التيسير في التفسير للقرآن - ج ٣

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٣

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٢

أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ)(١) ، وقال عزوجل : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ)(٢) ، وقال : (وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ)(٣) ، وقال : (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً)(٤) ، فهذا ما فرض الله على السّمع من الإيمان أن لا يصغي إلى ما لا يحلّ له ، وهو عمله ، وهو من الإيمان.

وفرض على البصر أن لا ينظر إلى ما حرّم الله عليه ، وأن يعرض عمّا نهى الله عنه ممّا لا يحلّ له ، وهو عمله ، وهو من الإيمان ، فقال تبارك وتعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ)(٥) ، فنهاهم أن ينظروا إلى عوراتهم ، وأن ينظر المرء إلى فرج أخيه ، ويحفظ فرجه أن ينظر إليه ، وقال : (وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَ)(٦) ، من أن تنظر إحداهنّ إلى فرج أختها ، وتحفظ فرجها من أن تنظر إليها». وقال : «كلّ شيء في القرآن من حفظ الفرج فهو من الزّنا إلّا هذه الآية فإنها من النّظر.

ثم نظم ما فرض على القلب واللّسان والسّمع والبصر في آية أخرى ، فقال : (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ)(٧) ، يعني بالجلود الفروج والأفخاذ ، وقال : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ

__________________

(١) الزمر : ١٧ ـ ١٨.

(٢) المؤمنون : ١ ـ ٤.

(٣) القصص : ٥٥.

(٤) الفرقان : ٧٢.

(٥) النور : ٣٠.

(٦) النور : ٣١.

(٧) فصلت : ٢٢.

٢٠١

وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً)(١) ، فهذا ما فرض الله على العينين من غضّ البصر عمّا حرّم الله عزوجل ، وهو عملهما ، وهو من الإيمان.

وفرض على اليدين أن لا يبطش بهما إلى ما حرّم الله ، وأن يبطش بهما إلى ما أمر الله عزوجل ، وفرض عليهما من الصّدقة وصلة الرّحم والجهاد في سبيل الله والطّهور للصّلاة ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ)(٢) ، وقال : (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها)(٣) ، فهذا ما فرض الله على اليدين ، لأنّ الضّرب من علاجهما.

وفرض على الرّجلين أن لا يمشي بهما إلى شيء من معاصي الله ، وفرض عليهما المشي إلى ما يرضي الله عزوجل ، فقال : (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولاً)(٤) ، وقال : (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)(٥) ، وقال فيما شهدت الأيدي والأرجل على أنفسهما وعلى أربابهما من تضييعهم لما أمر الله عزوجل به ، وفرضه عليهما (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ)(٦) فهذا أيضا ممّا فرض الله على اليدين وعلى الرّجلين ، وهو عملهما ، وهو من الإيمان.

__________________

(١) الإسراء : ٣٦.

(٢) المائدة : ٦.

(٣) محمد : ٤.

(٤) الإسراء : ٣٧.

(٥) لقمان : ١٩.

(٦) يس : ٦٥.

٢٠٢

وفرض على الوجه السّجود له بالليل والنّهار في مواقيت الصّلوات ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(١) وهذه فريضة جامعة على الوجه واليدين والرّجلين ، وقال في موضع آخر : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ)(٢).

وقال فيما فرض الله على الجوارح من الطّهور والصّلاة بها ، وذلك أنّ الله عزوجل لمّا صرف نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الكعبة عن بيت المقدس ، وأنزل الله عزوجل : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ)(٣) فسمّى الصلاة إيمانا ، فمن لقي الله عزوجل حافظا لجوارحه ، موفيا كلّ جارحة من جوارحه ما فرض الله عزوجل عليها لقي الله عزوجل مستكملا لإيمانه ، وهو من أهل الجنّة ، ومن خان في شيء منها أو تعدّى ما أمر الله عزوجل فيها لقي الله عزوجل ناقص الإيمان».

