التيسير في التفسير للقرآن - ج ٣

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٣

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٢

فدخل الرجل فإذا هو عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، فقال : يا أبا الحسن ما تفسير (سُبْحانَ اللهِ)؟ قال : «هو تعظيم جلال الله عزوجل. وتنزيهه عمّا قال فيه كلّ مشرك ، فإذا قالها العبد صلّى عليه كلّ ملك» (١).

* س ١٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ) (١٠٩) [يوسف : ١٠٩]؟!

الجواب / قال الصادق جعفر ابن محمّد عليهم‌السلام ـ في حديث ـ قال فيه مخاطبا : «أو لست تعلم أنّ الله تعالى لم يخل الدنيا من نبيّ قطّ أو إمام من البشر؟ أو ليس الله تعالى يقول : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ) يعني إلى الخلق : (إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى)؟ فأخبر أنه لم يبعث الملائكة إلى الأرض ، فيكونوا أئمّة وحكّاما ، وإنّما أرسلوا إلى أنبياء الله» (٢).

* س ١٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (١١٠) [يوسف : ١١٠]؟!

الجواب / قال عليّ بن محمد بن الجهم : حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا عليّ بن موسى عليه‌السلام ، فقال له المأمون : يا بن رسول الله ، أليس من قولك إنّ الأنبياء معصومون؟ قال : «بلى» ـ وذكر الحديث إلى أن قال فيه ـ فقال المأمون لأبي الحسن عليه‌السلام : فأخبرني عن قول الله تعالى : (حَتَّى إِذَا

__________________

(١) التوحيد : ص ٣١١ ، ح ١.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ١ ، ص ٢٧٠ ، ح ١.

٣٨١

اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا).

قال الرضا عليه‌السلام : «يقول الله تعالى حتّى إذا استيأس الرسل من قومهم ، وظنّ قومهم أنّ الرسل قد كذبوا ، جاء الرّسل نصرنا» (١).

وقال أبو جعفر وأبو عبد الله عليهما‌السلام في قول الله : (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا). مخفّفة ، قال : «ظنّت الرسل أنّ الشياطين تمثّل لهم على صورة الملائكة» (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «وكلهم الله إلى أنفسهم أقلّ من طرفة عين» (٣).

* س ١٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (١١١) [يوسف : ١١١]؟!

الجواب / قال عليّ بن إبراهيم : ثمّ قال الله عزوجل : (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ) يعني لأولي العقول : (ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى) يعني القرآن (لكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) يعني من كتب الأنبياء (وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)(٤).

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ١ ، ص ٢٠١ ، ح ١.

(٢) تفسير العيّاشيّ : ج ٢ ، ص ٢٠١ ، ح ١٠٢.

(٣) تفسير العيّاشيّ : ج ٢ ، ص ٢٠١ ، ح ١٠٣.

(٤) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٥٨.

٣٨٢

تفسير

سورة الرعد

رقم السورة ـ ١٣ ـ

٣٨٣
٣٨٤

سورة الرعد

* س ١ : ما هو فضل سورة الرعد؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو عبد الله الصادق عليه‌السلام : «من أكثر قراءة سورة الرّعد لم تصبه صاعقة أبدا ، وإن كان ناصبيّا ، فإنّه لا يكون أشرّ من الناصب ، وإن كان مؤمنا أدخله الله الجنّة بغير حساب ، ويشفّع في جميع من يعرف من أهل بيته وإخوانه من المؤمنين» (١).

٢ ـ قال أبو عبد الله الصادق عليه‌السلام : «من كتبها في ليلة مظلمة بعد صلاة العتمة ، وجعلها من ساعته على باب السلطان الجائر الظالم ، قام عليه عسكره ورعيّته ، فلا يسمع كلامه ، ويقصر عمره وقوله ، ويضيق صدره. وإن جعلت على باب ظالم أو كافر أو زنديق ، فهي تهلكه بإذن الله تعالى» (٢).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(المر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) (١) [سورة الرعد : ١]؟!

الجواب / قال سفيان بن سعيد الثّوري : قلت لجعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم‌السلام : يا بن رسول الله ، ما معنى قول الله عزوجل : (المر)؟

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٠٢ ، ح ١.

