التيسير في التفسير للقرآن - ج ٣

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٣

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٢

بعدها ، والدليل على ذلك أنّه من أدرك ليلة النّحر إلى طلوع الفجر فقد أدرك الحجّ وأجزأ عنه منح عرفة.

فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : الحجّ الأكبر يوم النّحر ، واحتجّ بقول الله عزوجل : (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) فهي عشرون من ذي الحجّة والمحرّم وصفر وشهر ربيع الأوّل وعشر من شهر ربيع الآخر. ولو كان الحجّ الأكبر يوم عرفة لكان السّيح أربعة أشهر ويوما ، واحتجّ بقوله عزوجل : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) و [قال] : كنت أنا الأذان في الناس».

قلت : فما معنى هذه اللفظة : الحجّ الأكبر؟ فقال : «إنّما سمّي الأكبر لأنّها كانت سنة حجّ فيها المسلمون والمشركون ، ولم يحجّ المشركون بعد تلك السّنة» (١).

* س ٤ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (٤) [سورة التوبة : ٤]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ : (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) قال الفراء : استثنى الله تعالى من براءته ، وبراءة رسوله ، من المشركين قوما من بني كنانة ، وبني ضمرة ، كان قد بقي من أجلهم تسعة أشهر ، أمر بإتمامها لهم ، لأنهم لم يظاهروا على المؤمنين ، ولم ينقضوا عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال ابن عباس : عنى به كل من كان بينه وبين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. عهد قبل (براءة) ، وينبغي أن يكون ابن عباس أراد بذلك من كان بينه وبينه عقد هدنة ، ولم يتعرض له بعداوة ، ولا ظاهر عليه عدوا ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، صالح أهل هجر ،

__________________

(١) معاني الأخبار : ص ٢٩٦ ، ح ٥.

٨١

وأهل البحرين ، وإيلة ، ودومة الجندل ، وله عهود بالصلح والجزية ، ولم ينبذ إليهم بنقض عهد ، ولا حاربهم بعد ، وكانوا أهل ذمة إلى أن مضى لسبيله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ووفى لهم بذلك من بعده ، (ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً) معناه : لم ينقصوكم من شروط العهد شيئا. وقيل : معناه لم يضروكم شيئا ، (وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً).

أي لم يعاونوا عليكم أيها المؤمنون أحدا من أعدائكم ، (فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ) أي : إلى انقضاء مدتهم التي وقعت المعاهدة بينكم إليها (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) لنقض العهود (١).

* س ٥ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٥) [سورة التوبة : ٥]؟!

الجواب / قال حفص بن غياث ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «يا حفص ، إنّ من صبر صبر قليلا ، ومن جزع جزع قليلا». ثمّ قال : «عليك بالصّبر في جميع أمورك ، فإنّ الله عزوجل بعث محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأمره بالصّبر والرّفق ، فقال : (وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ)(٢). وقال تبارك وتعالى : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)(٣) فصبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى نالوه بالعظائم ورموه بها ، فضاق صدره ، فأنزل الله عزوجل : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٥ ، ص ١٢.

(٢) المزمل : ١٠ ، ١١.

(٣) فصّلت : ٣٤ ، ٣٥.

٨٢

السَّاجِدِينَ)(١) ثمّ كذّبوه ورموه فحزن لذلك ، فأنزل الله عزوجل : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا)(٢).

فألزم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه الصّبر ، فتعدّوا ، فذكروا الله تبارك وتعالى وكذّبوه ، فقال : قد صبرت في نفسي وأهلي وعرضي ، ولا صبر لي على ذكر إلهي ، فأنزل الله عزوجل : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ)(٣).

فصبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جميع أحواله ، ثم بشّر في عزّته بالأئمّة (٤) ووصفوا بالصّبر ، فقال جلّ ثناؤه : (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ)(٥) فعند ذلك قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الصّبر من الإيمان كالرأس من الجسد ، فشكر الله عزوجل ذلك له ، فأنزل الله عزوجل : (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ)(٦) فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنه بشرى وانتقام ، فأباح الله عزوجل له قتال المشركين ، فأنزل تعالى : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ، وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ)(٧) فقتلهم الله على يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه ، وجعل له ثواب صبره مع ما ادّخر له في الآخرة ، فمن صبر واحتسب لم يخرج من الدنيا حتى يقرّ الله له عينه في أعدائه مع ما يدّخر له في الآخرة» (٨).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ، قال : «سأل رجل أبي عليه‌السلام عن حروب أمير

__________________

(١) الحجر : ٩٧ ، ٩٨.

