التيسير في التفسير للقرآن - ج ٣

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٣

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٢

بكى بكاء شديدا. ومعنى قوله : (وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ) أي في عمل تعمله خيرا أو شرّا (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ) أي لا يغيب عنه (مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ)(١).

* س ٤٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٦٣) لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(٦٤) [يونس : ٦٤ ـ ٦٢]؟!

جواب / سئل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام عن قوله تعالى : (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ). فقيل له : من هؤلاء الأولياء؟ فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «هم قوم أخلصوا لله تعالى في عبادته ، ونظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها ، فعرفوا آجلها حين غرّ الخلق سواهم بعاجلها ، فتركوا منها ما علموا أنه سيتركهم ، وأماتوا منها ما علموا أنه سيميتهم».

ثم قال : «أيّها المعلل نفسه بالدنيا ، الراكض على حبائلها ، المجتهد في عمارة ما سيخرب منها ، ألم تر إلى مصارع آبائك في البلى (٢) ، ومضاجع أبنائك تحت الجنادل والثّرى ، كم مرّضت بيديك وعلّلت بكفّيك ، تستوصف لهم الأطباء وتستعتب لهم الأحباء فلم يغن عنهم غناؤك ، ولا ينجع فيهم دواؤك» (٣).

ثم قال : «تدرون من أولياء الله؟» قالوا : من هم ، يا أمير المؤمنين؟ فقال : «هم نحن وأتباعنا فمن تبعنا من بعدنا ، طوبى لهم ، وطوباهم أفضل من طوبانا».

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣١٣.

(٢) البلى : الفناء.

(٣) الأمالي : ص ٨٦ ، ح ٢.

٢٤١

قيل : يا أمير المؤمنين ، ما شأن طوباهم أفضل من طوبانا؟ ألسنا نحن وهم على أمر؟

قال : «لا ، لأنهم حملوا ، وأطاقوا ما لم تطيقوا» (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام ، قال : «وجدنا في كتاب علي بن الحسن عليه‌السلام (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) قال : إذا أدوا فرائض الله ، وأخذوا بسنن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتورعوا عن محارم الله ، وزهدوا في عاجل زهرة الدنيا ، ورغبوا فيما عند الله ، واكتسبوا الطيب من رزق الله ، لا يريدون به التفاخر والتكاثر ، ثم أنفقوا فيما يلزمهم من حقوق واجبة ، فأولئك الذين بارك الله لهم فيما اكتسبوا ، ويثابون على ما قدموا لآخرتهم» (٢).

قال ابن بابويه مرسلا : أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجل من أهل البادية له حشم وجمال ، فقال : يا رسول الله ، أخبرني عن قول الله عزوجل : (الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ).

فقال : «أما قوله تعالى : (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) فهي الرؤيا الحسنة ، يراها المؤمن فيبشّر بها في دنياه ، وأمّا قول الله عزوجل : (وَفِي الْآخِرَةِ) فإنّها بشارة المؤمن عند الموت ، يبشّر بها عند موته ، إن الله قد غفر لك ولمن يحملك إلى قبرك (٣).

وقال علي بن إبراهيم القمي : وقوله : (لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ) أي لا تغيير للإمامة ، والدليل على أن الكلمات الإمامة ، قوله : (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً

__________________

(١) تفسير العياشيّ : ج ٢ ، ص ١٢٤ ، ح ٣٠.

(٢) تفسير العياشيّ : ج ٢ ، ص ١٢٤ ، ح ٣١.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ج ١ ، ص ٧٩ ، ح ٣٥٦ ، الدر المنثور : ج ٤ ، ص ٣٧٥.

٢٤٢

فِي عَقِبِهِ)(١) يعني الإمامة (٢).

* س ٤٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٦٥) [يونس : ٦٥]؟!

جواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : (وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) : ظاهره النهي ، والمراد به التسلية للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أقوالهم المؤذية ، وهو مثل قولهم : لا رأيتك ههنا ، أي : لا تكن ههنا ، فمن كان ههنا رأيته ، وكذلك المراد بالآية لا تعبأ بأذاهم فمن عبأ به أذاه أذاهم.

(إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) فيمنعهم منك بعزته ، ويدفع أذاهم عنك بقدرته ، وقيل : معناه لا يحزنك قولهم : إنك ساحر ، أو مجنون ، فسينصرك الله عليهم ، وسيذلهم ، وينتقم منهم لك ، فإنه عزيز قادر عليه (هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) يسمع أقوالهم ، ويعلم ضمائرهم فيجازيهم عليها ، ويدفع عنك شرهم ، ويرد كيدهم ، وضرهم (٣).

* س ٤٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (٦٦) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) (٦٧) [يونس : ٦٧ ـ ٦٦]؟!

جواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : لما سلى الله سبحانه نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : (وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) فإنهم لا يفوتونني ، بين بعد ذلك ما يدل

__________________

(١) الزخرف : ٢٨.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣١٤.

(٣) مجمع البيان : ج ٥ ، ص ٢٠٧ ـ ٢٠٨.

٢٤٣

على صحته ، فقال : (أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) يعني العقلاء ، وإذا كان له ملك العقلاء فما عداهم تابع لهم ، وإنما خص العقلاء تفخيما (وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكاءَ) يحتمل ما ها هنا وجهين :

١ ـ أن يكون بمعنى أي شيء ، فكأنه قال : وأي شيء يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء ، تقبيحا لفعلهم.

٢ ـ أن يكون نافية أي : وما يتبعون شركاء في الحقيقة. ويحتمل وجها ثالثا وهو أن يكون (ما) بمعنى الذي ، ويكون منصوبا بالعطف على (مَنْ). ويكون التقدير : والذي يتبع الأصنام الذين يدعونهم من دون الله شركاء ، فحذف العائد من الصلة ، و (شُرَكاءَ) حال من ذلك المحذوف. وإن جعلت (ما) نفيا فقوله (شُرَكاءَ) ينتصب بيد عونه ، والعائد إلى (الَّذِينَ) الواو في (يَدْعُونَ) ، ويكون قوله (إِنْ يَتَّبِعُونَ) مكررا لطول الكلام. وتقف في هذا القول على قوله (وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) وفي ذلك القول على قوله (شُرَكاءَ). (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) أي : ليس يتبعون في اتخاذهم مع الله شركاء إلا الظن ، لتقليدهم أسلافهم في ذلك ، أو لشبهة دخلت عليهم ، بأنهم يتقربون بذلك إلى الله تعالى (وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) أي : وليسوا إلا كاذبين بهذا الاعتقاد والقول : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ) معناه : إن الذي يملك من في السموات ، ومن في الأرض ، هو الذي خلق لكم الليل لسكونكم ، ولأن يزول التعب والكلال عنكم بالسكون فيه (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) أي : وجعل النهار مبصرا مضيئا ، تبصرون فيه ، وتهتدون به في حوائجكم بالإبصار (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) أي : لحججا ودلالات على توحيد الله سبحانه من حيث لا يقدر على ذلك غيره (لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) الحجج ، سماع تدبر ، وتفهم ، وتعقل (١).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٥ ، ص ٢٠٧ ـ ٢٠٨.

٢٤٤

* س ٤٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٦٨) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (٦٩) مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) (٧٠) [يونس : ٧٠ ـ ٦٨]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : ثم حكى الله سبحانه عن صنف من الكفار أنهم أضافوا إليه اتخاذ الولد ، وهم طائفتان إحداهما : كفار قريش والعرب ، فإنهم قالوا : الملائكة بنات الله ، والأخرى : النصارى الذين قالوا المسيح ابن الله ، فقال سبحانه (قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) وإنما قال (قالُوا) ، وإن لم يكن سبق ذكرهم ، لأنهم كانوا بحضرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان يعرفهم. وتصح الكناية عن المعلوم كما تصح عن المذكور (سُبْحانَهُ) أي : تنزيها له عما قالوا (هُوَ الْغَنِيُ) عن اتخاذ الولد. ثم بين سبحانه الوجه فيه فقال : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ومعناه : إذا كان له ما في السموات وما في الأرض ملكا ، وملكا ، وخلقا ، فهو الغني عن اتخاذ الولد ، لأن الإنسان إنما يتخذ الولد ليتقوى به من ضعف ، أو ليستغني به من فقر ، والله سبحانه منزه عن ذلك ، وإذا استحال اتخاذ الولد حقيقة عليه سبحانه ، استحال عليه اتخاذ الولد على وجه التبني. (إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا) أي : ما عندكم من حجة وبرهان بهذا (أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) هذا توبيخ من الله سبحانه لهم على قولهم ذلك.