(٢) خواص القرآن : ص ٤٢ «مخطوط».

٣٨٥

قال : (المر) معناه : أنا الله المحيي المميت الرزّاق» (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام لأبي لبيد : «يا أبا لبيد ، إنّ في حروف القرآن لعلما جمّا ، إنّ الله تبارك وتعالى أنزل (الم ذلِكَ الْكِتابُ)(٢) فقام محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى ظهر نوره ، وثبتت كلمته ، وولد يوم ولد وقد مضى من الألف السابع مائة سنة وثلاث سنين ، ثمّ قال : ـ وتبيانه في كتاب الله في الحروف المقطّعة إذا عددتها من غير تكرار ، وليس من حروف مقطّعة حرف تنقضي أيّامه إلّا وقائم من بني هاشم عند انقضائه ـ ثمّ قال ـ الألف واحد ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون ، والصاد ستون ، فذلك مائة وإحدى وثلاثون ، ثمّ كان بدء خروج الحسين بن علي عليه‌السلام : (الم اللهُ)(٣) فلمّا بلغت مدّتها قام قائم من ولد العباس عند (المص)(٤) ويقوم قائمنا عند انقضائها. (المر) فافهم ذلك وعه واكتمه» (٥).

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ)(٢) [سورة الرعد : ٢]؟!

الجواب / قال الحسين بن خالد : قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام : أخبرني عن قول الله عزوجل : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ)(٦). فقال : «هي محبوكة إلى الأرض» وشبّك بين أصابعه.

فقلت كيف تكون محبوكة إلى الأرض ، والله يقول : (رَفَعَ السَّماواتِ

__________________

(١) معاني الأخبار : ص ٢٢ ، ح ١.

(٢) البقرة : ١ ـ ٢.

(٣) آل عمران : ١ ـ ٢.

(٤) الأعراف : ١.

(٥) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٠٢ ، ح ٢.

(٦) الذاريات : ٧.

٣٨٦

بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها)؟ فقال : «سبحان الله! أليس الله يقول : (بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها)؟ فقلت : بلى. فقال عليه‌السلام : «ثمّ عمد ، ولكن لا ترونها».

قلت : كيف ذلك ، جعلني الله ، فداك؟ قال : فبسط كفّه اليسرى ، ثمّ وضع اليمنى عليها ، فقال : «هذه أرض الدنيا ، والسماء الدنيا عليها فوقها قبّة ، والأرض الثانية فوق السماء الدنيا ، والسّماء الثانية فوقها قبّة ، والأرض الثالثة فوق السّماء الثانية ، والسّماء الثالثة فوقها قبّة ، والأرض الرابعة فوق السّماء الثالثة ، والسماء الرابعة فوقها قبّة ، والأرض الخامسة فوق السّماء الرابعة ، والسّماء الخامسة فوقها قبّة ، والأرض السادسة فوق السّماء الخامسة ، والسّماء السادسة فوقها قبّة ، والأرض السابعة فوق السّماء السادسة ، والسماء السابعة فوقها قبّة ، وعرش الرحمن تبارك وتعالى فوق السّماء السابعة ، وهو قوله عزوجل : (خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ) طباقا (وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَ)(١) فأمّا صاحب الأمر فهو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والوصيّ بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائم على وجه الأرض ، فإنّما يتنزّل الأمر إليه من فوق السماء من بين السماوات والأرضين».

قلت : فما تحتنا إلّا أرض واحدة؟ فقال : «ما تحتنا إلّا أرض واحدة ، وإنّ الستّ لهنّ فوقنا» (٢).

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (٣) [سورة الرعد : ٣]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي (رحمه‌الله تعالى) : ذكر الله تعالى في الآية

__________________

(١) الطلاق : ١٢.

(٢) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ٣٢٨.

٣٨٧

الأولى بالسماء والشمس والقمر ، لأن أكثر ما في العالم متعلق بذلك وجار مجراه كالنبات والحرث والنسل ، ثم ذكر في هذه الآية الأرض وتدبيره لها على ما فيه من المصلحة لينبه بذلك من ذهب عن الاستدلال به على حكمته تعالى ، وتوحيده ، فقال : (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ) يعني بسطها طولا وعرضا (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ) يعني جبالا راسيات ثابتات ، يقال : رسي هذا الوتد وأرسيته.