قال : قلت : قد فهمت نقصان الإيمان وتمامه ، فمن أين جاءت زيادته؟ فقال : «قول الله عزوجل : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ). وقال : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً)(٤) ولو كان كلّه واحدا لا زيادة فيه ولا نقصان لم يكن لأحد منهم فضل على الآخر ، ولا ستوت النّعم فيه ، ولا ستوى الناس وبطل التّفضيل ، ولكن بتمام الإيمان دخل المؤمنون الجنّة ،

__________________

(١) الحج : ٧٧.

(٢) الجن : ١٨.

(٣) البقرة : ١٤٣.

(٤) الكهف : ١٣.

٢٠٣

وبالزيادة في الإيمان تفاضل المؤمنون بالدّرجات عند الله ، وبالنقصان دخل المفرّطون النّار» (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) : «شكّا إلى شكّهم» (٢).

* س ٨١ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٢٦) وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (١٢٧) لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٢٨) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) (١٢٩) [سورة التوبة : ١٢٩ ـ ١٢٦]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم في قوله تعالى : (أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ) قال : أي يمرضون (ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ) ، قال : وقوله تعالى : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ) يعني المنافقين (ثُمَّ انْصَرَفُوا) أي تفرّقوا (صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) عن الحقّ إلى الباطل باختيارهم الباطل على الحقّ.

ثم خاطب الله عزوجل الناس ، واحتجّ عليهم برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) أي مثلكم في الخلقة ، ويقرأ «من أنفسكم» أي من أشرفكم (عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ) أي ما أنكرتم وجحدتم (حَرِيصٌ

__________________

(١) الكافي : ص ٢٨ ، ح ١.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ١١٨ ، ح ١٦٤.

٢٠٤

عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ).

ثم عطف على النّبي بالمخاطبة ، فقال : (فَإِنْ تَوَلَّوْا) يا محمد عمّا تدعوهم إليه : (فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)(١).

وقال عبد الله بن سليمان : تلا أبو جعفر عليه‌السلام هذه الآية (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) ، قال : «من أنفسنا» قال : (عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ) ، قال : (حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ) ، قال : «علينا». (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) ، قال : (بشيعتنا رءوف رحيم) فلنا ثلاثة أرباعها ، ولشيعتنا ربعها» (٢).

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٠٨.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ١١٨ ، ح ١٦٦.

٢٠٥
٢٠٦

تفسير

سورة يونس

رقم السورة ـ ١٠ ـ

٢٠٧
٢٠٨

سورة يونس

* س ١ : ما هو فضل سورة يونس؟!

الجواب / ١ ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من قرأ هذه السورة أعطي من الأجر الحسنات بعدد من كذّب يونس عليه‌السلام وصدّق به ، ومن كتبها وجعلها في منزله وسمّى جميع من في الدّار وكان بهم عيوب ظهرت ، ومن كتبها في طست وغسلها بماء نظيف وعجن بها دقيقا على أسماء المتّهمين وخبزه ، وكسر لكلّ واحد منهم قطعة وأكلها المتّهم ، فلا يكاد يبلعها ، ولا يبلعها أبدا ويقرّ بالسّرقة» (١).

٢ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من قرأ سورة يونس في كلّ شهرين أو ثلاثة لم يخف عليه أن يكون من الجاهلين ، وكان يوم القيامة من المقرّبين» (٢).

* س ٢ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (١) أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قالَ الْكافِرُونَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ) (٢) [يونس : ٢ ـ ١]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام في معنى (الر) : «معناه أنا الله الرءوف» (٣).

__________________

(١) خواص القرآن : ٢ «قطعه منه».

(٢) ثواب الأعمال : ص ١٠٦.

(٣) معاني الأخبار : ص ٢٢ ، ح ١.

٢٠٩

وقال علي بن إبراهيم القميّ : (الر) هو حرف من حروف الاسم الأعظم المقطّع في القرآن ، فإذا ألّفه الرسول أو الإمام فدعا به أجيب ، ثمّ قال : (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ) يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ)(١).

