موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٣

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي

موسوعة التاريخ الإسلامي - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: أضواء الحوزة ـ لبنان
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٢٠

وكمنوا النهار حتى نزلوا منزل سلاح أسفل خيبر ، وخرجوا منه ودنوا من القوم ، فقدّموا الدليل طليعة يأتيهم بالخبر ، فغاب عنهم ساعة ثم كرّ عليهم فأخبرهم عن سرح القوم ونعمهم ، فأغاروا عليها فأصابوا نعما كثيرا ، وخرج الرّعاة فحذّروا جمعهم فلحقوا بعلياء بلادهم. وخرج بشير بأصحابه حتى أتى محالّهم فلم يجد بها منهم أحدا ، فرجع بالأنعام ، حتى بلغوا الى سلاح فلقوا جمع عيينة بن حصن فناوشوهم فانكشفوا عنهم ، وأصاب المسلمون منهم رجلا أو رجلين أسروهما أسرا وقدموا بهما على النبيّ فأسلما ، فأرسلهما (١) صلى‌الله‌عليه‌وآله.

كتابه إلى أمير اليمامة :

مرّ في إجمال إرسال الرسل والكتب إلى الملوك والامراء : أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث سليط بن عمرو العامري إلى ملكي اليمامة (٢) : ثمامة بن أثال ، وهوذة بن علي الحنفيّين (٣). ولم يذكر نصّ كتابه صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ابن أثال ، وإنما ذكر كتابه إلى هوذة :

«بسم الله الرحمن الرحِيم ، من محمد رسول الله إلى هوذة بن علي ، سلام على من اتّبع الهدى ، واعلم أن ديني سيظهر إلى منتهى الخفّ والحافر ، فأسلم تسلم ، وأجعل لك ما تحت يديك» وكان نصرانيا (٤) وكان سليط بن عمرو يختلف إلى اليمامة فأرسل الكتاب معه إليه يدعوه إلى الإسلام.

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٧٢٨.

(٢) اليمامة من بلاد نجد شرقيّ مكة ، وقاعدتها الحجر ، على ست عشرة مرحلة من البصرة ونحوها من الكوفة ، وبينها وبين البحرين عشرة أيام ، كما في مادة البحرين من معجم البلدان والقاموس.

(٣) سيرة ابن هشام ٤ : ٢٥٤. وبنو حنيفة من بكر بن وائل من ربيعة بن نزار.

(٤) معجم البلدان مادة البحرين ، والكامل في التاريخ ٢ : ٨٢.

١٠١

فلما قدم عليه أكرمه وأنزله ، ودفع إليه الكتاب فقرأه ، فلما قرأه قال له سليط : يا هوذة ، إنّك سوّدتك أعظم حائلة وأرواح في النار! وإنّما السيّد من متّع بالإيمان ثم زوّد بالتقوى ، وإنّ قوما سعدوا برأيك ، فلا يشقون به! وإنّي آمرك بخير مأمور به وأنهاك عن شرّ منهيّ عنه! آمرك بعبادة الله وأنهاك عن عبادة الشيطان ؛ فإنّ في عبادة الله الجنة وفي عبادة الشيطان النار : فإن قبلت نلت ما رجوت وأمنت مما خفت ، وإن أبيت فبيننا وبينك كشف الغطاء وهول المطّلع!

هوذة : يا سليط ، سوّدني من لو سوّدك تشرّفت به ، وقد كان لي رأي أختبر به الامور ففقدته ، فاجعل لي فسحة يرجع إليّ فيها رأيي فاجيبك إن شاء الله.

وكان عند هوذة رجل رومي من عظماء نصارى دمشق فقال له هوذة : جاءني كتاب من محمد يدعوني إلى الإسلام فلم اجبه. فقال الرومي : لم لا تجيبه؟ قال : ضننت بديني ، وأنا أملك قومي ولئن اتّبعته لا أملك! فقال الرومي : بلى والله ، لئن اتّبعته ليملكنّك ، وإنّ الخير لك في اتّباعه ، فانّه للنبيّ العربيّ الذي بشّر به عيسى بن مريم عليه‌السلام ، وانه لمكتوب عندنا في الانجيل : محمد رسول الله.

ثم كتب هوذة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله ، وأنا شاعر قومي وخطيبهم ، والعرب تهاب مكاني ، فاجعل لي بعض الأمر أتّبعك»! ثم أجاز سليطا بجائزة وكساه أثوابا من نسج هجر ، وأرسل وفدا فيهم مجاعة بن مرارة ، والرحّال بن عنفوة ومعهم غلام اسمه كركرة هدية له صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

فلما قدم الرسول عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله وأخبره بما جرى وقرأ الكتاب على النبيّ ، قال : لا ، ولا كرامة لو سألني سيابة من الأرض ما فعلت ، باد وباد ما في يديه. ثم قال : اللهم اكفنيه (٢).

__________________

(١) ذكره الطبرسي في أعلام الورى ١ : ٢٨٧.

(٢) فلما انصرف من فتح مكة أخبره جبرئيل بموت هوذة ، كما في الطبقات الكبرى ١ : ٢٦٢.

١٠٢

هذا ما رواه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بشأن هوذة. وروى الكليني في «روضة الكافي» بسنده عن أبان البجلي الكوفي عن الباقر عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه كان يقول بشأن ثمامة بن أثال : اللهم أمكنّي من ثمامة! فأسرته خيل للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله. فقال له رسول الله : انّي مخيّرك واحدة من ثلاث : أقتلك! قال : إذا تقتل عظيما ، أو افاديك. قال : إذا تجدني غاليا. أو أمنّ عليك. قال : إذا تجدني شاكرا. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : فانّي قد مننت عليك. فقال : أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّك محمد رسول الله. وقد والله علمت أنّك رسول الله حيث رأيتك ، و (لكنّي) ما كنت لأشهد بها وأنا في الوثاق! (١).