وواحد (الرواسي) راسية (وَأَنْهاراً) أي وخلق فيها أنهارا يجري المياه فيها (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) ثم ابتدأ فقال : وجعل فيها من جميع الثمرات زوجين أي ضربين. قال الحسن يعني لونين من كل ما خلق من البنات. والزوج يكون واحدا ويكون اثنين ، وههنا واحد.

وقريش تقول : للأنثى زوج وللذكر زوج قال الله تعالى : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ)(١) لآدم.

ومعنى (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) أي يجلل الليل النهار والنهار الليل. والمعنى أنه يذهب كل واحد منهما بصاحبه ومثله (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ)(٢) والمعنى أن أحدهما يذهب الآخر. ثم أخبر تعالى أن فيما ذكره من الدلالات لآيات واضحات لمن فكر ، واعتبر بها ، لأن من لم يفكر فيها ولم يعتبر ، كأنه لا آية له.

وقوله (زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) إنما أكد بـ (اثْنَيْنِ) وإن كان قوله (زَوْجَيْنِ) أفاد العدد لأمرين :

١ ـ على وجه التأكيد وهو مستعمل كثيرا.

__________________

(١) البقرة : ٣٥ ، والأعراف : ١٩.

(٢) الزمر : ٥.

٣٨٨

٢ ـ أن الزوجين قد يقع على الذكر والأنثى ، وعلى غيرهما ، فأراد أن يبين أن المراد به ههنا لونين أو ضربين دون الذكورة والأنوثة ، وذلك فائدة لا يفيدها قوله : (زَوْجَيْنِ) فلا تكرار فيه بحال ... (١).

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٤) وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٥) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ) (٦) [سورة الرعد : ٤ ـ ٦]؟!

الجواب / عن الخطّاب الأعور ، رفعه إلى أهل العلم والفقه من آل محمّد (عليه وآله السّلام) ، قال : (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ) يعني : هذه الأرض الطيّبة مجاورة لهذه الأرض المالحة وليست منها ، كما يجاور القوم القوم وليسوا منهم» (٢).

وقال عليّ بن إبراهيم : (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ) أي متّصلة بعضها ببعض (وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ) أي بساتين (وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ) والصّنوان : التّالة (٣) التي تنبت من أصل الشجرة (وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) فمنه حلو ، ومنه حامض ، ومنه

__________________

(١) التبيان : ج ٦ ، ص ٢١٥ ـ ٢١٦.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٠٣ ، ح ٤.

(٣) التال : صغار النّخل. «المعجم الوسيط ـ تال ـ ج ١ ، ص ٩٠».

٣٨٩

مرّ ، يسقى بماء واحد (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).

ثم حكى الله عزوجل قول الدّهرية من قريش ، فقال : (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) ثمّ قال : (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) وكانوا يستعجلون بالعذاب ، فقال الله عزوجل : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ) أي العذاب (١).

وقال إبراهيم بن العبّاس : كنّا في مجلس الرضا عليه‌السلام فتذاكرنا الكبائر ، وقول المعتزلة فيها : إنّها لا تغفر ، فقال الرضا عليه‌السلام : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : قد نزل القرآن بخلاف قول المعتزلة ، قال الله جلّ جلاله : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ)(٢).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (٧)) [سورة الرعد : ٧]؟!

الجواب / قال الحسن عليه‌السلام : «خطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوما ، فقال بعد ما حمد الله وأثنى عليه :

معاشر الناس ، كأني أدعى فأجيب ، وإنّي تارك فيكم الثّقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا ، فتعلّموا منهم ، ولا تعلموهم فإنّهم أعلم منكم ، لا تخلو الأرض منهم ، ولو خلت إذن لساخت بأهلها.

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ٣٥٩.

(٢) التوحيد : ص ٤٠٦ ، ح ٤.