(٢) الأنعام : ٣٣ ، ٣٤.

(٣) سورة ق : ٣٨ ، ٣٩.

(٤) في «ط» : ثمّ تصبّر في عترته الأئمّة.

(٥) السجدة : ٢٤.

(٦) الأعراف : ١٣٧.

(٧) البقرة : ١٩١ ، النساء : ٩١.

(٨) الكافي : ج ٢ ، ص ٧١ ، ح ٣.

٨٣

المؤمنين (صلوات الله عليه) ، وكان السائل من محبّينا. فقال له أبو جعفر عليه‌السلام : بعث الله محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخمسة أسياف ـ وذكر الأسياف ، فقال فيها : ـ وأما السيوف الثلاثة المشهورة ، فسيف على مشركي العرب ، قال الله عزوجل : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا) يعني آمنوا (وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ)(١) فهؤلاء لا يقبل منهم إلّا القتل أو الدّخول في الإسلام ، وأموالهم وذراريهم سبي ـ على ما سن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ فإنه سبى وعفا وقبل الفداء» (٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام في قول الله : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) : «هي يوم النّحر إلى عشر مضين من شهر ربيع الآخر» (٣).

* س ٦ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ) (٦) [سورة التوبة : ٦]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، اقرأ عليه وعرّفه ، ثم لا تتعرّض له حتى يرجع إلى مأمنه (٤).

وري أن رجلا قال لعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : فمن أراد منّا أن يلقى رسول الله في بعض الأمر بعد انقضاء الأربعة ، فليس له عهد ، قال عليّ عليه‌السلام : «بلى ، إنّ الله تعالى قال : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ) الآية» (٥).

__________________

(١) التوبة : ١١.

(٢) الكافي : ج ٥ ، ص ١٠ ، ح ٢.

(٣) تفسير العيّاشي ج ٢ ، ص ٧٧ ، ح ٢٢.

(٤) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٢٨٣.

(٥) المناقب : ج ٢ ، ص ١٢٧.

٨٤

* س ٧ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧) كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ) (٨) [سورة التوبة : ٧ ـ ٨]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ : لما أمر سبحانه بنبذ العهد إلى المشركين ، بين أن العلة في ذلك ما ظهر منهم من الغدر ، وأمر بإتمام العهد لمن استقام على الأمر ، فقال : (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ) أي : كيف يكون لهؤلاء عهد صحيح مع إضمارهم الغدر والنكث! وهذا يكون على التعجب ، أو على الجحد ، ويدل عليه ما روي أن في قراءة عبد الله : كيف يكون عهد عند الله ولا ذمة فأدخل الكلام (لا) لأن معنى الأول جحد أي : لا يكون لهم عهد. وقيل : معناه كيف يأمر الله ورسوله بالكف عن دماء المشركين ، ثم استثنى سبحانه ، فقال : (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أي : فإن لهم عهدا عند الله ، لأنهم لم يضمروا الغدر بك ، والخيانة لك.

واختلف في هؤلاء من هم ، فقيل : هم قريش ، وقيل : هم أهل مكة الذين عاهدهم رسول الله يوم الحديبية ، فلم يستقيموا ، ونقضوا العهد بأن أعانوا بني بكر على خزاعة ، فضرب لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد الفتح أربعة أشهر ، يختارون أمرهم : إما أن يسلموا ، وإما أن يلحقوا بأي بلاد شاؤوا ، فأسلموا قبل الأربعة أشهر ...

وقيل : هم من قبائل بكر : بنو خزيمة ، وبنو مدلج ، وبنو ضمرة ، وبنو الدئل ، وهم الذين كانوا قد دخلوا عهد قريش يوم الحديبية إلى المدة التي

٨٥

كانت بين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين قريش ، فلم يكن نقضها إلا قريش وبنو الدئل من بكر فأمر بإتمام العهد لمن لم يكن له نقض إلى مدته. وهذا القول أقرب إلى الصواب ، لأن هذه الآيات نزلت بعد نقض قريش العهد ، وبعد فتح مكة.

(فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) معناه : فما استقاموا لكم على العهد ، أي : ما داموا باقين معكم على الطريقة المستقيمة ، فكونوا معهم كذلك. (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) للنكث والغدر ، (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ) : ها هنا حذف ، وتقديره : كيف يكون لهم عهد ، وكيف لا تقتلونهم ، وإنما حذفه لأن ما قبله من قوله : (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ) يدل على ذلك ، ومثله قول الشاعر يرثي أخا له قد مات.

وخبر تماني أنما الموت بالقرى

فكيف وهاتا هضبة وقليب (١)

***

ومعناه : كيف يكون لهؤلاء عهد عند الله ، أو عند رسوله ، وهم بحال أن يظهروا عليكم ، ويظفروا بكم ، ويغلبوكم (لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً) أي : لا يحفظوا ، ولا يراعوا فيكم قرابة ، ولا عهدا. والإل : القرابة. وقيل : العهد. وقيل : الجوار. وقيل : الحلف. وقيل : أن الإل اسم الله تعالى ، وروى أن أبا بكر قرىء عليه كلام مسيلمة ، فقال : لم يخرج هذا من إل ، فأين يذهب بكم؟ ومن قال إن الإل هو العهد ، قال : جمع بينه وبين الذمة ، وإن كان بمعناه ، لاختلاف معنى اللفظين ، كما قال : «وألفى قولها كذبا ومينا» وقال : «متى أدن منه ينأ عني ويبعد».

(يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ) معناه : يتكلمون بكلام الموالين لكم

__________________

(١) قائله : كعب بن سعد الغنوي. والهضبة : الجبل ، الرابية.

٨٦

لترضوا عنهم ، وتأبى قلوبهم إلا العداوة ، والغدر ، ونقض العهد. (وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ) أي متمردون في الكفر والشرك. وقال الجبائي : أراد كلهم فاسقون ، لكنه وضع الخصوص موضع العموم. وقال القاضي : معناه أكثرهم خارجون عن طريق الوفاء بالعهد ، وأراد بذلك رؤساءهم (١).

* س ٨ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(اشْتَرَوْا بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩) لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (١٠) فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (١١) [سورة التوبة : ٩ ـ ١١]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ : ثمّ بين سبحانه خصال القوم فقال : (اشْتَرَوْا بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ) ومعناه : أعرضوا عن دين الله ، وصدوا الناس عنه بشيء يسير نالوه من الدنيا ، وأصل الاشتراء : استبدال ما كان من المتاع بالثمن ، ونقيضه البيع ، وهو العقد على تسليم المتاع بالثمن. ومعنى الفاء هنا أن اشتراءهم هذا أداهم إلى الصد عن الإسلام ، وهذا ورد في قوم من العرب جمعهم أبو سفيان على طعامه ليستميلهم على عداوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وقيل : ورد في اليهود الذين كانوا يأخذون الرشا من العوام على الحكم بالباطل. (إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي : بئس العمل عملهم. (لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً) سبق معناه. والفائدة في الإعادة أن الأول في صفة الناقضين للعهد ، والثاني في صفة الذين اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا. وقيل : إنما كرر تأكيدا.

(وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ) أي : المجاوزون الحد في الكفر والطغيان.

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٥ ، ص ١٨. بتصرف.

٨٧

(فَإِنْ تابُوا) أي : ندموا على ما كان منهم من الشرك ، وعزموا على ترك العود إليه ، وقبلوا الإسلام ، (وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ) أي : قبلوهما وأدوهما عند لزومهما (فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ) أي : فهم إخوانكم في الدين ، فعاملوهم معاملة إخوانكم من المؤمنين. (وَنُفَصِّلُ الْآياتِ) أي : نبينها ، ونميزها بخاصة لكل واحدة منها تتميز بها من غيرها ، حتى يظهر مدلولها على أتم ما يكون من الظهور فيها (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) ذلك ، وتبينونه دون الجهال الذين لا يتفكرون (١).

* س ٩ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ) (١٢) [سورة التوبة : ١٢]؟!

