التيسير في التفسير للقرآن - ج ٣

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٣

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٢

وفخرها تريد أن تطفىء نور الله ، ويأبى الله إلّا أن يتمّ نوره ، وخرج أبو جهل من بين الصفّين ، وقال : اللهمّ ، إن محمدا أقطعنا للرحم ، وآتانا بما لا نعرفه فأحنه (١) الغداة ، فأنزل الله على رسوله : (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ)(٢). ثم أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كفّا من حصى ورمى به في وجوه قريش ، وقال : «شاهت الوجوه «فبعث الله رياحا تضرب في وجوه قريش ، فكانت الهزيمة. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اللهمّ لا يفلتنّ فرعون هذه الأمة أبو جهل بن هشام ، فقتل منهم سبعون وأسر منهم سبعون ، والتقى عمرو بن الجموح مع أبي جهل ، فضرب عمرو أبا جهل على فخذه ، وضرب أبو جهل عمرا على يده ، فأبانها من العضد ، فتعلّقت بجلدة فاتّكأ عمرو على يده برجله ، ثم نزا في السّماء حتى انقطعت الجلدة ، ورمى بيده.

وقال عبد الله بن مسعود : انتهيت إلى أبي جهل وهو يشتحّط في دمه ، فقلت : الحمد لله الذي أخزاك ، فرفع رأسه ، فقال : إنّما أخزى الله عبد بن أمّ عبد ، لمن الدائرة ويلك. قلت : لله ولرسوله ، وإني قاتلك ، ووضعت رجلي على عنقه. فقال ؛ ارتقيت مرتقى صعبا يا رويعي الغنم ، أما إنه ليس شيء أشدّ من قتلك إياي في هذا اليوم ، ألا تولّى قتلي رجل من المطيّبين أو رجل من الأحلاف (٣). فاقتلعت بيضة كانت على رأسه فقتلته ، وأخذت رأسه وجئت به

__________________

(١) الحين : الهلاك ، وأحنه : أهلكه «القاموس المحيط ٤ : ٢١٩».

(٢) الأنفال ٨ : ١٩.

(٣) لما أرادت بنو عبد مناف أخذ ما في أيدي عبد الدار من الحجامة والرّفادة واللواء والسّقاية ، وأبت عبد الدار ، عقد كل قوم على أمرهم حلفا مؤكّدا على أن لا يتخاذلوا ، فاجتمع بنو عبد مناف وبنو زهرة وتيم وأسد ، وجعلوا طيبا في جفنة وغمسوا أيديهم فيه ، وتحالفوا على التناصر والأخذ للمظلوم من الظالم ، فسمّوا المطيّبين ، وتعاقدت بنو عبد الدار مع جمح ومخزوم وعديّ وكعب وسهم حلفا آخر مؤكّدا ، فسمّوا الأحلاف لذلك. «النهاية ١ : ٤٢٥ و ٣ : ١٤٩».

٢١

إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقلت : يا رسول الله ، البشرى هذا رأس أبي جهل بن هشام ، فسجد لله شكرا.

وأسر أبو بشر الأنصاري العبّاس بن عبد المطّلب ، وعقيل بن أبي طالب ، وجاء بهما إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال له : «هل أعانك عليهما أحد؟» قال : نعم ، رجل عليه ثياب بيض. فقال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ذلك من الملائكة».

ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للعبّاس : «افد نفسك وابن أخيك». فقال : يا رسول الله ، قد كنت أسلمت ، ولكن القوم استكرهوني. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الله أعلم بإسلامك ، إن يكن ما تذكر حقّا فإن الله يجزيك عليه ، وأما ظاهر أمرك فقد كنت علينا». ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا عبّاس ، إنكم خاصمتم الله فخصمكم». ثم قال : «أفد نفسك وابن أخيك». وقد كان العباس أخذ معه أربعين أوقيّة من ذهب ، فغنمها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للعبّاس : «افد نفسك». قال : يا رسول الله ، احسبها من فدائي. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا ، ذاك شيء أعطانا الله منك ، فافد نفسك وابن أخيك» فقال العبّاس : فليس لي مال غير الذي ذهب منّي. فقال : «بلى ، المال الذي خلّفته عند أمّ الفضل بمكّة ، فقلت لها : إن حدث عليّ حدث فاقسموه بينكم». فقال له : تتركني وأنا أسأل الناس بكفّي. فأنزل الله على رسوله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(١) ، ثمّ قال : (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ) في عليّ (فَقَدْ خانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(٢).

ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعقيل : «قد قتل الله ـ يا أبا يزيد ـ أبا جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ومنبّه ونبيه ابني الحجاج ونوفل بن

__________________

(١) الأنفال ٨ : ٧٠.

(٢) الأنفال ٨ : ٧١.

٢٢

خويلد ، وأسر سهيل بن عمرو والنّضر بن الحارث بن كلدة وعقبة بن أبي معيط» وفلان وفلان.

فقال عقيل : إذن لا تنازعوا في تهامة ، فإن كنت قد أثخنت القوم وإلّا فاركب أكتافهم. فتبسّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قوله.

وكان القتلى ببدر سبعين والأسرى سبعين ، قتل منهم أمير المؤمنين عليه‌السلام سبعة وعشرين ، ولم يأسر أحدا ، فجمعوا الأسارى وقرنوهم في الحبال ، وساقوهم على أقدامهم ، وجمعوا الغنائم ، وقتل من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسعة رجال ، فيهم سعد بن خيثمة ، وكان من النقباء.

فرحل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونزل الأثيل (١) عند غروب الشمس ، وهو من بدر على ستّة أميال ، فنظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى عقبة بن أبي معيط والنّضر بن الحارث بن كلدة ، وهما في قران واحد ، فقال النّضر لعقبة : يا عقبة ، أنا وأنت مقتولان. قال عقبة : من بين قريش! قال : نعم ، لأنّ محمدا قد نظر إلينا نظرة رأيت فيها القتل. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا عليّ ، عليّ بالنّضر وعقبة» وكان النّضر رجلا جميلا عليه شعر ، فجاء علي عليه‌السلام فأخذ بشعره فجرّه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فقال النّضر : يا محمّد ، أسألك بالرّحم الذي بيني وبينك إلّا أجريتني كرجل من قريش إن قتلتهم قتلتني ، وإن فاديتهم فاديتني ، وإن أطلقتهم أطلقتني. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا رحم بيني وبينك ، قطع الله الرحم بالإسلام ، قدّمه يا علي فاضرب عنقه». فقدّمه وضرب عنقه. فقال عقبة : يا محمّد ، ألم تقل : لا تصبر قريش! أي لا يقتلون صبرا. قال : «أفأنت من قريش! إنما أنت علج من أهل صفّورية (٢) ، لأنت من الميلاد أكبر من أبيك

__________________

(١) الأثيل : موضع قرب المدينة. «معجم البلدان ١ : ٩٤».

(٢) صفّورية : بلدة بالأردن. «القاموس المحيط ـ صفر ـ ٢ : ٧٣».

٢٣

الذي تدعى إليه ، ليس منها ، قدّمه يا علي فاضرب عنقه» فقدّمه وضرب عنقه.

فلمّا قتل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم النّضر وعقبة خافت الأنصار أن يقتل الأسارى كلهم ، فقاموا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا : يا رسول الله ، قد قتلنا سبعين ، وأسرنا سبعين ، وهم قومك وأساراك ، هبهم لنا يا رسول الله ، وخذ منهم الفداء وأطلقهم. فأنزل الله عليه : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً)(١) فأطلق لهم أن يأخذوا الفداء ويطلقوهم ، وشرط أن يقتل منهم في عام قابل بعدد من يأخذون منهم الفداء ، فرضوا منه بذلك ، فلمّا كان يوم أحد قتل من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبعون رجلا ، فقال من بقي من أصحابه : يا رسول الله ، ما هذا الذي أصابنا ، وقد كنت تعدنا بالنّصر؟ فأنزل الله عزوجل فيهم : (أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها) ببدر قتلتم سبعين ، وأسرتم سبعين (قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ)(٢) بما اشترطتم» (٣).

* س ٤ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (٧) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) (٨) [الأنفال : ٨ ـ ٧]؟!

الجواب / قال عليّ بن إبراهيم : رجع الحديث إلى تفسير الآيات التي لم تكتب في قوله : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ). قال : العير ، أو قريش. قال : وقوله : (وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) قال :

__________________

(١) الأنفال ٨ : ٦٧ ـ ٦٩.

(٢) آل عمران ٣ : ١٦٥.

(٣) تفسير القميّ ج ١ ، ص ٢٥٥.

