التيسير في التفسير للقرآن - ج ٣

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٣

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٢

وقيل : إن آل فرعون كانوا على أحوال مختلفة في المعصية ، فبين مشاركة هؤلاء إياهم في تلك الأحوال (١).

* س ٣٧ : بمن نزل قوله تعالى :

(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٥٥) [الأنفال : ٥٥]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : «نزلت في بني أمية ، فهم شر خلق الله ، هم الذين كفروا في باطن القرآن ، فهم لا يؤمنون» (٢).

* س ٣٨ : من هم الذين جاء ذكرهم في قوله تعالى :

(الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ) (٥٦) [الأنفال : ٥٦]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : هم أصحابه الذين فرّوا يوم أحد (٣).

* س ٣٩ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (٥٧) [الأنفال : ٥٧]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : ثم حكم سبحانه في هؤلاء الناقضين للعهود ، فقال لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ) معناه : فإما تصادفنهم في الحرب أي : إن ظفرت بهم وأدركتهم (فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ) أي : فنكل بهم تنكيلا ، وأثر فيهم تأثيرا ، يشرد بهم من بعدهم ، ويطردهم ، ويمنعهم من نقض العهد ، بأن ينظروا فيهم ، فيعتبروا بهم ، فلا ينقضوا العهد ، ويتفرقوا في

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٤ ، الطبرسي ، ص ٤٨١ ـ ٤٨٢.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٢٧٩.

(٣) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٢٧٩.

٦١

البلاد ، مخافة أن تعاملهم بمثل ما عاملتهم به ، وأن يحل بهم ما حل بهم ...

وقيل ، معناه : افعل بهم فعلا من القتل تفرق بهم من خلفهم.

وقيل : إن معنى (فَشَرِّدْ بِهِمْ) : سمع بهم بلغة قريش ، قال الشاعر :

أطوف في النواطح كل يوم

مخافة أن يشرد بي حكيم (١)

(لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) أي : لكي يتذكروا ويتعظوا وينزجروا عن مثل ذلك (٢).

* س ٤٠ : بمن نزل قوله تعالى :

(وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ)(٥٨)

[الأنفال : ٥٨] ، وما هو تفسيره؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : نزلت في معاوية لما خان أمير المؤمنين عليه‌السلام (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ثلاث من كنّ فيه كان منافقا وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم : من إذا ائتمن خان ، وإذا حدّث كذب ، وإذا وعد أخلف. إن الله عزوجل قال في كتابه : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ) ، وقال : (أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ)(٤) ، وفي قوله عزوجل : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا)(٥).

__________________

(١) وفي اللسان الأباطح بدل النواطح. وحكيم رجل من بني سليم كانت قريش ولته الأخذ على أيدي السفهاء.

(٢) مجمع البيان : ج ٤ ، الطبرسي ، ص ٤٨٤.

(٣) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٢٧٩.

(٤) النور : ٢٤ : ٧.

(٥) الكافي : ج ٢ ، ص ٢٢١ ، ح ٨ ، الآية من سورة مريم ١٩ : ٥٤.

٦٢

* س ٤١ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ) (٥٩) [الأنفال : ٥٩]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : لما تقدم الأمر بقتال الكفار ، عقبه سبحانه بوعد النصر ، والأمر بالإعداد لقتالهم ، فقال : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا) معناه : لا تحسبن يا محمد أعداءك الكافرين قد سبقوا أمر الله ، وأعجزوه ، وأنهم قد فاتوك ، فإن الله سبحانه يظفرك بهم ، كما وعدك ، ويظهرك عليهم. والسبق والفوت بمعنى واحد.

وقيل معناه : لا تحسبن من أفلت من هذه الحرب أنه قد يسبق إلى الحياة ... والخطاب للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمراد به غيره.