الجواب / قال حنان بن سدير : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «دخل عليّ أناس من أهل البصرة فسألوني عن طلحة والزّبير ، فقلت لهم : كانا من أئمة الكفر ، إنّ عليّا عليه‌السلام يوم البصرة لمّا صفّ الخيل ، قال لأصحابه : لا تعجلوا على القوم حتى أعذر فيما بيني وبين الله عزوجل وبينهم ، فقام إليهم ، فقال : يا أهل البصرة ، هل تجدون عليّ جورا في حكم؟ قالوا : لا. قال : فحيفا في قسم؟ قالوا : لا. قال : فرغبة في دنيا أخذتها لي ولأهل بيتي دونكم ، فنقمتم عليّ فنكثتم بيعتي؟ قالوا : لا. قال : فأقمت فيكم الحدود ، وعطّلتها عن غيركم؟ قالوا : لا. قال : فما بال بيعتي تنكث ، وبيعة غيري لا تنكث ، إنّي ضربت الأمر أنفه وعينه ، فلم أجد إلّا الكفر أو السّيف.

ثم ثنى إلى أصحابه ، فقال : إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه : (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٥ ، ص ٢١. بتصرف.

٨٨

أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ) ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : والذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة واصطفى محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنبوّة ، إنهم لأصحاب هذه الآية ، وما قوتلوا مذ نزلت» (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من طعن في دينكم هذا فقد كفر ، قال الله : (وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ) إلى قوله : (يَنْتَهُونَ)(٢).

* س ١٠ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (١٣) [سورة التوبة : ١٣]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : (أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ ؛) الألف للاستفهام ، والمراد به التحضيض والإيجاب ، ومعناه : هلا تقاتلونهم ، وقد نقضوا عهودهم التي عقدوها. واختلف في هؤلاء ، فقيل : هم اليهود الذين نقضوا العهد ، وخرجوا من الأحزاب ، وهموا بإخراج الرسول من المدينة ، كما أخرجه المشركون من مكة ... وقيل : هم مشركو قريش ، وأهل مكة (وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) أي : بدؤكم بنقض العهد ... وقيل : بدءوكم بقتال حلفاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وقيل : بدءوكم بالقتال يوم بدر ، وقالوا حين سلم العير : لا ننصرف حتى نستأصل محمدا ، ومن معه (أَتَخْشَوْنَهُمْ) أي : أتخافون أن ينالكم من قتالكم مكروه ، لفظه استفهام والمراد به تشجيع المؤمنين ، وفي ذلك غاية الفصاحة ، لأنه جمع بين التقريع والتشجيع. (فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) المعنى : لا تخشوهم ،

__________________

(١) قرب الإسناد : ص ٤٦.

(٢) تفسير العيّاشي ج ٢ ، ص ٧٩ ، ح ٢٦.

٨٩

ولا تتركوا قتالهم خوفا على أنفسكم منهم ، فإنه سبحانه أحق أن تخافوا عقابه في ترك أمره بقتالهم ، إن كنتم مصدقين بعقاب الله وثوابه ، أي : إن كنتم مؤمنين فخشية الله أحق بكم من خشية غيره ، والله أعلم وأحكم (١).

* س ١١ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (١٤) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (١٥) [سورة التوبة : ١٤ ـ ١٥]؟!

الجواب / قال عليّ بن عقبة ابن خالد (٢) : دخلت أنا ومعلّى بن خنيسر على أبي عبد الله عليه‌السلام فأذن لنا وليس هو في مجلسه ، فخرج علينا من جانب البيت من عند نسائه ، وليس عليه جلباب ، فلمّا نظر إلينا رحّب ، فقال : «مرحبا بكما وأهلا» ثمّ جلس ، وقال : «أنتم أولو الألباب في كتاب الله ، قال الله تبارك وتعالى : (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ)(٣) فأبشروا ، فأنتم على إحدى الحسنيين من الله : أما إنّكم إن بقيتم حتى تروا ما تمدّون إليه رقابكم ، شفى الله صدوركم ، وأذهب غيظ قلوبكم وأدالكم على عدوّكم ، وهو قول الله تعالى ذكره : (وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ) وإن مضيتم قبل أن تروا ذلك ، مضيتم على دين الله الذي رضيه لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعثه عليه» (٤).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٥ ، ص ٢٢. بتصرف.

(٢) زاد في الحديث الآتي عن تفسير العيّاشي : عن أبيه ، ولعلّه الأرجح ، راجع رجال النجاشي : ص ٢٧١. ومعجم رجال الحديث : ج ١١ ، ص ١٥٢ وج ١٢ ، ص ٩٦.