وفي قوله تعالى : (قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) :

قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «هو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (٢).

وقال عليه‌السلام أيضا : «ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام» (٣).

وقال الطّبرسي : قيل : إنّ معنى (قَدَمَ صِدْقٍ) شفاعة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم يوم القيامة. قال : وهو المرويّ عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٤).

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (٣) [يونس : ٣]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ الله خلق الخير يوم الأحد ، وما كان ليخلق الشرّ قبل الخير ، وفي يوم الأحد والاثنين خلق الأرضين ، وخلق أقواتها في يوم الثلاثاء ، وخلق السّماوات يوم الأربعاء ويوم الخميس ، وخلق أقواتها يوم الجمعة ، وذلك قول الله عزوجل : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ)(٥)» (٦).

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٠٨.

(٢) تفسير العيّاشيّ : ج ٢ ، ص ١٢٠ ، ح ٥.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ٣٤٩ ، ح ٥٠.

(٤) مجمع البيان : ج ٥ ، ص ١٣٤.

(٥) الفرقان : ٥٩ ، السجدة : ٤.

(٦) الكافي : ج ٨ ، ص ١٤٥ ، ح ١١٧.

٢١٠

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «إنّ الله خلق الشّهور اثني عشر شهرا ، وهي ثلاثمائة وستّون يوما ، فخرج منها ستة أيّام خلق فيها السماوات والأرض ، فمن ثمّ تقاصرت الشّهور» (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «إن الله جلّ ذكره وتقدّست أسماؤه خلق الأرض قبل السّماء ، ثمّ استوى على العرش لتدبير الأمور» (٢).

أما معنى استوى والعرش :

١ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام لعبد الرحمن بن الحجّاج عند ما سأله عن قول الله عزوجل : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى)(٣) : «استوى في كلّ شيء ، فليس شيء أقرب إليه من شيء ، لم يبعد منه بعيد ولم يقرب منه قريب ، استوى في كلّ شيء» (٤).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «بذلك وصف نفسه ، وكذلك هو مستول على العرش ، بائن من خلقه ، من غير أن يكون العرش حاملا له ، ولا أنّ العرش حاو له ، ولا أنّ العرش محلّ له ، لكنّا نقول : هو حامل العرش ، وممسك للعرش ونقول في ذلك ما قال : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ)(٥) ، فثبّتنا من العرش والكرسيّ ما ثبّته ، ونفينا أن يكون العرش والكرسيّ حاويا له ، وأن يكون عزوجل محتاجا إلى مكان ، أو إلى شيء ممّا خلق ، بل خلقه محتاجون إليه» (٦).

__________________

(١) تفسير العيّاشيّ : ج ٢ ، ص ١٢٠ ، ح ٧.

(٢) تفسير العيّاشيّ : ج ٢ ، ص ١٢٠ ، ح ٨.

(٣) طه : ٥.

(٤) التوحيد : ص ٣١٧ ، ح ٦٢٥.

(٥) البقرة : ٢٥٥.

(٦) الاحتجاج : ص ٣٣٢.

٢١١

٢ ـ قال حنان بن سدير : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن العرش والكرسيّ؟!

فقال عليه‌السلام : «إنّ للعرش صفات كثيرة مختلفة ، له في كلّ سبب وضع في القرآن صفة على حدة. فقوله : (رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) يقول ربّ الملك العظيم ، وقوله (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) يقول : على الملك احتوى (١).