وقيل : إنه إنما قاله تطييبا لقلبه في الهاربين ، كما طيب قلبه في المقتولين والمأسورين. وعلى القراءة بالياء فالمعنى لا يحسبن الكافرون أنفسهم سابقين ، لا يحسبن الكافرون أنهم سابقون. (إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ) أي : لا يعجزون الله ، ولا يفوتونه حتى لا يبعثهم الله يوم القيامة. وقيل معناه : لا يعجزونك (١).

* س ٤٢ : ما هو معنى (القوة) في قوله تعالى :

(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) (٦٠) [الأنفال : ٦٠]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : السلاح (٢).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٤ ، ص ٤٨٧ ، الطبرسي.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٢٧٩.

٦٣

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الرّمي» (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «دخل قوم على الحسين بن علي (صلوات الله عليه) فرأوه مختضبا بالسّواد ، فسألوه عن ذلك ، فمدّ يده إلى لحيته ، ثمّ قال : أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غزاة غزاها أن يختضبوا بالسّواد ليقووا به على المشركين» (٢).

* س ٤٣ : ما هو (السلم) في قوله تعالى :

(وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٦١) [الأنفال : ٦١]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله ، في قوله تعالى : (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها) قلت : ما السلم؟ قال : «الدخول في أمرنا» (٣).

* س ٤٤ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٦٣) [الأنفال : ٦٢ ـ ٦٣]؟!

الجواب / قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «مكتوب على العرش : أنا الله لا إله إلّا أنا ، وحدي لا شريك لي ، ومحمّد عبدي ورسولي ، أيدته بعليّ ، فأنزل عزوجل : (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) فكان النّصر عليّا ، ودخل مع

__________________

(١) الكافي : ج ٥ ، ص ٤٩ ، ح ١٢.

(٢) الكافي : ج ٦ ، ص ٤٨١ ، ح ٤.

(٣) الكافي : ج ٥ ، ص ٣٤٣ ، ح ١٦. وقد تقدم تفسيرها في الآيات (٢ ـ ٦) من هذه السورة.

٦٤

المؤمنين ، فدخل في الوجهين جميعا» (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «إنّ هؤلاء قوم كانوا معه من قريش ، فقال الله : (فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) فهم الأنصار ، كان بين الأوس والخزرج حرب شديدة وعداوة في الجاهلية ، فألف الله بين قلوبهم ، ونصر بهم نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فالذين ألّف بين قلوبهم هم الأنصار خاصة» (٢).

* س ٤٥ : بمن نزل ، قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٦٤) [الأنفال : ٦٤]؟!

الجواب / قال شرف الدين النجفي : تأويله ذكره أبو نعيم في (حلية الأولياء) بطريقه إلى أبي هريرة ، قال : نزلت هذه الآية في عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، وهو المعنيّ بقوله : (الْمُؤْمِنِينَ)(٣).

* س ٤٦ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (٦٥) الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ

__________________

(١) الأمالي : ص ١٧٩ ، ح ٣ ، شواهد التنزيل : ج ١ ، ص ٢٢٣ ، ح ٢٩٩ ، كفاية الطالب : ص ٢٣٤ ، ترجمة الإمام علي عليه‌السلام من تاريخ ابن عساكر ج ٢ ، ص ٤١٩ ، ح ٩٢٦ ، الدر المنثور ج ٤ ، ص ١٠٠ ، وتأويل الآيات ج ١ ، ص ١٩٥ ، ح ٩ ، عن حلية الأولياء ، ولم نجده في الحلية ، وروضة الواعظين : ص ٤٢.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٢٧٩.

(٣) تأويل الآيات ج ١ ، ص ١٩٦ ، ح ١١ ، شواهد التنزيل ج ١ ، ص ٢٣٠ ، ح ٣٠٥ و ٣٠٦ ، النور المشتعل : ج ٩٢ ، ص ١٨ ، ١٩.