(٣) الرعد : ١٩.

(٤) المحاسن : ج ١ ، ص ١٦٩ ، ح ١٣٥.

٩٠

* س ١٢ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) (١٦) [سورة التوبة : ١٦]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القميّ : أيّ لمّا ير فأقام العلم مقام الرّؤية ، لأنه قد علم قبل أن يعملوا (١).

ـ وقال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قوله : (وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً) «يعني بالمؤمنين آل محمد عليهم‌السلام ، والوليجة : البطانة» (٢).

ـ وقال سفيان بن محمّد الضّبعي : كتبت إلى أبي محمد عليه‌السلام أسأله عن الوليجة ، وهو قول الله تعالى : (وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً) وقلت في نفسي ، لا في الكتاب ، من ترى المؤمنين ها هنا؟ فرجع الجواب : «الوليجة : الذي يقام دون وليّ الأمر ، وحدّثتك نفسك عن المؤمنين من هم في هذا الموضع ، فهم الأئمّة الذين يؤمّنون على الله فيجيز أمانهم» (٣).

* س ١٣ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ (١٧) إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٢٨٣.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٢٨٣.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ٤٢٥ ، ح ٩.

٩١

مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) (١٨) [سورة التوبة : ١٧ ـ ١٨]؟!

الجواب / قال عليّ بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ) : أي لا يعمروا ، وليس لهم أن يقيموا وقد أخرجوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منه. ثمّ قال : (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) الآية ، وهي محكمة (١).

* س ١٤ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٩) الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (٢٠) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ (٢١) خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (٢٢) [سورة التوبة : ١٩ ـ ٢٢]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : «نزلت في عليّ عليه‌السلام وحمزة والعبّاس وشيبة ، قال العبّاس : أنا أفضل ، لأنّ سقاية الحاجّ بيدي وقال شيبة : أنا أفضل ، لأنّ حجاجة البيت بيدي ، وقال حمزة أنا أفضل ، لأنّ عمارة المسجد الحرام بيدي. وقال علي عليه‌السلام : أنا أفضل ، لأنّي آمنت قبلكم ، ثمّ هاجرت وجاهدت. فرضوا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [حكما] ، فأنزل الله تعالى : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ) إلى قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)(٢).

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٢٨٣.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٢٨٤.

٩٢

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب عليه‌السلام (كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ثمّ وصف علي بن أبي طالب عليه‌السلام (الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ) ثم وصف ما لعليّ عليه‌السلام عنده ، فقال : (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ)(١).

* س ١٥ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٣) قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) (٢٤) [سورة التوبة : ٢٣ ـ ٢٤]؟!

الجواب / قال جابر سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن هذه الآية ، في قول الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ) إلى قوله : (الْفاسِقِينَ) : «فأمّا (لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ) فإنّ الكفر في الباطن في هذه الآية ولاية الأول والثاني ، وهو كفر. وقوله : (عَلَى الْإِيمانِ) فالإيمان ولاية علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، قال : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(٢).

وقال الطّبرسي : عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه‌السلام : «أنّها نزلت في

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٢٨٤.

(٢) تفسير العيّاشي ج ٢ ، ص ٨٤ ، ح ٣٦.

٩٣

حاطب بن أبي بلتعة حيث كتب إلى قريش يخبرهم بخبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا أراد فتح مكّة» (١).

وقال عليّ بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كانَ) ـ إلى قوله ـ (اقْتَرَفْتُمُوها) يقول : اكتسبتموها.

وقال عليّ بن إبراهيم : لمّا أذّن أمير المؤمنين عليه‌السلام بمكّة أن لا يدخل المسجد الحرام مشرك بعد ذلك العام ، جزعت قريش جزعا شديدا ، وقالوا : ذهبت تجارتنا ، وضاعت عيالنا ، وخربت دورنا ، فأنزل الله عزوجل في ذلك : قل يا محمد (إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ) إلى قوله تعالى : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ)(٢).

* س ١٦ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (٢٥) ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ) (٢٦) [سورة التوبة : ٢٥ ـ ٢٦]؟!