٢٤

ذات الشوكة : الحرب. قال : تودّون العير لا الحرب. (وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) قال : الكلمات الأئمّة عليهم‌السلام (١). أقول : وهو نفس المعنى روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى : «تفسيرها في الباطن يريد الله فإنّه شيء يريده ولم يفعله بعد. وأمّا قوله : (يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) فإنّه يعني يحقّ حقّ آل محمد ، وأمّا قوله : (بِكَلِماتِهِ) قال : كلماته في الباطن عليّ عليه‌السلام هو كلمة الله في الباطن ، وأمّا قوله : (وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ) فهم بنو أميّة هم الكافرون ، يقطع الله دابرهم ، وأمّا قوله : (لِيُحِقَّ الْحَقَ) فإنّه يعني ليحقّ حقّ آل محمد حين يقوم القائم عليه‌السلام ، وأمّا قوله : (وَيُبْطِلَ الْباطِلَ) يعني القائم عليه‌السلام ، فإذا قام يبطل باطل بني أميّة ، وذلك قوله : (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ)(٢).

* س ٥ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) (٩) [الأنفال : ٩]؟!

الجواب / قال الطبرسي : قيل : إن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا نظر إلى كثرة عدد المشركين وقلّة عدد المسلمين استقبل القبلة ، وقال : «اللهمّ أنجز لي ما وعدتني ، اللهمّ إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض». فما زال يهتف ربّه مادّا يديه ، حتى سقط رداؤه من منكبيه ، فأنزل الله : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ) الآية. قال : وهو المرويّ عن أبي جعفر عليه‌السلام (٣)(٤).

__________________

(١) تفسير القميّ ج ١ ، ص ٢٧٠.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٥٠ ، ح ٢٤.

(٣) مجمع البيان : ج ٤ ، ص ٨٠٧.

(٤) مجمع البيان : الطبرسي ، ج ٤ ، ص ٣٨٠.

٢٥

* س ٦ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(١٠) [الأنفال : ١٠]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ : (وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ) ، أي : وما جعل الله الإمداد والوعد به. فالهاء عائدة على غير مذكور باسمه ، وهو معلوم بدلالته عليه ، لأن يمدد يدل على الإمداد. وبشرى لكم أي : بشارة لكم لتستبشروا به ، (وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ) أي : ولتسكن قلوبكم فلا تخافوا كثرة عدد العدو ، وقلة عددكم. (وَمَا النَّصْرُ) أي : وما المعونة (إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) ومعناه : أن الحاجة إلى الله تعالى لازمة في المعونة ، وأن أمدكم بالملائكة فلا استغناء لكم عن معونته طرفة عين ، في تقوية قلوبكم ، وخذلان عدوكم ، بضعف قلوبهم إلى غير ذلك ، وقيل : إن معناه وما هذا النصر بإمداد الملائكة ، إلا من عند الله «العزيز» أي : القادر على انتقامه من الكفار بأيدي المؤمنين «الحكيم» في تدبيره للمؤمنين وللعالمين. وإنما قال ذلك ليعلمهم أن حربهم للمشركين إنما هو لإعزاز الدين. وقيل : العزيز المنيع باقتداره ، والحكيم : في تدبيره للخلق (١).

* س ٧ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ) (١١) [الأنفال : ١١]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : اشربوا ماء

__________________

(١) الكافي : ج ٦ ، ص ٣٨٧ ، ح ٢ ، المحاسن : ص ٥٧٤ ، ح ٢٥.

٢٦

السّماء فإنه يطهّر البدن ويدفع الأسقام ، قال الله عزوجل : (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ)(١).

وقال جابر سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد عليه‌السلام ، عن هذه الآية في الباطن.

قال : «السّماء في الباطن : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والماء : عليّ عليه‌السلام جعله الله من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فذلك قوله : (ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) فذلك عليّ يطهّر الله به قلب من والاه. وأمّا قوله : (وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ) من والى عليّا عليه‌السلام يذهب الرجز عنه ، ويقوّي قلبه ، (وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ) فإنه يعني عليّا عليه‌السلام ، من والى عليّا عليه‌السلام يربط الله على قلبه بعليّ عليه‌السلام فيثبت على ولايته» (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في قول الله : (وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ) : «لا يدخلنا ما يدخل الناس من الشكّ» (٣).

* س ٨ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (١٢) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (١٣) ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ (١٤) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (١٥) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٥٠ ، ح ٢٥.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٥٠ ، ح ٢٧.

(٣) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٥٠ ، ح ٢٦.

٢٧

مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦) فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٧) ذلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (١٨) إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) (١٩) [الأنفال : ١٩ ـ ١٢]؟!

