التيسير في التفسير للقرآن - ج ٣

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٣

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٢

المؤمنين» وقوله : (وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) «هو علي بن أبي طالب عليه‌السلام» (١).

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٤) [هود : ٤]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسيّ : قيل في معنى قوله (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ) قولان :

١ ـ إليه مصيركم بإعادته إياكم للجزاء.

٢ ـ إلى الله مرجعكم بإعادته إلى مثل الابتداء من أنه لا يملك لكم ضرا ولا نفعا سواه تعالى ، والمرجع المصير إلى مثل الحال الأولى.

وقوله (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أخبار منه تعالى أنه يقدر على كل شيء إلا ما أخرجه الدليل مما يستحيل أن يكون قادرا عليه من مقدورات غيره وما يقضى وقته من الأجناس التي لا يصلح عليها البقاء (٢).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (٥) [هود : ٥]؟!

الجواب / قال عليّ بن إبراهيم : قوله تعالى : (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) قال : الدّخان والصّيحة.

ثم قال : وقوله : (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ) يقول : يكتمون ما في صدورهم من بغض عليّ عليه‌السلام. وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ آية

__________________

(١) نفس المصدر السابق.

(٢) التبيان : ج ٥ ، ص ٤٤٨.

٢٨١

المنافق بغض علي». فكان قوم يظهرون المودّة لعليّ عليه‌السلام عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويسرّون بغضه. فقال : (أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ) فإنه كان إذا حدّث بشيء من فضل عليّ عليه‌السلام ، أو تلا عليهم ما أنزل الله فيه ، نفضوا ثيابهم وقاموا. يقول الله تعالى (يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) حين قاموا (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ)(١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «أخبرني جابر بن عبد الله : أنّ المشركين كانوا إذا مرّوا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حول البيت طأطأ أحدهم رأسه وظهره ـ هكذا ـ وغطّى رأسه بثوبه حتى لا يراه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأنزل الله عزوجل : (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ)(٢).

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (٦) [هود : ٦]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : قوله : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) يقول : تكفّل بأرزاق الخلق. قال : قوله : (وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها) يقول : حيث تأوي بالليل (وَمُسْتَوْدَعَها) حيث تموت (٣).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام قال : «أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجل من أهل البادية ، فقال : يا رسول الله ، إنّ لي بنين وبنات ، وإخوة وأخوات ، وبني بنين وبني بنات ، وبني إخوة وبني أخوات ، والمعيشة علينا خفيفة ، فإن رأيت ـ يا رسول الله ـ أن تدعو الله أن يوسّع علينا؟ ـ قال ـ : وبكى ، فرقّ له المسلمون ، فقال

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٢١.

(٢) الكافي : ج ٨ ، ص ١٤٤ ، ح ١١٥.

(٣) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٢١.

٢٨٢

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ) من كفل بهذه الأفواه المضمونة على الله رزقها صبّ الله عليه الرّزق صبّا كالماء المنهمر ، إن قليلا فقليلا ، وإن كثيرا فكثيرا ـ قال : ـ ثمّ دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمّن له المسلمون».

قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «فحدّثني من رأى الرجل في زمن عمر فسأله عن حاله ، فقال : من أحسن من خوّله حلالا وأكثرهم مالا» (١).

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ) (٧) [هود : ٧]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ الله خلق الخير يوم الأحد ، وما كان ليخلق الشرّ قبل الخير ، وخلق يوم الأحد والاثنين الأرضين وخلق يوم الثلاثاء أقواتها ، وخلق يوم الأربعاء السّماوات ، وخلق يوم الخميس أقواتها ، والجمعة (٢) ، وذلك في قوله تعالى : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) فلذلك أمسكت اليهود يوم السّبت» (٣).

وقال داود الرّقّي : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) فقال : «ما يقولون؟» قلت : يقولون : إن العرش كان على الماء ، والرّب فوقه! فقال عليه‌السلام : «كذبوا ، من زعم هذا فقد صيّر الله محمولا ،

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ١٣٩ ، ح ٣.