الجواب / قال يوسف بن السّخت : اشتكى المتوكّل شكاة شديدة ، فنذر لله إن شفاه الله أن يتصدّق بمال كثير ، فعوفي من علّته ، فسأله أصحابه عن ذلك ، فأعلموه أنّ أباه تصدّق بثمانية (٣) ألف ألف درهم ، وإن (٤) أراه تصدّق

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٥ ، ص ٢٥.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٢٨٤.

(٣) في «ط» : بثمانمائة ، وفي بحار الأنوار : ج ١٠٤ ، ص ٢٢٧ ، ح ٥٦ : بيمينه.

(٤) في بحار الأنوار : وإنّي ، والظاهر وجود سقط في هذا الموضع.

٩٤

بخمسة ألف ألف درهم ، فاستكثر ذلك. فقال أبو يحيى بن أبي منصور المنجّم : لو كتبت إلى ابن عمّك ـ يعني أبا الحسن عليه‌السلام ـ فأمر أن يكتب له فيسأله ، فكتب إليه ، فكتب أبو الحسن عليه‌السلام : «تصدّق بثمانين درهما». فقالوا : هذا غلط ، سلوه من أين؟ قال : «هذا من كتاب الله ، قال الله لرسوله : (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ) والمواطن التي نصر الله رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها ثمانون موطنا ، فثمانون درهما من حلّه مال كثير» (١).

وقال أبو الحسن عليّ الرّضا عليه‌السلام للحسن بن أحمد : «أيّ شيء السّكينة عندكم؟» قال : لا أدري ـ جعلت فداك ـ أيّ شيء هو؟

فقال : «ريح من الله تخرج طيّبة ، لها صورة كصورة وجه الإنسان ، فتكون مع الأنبياء ، وهي التي نزلت على إبراهيم خليل الرّحمن حيث بنى الكعبة ، فجعلت تأخذ كذا وكذا ، فبنى الأساس عليها» (٢).

وقال عليّ بن إبراهيم : أنّه كان سبب غزاة حنين أنّه لما خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى فتح مكّة أظهر أنّه يريد هوازن ، وبلغ الخبر هوازن ، فتهيّئوا وجمعوا الجموع والسّلاح ، واجتمع رؤساؤهم إلى مالك بن عوف النّضري فرأسوه عليهم ، وخرجوا وساقوا معهم أموالهم ونساءهم وذراريهم ومرّوا حتى نزلوا بأوطاس (٣) ، وكان دريد بن الصّمّة الجشمي (٤) في القوم ، وكان رئيس جشم ، وكان شيخا كبيرا قد ذهب بصره من الكبر ، فلمس الأرض بيده ، فقال : في أيّ واد أنتم؟ قالوا : بوادي أوطاس. قال : نعم ، مجال خيل ، لا

__________________

(١) تفسير العيّاشي ج ٢ ، ص ٨٤ ، ح ٣٧.

(٢) تفسير العيّاشي ج ٢ ، ص ٨٤ ، ح ٣٩.

(٣) أوطاس : واد في ديار هوازن ، فيه كانت وقعة حنين. «معجم البلدان ج ١ ، ص ٢٨١».

(٤) وقيل : الجعشمي ... رئيس جعشم ، وهما تصحيف ، انظر جمهرة أنساب العرب : ص ٢٧٠.

٩٥

حزن (١) ضرس (٢) ، ولا سهل دهس (٣) ، مالي أسمع رغاء البعير ونهيق الحمار ، وخوار البقعر وثناء الشاة وبكاء الصّبيّ. فقالوا له : إنّ مالك بن عوف ساق مع الناس أموالهم ونساءهم وذراريهم ، ليقاتل كلّ امرىء عن نفسه وماله وأهله. فقال دريد : راعي ضأن ـ وربّ الكعبة ـ ماله وللحرب! ثمّ قال : ادعوا لي مالكا.

فلمّا جاءه قال له : يا مالك ، ما فعلت؟ قال : سقت مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم ، ليجعل كلّ رجل أهله وماله وراء ظهره ، فيكون أشدّ لحربه.

فقال : يا مالك ، إنّك أصبحت رئيس قومك ، وإنّك تقاتل رجلا كريما ، وهذا اليوم لما بعده ، ولم تضع في تقدمة بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئا ، ويحك وهل يلوي المنهزم على شيء؟! اردد بيضة هوازن إلى علياء بلادهم وممتنع محالّهم ، وألق الرّجال على متون الخيل ، فإنّه لا ينفعك إلّا رجل بسيفه ودرعه وفرسه ، فإن كانت لك لحق بك من وراءك ، وإن كانت عليك لا تكون قد فضحت في أهلك وعيالك.