__________________

وراجع مكاتيب الرسول ١ : ١٣٦ ـ ١٣٩ ويلاحظ أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يحوّله على رضا المسلمين واختيارهم له!

(١) روضة الكافي : ٢٤٩. ورواه ابن اسحاق عن أبي هريرة قال : خرجت خيل لرسول الله فأخذت رجلا أتوا به رسول الله فقال : هذا ثمامة بن أثال الحنفي ، أحسنوا إساره ، وأمر أن تمرّ ناقته عليه ليحتلبها غدوة وعشيا ، وقال لأهله : ابعثوا إليه ما عندكم من طعام. وكان النبيّ يدعوه إلى الإسلام فلا يسلم ، فمكث مدة ثم أمر النبي بإطلاقه. فلما أطلقوه أتى البقيع فتطهّر ثم أقبل حتى بايع النبيّ على الإسلام. وروى ابن هشام : أنّه حين أسلم قال لرسول الله : لقد كان وجهك أبغض الوجوه إلي ، ولقد أصبح وهو أحبّ الوجوه إلي. ثم خرج معتمرا فلما قدم مكة ـ وكان أول من دخل مكة يلبّي ـ قالوا له : أصبوت يا ثمام؟! فقال : لا ، ولكنّي اتّبعت خير الدين دين محمد ، ولا والله لا تصل إليكم حبّة من اليمامة حتى يأذن فيها رسول الله. ثم خرج إلى اليمامة فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئا. فكتبوا إلى رسول الله : «انّك تأمر بصلة الرحم وقد قطعت أرحامنا : قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع!» فكتب رسول الله إلى ثمامة أن يخلّي بينهم وبين حمل الحبوب إليهم ، فحملت. ٤ : ٢٨٧ ، ٢٨٨.

ورواية أبي هريرة : وقد أسلم في السابعة ، وكونه أول من لبّى بمكة يدلان على أن ذلك بعد خيبر وقبل عمرة القضاء ، ولذلك ذكرنا الخبر هنا.

١٠٣

القسامة ، والدّية من بيت المال :

وكأنّ المدينة أصابتها مجاعة في أواخر السنة السابعة بعد فتح خيبر وقبل عمرة القضاء (١).

فروى الواقدي بسنده عن محيّصة بن مسعود الأنصاري قال : لما فتح رسول الله خيبر جهدنا وأصابتنا مجاعة ، فقلت لأصحابي : قد جهدنا وأصابتنا مجاعة فهل لكم في خيبر؟ وكان رسول الله قد دفع إليهم زرع الأرض والنخل على النصف (فخرجنا نمتار تمرا (٢)).

فخرجنا حتى قدمنا خيبر ، فكنّا في الشّق يوما ، وفي النّطاة يوما ، وفي الكتيبة ، ورأينا في الكتيبة خيرا فأقمنا بها أياما ، ورجع صاحبي (وابن عمّي عبد الله بن سهل) إلى الشّق فغاب عنّي. فغدوت في أثره حتى انتهيت إلى الشّق أسأل عنه ، فقال لي بعضهم : لما غابت الشمس مرّ من هنا يريد النّطاة. فعمدت إلى النّطاة أسأل عنه ، إلى أن قال لي غلام منهم : تعال أدلّك على صاحبك! فانتهى بي إلى منهر فأقامني عليه فإذا الذّباب يطلع من المنهر! فتدلّيت في المنهر فإذا صاحبي قتيل ؛ فاستعنت عليه بنفر من اليهود حتى اخرجته وكفّنته ودفنته. ثم خرجت مسرعا إلى المدينة ، فوجدنا رسول الله يريد عمرة القضية.

فأخبرت قومي الخبر .. وكان المقتول عبد الله بن سهل ، وكان أخو المقتول عبد الرحمن بن سهل أحدث مني رقيقا مستعبرا على أخيه ، وخرج من قومنا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثون رجلا أكبرنا أخي حويّصة بن مسعود. فلما بركنا بين يديه وجلسنا حوله ، تقدم عبد الرحمن بن سهل وقال : يا رسول الله ، إنّ أخي قد قتل ..

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٧١٤.

(٢) ابن اسحاق في السيرة ٣ : ٣٦٩ ونمتار : نأخذ الميرة : المئونة.

١٠٤

فقال له رسول الله : كبّر ، كبّر (قدّم الأكبر منك للكلام أدبا)! فتقدّمت وتكلّمت ، فقال لي أيضا : كبّر ، كبّر! فسكتّ.

فتكلم أخي حويّصة ـ وكان أكبرنا ـ فذكر أن ظنّتنا أو تهمتنا اليهود. ثم أخبرت الخبر رسول الله (١).

فكتب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك إلى يهود خيبر : أنّه قد وجد قتيل بين أبياتكم ، فدوه. أي أدّوا ديته. فكتبوا إليه يحلفون بالله ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلا (٢).

فقال رسول الله لحويّصة ومحيّصة وعبد الرحمن ومن معهم (٣) : ايتوني بشاهدين من غيركم. قالوا : يا رسول الله ، ما لنا شاهدان من غيرنا. فقال لهم رسول الله : فليقسم خمسون رجلا منكم على رجل ندفعه إليكم. قالوا : يا رسول الله : وكيف نقسم على ما لم نره؟! قال : فيقسم اليهود؟ قالوا : يا رسول الله ، وكيف نرضى باليهود وما فيهم من الشرك أعظم؟! فودّاه رسول الله (٤) من عنده مائة ناقة : خمسة وعشرين جذعة ، وخمسة وعشرين حقّة ، وخمسة وعشرين بنت لبون ، وخمسة وعشرين بنت مخاض. قال سهل بن أبي حثمة راوي الخبر عن محيّصة : وكنت يومئذ غلاما فرأيتها ادخلت عليهم مائة ناقة ، وركضتني منها ناقة حمراء (٥) بكرة ، وأنا أحوزها (٦).