(٢) في (الكافي : ج ٨ ، ص ١٤٥ ، ح ١١٨): «وخلق السماوات يوم الأربعاء ويوم الخميس ، وخلق أقواتها يوم الجمعة».

(٣) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ١٤٠ ، ح ٤.

٢٨٣

ووصفه بصفة المخلوقين ، ولزمه أنّ الشيء الذي يحمله أقوى منه».

قلت : بيّن لي ، جعلت فداك ، فقال : «إن الله حمّل دينه وعلمه الماء ، قبل أن تكون أرض أو سماء ، أو جنّ أو إنس ، أو شمس أو قمر ، فلمّا أراد أن يخلق الخلق نثرهم بين يديه ، فقال لهم : من ربّكم؟ فأول من نطق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين والأئمّة عليهم‌السلام فقالوا : أنت ربّنا ، فحمّلهم العلم والدّين. ثم قال للملائكة هؤلاء حملة ديني وعلمي ، وأمنائي في خلقي وهم المسؤولون. ثمّ قال لبني آدم : أقرّوا لله بالربوبيّة ، ولهؤلاء النفر بالولاية والطاعة ، فقالوا : نعم ـ ربّنا ـ أقررنا. فقال الله للملائكة : اشهدوا فقالت الملائكة : شهدنا على أن لا يقولوا غدا : إنّا كنّا عن هذا غافلين ، أو يقولوا : إنّما أشرك آباؤنا من قبل ، وكنّا ذريّة من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون. يا داود ، ولايتنا مؤكّدة عليهم في الميثاق» (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً).

«ليس يعني أكثر عملا ، ولكن أصوبكم عملا ، وإنّما الإصابة خشية الله والنيّة الصادقة».

ثمّ قال : «الإبقاء على العمل حتّى يخلص أشدّ من العمل ، والعمل الخالص الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا الله عزوجل ، والنيّة أفضل من العمل ، ألا إنّ النيّة هي العمل ـ ثم تلا قوله عزوجل ـ (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ)(٢) يعني على نيّته» (٣).

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ١٠٣ ، ح ٧ ، والتوحيد : ص ٣١٩ ، ح ١.

(٢) الإسراء : ٨٤.

(٣) الكافي : ج ٢ ، ص ١٣ ، ح ٤.

٢٨٤

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (٨) [هود : ٨]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : أصحاب القائم عليه‌السلام الثلاثمائة والبضعة عشر رجلا ، هم والله الأمّة المعدودة التي قال الله في كتابه : (وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ) ـ قال ـ يجمعون له في ساعة واحدة قزعا (١) كقزع الخريف» (٢).

قال أبو جعفر عليه‌السلام (٣) في قول الله عزوجل : (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً)(٤).

[قال : «الخيرات : الولاية ، وقوله تبارك وتعالى : (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً)] يعني أصحاب القائم عليه‌السلام الثلاثمائة والبضعة عشر رجلا ـ قال ـ هم والله الأمّة المعدودة ـ قال ـ يجتمعون والله في ساعة واحدة قزعا كقزع الخريف» (٥).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ).

«العذاب هو القائم عليه‌السلام وهو عذاب على أعدائه ، والأمّة المعدودة هم الذين يقومون معه ، بعدد أهل بدر» (٦).

__________________

(١) القزع : قطع من السحاب رقيقة.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ١٤٠ ، ح ٨.

(٣) في «س ، ط» : أبي عبد الله عليه‌السلام ، راجع معجم رجال الحديث : ج ٢١ ، ص ٣٨٤.

(٤) البقرة : ١٤٨.

(٥) الكافي : ج ٨ ، ص ٣١٣ ، ح ٤٨٧ ، ينابيع المودة : ص ٤٢١.

(٦) تأويل الآيات : ج ١ ، ص ٢٢٣ ، ح ٣.

٢٨٥

وقال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ).

قال : إن متّعناهم في هذه الدنيا إلى خروج القائم عليه‌السلام فنردّهم ونعذّبهم (لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ) أي يقولون : ألا لا يقوم القائم ، ولا يخرج ، على حدّ الاستهزاء ، فقال الله : (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ)(١).

