موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٣

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٢٠

اليهود ، وقتل يومئذ نفر من المسلمين ، وافتتحه رسول الله ، فكان آخر حصون النّطاة ... وكان أهل النّطاة أحدّ اليهود وأهل نجدتهم.

من الرجيع إلى المنزلة :

وقلعة سمران من حصن أبيّ : قال : فلما فرغ رسول الله من النّطاة .. أمن من حرب اليهود وبياتهم وما يخاف منهم ، فأمر بالمعسكر أن يحوّل من منزله بالرجيع إلى مكانه الأوّل بالمنزلة .. ثم تحوّل إلى أهل الشّق. وكان بالشّق حصون ذات عدد ، فكان أول حصن بدأ به منها حصن ابي ، فقام منها على قلعة يقال لها سمران.

وخرج من اليهود رجل يقال له غزّال (أو غزول) فدعا إلى البراز ، فبرز له الحباب بن المنذر ، فاختلفا ضربات ، ثم حمل عليه الحباب فقطع يده اليمنى من نصف الذراع فوقع السيف من يد غزّال فاصبح أعزل فرجع منهزما مبادرا إلى الحصن ، وتبعه الحباب فقطع عرقوب رجله فوقع فأجهز عليه.

وخرج آخر فصاح : من يبارز؟ فبرز إليه رجل من المسلمين من آل جحش ، فقتل. وقام اليهوديّ يدعو إلى البراز ، فبرز له أبو دجانة قد عصب

__________________

ـ فقالوا : قد أردنا الامتناع في قلعة الزبير ، ولكنّ الدّبول (الجداول) قد قطعت عنّا ، وكان الحر ، فلم يكن لنا بقاء على العطش ٢ : ٦٧٥ ، ٦٧٦.

فيما روى الراوندي في الخرائج والجرائح قال : وبقيت لهم قلعة فيها أموالهم ومأكولهم ، ولم يمكن عليها حرب من أيّ وجه من الوجوه ، وحاصرها بمن فيها رسول الله .. فصار إليه يهودي منهم فقال : يا محمد ، تؤمّنني على نفسي وأهلي وولدي حتى أدلّك على فتح القلعة؟ قال : أنت آمن ، فما دلالتك؟ قال : تأمر ان أن يحفر هذا الموضع فانهم يصيرون إلى ماء أهل القلعة فيخرج ، ويبقون بغير ماء فيسلّمون إليك القلعة طوعا. فقال : أو يحدث الله غير هذا. الخرائج والجرائح ١ : ١٦٤ ، ١٦٥ فلم يقطع عنهم مشربهم ولم يعطّشهم. والله العالم.

٤١

رأسه بعصابة حمراء فوق المغفر يختال في مشيته ، وبدر اليهوديّ فضربه فقطع رجليه ثم أجهز عليه ثم سلبه درعه وأخذ سيفه وجاء بهما إلى النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم فنفّله إياهما. ثم أحجم اليهود عن البراز ، فكبّر المسلمون ثم تحاملوا على الحصن يقدمهم أبو دجانة حتى دخلوه .. فهرب من كان فيه من المقاتلة وتقحّموا الجدر كأنهم الظّباء حتى صاروا إلى حصن النّزار بالشق. ووجد المسلمون في قلعة سمران من حصن أبيّ أثاثا وغنما وطعاما ومتاعا ..

حصن النّزار بالشّق :

قال : هرب مقاتلة اليهود من قلعة سمران من حصن أبيّ حتى صاروا إلى حصن النّزار بالشّق ، وجعل من بقي في قلل النّطاة يأتي إلى حصن النّزار ، فامتنعوا فيه أشد الامتناع وغلّقوه على أنفسهم (١). ونظر رسول الله إلى حصن النّزار فقال : هذا آخر حصون خيبر فيه قتال (٢).

قال الراوندي : فلما كان من الغد ركب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بغلته وقال للمسلمين : اتبعوني وسار نحو القلعة ، وأقبلت السهام والحجارة نحوه ، فكانت تمرّ عن يمنته ويسرته ، فلا يصيبه شيء منها ولا أحدا من المسلمين ، حتى وصل رسول الله إلى باب القلعة ، فأشار بيده إلى حائطها ، فانخفض الحائط حتى صار مع الأرض ، فقال للناس : ادخلوا القلعة من رأس الحائط بغير كلفة (٣).

وقال الواقدي : فأخذ كفّا من الحصى فحصب به حصنهم ، فرجف بهم ، ثم

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٦٦٢ ـ ٦٦٨.

(٢) مغازي الواقدي ٢ : ٦٦٩.

(٣) الخرائج والجرائح ١ : ١٦٥ ح ٢٥٣.

٤٢

ساخ جدار الحصن في الأرض .. حتى جاء المسلمون فأخذوهم أخذا وكانت فيه صفية بنت حييّ بن أخطب وابنة عمّها (١) ووهب النبيّ لليهوديّ الذي وعده زوجته من حصن النّزار (٢).

صفيّة بنت حييّ بن أخطب :

قال الحلبيّ : كانت صفية عند سلّام بن مشكم (النضري) ، ثم عند كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق (الخيبري) (٣).

وروى الواقدي بسنده عن ابنة أبي القين المزني عن صفية قالت : لما أجلى رسول الله بني النضير خرجنا من المدينة إلى خيبر فأقمنا فيه ، فتزوّجني كنانة بن أبي الحقيق فاعرس بي قبل قدوم رسول الله إلى خيبر بأيام ، وذبح جزرا ودعا باليهود وحوّلني إلى حصنه في سلالم. فرأيت في النوم كأن قمرا أقبل يسير من يثرب حتى وقع في حجري ، فذكرت ذلك لزوجي كنانة ، فلطم عيني فاسودّت (٤) وقال : ما هذا إلّا أنك تمنّين ملك الحجاز محمدا (٥).

