موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٣

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٢٠

لزواجه بها (١). ثم ارتحل فرجع إلى المدينة في ذي الحجة.

وأين خالد بن الوليد؟ :

روى الواقدي عن المغيرة بن عبد الرحمن (المخزومي ظ) عن خالد بن الوليد قال : لما دخل رسول الله في عمرة القضية تغيّبت فلم أشهد دخوله. وكان أخي الوليد ابن الوليد قد أسلم واعتمر مع النبيّ ودخل مكة فطلبني فلم يجدني .. وسأله رسول الله عنّي فقال : أين خالد؟ فقال الوليد : يأتي به الله! ثم كتب إليّ كتابا فيه :

«بسم الله الرحمن الرحيمِ. أما بعد : فإنّي لم أر أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام ، وعقلك عقلك! ومثل الإسلام جهله أحد؟ وقد سألني رسول الله عنك فقال : أين خالد؟ فقلت : يأتي الله به! فقال : «ما مثله جهل الإسلام ، ولو كان جعل نكايته وجدّه مع المسلمين على المشركين لكان خيرا له ، ولقدّمناه على غيره» فاستدرك ـ يا أخي ـ ما فاتك ، فقد فاتتك مواطن صالحة».

قال خالد : فلما جاءني كتابه سرّني مقالة رسول الله وزادني رغبة في الإسلام فنشطت للخروج إليه (٢).

ورجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة.

سرية السلمي إلى بني سليم :

ذكر الواقدي رجلا من بني سليم يدعى ابن أبي العوجاء السلمي كان قد

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٤ : ١٤ ، وفروع الكافي ٥ : ٣٦٨ ، الحديث ٢ والتهذيب ٧ : ٤٠٩ ، الحديث ٢. وانظر مختصر خبر العمرة والزواج في اعلام الورى ١ : ٢١١ ـ ٢١٢ ومناقب آل أبي طالب ١ : ٢٠٥.

(٢) مغازي الواقدي ٢ : ٧٤٦ ، ٧٤٧. وفي ٧٤٥ : إن خالدا وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة قدموا المدينة لهلال صفر سنة ثمان. ولذا فنؤجل خبره إلى هناك.

١٢١

عرض على النبيّ أن يدعو قومه إلى الإسلام ، فلما رجع رسول الله من عمرة القضاء في ذي الحجة سنة سبع ، بعث ابن أبي العوجاء إلى قومه في خمسين رجلا. وكان معه رجل من قومه فخرج الرجل إلى قومه فأخبرهم وحذّرهم.

فلما قدم عليهم ابن أبي العوجاء ومعه الخمسون ، كانوا قد جمعوا جمعا كثيرا وقد استعدّوا ، فدعاهم ابن أبي العوجاء إلى الإسلام فأبوا وقالوا : لا حاجة لنا إلى ما دعوتم إليه ، ثم رشقوهم بالنبال وراموهم ساعة ، وجاءت الأمداد لبني سليم فأحدقوا بالمسلمين من كل ناحية ، وقاتلوهم قتالا شديدا حتى قتل كلهم ولم ينج منهم سوى ابن أبي العوجاء جريحا (١).

نزول سورة الدهر في ذي الحجة :

عدّ الشيخ المفيد من «مسارّ الشيعة الكرام» : اليوم الخامس والعشرين من ذي الحجة ، وقال : هو يوم نزول «هل أتى» في أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام (٢) وتبعه الشيخ بهاء الدين العاملي الحارثي في كتابه «توضيح المقاصد» (٣) ولكنهم بعد أن عيّنوا اليوم من الشهر لم يعيّنوه من أي سنة؟

وعلى الخبر المعتبر المعتمد في ترتيب نزول السور (٤) فإنّ آخر سورة سابقة فيها إشارة تاريخية هي سورة الرعد المرجّح نزولها بعد خيبر. وهي ٩٦ في النزول ، و ١٣ في النزول بالمدينة. وبعدها الرحمن. وبعدها سورة «هل أتى على الإنسان

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٧٤١.

(٢) مسارّ الشيعة الكرام : ٥٨ ط بصيرتي.

(٣) توضيح المقاصد : ٥٤٤ من المجموعة النفيسة ط بصيرتي.

(٤) التمهيد ١ : ١٠٣ ـ ١٠٧.

١٢٢

حين من الدهر» والتي سمّيت بإحدى هذه المفردات الثلاثة : «هل أتى» و «الإنسان» و «الدهر».

والآية الخامسة منها : (إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً* عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً* يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً* وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً* إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً* إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً* فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً* وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً).