* س ١٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (٩) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (١٠) إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) (١١) [هود : ١١ ـ ٩]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : قوله : (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي) قال : إذا أغنى الله العبد ثم افتقر أصابه اليأس والجزع والهلع ، وإذا كشف الله عنه ذلك فرح ، وقال : ذهب السيئات عنّي (إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ). ثمّ قال : (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) قال : صبروا في الشدّة ، وعملوا الصالحات في الرّخاء (٢).

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٢٢.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٢٣.

٢٨٦

* س ١١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) (١٢) [هود : ١٢]؟!

الجواب / قال عمار بن سويد : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول في هذه الآية : (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ).

فقال : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا نزل قديدا (١) ، قال لعليّ عليه‌السلام : يا عليّ ، إني سألت ربّي أن يوالي بيني وبينك ففعل ، وسألت ربّي أن يؤاخي بيني وبينك ففعل ، وسألت ربّي أن يجعلك وصيّي ففعل.

فقال رجلان من قريش : والله لصاع من تمر في شنّ (٢) بال أحبّ إلينا ممّا سأل محمّد ربّه ، فهلّا سأل ربّه ملكا يعضده على عدوّه ، أو كنزا يستغني به عن فاقته؟ والله ما دعاه (٣) إلى حقّ ولا باطل إلّا أجابه إليه. فأنزل الله تبارك وتعالى : (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) إلى آخر الآية» (٤).

* س ١٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ

__________________

(١) قديد : موضع قرب مكة. «معجم البلدان ج ٤ ، ص ٣١٣».

(٢) الشنّ : القربة الخلق. «الصحاح ـ شنن ـ ج ٥ ، ص ٢١٤٦».

(٣) في «ط» : ما دعا عليا.

(٤) الكافي : ج ٨ ، ص ٣٧٨ ، ح ٥٧٢.

٢٨٧

مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٣) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (١٤) [هود : ١٤ ـ ١٣]؟!

الجواب / قال عمّار بن سويد : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول في هذه الآية : (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) إلى قوله : (أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ).

قال : «إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا نزل قديدا ، قال لعليّ عليه‌السلام : إني سألت ربّي أن يوالي بيني وبينك ففعل ، وسألت ربّي أن يؤاخي بيني وبينك ففعل ، وسألت ربّي أن يجعلك وصيّي ففعل.

فقال رجل من قريش : والله لصاع من تمر في شنّ بال أحبّ إلينا ممّا سأل محمّد ربّه ، فهلّا سأل ربّه ملكا يعضده على عدوّه ، أو كنزا يستغني به عن فاقته؟ والله ما دعاه إلى حقّ ولا باطل إلّا أجابه إليه. فأنزل الله عليه : (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ) إلى آخر الآية».

قال : «ودعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمير المؤمنين في آخر صلاته ، رافعا بها صوته ، يسمع الناس : اللهمّ هب لعليّ المودّة في صدور المؤمنين ، والهيبة والعظمة في صدور المنافقين ، فأنزل الله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا)(١) بني أميّة.

قال رجل : والله لصاع من تمر في شنّ بال أحبّ إليّ ممّا سأل محمد ربه ، أفلا سأله ملكا يعضده ، أو كنزا يستظهر به على فاقته؟! فأنزل الله فيه عشر آيات من هود ، أوّلها : (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ) إلى (أَمْ

__________________

(١) مريم : ٩٦ ـ ٩٧.

٢٨٨

يَقُولُونَ افْتَراهُ) ولاية عليّ (قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ) إلى (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) في ولاية عليّ (عليه الصلاة والسّلام) (فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)(١) لعليّ ولايته (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها) يعني فلانا وفلانا (نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها)(٢) ، (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) أمير المؤمنين عليه‌السلام (مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً)(٣) ـ قال ـ كانت ولاية عليّ في كتاب موسى (أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ)(٤) في ولاية عليّ (إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) إلى قوله : (وَيَقُولُ الْأَشْهادُ)(٥) هم الأئمّة عليهم‌السلام (هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ* مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ)(٦).