قالت : فلما نزل رسول الله خيبر .. جرّد اليهود حصون النطاة للمقاتلة وجعلوا ذراريهم في حصن الكتيبة .. فلما افتتح رسول الله [بعض] حصون النطاة دخل عليّ كنانة فقال : قد فرغ محمد من النطاة ، وليس هاهنا أحد يقاتل .. فخرج

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٦٦٨.

(٢) مغازي الواقدي ٢ : ٦٤٨.

(٣) مناقب آل أبي طالب ١ : ١٦٠.

(٤) مغازي الواقدي ٢ : ٦٧٤ واللفظ : اخضرت بمعنى اسودّت ، ونقلنا الكلمة بالمعنى.

(٥) سيرة ابن هشام ٣ : ٣٥١.

٤٣

بي وحوّلني وابنة عمّي ونسيات معنا حتى أدخلنا حصن النّزار بالشق (١) في الليلة التي تحوّل رسول الله في صبيحتها إلى الشّق (٢).

فروى الطبرسي عن الأحمر البجلي الكوفي عن زرارة عن الباقر عليه‌السلام في سبي صفية قال : وأخذ علي عليه‌السلام في من أخذ صفية بنت حيي ، فدعا بلالا فدفعها إليه وقال له : لا تضعها إلّا في يدي رسول الله حتى يرى فيها رأيه. فأخرجها بلال ومرّ بها إلى رسول الله على القتلى ، فكادت أن تذهب روحها جزعا. فقال له رسول الله : أنزعت منك الرحمة يا بلال؟! (٣).

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٦٧٤.

(٢) مغازي الواقدي ٢ : ٦٦٩.

(٣) اعلام الورى ١ : ٢٠٩ وعنه في قصص الأنبياء : ٤٧.

وقال ابن اسحاق : اتي رسول الله بصفية بنت حيي بن أخطب ، وباخرى معها ، أتاه بهما بلال وقد مرّ بهما على قتلى من اليهود ، فالتي كانت مع صفية لما رأت قتلاها صاحت وصكّت وجهها وحثت التراب على رأسها. فلما رآها رسول الله قال : أبعدوا عنّي هذه الشيطانة! أما صفية فأمر بها إلى خلفه وألقى عليها رداءه ، فعرف المسلمون أن رسول الله قد اصطفاها لنفسه ٣ : ٣٥٠ ، ٣٥١.

وقال الواقدي : سباها رسول الله وأرسل بها مع بلال إلى رحله ، فمرّ بها وبابنة عمّها على قتلاهم ، فصاحت ابنة عمها صياحا شديدا. فكره رسول الله ما صنع بلال وقال له : أذهبت منك الرحمة؟! تمر بجارية حديثة السن على القتلى؟! ٢ : ٦٧٣.

وروى الكليني في روضة الكافي عن سليم بن قيس عن سعد بن أبي وقاص الزهري حديثا يعدّد فيه خصال علي عليه‌السلام فيقول عن يوم خيبر : فما انثنى حتى فتح خيبر وأتاه بصفية بنت حيي بن أخطب ، فاعتقها رسول الله وجعل عدّة عتقها صداقها وتزوّجها كما رواه في بحار الأنوار ٤٢ : ١٥٥ ، ١٥٦.

٤٤

وفي خبر الواقدي عن صفية قالت : لما أمسى رسول الله جاء فدعاني ، فجئت وأنا مقنّعة حييّة حتى جلست بين يديه وقبل قدوم رسول الله إلى خيبر كان قد تزوّجني وأعرس بي كنانة بن أبي الحقيق. ورأيت في النوم : كأنّ قمرا أقبل من يثرب يسير حتى وقع في حجري فذكرت ذلك لزوجي كنانة ، فلطمني كنانة على عيني فاسودّ أطرافها.

فلما دخلت عليه سألني عنه ، فاخبرته الخبر ، ثم قال لي : إن أقمت على دينك لم اكرهك ، وإن اخترت الله ورسوله فهو خير لك. فقلت : اختار الله ورسوله والإسلام. فأعتقني : وجعل عتقي مهري وتزوّجني (١).

وكان معها ابنة عمها. وكان رسول الله قد وعد دحية الكلبي جارية من سبي خيبر ، ونظر دحية إلى صفية فسألها رسول الله ، فأعطاه ابنة عمها (٢).

حصون الوطيح وسلالم والكتيبة :

وقال : لما فتح رسول الله حصن النزار هرب أهلها منها إلى أهل الوطيح وسلالم والكتيبة .. وبالكتيبة من اليهود ومن نسائهم وذراريّهم أكثر من ألفين .. وجاءهم كل فلّ كان قد انهزم من النطاة والشق ، فتحصّنوا معهم في القموص

__________________

ـ وروى الاربلي في كشف الغمة عن مسند الإمام أحمد بسنده عن ابن عباس في حديث قال : فجاء وهو أرمد ، فنفث في عينه ثم هزّ الراية ثلاثا ثم أعطاها إياه ، فجاء بصفية بنت حييّ ١ : ٨١ ، ٨٢ وعنه في بحار الأنوار ٣٨ : ٢٤١ و ٤٠ : ٥٠.

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٦٧٥ ، وفي ابن هشام ٣ : ٣٥١ ، وروى المجلسي خبر رؤياها القمر عن الكازروني في بحار الأنوار ٢١ : ٣٣.

(٢) مغازي الواقدي ٢ : ٦٧٤.

٤٥

من الكتيبة والوطيح وسلالم ، حصن بني أبي الحقيق الذي كانوا فيه (١). وتحوّل رسول الله إلى الكتيبة والوطيح والسلالم ..

وتهيّأ أهل القموص وقاموا على باب الحصن بالنبل ، ونهض كنانة إلى قوسه ، فما قدر أن يوترها من الرّعدة (رعبا ورهبا) وأومأ إلى أهل الحصون أن لا يرموا ... وانقمعوا في الحصون مغلّقين على أنفسهم لا يطلعون منها ، فما رئي منهم أحد .. وحصرهم رسول الله أربعة عشر يوما (٢) .. ولما رأى رسول الله اغلاقهم حصونهم وأنه لا يبرز منهم بارز همّ أن ينصب المنجنيق عليهم (٣) .. وأجهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب. وايقنوا بالهلكة ، فأرسل كنانة رجلا من اليهود يقال له : شمّاخ إلى النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم.