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) (٤) [يونس : ٤]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) المرجع يحتمل معنيين أحدهما : أن يكونا بمعنى المصدر الذي هو الرجوع. والآخر : أن يكون بمعنى موضع الرجوع أي : إليه موضع رجوعكم يكون إذا شاء (وَعْدَ اللهِ حَقًّا) أي : وعد الله تعالى ذلك عباده ، وعدا حقا صدقا (إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) أي : يبتدىء الخلق ابتداء ، ثم يعيدهم بعد موتهم (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي : ليؤتيهم جزاء أعمالهم (بِالْقِسْطِ) أي : بالعدل ، لا ينقص من أجورهم شيئا (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ) أي : ماء حار قد انتهى حره في النار (وَعَذابٌ أَلِيمٌ) وجيع (بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) أي : جزاء على كفرهم.

__________________

(١) التوحيد : ص ٣٢١ ، ح ١.

٢١٢

أما وجه اتصال هذه الآية بما قبلها : أنه قال : أكان للناس عجبا؟ قالوا : وكيف لا نعجب ، ولا علم لنا بالمرسل؟ فقال : إن ربكم الله ، ويجوز أن يكون على أنه لما قال أكان للناس عجبا ، وكان هذا حكما على الله سبحانه ، فكأنه قال : أفتحكمون عليه وهو ربكم.

قال الأصم : ويحتمل أن يكون هذا ابتداء خطاب للخلق جميعا ، احتج الله بها على عباده بما بين من بدائع صنعه في السماوات والأرض ، وفي أنفسهم (١).

* س ٥ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (٥) [يونس : ٥]؟!

الجواب / قال أبو ذرّ الغفاري (رحمه‌الله) : كنت آخذا بيد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحن نتماشى جميعا ، فما زلنا ننظر إلى الشّمس حتّى غابت ، فقلت : يا رسول الله ، أين تغيب؟

قال : «في السّماء ، ثمّ ترفع من سماء إلى سماء ، حتّى ترفع إلى السّماء السابعة العليا ، حتى تكون تحت العرش ، فتخرّ ساجدة ، فتسجد معها الملائكة الموكّلون بها ، ثمّ تقول : يا ربّ ، من أين تأمرني أن أطلع ، أمن مشرقي أو من مغربي؟ فذلك قوله عزوجل : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)(٢) يعني بذلك صنع الربّ العزيز في ملكه ، العليم بخلقه ـ قال ـ فيأتيها جبرائيل عليه‌السلام بحلّة ضوء من نور العرش ، على مقدار ساعات

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٥ ، ص ١٥٦.

(٢) يس : ٣٨.

٢١٣

النهار ، على طوله في أيّام الصّيف ، أو قصره في الشّتاء ، أو ما بين ذلك في الخريف والرّبيع ـ قال ـ فتلبس تلك الحلّة كما يلبس أحدكم ثيابه ، ثمّ ينطلق بها في جوّ السّماء حتّى تطلع من مطلعها». قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فكأنّي بها وقد حبست مقدار ثلاث ليال ، ثمّ لا تكسى ضوءا وتؤمر أن تطلع من مغربها ، فذلك قوله عزوجل : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ)(١).

والقمر كذلك من مطلعه ومجراه في أفق السّماء ومغربه ، وارتفاعه إلى السّماء السابعة ، ويسجد تحت العرش ، ثمّ يأتيه جبرائيل بالحلّة من نور الكرسي ، فذلك قوله عزوجل : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً). قال أبو ذر (رحمه‌الله) : ثم اعتزلت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصلّينا المغرب (٢).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) (٦) [يونس : ٦]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : (إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : فعله فيهما على ما يقتضيه الحكمة في السماوات من الأفلاك ، والكواكب السيارة ، وغير السيارة ، وفي الأرض من الحيوان والنبات والجماد ، وأنواع الأرزاق ، والنعم (الآيات) أي : حججا ودلالات على وحدانية الله (لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) معاصي الله ، ويخافون عقابه. وخصهم بالذكر لاختصاصهم بالانتفاع بها (٣).

__________________

(١) التكوير : ١ ـ ٢.

(٢) التوحيد : ص ٢٨٠ ، ح ٧.

(٣) مجمع البيان : ج ٥ ، ص ١٥٨.