٦٥

مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (٦٦) [الأنفال : ٦٥ ـ ٦٦]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : قال : كان الحكم في أوّل النبوّة في أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ الرّجل الواحد وجب عليه أن يقاتل عشرة من الكفّار ، فإن هرب منهم فهو الفارّ من الزّحف ، والمائة يقاتلون ألفا ، ثم علم الله أن فيهم ضعفا لا يقدرون على ذلك ، فأنزل الله : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) ، ففرض الله عليهم أن يقاتل رجل من المؤمنين رجلين من الكفار ، فإن فرّ منهما فهو الفارّ من الزّحف ، فإن كانوا ثلاثة من الكفار وواحدا من المسلمين ، ففرّ المسلم منهم ، فليس هو الفارّ من الزّحف (١). وهو نفس المضمون ذكر عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢).

وقال جدّ عمرو بن أبي المقدام : ما أتى عليّ يوم قطّ أعظم من يومين أتيا عليّ ، فأمّا اليوم الأول فيوم قبض رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأما اليوم الثاني فو الله إني لجالس في سقيفة بني ساعدة ، عن يمين أبي بكر ، والناس يبايعونه ، إذ قال له عمر : يا هذا ، ليس في يديك شيء ما لم يبايعك عليّ ، فابعث إليه حتى يأتيك يبايعك ، فإنما هؤلاء رعا. فبعث إليه قنفذا فقال له : اذهب فقل لعليّ : أجب خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فذهب قنفذ ، فما لبث أن رجع فقال لأبي بكر : قال لك : «ما خلّف رسول الله أحدا غيري».

قال : ارجع إليه فقل : أجب ، فإنّ الناس قد أجمعوا علي بيعتهم إياه ، وهؤلاء المهاجرون والأنصار يبايعونه ، وقريش ، وإنما أنت رجل من المسلمين ، لك ما لهم وعليك ما عليهم. فذهب إليه فنقذ ، فما لبث أن

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٢٧٩.

(٢) التهذيب : ج ٦ ، ص ١٧٤ ، ح ٣٤٢.

٦٦

رجع ، فقال : قال لك : «إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لي وأوصاني أن إذا واريته في حفرته لا أخرج من بيتي حتى أؤلّف كتاب الله ، فإنه في جرائد النخل وفي أكتاف الإبل». قال : قال عمر : قوموا بنا إليه.

فقام أبو بكر وعمر وعثمان ، وخالد بن الوليد ، والمغيرة بن شعبة ، وأبو عبيدة ابن الجرّاح ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وقنفذ ، وقمت معهم ، فلما انتهينا إلى الباب فرأتهم فاطمة (صلوات الله عليها) أغلقت الباب في وجوههم ، وهي لا تشك أن لا يدخل عليها إلّا بإذنها ، فضرب عمر الباب برجله فكسره وكان من سعف ، ثم دخلوا فأخرجوا عليّا عليه‌السلام ملببا (١). فخرجت فاطمة عليه‌السلام فقالت : «يا أبا بكر ، أتريد أن ترمّلني من زوجي ، والله لئن لم تكفّ عنه لأنشرنّ شعري ، ولأشقنّ جيبي ولآتينّ قبر أبي ولأصيحنّ إلى ربي» فأخذت بيد الحسن والحسين عليه‌السلام وخرجت تريد قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال عليّ عليه‌السلام لسلمان : «أدرك ابنة محمد ، فإني أرى جنبي المدينة يكفيان ، والله إن نشرت شعرها ، وشقّت جيبها ، وأتت قبر أبيها ، وصاحت إلى ربها لا يناظر بالمدينة أن يخسف بها وبمن فيها».

فأدركها سلمان فقال : يا بنت محمد ، إن الله إنّما بعث أباك رحمة ، فارجعي. فقالت : «يا سلمان ، يريدون قتل عليّ ، ما على عليّ صبر ، فدعني حتى آتي قبر أبي فأنشر شعري ، وأشقّ جيبي ، وأصيح إلى ربي». فقال سلمان : إني أخاف أن يخسف بالمدينة ، وعليّ بعثني إليك ويأمرك أن ترجعي إلى بيتك وتنصرفي ، فقالت : «إذن أرجع وأصبر وأسمع له وأطيع».