فلما نزل شمّاخ أخذه المسلمون فاتي به النبيّ فأخبره عن كنانة أنه يقول : أنزل إليك فاكلّمك؟! فأنعم له النبيّ ، فرجع شمّاخ بالرسالة.

مصالحة أهل الحصون الثلاثة :

قال : فنزل كنانة في نفر من اليهود فصالح رسول الله على :

١ ـ حقن دماء من في حصونهم من المقاتلة ، وترك الذرية لهم.

٢ ـ ويخرجون من حصون خيبر وأراضيها.

__________________

(١) أو في القموص كما في سيرة ابن هشام ٣ : ٣٤٤ و ٣٥٠.

(٢) مغازي الواقدي ٢ : ٦٧٠. وفي سيرة ابن هشام ٣ : ٣٤٧ : فحاصرهم رسول الله بضع عشرة ليلة. وروى الواقدي عن أبي هريرة قال : قدمنا المدينة ونحن ثمانون بيتا من دوس ، فقالوا : رسول الله في خيبر ... فتحمّلنا إلى خيبر فوجدناه قد فتح النّطاة وهو محاصر أهل الكتيبة ، فأقمنا معه حتى فتح الله عليه ٢ : ٦٣٦.

(٣) الذي وجده مدفونا في حصون النطاة حسب إخبار اليهودي إياه ٢ : ٦٤٨.

٤٦

٣ ـ ويخلون بين رسول الله وبين ما كان لهم من أرض أو مال من ذهب أو فضة أو سلاح أو ثياب ، إلّا الثياب التي عليهم.

فصالحه رسول الله على ذلك (١) ، وأرسل إلى الأموال فقبضها الأول فالأول ، وبعث إلى المتاع والسلاح فقبضها. فوجد ألف رمح ، وخمسمائة قوس عربية بجعابها ، وأربعمائة سيف ، ومائة درع.

لما انتصر رسول الله على حصون النطاة كان ابن أبي الحقيق أخذه الرعب فأيقن بالهلكة ، فذهب ليلا بجلد جمل فيه حليّهم إلى خربة في حصن الكتيبة بحيث لا يراه أحد فحفر فيها ودفنها وسوى عليها التراب. فسأل رسول الله كنانة بن أبي الحقيق عن كنزهم الذي كانوا يعرفون به ، وحليّ كانت في جلد جمل كانوا يعيرونها للأعراس بمكة! فقال : يا ابا القاسم ، لقد كنا نرفعه لمثل هذا اليوم أما اليوم فقد انفقناه في حربنا فلم تبق الحرب واستنصار الرجال من ذلك شيئا. وحلف على ذلك. فقال رسول الله : برئت منك ذمّة الله وذمّة رسوله إن كان عندكم! قال : نعم!

ثم قال النبيّ : وكل ما أخذت من أموالكم وأصبت من دمائكم فهو حلّ لي ولا ذمّة لكم! قال : نعم. فقام رجل من اليهود إلى كنانة بن أبي الحقيق فقال : إن كان عندك ما يطلب منك محمد أو تعلم علمه فأعلمه ، فانّك تأمن على دمك ، وإلّا فو الله ليظهرن عليه ، وقد اطلع على غير ذلك بما لم نعلمه. فزبره ابن أبي الحقيق ، فتنحّى اليهودي فقعد.

ثم سأل رسول الله ثعلبة بن سلّام بن أبي الحقيق عن كنزهم ، وكان رجلا ضعيفا. فقال : ليس لي علم ، غير أني قد كنت أرى كنانة كل غداة يطوف بهذه الخربة واشار إلى خربة ، فإن كان شيء دفنه فهو فيها! فأرسل رسول الله الزبير بن

__________________

(١) أشار إليه الحلبي في مناقب آل أبي طالب ١ : ٢٠٤.

٤٧

العوّام مع ثعلبة بن أبي الحقيق فحفر حيث أراه ثعلبة فاستخرج منه ذلك الكنز! فلما اخرج الكنز أمر رسول الله الزبير أن يعذّب كنانة بن أبي الحقيق حتى يستخرج كل ما عنده! فعذّبه الزبير بزند يقدحه في صدره.

ثم أمره رسول الله أن يدفعه إلى محمد بن مسلمة يقتله بأخيه (محمود) فقتله محمد بن مسلمة. وأمر بابن أبي الحقيق الآخر [ثعلبة] فضرب عنقه. واستحلّ رسول الله بذلك أموالهما وسبى ذراريّهما.

واتي رسول الله بجلد الجمل فجعل بين يديه ، فإذا جلّه أسورة الذهب ودمالج الذهب وخلاخل الذهب وقرطة الذهب ، ونظم من جوهر وزمرّد ، وخواتم ذهب ، وفتخ (خواتيم الأيدي والأرجل) بالذهب مجزّع بجزع ظفار ، ونظام من جوهر كان لبنت (١) كنانة من غير صفية.

فروة بن عمرو على الغنائم :

قالوا : واستعمل رسول الله على الغنائم يوم خيبر فروة بن عمرو البياضيّ ، وكان قد جمع ما غنم المسلمون في حصون النّطاة وحصون الشّق وحصون الكتيبة ،

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٦٧٠ ـ ٦٧٣. وروى الحلبي في مناقب آل أبي طالب ١ : ١١٣ في معجزات أقواله : أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لكنانة .. والربيع : أين آنيتكما التي كنتما تعيرانها أهل مكة؟ قالا : أنفقناها. فقال لهما : إنّكما إن كتمتما شيئا فاطّلعت عليه استحللت دماءكما وذراريكما! قالا : نعم. فدعا رجلا من الأنصار وقال له : اذهب إلى قراح (مزرعة) كذا فأت النخيل فانظر نخلة عن يمينك وعن يسارك ، وانظر نخلة مرفوعة فايتني بما فيها. فانطلق وجاء بالآنية والأموال. فضرب عنقهما.