ثم بين سبحانه الوعيد لهم على ذلك ، فقال : (قُلْ) يا محمد (إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ) أي : يكذبون (عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) باتخاذ الولد ، وغير ذلك (لا يُفْلِحُونَ) أي : لا يفوزون بشيء من الثواب. وأصل الافتراء من القطع ،

٢٤٥

من فريت الأديم أي : قطعته. فمعناه يقطعون الكذب الذي يكذبون به على الله تعالى. وقوله : (مَتاعٌ فِي الدُّنْيا) معناه : لهم متاع في الدنيا يتمتعون به أياما قلائل ، ثم تنقضي ، وقوله : (ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ) أي : ثم إلى حكمنا مصيرهم (ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ) وهو عذاب النار (بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) أي : بكفرهم (١).

* س ٤٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ) (٧١) [يونس : ٧١]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم في قوله : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ) مخاطبة لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (نَبَأَ نُوحٍ) أي خبر نوح (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي (٢) وَتَذْكِيرِي (٣) بِآياتِ اللهِ (٤) فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ (٥) فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ) الذين تعبدون (ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً) أي لا تغتمّوا (ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَ) أي ادعوا عليّ (وَلا تُنْظِرُونِ)(٦).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٥ ، ص ٢٠٨ ـ ٢٠٩.

(٢) أي : شق وعظم عليكم إقامتي بين أظهركم.

(٣) وعظي وتنبيهي إياكم.

(٤) أي بحججه وبيناته على صحة التوحيد والعدل ، والنبوة ، والمعاد ، وبطلان ما تدينون به.

(٥) معناه : فإلى الله فوضت أمري ، وبه وثقت أن يكفيني أمركم.

(٦) تفسير القمي : ج ١ ـ ص ٣١٤.

٢٤٦

* س ٤٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٧٢) فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ) (٧٣) [يونس : ٧٣ ـ ٧٢]؟!

الجواب / قال الطبرسيّ : (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ) أي : ذهبتم عن الحق وأتباعه ، ولم تقبلوه ، ولم تنظروا فيه (فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ) أي : لا أطلب منكم أجرا على ما أؤديه إليكم من الله فيثقل ذلك عليكم. وقيل : معناه إن أعرضتم عن قبول قولي ، لم يضرني ، لأني لم أطلع فيما لكم ، فيفوتني ذلك بتوليكم عني ، وإنما يعود الضرر عليكم (إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ) أي : ما أجري إلا على الله في القيام بأداء الرسالة (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) أي : أمرني الله بأن أكون من المستسلمين لأمر الله بطاعته ثقة بأنها خير ما يكتسبه العباد.

(فَكَذَّبُوهُ) يعني أنهم كذبوا نوحا أي : نسبوه إلى الكذب فيما يذكره من أنه نبي الله ، وإن الله بعثه إليهم ليدعوهم إلى طاعته (فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ) أي : في السفينة (وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ) أي : جعلنا الذين نجوا مع نوح خلفاء لمن هلك بالغرق. وقيل : إنهم كانوا ثمانين نفسا. وقال البلخي : يجوز أن يكون أراد جعلناهم رؤساء في الأرض (وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) أي : أهلكنا باقي أهل الأرض أجمع لتكذيبهم لنوح عليه‌السلام. (فَانْظُرْ) أيها السامع (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ) أي : المخوفين بالله وعذابه ، أي كيف أهلكهم الله (١).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٥ ، ص ٢١١ ـ ٢١٢.

٢٤٧

* س ٤٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (٧٤) ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ بِآياتِنا فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (٧٥) فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (٧٦) قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (٧٧) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ) (٧٨) [يونس : ٧٨ ـ ٧٤]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : «إن الله عزوجل خلق الخلق ، فخلق من أحبّ مما أحبّ ، وكان ما أحبّ أن خلقه من طينة الجنّة. وخلق من أبغض مما أبغض ، وكان ما أبغض أن خلقه من طينة النار ، ثم بعثهم في الظّلال».