وتستمر الآيات من الثالثة عشرة حتى الحادية والعشرين في أوصاف جنانهم ، وخاتمتها الثانية والعشرون قوله سبحانه : (إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً).

«وهي جارية في كل مؤمن فعل مثل ذلك لله عزوجل» كما رواه القمي في تفسيره بسنده عن الصادق عليه‌السلام (١) ولكن ـ كما قال في «الميزان» : ـ ليس سياقها سياق فرض موضوع وذكر الوعد الجميل عليه وآثاره ، بل إن سياق هذه الآيات سياق قصة قوم مؤمنين سمتهم السورة بالأبرار ، وكشفت الآيات عن شطر من أعمالهم من الوفاء بالنذر وإطعام المسكين واليتيم والأسير ، فتمدحهم بذلك ، وتعدهم الوعد الجميل (٢) سيّما الآيتين «يوفون بالنذر» و «يطعمون الطعام» (٣).

وقد قال الطوسي في «التبيان» : قد روت الخاصة والعامة : أنّ هذه الآيات نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ، فإنهم آثروا المسكين واليتيم

__________________

(١) تفسير القمي ٢ : ٣٩٩.

(٢) الميزان : ٢٠ : ١٢٧.

(٣) الميزان ٢٠ : ١٣٥.

١٢٣

والأسير ثلاث ليال بافطارهم ، وطووا ولم يفطروا بشيء من الطعام. فأنزل فيهم هذه السورة وأثنى عليهم فيها هذا الثناء الحسن (١).

وقال الطبرسي في «مجمع البيان» : قد روى الخاص والعام : أنّ الآيات من هذه السورة من قوله : (إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ ..) إلى قوله : (وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً) نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام وجارية لهم تسمى فضة. وهو المروي عن أبي صالح ومجاهد عن ابن عباس. قال : مرض الحسن والحسين فعادهما جدّهما صلى‌الله‌عليه‌وآله ووجوه العرب وقالوا : يا ابا الحسن ، لو نذرت على ولديك نذرا؟ فنذر صوم ثلاثة أيام إن شفاهما الله سبحانه ، ونذرت فاطمة كذلك ، وكذلك فضة. فبرئا وليس عندهم شيء ، فاستقرض علي عليه‌السلام ثلاثة أصوع من شعير ، من يهودي ، وجاء به إلى فاطمة ، فطحنت صاعا منها فاختبزته ، وصلى علي المغرب وقرّبته إليهم. فأتاهم مسكين يدعو لهم وسألهم ، فأعطوه ولم يذوقوا إلّا الماء.

فلما كان اليوم الثاني أخذت صاعا فطحنته وخبزته وقدمته .. فإذا يتيم بالباب يستطعم ، فأعطوه ولم يذوقوا إلّا الماء.

فلما كان اليوم الثالث عمدت إلى الباقي فطحنته واختبزته وقدّمته فإذا أسير بالباب يستطعم ، فأعطوه ولم يذوقوا إلّا الماء.

فلما كان اليوم الرابع وقد قضوا نذورهم ، أتى علي عليه‌السلام ومعه الحسن والحسين عليهما‌السلام إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وبهما ضعف ، فبكى رسول الله ، ونزل جبرائيل بسورة «هل أتى».

ثم روى رواية اخرى عن الواحدي في «أسباب النزول» عن عطاء بن رباح الخراساني عن ابن عباس أيضا : أنّ علي بن أبي طالب عليه‌السلام آجر نفسه بشيء من شعير ، ليلة ، ليسقي نخلا حتى يصبح ، فلما أصبح وقبض الشعير ، طحن ثلثه

__________________

(١) التبيان ١٠ : ٢١١.

١٢٤

فصنعوا منه شيئا يقال له الحريرة (دقيق يطبخ بلبن ـ حليب) أو الخريرة (دقيق يطبخ بدسم وماء) فلما تم انضاجه أتى مسكين فأخرجوا إليه الطعام. ثم عمل الثلث الثاني ، فلما تم انضاجه أتى يتيم فسأل ، فأطعموه. ثم عمل الثلث الثالث ، فلما تمّ انضاجه أتى أسير من المشركين فسأل ، فأطعموه ، وطووا يومهم ذلك (١).

ثم ذكر رواية «تفسير القمي» عن أبيه عن عبد الله بن ميمون عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام قال : كان عند فاطمة شعير فجعلوه عصيدة (دقيق يطبخ بدسم وماء) فلما أنضجوها ووضعوها بين أيديهم جاء مسكين فقال : المسكين رحمكم الله! فقام علي فأعطاه ثلثها. فلم يلبث أن جاء يتيم فقال : اليتيم رحمكم الله! فقام علي فأعطاه الثلث. ثم جاء أسير فقال : الأسير رحمكم الله! فأعطاه علي الثلث الباقي ، وما ذاقوها. فأنزل الله سبحانه الآيات فيهم (٢).