٢١٤

* س ٧ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ (٧) أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٨) [يونس : ٨ ـ ٧]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القميّ : قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) أي لا يؤمنون به (بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ) قال : الآيات : أمير المؤمنين والأئمّة عليهم‌السلام ، والدليل على ذلك قول أمير المؤمنين عليه‌السلام : «ما لله آية أكبر منّي» (١).

وقال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) : (أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ) أي : مستقرهم النار (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) من المعاصي (٢).

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (٩) [يونس : ٩]؟!

الجواب / قال عبد الله بن الفضل الهاشميّ ، سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام عن قول الله عزوجل : (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً)(٣).

فقال : «إنّ الله تبارك وتعالى يضلّ الظّالمين يوم القيامة عن دار كرامته ، ويهدي أهل الإيمان والعمل الصالح إلى جنّته ، كما قال عزوجل : (وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ)(٤) وقال عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٠٩.

(٢) مجمع البيان : ج ٥ ، ص ١٥٩.

(٣) الكهف : ١٧.

(٤) إبراهيم : ٢٧.

٢١٥

الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ)(١).

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٠) [يونس : ١٠]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : «إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل عن قول الله عزوجل : (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً)(٢).

فقال : يا عليّ ، إنّ الوفد لا يكونون إلّا ركبانا ، أولئك رجال اتّقوا الله فأحبّهم الله عزّ ذكره واختصّهم ورضي أعمالهم فسمّاهم المتّقين. ثمّ قال له : يا عليّ ، أما والذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة إنهم ليخرجون من قبورهم ، وإنّ الملائكة تستقبلهم بنوق من نوق الجنّة. عليها رحال الذّهب ، مكلّلة بالدرّ والياقوت ، وجلائلها الاستبرق والسّندس ، وخطمها جدل الأرجوان ، تطير بهم إلى المحشر ، مع كل رجل منهم ألف ملك من قدّامه وعن يمينه وعن شماله ، يزفّونهم زفا حتى ينتهوا بهم إلى باب الجنّة الأعظم. وعلى باب الجنّة شجرة ، إنّ الورقة منها ليستظلّ تحتها ألف رجل من الناس ، وعن يمين الشجرة عين مطهّرة مزكّية ـ قال ـ فيسقون منها شربة شربة فيطهّر الله بها قلوبهم من الحسد ، ويسقط عن أبشارهم الشعر وذلك قوله عزوجل : (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً)(٣) من تلك العين المطهّرة. قال : ثم يصرفون إلى عين أخرى عن يسار الشجرة ، فيغتسلون فيها ، وهي عين الحياة فلا يموتون أبدا.

قال : ثمّ يوقف بهم قدّام العرش ، وقد سلموا من الآفات والأسقام

__________________

(١) التوحيد : ص ٢٤١ ، ح ١.

(٢) مريم : ٨٥.

(٣) الإنسان : ٢١.

٢١٦

والحرّ والبرد أبدا.

قال : فيقول الجبار جلّ ذكره للملائكة الذين معهم احشروا أوليائي إلى الجنّة ، ولا توقفوهم مع الخلائق ، فقد سبق رضاي عنهم ، ووجبت رحمتي لهم ، وكيف أريد أن أوقفهم مع أصحاب الحسنات والسّيّئات! قال : فتسوقهم الملائكة إلى الجنّة».