ولفظ الخبر هنا في المناقب : قال لكنانة زوج صفية والربيع. بينما ذكر في ترتيب أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أن صفية كانت عند سلّام بن مشكم ثم عند كنانة بن الربيع ١ : ١٦٠ والأخير هو الصحيح.

٤٨

لم يترك على أحد من أهل الكتيبة إلّا ثوبا على ظهره من الرجال والنساء والصبيان ، وجمعوا أثاثا كثيرا وبزّا وقطائف وسلاحا كثيرا ، وغنما وبقرا وطعاما وأدما كثيرا.

فأمّا الطعام والادم والعلف فلم يخمّس ، بل كان الناس يأخذون منه حاجتهم ، ومن احتاج إلى سلاح يقاتل به أخذه من صاحب المغنم حتى فتح الله عليهم فردّ ذلك في المغنم. فلمّا اجتمع ذلك كله أمر به رسول الله فجزّئ خمسة أجزاء ، كتب في سهم منها «لله» وسائر السهام أغفال. فكان أوّل ما خرج سهم النبيّ ، ولم يتخيّر في الأخماس (١).

قالوا : وكان الخمس إلى رسول الله من كل مغنم غنمه المسلمون ، شهده رسول الله أو غاب عنه (٢) ووجد رجل يومئذ في خربة مائتي درهم فجاء بها إلى رسول الله فأخذ منها الخمس ودفعها إليه (٣).

ثم أمر رسول الله ببيع الأربعة الأخماس لمن يريد. فجعل فروة يبيعها لمن يريد.

قال فروة بن عمرو : فلقد رأيت الناس يتداركون عليّ ويتواثبون حتى بيع في يومين ، ولقد كنت أرى أنّا لا نتخلّص منه حينا لكثرته (٤).

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٦٨٠.

(٢) مغازي الواقدي ٢ : ٦٨٣. وفي سيرة ابن هشام ٣ : ٣٧١ عن الزهري.

(٣) مغازي الواقدي ٢ : ٦٨٢. وكان الخمس الذي صار إلى رسول الله من المغنم يعطي منه ما أراد من السلاح والكسوة فأعطى منه أهل بيته من الثياب والخرز والأثاث ، وأعطى رجالا ونساء من بني عبد المطلب وأعطى السائل واليتيم ٢ : ٦٨٠.

(٤) مغازي الواقدي ٢ : ٦٨٠.

٤٩

وروى الواقدي وبسنده عن أمّ عمارة قالت : اخرج .. شيء كثير يباع في المقسم خرز من خرز اليهود وشيء كثير من البزور .. فقيل لها : فمن كان يشتري ذلك في المقسم؟ قالت : أمّا من كان يشتري من المسلمين فانّما كان يحاسب بما يصيبه من المغنم ، ومن حضر من الأعراب ، واليهود الذين كانوا في الكتيبة فأمنوا (١). وقال جعفر بن محمود كان كثير من يهود الكتيبة (والوطيح وسلالم) قد غيّبوا أعيان أموالهم ونقودهم ، فلمّا أمّنهم رسول الله كانوا يقبلون فيشترون أو يبيعون ، حتى لقد أنهوا كل المغنم من كثر ما كانوا يشترون من المتاع والثياب! (٢).

ولما كان فروة يبيع المتاع يومئذ وكان يوما حارا فأخذ عصابة عصب بها رأسه ليستظلّ بها من الشمس ، ثم رجع وهي عليه فذكر فخرج فطرحها وأخبر بها رسول الله فقال : عصابة من نار عصبت بها رأسك؟ وسأل رجل رسول الله يومئذ من الفيء شيئا فقال رسول الله : لا يحلّ لي من الفيء خيط ولا مخيط ، لا آخذ ولا اعطي. وسأله رجل عقالا فقال رسول الله : حتى نقسم الغنائم ثم اعطيك عقالا ، وإن شئت مرارا (حبلا) (٣).

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٦٦٥.

(٢) مغازي الواقدي ٢ : ٦٦٩ ، ٦٧٠.

(٣) إلّا أنّ ابن اسحاق روى في السيرة عن عبد الله بن المغفّل المزني قال : أصبت من فيء خيبر جرابا فيه شحم ، فاحتملته على عاتقي إلى أصحابي في رحلي ، فلقيني الذي جعل على المغانم (لعله فروة بن عمرو) فأخذ بناحيته وقال : هلمّ هذا نقسمه بين المسلمين ، فقلت : لا والله لا أعطيكه ، فجعل يجاذبني الجراب فرآنا رسول الله ونحن نصنع ذلك فتبسّم رسول الله ثم قال لصاحب المغانم : لا أبا لك خلّ بينه وبينه ٣ : ٣٥٤ فلعل الفارق أنّ هذا كان شحما والفصل صيف حارّ يفسد فيه مثل الشحم ، وهو محدود لا يمكن تقسيمه بين المسلمين.

٥٠

وتوفي يومئذ رجل من أشجع فذكروه لرسول الله فقال : صلّوا على صاحبكم! فتغيّرت وجوه الناس لذلك ، فقال رسول الله : إنّ صاحبكم غلّ في سبيل الله .. فوجدوا في متاعه خرزا من خرز اليهود لا يسوى درهمين! وكان إذا وجد الغلول في رحل الرجل لا يعاقبه .. ولكنّه كان يعرّف الناس به ويؤنّب ويعنّف ويؤذى.

ونادى منادي رسول الله : أدّوا الخيط والمخيط ، فإن الغلول عار وشنار ، ونار يوم القيامة. وسمع رسول الله يومئذ يقول : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسق ماءه زرع غيره (لا ينكح المرأة الحامل من غيره) ولا يبع شيئا من المغنم حتى يعلم ، ولا يركب دابّة من المغنم حتى إذا براها (هزّلها) ردّها ، ولا يلبس ثوبا من المغنم حتى إذا أخلفه ردّه ، ولا يأت من السبي حتى تستبرئ وتحيض حيضة ، وإن كانت حبلى حتى تضع حملها (١).