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٧١٣ ، ٧١٤.

(٢) ابن اسحاق في السيرة ٣ : ٣٧٠ واختصر الواقدي.

(٣) مغازي الواقدي ٢ : ٧١٤.

(٤) فروع الكافي ٧ : ٣٦١ ، الحديث ٥ والتهذيب ١٠ : ١٦٦ ، الحديث ٢. وتمامه : قال الصادق عليه‌السلام : وانما جعلت القسامة احتياطا لدماء الناس لكي ما إذا أراد الفاسق أن يقتل رجلا أو يغتال رجلا حيث لا يراه أحد خاف أن يقتل فامتنع من القتل.

(٥) مغازي الواقدي ٢ : ٧١٥.

(٦) ابن اسحاق في السيرة ٣ : ٣٧٠.

١٠٥

تقسيم محاصيل خيبر :

كان فتح خيبر في أواخر شهر صفر من أوائل السنة السابعة للهجرة ، ومرّ أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قاسمهم محاصيلهم بالمناصفة ، فهذا بحاجة إلى محاسب مخمّن ، وعيّن النبيّ لذلك عبد الله بن رواحة ، وقام بالأمر لأول حصاد بعد خيبر ثم اصيب في حرب مؤتة. قال ابن اسحاق : وإنمّا خرص عليهم عاما واحدا (١) وليس في ما بأيدينا أيّ تاريخ لذلك سوى هذا النص ، ولذلك آثرت أن اذكر ذلك وصلا بخبر القتيل في خيبر وقبل الخروج إلى عمرة القضاء :

روى الكليني في «فروع الكافي» بسنده عن الصادق عليه‌السلام قال : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله تركها في أيديهم على النصف (زرع أرضها ونخلها) فلما بلغت الثمرة بعث عبد الله بن رواحة إليهم فخرص عليهم. فجاؤوا إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا : إنّه قد زاد علينا. فأرسل إلى عبد الله فقال له : ما يقول هؤلاء؟ قال : قد خرصت عليهم بشيء ، فإن شاءوا يأخذون بما خرصت ، وإن شاءوا أخذناه. وقال لهم : إما أن تأخذوه وتعطوني نصف الثمر ، وإما أعطيتكم نصف الثمر وآخذه. فقال رجل من اليهود : بهذا قامت السموات والأرض (٢).

وروى الواقدي قال : فلما خرص قال : إن شئتم فلكم ، وتضمنون نصف ما خرصت ، وإن شئتم فلنا ، ونضمن لكم ما خرصت. وقد خرص عليهم أربعين ألف وسق. فجمعوا له حليّا من حليّ نسائهم فقالوا : هذا لك وتجاوز في القسم! فقال لهم : يا معشر اليهود! والله انكم لمن أبغض خلق الله إليّ ، وما ذاك يحملني أن أحيف عليكم. فقالوا : بهذا قامت السموات والأرض! (٣).

__________________

(١) ابن اسحاق في السيرة ٣ : ٣٦٩.

(٢) فروع الكافي ٥ : ٢٦٦ و ٢٦٧ و ٢٦٨ وأمالي الصدوق : ٢١٨ وسيرة ابن هشام ٣ : ٣٦٩.

(٣) مغازي الواقدي ٢ : ٦٩١.

١٠٦

ويلازم أن يكون المحاسب المخمّن هنا عبد الله بن رواحة قبل شهادته في حرب مؤتة ، يلازم هذا أن يكون ذلك قبل شهادة زيد بن حارثة كذلك ، وهذا يقتضي أن نجد اسمه في قائمة أسماء الرجال الذين أسهم لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا أن نفتقد اسمه ونجد بدله اسم ابنه اسامة ، كما هو الحال في قائمتي ابن اسحاق في السيرة (١) والواقدي في المغازي (٢). وكذلك نفتقد اسم جعفر بن أبي طالب إلى جانب ذكر أخويه علي عليه‌السلام وعقيل واخواته أمّ طالب وأمّ هاني وجمانة ، ونجد عنوان بني جعفر ، مما يدل هذا على أنّ القوائم لما بعد حرب مؤتة ، بل لما بعد فتح مكة لمكان عقيل واخواته ، والعباس ، وأمّ الحكم بنت الزبير بن عبد المطلب وغيرهم من مسلمة الفتح ، مما يدل على أنّ هذه القائمة لما بعد فتح مكة لا فتح خيبر.

بل الملفت أنّ كلّا من ابن اسحاق والواقدي قد أعقبا هذه القائمة بذكر وصيته صلى‌الله‌عليه‌وآله بطعمة من خمس خيبر لعشرة من الداريين الذين قدموا للإسلام من الشام وكذلك للأشعريين والرهاويين من اليمن. مما يشير إلى أن هذه هي القوائم الأخيرة ولذلك اثبتت مع وصاياه صلى‌الله‌عليه‌وآله. والقوائم هذه لدى كل من ابن اسحاق والواقدي ثلاث قوائم :

احداها هذه الوصايا لهذه الطوائف الثلاث : الدّاريّين والأشعريّين والرّهاويّين. وزاد ابن اسحاق : السبئيّين ، لكل طائفة مائة وسق (٣).

وقائمة اخرى صغرى ، كأنّ ابن اسحاق استنسخها من كتاب فيه بعد البسملة : ذكر ما أعطى محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نساءه من قمح خيبر : قسم لهن مائة

__________________

(١) سيرة ابن هشام ٣ : ٣٦٥ ، ٣٦٦.

(٢) مغازي الواقدي ٢ : ٦٩٤ ، ٦٩٥.

(٣) ابن اسحاق في السيرة ٣ : ٣٦٧ ، ٣٦٨ ومغازي الواقدي ٢ : ٦٩٥. والوسق ستون صاعا ، والصاع ـ ٧٥٠ / ٢ كغم.