فقال له مالك : إنّك قد كبرت وذهب علمك وعقلك ، فلم يقبل من دريد. فقال دريد : ما فعلت كعب وكلاب؟ قالوا : لم يحضر منهم أحد. قال : غاب الجدّ والحزم ، لو كان يوم علا وسعادة ما كانت تغيب كعب ولا كلاب. قال : فمن حضرها من هوازن؟ قالوا : عمرو بن عامر ، وعوف بن عامر. قال : ذانك الجذعان (٤) لا ينفعان ولا يضرّان ، ثمّ تنفّس دريد ، وقال :

__________________

(١) الحزن ؛ ما غلظ من الأرض. «الصحاح ـ حزن ـ ج ٥ ، ص ٢٠٩٨».

(٢) الضّرس : أكمة خشنة. «الصحاح ـ ضرس ـ ج ٣ ، ص ٩٤٢».

(٣) الدهس : المكان السهل اللين. «الصحاح ـ دهس ـ ج ٣ ، ص ٩٣١».

(٤) أي الصغيران.

٩٦

حرب عوان (١).

ليتن ي ف يه اج ذع

أخبّ فيها وأضع (٢)

أقود وطفاء الزّمع

كأنّها شاة صدع (٣)

وبلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اجتمع هوازن بأوطاس فجمع فضائل ورغّبها في الجهاد ، ووعدهم النّصر ، وأن الله قد وعده أن يغنمه أموالهم ونساءهم وذراريهم ، فرغب الناس وخرجوا على راياتهم ، وعقد اللواء الأكبر ودفعه إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكلّ من دخل مكة برايته أمره أن يحملها ، وخرج في اثني عشر ألف رجل ، عشرة آلاف ممّن كانوا معه. وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «وكان معه من بني سليم ألف رجل رئيسهم عبّاس بن مرداس السّلمي ، ومن مزينة ألف رجل».

رجع الحديث إلى عليّ بن إبراهيم ، قال : فمضوا حتّى كان من القوم على مسيرة بعض ليلة ، قال : وقال مالك بن عوف لقومه : ليصيّر كلّ رجل منكم أهله وماله خلف ظهره ، واكسروا جفون سيوفكم ، واكمنوا في شعاب هذا الوادي وفي الشّجر ، فإذا كان في غلس الفجر فاحملوا حملة رجل واحد ، وهدّوا القوم ، فإنّ محمّدا لم يلق أحدا يحسن الحرب.

__________________

(١) العوان من الحروب : التي قوتل فيها مرّة ، كأنهم جعلوا الأولى بكرا. «الصحاح ـ عون ـ ج ٦ ، ص ٢١٦٨».

(٢) خبّ ووضع : كلاهما بمعنى أسرع.

(٣) الوطفاء : كثيرة الشعر ، والزّمع : جمع زمعة ، الشعرات المدلّاة في مؤخّر رجل الشاة والظبي ونحوهما ، والصّدع من الدوابّ : الشابّ القويّ ، والمراد فرس هذه صفاته.

٩٧

قال : فلمّا صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الغداة انحدر في وادي حنين ، وهو واد له انحدار بعيد ، وكانت بنو سليم على مقدّمته ، فخرجت عليها كتائب هوازن من كلّ ناحية ، فانهزمت بنو سلعيم ، وانهزم من وراءهم ، ولم يبق أحد إلّا انهزم ، وبقي أمير المؤمنين عليه‌السلام يقاتلهم في نفر قليل.

ومرّ المنهزمون برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يلوون على شيء ، وكان العبّاس آخذا لجام بغلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن يمينه ، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب عن يساره. فأقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينادي : «يا معشر الأنصار ، إلى أين المفرّ؟ أنا رسول الله» فلم يلو أحد عليه.

وكانت نسيبة بنت كعب المازنيّة تحثو التراب في وجوه المنهزمين ، وتقول : أين تفرّون عن الله وعن رسوله. ومرّ بها عمر ، فقالت له : ويلك ، ما هذا الذي صنعت؟ فقال لها : هذا أمر الله.