ما تبقّى من آيات الأحزاب :

مرّ في حرب الأحزاب ذكر آيات سورة الأحزاب ٩ ـ ٢٥ وقال القمي فيها : نزلت في قصة الأحزاب من قريش والعرب الذين تحزّبوا على رسول الله (٣) صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) أسباب النزول للواحدي : ٣٧٨.

(٢) مجمع البيان : ١٠ : ٦١١ ، ٦١٢ عن تفسير القمي ٢ : ٣٩٨. وروى فرات الكوفي في تفسيره : ٥٢٠ ـ ٥٢٩ خمسة أخبار في ذلك عن الإمام الصادق أكثر تفصيلا وعن زيد بن أرقم وعن أبي رافع وخبرين عن ابن عباس. ورواه الصدوق في الأمالي : ٢١٢ ـ ٢١٦ بسنده عن الصادق عليه‌السلام وعن مجاهد عن ابن عباس أيضا.

(٣) تفسير القمي ٢ : ١٧٦.

١٢٥

وفي الآية ٢٦ قال : نزلت في بني قريظة (١) وهذا إلى هنا يقتضي نزول السورة أو إلى هذا المقطع منها بعد بني قريظة في السنة الخامسة.

والآيات السبع التوالي ٢٨ ـ ٣٤ تخاطب أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأوّلها آيتا التخيير : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا) وقد نقلت خبر القمي بشأن الآيتين فيما بعد خيبر ، حسب نصّ القمي ، وهنا نأتي بأخبار اخرى في ذلك :

حكى الطوسي في «التبيان» عن عكرمة : أنه كانت له يوم تخييرهن : تسع نسوة : من قريش : سودة بنت زمعة ، وعائشة ، وحفصة ، وأمّ سلمة بنت أبي أميّة المخزومية ، وأمّ حبيبة بنت أبي سفيان الاموية ، ومن غير قريش : زينب بنت جحش الأسدية ، وجويرية بنت الحارث المصطلقية ، وصفية بنت حييّ بن أخطب النضرية ، وميمونة بنت الحارث الهلالية (٢).

وروى في سبب نزول آيتي التخيير : أنّ كلّ واحدة من نسائه طلبت شيئا : فسألت سودة قطيفة خيبرية ، وسألت حفصة ثوبا من ثياب مصر (ولعلّه من هدايا المقوقس المصري الاسكندري) وسألت أمّ سلمة سترا ، وسألت زينب بنت جحش بردا يمانيّا ، وسألت جويريّة معجرا ، وسألت أمّ حبيبة ثوبا سحوانيّا ، وسألت ميمونة حلّة (٣) وهي التي تزوّجها في عمرة القضاء.

وقال الطبرسي في «مجمع البيان» : قال المفسّرون : إنّ أزواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله سألنه شيئا من عرض الدنيا ، وطلبن منه زيادة في النفقة ، وآذينه لغيرة بعضهنّ من

__________________

(١) تفسير القمي ٢ : ١٨٩ و ١٩٢.

(٢) التبيان ٨ : ٣٣٥.

(٣) التبيان ٨ : ٣٣٤.

١٢٦

بعض ؛ فآلى رسول الله منهنّ شهرا ، فنزلت آيتا التخيير وهما قوله : (قُلْ لِأَزْواجِكَ) وكنّ يومئذ تسعا : سودة بنت زمعة ، وعائشة ، وحفصة ، وأمّ سلمة بنت أبي أميّة ، وأمّ حبيبة بنت أبي سفيان ، فهؤلاء من قريش ، وزينب بنت جحش الأسدية ، وجويرية بنت الحارث المصطلقية ، وصفية بنت حييّ الخيبرية ، وميمونة بنت الحارث الهلالية (١).

ونقل عن ابن زيد : أنّ الآية نزلت حين غار بعض امهات المؤمنين على النبيّ ، وطلب بعضهن زيادة في النفقة ، فهجرهنّ شهرا ، حتى نزلت آية التخيير ، فأمره الله أن يخيّرهنّ بين الدنيا والآخرة ، وأن يخلّي سبيل من اختارت الدنيا ويمسك من اختارت الله ورسوله ، على أنهنّ امهات المؤمنين ولا ينكحن أبدا ، وعلى أنه يؤوي من يشاء منهنّ ويرجي من يشاء منهنّ ، ويرضين به قسم لهنّ أو لم يقسم ، أو قسم لبعضهنّ ولم يقسم لبعضهنّ ، أو فضّل بعضهنّ على بعض في النفقة والقسمة والعشرة ، أو سوّى بينهنّ ، فالأمر في ذلك إليه يفعل ما يشاء ، فرضين بذلك كله واخترنه على هذا الشرط. وهذا من خصائصه (٢).