٣٩٠

ثم قال عليه‌السلام : اللهمّ إنّي أعلم أنّ العلم لا يبيد ولا ينقطع ، وأنّك لا تخلي الأرض من حجّة لك على خلقك ، ظاهر ليس بالمطاع ، أو خائف مغمور ، كي لا تبطل حجّتك ، ولا يضلّ أولياؤك بعد إذ هديتهم ، أولئك الأقلّون عددا ، الأعظمون قدرا عند الله.

فلمّا نزل عن منبره قلت له : يا رسول الله ، أما أنت الحجّة على الخلق كلّهم؟ قال : يا حسن ، إنّ الله يقول : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) فأنا المنذر ، وعليّ الهادي.

قلت : يا رسول الله ، فقولك : إنّ الأرض لا تخلو من حجّة؟ قال : نعم ، عليّ هو الإمام والحجّة بعدي ، وأنت الإمام والحجّة بعده ، والحسين الإمام والحجّة والخليفة بعدك ، ولقد نبّأني اللطيف الخبير أنّه يخرج من صلب الحسين ولد يقال له عليّ سميّ جدّه عليّ ، فإذا مضى الحسين قام بالأمر بعده علي ابنه ، وهو الإمام والحجّة بعد أبيه ، ويخرج الله من صلب علي ولدا سمييّ ، وأشبه الناس بي علمه علمي ، وحكمه حكمي ، وهو الإمام والحجّة بعد أبيه ، ويخرج الله تعالى من صلب محمّد مولودا يقال له جعفر ، أصدق الناس قولا وفعلا ، وهو الإمام والحجّة بعد أبيه ، ويخرج الله تعالى من صلب جعفر مولودا يقال له موسى ، سميّ موسى بن عمران عليه‌السلام ، أشدّ الناس تعبّدا ، فهو الإمام والحجّة بعد أبيه ، ويخرج الله تعالى من صلب موسى ولدا يقال له علي ، معدن علم الله ، وموضع حكمه ، وهو الإمام والحجّة بعد أبيه ، ويخرج الله من صلب عليّ مولودا يقال له محمّد ، فهو الإمام والحجّة بعد أبيه ، ويخرج الله تعالى من صلب محمّد ولدا يقال له عليّ ، فهو الإمام والحجّة بعد أبيه ، ويخرج الله تعالى من صلب عليّ مولودا يقال له الحسن ، فهو الإمام والحجّة بعد أبيه ، ويخرج الله تعالى من صلب الحسن الحجّة القائم إمام شيعته ، ومنقذ أوليائه ، يغيب حتى لا يرى ، فيرجع عن أمره قوم ، ويثبت

٣٩١

عليه آخرون (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)(١) ولو لم يكن من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله عزوجل ذلك اليوم حتى يخرج قائمنا ، فيملأ الأرض قسطا وعدلا ، كما ملئت ظلما وجورا ، فلا تخلو الأرض منكم ، أعطاكم الله علمي وفهمي ، ولقد دعوت الله تبارك وتعالى أن يجعل العلم والفقه في عقبي وعقب عقبي وزرعي وزرع زرعي» (٢).

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (٨) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ) (٩) [سورة الرعد : ٨ ـ ٩]؟!

الجواب / قال زرارة : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله : (اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى) قال : «الذّكر والأنثى» (وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ) قال : «ما كان دون التسعة فهو غيض» (وَما تَزْدادُ) قال : «كلّما رأت الدم في حال حملها ازداد به على التسعة أشهر ، إن كانت رأت الدم خمسة أيّام أو أقلّ أو أكثر ، زاد ذلك على التسعة أشهر» (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ).

فقال : «الغيب : ما لم يكن ، والشّهادة : ما قد كان» (٤).

__________________

(١) يونس : ٤٨ ، الأنبياء : ٣٨ ، النمل : ٧١ ، سبأ : ٢٩ ، يس : ٤٨ ، الملك : ٢٥.

(٢) كفاية الأثر : ١٦٢.

(٣) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٠٥ ، ح ١٤.

(٤) معاني الأخبار : ص ١٤٦ ، ح ١.

٣٩٢

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ) (١٠) [سورة الرعد : ١٠]؟!

الجواب / قال عليّ بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى : (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ) ، قال : «فالسّرّ والعلانية عنده سواء» (١).