فقلت : وأيّ شيء الظّلال؟ فقال : «ألم تر إلى ظلّك في الشّمس شيئا وليس بشيء؟ ثمّ بعث منهم النبيّين ، فدعوهم إلى الإقرار بالله عزوجل ، وهو قوله عزوجل (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ)(١) ، ثم دعوهم إلى الإقرار بالنبيّين ، فأقرّ بعض وأنكر بعض ، ثم دعوهم إلى ولايتنا ، فأقرّ بها والله من أحبّ ، وأنكرها من أبغض. وهو قوله : (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ). ثم قال : أبو جعفر عليه‌السلام : «كان التّكذيب ثمّ (٢)» (٣).

وعن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه‌السلام ، قالا : إن الله خلق الخلق وهي أظلّة ، فأرسل رسوله محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فمنهم من آمن به ، ومنهم من كذّبه ، ثم بعثه

__________________

(١) الزخرف : ٨٧.

(٢) ثمّ هنا : ظرف لا يتصرّف ، بمعنى هنالك.

(٣) الكافي : ج ٢ ، ص ٨ ، ح ٣. علل الشرائع : ص ١١٨ ، ح ٣.

٢٤٨

في الخلق الآخر فآمن به من كان آمن به في الأظلّة ، وجحده من جحد به يومئذ ، فقال : (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ)(١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قوله : (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ) إلى قوله (بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ) ، قال : «بعث الله الرسل إلى الخلق وهم في أصلاب الرّجال وأرحام النّساء ، فمن صدّق حينئذ صدّق بعد ذلك» (٢).

وقال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : ثم بين سبحانه قصة من بعثه بعد نوح ، فقال : (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ) أي : من بعد نوح ، وإهلاك قومه (رُسُلاً) يريد إبراهيم ، وهودا ، وصالحا ، ولوطا ، وشعيبا (إِلى قَوْمِهِمْ) الذين كانوا فيهم بعد أن تناسلوا ، وكثروا (فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي : فأتوهم بالبراهين والمعجزات الدالة على صدقهم ، الشاهدة بنبوتهم (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ) أي لم يكونوا ليصدقوا ، يعني أولئك الأقوام الذين بعث إليهم الرسل ، بما كذبت به أوائلهم الذين هم قوم نوح أي : كانوا مثلهم في الكفر والعتو. وقيل : معناه لم يكن منهم من يؤمن من بعد هذه الآيات بما كذبوا به من قبلها ، بل كانت الحالتان سواء عندهم قبل البينات وبعدها ...

(كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ) أي : نجعل على قلوب الظالمين لنفوسهم ، الذين تعدوا حدود الله ، سمة وعلامة على كفرهم ، يلزمهم الذم بها ، ويعرفهم بها الملائكة ، كما فعلنا ذلك بقلوب هؤلاء الكفار.

وقد مر معاني الطبع والختم فيما تقدم (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ) أي : من الرسل ، أو من بعد الأمم (مُوسى وَهارُونَ) عليه‌السلام نبيين مرسلين (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) أي : ورؤساء قومه (بِآياتِنا) أي : بأدلتنا ومعجزاتنا (فَاسْتَكْبَرُوا) عن الانقياد لها ، والإيمان بها (وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ) عاصين

__________________

(١) تفسير العياشيّ : ج ٢ ، ص ١٢٦ ، ح ٣٥.

(٢) تفسير العياشيّ : ج ٢ ، ص ١٢٦ ، ح ٣٦.

٢٤٩

لربهم ، مستحقين للعقاب الدائم (فَلَمَّا جاءَهُمُ) أي : جاء قوم فرعون (الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا) يعني : ما أتى به موسى من المعجزات والبراهين (قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ) أي : ظاهر.