فلمّا رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الهزيمة ركض يحوم على بغلته قد شهر سيفه ، فقال : «يا عبّاس ، اصعد هذا الظّرب (١) وناد : يا أصحاب البقرة ، يا أصحاب الشجرة ، إلى أين تفرّون ، هذا رسول الله».

ثمّ رفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده فقال : «اللهمّ لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان» فنزل عليه جبرئيل عليه‌السلام ، فقال : يا رسول الله ، دعوت بما دعا به موسى حين فلق الله له البحر ونجّاه من فرعون. ثمّ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي سفيان بن الحارث : «ناولني كفّا من حصى ، فناوله فرماه في وجوه المشركين ، ثمّ قال : «شاهت الوجوه» ثمّ رفع رأسه إلى السّماء ، وقال : «اللهمّ إن تهلك هذه العصابة لم تعبد ، وإن شئت أن لا تعبد لا تعبد».

فلمّا سمعت الأنصار نداء العبّاس عطفوا وكسروا جفون سيوفهم وهم

__________________

(١) الظّرب : الجبل المنبسط أو الصغير. «القاموس المحيط ـ ظرب ـ ج ١ ، ص ١٠٣».

٩٨

ينادون : لبّيك ، ومرّوا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واستحيوا أن يرجعوا إليه ، ولحقوا بالرّاية ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للعبّاس : «من هؤلاء ، يا أبا الفضل؟». فقال : يا رسول الله ، هؤلاء الأنصار. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الآن حمي الوطيس (١)» فنزل النّصر من السّماء ، وانهزمت هوازن ، وكانوا يسمعون قعقعة السّلاح في الجوّ ، فانهزموا في كلّ وجه ، وغنم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أموالهم ونساءهم وذراريهم ، وهو قوله تعالى : (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ)(٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قوله : (ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا) وهو القتل. (وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ).

قال : وقال رجل من بني نصر بن معاوية ، يقال له : شجرة بن ربيعة للمؤمنين وهو أسير في أيديهم : أين الخيل البلق والرّجال عليهم الثّياب البيض؟ فإنّما كان قتلنا بأيديهم ، وما كنّا نراكم فيهم إلّا كهيئة الشامة؟ قالوا : تلك الملائكة (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «السّكينة : الإيمان» (٤).

__________________

(١) الوطيس : التنّور ، وهو كناية عن شدّة الأمر واضطراب الحرب. «مجمع البحرين ـ وطس ـ ج ٤ ، ص ١٢٣».

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٢٨٥ ، السيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ، ص ٨٠.

(٣) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٢٨٨.

(٤) الكافي : ج ٢ ، ص ١٢ ، ح ٣.

٩٩

* س ١٧ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢٧) [سورة التوبة : ٢٧]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : ومعنى : «ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء» أنه يقبل التوبة من بعد هزيمة من انهزم. ويجوز أن يكون المراد بعد كفر من كفر يقبل توبة من يتوب ويرجع إلى طاعة الله والإسلام ويندم على ما فعل من القبيح «على من يشاء» وإنما علقه بالمشيئة ، لأن قبول التوبة وإسقاط العقاب عندها تفضل ـ عندنا ـ ولو كان ذلك واجبا لما جاز تعلق ذلك بالمشيئة كما لم يعلق الثواب على الطاعة والعوض على الألم في موضع المشيئة. ومن خالف في ذلك قال : إنما علقه بالمشيئة ، لأن منهم من له لطف يؤمن عنده فالله تعالى يشاء أن يلطف له مع صرف العمل في ترك التوبة إلى الله. وقوله (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) معناه أنه ستار للذنوب لا يفضح أحدا على معاصيه بل يسترها عليه إذا تاب منها ، وهو رحيم بعباده (١).

* س ١٨ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٢٨) [سورة التوبة : ٢٨]؟!

الجواب / قال علي بن أبي طالب عليه‌السلام : «لتمنعنّ مساجدكم يهودكم ونصاراكم وصبيانكم ومجانينكم أو ليمسخنكم الله قردة وخنازير ركّعا وسجّدا ، وقد قال الله عزوجل : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ)(٢).

__________________

(١) التبيان : الطوسي ، ج ٥ ، ص ١٩٩.

(٢) دعائم الإسلام : ج ١ ، ص ١٤٩.

١٠٠