وقال عليّ بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (أَمْ يَقُولُونَ) إلى قوله : (صادِقِينَ) : يعني قولهم : إنّ الله لم يأمره بولاية عليّ ، وإنّما يقول من عنده فيه.

فقال الله عزوجل : (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ)

__________________

(١) هود : ١٤.

(٢) هود : ١٥.

(٣) هود : ١٧.

(٤) هود : ١٧.

(٥) هود : ١٧ ـ ١٨.

(٦) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ١٤١ ، ح ١١ ، الآية من سورة هود : ١٨ ـ ٢٤.

٢٨٩

أي بولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام من عند الله (١).

* س ١٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٦) [هود : ١٦ ـ ١٥]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القميّ : من عمل الخير على أن يعطيه الله ثوابه في الدنيا ، أعطاه ثوابه في الدنيا ، وكان له في الآخرة النّار (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «سأل رجل أبي بعد منصرفه من الموقف ، فقال : أترى يجيب الله هذا الخلق كلّه؟

فقال أبي : ما وقف بهذا الموقف أحد إلا غفر الله له ، مؤمنا كان أو كافرا ، إلّا أنّهم في مغفرتهم على ثلاث منازل ـ وذكر المنازل الثلاث فقال في الثالثة ـ وكافر وقف هذا الموقف ، زينة الحياة الدنيا ، غفر الله له ما تقدم من ذنبه ، إن تاب من الشّرك فيما بقي من عمره ، وإن لم يتب وفّاه أجره ولم يحرمه أجر هذا الموقف ، وذلك قوله عزوجل : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ)(٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها) يعني فلانا وفلانا (نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها)(٤).

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٢٤.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٢٤.

(٣) الكافي : ج ٤ ، ص ٥٢١ ، ح ١٠.

(٤) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ١٤٢ ، ح ١١ ، تقدم الحديث في تفسير الآيات (٢٠٠ ـ ٢٠٢) من سورة البقرة.

٢٩٠

* س ١٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) (١٧) [هود : ١٧]؟!

الجواب / قال الأصبغ بن نباته : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «لو كسرت لي الوسادة فقعدت عليها ، لقضيت بين أهل التّوراة بتوراتهم ، وأهل الإنجيل بإنجيلهم ، وأهل الزّبور بزبورهم ، وأهل الفرقان بفرقانهم ، بقضاء يصعد إلى الله يزهر. والله ما نزلت آية في كتاب الله ، في ليل أو نهار ، إلّا وقد علمت فيمن أنزلت ، ولا أحد ممّن مرّت على رأسه المواسي من قريش إلّا وقد أنزلت فيه آية من كتاب الله ، تسوقه إلى الجنّة أو النّار».

فقام إليه رجل ، فقال : يا أمير المؤمنين ، ما الآية التي نزلت فيك؟ قال : «أما سمعت الله يقول : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على بيّنة من ربّه ، وأنا الشّاهد له ، وأتلوه منه» (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ في خطبة له ـ : «وقال في محكم كتابه : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً)(٢) فقرن طاعته بطاعته ، ومعصيته بمعصيته ، فكان ذلك دليلا على ما فوّض إليه ، وشاهدا له على من اتّبعه وعصاه. وبيّن ذلك في غير موضع من الكتاب العظيم ، فقال تبارك وتعالى ، في التّحريض على اتّباعه ، والترغيب في تصديقه والقبول لدعوته : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ

__________________

(١) بصائر الدرجات : ص ١٥٢ ، ح ٢.

(٢) النساء : ٨٠.

٢٩١

ذُنُوبَكُمْ)(١) فاتّباعه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم محبّة الله ، ورضاه غفران الذنوب وكمال الفوز ووجوب الجنّة ، وفي التولّي عنه والإعراض محادّة الله وغضبه وسخطه. والبعد منه سكن النار ، وذلك قوله تعالى : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ) يعني الجحود به والعصيان له» (٢).