قالوا : وكان الذي ولي إحصاء المسلمين زيد بن ثابت .. فأحصاهم ألفا وأربعمائة ، والخيل مائتي فرس لها أربعمائة سهم .. فكانت السهام على ثمانية عشر سهما .. لكل مائة رأس يعرف يقسم على أصحابه (٢).

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٦٨١ ، ٦٨٢ وروى الأخيرة ابن اسحاق في السيرة ٣ : ٣٤٥ ، ٣٤٦ بسنده عن رويفع بن ثابت الأنصاري قال : قام فينا رسول الله فقال .. وروى عن مكحول قال : نهاهم النبيّ يومئذ عن أربع : عن أكل الحمر الأهلية ، واكل كل ذي ناب من السباع ، وعن اتيان الحبالى من السبايا ، وعن بيع المغانم حتى تقسّم ٣ : ٣٤٥.

وسيتكرر الأمر بالاستبراء يوم اوطاس أي يوم حنين ٣ : ٩١٩ وجل أخبارنا فيه.

(٢) مغازي الواقدي ٢ : ٦٨٩ و ٧١٨ وكذلك قال ابن اسحاق : كانت عدة الذين قسمت عليهم خيبر من أصحاب رسول الله ألفا وثمانمائة سهم ، الرجال ألف وأربعمائة ، والخيل مائتا فرس ، فكان لكل فرس سهمان ولفارسه سهم ، ولكل راجل سهم ، فكان الجميع ثمانية عشر [ألف] سهم.

٥١

وروى الواقدي بسنده عن الحارث بن عبد الله قال : رأيت أمّ عمارة فسألتها : كم كانت سهام الرجال؟ قالت : ابتاع زوجي غزيّة بن عمرو متاعا [من غنائم خيبر] بأحد عشر دينارا ونصف ، فلم يطالب بشيء ، فظننّا أن هذا هو سهم الرجال الفرسان ، فإن زوجي كان فارسا (١).

وقالوا : كانت خيبر لأهل الحديبية .. لقول الله عزوجل : (وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ)(٢) يعني خيبر (٣) لمن شهدها منهم ومن غاب عنها. وقد مرض خمسة منهم : سويد بن النعمان (٤) ، وعبد الله بن سعد بن خيثمة ، ورجل من بني خطامة .. ومات من الخمسة رجلان .. وتخلّف : مري بن سنان ، وجابر بن عبد الله الأنصاري (٥) وسباع بن عرفطة الغفاري خلفه على المدينة (٦) وأيمن بن عبيد ابن أمّ ايمن (٧).

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٦٨٨.

(٢) الفتح : ٢٠.

(٣) مغازي الواقدي ٢ : ٦٨٤ ورواه في ٢ : ٦٢١ عن الزهري عن ابن المسيّب. فكان علي بن أبي طالب راسا ، والزبير بن العوّام ، وطلحة بن عبيد الله ، وعمر بن الخطاب ، وعبد الرحمن ابن عوف ، وعاصم بن عديّ ، واسيد بن حضير ٣ : ٣٦٤ وعنه عن الزهري عن عروة بن مسوّر بن مخرمة مثله في أمالي الطوسي : ١٦٤ وعنه في بحار الأنوار ٢١ : ١٠.

(٤) كان فارسا خرج مع النبيّ إلى خيبر ، فلما قربوا ليلا من خيبر ونظر إلى بيوتها وقع به الفرس ، فكسرت يد سويد وعطب فرسه ، فكان في منزله (خيمته) لم يخرج منه حتى انتهت الحرب ، فأسهم له رسول الله سهم فارس ٢ : ٦٨٩.

(٥) وفي سيرة ابن هشام ٣ : ٣٤٥.

(٦) وفي ابن هشام ٣ : ٣٤٢ : استعمل على المدينة نميلة بن عبد الله الليثي.

(٧) وفي ابن هشام ٣ : ٣٦٢ وعذّره حسّان بن ثابت في شعره قال :

٥٢

قالوا : وخرج مع رسول الله إلى خيبر عشرة من يهود المدينة .. وكان منهم موالي مماليك .. فاعطاهم من امتعة خيبر.

وخرج معه من المدينة عشرون امرأة. فلم يسهم لهنّ إلّا أنه أعطاهن شيئا من الفيء (١) دون السهام ، ولعله كان يعادل نصف سهام الرجال أو نحوه. فروى عن أميّة بنت قيس الغفارية : أنّ رسول الله أعطاها قلادة. وعن أمّ سنان : أنه أعطاها خرزا وحليّا من فضة وقدرا من نحاس ، وخمائل وبردا يمانيا ، وقطيفة فدكية. وعن أمّ عمارة : أنه أعطاها بردا يمانيا وقطيفة ودينارين (٢).

وأسهم للقتلى الذين قتلوا من المسلمين (٣) ستة عشر من الأنصار وأربعة من المهاجرين ثلاثة من حلفاء بني اميّة وحليف لبني أسد من قريش (٤).

__________________

وأيمن لم يجبن ، ولكنّ مهره

أضرّ به شرب المديد المخمّر

العجين المخمّر

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٦٨٤ ـ ٦٨٦. والمعنى الأخير في السيرة ٣ : ٣٥٦.

(٢) مغازي الواقدي ٢ : ٦٨٦ ـ ٦٨٨.

(٣) مغازي الواقدي ٢ : ٦٨٤.