فهذه الأخبار باشتمالها على ميمونة بنت الحارث الهلالية ، التي لم يتزوّجها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا في عمرة القضاء في آخر الثامنة للهجرة ، تقتضي نزول هذه الآيات بعد ذلك ، لا بعد الأحزاب أو بني قريظة أو حتى خيبر قريبا منها ، فلعلها الحقت بها بعد ذلك.

ويترتب على هذا ما جاء بشأن آخر الآية : ٥٣ : (... وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً* إِنْ

__________________

(١) مجمع البيان ٨ : ٥٥٤.

(٢) مجمع البيان ٨ : ٥٧٣.

١٢٧

تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) مرتبطا بما سبق في الآية السادسة : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ ...).

ففي «تفسير القمي» : لما أنزل الله : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ ...) وحرّم نساء النبيّ على المسلمين ، غضب طلحة فقال : يتزوّج محمد نساءنا ويحرّم علينا نساءه! لئن أمات الله محمدا لنفعلنّ كذا وكذا ، فأنزل الله : (... وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا ...)(١).

والشيخ الطوسي في «التبيان» نقل الخبر عن السدّي ولم يسمّ الرجل فقال : لما نزل الحجاب (كذا) قال رجل من بني تيم [طلحة بن عبيد الله التيمي] : أنحجب عن بنات عمّنا؟! [عائشة بنت أبي بكر التيمي] إن مات عرّسنا بهنّ! فنزل قوله : (... وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً)(٢).

والشيخ الطبرسي في «مجمع البيان» نقل عن أبي حمزة الثمالي قال : إنّ رجلين قالا : أينكح محمد نساءنا ولا ننكح نساءه بعده؟! والله لئن مات لننكحن نساءه ، وكان أحدهما يريد عائشة والآخر يريد أمّ سلمة! وروى عن ابن عباس قال : نزل قوله : (... وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ ...) إلى آخر الآية ، في رجل من الصحابة (؟) قال : لئن قبض رسول الله لأنكحنّ عائشة! وقال مقاتل : هو طلحة بن عبيد الله (٣).

فخبر السدّي يربط تحريم أزواج النبيّ بحكم حجابهن ، وخبر أبي حمزة الثمالي

__________________

(١) تفسير القمي ٢ : ١٩٥.

(٢) التبيان : ٨ : ٣٥٨ ، هذا ، بينما روى السيوطي القول عن السّدي مصرّحا باسم طلحة ، في الدر المنثور ، وعنه في الميزان ١٦ : ٣٤٣.

(٣) مجمع البيان ٨ : ٥٧٤. وفي أسباب النزول للواحدي : ٢٩٩ : عن عطاء عن ابن عباس قال : قالها رجل من سادة قريش؟!

١٢٨

ومقاتل وابن عباس يربط نزول الآية بالتحريم السابق ، فهي مؤيدة لفحوى خبر القمي ، وكلها تفيد أن قوله : (... وَما كانَ لَكُمْ ...) هي بداية آية مستقلة لا نهاية ، كما الحال في آية التطهير في نهاية الآية ٣٣ من السورة ذاتها.

آية التطهير :

روى الحسين بن الحكم الكوفي في «ما نزل من القرآن في أهل البيت عليهم‌السلام» بسنده عن شهر بن حوشب قال : أتيت أمّ سلمة زوج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لاسلّم عليها ، فقلت لها : أما رأيت هذه الآية يا أمّ المؤمنين : (... إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (وكأنه كان يراها من أهل البيت) قالت : [كنت] أنا ورسول الله على منامة لنا تحتنا كساء خيبري (١) في البيت (٢) غداة ((٣) أو) كانت ليلة قارة (باردة (٤)) فقالت الخادم (٥) : هذا علي وفاطمة معهما الحسن والحسين بالسدّة (٦) فقال لي : قومي تنحّي عن أهل بيتي. فقمت فجلست في ناحية ، فأذن لهم فدخلوا ، فقبّل فاطمة واعتنقها ، وقبّل عليّا واعتنقه ، وضمّ الحسن والحسين صبيّين صغيرين (٧) وجاءت فاطمة ببرمة (قدر (٨)) فخار فيه حريرة

__________________

(١) ما نزل من القرآن : ٧٢. ومجمع البيان ٨ : ٥٥٩ عن تفسير أبي حمزة الثمالي.