فأخرجوه من منزله ملبّبا ، ومرّوا به على قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : فسمعته

__________________

(١) لببته : إذا جعلت في عنقه ثوبا أو غيره وجررته به ، وأخذت بتلبيب فلان : إذا جمعت عليه ثوبه الذي هو لابسه وقبضت عليه تجرّه. «النهاية ٤ : ٢٢٣».

٦٧

يقول : (ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي)(١) إلى آخر الآية ، وجلس أبو بكر في سقيفة بني ساعدة ، وقدم عليّ عليه‌السلام فقال له عمر : بايع. فقال له عليّ عليه‌السلام : «فإن أنا لم أفعل ، فمه؟» فقال له عمر : إذن أضرب ، والله ، عنقك. فقال له عليّ : «إذن ، والله ، أكون عبد الله المقتول وأخا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فقال عمر : أمّا عبد الله المقتول فنعم ، وأمّا أخو رسول الله فلا ، حتى قالها ثلاثا.

فبلغ ذلك العبّاس بن عبد المطلب ، فأقبل مسرعا يهرول ، فسمعته يقول : أرفقوا بابن أخي ، ولكم عليّ أن يبايعكم. فأقبل العبّاس وأخذ بيد عليّ عليه‌السلام فمسحها على يد أبي بكر ، ثم خلّوه مغضبا ، فسمعته يقول : «اللهمّ ، إنك تعلم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد قال لي : إن تمّوا عشرين فجاهدهم ، وهو قولك في كتابك : (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) قال : وسمعته يقول : «اللهمّ ، وإنّهم لم يتمّوا عشرين». حتى قالها ثلاثا ، ثم انصرف (٢).

* س ٤٧ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٦٧) [الأنفال : ٦٧]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : ما كان لنبي أن يحبس كافرا للفداء والمن حتى يثخن في الأرض ، والأثخان في الأرض تغليظ الحال بكثرة القتل. وقيل : الأثخان القتل. والثخن والغلظ والكثافة نظائر.

وقوله (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا) يعني تريدون الفداء والعرض متاع الدنيا

__________________

(١) الأعراف ٧ : ١٥٠.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٦٦ ، ح ٧٦.

٦٨

وسماه عرضا لقلة لبثه لأنه بمعنى العرض في اللغة.

وقوله (وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) معناه والله يريد عمل الآخرة من الطاعات التي تؤدي إلى الثواب وإرادة الله لنا خير من إرادتنا لأنفسنا.

وقوله : (وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) معناه يريد عمل الآخرة ، فإنه يعزكم ويرشدكم إلى إصلاحكم ، لأنه عزيز حكيم ، فلا تخافوا قهرا مع إعزازه إياكم ... (١).

* س ٤٨ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (٦٨) [الأنفال : ٦٨]؟!

الجواب / قيل في معناها قولان :

١ ـ لو لا ما كتبه الله في اللوح المحفوظ من أنه لا يعذبهم على ذلك. وقيل : لو لا ما كتب الله فيه أنه يغفر لأهل بدر ما تقدم وما تأخر.

٢ ـ يعني ما ذكره من قوله : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(٢). فكأنه قال : لا أعذب إلا بعد المظاهرة في البيان وتكرير الحجة به ... (٣).

* س ٤٩ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٦٩) [الأنفال : ٦٩]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : أباح الله تعالى للمؤمنين بهذه الآية أن يأكلوا مما غنموه من أموال المشركين بالقهر من دار الحرب. ولفظه وإن كان

__________________

(١) التبيان : ج ٥ ، الطوسي ، ص ١٥٥.

(٢) الإسراء : ١٥.