(٤) سيرة ابن هشام ٣ : ٣٥٧ ، ٣٥٨. هذا ، وقد مرّ عن الواقدي عن أبي هريرة قال : قدمنا المدينة ونحن ثمانون بيتا من دوس (عشيرة من أزد اليمن) فقالوا : رسول الله في خيبر ... فتحمّلنا إلى خيبر فوجدناه محاصرا أهل الكتيبة ، فأقمنا معه حتى فتح الله عليه ٢ : ٦٣٦ وقال كاتبه ابن سعد في الطبقات ١ : ٧٨ : وقدم الدّوسيّون وفيهم أبو هريرة ، وقدم الأشعريون (وهم منهم) فلحقوه بخيبر ، فكلم رسول الله أصحابه فيهم أن يشركوهم في الغنيمة ففعلوا. وفي فتح الباري للعسقلاني ٦ : ١٨٢ و ٧ : ٣٩١ عن أبي موسى الأشعري أنه بلغهم ظهور النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وهجرة المسلمين إلى الحبشة ، فركبوا إليهم وهم نحو خمسين رجلا فأقاموا مع جعفر بن أبي طالب حتى قدموا معه خيبر ، فأسهم لهم أيضا.

٥٣

أما عن بساتين النخيل والمزارع فيها في أراضي خيبر لليهود ، فانهم قالوا لرسول الله : يا محمد ، نحن أرباب النخل واهل المعرفة بها (١).

فروى الكليني في «الكافي» بسنده عن الباقر عليه‌السلام قال : إنّ رسول الله أعطاهم أرض خيبر ونخلها بالنصف (٢) وأضاف عن الرضا عليه‌السلام قال : قبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خيبر وعليهم في حصصهم العشر ونصف العشر (٣).

قالوا : وجعل المسلمون يقعون في حرثهم وبقلهم بعد المساقاة أي بعد أن صار نصف لهم ونصفه لليهود ، فشكا اليهود ذلك إلى رسول الله فدعا رسول الله عبد الرحمن بن عوف فنادى : الصلاة جامعة! فاجتمع الناس. فقام رسول الله فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إنّ اليهود شكو إليّ أنكم وقعتم في حظائرهم ، وقد آمنّاهم على دمائهم وعلى أموالهم ، وعاملناهم على الذي في أيديهم من أراضيهم ،

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٦٩٠ وفي ابن هشام ٣ : ٣٥٢ : قالوا : نحن أعلم بها منكم وأعمر لها ، وسألوا رسول الله أن يعاملهم على النصف. فصالحهم رسول الله على النصف على أنّه إذا شاء أن يخرجهم منها أخرجهم. وفي ٣ : ٣٧١ عن الزهري : أنّ النبيّ دعا اليهود بعد الفتح فقال : ان شئت دفعت إليكم هذه الأموال على أن تعملوها وتكون ثمارها بيننا وبينكم ، وأقرّكم ما أقرّكم الله؟ فقبلوا ، فكانوا يعملون على ذلك .. حتى توفي رسول الله فأقرها أبو بكر بأيديهم على المعاملة حتى توفي وأقرّها عمر أولا ثم أجلاهم وقسّم أراضيها على ثمانية عشر سهما على رءوس السهام التي عيّنها رسول الله ، ابن هشام ٣ : ٣٧٢ ، مغازي الواقدي ٢ : ٧١٨. فهو من حوادث عهد عمر.

(٢) فروع الكافي ٥ : ٢٦٦ ، الباب ١٢٨ ، الحديث ١ واعطاهم بمعنى تركها في أيديهم كما فيه عن الصادق عليه‌السلام ٥ : ٢٦٧ ، الباب ١٢٨ ، الحديث ٢ والفقيه ٣ : ١٥١ ، الباب ٧٢ ، الحديث ١ والاستبصار ٣ : ١١٠ ، الباب ٧٤ ، الحديث ١ والتهذيب ٧ : ١٤٨ الباب ١١ ، الحديث ٦.

(٣) فروع الكافي ٣ : ٥١٤ ، الباب ٧ ، الحديث ٢.

٥٤

وإنّه لا تحلّ أموال المعاهدين إلّا بحقّها!

فكان المسلمون لا يأخذون من بقولهم شيئا إلّا بثمن (١).

ونهى عن الربا المعاملي :

قالوا : كان فضالة بن عبيد يقول : أصبت يوم خيبر قلادة وكان في القلادة ذهب وغيره ، فبعتها بثمانية دنانير ، وذكرت ذلك لرسول الله فقال : بع الذهب وزنا بوزن. واشتري يوم خيبر تبر بذهب جزافا فنهى عنه رسول الله (٢). واشترى السعدان تبرا (غير مصوغ) بذهب (مصوغ) أحدهما أكثر وزنا. فقال رسول الله : أربيتما فردّا (٣).

وروى ابن اسحاق بسنده عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله : ابتاعوا تبر الذهب بالورق العين ، وتبر الفضة بالذهب العين. ونهانا عن أن نبيع أو نبتاع تبر الذهب بالذهب العين ، وتبر الفضة بالورق العين (٤).

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٦٩١.

(٢) وفي المطبوع : «فلهي عنه» خطأ.

(٣) مغازي الواقدي ٢ : ٦٨٢.

(٤) سيرة ابن هشام ٣ : ٣٤٦ ، وعليه فالنهي عن المفاضلة في المماثل ، ولا مانع عن غير المماثل. والنهي في الأسبق عن الجزاف والغرر ، ولعله كذلك في القلادة وفيها ذهب غير معلوم المقدار بالدنانير الذهب ، أما لو كان وزن الذهب في القلادة أقل من الدنانير لمكان الصياغة ولوجود غير الذهب مع الذهب ، فلا مانع مع الضميمة إلى الأقل أما لو كان وزنا بوزن أي متساويين في الذهب وزنا ، فهذا من الربا الحرام في مذهب أهل البيت عليهم‌السلام إذ إن ذهب القلادة يفضل ذهب الدنانير بالضميمة والصياغة فضلا عما إذا كان ذهب القلادة أكثر. وعليه فالحديث يصح في بعض صوره ولا يصح على إطلاقه في مذهب أهل البيت عليهم‌السلام.

