب من بني أميّة ولكنّه أسلم وحسن اسلامه ، وله يومئذ عشرون سنة ، كما في المواهب. ونسبه في الطبري ٣ : ٧٣ وفي الاقبال ٢ : ٤٢ وقال : إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فتح مكة واستعمل عليها عتّابا ، ثمّ اجتمعت هوازن لحربه عليه‌السلام ، فحجّ المسلمون وعليهم عتّاب وتقدّم المشركين أبو سيّارة العدواني على أتان أعور ، ورسنها ليف!

(٢) ابن اسحاق في السيرة ٤ : ١٤٣.

(٣) المسترشد في الإمامة للطبري الإمامي : ١٢٩ ، ط. قم.

٣٣٦

أهل وجّ من الطائف فعرضوا عليه إسلامهم وإسلام قومهم ، ولكنّهم لم يقرّوا بالصلاة والزكاة (١).

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا خير في دين لا ركوع فيه ولا سجود! أما والذي نفسي بيده ليقيمنّ الصلاة وليؤتنّ الزكاة ، أو لأبعثنّ إليهم رجلا هو منّي كنفسي ، فليضربنّ أعناق مقاتليهم وليسبينّ ذراريهم! وأخذ بيد علي عليه‌السلام وشالها وقال : هو هذا (٢).

ثم انصرف صلى‌الله‌عليه‌وآله تلك الليلة (ليلة الخميس) من مكة إلى الجعرّانة فكأنّه بات بها. وفي يوم الخميس سلك وادي الجعرّانة وإلى جانبه حتى خرج منه على سرف (على عشرة أميال ـ ٢٥ كم من مكة إلى المدينة) ثم أخذ الطريق حتى انتهى إلى مرّ الظّهران (٣) وكان قد أمر ببقايا الفيء إلى هناك ، فاتّبع بها إلى المدينة ، حتى قدمها يوم الجمعة لستّ ليال أو ثلاث ليال بقين من ذي القعدة (٤).

رسل الاسلام الى البحرين وهجر :

أطلق البلاذري : في سنة ثمان (٥) ـ وقيده ابن سعد : بمنصرفه من الجعرانة (٦) ـ أمر صلى‌الله‌عليه‌وآله كتّابه أن يكتبوا الى المنذر بن ساوى التميمي الدارمي العبدي أمير الفرس

__________________

(١) كذا في هذا الخبر ، وسيأتي أنّ فرض الزكاة كان في أول التاسعة.

(٢) أمالي الطوسي : ٥٠٤ ، ٥٠٥ ، الحديث ١١٠٦. وسيأتي خبر وفدهم إلى المدينة في شهر رمضان من التاسعة أي بعد عشرة أشهر من هذا.

(٣) مغازي الواقدي ٢ : ٩٥٩.

(٤) لست ليال في سيرة ابن هشام ٤ : ١٤٣ و ١٤٤. ولثلاث ليال في مغازي الواقدي ٢ : ٩٦٠ و ٩٧٣ ولعلّ هذا الإسراع والتعجيل كان لإبعاد جوّ الحرب عن موسم الحج ، من جملة العلل.

(٥) فتوح البلدان : ٨٩ ، وط ٢ : ١٠٧.

(٦) الطبقات الكبرى ١ (القسم الثاني) : ١٩ و ٤ (القسم الثاني) : ٧٦.

٣٣٧

الساسانيّين على البحرين كتابا أسنده الزيلعي الى الواقدي في «كتاب الردّة» أسنده عن عكرمة مولى ابن عباس قال : وجدت هذا الكتاب في كتب ابن عباس بعد موته فإذا فيه : بعث رسول الله العلاء بن الحضرمي الى المنذر بن ساوى ، وكتب إليه كتابا يدعوه فيه الى الاسلام :

«بسم الله الرحمن الرحِيم ، من محمد رسول الله الى المنذر بن ساوى سلام على من اتّبع الهدى ، أما بعد ، فاني أدعوك الى الإسلام ، فأسلم ، تسلم ، أسلم يجعل الله لك ما تحت يديك ، واعلم أن ديني سيظهر الى منتهى الخفّ والحافر» وختم رسول الله الكتاب : محمد رسول الله (١).

وكان المنذر المقدم في تميم البحرين تابعا لكسرى ملك فارس مجوسيا ، وكان قاعدة ملكه هجر ، وهو الذي يعشّر سوقها (٢) ومعه سيبخت الفارسي. فلما أوصل العلاء الكتاب الى المنذر وقرأه قال له : يا منذر ، انّك عظيم العقل في الدنيا ، فلا تقصّرن عن الآخرة ، إنّ هذه المجوسية شرّ دين ، ينكح فيها ما يستحى نكاحه ، وتأكلون ما ينكره من اكله ، وتعبدون في الدنيا نارا تأكلكم يوم القيامة ، ولست بعديم العقل والرأي ، فانظر هل ينبغي لمن لا يكذّب في الدنيا أن لا تصدّقه؟! ولمن لا يخون أن لا تأتمنه؟! ولمن لا يخلف أن لا تثق به؟! فان كان أحد هكذا فهذا هو النبيّ الامّي الذي ـ والله ـ لا يستطيع ذو عقل أن يقول : ليت ما أمر به نهى عنه أو ما نهى عنه أمر به (٣)!

__________________

(١) نصب الراية للزيلعي ٤ : ٤٢ عن كتاب الردّة للواقدي ، وليس في النص الجزية ، فلا يصح ما في فتوح البلدان. وانظر مكاتيب الرسول ٢ : ٣٥٤ وقارن : ٣٧٩ ، ٣٨٣ و ١ : ٢٠٩.