(قالَ مُوسى) لهم (أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا) أي : أتقولون لمعجزاته سحر ، والسحر باطل ، والمعجز حق ، وهما متضادان (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ) أي : لا يظفرون بحجة ، ولا يأتون على ما يدعونه بينة ، وإنما هو تمويه على الضعفة (قالُوا) يعني قال فرعون وقومه لموسى : (أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) أي لتصرفنا عن ذلك (وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ) أي : الملك ... وقيل : العظمة والسلطان ، والأصل أن الكبرياء : استحقاق صفة الكبر في أعلى المراتب (فِي الْأَرْضِ) أي : في أرض مصر. وقيل : أراد اسم الجنس ، والمراد به الإنكار ، وإن كان اللفظ لفظ الاستفهام ، تعلقوا بالشبهة في أنهم على رأي آبائهم ، وإن من دعاهم إلى خلافه ، فظاهر أمره أنه يريد التآمر عليهم فلم يطيعوه وما نحن لكما بمؤمنين أي : بمصدقين فيما تدعيانه من النبوة (١).

* س ٤٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (٧٩) فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (٨٠) فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (٨١) وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) (٨٢) [يونس : ٨٢ ـ ٧٩]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : (وَقالَ فِرْعَوْنُ) حكى الله سبحانه عن فرعون أنه حين أعجزه المعجزات التي ظهرت لموسى عليه‌السلام ،

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٥ ، ص ٢١٣.

٢٥٠

ولم يكن له في دفعها حيلة ، قال لقومه : (ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ) بالسحر بليغ في عمله ، وإنما طلب فرعون كل ساحر ، ليتعاونوا على دفع ما أتى به موسى ، وحتى لا يفوته شيء من السحر بتأخر بعضهم. وإنما فعل ذلك للجهل بأن ما أتى به موسى من عند الله ، وليس بسحر ، وبعد ذلك علم أنه ليس بسحر ، فعائد كما قال سبحانه (لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ) وقيل : أنه علم أنه ليس بسحر ، ولكنه ظن أن السحر يقاربه مقاربة تشبيه.

(فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ) الذين طلبهم فرعون ، وأمر بإحضارهم وموسى حاضر (قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ) وفي الكلام حذف يدل عليه الظاهر وتقديره فلما أتوه بالسحرة وبالحبال والعصي قال لهم موسى (أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ) أي : اطرحوا ما جئتم به. وقيل : معناه افعلوا ما أنتم فاعلون. وهذا ليس بأمر بالسحر ، ولكنه قال ذلك على وجه التحدي والإلزام أي : من كان عنده ما يقاوم المعجزات ، فليلقه. وقيل : إنه أمر على الحقيقة بالإلقاء ليظهر بطلانه ، وإنما لم يقتصر على قوله (أَلْقُوا) لأنه أراد ألقوا جميع ما أنتم ملقون في المستأنف ، فلو اقتصر على (أَلْقُوا) ما أفاد هذا المعنى. والإلقاء : إخراج الشيء عن اليد إلى جهة الأرض ، ويشبه بذلك قولهم : ألقى عليه مسألة ، وألقى عليه رداه (فَلَمَّا أَلْقَوْا) أي : فلما ألقت السحرة سحرهم (قالَ مُوسى) لهم (ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ) أي : الذي جئتم به من الحبال ، والعصي ، السحر. أدخل عليه الألف واللام للعهد ، لأنهم لما قالوا لما أتى به موسى أنه سحر قال عليه‌السلام : ما جئتم به هو السحر ... (إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ) أي : سيبطل هذا السحر الذي فعلتموه (إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) معناه : إن الله لا يهيء عمل من قصد إفساد الدين ، ولا يمضيه ويبطله حتى يظهر الحق من الباطل ، والمحق من المبطل. (وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَ) أي : يظهر الله الحق ،

٢٥١

ويحققه ، ويثبته ، وينصر أهله.

(بِكَلِماتِهِ) قيل في معناه أقوال :

١ ـ إن معناه بوعد موسى عليه‌السلام ، وكان وعده النصر ، فأنجز وعده ...

٢ ـ إن معناه بكلامه الذين يتبين له معاني الآيات التي أتاها نبيه ...

٣ ـ بما سبق من حكمه في اللوح المحفوظ ، بأن ذلك سيكون (وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) ظهور الحق ، وإبطال الباطل.