وقال علي بن إبراهيم في قوله تعالى : (وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ) مستخف في جوف بيته. (وَسارِبٌ بِالنَّهارِ) يعني تحت الأرض ، فذلك كلّه عند الله عزوجل واحد يعلمه (٢).

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (١١)) [سورة الرعد : ١١]؟!

الجواب / قال عليّ بن إبراهيم : إنّها قرئت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فقال لقارئها : «ألستم عربا ، فكيف تكون المعقّبات من بين يديه؟! وإنّما المعقّب من خلفه».

فقال الرجل : جعلت فداك ، كيف هذا؟ فقال : «إنّما نزل ت (له معقّبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بأمر الله) ومن ذا الذي يقدر أن يحفظ الشيء من أمر الله؟ وهم الملائكة الموكّلون بالناس» (٣).

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ٣٦٠.

(٢) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ٣٦٠.

(٣) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ٣٦٠.

٣٩٣

قال : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله : (لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ).

يقول : بأمر الله ، من أن يقع في ركيّ (١) ، أو يقع عليه حائط ، أو يصيبه شيء حتى إذا جاء القدر ، خلّوا بينه وبينه ، يدفعونه إلى المقادير ، وهما ملكان يحفظانه بالليل ، وملكان بالنهار يتعاقبانه» (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : (يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) «بأمر الله ـ ثمّ قال ـ ما من عبد إلا ومعه ملكان يحفظانه ، فإذا جاء الأمر من عند الله خلّيا بينه وبين أمر الله» (٣).

وكتب الحسين بن سعيد المكفوف ، إليه عليه‌السلام في كتاب له : جعلت فداك ، يا سيّدي ، علّم مولاك ما لا يقبل لقائله دعوة ، وما لا يؤخّر لفاعله دعوة ، وما حدّ الاستغفار الذي وعد عليه نوح ، والاستغفار الذي لا يعذّب قائله ، وكيف يلفظ بهما؟ ومعنى قوله : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ)(٤) (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ)(٥) وقوله : (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ)(٦) ، (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي)(٧) و (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ)؟ وكيف يغيّر القوم ما بأنفسهم؟

فكتب (صلوات الله عليه) : «كافأكم الله عنّي بتضعيف الثواب ، والجزاء الحسن الجميل ، وعليكم جميعا السّلام ورحمة الله وبركاته ، الاستغفار ألف ،

__________________

(١) الرّكيّ : جنس للرّكيّة ، وهي البئر ، وجمعها ، ركايا «النهاية ـ ركا ـ ج ٢ ، ص ٢٦١».

(٢) تفسير القميّ : ج ٢ ، ص ٣٦٠.

(٣) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٠٥ ، ح ١٦.

(٤) الطلاق : ٢ ، ٤ ، ٥.

(٥) الأنفال : ٤٩.

(٦) طه : ١٢٣.

(٧) طه : ١٢٤.

٣٩٤

والتوكّل : من توكّل على الله فهو حسبه ، ومن يتّق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ، وأمّا قوله : (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ) أي من قال بالأئمّة واتّبع أمرهم بحسن طاعتهم ، وأمّا التغيّر فإنّه لا يسيء إليهم حتى يتولّوا ذلك بأنفسهم بخطاياهم ، وارتكابهم ما نهى عنه» وكتب بخطّه (١).

وقال عليّ بن إبراهيم القميّ في قوله تعالى : (مِنْ والٍ) : أي من دافع (٢).

* س ١٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (١٢) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ) (١٣) [سورة الرعد : ١٢ ـ ١٣]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «قال لي أبي عليه‌السلام : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الله عزوجل جعل السحاب غرابيل للمطر ، هي تذيب البرد حتّى يصير ماء كي لا يضرّ به شيئا يصيبه ، والذي ترون فيه من البرد والصواعق نقمة من الله عزوجل يصيب بها من يشاء من عباده. ثمّ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تشيروا إلى المطر ، ولا إلى الهلال ، فإنّ الله يكره ذلك» (٣).

وقال يونس بن عبد الرحمن ، أنّ داود قال : كنّا عنده عليه‌السلام فأرعدت السّماء ، فقال هو : «سبحان من يسبّح له الرّعد بحمده والملائكة من خيفته»

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٠٦ ، ح ٢١.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٦٠.