(٢) عنه في تفسير فرات : ٣٣٣.

(٣) تفسير فرات : ٣٣٥.

(٤) تفسير فرات : ٣٣٣.

(٥) الخادم في العربية اعم من الذكر والانثى ، وهنا انثى.

(٦) تطلق على الباب وعتبتها والظلة عليها والساحة أمامها. مجمع البحرين.

(٧) ما نزل من القرآن : ٧٤. ومسند أحمد ٦ : ٢٩٦.

(٨) تفسير فرات : ٣٣٥ ومجمع البيان ٨ : ٥٥٩ عن تفسير الثعلبي النيسابوري. وفي مسند أحمد ٦ : ٢٩٢ وأسباب النزول للواحدي : ٢٩٥.

١٢٩

(أو (١)) عصيدة ، تحمله في طبق ، فوضعته بين يديه (٢) فقربتها فأكلوا.

ثم أقام فاطمة إلى جنب علي والحسن والحسين إلى جنب فاطمة ـ وكانت ليلة قارة ـ فأدخل رسول الله رجليه إلى فخذ علي وفاطمة (٣) فأخذ الكساء من تحتنا فعطفه (٤) فألبسهم الكساء الفدكي ((٥) وهي) خميصة (٦) له سوداء (٧) فلفّه رسول الله عليهم جميعا وأخذ بشماله طرفي الكساء وألوى بيده اليمنى إلى السماء ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا. ثلاث مرات (٢) كما أذهبت عن اسماعيل واسحاق ويعقوب ، وطهّرهم من الرجس كما طهّرت آل لوط وآل عمران وآل هارون (٩) اللهم ان هؤلاء آل محمد ، فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد كما جعلتها على ابراهيم انك حميد مجيد (١٠).

فقلت ـ وأنا عند عتبة الباب ـ : يا رسول الله وأنا منهم أو معهم (١١)! هل أنا من أهل بيتك (١٢)؟ ألست من أهل البيت (١٣)؟ ألست من أهلك يا رسول

__________________

(١) ما نزل من القرآن : ٧٢.

(٢) و (٨) تفسير فرات : ٣٣٥.

(٣) تفسير فرات : ٣٣٣.

(٤) تفسير فرات : ٣٣٢.

(٥) تفسير فرات : ٣٣٣. وفدك من خيبر فلا منافاة بينهما.

(٦) قيل : لا تكون خميصة إلّا إذا كانت سوداء معلمة من صوف أو خزّ. النهاية ٢ : ٨١.

(٧) ما نزل من القرآن : ٧٤.

(٩) تفسير فرات : ٣٣٧.

(١٠) الدر المنثور ٥ : ١٩٨.

(١١) ما نزل من القرآن : ٧٢.

(١٢) التبيان ٨ : ٣٣٩.

(١٣) تفسير فرات : ٣٣٤.

١٣٠

الله (١)؟ يا رسول الله ألست من أهلك (٢) ورفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي وقال (٣) : لا (٤) انك زوج النبيّ ، وأنت على خير (٥) وهؤلاء أهل بيتي (٦) وما قال انّك من أهل البيت (٧) فلو كان قال نعم كان أحبّ إلي مما تطلع عليه الشمس (٨) ونزلت هذه الآية : (... إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ ...) في النبيّ وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام (٩).

فروى عن أبي الحمراء قال : خدمت النبيّ نحوا من تسعة أشهر (١٠) والله لرأيت رسول الله تسعة أشهر أو عشرة عند كل صلاة فجر يخرج من بيته فيأخذ

__________________

(١) تفسير فرات : ٣٣٣.

(٢) تفسير فرات : ٣٣٥.

(٣) الدر المنثور ٥ : ١٩٨.

(٤) التبيان ٨ : ٣٣٩.

(٥) ما نزل من القرآن : ٧٣.

(٦) مستدرك الحاكم ٢ : ٤١٦ صحيحا على شرط البخاري.

(٧) تفسير فرات : ٣٣٤.

(٨) تفسير فرات : ٣٣٧.

(٩) تفسير فرات : ٣٣٢ ، وفي ٣٣٥ روى عن عبد الله الجدلي أنّه سأل أمّ سلمة عن الآية فقالت له : لو سألت عائشة لحدّثتك أن هذه الآية نزلت في بيتي. قال الجدلي : فدخلت على عائشة فقلت : أين نزلت هذه الآية : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ ...)؟ قالت : نزلت في بيت أمّ سلمة. تفسير فرات : ٣٣٤. وروى الطبرسي عن تفسير الثعلبي باسناده عن مجمع عن عائشة قالت : لقد رأيت رسول الله قد جمع بثوب على علي وفاطمة والحسن والحسين ثم قال .. فقلت : يا رسول الله أنا من أهلك؟ قال : تنحّي .. مجمع البيان ٨ : ٥٥٩ وعنها في مستدرك الحاكم ٣ : ١٤٧.