(٣) التبيان : ج ٥ ، ص ١٥٧.

٦٩

لفظ الأمر. فالمراد به الإباحة ورفع الحظر. والغنيمة ما أخذ من دار الحرب بالقهر. والفيء ما رجع إلى المسلمين ، وانتقل إليهم من المشركين. والأكل تناول الطعام بالفم مع المضغ والبلع ، فمتى فعل الصائم هذا فقد أكل في الحقيقة. والفرق بين الحلال والمباح أن الحلال من حل العقد في التحريم والمباح من التوسعة في الفعل وإن اجتمعا في الحل والطيب المستلذ ، وشبه الحلال به فسمي طيبا. واللذة نيل المشتهى. وقيل : الفاء في قوله (فَكُلُوا) على تقدير قد أحللت لكم الفداء فكلوه.

وقوله (وَاتَّقُوا اللهَ) معناه اتقوا معاصيه فإن الله غفور رحيم لمن أطاعه وترك معاصيه (١).

* س ٥٠ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٧٠) [الأنفال : ٧٠]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام في هذه الآية : «نزلت في العباس وعقيل ونوفل».

وقال : «إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى يوم بدر أن يقتل أحد من بني هاشم وأبو البختري (٢) ، فأسروا ، فأرسل عليا عليه‌السلام فقال : انظر من ها هنا من بني هاشم؟ ـ قال : ـ فمرّ علي عليه‌السلام على عقيل بن أبي طالب فحاد عنه ، فقال له عقيل : يا بن أمّ علي (٣) ، أما والله لقد رأيت مكاني ـ قال : ـ فرجع إلى

__________________

(١) نفس المصدر : ص ١٥٩.

(٢) أبو البختري : هو العاص بن هشام ، قيل : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن قتله لأنّه لبس السلاح بمكة يوما ومنع القوم من إيذائه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان ممّن اهتمّ في نقض صحيفة المقاطعة المعروفة. راجع المغازي للواقدي ١ : ٨٠ ، الكامل في التاريخ ٢ : ١٢٨.

(٣) أي أقبل عليّ.

٧٠

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : هذا أبو الفضل في يد فلان ، وهذا عقيل في يد فلان ، وهذا نوفل بن الحارث في يد فلان.

فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى انتهى إلى عقيل ، فقال له : يا أبا يزيد ، قتل أبو جهل. فقال : إذن لا تنازعون في تهامة ، فقال : إن كنتم أثخنتم القوم ، وإلّا فاركبوا أكتافهم».

قال : «فجيء بالعباس ، فقيل له : أفد نفسك ، وافد ابن أخيك. فقال : يا محمد ، تتركني أسأل قريشا في كفّي؟ فقال : أعط مما خلّفته عند أمّ الفضل ، وقلت لها : إن أصابني في وجهي هذا شيء فأنفقيه على نفسك وولدك. فقال له : يا بن أخي من أخبرك بهذا؟ فقال : أتاني [به] جبرئيل عليه‌السلام من عند الله عزّ ذكره. فقال : ومحلوفه (١) ما علم بهذا أحد إلا أنا وهي ، أشهد أنك رسول الله».

قال : «فرجع الأسارى كلهم مشركين إلا العبّاس وعقيل ونوفل كرم الله وجوههم ، وفيهم نزلت هذه الآية (قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً) إلى آخر الآية» (٢).

* س ٥١ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٧١) [الأنفال : ٧١]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : معنى الآية أن هؤلاء الأسارى إن علم الله

__________________

(١) قال المجلسي في (مرآة العقول ٢٦ : ١١٥) قوله : «ومحلوفه» الظاهر أنه حلف باللات والعزّى ، فكره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التكلّم به فعبّر عنه بمحلوفه ، أي بالذي حلف به ، وفي الكشّاف أنه حلف بالله. وفي «لسان العرب ـ حلف ـ ٩ : ٥٣». ويقولون : محلوفة بالله ما قال ذلك ، ينصبون على إضمار يحلف بالله محلوفة أي قسما ، والمحلوفة هو القسم.