١٠٧

وسق وثمانين وسقا (كذا) ثم خرج من النساء إلى فاطمة بنت رسول الله ، واسامة بن زيد ، والمقداد بن الأسود ، ثم أمّ رميثة بنت عمر بن هاشم بن المطّلب. ثم : شهد عثمان بن عفّان وعباس ، وكتب (١).

ونقل الواقدي أيضا هذه القائمة إلّا أنّه اختلف عن ابن اسحاق في : أن جعل العنوان : ذكر طعم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الكتيبة (٢) أزواجه وغيرهم. فذكر من ذكرهم ابن اسحاق وزاد : للعباس بن عبد المطّلب مائتي وسق. ولم يذكره شاهدا ولا الكاتب. ولم يذكر القمح بل الشعير والتمر ونواه (٣).

وقائمة اخرى كبرى نقلها الواقدي بعد السابقة الصغرى بفاصل البسملة بلا عنوان وهي عنده تنقص عن ابن اسحاق اثني عشر موردا بعضهم ممن تكرّر ذكره في القائمة الصغرى. وعقّبها بالوصايا للطوائف الثلاث (٤). بينما جعلها ابن اسحاق قائمة سهام الكتيبة بين قرابته ونسائه ومعهم رجال ونساء من المسلمين أعطاهم منها ، فبدأ بفاطمة وعلي عليهما‌السلام وثنّى بعائشة وأبيها ، وثلّث بعقيل وبني جعفر (٥).

عمرة القضاء :

مرّ في بنود صلح الحديبية في ذي الحجة في السنة السادسة : أنّ المشركين قالوا لرسول الله :

__________________

(١) ابن اسحاق في السيرة ٣ : ٣٦٧.

(٢) وقد مرّ عنه أنّ الكتيبة كانت خمس غنائم خيبر لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٣) مغازي الواقدي ٢ : ٦٩٣ ، ٦٩٤.

(٤) مغازي الواقدي ٢ : ٦٩٤ ، ٦٩٥.

(٥) ابن اسحاق في السيرة ٣ : ٣٦٥ ، ٣٦٦.

١٠٨

«نخلّي لك البيت في العام القابل في هذا الشهر ثلاثة أيّام ، حتى تقضي نسكك وتنصرف عنّا» فأجابهم رسول الله إلى ذلك (١).

قال الواقدي : فلما دخل هلال ذي القعدة من سنة سبع ، أمر رسول الله الذين شهدوا معه الحديبية أن لا يتخلّف أحد منهم عن قضاء عمرتهم معه هذه السنة (السابعة) وسمح لمن لم يكونوا معه.

فروى عن ابن عباس قال : فقال رجال من حاضري المدينة من العرب : يا رسول الله ما لنا من يطعمنا! فأمر رسول الله المسلمين أن يتصدّقوا عليهم في سبيل الله. فقالوا : يا رسول الله بم نتصدّق وأحدنا لا يجد شيئا؟ فقال رسول الله : بما كان ، ولو بشقّ تمرة. ولو بمشقص (٢) يحمل به أحدكم في سبيل الله (٣).

وساق رسول الله في هذه العمرة ستين بدنة ، بعد أن قلّدها بنفسه بيده. وكان أبو هريرة الدّوسي ، وعبيد بن أبي رهم الغفاري ، وعليهم ناجية بن جندب الأسلمي ومعه أربعة فتيان من أسلم يسيرون بالهدي أمامه يطلبون الرعي في الشجر. وقاد رسول الله مائة فرس وجعل على هذه الخيل محمد بن مسلمة الأنصاري ، وحمل معهم البيض والدروع والرماح والسلاح ، واستعمل عليه بشير بن سعد. فقيل : يا رسول الله! حملت السلاح ، وقد شرطوا علينا أن لا ندخل عليهم إلّا بسلاح المسافر :

__________________

(١) تفسير القمي ٢ : ٣١١.

(٢) نصل السهم الطويل غير العريض.

(٣) تمامه : فأنزل الله في ذلك قوله سبحانه : (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) البقرة : ١٩٥ وقبلها آية الشهر الحرام ، وبعدها خمس آيات في الحج ، وهذا يتلاءم وفحوى الخبر ، ولعل هذا مما يفسّر كون الآيات في سورة البقرة بأنها الحقت بالبقرة فيما بعد.

١٠٩

السيوف في القرب؟! فقال رسول الله : انا لا ندخلها عليهم الحرم ، ولكن تكون قريبا منّا ، فإن هاجنا هيج من القوم كان السلاح قريبا منّا. وخرج المسلمون ألفين وأحرم النبي من الجحفة (١) وسار رسول الله يلبّي ، والمسلمون يلبّون.

وفي مرّ الظهران التقى نفر من قريش بمحمد بن مسلمة وبشير بن سعد فرأوا معه سلاحا كثيرا ، فخرجوا سراعا فأخبروا قريشا بالذي رأوا من الخيل والسلاح. وفي بطن يأجج (٢) قرب أنصاب الحرم تلاحق رسول الله في أصحابه والهدي والسلاح.

مبعوث قريش :

وبعثت قريش مكرز بن حفص بن الأحنف في نفر من قريش فالتقوا بالنبيّ في بطن يأجج ، فقالوا : يا محمد! والله ما عرفت صغيرا ولا كبيرا بالغدر ، تدخل بالسلاح الحرم على قومك وقد شرطت أن لا تدخل إلّا بسلاح المسافر : السيوف في القرب؟! فقال رسول الله : لا ندخلها إلّا كذلك.

فرجع مكرز إلى مكة مسرعا يقول : إنّ محمدا لا يدخل بسلاح ، وهو على

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٥١ و ٢٥٢ ، الحديث ١٠ و ١٣ والفقيه ٢ : ٢٧٥ ، الحديث ٧. وفي مغازي الواقدي : أحرم من باب المسجد ٢ : ٧٣٣ و ٧٣٤.