الجواب / قال يوسف أبو محمّد : سألت أبا جعفر عليه‌السلام ، فقلت : (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ) ، فقال : «إلهام» (١).

وقال عليّ بن إبراهيم : قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ) أي عادوا الله ورسوله ، ثم قال عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً) أي يدنو بعضكم من بعض (٢).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «إنّ الرّعب والخوف من جهاد المستحق للجهاد والمتوازرين على الضّلال ، ضلال في الدّين ، وسلب للدّنيا ، مع الذل والصغار ، وفيه استيجاب النار بالفرار من الزحف عند حضرة القتال ، يقول الله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ)(٣).

وقال أبو أسامة زيد الشّحّام ، قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : جعلت فداك ، إنّهم يقولون : ما منع عليّا إن كان له حقّ أن يقوم بحقّه؟

فقال : «إنّ الله لم يكلّف هذا أحدا إلّا نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له : (فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٢٧٠.

(٢) الكافي : ج ٥ ، ص ٣٨ ، ح ١.

(٣) النساء ٤ : ٨٤.

٢٨

اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ)(١) وقال لغيره : (إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ) فعليّ عليه‌السلام لم يجد فئة ، ولو وجد فئة لقاتل ـ ثمّ قال ـ : لو كان (٢) جعفر وحمزة حيّين ، بقي رجلان قال : (مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ) قال : متطرّدا يريد الكرّة عليهم ، أو متحيّزا ، يعني متأخّرا إلى أصحابه من غير هزيمة ، فمن انهزم حتى يجوز صفّ أصحابه فقد باء بغضب من الله» (٣).

وقال عليّ بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ) يعني يرجع (أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ) يعني يرجع إلى صاحبه وهو الرّسول أو الإمام (فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) ، ثمّ قال : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ) أي أنزل الملائكة حتى قتلوهم ، ثمّ قال : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) يعني الحصى الذي حمله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورمى به في وجوه قريش ، وقال : «شاهت الوجوه» (٤).

وقال عليّ بن الحسين عليه‌السلام : «ناول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام قبضة من تراب التي رمى بها في وجوه المشركين ، فقال الله : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى)(٥).

__________________

(١) قال العلامة المجلسي : قوله «لو كان» كلمة (لو) للتمنّي ، أو الجزاء محذوف ، أي لم يترك القتال ، أو يكون تفسيرا للفئة ، والمراد بالرجلين عباس وعقيل. بحار الأنوار : ج ٨ ، ص ١٤٦.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٥١ ، ح ٣١.

(٣) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٢٧٠.

(٤) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٥٢ ، ح ٣٤.

(٥) المناقب : ج ١ ، ص ١٨٩ ، فرائد السمطين : ج ١ ، ص ٢٣٢ ، ح ١٨١ ، الدر المنثور : ج ٤ ، ص ٤٠.

٢٩

وقال ابن عبّاس : (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً) يعني وهزم الكفّار ليغنم النبيّ والوصيّ (١).

وقال الطّبرسيّ في (الاحتجاج) : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) : «سمّى فعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعلا له ، ألا ترى تأويله على غير تنزيله» (٢).

وقال عليّ بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (ذلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ) : أي مضعف كيدهم وحيلتهم ومكرهم (٣).

وقوله تعالى : (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) قد تقدم ذكره في القصّة (٤).

* س ٩ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (٢٠) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) (٢١) [الأنفال : ٢٠ ـ ٢١]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي :

ثمّ أمر الله سبحانه بالطاعة التي هي سبب النصرة فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) خص المؤمنين بطاعة الله ورسوله ، وإن كانت واجبة على غيرهم أيضا ، لأنه لم يعتد بغيرهم لإعراضهم عما وجب عليهم ، ويجوز أن يكون إنما خصهم إجلالا لقدرهم ، ويدخل غيرهم فيه على طريق التبع (وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ) أي : ولا تعرضوا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. (وَأَنْتُمْ

__________________

(١) الاحتجاج : ٢٥٠.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٢٧١.

(٣) تقدم في الحديث من تفسير الآيات (٢ ـ ٦) من هذه السورة.

(٤) مجمع البيان : الشيخ الطبرسيّ ، ج ٤ ، ص ٤٤٨.

٣٠

تَسْمَعُونَ) دعاءه لكم وأمره ونهيه إياكم ...

وقيل معناه : وأنتم تسمعون الحجة الموجبة لطاعة الله ، وطاعة الرسول.