وساق الحديث بطوله إلى أن قال في آخره ثم قال أبو جعفر عليه‌السلام : «أمّا الجنان المذكورة في الكتاب ، فإنّهنّ : جنّة عدن ، وجنّة الفردوس ، وجنة النّعيم ، وجنّة المأوى». قال : «فإن لله عزوجل جنانا محفوفة بهذه الجنّات ، وإن المؤمن ليكون له من الجنان ما أحبّ واشتهى ، يتنعّم فيهنّ كيف يشاء ، وإذا أراد المؤمن شيئا أو اشتهى إنما دعواه فيها إذا أراد ، أن يقول : سبحانك اللهمّ ، فإذا قالها تبادرت إليه الخدم بما اشتهى من غير أن يكون طلبه منهم أو أمر به ، وذلك قوله عزوجل : (دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) يعني الخدّام. قال : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) يعني بذلك عند ما يقضون من لذّاتهم من الجماع والطّعام والشّراب يحمدون الله عزوجل عند فراغهم» (١).

* س ١٠ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (١١) [يونس : ١١]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) ، قال : لو عجّل الله لهم الشّرّ كما يستعجلون الخير لقضي لهم أجلهم ، أي فرغ من أجلهم (٢).

__________________

(١) الكافي : ج ٨ ، ص ٩٥ ، ح ٦٩.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٠٩.

٢١٧

* س ١١ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٢) [يونس : ١٢]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : (دَعانا لِجَنْبِهِ) العليل الذي لا يقدر أن يجلس (أَوْ قاعِداً) ، قال : الذي لا يقدر أن يقوم (أَوْ قائِماً) ، قال : الصّحيح. وقوله : (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ) أي ترك ومرّ ونسي (كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ)(١).

* س ١٢ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (١٣) ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٤) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥) قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (١٦) [يونس : ١٦ ـ ١٣]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : في قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) ، قال : يعني عادا وثمود ومن أهلكه الله ، ثم قال : (ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) يعني حتى نرى ، فوضع النظر مكان الرّؤية.

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٠٩.

٢١٨

وقال : وقوله : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) قال : فإن قريشا قالت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ائتنا بقرآن غير هذا ، فإنّ هذا شيء تعلّمته من اليهود والنصارى ، قال الله : (قُلْ) لهم (لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) أي لقد لبثت فيكم أربعين سنة قبل أن يوحى إليّ ولم أتكلّم بشيء منه حتى أوحي إليّ (١).

ثم قال علي بن إبراهيم : وأمّا قوله (أَوْ بَدِّلْهُ) فإنه حدّثني الحسن بن علي ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن أبي السّفاتج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل (ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ) : «يعني أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب عليه‌السلام (قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) يعني في عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه‌السلام» (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لم يزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «إنّي أخاف إن عصيت ربّي عذاب يوم عظيم» حتى نزلت سورة الفتح فلم يعد إلى ذلك الكلام» (٣).

* س ١٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ) (١٧) [يونس : ١٧]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٠٩.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣١٠.

(٣) تفسير العياشيّ : ج ٢ ، ص ١٢٠ ، ح ١٢.

٢١٩

افْتَرى عَلَى اللهِ) أي : لا أحد أظلم ممن اخترع على الله (كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ) أي : المشركون .. فإن قيل : أليس من ادعى الربوبية أعظم ظلما من المدعي للنبوة؟

قلنا : إن المراد بقوله (مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) من كفر بالله تعالى ، فقد دخل فيه من ادعى الربوبية ، وغيره من أنواع الكفار ، فكأنه قال لا أحد أظلم من الكافر (١).

* س ١٤ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٨) وَما كانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (١٩) [يونس : ١٩ ـ ١٨]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : كانت قريش تعبد الأصنام ويقولون : إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى ، فإنّا لا نقدر على عبادة الله. فردّ الله عليهم ، فقال : قل لهم ، يا محمد : (أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ) أي ليس يعلم ، فوضع حرفا مكان حرف ، أي ليس له شريك يعبد.

وقال : قوله : (وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً) أي على مذهب واحد (فَاخْتَلَفُوا وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) أي كان ذلك في علم الله السابق أن يختلفوا ، وبعث فيهم الأنبياء والأئمّة بعد الأنبياء ، ولو لا ذلك لهلكوا عند اختلافهم (٢).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٥ ، ص ١٦٧.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣١٠.

٢٢٠