(٢) قال عاتق بن غيث البلادي في كتابه مختصر معجم معالم مكة التاريخية عن بطن يأجج : انّه يعرف اليوم باسم ياج تخفيفا ، يمر به طريق مكة للمدينة فيه بساتين ضعيفة وبئر يسمى بئر مقيت وبه يعرفه عامة أهل مكة وهو واد يمر شمال التنعيم حتى يصب في بئر الظهران بين دفء خراعة وبين المقوع بطول ٣٣ كيلو مترا وفي شماله موضع قتل حبيب بن عدي الشهيد في يوم الرجيع ، كما عنه في مجلّة ميقات الحج ٧ : ٢٤١.

١١٠

الشرط الذي شرط لكم. وأمر رسول الله أن يذهبوا بالهدي أمامه فيحبسوه في ذي طوى. وخلّف مائتي رجل على السلاح عليهم أوس بن خوليّ. وخرج رسول الله على ناقته القصواء (١) وأصحابه محدقون به متوشّحو السيوف يلبّون ، حتى انتهى إلى ذي طوى ، ولم يقطع التلبية حتى بلغ عروش مكة (٢) ثم دخل من الثنيّة التي تطلع على الحجون.

وقالت قريش : لا ننظر إليه ولا إلى أصحابه ، فخرجوا من مكة إلى رءوس الجبال (٣) وقد رفعوا الأصنام حسب شرط الصلح (٤).

وروى ابن اسحاق عن ابن عباس : أن جمعا اصطفوا له عند دار الندوة لينظروا إليه وإلى أصحابه ـ وتحدّثوا فيما بينهم : أنّ محمدا وأصحابه في عسرة وجهد وشدة! (٥) فدخل مكة حتى طاف بالبيت.

فروى الكليني في «الكافي» بسنده عن الصادق عليه‌السلام قال : طاف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على ناقته العضباء ، وجعل يستلم الأركان (والحجر) بمحجنه ويقبّل المحجن (٦).

__________________

(١) سيأتي عن الصادق عليه‌السلام أن الناقة كانت العضباء.

(٢) النص : حتى جاء عروش مكة ، ذلك أن أكثر بيوت مكة كانت بيوت شعر قائمة على الأعواد ، فسمّيت عروشا. النهاية ٣ : ٨١.

(٣) مغازي الواقدي ٢ : ٧٣٤ ، ٧٣٥.

(٤) انظر شروط الصلح ، وتفسير العياشي ١ : ٧٠.

(٥) ابن اسحاق في سيرة ابن هشام ٤ : ١٠٢.

(٦) فروع الكافي ٤ : ٤٢٦ وعنه في وسائل الشيعة ١٣ : ٤٤١ ، ط آل البيت. والمحجن : العصا المعقوفة الرأس.

١١١

وطاف على راحلته حتى ينظر الناس إلى هيئته وشمائله وقال : خذوا عنّي مناسككم. وكان تحته رحل رثّ ، وقطيفة خلقة قيمتها أربع دراهم (١). وكان عبد الله بن رواحة آخذا بخطام راحلة الرسول وهو يقول :

خلّوا بني الكفّار عن سبيله

خلّوا ، فكل الخير في رسوله

يا ربّ إنّي مؤمن بقيله (٢)

أعرف حقّ الله في قبوله (٣)

فنهره عمر بن الخطّاب قال : يا ابن رواحة! فردّ عليه رسول الله قال : يا عمر ، إنّي أسمع! فلما أتم الشوط السابع نزل فصلّى ركعتي الطواف خلف مقام ابراهيم عليه‌السلام (٤).

__________________

(١) عوالي اللآلي ٤ : ٣٤ ، الحديث ١١٨ وعنه في مستدرك الوسائل ٩ : ٤٢٠ ، الحديث ٤ ، ط آل البيت.

(٢) إعلام الورى ١ : ٢١١.

(٣) ابن اسحاق في سيرة ابن هشام ، وبعده :

نحن قتلناكم على تأويله

كما قتلناكم على تنزيله

ضربا يزيل الهام عن مقيله

ويذهل الخليل عن خليله!

وعلّق ابن هشام على هذا يقول : نحن قتلناكم على تنزيله إلى آخر الأبيات لعمّار بن ياسر في غير هذا اليوم (؟ صفّين!) قال : فإنما يقتل على التأويل من أقرّ بالتنزيل. ٤ : ١٣.

والغريب : أنّ ابن اسحاق روى هذا الغلط عن عبد الله بن أبي بكر! والواقدي في مغازي الواقدي ٢ : ٧٣٥ رواه بعينه بسنده عن أمّ عمارة ، ولم يتفطّن إلى هذا الإشكال. وكذلك الطبرسي في اعلام الورى ١ : ٢١١ والحلبي في مناقب آل أبي طالب ١ : ٢٠٥ بلا التفات إلى تنبيه ابن هشام.

(٤) روى الكليني في فروع الكافي ٤ : ٢٢٣ ، الحديث ٢ والصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه ٢ : ١٥٨ ، الحديث ١٢ بسندهما عن الإمام الباقر عليه‌السلام قال : «كان موضع المقام

١١٢

ثم ركب راحلته فسعى بين الصفا والمروة على راحلته ، فلما أتمّ المشوار السابع عند المروة نحر هديه هناك ـ أو بين المروة والصفا ـ وقال : هذا المنحر ، وكلّ فجاج مكة منحر (١) ثم حلق رأسه خراش بن أميّة الخزاعي عند المروة (٢).

__________________

ـ الذي وضعه ابراهيم عليه‌السلام عند جوار البيت ، فلم يزل هناك ، حتى حوّله أهل الجاهلية إلى المكان الذي هو فيه اليوم (وكذلك كان في عمرة القضاء) فلما فتح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مكة ردّه إلى الموضع الذي وضعه فيه ابراهيم عليه‌السلام».