(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) في الكلام حذف ، ومعناه : ولا تكونوا كهم في قولهم هذا المنكر ، فحذف المنهي عنه لدلالة الحال عليه ، وفي ذلك غاية البلاغة. ومعنى قولهم (سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) أنهم سمعوه سماع عالم قابل له ، وليسوا كذلك. والسماع بمعنى القبول كما في قوله «سمع الله لمن حمده» وهؤلاء الكفار هم المنافقون ...

وقيل : هم أهل الكتاب من اليهود ، وقريظة ، والنظير ...

وقيل : إنهم مشركو العرب ، لأنهم قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا ... (١).

* س ١٠ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ)(٢٢) [الأنفال : ٢٢]؟!

الجواب / قال في (جوامع الجامع) : قال الباقر عليه‌السلام : «هم بنو عبد الدار ، لم يسلم منهم غير مصعب بن عمير وسويد بن حرملة ، وقيل حليف لهم (٢) يقال له «سويبط» ، وكانوا يقولون : نحن صمّ بكم عمي عما جاء به محمّد ، وقد قتلوا جميعا بأحد ، كانوا أصحاب اللواء» (٣).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٤ ، ص ٨١٨.

(٢) جوامع الجامع : ص ١٦٧.

(٣) التبيان : ج ٥ ، ص ٩٩.

٣١

* س ١١ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ)(٢٣) [الأنفال : ٢٣]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : معنى الآية ان الله تعالى اخبر انه لو علم فيهم. يعني هؤلاء الكافرين انهم يصلحون لما يورده عليهم من حججه وآياته لا سمعهم إياها ولم يخلف عنهم شيئا منها وإن كان قد أزاح علتهم في التكليف بما نصب لهم من الادلة الموصولة إلى الحق ، ولكنهم لا يصلحون بل يتولون وهم معرضون. وقيل : لا سمعهم الحجج والمواعظ سماع تفهم. وقيل : لا سمعهم كلام الموتى الذين طلبوا إحياءهم من قصي بن كلاب وغيره وقال الزجاج : لا سمعهم جواب كل ما يسألون عنه. والاعراض خلاف الاقبال وهو الانصراف بالوجه عن جهة الشئ والاقبال الانصراف بالوجه إلى جهته والاستماع إيجاد السماع بايجاده والتعريض له. فان الله تعالى يسمعهم بأن يوجد السماع لهم. والانسان يسمعهم بأن يعرضهم للسماع الذي يوجد لهم ، هذا على مذهب من قال : إن الادراك معنى ، ومن قال : انه ليس بمعنى ، فمعنى الاسماع هو ان يوجد من كلامه الدال على ما يجب أن يسمعوه لكونهم أحياء لا آفة بهم في حواسهم. وقال الزجاج المعنى «ولو علم الله فيهم خيرا لا سمعهم» كلما يسألون عنه ولو اسمعهم كلما يخطر ببالهم لتولوا وهم معرضون. وقال الحسن : هو إخبار عن علمه كما قال «ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه». وفي الآية دلالة على بطلان قول من يقول : يجوز ان يكون في مقدوره لطف لو فعله بالكافر لأمن (١).

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٢٧١.

٣٢

* س ١٢ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (٢٤) [الأنفال : ٢٤]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) ، يقول : «ولاية علي بن أبي طالب ، فإن اتّباعكم إيّاه وولايته أجمع لأمركم وأبقى للعدل فيكم».

وأمّا قوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) ، يقول : «يحول بين المرء ومعصيته أن تقوده إلى النار ، ويحول بين الكافر وطاعته أن يستكمل بها الإيمان ، واعلموا أنّ الأعمال بخواتيمها» (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قول الله تبارك وتعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) ، قال : «يحول بينه وبين أن يعلم أن الباطل حق» (٢).

وقد قيل : إن الله تبارك وتعالى يحول بين المرء وقلبه بالموت. وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ الله تبارك وتعالى ينقل العبد من الشقاء إلى السّعادة ، ولا ينقله من السعادة إلى الشّقاء» (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «يشتهي بسمعه وبصره ويده ولسانه وقلبه ، أمّا إن هو غشي شيئا ممّا يشتهي ، فإنّه لا يأتيه إلّا وقلبه منكر ، لا يقبل الذي يأتي ، يعرف أن الحقّ غيره» (٤).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لا يستيقن القلب أن الحقّ باطل أبدا ، ولا يستيقن أن الباطل حق أبدا» (٥).