وقد مضى حديث في معنى الآية ، عن العيّاشي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ) الآية : ليطلب هناك (٣) ...

* س ١٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٨) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (١٩) أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ (٢٠) أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) (٢١) [هود : ٢١ ـ ١٨]؟!

الجواب / قال أبو عبيدة : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ) إلى قوله : (يَبْغُونَها عِوَجاً).

قال : «أي يطلبون لسبيل الله زيغا عن الاستقامة ، يحرّفونها بالتأويل ويصفونها بالانحراف عن الحقّ والصواب».

__________________

(١) آل عمران : ٣١.

(٢) الكافي : ج ٨ ، ص ٢٦ ، ح ٤.

(٣) تقدم في الحديث من تفسير الآية (١٢) من هذه السورة.

٢٩٢

وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إن الله تعالى فرض على الخلق خمسة ، فأخذوا أربعة وتركوا واحدا ، فسألوا عن الأربعة ، قال : الصلاة والزكاة والحجّ والصوم». قالوا : فما الواحد الذي تركوا؟ قال : «ولاية علي بن أبي طالب» قالوا : هي واجبة من الله تعالى؟ قال : «نعم ، قال الله : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) الآيات (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَيَقُولُ الْأَشْهادُ).

«هم الأئمّة عليهم‌السلام : (هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ)(٢).

وقال علي بن إبراهيم ، في معنى الآية : يعني بالأشهاد الأئمّة عليهم‌السلام ، (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) لآل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حقّهم. ثمّ قال : وقوله : (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً) يعني يصدّون عن طريق الله ، وهي الإمامة (وَيَبْغُونَها عِوَجاً) يعني حرّفوها إلى غيرها.

ثمّ قال : وقوله : (ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ) قال : ما قدروا أن يسمعوا بذكر أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ثمّ قال : وقوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَ) أي بطل (عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) يعني يوم القيامة ، بطل الذي يدعونه غير أمير المؤمنين عليه‌السلام (٣).

* س ١٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) (٢٢) [هود : ٢٢]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : معنى (لا جَرَمَ) : معنى (لا) نفي لما

__________________

(١) مناقب ابن شهر آشوب ج ٣ ، ص ١٩٩.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ١٤٢ ، ح ١١.

(٣) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٢٥.

٢٩٣

ظنوه أنه ينفعهم كأن المعنى لا ينفعهم ذلك. ثم ابتدأ (جَرَمَ أَنَّهُمْ) أي كسب ذلك الفعل لهم الخسران.

قال غيره : معناه لا بد أنهم ، ولا محالة أنهم. وقيل : معناه حقا أنهم. وأصل «الجرم» القطع فكأنه قال لأقطع من أنهم في الآخرة هم الأخسرون و (جَرَمَ) في قوله (لا جَرَمَ) فعل ، وتقديره لا قطع قاطع عن ذا ، إلا أنهم كثر في كلامهم حتى صار كالمثل وهو من قول الشاعر :

ولقد طعنت أبا عيينة طعنة

جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا

***

أي قطعتهم إلى الغضب ، فرواية الفراء نصب فزارة ، والمعنى كسبهم أن يغضبوا ، وخسران النفس يتعاظم ، لأن خسران النفس بعذاب دائم أعظم من خسرانها بعذاب منقطع ، و (أَنَّهُمْ) في قوله (هُمُ الْأَخْسَرُونَ) يحتمل أن يكون فصلا والأخسرون خبر «أن» و «هم» إذا كانت فصلا لم تقع في النكرة. وقولهم : ما كانوا في الدار هم القائمون. فلا يكون إلا اسما ، فإن جعلتهما فصلا قلت : كانوا في الدار هم القائمون (١).

* س ١٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٢٣) [هود : ٢٣]؟!

الجواب / قال أبو أسامة زيد الشحّام ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ عندنا رجلا يسمّى كليبا ، فلا يخرج عنكم حديث ولا شيء إلّا قال : أنا أسلّم ، فسمّيناه : كليب تسليم؟ قال : فترحّم عليه ، وقال : «أتدرون ما

__________________

(١) التبيان : ج ٥ ، ص ٤٤٦.