(٢) الكافي : ج ٨ ، ص ٢٠٢ ، ح ٢٤٤.

٧١

في قلوبهم خيرا أخلف عليهم خيرا مما أخذ منهم. وإن عزموا على الخيانة ، ونقض العهد وفعلوا خلاف ما وقع عليه العقد من تأدية فرض الله ، فقد خانوا الله من قبل هذا. والمعنى فقد خانوا أولياء الله ، لأن الله لا يمكن أن يخان ، لأنه عالم بالأشياء كلها لا يخفى عليه خافية. والخيانة ها هنا نقض الطاعة لله ورسوله التي شهدت بها الدلالة.

وقوله : (فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ) المعنى لما خانوا بأن خرجوا إلى بدر وقاتلوا مع المشركين ، فقد أمكن الله منهم بأن غلبوا وأسروا. فإن خانوا ثانيا فيمكن الله منهم مثل ذلك. والإمكان هو القدرة على الشيء مع ارتفاع المانع ، وما لو حرص عليه صاحبه أتم الحرص لم يصح أن يقع منه لا يكون إمكانا ، فالإمكان ينافي المنع والإلجاء كما ينافي العجز القدرة.

وقوله : (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) : معناه عالم بما تقولونه وما في نفوسكم وبجميع الأشياء (حَكِيمٌ) فيما يفعله. والحكيم هو العالم بوجوه الحكمة في الفعل مما يصرف عن خلافها والأصل في الحكمة المنع فهي تمنع الفعل من الخلل والفساد (١).

* س ٥٢ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (٧٢) [الأنفال : ٧٢]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : الحكم في أوّل النبوّة أن المواريث كانت على الأخوة لا على الولادة ، فلما هاجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المدينة آخى بين

__________________

(١) التبيان : الشيخ الطوسي ، ج ٥ ، ص ١٦٠ ـ ١٦١.

٧٢

المهاجرين والأنصار ، فكان إذا مات الرجل يرثه أخوه في الدّين ، ويأخذ المال ، وكانا ما ترك له دون ورثته. فلما كان بعد ذلك أنزل الله (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً)(١) فنسخت آية الأخوة بقوله : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ)(٢). ونفس مضمون الحديث رواه الباقر عليه‌السلام (٣).

وقال زرارة ، وحمران ، ومحمد بن مسلم سألنا أبا جعفر ، وأبا عبد الله عليه‌السلام ، سألناهما عن قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا) ، قال : «بأنّ أهل مكة لا يرثون أهل المدينة» (٤).

وقال علي بن إبراهيم : إنها نزلت في الأعراب ، وذلك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صالحهم على أن يدعهم في ديارهم ولم يهاجروا إلى المدينة ، وعلى أنه إن أرادهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غزا بهم ، وليس لهم من الغنيمة شيء ، وأوجبوا على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه إذا دهاهم من الأعراب من غيرهم ، أو دهاهم داهم من عدوّهم أن ينصرهم ، إلا على قوم بينهم وبين الرسول عهد وميثاق إلى مدّة (٥).

* س ٥٣ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (٧٣) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا

__________________

(١) الأحزاب : ٣٣ : ٦.

(٢) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٢٨٠.

(٣) مجمع البيان : ج ٤ ، ص ٨٦٢.

(٤) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٧٠ ، ح ٨١.

(٥) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٢٨٠.

٧٣

أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٧٤) وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(٧٥) [الأنفال : ٧٣ ـ ٧٥]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) يعني يوالي بعضهم بعضا. ثمّ قال : (إِلَّا تَفْعَلُوهُ) يعني إن لم تفعلوه ، فوضع حرف مكان حرف (تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ) ثمّ قال : (وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) قال : نسخت قوله : (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ)(١).