(١٠) ما نزل من القرآن : ٧٦.

١٣١

بعضادتي باب علي عليه‌السلام ثم يقول : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فيقول علي وفاطمة والحسن والحسين : وعليك السلام يا نبيّ الله ورحمة الله وبركاته. فيقول : الصلاة رحمكم الله (... إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ثم ينصرف إلى مصلاه (١).

__________________

(١) ما نزل من القرآن : ٧٧ وفي : ٧٦ رواه عن أنس بن مالك وعنه في مسند أحمد ٣ : ٢٥٩ و ٢٨٥ ومستدرك الحاكم ٣ : ١٥٨. وفي تفسير فرات الكوفي عن أبي الحمراء وعن أبي سعيد الخدري : ٣٣٨ و ٣٣٩. وعن أبي الحمراء وابن عباس كل يوم خمس مرات في وقت كل صلاة في الدر المنثور ٥ : ١٩٨ وما بعدها.

وروى الطبرسي في مجمع البيان ٨ : ٥٦٠ عن الحاكم الحسكاني بسنده عن الحسن بن علي عليه‌السلام قال : جمعنا رسول الله وإياه في كساء خيبري لأمّ سلمة ثم قال ...

وفي تفسير القمي ٢ : ١٩٣ عن أبي الجارود عن الباقر عليه‌السلام نزول الآية في بيت أمّ سلمة.

ثم روى عن زيد بن علي بن الحسين عليهم‌السلام قال : إن جهالا من الناس يزعمون إنمّا أراد بهذه الآية أزواج النبيّ ، وقد كذبوا وأثموا ، لو عني بها أزواج النبيّ لقال : ليذهب عنكنّ الرجس ويطهّركنّ تطهيرا ، وكان الكلام مؤنثا كما قال : (وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَ) (وَلا تَبَرَّجْنَ) و (لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ).

وروى الطبرسي عن تفسير الثعلبي عن أبي سعيد الخدري ٨ : ٥٥٩. وعنه الواحدي في أسباب النزول : ٢٩٥ ، والسيوطي في الدر المنثور ٥ : ١٩٨ والطبرسي أيضا عن الحاكم الحسكاني عن جابر الأنصاري ٨ : ٥٦٠. ونقل عنه المظفر في دلائل الصدق ٢ : ٦٧ خبرا صحّحه يدل على تأخّر نزول الآية عن خيبر وزواج النبيّ بصفية ، ورجوع جعفر الطيّار وأهله من الحبشة : عن عبد الله بن جعفر قال : قال رسول الله : ادعوا لي! ادعوا لي! فقالت صفية : من يا رسول الله؟ قال : أهل بيتي : عليا وفاطمة والحسن والحسين. فجيء بهم. فألقى عليهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كساء ثم رفع يديه ثم قال : اللهم هؤلاء آلي فصل على محمد وآل محمد ، وأنزل الله : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ ..).

١٣٢

__________________

ـ والطباطبائي في الميزان ١٦ : ٣١١ في تفسير هذه الآية قال : ورد في أسباب النزول : أنّ الآية نزلت في النبيّ وعلي وفاطمة والحسنين عليهم‌السلام خاصة لا يشاركهم فيها غيرهم ، وهي روايات جمّة تزيد على سبعين حديثا ، يربو ما ورد منها من طرق أهل السنة على ما ورد منها من طرق الشيعة ، فقد :

روتها الشيعة عن علي والسجاد والباقر والصادق والرضا عليهم‌السلام وأمّ سلمة وأبي ذر وابي الاسود الدؤلي .. وروتها السنة عن علي والحسن عليهما‌السلام وأمّ سلمة وعائشة وعبد الله بن جعفر وعبد الله بن عباس وثوبان مولى النبيّ وأنس بن مالك وأبي الحمراء وأبي سعيد الخدري وواثلة بن الاسقع وسعد بن أبي وقاص في قريب من أربعين طريقا.

ثم أورد الإشكال بسياق الآيات في خطاب نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأجاب : إنّ كثيرا من هذه الروايات وخاصة ما رويت عن أمّ سلمة ـ وفي بيتها نزلت الآية ـ تصرح باختصاصها بهم وعدم شمولها لأزواج النبيّ .. فهذه الأحاديث ـ على كثرتها البالغة ـ ناصّة على نزول الآية وحدها ، ولم يرد حتى في رواية واحدة نزول هذه الآية ضمن آيات نساء النبيّ ، ولا ذكره أحد ـ حتى القائل باختصاص الآية بأزواج النبيّ كما ينسب إلى عروة وعكرمة ـ فالآية بحسب النزول لم تكن جزءا من آيات نساء النبيّ ولا متصلة بها ، وإنما وضعت بينها ، إما بأمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو عند التأليف بعد الرحلة.