وروى السجستاني في مسند عائشة : ٨٢ ، الحديث ٧٣ عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير (عن خالته عائشة قالت): «كان رسول الله يصلي إلى صقع البيت ليس بينه وبين البيت شيء ، وأبو بكر ، وعمر صدرا من إمارته ، ثم إنّ عمر ردّ الناس إلى المقام. وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى ٥ : ٧٥ وعبد الرزاق في المصنف ٥ : ٤٨ وابن حجر في فتح الباري ٦ : ٤٠٦ و ٨ : ١٦٩ والازرقي في أخبار مكة ٢ : ٣٠ وكذلك القاسمي ١ : ٤٤٢ و ٤٥٤ وابن كثير في التفسير ١ : ٣٨٤. وتمام الخبر السابق عن الكليني والصدوق عن الباقر عليه‌السلام قال : «فلم يزل هناك إلى أن ولي عمر بن الخطّاب فسأل الناس : من منكم يعرف المكان الذي كان فيه المقام؟! فقال رجل : أنا ، قد كنت أخذت مقداره بنسع (قيد من جلد) فهو عندي! فقال : ائتني به! فأتاه به ، فقاسه ، ثم ردّه إلى هذا المكان».

وروى الكليني كذلك في روضة الكافي : ٥١ عن علي عليه‌السلام خطبة قال فيها : «قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله متعمدين لخلافه ناقضين لعهده مغيّرين لسنّته! ولو حملت الناس على تركها وحوّلتها إلى مواضعها وإلى ما كانت عليه على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لتفرق عنّي جندي وبقيت وحدي .. أرأيتم لو أمرت بمقام ابراهيم عليه‌السلام فرددته إلى الموضع الذي وضعه فيه رسول الله .. إذا لتفرّقوا عنّي ..».

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٧٣٦ وانظر وسائل الشيعة ١٤ : ٨٨ ومستدرك الوسائل ١٠ : ٨٣.

(٢) مغازي الواقدي ٢ : ٧٣٧.

١١٣

ثم أمر رسول الله مائتين من أصحابه أن يذهبوا إلى أصحابه في بطن يأجج فيقيموا على السلاح ، ليأتي الآخرون فيقضوا نسكهم ، ففعلوا (١).

أذان بلال :

ثم أرسل رسول الله إلى المشركين ليدخل الكعبة ، فأبوا وقالوا : لم يكن في شرطك! فدخل في فناء البيت ، فلم يزل هناك حتى صار الزوال ، فأمر بلالا أن يصعد على الكعبة فيؤذّن ، فصعد وأذّن فوق الكعبة .. فحين سمعه سهيل بن عمرو ومعه رجال ، غطّوا وجوههم! وقال خالد بن اسيد : الحمد لله الذي أمات أبي ولم يشهد هذا اليوم! حين يقوم بلال ابن أمّ بلال ينهق! فوق الكعبة! وقال عكرمة بن أبي جهل : لقد أكرم الله أبا الحكم حيث لم يسمع هذا العبد يقول ما يقول! وقال صفوان بن أميّة : الحمد لله الذي أذهب أبي قبل أن يرى هذا (٢).

وكان عقيل بن أبي طالب قد باع منزل رسول الله ومنزل اخوته من الرجال والنساء بمكة : فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا أدخل البيوت .. وضرب له مولاه أبو رابع القبطي قبّة من أدم الجلود بالحجون من الأبطح ، فأقبل رسول الله حتى انتهى إلى القبة ومعه أمّ سلمة ، فكان يأتي للصلاة إلى المسجد من الحجون في عمرة القضاء (٣).

زواج النبيّ بميمونة :

قال ابن هشام : وكانت ميمونة بنت الحارث الهلالية اخت أمّ الفضل زوجة

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٧٤٠.

(٢) مغازي الواقدي ٢ : ٧٣٧ ، ٧٣٨ وفي ٨٤٦ يتكرر الخبر أو نحوه في فتح مكة وكلاهما عن ابن المسيّب ، وهذا هو الأنسب.

(٣) مغازي الواقدي ٢ : ٨٢٩.

١١٤

العباس بن عبد المطّلب ، جعلت أمرها إلى اختها أمّ الفضل ، وجعلت أمّ الفضل أمرها إلى العباس ، فلما حلّ رسول الله من إحرامه (١) خطبها من عمّه العباس ، فزوّجها رسول الله وأصدقها عنه أربعمائة درهم (٢).

وأقام بمكة ثلاثة أيام ، فلما كان اليوم الرابع عند الظهر ورسول الله مع جمع من الأنصار يتحدث معه سعد بن عبادة ، إذ أتى سهيل بن عمرو ومعه حويطب بن عبد العزّى ، فقال له سهيل بن عمرو : قد انقضى أجلك ، فاخرج عنّا! فقال النبيّ : وما عليكم لو تركتموني فأعرست بين أظهركم فصنعت لكم طعاما؟ فقالا : لا حاجة لنا في طعامك ، اخرج عنّا ، ننشدك الله ـ يا محمد ـ والعهد الذي بيننا وبينك إلّا خرجت من أرضنا! فهذه الثلاث قد مضت.

فغضب سعد بن عبادة وقال لسهيل : كذبت ـ لا أمّ لك ـ ليست بأرضك ولا أرض أبيك! والله لا يبرح منها إلّا طائعا راضيا!

فتبسّم رسول الله وقال لسعد : يا سعد لا تؤذ قوما زارونا في رحالنا. ثم قال لأبي رافع (القبطي) : لا يمسينّ بها أحد من المسلمين (٣).

واعيدت الأصنام :

أثبتّ شروط صلح الحديبية عن تفسير القمي ، وكل ما فيه بشأن عمرة

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٧٣٨ عن عطاء الخراساني ـ وهو عطاء بن أبي رباح مولى ابن عباس ـ عن سعيد بن المسيب. بينما روى ابن اسحاق عن عطاء ومجاهد ، والواقدي عن عكرمة عن ابن عباس : أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله خطبها وهو محرم وتزوّجها وهو محرم ، وفي ابن هشام : وهو حرام ٤ : ١٤. مع أنهم جميعا ذكروا أنه دخل فطاف وسعى ونحر!