(٣) الكافي : ج ٨ ، ص ٢٤٠ ذيل الحديث (٣٢٦) ، وقرب الإسناد : ص ٣٥.

٣٩٥

فقال له أبو بصير : جعلت فداك ، إنّ للرّعد كلاما؟ فقال : «يا أبا محمّد ، سل عمّا يعنيك ، ودع ما لا يعنيك» (١).

وقال أبو بصير ، سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرّعد ، أيّ شيء يقول؟ قال : «إنّه بمنزلة الرجل يكون في الإبل فيزجرها ، هاي هاي ، كهيئة ذلك».

قلت : فما البرق؟ قال لي : «تلك من مخاريق (٢) الملائكة ، تضرب السّحاب فتسوقه إلى الموضع الذي قضى الله فيه المطر» (٣).

قال عليّا عليه‌السلام ـ في حديث ، فيه ـ في قوله تعالى : (وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ) قال : «يريد المكر» (٤).

قال عليّ بن إبراهيم : قوله : (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً) يعني يخافه قوم ، ويطمع فيه قوم ، أن يمطروا : (وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ) يعني يرفعها من الأرض. (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ) وهو الملك الذي يسوق السّحاب (وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ) أي شديد الغضب (٥).

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٠٧ ، ح ٢٢.

(٢) المخراق : منديل أو نحوه يلوى فيضرب به ، أو يلفّ فيفزع به ، وأراد هنا أنّها آلة تزجر بها الملائكة السّحاب وتسوقه ، انظر «لسان العرب ـ خرق ـ ج ١٠ ، ص ٧٦».

(٣) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٠٧ ، ح ٢٣.

(٤) الغيبة : ص ٢٧٨ ، ح ٦٢.

(٥) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٦١.

٣٩٦

* س ١١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ) (١٤) [سورة الرعد : ١٤]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله : (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ) «فهذا مثل ضربه الله للّذين يعبدون الأصنام ، والذين يعبدون آلهة من دون الله ، فلا يستجيبون لهم بشيء ، ولا ينفعهم (إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ) ليبلغ فاه ليتناوله من بعيد ولا يناله» (١).

وقال في قوله : (وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) أي في بطلان (٢).

ثمّ قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «جاء رجل إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله ، رأيت أمرا عظيما ، فقال : وما رأيت؟

قال : كان لي مريض ، ونعت له ماء من بئر بالأحقاف يستشفى به في برهوت (٣) ، قال : فانتهيت ومعي قربة وقدح لآخذ من مائها وأصبّ في القربة وإذا بشيء قد هبط من جوّ السماء كهيئة السلسلة ، وهو يقول : يا هذا ، اسقني ، الساعة أموت. فرفعت رأسي ، ورفعت إليه القدح لأسقيه ، فإذا رجل في عنقه سلسلة ، فلمّا ذهبت أناوله القدح ، اجتذب منّي حتّى علّق بالشمس ،

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٦١.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٦١.

(٣) برهوت : بفتح الأول والثاني وضمّ الهاء وسكون الواو ، واد باليمن يوضع فيه أرواح الكفار ، وقيل : بئر بحضرموت ، وقيل : هو اسم للبلد الذي فيه هذا البئر. «معجم البلدان : ج ١ ، ص ٤٠٥».

٣٩٧

ثمّ أقبلت على الماء أغترف إذ أقبل الثانية وهو يقول : العطش العطش ، يا هذا ، اسقني ، الساعة أموت. فرفعت القدح لأسقيه ، فاجتذب منّي حتى علّق بالشمس ، حتى فعل ذلك الثالثة ، فقمت وشددت قربتي ولم أسقه.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ذاك قابيل بن آدم الذي قتل أخاه ، وهو قوله عزوجل : (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ) إلى قوله : (إِلَّا فِي ضَلالٍ)(١).

* س ١٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) (١٥) [سورة الرعد : ١٥]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) الآية : «أمّا من يسجد من أهل السماوات طوعا ، فالملائكة يسجدون لله طوعا ، أمّا من يسجد من أهل الأرض طوعا ، فمن ولد في الإسلام فهو يسجد له طوعا ، وأمّا من يسجد له كرها ، فمن أجبر على الإسلام ، وأمّا من لم يسجد فظلّه يسجد له بالغداة والعشيّ» (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في قول الله تبارك وتعالى : (وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ).