ويؤيّده : أن لو قدّر ارتفاع آية التطهير من بين جمل آية : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ) لبقيت الآية على اتصالها وانسجامها. فموقع آية التطهير من آية (وَقَرْنَ ...) كموقع آية (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا) من محرمات الأكل في سورة المائدة. الميزان ١٦ : ٣١١ ، ٣١٢.

وللتفصيل انظر : احقاق الحق ٢ : ٥٠٢ و ٩ : ٢ وما بعدهما. دلائل الصدق : ٢ : ٦٤ ـ ٧٥. وتتمة المراجعات بتحقيق حسين راضي : ٣٦ ـ ٤٤. ودروس في فقه الإمامية للفضلي ١ : ١١٤ ـ ١٣١. وكتب خاصة : حديث الكساء عند أهل السنة للسيد العسكري ط ١٤٠٢ ه‍ وآية التطهير في الخمسة أهل الكساء للموسوي الغريفي ط ١٣٧٧ النجف الأشرف ،

١٣٣

أما عن الآية ٣٦ : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ...).

ففي تفسير القمي عن أبي الجارود عن الباقر عليه‌السلام : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خطب زينب بنت جحش الأسدية وهي بنت عمة النبيّ ، لزيد بن حارثة ، فقالت : يا رسول الله ، حتى اوامر نفسي فانظر ، فأنزل الله الآية (١).

وهذا يقتضي خلاف التأليف والسياق القائم في الآيات تقديما وتأخيرا ، فإن الآية بناء على هذا في زواج زيد بزينب ، بينما سبقت الآيات في طلاق زيد لزينب وزواج النبيّ بها.

وهناك رواية اخرى لا تقتضي ذلك رواها الواقدي بسنده إلى عروة بن الزبير قال : إنّ رسول الله قال لأمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط : تزوّجي زيد بن حارثة فإنه خير لك ، فكرهت ذلك ، فأنزل الله الآية (٢) ورواها الطوسي في «التبيان» عن ابن زيد (٣) وعنه الطبرسي في «مجمع البيان» (٤) والسيوطي في «الدر المنثور» (٥) مع ترجيح أن هذا كان بعد طلاق زيد لزينب.

وسلّموا له تسليما :

فتح رسول الله خيبر ، وكان الفتح القريب الموعود به ، والقريب ذا الأثر

__________________

ـ في ٢٧٨ صفحة. وآية التطهير للسيد الأبطحي في ٨١٢ صفحة في مجلدين. وآية التطهير للسيد مرتضى العاملي ط. بيروت ١٤١٥ ه‍.

(١) تفسير القمي ٢ : ١٩٤.

(٢) مغازي الواقدي ٢ : ١١٢٦.

(٣) التبيان ٨ : ٣٤٣.

(٤) مجمع البيان ٨ : ٥٦٣.

(٥) الدر المنصور ٦ : ٢٠٣ كما في الميزان ١٦ : ٣٢٦.

١٣٤

الشديد الثقيل على اليهود والمشركين ، وكان لخبره الأثر الكبير والعظيم في مكة ـ كما مر ـ مما جرّ عمرو بن العاص وخالد بن الوليد إلى الاستسلام للإسلام ، كما مرّ شطر من خبرهما ويأتي تمامه. وبالإفادة من جوّ الأمن والأمان المتحصّل بشروط صلح الحديبية دخل في الإسلام أكثر ممن دخل فيه إلى ما قبله ، حتى قضى النبيّ عمرته مع ألفين من المسلمين. هذا كله من ناحية ..

ومن ناحية اخرى : تزوّج النبيّ بصفية ، ثم وصلته هدايا المقوقس الاسكندري وفيها مارية القبطية أمّ ابراهيم ، وغنم غنائم خيبر وفدك ووادي القرى ، وتوقّع أزواجه صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يفتح أبواب الدنيا عليهنّ ، فاعتزلهن في مشربة أمّ ابراهيم شهرا ، ثم خيّرهن ـ بعد زواجه بميمونة الهلالية ـ فاخترنه ، فحرّم الله عليهن الزواج بعده ، فتجرّأ طلحة وتجاسر على ذلك بقول كان فيه نيل وأذى للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله حسب الآية النازلة في ذلك .. من ناحية اخرى ..