وقال أبو جعفر الباقر عليه‌السلام : «الخال والخالة يرثان إذا لم يكن معهما غيرهما ، إن الله يقول : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) ، إذا التفّت القرابات فالسابق أحق بالميراث من قرابته» (٢).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٢٨٠ ، والآية من سورة النساء : ج ٤ ، ص ٣٣.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٧١ ، ح ٨٣.

٧٤

تفسير

سورة التوبة

رقم السورة ـ ٩ ـ

٧٥
٧٦

سورة التوبة

* س ١ : ما هو فضل سورة التوبة؟!

الجواب / قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من قرأ هذه السورة بعثه الله يوم القيامة بريئا من النفاق. ومن كتبها وجعلها في عمامته ، أو قلنسوته ، أمن اللّصوص في كلّ مكان ، وإذا هم رأوه انحرفوا عنه ، ولو احترقت محلته بأسرها لم تصل النار إلى منزل ، ولم تقربه أبدا ما دامت عنده مكتوبة» (١).

* س ٢ : ما هو السبب الذي جعل سورة التوبة لم تبدأ بالبسملة؟!

الجواب / قال عليّ عليه‌السلام : «لم تنزل بسم الله الرحمن الرحيم على رأس سورة براءة لأن بسم الله للأمان والرّحمة ، نزلت براءة لرفع الأمان بالسّيف» (٢).

* س ٣ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ (٢) وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ)(٣) [سورة التوبة : ١ ـ ٣]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «نزلت هذه الآية بعد ما رجع رسول

__________________

(١) خواص القرآن : ٢ «قطعة منه».

(٢) مجمع البيان : ج ٥ ، ص ٤.

٧٧

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غزوة تبوك ، في سنة تسع من الهجرة ـ قال ـ : وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا فتح مكّة لم يمنع المشركين الحجّ في تلك السّنة ، وكانت سنّة العرب في الحجّ أنّه من دخل مكّة وطاف بالبيت في ثيابه لم يحلّ له إمساكها ، وكانوا يتصدّقون بها ، ولا يلبسونها بعد الطّواف ، فكان من وافى مكّة يستعير ثوبا ويطوف فيه ثم يردّه ، ومن لم يجد عارية اكترى ثيابا ، ومن لم يجد عارية ولا كراء ، ولم يكن له إلا ثوب واحد طاف بالبيت عريانا.

فجاءت امرأة من العرب وسيمة جميلة ، فطلبت ثوبا عارية أو كراء فلم تجده ، فقالوا لها : إن طفت في ثيابك احتجت أن تتصدّقي بها. فقالت : وكيف أتصدّق بها وليس لي غيرها؟! فطافت بالبيت عريانة ، وأشرف عليها الناس ، فوضعت إحدى يديها على قبلها والأخرى على دبرها ، وقالت شعرا :

اليوم يبدو بعضه أو كلّه

فما بدا منه فلا أحلّه

***

فلما فرغت من الطّواف خطبها جماعة ، فقالت : إنّ لي زوجا.

وكانت سيرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل نزول سورة براءة أن لا يقاتل إلّا من قاتله ، ولا يحارب إلا من حاربه وأراده ، وقد كان أنزل عليه في ذلك (فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً)(١). فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يقاتل أحدا قد تنحّى عنه واعتزله ، حتى نزلت عليه سورة براءة ، وأمره الله بقتل المشركين من اعتزله ومن لم يعتزله ، إلّا الذين قد عاهدهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم فتح مكة إلى مدة ، منهم : صفوان بن أميّة ، وسهيل بن عمرو ، فقال الله عزوجل : (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ

__________________

(١) النساء : ٩٠.

٧٨

الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) ، ثم يقتلون حيثما وجدوا ، فهذه أشهر السياحة : عشرون من ذي الحجّة الحرام ، ومحرّم ، وصفر ، وشهر ربيع الأول ، وعشرة من شهر ربيع الآخرة.