__________________

(١) المحاسن : ص ٢٣٧ ، ح ٢٠٥.

(٢) التوحيد : ص ٣٥٨ ، ح ٦.

(٣) المحاسن : ص ٢٧٦ ، ح ٣٨٩.

(٤) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٥٣ ، ح ٣٩.

(٥) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٥٣ ، ح ٤٠.

٣٣

* س ١٣ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) (٢٥) [الأنفال : ٢٥]؟!

الجواب / قال الصادق عليه‌السلام ، في قوله : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً).

«أصابت الناس فتنة بعد ما قبض الله نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى تركوا عليّا عليه‌السلام وبايعوا غيره ، وهي الفتنة التي فتنوا بها ، وقد أمرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باتّباع عليّ عليه‌السلام والأوصياء من آل محمّد عليهم‌السلام».

قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، قال : «قال تعالى في بعض كتابه : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) في (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)(١). وقال في بعض كتابه (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ)(٢) يقول في الآية الأولى : إنّ محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين يموت يقول أهل الخلاف ... لأمر الله عزوجل : مضت ليلة القدر مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهذه فتنة أصابتهم خاصّة ، وبها ارتدّوا على أعقابهم ، لأنّهم إن قالوا : لم تذهب فلا بدّ أن يكون لله عزوجل فيها أمر ، وإذا أقرّوا بالأمر لم يكن لهم من صاحب بدّ» (٣).

* س ١٤ : بمن نزل قوله تعالى :

(وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ

__________________

(١) القدر : ٩٧ : ١.

(٢) آل عمران : ٣ : ١٤٤.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ١٩٣ ، ح ٤.

٣٤

فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٢٦) [الأنفال : ٢٦] وما هو تفسيرها؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : إنّها نزلت في قريش خاصّة (١).

قال الشيخ الطبرسيّ : ثم ذكر سبحانه حالتهم السالفة في القلة والضعف وإنعامه عليهم بالنصر والتأييد والتكثير ، فقال (وَاذْكُرُوا) معشر المهاجرين (إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ) في العدد ، وكانوا كذلك قبل الهجرة في ابتداء الإسلام (مُسْتَضْعَفُونَ) يطلب ضعفكم بتوهين أمركم (فِي الْأَرْضِ) أي : في مكة ، ...

(تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ) أي : يستلبكم المشركون من العرب إن خرجتم منها. وقيل : إنه يعني بالناس كفار قريش ... ، وقيل : فارس والروم ...

(فَآواكُمْ) أي : جعل لكم مأوى ترجعون إليه ، يعني المدينة دار الهجرة. (وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ) أي : قواكم. (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) يعني : الغنائم أحلها لكم ، ولم يحلها لأحد قبلكم. وقيل : هي عامة في جميع ما أعطاهم من الأطعمة اللذيذة (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أي : لكي تشكروا ، والمعنى : قابلوا حالكم التي أنتم عليها الآن ، تلك الحال المتقدمة ليتبين لكم موضع النعمة ، فتشكروا عليها (٢).

* س ١٥ : ما هو سبب النزول قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٧)) [الأنفال : ٢٧]؟!

الجواب / قال الطّبرسي : عن الباقر والصادق عليه‌السلام : نزلت في أبي لبابة

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٢٧١.

(٢) مجمع البيان : ج ٤ ، ص ٤٤٨ ، الشيخ الطبرسيّ.

٣٥

بن عبد المنذر الأنصاريّ ، وذلك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حاصر يهود قريظة إحدى وعشرين ليلة ، فسألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصّلح على ما صالح عليه إخوانهم من بني النّضير على أن يسيروا إلى إخوانهم إلى أذرعات وأريحا من أرض الشام ، فأبى أن يعطيهم ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ ، فقالوا : أرسل إلينا أبا لبابة ، وكان مناصحا لهم ، لأنّ عياله وماله وولده كانت عندهم ، فبعثه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأتاهم ، فقالوا : ما ترى ـ يا أبا لبابة ـ أننزل على حكم سعد بن معاذ؟ فأشار أبو لبابة بيده إلى حلقه ، أنّه الذّبح فلا تفعلوا ، فأتاه جبرئيل عليه‌السلام فأخبره بذلك ، قال أبو لبابة : فو الله ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت أنّي قد خنت الله ورسوله ، فنزلت الآية فيه ، فلما نزلت شدّ نفسه على سارية من سواري المسجد ، وقال : والله لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت ، أو يتوب الله علي. فمكث سبعة أيام لا يذوق فيها طعاما ولا شرابا حتى خرّ مغشيا عليه ، ثمّ تاب الله عليه ، فقيل له : يا أبا لبابة ، قد تيب عليك. فقال : لا والله ، لا أحلّ نفسي حتى يكون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي يحلّني. فجاءه وحلّه بيده ، ثم قال أبو لبابة : إنّ من تمام توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب ، وأن أنخلع من مالي. فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يجزيك الثّلث أن تصدّق به» (١).