٢٩٤

التسليم؟» فسكتنا ، فقال : «هو والله الإخبات ، قول الله عزوجل : (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ)(١).

وقال علي بن إبراهيم القمي : وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ) أي تواضعوا لله وعبدوه (٢).

* س ١٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (٢٤) [هود : ٢٤]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسيّ : المثل قول سائر يشبه فيه حال الثاني بحال الأول ، والأمثال لا تغير عن صورتها كقولك للرجل «أطرى أنك ناعلة» وكذلك يقال للكافر : هو أعمى أصم أي هو بمنزلة الذين قيل لهم هذا القول ، ويجري هذا في كل كافر يأتي من بعد.

و (الواو) في قوله (كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِ) قيل في دخولها قولان :

١ ـ العموم في التشبيه أي حال الكافر كحال الأعمى وكحال الأصم وكحال من جمع العمى والصمم.

٢ ـ أن المعنى واحد ، وإنما دخلت الواو لاتصال الصفة الأولى بعلامة.

وإنما قال : هل يستويان ، لأنه أراد الفريقين : الموصوف أحدهما بالصم والعمى ، والآخر بالبصر والسمع. وفائدة الآية تشبيه المؤمن والكافر في تباعد ما بينهما فشبههما ، بالأعمى والبصير ، والأصم والسميع ، فالكافر كالأعمى والأصم في أنه لا يبصر طريق الرشد ، ولا يسمع الحق ، وأنه مع ذلك على

__________________

(١) مختصر بصائر الدرجات : ص ٧٥.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٢٥.

٢٩٥

صفة النقص ، والصمم عبارة عن فساد آلة السمع ، ولو كان معنى يضاد السمع لتعاقبا على الحي ، والأمر بخلافه ، لأنه قد ينتفي حال الصمم ولا يكون سامعا ، وكذلك العمى عبارة عن فساد آلة الرؤية ، وليس بمعنى يضاد الإبصار ، لأن الصحيح أن الإدراك أيضا ليس بمعنى ، ولو كان معنى لما وجب أن يكون العمى ضده. لأنه لو كان ضده لعاقبه على حال الحي وكان يجوز أن يحضر المرئي من الأجسام الكثيفة من غير ساتر فلا يرى مع حصول شروط الإدراك لأجل وجود الضد ، وكذلك الصمم ، ولا ضد له لأنه ليس هنا حال يعاقبه على حال مخصوصة كمعاقبة العجز والقدرة على حال الحياة.

وقوله (هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً) وإن كان بصورة الاستفهام فهو لضرب من التوبيخ والتقريع. وقوله (أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ) معناه أفلا تتفكرون في ذلك فتعلموا صحة ما ذكرنا (١).

* س ١٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٥) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٢٦) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (٢٧) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ)(٢٨) [هود : ٢٨ ـ ٢٥]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ : لما تقدم ذكر الوعد والوعيد ، والترغيب والترهيب ، عقب ذلك سبحانه بذكر أخبار الأنبياء ، تأكيدا لذلك ، وتخويفا

__________________

(١) التبيان : ج ٥ ، ص ٤٦٨.

٢٩٦

للقوم ، وتسلية للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبدأ بقصة نوح عليه‌السلام فقال : (لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) وقد مر بيانه (أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) أي : أنذركم أن لا تعبدوا إلا الله ، عن الزجاج ، يريد أن توحدوا الله وتتركوا عبادة غيره. وبدأ بالدعاء إلى الإخلاص في العبادة.

وقيل : إنه دعاهم إلى التوحيد ، لأنه من أهم الأمور إذ لا يصح شيء من العبادات إلا بعد التوحيد.

(إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ) إنما قال (أَخافُ) مع أن عقاب الكفار مقطوع عليه ، لأنه لم يعلم ما يؤول إليه عقابة أمرهم ، من إيمان أو كفر ، وهذا لطف في الاستدعاء ، وأقرب إلى الإجابة في الغالب (فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) أي : من قوم نوح لنوح عليه‌السلام : (ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا) ظنا منهم أن الرسول إنما يكون من غير جنس المرسل إليه ، ولم يعلموا أن البعثة من الجنس قد تكون أصلح ، ومن الشبهة أبعد (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا) أي : لم يتبعك الملأ ، والأشراف ، والرؤساء منا ، وإنما اتبعك أخساؤنا الذين لا مال لهم ، ولا جاه (بادِيَ الرَّأْيِ) أي : في ظاهر الأمر ، والرأي ، لم يتدبروا ما قلت ، ولم يتفكروا فيه.

وقال الزجاج : معناه اتبعوك في الظاهر ، وباطنهم على خلاف ذلك. ومن قرأ بالهمز : فالمعنى أنهم اتبعوك ابتداء الرأي أي : حين ابتدأوا ينظرون ، ولو فكروا لم يتبعوك. وقيل : معناه إن في مبتدأ وقوع الرؤية عليهم يعلم أنهم أراذلنا وأسافلنا (وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ) أي : وما نرى لك ولقومك علينا من فضل ، فإن الفضل إنما يكون في كثرة المال والمنزلة في الدنيا ، والشرف في النسب ، وإنما قالوا ذلك لأنهم جهلوا طريقة الاستدلال ، ولو استدلوا بالمعجزات الدالة على نبوته ، لعلموا أنه نبي ، وأن من آمن به مؤمن ، ومن خالفه كافر ، وعرفوا حقيقة الفضل ، وهكذا عادة أرباب الدنيا ،

٢٩٧

يستحقرون أرباب الدين إذا كانوا فقراء ، ويسترذلونهم ، وإن كانوا هم الأكرمين الأفضلين عند الله سبحانه (بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) هذا تمام الحكاية ، عن كفار قوم نوح ، قالوه لنوح ، ومن آمن به (قالَ) نوح لقومه (يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) أي : على برهان وحجة يشهد بصحة النبوة وهي المعجزة. وقال ابن عباس : على بينة ، أي : على يقين وبصيرة ، ومعرفة من ربوبية ربي وعظمته. واختلف في قول نوح عليه‌السلام هذا أنه جواب عماذا ، فقيل : إنه جواب عن قولهم : (بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) فكأنه قال : بل هو جواب عن قولهم : (ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا) أي : وإن كنت بشرا فما ذا تقولون إذا أتيتكم بحجة دالة على صدقي ألا تصدقوني؟

وفيه بيان أن الرسالة إنما تظهر بالمعجزة ، فلا معنى لاعتبار البشرية. وقيل : هو جواب عن قولهم (ما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا) فكأنه قال أنهم اعتصموا بالله ، وبما آتاهم من البينة والرحمة ، فنالا بذلك الرفعة والفضل ، وأنتم قنعتم بالدنيا الدنية الفانية ، فأنتم في الحقيقة الأراذل لا هم. وقيل : هو جواب عن قولهم : (وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ) فكأنه قال : لا تتبعوا المال والجاه ، فإن الواجب اتباع الحجة والدلالة. ويجوز أن يكون جوابا عن جميع ذلك.

(وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ) رد عليهم بهذا جميع ما ادعوه. والرحمة والنعمة هي ههنا النبوة أي وأعطاني نبوة من عنده (فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ) أي : خفيت عليكم لقلة تدبركم فيها. (أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ) أي : أتريدون مني أن أكرهكم على المعرفة ، وألجئكم إليها ، على كره منكم؟ هذا غير مقدور لي. والهاء كناية عن الرحمة ، فيدخل فيها النبوة ، والدين ، وسائر النعم. وقيل : معناه أنلزمكم قبولها ، فحذف المضاف. ويجوز أن يكون الهاء كناية عن البينة. ويكون المراد : إن علي أن أدلكم بالبينة ، وليس علي أن

٢٩٨

أضطركم إلى معرفتها (١).