ولمّا نزلت الآيات من سورة براءة دفعها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أبي بكر ، وأمره أن يخرج إلى مكّة ويقرأها على الناس بمنى يوم النّحر ، فلمّا خرج أبو بكر نزل جبرئيل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا محمّد ، لا يؤدّي عنك إلّا رجل منك. فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمير المؤمنين عليه‌السلام في طلب أبي بكر ، فلحقه بالرّوحاء ، فأخذ منه الآيات ، فرجع أبو بكر إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله ، أأنزل الله فيّ شيئا؟ قال : لا ، إن الله أمرني أن لا يؤدّي عنّي إلّا أنا أو رجل مني» (١).

وقال أبو الحسن الرضا عليه‌السلام : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمرني أن أبلّغ عن الله تعالى أن لا يطوف بالبيت عريان ، ولا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد هذا العام ، وقرأ عليهم (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) فأجّل المشركين الذين حجّوا تلك السنة أربعة أشهر حتى يرجعوا إلى مأمنهم ، ثم يقتلون حيث وجدوا» (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث أبا بكر مع براءة إلى الموسم ، ليقرأها على الناس ، فنزل جبرئيل فقال : لا يبلّغ عنك إلّا عليّ. فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّا عليه‌السلام وأمره أن يركب ناقته العضباء ، وأمره أن يلحق أبا بكر فيأخذ منه براءة ويقرأها على الناس بمكّة ، فقال أبو بكر : أسخط؟ فقال : لا ، إلّا أنّه أنزل عليه أنه لا يبلّغ عنك إلّا رجل منك.

__________________

(١) تفسير القميّ ج ١ ، ص ٢٨١.

(٢) تفسير القميّ ج ١ ، ص. ٢٨٢

٧٩

فلمّا قدم على مكّة ، وكان يوم النّحر بعد الظهر ، وهو يوم الحجّ الأكبر ، قام ثمّ قال : إنّي [رسول] رسول الله إليكم. فقرأها عليهم (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) عشرين من ذي الحجّة ، ومحرّم ، وصفر ، وشهر ربيع الأول ، وعشرا من شهر ربيع الآخر. وقال : لا يطوف بالبيت عريان ولا عريانة ولا مشرك بعد هذا العام ، ومن كان له عهد عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فمدّته إلى هذه الأربعة أشهر» (١).

وقال عليّ بن الحسين عليه‌السلام لحكيم بن جبير : «والله إنّ لعليّ عليه‌السلام لأسماء في القرآن ما يعرفها الناس». قال : قلت : وأيّ شيء تقول ، جعلت فداك؟

فقال لي : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) قال : «فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام وكان هو والله المؤذّن ، فأذّن بأذان الله ورسوله يوم الحجّ الأكبر ، من المواقف كلّها ، فكان ما نادى به أن لا يطوف بعد هذا العام عريان ، ولا يقرب المسجد الحرام بعد هذا العام مشرك» (٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام في قول الله : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) : «خروج القائم عليه‌السلام وأذان دعوته إلى نفسه» (٣).

وقال فضيل بن عياض : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحجّ الأكبر؟ فقال : «عندك فيه شيء؟» فقلت : نعم ، كان ابن عبّاس يقول : الحجّ الأكبر يوم عرفة ، يعني أنّه من أدرك يوم عرفه إلى طلوع الشمس من يوم النّحر فقد أدرك الحجّ ، ومن فاته ذلك فاته الحجّ ، فجعل ليلة عرفة لما قبلها ولما

__________________

(١) تفسير العيّاشي ج ٢ ، ص ٧٣ ، ح ٤.

(٢) تفسير العيّاشي ج ٢ ، ص ٧٦ ، ح ١٢.

(٣) تفسير العيّاشي ج ٢ ، ص ٧٦ ، ح ١٥.

٨٠