* س ١٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (٢٨) [الأنفال : ٢٨]؟!

الجواب / قد تقدم ذكر سبب نزول هذه الآية والتي قبلها ، أما معناها :

قال الشيخ الطبرسي : وقوله (وَاعْلَمُوا) أي : وتحققوا وأيقنوا (أَنَّما

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٤ ، ص ٨٢٣.

٣٦

أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) أي : بلية عليكم ، ابتلاكم الله تعالى بها ، فإن أبا لبابة حمله على ما فعله ماله الذي كان في أيديهم ، وأولاده الذين كانوا بين ظهرانيهم (وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) لمن أطاعه ، وخرج إلى الجهاد ، ولم يخن الله ورسوله ، وذلك خير من الأموال والأولاد.

بين سبحانه بهذه الآية أنه يختبر خلقه بالأموال والأولاد ، ليتبين الراضي بقسمه ، ممن لا يرضى به ، وإن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم ، ولكن ليظهر الأفعال التي بها يستحق الثواب والعقاب ، وإلى هذا أشار أمير المؤمنين علي عليه‌السلام في قوله : «لا يقولن أحدكم اللهم إني أعوذ بك من الفتنة» لأنه ليس أحد إلّا وهو مشتمل على فتنة ، ولكن من استعاذ فليستعذ من مضلات الفتن ، فإن الله تعالى يقول : (وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) .... (١)

* س ١٧ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (٢٩) [الأنفال : ٢٩]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : يعني العلم الذي تفرّقون به بين الحقّ والباطل (٢).

* س ١٨ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) (٣٠) [الأنفال : ٣٠]؟!

الجواب / قال أحدهما عليه‌السلام : «أنّ قريشا اجتمعت فخرج من كلّ بطن

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٤ ، ص ٤٥٦ ، الطبرسي.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٢٧٢.

٣٧

أناس ، ثم انطلقوا إلى دار النّدوة ليتشاوروا فيما يصنعون برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإذا هم بشيخ قائم على الباب ، فإذا ذهبوا إليه ليدخلوا ، قال : أدخلوني معكم. قالوا : ومن أنت ، يا شيخ؟ قال : أنا شيخ من بني مضر ، ولي رأي أشير به عليكم ، فدخلوا وجلسوا وتشاوروا وهو جالس ، وأجمعوا أمرهم على أن يخرجوه. فقال : هذا ليس لكم برأي إن أخرجتموه أجلب عليكم الناس فقاتلوكم. قالوا : صدقت ما هذا برأي.

ثمّ تشاوروا وأجمعوا أمرهم على أن يوثقوه. قال : هذا ليس بالرأي ، إن فعلتم هذا ـ ومحمّد رجل حلو اللسان ـ أفسد عليكم أبناءكم وخدمكم ، وما ينفع أحدكم إذا فارقه أخوه وابنه وامرأته.

ثم تشاوروا فأجمعوا أمرهم على أن يوثقوه. قال : هذا ليس بالرأي ، إن فعلتم هذا ـ ومحمّد رجل حلو اللسان ـ أفسد عليكم أبناءكم وخدمكم ، وما ينفع أحدكم إذا فارقه أخوه وابنه وامرأته.

ثم تشاوروا فأجمعوا أمرهم على أن يقتلوه ، ويخرجوا من كل بطن منهم بشاب ، فيضربوه بأسيافهم ، فأنزل الله تعالى : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ) إلى آخر الآية (١).

وقال أبو جعفر وأبو عبد الله عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ).