٥٥

وصول جعفر إلى خيبر :

روى الطبرسي عن أبان الأحمر البجلي الكوفي عن زرارة عن الباقر عليه‌السلام قال : كان رسول الله قبل أن يسير إلى خيبر أرسل عمرو بن اميّة الضمري إلى النجاشي عظيم الحبشة .. وأمر عمرا أن يقدم عليه بجعفر وأصحابه. فجهّز النجاشيّ جعفرا وأصحابه بجهاز حسن ، وأمر لهم بكسوة ، وحملهم في سفينتين. فلمّا فتح رسول الله خيبر أتاه البشير بقدوم جعفر بن أبي طالب وأصحابه من الحبشة .. فقال : ما أدري بأيّهما أسرّ ، بفتح خيبر أم بقدوم جعفر!

وعن سفيان الثوري عن ابن الزبير عن جابر الأنصاري قال : لما نظر جعفر ابن أبي طالب إلى رسول الله حجل ـ أي مشى على رجل واحدة ـ إعظاما لرسول الله. فقبّل رسول الله ما بين عينيه (١).

بل روى الطوسي في «التهذيب» بسنده عن الصادق عليه‌السلام قال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم افتتح خيبر أتاه الخبر أن جعفرا قد قدم فقال : والله ما أدري بأيهما أنا أشدّ سرورا؟ أبقدوم جعفر أو بفتح خيبر. فلم يلبث أن جاء جعفر فوثب رسول الله فالتزمه وقبّل ما بين عينيه. (و) قال له : يا جعفر ، ألا اعطيك؟ ألا أمنحك؟ ألا أحبوك [حبوة] فتشوّق الناس ورأوا أنه يعطيه ذهبا أو فضة. [وقال جعفر] : بلى يا رسول الله (٢) فعلّمه الصلاة المنسوبة إليه : صلاة جعفر الطيّار (٣).

وروى الطوسي في أماليه بسنده عن حذيفة بن اليمان قال : لما قدم جعفر من أرض الحبشة بأرض خيبر إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أتاه بهداياه من الغالية والقطيفة.

__________________

(١) إعلام الورى ١ : ٢٠٩ وانظر سيرة ابن هشام ٤ : ٣ ومغازي الواقدي ٢ : ٦٨٣.

(٢) التهذيب ٣ : ١٨٦ ، الباب ٢٠ ، الحديث ١.

(٣) تجد تفصيل الصلاة عن الباقر عليه‌السلام في الكافي ٣ : ٤٦٥ ، والفقيه ١ : ٣٤٧ طبع النجف الأشرف ، والتهذيب ٣ : ١٨٦.

٥٦

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : لأدفعنّ هذه القطيفة إلى رجل يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله. فمدّ أصحاب النبي أعناقهم إليها ، وقال النبيّ : أين عليّ؟ فوثب عمّار بن ياسر فدعا عليّا عليه‌السلام فلمّا جاء قال له النبيّ : يا عليّ ، خذ هذه القطيفة إليك ، فأخذها علي (١).

وأما أمر فدك (٢) :

قال الواقدي : قالوا : لما دنا رسول الله من خيبر بعث محيّصة بن مسعود إلى فدك يدعوهم إلى الإسلام ويخوّفهم أن يحلّ بساحتهم.

__________________

(١) أمالي الطوسي : ٣٦ وتمام الخبر : وأمهل حتى قدم المدينة فانطلق إلى البقيع وهو سوق المدينة فأمر صائغا ففصل القطيفة وفيها أسلاك الذهب فأخرجها سلكا سلكا فكان ألف مثقال من الذهب ، ففرّقه علي عليه‌السلام في فقراء المهاجرين والأنصار ، ثم رجع إلى منزله ولم يترك من الذهب قليلا أو كثيرا.

فلقيه النبيّ في غد في نفر من أصحابه فقال : يا علي ، إنّك أخذت بالأمس ألف مثقال فاجعل غدائي وأصحابي هؤلاء اليوم عندك. فقال : نعم يا رسول الله ادخل أنت ومن معك في الرحب والسعة يا نبيّ الله. قال حذيفة : وكنا خمسة نفر : أنا وعمّار وسلمان وأبو ذر والمقداد ، فدخل النبيّ ثم قال لنا : ادخلوا ، فدخلنا ، ودخل علي على فاطمة فوجد عندها في وسط البيت جفنة من ثريد تفور وكأن رائحتها المسك وعليها عراق (لحم) كثير ، فحملها علي حتى وضعها بين يدي رسول الله ومن حضر معه ، فأكلنا حتى تملّأنا. وقام النبيّ فدخل على فاطمة فقال لها : يا فاطمة أنّى لك هذا الطعام؟ ونحن نسمع قولهما فقالت : (هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) فخرج النبيّ إلينا مستعبرا وهو يقول : الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيت لابنتي ما رأى زكريا لمريم كان إذا (دَخَلَ عَلَيْها) (الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً.) كما في بحار الأنوار ٢ : ٢٠ ولم نجده في الأمالي المنشور.

(٢) بينها وبين المدينة يومان ، كما في معجم البلدان ٦ : ٣٤٢. وتبعد عن المدينة نحو ١٤٠ كم ، وانظر مراصد الاطلاع ٣ : ١٠٢٠.

٥٧

فعن محيّصة قال : لما جئتهم جعلوا يقولون : بالنّطاة عامر وياسر واسير والحارث وسيّد اليهود مرحب. وان بها عشرة آلاف مقاتل ، فما نرى محمدا يقرب جانبهم. وجعلوا يتربّصون ، ولم يزالوا كذلك حتى جاءهم قتل أهل حصن ناعم وأهل النّجدة منهم ، ففتّ ذلك في أعضادهم ، فجمعوا حليّا كثيرا من حليّ نسائهم وقالوا لمحيّصة : اكتم عنّا ما قلنا لك ، ولك هذا الحلي! فأبى محيّصة. قال محيّصة : فلما رأيت خبثهم أردت أن أرحل راجعا فقالوا : نحن نرسل معك رجالا يأخذون لنا الصلح. قال محيّصة : فقدم معي رجل من رؤسائهم يقال له : نون بن يوشع في نفر من اليهود (١).