(٢) انظر فتوح البلدان : ١٠٧ ومعجم البلدان ١ : ٣٤٦ ـ ٣٤٩ ونهاية الارب : ٤٣٥ والمفصّل ٤ : ٢٠٣ و ٢١٠ وجمهرة النسب : ٢٠١ ، ومكاتيب الرسول ٢ : ٣٥٧ ، ٣٥٨.

(٣) الروض الانف ٣ : ٢٥٠.

٣٣٨

فقال المنذر : قد نظرت في هذا الذي في يدي فوجدته للدنيا دون الآخرة ، ونظرت في دينكم فرأيته للآخرة والدنيا ، فما يمنعني من قبول دين فيه امنية الحياة وراحة الموت. ولقد عجبت أمس ممن يقبله ، وعجبت اليوم ممن يردّه (١). فأسلم.

ثم قرأ كتابه على أهل هجر والبحرين فأسلم جمع من العرب والعجم. فكتب المنذر إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أما بعد ، يا رسول الله ، فانّي قرأت كتابك على أهل البحرين ، فمنهم من أحب الاسلام وأعجبه فدخل فيه ، ومنهم من كرهه فلم يدخل فيه ، وبأرضي يهود ومجوس ، فأحدث إليّ أمرك في ذلك» (٢).

__________________

(١) السيرة الحلبية ٣ : ٢٨٤.

(٢) الطبقات الكبرى ١ (القسم الثاني) : ١٩ وفي الكتب والرسائل المروية المتبادلة بين المنذر والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مما يصلح جوابا لهذا الكتاب من المنذر ما رواه البلاذري والطبري وقبلهما أبو عبيد في الأموال وأبو يوسف في الخراج ، ونصّه في البلاذري : «من محمد النبيّ الى منذر بن ساوى سلام عليك ، فاني أحمد إليك الله الذي لا إله إلّا هو ، أما بعد فإنّ كتابك جاءني وسمعت ما فيه. فمن صلّى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا ، فذلك المسلم ، ومن أبى فعليه الجزية» راجع مكاتيب الرسول ٢ : ٦٥٨ و ٦٦٠ ولم يذكر للكتاب تاريخ ولعله بعد فرض الجزية في التاسعة.

أما سيبخت الفارسي مرزبان هجر فقد ذكر البلاذري في فتوح البلدان : ١٠٧ : أنّه اسلم بكتاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إليه مع العلاء الحضرمي ، بينما روى الصدوق في «التوحيد» : أنّه قدم الى المدينة وتكلّم مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وطلب منه المعجزة البيّنة ثم أسلم.

عن علي عليه‌السلام : جاءه سيبخت من ملوك فارس وكان رجلا ذربا فقال له : يا محمد ، الى ما تدعو؟ فقال : الى شهادة أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمدا عبده ورسوله ، فقال سيبخت : يا محمد ، وأين الله؟ قال : هو موجود في كل مكان بآياته. وقال : فكيف هو؟ فقال : لا كيف له ولا أين ، لأنّه عزوجل كيّف الكيف وأيّن الأين. قال : فمن أين جاء؟ قال : لا

٣٣٩

وما ذا عن القرآن في هذه الحوادث؟

لم يرو في أخبار أسباب نزول الآيات وشئونها ما يرتبط بالحوادث بعد فتح مكة ، من حرب حنين وهوازن والثقيف والطائف ، اللهم الا الآيات : (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ ...) وذلك في سورة براءة أو التوبة التي نزلت بعد رجوعه صلى‌الله‌عليه‌وآله من حرب تبوك في أواخر التاسعة للهجرة أي بعد عام تقريبا. اللهم إلّا ما يأتي من آيات في سورة النور.

إسلام عروة بن مسعود وشهادته :

مرّ أنّ عروة بن مسعود كان قد ذهب إلى جرش في حدود اليمن ليتعلم منهم عمل الدبّابات والمنجنيق استعدادا لحرب الإسلام ، وعاجلهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فحاصرهم قبل أن يرجع إليهم عروة بما تعلّم ، فلم يرجع إليهم إلّا بعد رجوع الرسول عنهم.

__________________

ـ يقال له جاء ، وإنمّا يقال جاء الزائل من مكان الى مكان ، وربّنا لا يوصف بمكان ولا بزوال ، بل لم يزل بلا مكان ولا يزال. فقال (يا محمد) انك لتصف ربّا عظيما بلا كيف ، فكيف لي أن أعلم أنّه أرسلك؟ قال علي عليه‌السلام : فلم يبق بحضرتنا ذلك اليوم حجر ولا مدر ولا جبل ولا شجر ولا حيوان إلّا قال مكانه : أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمدا عبده ورسوله وأنا قلت أيضا [وقال الرجل فأسلم ثم] قال : ومن هذا؟ فقال : هذا خير أهلي وأقرب الخلق منّي لحمه لحمي ودمه دمي وروحه روحي ، وهو الوزير لي في حياتي والخليفة بعد وفاتي ، كما كان هارون من موسى ، الا أنّه لا نبي بعدي ، فاسمع له وأطع فانه على الحق. ثم سمّاه عبد الله. وقبله رواه عن الصادق عليه‌السلام بسند آخر مختصرا بدون الذيل في علي عليه‌السلام ، مع ذكر أن الرجل كان يهوديا فارسيا : ٣١٠ ، ٣١١ ، وخالفت المصادر تسميته في آخر الخبر بعبد الله ، فسمّته : اسبخت بن عبد الله ، انظر : مكاتيب الرسول ٢ : ٣٧٩.

٣٤٠