(٢) سيرة ابن هشام ٤ : ١٤. وكانت قبله عند أبي سبرة بن أبي رهم العامري اعلام الورى ١ : ٢٧٨.

(٣) مغازي الواقدي ٢ : ٧٣٩ ، ٧٤٠ وانظر سيرة ابن هشام ٤ : ١٤.

١١٥

القضاء هو : «وأن محمدا يرجع عنهم عامهم هذا ، وأصحابه ، ثم يدخل علينا في العام القابل مكة ، فيقيم فيها ثلاثة أيام» وكذلك في سائر مصادر السيرة والتاريخ.

ولذا فهنا قال : إنّ قريشا كانت قد وضعت أصنامها بين الصفا والمروة ، وكانوا يتمسّحون بها إذا سعوا. فلما كان من أمر رسول الله ما كان في الحديبية وصدّوه عن البيت وشرطوا له أن يخلوا له البيت في عام قابل حتى يقضي عمرته ثلاثة أيام ثم يخرج عنها. فلما كان عمرة القضاء في سنة سبع من الهجرة دخل مكة وقال لقريش : ارفعوا أصنامكم من بين الصفا والمروة حتى أسعى. فرفعوها ، فسعى رسول الله بين الصفا والمروة وقد رفعت الأصنام (١).

هذا وقد مرّ أن رسول الله أرسل إليهم أن يدخل الكعبة فأبوا وقالوا : لم يكن فى شرطك (٢) وهذا هو المنسجم مع أخلاق مشركي قريش ، فكيف بما هو فوقه من رفع الأصنام بلا شرط في الصلح سابق؟!

وتمام كلام القمي : فلما فرغ رسول الله من الطواف ردّت قريش الأصنام بين الصفا والمروة .. وبقي رجل من المسلمين من أصحاب رسول الله لم يطف .. فجاء الرجل الذي لم يسع إلى رسول الله فقال : قد ردّت قريش الأصنام بين الصفا والمروة ولم أسع؟! فأنزل الله عزوجل : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ..)(٣).

وفي «فروع الكافي» و «تفسير العياشي» عن الصادق عليه‌السلام قال : «إنّ رسول الله كان (من) شرطه عليهم : أن يرفعوا الأصنام .. فتشاغل رجل من أصحابه حتى

__________________

(١) تفسير القمي ٢ : ٦٤.

(٢) مغازي الواقدي ٢ : ٧٣٨.

(٣) تفسير القمي ٢ : ٦٤.

١١٦

اعيدت الأصنام ، فجاؤوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فسألوه : إنّ فلانا لم يطف (أي لم يسع) وقد اعيدت الأصنام؟ فأنزل الله : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ..) قال : أي والأصنام عليها» (١).

ولعل هذا الخبر ومثله هو الذي أشار إليه الطوسي في «التبيان» وخصّ الأصنام فقال : هذا جواب لمن توهم أن في السعي بهما جناحا ، لصنمين كانا عليهما : إساف ونائلة. روي ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام ، وقال به الشعبي وكثير من أهل العلم. ولكنه واصل قائلا : وكان ذلك في عمرة القضاء ولم يكن فتح مكة بعد ، وكانت الأصنام على حالها حول الكعبة.

فلو كانت الأصنام حول الكعبة أيضا في الطواف بها قبل السعي ، فما الذي خصّ توهّم الجناح في السعي دون الطواف بالكعبة من قبل؟! ولعله لدفع هذا أضاف :

وقال قوم : سبب ذلك : أنّ أهل الجاهلية كانوا يطوفون بينهما فظنّ المسلمون أنّ ذلك من أفعال الجاهلية ، فأنزل الله الآية (٢).

وقد ورد هذا في «فروع الكافي» في حديث حجّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الصادق عليه‌السلام قال : إنّ المسلمين كانوا يظنّون أنّ السعي بين الصفا والمروة شيء صنعه المشركون ، فأنزل الله : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ ...) فبعد ما طاف (النبي) بالبيت وصلى ركعتيه (قرأ) : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ ...) وقال : أبدأ بما بدأ الله عزوجل (٣).

__________________

(١) تفسير العياشي ١ : ٧٠ وفي فروع الكافي ٤ : ٤٣٥ ، الحديث ٨.

(٢) التبيان ٢ : ٤٤.

(٣) فروع الكافي ٤ : ٢٤٥ ، الحديث ٤.

١١٧

وقد اعتمد الطبرسي في «مجمع البيان» على هذا الخبر ، ثم قال : ورويت رواية اخرى عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، فروى الخبر السابق عن «الكافي» و «تفسير العياشي» في شرط النبيّ ورفع الأصنام وإعادتها (١).

وفيه عنه عليه‌السلام أيضا قال : كان على الصفا والمروة أصنام ، فلما أن حجّ الناس لم يدروا كيف يصنعون؟ فأنزل الله هذه الآية : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ ..) فكان المسلمون يسعون والأصنام على حالها (٢).

والتنافي بين الروايتين في شأن النزول ظاهر (٣) بل بين الروايات ، فلا بدّ من ترجيح. وقد مرّ أنّ النبيّ أمر بلالا فأذّن فوق ظهر الكعبة ، فهل أذّن بين ظهراني الأوثان؟ ولو كان لذكر لغرابته. ولو كانت الأصنام منصوبة على المروة وقد قدّموا هديهم عندها لكان غريبا يذكر ، وضبط الألفين من المسلمين وانضباطهم عن أن يمدّ أحدهم يده أو لسانه بالإهانة إلى الأوثان والأصنام في المسعى وحول البيت الحرام مستبعد جدّا أيضا ، ولا أقل من خوف المشركين من ذلك وقد شرطوا للنبيّ أن يخلوا له مكة الكعبة والمسجد والمسعى ، وهذا مما يقرّب قبولهم لاشتراط النبي عليهم رفع الأصنام ، أقرب من أن يبقوا في خوف وحذر من أن لا تمسّ أصنامهم بسوء بيد أو حتى لسان ولعلهم جمعوها داخل البيت ، ولذلك لم يسمحوا للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بدخول البيت. ومهما كان فلا أقل من محاولة النبيّ والمسلمين اشتراط رفعها عليهم ، بينما لم يذكر في سوى هذا الخبر عن الصادق عليه‌السلام. فأظنّ أنّ هذه كلها مرجّحات إلى جانبه ، دون سائر الأخبار.