* س ٢٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٩) وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٣٠) وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً اللهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) (٣١) [هود : ٣١ ـ ٢٩]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ : ثم أنكر نوح استثقالهم بالتكليف ، والعاقل ، إنما يستثقل الأمر إذا ألزمته مؤنة ثقله ، فقطع هذا العذر بقوله : (وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً) أي لا أطلب منكم على دعائكم لي الله أجرا ، فتمتنعون من إجابتي خوفا من أخذ المال (إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ) أي : ما ثوابي ، وما أجري في ذلك ، إلّا على الله (وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا) أي : لست أطرد المؤمنين من عندي ، ولا أبعدهم على وجه الإهانة. وقيل : إنهم كانوا سألوه طردهم ليؤمنوا له ، أنفة من أن يكونوا معهم على سواء ، (إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) وهذا يدل على أنهم سألوه طردهم ، فأعلمهم أنه يطردهم لأنهم ملاقوا ربهم. فيجازي من ظلمهم ، وطردهم بجزائه من العذاب ، وقيل : معناه إنهم ملاقوا ثواب ربهم ، فكيف يكونون أراذل؟ وكيف يجوز طردهم ، وهم لا يستحقون ذلك؟ ... (وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ) الحق وأهله. وقيل : معناه تجهلون أن الناس إنما يتفاضلون بالدين ، لا بالدنيا. وقيل : تجهلون فيما تسألون من طرد المؤمنين (وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ) معناه :

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٥ ، ص ٢٦٤ ـ ٢٦٥.

٢٩٩

من يمنعني من عذاب الله إن أنا طردت المؤمنين ، فكانوا خصمائي عند الله في الآخرة (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) أي : أفلا تتفكرون فتعلمون أن الأمر على ما قلته؟ وفرق علي بن عيسى بين التفكر والتذكر ، بأن التذكر طلب معنى قد كان حاضرا للنفس. والتفكر طلب معرفة الشيء بالقلب ، وإن لم يكن حاضرا للنفس. وليست النصرة المذكورة في الآية من الشفاعة في شيء ، لأن النصرة : هي المنع على وجه المغالبة ، والقهر. والشفاعة هي المسألة على وجه الخضوع ، فلا دلالة في الآية على نفي الشفاعة للمذنبين ، على ما قال بعضهم (وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) هذا تمام الحكاية عما قاله نوح لقومه ، ومعناه : إني لا أرفع نفسي فوق قدرها ، فأدعي أن عندي مقدورات الله تعالى ، فأفعل ما أشاء ، وأعطي ما أشاء ، وأمنع من أشاء ... وقيل : خزائن الله : مفاتيح الله في الرزق. وهذا جواب لقولهم : (ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا) أو قولهم : (وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) أي : ولا أدعي علم الغيب حتى أدلكم على منافعكم ومضاركم. وقيل : لا أعلم الغيب فأعلم ما تسرونه في نفوسكم ، فيكون جوابا لقولهم إن هؤلاء الذين آمنوا بك ، اتبعوك في ظاهر ما ترى منهم أي : فسبيلي قبول إيمانهم الذي ظهر لي ، ولا يعلم ما يضمرونه إلا الله تعالى (وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ) فأخبركم بخبر السماء من قبل نفسي ، وإنما أنا بشر لا أعلم الأشياء من غير تعليم الله تعالى. وقيل : معناه لا أقول إني روحاني غير مخلوق من ذكر وأنثى ، بل أنا بشر مثلكم خصني الله بالرسالة (وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ) أي : لا أقول لهؤلاء المؤمنين الذين تستقلونهم ، وتستخفونهم ، وتحتقرهم أعينكم ، لما ترون عليهم من زي الفقراء (لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً) أي : لا يعطيهم الله في المستقبل خيرا على أعمالهم ، ولا يثيبهم عليها ، بل أعطاهم الله كل خير في الدنيا من التوفيق ، ويعطيهم كل خير في الآخرة من الثواب (اللهُ أَعْلَمُ بِما فِي

٣٠٠