قالا : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد كان لقي من قومه بلاء شديدا حتى أتوه ذات يوم وهو ساجد حتى طرحوا عليه رحم شاة ، فأتته ابنته وهو ساجد لم يرفع رأسه ، فرفعته عنه ومسحته ، ثمّ أراه الله بعد ذلك الذي يحبّ ، إنّه كان ببدر وليس معه غير فارس واحد ، ثم كان معه يوم الفتح اثنا عشر ألفا ، حتى جعل أبو سفيان والمشركون يستغيثون ، ثمّ لقي أمير المؤمنين عليه‌السلام من الشدّة والبلاء والتظاهر عليه ، ولم يكن معه أحد من قومه بمنزلته ، أمّا حمزة فقتل يوم أحد ، وأمّا جعفر فقتل يوم مؤتة» (٢).

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٥٣ ، ح ٤٢.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٥٤ ، ح ٤٣.

٣٨

* س ١٩ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (٣١) [الأنفال : ٣١]؟!

الجواب / قال الطبرسيّ : ثم أخبر سبحانه عن عناد هؤلاء الكفار ومباهتتهم للحق ، فقال : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا) من القرآن (قالُوا قَدْ سَمِعْنا) أي : أدركنا بأذاننا ، فإن السماع إدراك الصوت بحاسة الأذن (لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا) إنما قالوا ذلك مع ظهور عجزهم عن الإتيان بسورة مثله بعد التحدي ، عداوة وعنادا ، وقد تحمل الإنسان شدة العداوة على أن يقول ما لا يعلم. وقيل : إنما قالوا ذلك لأنه لم ينقطع طمعهم من القدرة عليه في المستقبل ، إذ القرآن كان مركبا من كلمات جارية على ألسنتهم ، فطمعوا أن يأتي لهم في ذلك المستقبل ، بخلاف صيرورة العصاحية ، في أنه قد انقطع طمعهم في الإتيان بمثله ، إذ جنس ذلك لم يكن في مقدورهم.

(إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) معناه ما هذه إلا أحاديث الأولين تتلوها علينا ، وكان قائل هذا النضر بن الحارث بن كلدة ، وأسر يوم بدر ، فقتله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعقبة بن أبي معيط قال : يا علي! علي بالنضر أبغيه ، فأخذ علي بشعره ، وكان رجلا جميلا له شعر ، فجاء به إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا محمد! أسألك بالرحم بيني وبينك إلا أجريتني كرجل من قريش ، إن قتلتهم قتلتني ، وإن فاديتهم فاديتني!

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا رحم بيني وبينك ، قطع الله الرحم بالإسلام ، قدمه يا علي فاضرب عنقه. فضرب عنقه ، ثم قال : يا علي! علي بعقبه. فأحضر ، فقال : يا محمد ألم تقل! لا تصبر قريش؟ أي لا يقتلون صبرا ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وأنت من قريش ، إنما أنت علج من أهل صفورية ، والله لأنت في الميلاد أكبر من أبيك الذي تدعى له ، قال : فمن للصبية؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : النار. ثم قال : حن قدح ليس

٣٩

منها. قال سعيد بن جبير : قتل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم بدر ثلاثة نفر من قريش صبرا : المطعم بن عدي ، والنضر بن الحارث ، وعقبة بن أبي معيط (١).

* س ٢٠ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٢) وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (٣٣) [الأنفال : ٣٢ ـ ٣٣]؟!

الجواب / قال العلّامة الحلّي (قدّس سره) في كتاب (الكشكول) : قال المفضّل بن عمر الجعفي ، سألت مولاي جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ)(٢).

فقال جعفر بن محمد عليه‌السلام : «الحجّة البالغة التي تبلغ الجاهل من أهل الكتاب فيعلمها بجهله كما يعلمها العالم بعلمه ، لأن الله تعالى أكرم وأعدل من أن يعذّب أحدا إلّا بحجّة».

ثمّ قال جعفر بن محمد عليه‌السلام : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ)(٣) ثمّ أنشأ جعفر بن محمد عليه‌السلام محدّثا ، وذكر حديثا طويلا ، وقال عليه‌السلام فيه : «أقبل النّضر بن الحارث فسلّم ، فردّ عليه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : يا رسول الله ، إذا كنت سيّد ولد آدم وأخوك سيّد العرب ، وابنتك فاطمة سيّدة نساء العالمين ، وابناك الحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنّة ، وعمّك حمزة سيّد الشهداء ، وابن عمّك ذا جناحين يطير بهما في الجنّة حيث يشاء ، وعمّك العبّاس جلدة بين عينيك وصنو أبيك ، وبنو شيبة لهم

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٤ ، الطبرسي : ص ٤٦٠.

(٢) الأنعام : ٦ : ١٤٩.

(٣) التوبة : ٩ : ١١٥.

٤٠