__________________

(١) مجمع البيان ١ : ٤٤٠.

(٢) تفسير العياشي ١ : ٧١.

(٣) وانظر الميزان ١ : ٣٨٧.

١١٨

عليّ وابنة عمه حمزة عليهما‌السلام :

كان حمزة بن عبد المطلب قد ارتضع من ثويبة مولاة أخيه أبي لهب ، وارتضع منها رسول الله ، فكانا أخوين من الرضاعة. وتزوّج حمزة سلمى بنت عميس الخثعمية وتزوّج اختها أسماء جعفر بن أبي طالب ، فكانا عديلين. وهاجر حمزة وحده ، وآخى النبي بين أصحابه فآخى بين عمّه حمزة ودعيّه زيد بن حارثة ، فكانا أخوين في الهجرة ، فأوصى إليه في احد قبل شهادته (١).

فلما اعتمر النبيّ عمرة القضاء وأحلّ من إحرامه وخطب من عمّه ميمونة الهلالية اخت أمّ الفضل ، ذكّره علي عليه‌السلام بابنة عمّه حمزة (عمارة) فقال : أما علمت أنها ابنة أخي من الرضاعة ، هي ابنة أخي من الرضاع (٢) فقال عليه‌السلام : فعلام نترك بنت عمنا يتيمة بين ظهري المشركين؟! فأذن له النبيّ أن يخرجها معه ، فأخرجها (٣).

الخروج من مكة :

وركب رسول الله ، وتتامّ الناس ، ولكنه خلّف ابا رافع ليحمل إليه زوجته ميمونة حين يمسي ، فأقام أبو رافع لذلك (٤). فلما خرجوا وأخرج عليّ عليه‌السلام ابنة حمزة وعلم بذلك زيد بن حارثة زعم أنّها ابنة أخيه وأنه كان وصيّه فهو أولى بها!

فلما سمع ذلك جعفر قال : بل أنا أحق بها لمكان خالتها عندي أسماء

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٧٣٨.

(٢) فروع الكافي ٥ : ٤٣٧ ، الحديث ٤ و ٥ ، و ٤٤٥ ، الحديث ١١ ، والفقيه ٣ : ٢٦٠ ، الحديث ٢١ ، والتهذيب ٧ : ٢٩٢ ، الحديث ٥ ، ومغازي الواقدي ٢ : ٧٣٩ قال : فقيل للنبيّ ولم يسم عليّا عليه‌السلام.

(٣) مغازي الواقدي ٢ : ٧٣٨.

(٤) مغازي الواقدي ٢ : ٧٤٠ ، وسيرة ابن هشام ٤ : ١٤.

١١٩

بنت عميس ، والخالة والدة. فقال رسول الله : أنا أحكم بينكم ثم التفت إلى زيد وقال له :

أما أنت يا زيد فمولى الله ورسوله. ثم التفت إلى علي عليه‌السلام وقال له (١) : وأما أنت يا عليّ فأنت مني وأنا منك ، وأنت وليّ كل مؤمن بعدي (٢) ثم قال لجعفر : وأما أنت يا جعفر فتشبه خلقي وخلقي ، وأنت يا جعفر أحق بها ، تحتك خالتها ، ولا تنكح المرأة على خالتها ولا على عمتها (٣) وقال : الخالة والدة (٤).

وأقام أبو رافع القبطي في مكة حتى أمسى فخرج بميمونة ومن معها ، فجعل سفهاء المشركين يؤذونهم والنبيّ بألسنتهم ، ولم يبطشوا بهم ، وقال لهم أبو رافع : افعلوا ما شئتم ، فهذه والله الخيل والسلاح ببطن يأجج! وبلغوا بطن يأجج فإذا بالخيل قد وقفت لهم هنالك ، فلما وصلوا ساروا معهم إلى سرف (٥) حيث بات النبيّ والمسلمون ، فوصلوا إليها وقد ذهب عامّة الليل. وهناك بنيت للنبيّ قبّة فعرس بالهلالية (٦). واعدّ لرسول الله حيس (٧) غير قليل فأطعمه الناس وليمة

__________________

(١) مغازي الواقدي ٢ : ٧٣٩.

(٢) كتاب سليم بن قيس عنه عليه‌السلام : ١١٦ وعن الحسين عليه‌السلام : ٢٠٨ بينما اكتفى الواقدي ب : فأخي وصاحبي!

(٣) مغازي الواقدي ٢ : ٧٣٩ ورواه القاضي النعمان المصري في دعائم الإسلام ٢ : ٢٣٥ وعوالي اللآلي ١ : ٤٣ وقارن بعلل الشرائع ١ : ٤٩٩. وتمام الخبر في مغازي الواقدي : ثم زوّجها رسول الله سلمة المخزومي ابن أمّ سلمة زوجته ، فقال : هل جزيت سلمة؟ لانه هو الذي تولى تزويجه بامّه.

(٤) أمالي الطوسي : ٣٤٢ برقم ٧٠٠.

(٥) على عشرة أميال ـ ٢٢ كم من مكة. اعلام الورى ١ : ٢٧٨.

(٦) مغازي الواقدي ٢ : ٧٤٠ ، ٧٤١.

(٧) تمر ينزع نواه ويعجن بالسمن والأقط.

١٢٠