وروى الطبرسي في «اعلام الورى» عن أبان عن زرارة عن الباقر عليه‌السلام قال : لما فرغ رسول الله من خيبر عقد لواء يريد أن يبعث به إلى حوائط فدك ، فقال : من يقوم فيأخذه بحقه؟ فقام إليه الزبير فقال : أنا. فقال له : أمط عنه! ثم قام سعد [بن أبي وقاص] فقال له : أمط عنه! ثم قال : يا علي قم إليه فخذه فأخذه ، فبعث به إلى فدك (٢).

قال الواقدي : فصالحوا رسول الله على أن يحقن دماءهم .. وأن لهم نصف الأرض بتربتها ، ولرسول الله نصفها. فقبل رسول الله ذلك ، وأقرّهم على ذلك (٣) ، ولم يبلغهم.

وأشار ابن اسحاق إلى أن محيّصة بن مسعود كان قد مشى بين رسول الله وبين اليهود في فدك .. فلما سمع أهل فدك بأن رسول الله قد حاصر أهل خيبر في

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٧٠٦.

(٢) اعلام الورى ١ : ٢٠٩.

(٣) مغازي الواقدي ٢ : ٧٠٧.

٥٨

حصنيهم الوطيح والسلالم ، وأنهم سألوه أن يحقن دماءهم ويسيّرهم بعث أهل فدك إلى رسول الله يسألونه أن يحقن دماءهم ويخلّوا له الأموال (١) فقدمت رسلهم على رسول الله في خيبر أو في الطريق ، أو بعد ما قدم المدينة ، يسألونه أن يصالحهم على نصف فدك. فقبل ذلك منهم. فكانت فدك لرسول الله خالصة لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب (٢).

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٣ : ٣٥٢.

(٢) سيرة ابن هشام ٣ : ٣٦٨ وقبله مثله ٣ : ٣٥٢ وفي آخر خبر الطبرسي عن أبان عن زرارة عن الباقر عليه‌السلام قال : فصالحهم على أن يحقن دماءهم. فكانت حوائط فدك لرسول الله خاصّا خالصا.

ثم قال : فنزل جبرئيل فقال : إنّ الله ـ عزوجل ـ يأمرك أن تؤتي ذا القربى حقه. فقال : يا جبرئيل ومن قرابتي وما حقه؟ قال : هي فاطمة ، فأعطها ما لله ولرسوله في حوائط فدك.

قال : فدعا رسول الله فاطمة عليها‌السلام وكتب لها كتابا. اعلام الورى ١ : ٢٠٩ وأشار إلى هذا المعنى القمي في تفسيره ٢ : ١٨ وروى العياشي في تفسيره ٢ : ٢٨٧ أربعة أخبار في ذلك ثلاثة منها عن الصادق عليه‌السلام عن أبان بن تغلب وجميل بن درّاج وعبد الرحمن ، والخبر الرابع عن عطية العوفي مرسلا. وروى الطبرسي في مجمع البيان ٦ : ٦٣٣ ، ٦٣٤ خبر عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري ، عن شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني النيشابوري ، وبأسانيد وطرق عديدة ١ : ٣٣٨ ـ ٣٤١ وعن الخدري القاضي المعتزلي في المغني ، وعنه المرتضى في الشافي وعنه المعتزلي في شرح النهج ١٦ : ٢٦٨. وفي الدر المنثور ٤ : ١٧٧.

هذا والآية هي السادسة والعشرون من سورة الإسراء المكية ، ولذلك احتمل صاحب التمهيد نزولها ثانية ١ : ٥٦ ، ولعل جبرئيل نزل بتطبيق الآية تذكيرا بها. أما الحكم بأن ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فهو لله وللرسول ولذي القربى فقد سبقت به الآيتان ٧ و ٨ من سورة الحشر المدنية النازلة قبل هذا بعد حرب بني النضير.

٥٩

الشاة المشويّة :

روى الواقدي عن إبراهيم بن جعفر قال : كان سيد خيبر وأشجعهم ابو الحكم سلّام بن مشكم. وهو كان صاحب حربهم ، ولكنّ الله شغله بالمرض .. وكان في حصون النّطاة فقيل له : انه لا قتال فيك فكن في حصن الكتيبة [أي مع النساء والصبيان] فقال : لا أفعل أبدا ، فبقى في النطاة حتى قتل وهو مريض. وهو زوج زينب بنت الحارث الذي قتل مبارزة هو واخوانه مرحب ويسار وياسر والزّبير (١) ولم تسب زينب هذه. فلمّا فتح رسول الله خيبر واطمأنّ ، شاورت زينب اليهود في السموم ، فأجمعوا لها على سمّ قاتل بعينه .. فسألت : أي عضو من الشاة أحبّ إلى محمد صلى الله عليه [وآله]؟ فقالوا : الذراع والكتف ، فعمدت إلى عنز لها فذبحتها ثم عمدت إلى ذلك السم القاتل فسمّت الشاة واكثرت في الذراعين والكتفين.

فلما غابت الشمس صلى رسول الله المغرب وانصرف إلى منزله ، فوجد زينب عند رحله فقالت له : يا رسول الله هدية أهديتها لك. فأمر رسول الله أن تقبض الهدية منها ، فقبضت ووضعت بين يديه ، وجمع من أصحابه حضور فقال لهم : ادنوا فتعشّوا. ومنهم بشر بن البراء بن معرور الأنصاري ، وتناول رسول الله الذراع ، وتناول بشر بن البراء عظما ، وأنهش رسول الله من الذراع وانتهش بشر ، وازدرد رسول الله وازدرد بشر ثم قال رسول الله : كفّوا أيديكم ، فإن هذه الذراع تخبرني أنها مسمومة!

وكان ثلاثة نفر قد وضعوا أيديهم في الطعام ولم يسيغوا منه شيئا. أمّا بشر بن

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٦٧٩ ، ٦٨٠.

٦٠