قال : «هو الدّعاء قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ، وهي ساعة إجابة» (٣).

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٦١.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٦٢.

(٣) الكافي : ج ٢ ، ص ٣٧٩ ، ح ١.

٣٩٨

* س ١٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) (١٦) [سورة الرعد : ١٦]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : لما بين سبحانه في الآية الأولى أنه المستحق للعبادة ، وأن له من في السماوات والأرض ، عقبه بما يجري مجرى الحجة على ذلك فقال : (قُلْ) يا محمد لهؤلاء الكفار (مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : من مدبرهما ومصرفهما على ما فيهما من البدائع؟ فإذا استعجم عليهم الجواب ، ولا يمكنهم أن يقولوا الأصنام ف (قُلْ) أنت لهم : رب السماوات والأرض وما بينهما من أنواع الحيوان ، والنباتات ، والجماد (اللهُ) فإذا أقروا بذلك (قُلْ) لهم على وجه التبكيت والتوبيخ لفعلهم (أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) توجهون عبادتكم إليهم ، فالصورة صورة الاستفهام ، والمراد به التقريع.

ثم بين أن هؤلاء الذين اتخذوهم من دونه أولياء (لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا) ومن لا يملك لنفسه ذلك ، فالأولى والأحرى أن لا يملك لغيره ، ومن كان كذلك ، فكيف يستحق العبادة ، وإذا قيل : كيف يكون هو السائل والمجيب والملزم بقوله : (قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) فالجواب أنه إذا كان القصد بالحجاج ما يبينه من بعد لم يمتنع ذلك ، فكأنه قال : الله الخالق ، فلماذا اتخذتم من دون الله أولياء؟ لأن الأمر الظاهر الذي لا يجيب الخصم إلا به ، لا يمتنع أن يبادر السائل إلى ذكره ، ثم يورد الكلام عليه تفاديا من التطويل ، ويكون تقدير الكلام : أليس الله ربّ السماوات والأرض ، فلم اتخذتم من دونه أولياء؟ ثم ضرب لهم سبحانه مثلا بعد إلزام الحجة. فقال : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي

٣٩٩

الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) أي كما لا يستوي الأعمى والبصير ، كذلك لا يستوي المؤمن والكافر ، لأن المؤمن يعمل على بصيره ، ويعبد الله الذي يملك النفع والضر. والكافر يعمل على عمى ، ويعبد من لا يملك النفع والضر.

ثم زاد في الإيضاح ، فقال : (أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ) أي : هل يستوي الكفر والإيمان ، أو الضلالة والهدى ، أو الجهل والعلم (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ) أي : هل جعل هؤلاء الكفار لله شركاء في العبادة ، خلقوا أفعالا مثل خلق الله تعالى من الأجسام والألوان ، والطعوم والأراييح ، والقدرة والحياة وغير ذلك من الأفعال التي يختص سبحانه بالقدرة عليها (فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ) أي : فاشتبه لذلك عليهم ما الذي خلق الله ، وما الذي خلق الأوثان. فظنوا أن الأوثان تستحق العبادة ، لأن أفعالها مثل أفعال الله. فإذا لم يكن ذلك مشتبها ، إذ كان كله لله تعالى ، لم يبق شبهة أنه الإله لا يستحق العبادة سواه ف (قُلْ) لهم : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) يستحق به العبادة من أصول النعم وفروعها (وَهُوَ الْواحِدُ) ومعناه أنه يستحق من الصفات ما لا يستحقه غيره ، فهو قديم لذاته ، قادر لذاته ، عالم لذاته ، حي لذاته ، غني لا مثل له ، ولا شبه. وقيل : الواحد هو الذي لا يتجزأ ، ولا يتبعض. وقيل : هو الواحد في الإلهية لا ثاني له في القدم. (الْقَهَّارُ) : الذي يقهر كل قادر سواه ، ولا يمتنع عليه شيء .... (١).

* س ١٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ (١٧)

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٦ ، ص ٢٥ ـ ٢٦.

٤٠٠