يبدو لي أن هذه الامور هي السبب في تصعيد شأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله بما لم يسبق له نظير من قبله ، في قوله سبحانه ـ بعد تحريم أزواجه ـ : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً* إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً)(١).

ولا خلاف في أن الصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في الصلوات كانت واجبة مفروضة قبل نزول هذه الآية ، ولم تجب صلاة عليه خاصة بنزول هذه الآية ، إذن فليست الآية من آيات الأحكام التشريعية ، وعليه فليس الجديد في الآية تشريع الصلاة عليه ، وإنّما الجديد تنصيص القرآن على أنّ الصلاة عليه ليست من المؤمنين فقط ، بل من الله وملائكته من قبل. هذا في الصلاة عليه.

وأمّا قوله سبحانه : (وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) فهل هو بمعنى السلام عليه؟ أي هو

__________________

(١) الأحزاب : ٥٦ ـ ٥٧.

١٣٥

تشريع تأسيسيّ لسلام خاصّ عليه؟ أم هو بمعنى التسليم لأمره؟ مناسبة ما قدّمنا الإشارة إليه وما تقدم في آيات السورة من الإشارة إليه ، ونهيها وتعظيمها لأذيّة الله في رسوله قبل هذه الآية في قوله : (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ ...) وبعدها مباشرة بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ ...) كل هذا لا يناسب الاوّل أي السلام عليه بمقدار ما يناسب الثاني أي التسليم لأمره ، كما سبق في الآية ٢٢ من السورة نفسها في قوله سبحانه : (وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً) على غرار ما جاء سابقا في قوله سبحانه : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)(١) ولم يرد في القرآن الكريم تسليم في غير هذه الآيات الثلاث ، كما لم يرد الترديد بين المعنيين للتسليم فيما سوى آية الصلوات.

روى البرقي في «المحاسن» بسنده عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله الصادق عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ ..) فقال :

الصلاة عليه ، والتسليم له في كل شيء جاء به (٢).

وروى فرات الكوفي في تفسيره بسنده عن أبي هاشم قال : كنت مع جعفر بن محمد عليه‌السلام في المسجد الحرام فصعد الوالي المنبر يخطب يوم الجمعة فقرأ : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ ..) فقال جعفر عليه‌السلام : يا أبا هاشم ، لقد قال ما لا يعرف تفسيره ، قال تعالى : (وَسَلِّمُوا) بالولاية لعلي (تَسْلِيماً)(٣).

__________________

(١) النساء : ٦٥.

(٢) المحاسن للبرقي ١ : ٤٢٢ ط المجمع العالمي لأهل البيت ، قم.

(٣) تفسير فرات الكوفي : ٣٤٢ ط طهران بتحقيق المحمودي.

١٣٦

وإلى فحوى هذين الخبرين أشار القمي في تفسيره قال : أي وسلّموا له صلى‌الله‌عليه‌وآله بالولاية ، وبما جاء به (١).

والطوسي في «التبيان» فقال : «ثم أمر المؤمنين أن يسلّموا لأمره ولأمر رسوله تسليما في جميع ما يأمرهم به» ثم ذكر المعنى الآخر (٢).

والطبرسي في «مجمع البيان» روى خبر أبي بصير ثم قال : «فعلى هذا يكون معنى قوله : (وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) : انقادوا لأمره وابذلوا الجهد في طاعته في جميع ما يأمركم به» ثم ذكر المعنى الآخر (٣).

وعليه : فالآية لا تدل على التسليم بسلام التحيّة بعد الصلاة عليه.

__________________

(١) تفسير القمي ٢ : ١٩٦.

(٢) التبيان ٨ : ٣٦٠.

(٣) مجمع البيان ٨ : ٥٧٩ فهذان خبران عن الإمام الصادق عليه‌السلام في تفسير التسليم بالانقياد دون السلام ، وهناك جلّ الأخبار عنهم عليهم‌السلام إن لم تكن كلها تصلي على النبيّ عند ذكره هكذا : صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بدون «وسلّم» مما يدعم معنى هذين الخبرين ، وقال به هؤلاء المفسّرون الأوائل ، والتزم بذلك جلّ علماء المذهب ، وإنّما التزم ب «وسلم» من لم يلتزم ب «آله» من غير الشيعة ، ولم يكن الجمع بينهما إلّا في القليل اليسير وإنّما شاع بفعل المطابع في هذا العصر الأخير. ومحاولة الجمع بينهما في الكلام يؤدي عملا غالبا إلى اختزال «الآل» في درج الكلام.

١٣٧
١٣٨

أهم حوادث

السنة الثامنة للهجرة

١٣٩
١٤٠