وفي هذه الآية دلالة على أنه تعالى ينصر المحقين كلهم في حقهم وذلك على وجهين :

١ ـ بالحجة ، فهذه النصرة مستمرة على كل حال.

٢ ـ بالغلبة والقهر ، وهذا يختلف بحسب المصلحة ، لأن المصلحة قد تكون بالتخلية تارة ، وبالحيلولة أخرى (١).

* س ٥٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَما آمَنَ لِمُوسى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ) (٨٣) [يونس : ٨٣]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ : ثم بين سبحانه من آمن من قوم موسى عليه‌السلام فقال : (فَما آمَنَ لِمُوسى) أي : لم يصدق موسى في ما ادعى من النبوة ، مع ما أظهره من المعجزات الظاهرة (إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ) أي : أولاد من قوم فرعون. وقيل : أراد من قوم موسى عليه‌السلام ، وهم بنو إسرائيل الذين كانوا بمصر. واختلف من قال بالأول ، فقيل : إنهم قوم كانت أمهاتهم من بني إسرائيل ، وآباؤهم من القبط ، فاتبعوا أمهاتهم وأخوالهم ...

وقيل : إنهم أناس يسير من قوم فرعون ، منهم امرأة فرعون ، ومؤمن آل

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٥ ، ص ٢١٥.

٢٥٢

فرعون ، وجارية ، وامرأة هي مشاطة امرأة فرعون ...

وقيل : إنهم بعض أولاد القبط ، لم يستجب آباؤهم موسى. واختلف من قال بالثاني ، فقيل : هم جماعة من بني إسرائيل ، أخذهم فرعون لتعلم السحر ، وجعلهم من أصحابه ، فآمنوا بموسى ... وقيل : أراد مؤمني بني إسرائيل ، وكانوا ستمائة ألف ، وكان يعقوب دخل مصر منهم باثنين وسبعين إنسانا ، فتوالدوا حتى بلغوا ستمائة ألف ، وإنما سماهم ذرية على وجه التصغير لضعفهم ...

وقال مجاهد : أراد بهم أولاد الذين أرسل إليهم موسى من بني إسرائيل لطول الزمان هلك الآباء ، وبقي الأبناء.

(عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ) يعني آمنوا وهم خائفون من معرة فرعون (وَمَلَائِهِمْ) ومن أشرافهم ورؤسائهم.

وقال الزجاج : وإنما جاز أن يقال (وَمَلَائِهِمْ) لأن فرعون ذو أصحاب يأتمرون له. وقيل : إن الضمير في (مَلَائِهِمْ) راجع إلى الذرية ، لأن آباؤهم كانوا من القبط ، وكانوا يخافون قومهم من القبط أن يصرفوهم عن دينهم ، ويعذبوهم. (أَنْ يَفْتِنَهُمْ) أي : يصرفهم عن الدين ، يعني أن يمتحنهم لمحنة لا يمكنهم الصبر عليها ، فينصرفون عن الدين. وكان جنود فرعون يعذبون بني إسرائيل ، فكان خوفهم منه ومنهم.

(وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ) أي : مستكبر باغ طاغ في أرض مصر ونواحيها (وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ) أي : من المجاوزين الحد في العصيان ، لأنه ادعى الربوبية ، وأسرف في القتل ، والظلم ، والإسراف : التجاوز عن الحد في كل شيء (١).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٥ ، ص ٢١٦ ـ ٢١٧.

٢٥٣

* س ٥١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (٨٤) فَقالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٨٥) وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) (٨٦) [يونس : ٨٦ ـ ٨٤]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ فَقالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) : «فإنّ قوم موسى استعبدهم آل فرعون ، وقالوا : لو كان لهؤلاء على الله كرامة كما يقولون ما سلّطنا عليهم. فقال موسى لقومه : (يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ فَقالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ)(١).

وعن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه‌السلام ، عن قوله : (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ، قال : «لا تسلّطهم علينا فتفتنهم بنا» (٢).

* س ٥٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (٨٧) [يونس : ٨٧]؟!

الجواب / قال أبو إبراهيم عليه‌السلام : «لمّا خافت بنو إسرائيل جبابرتها ، أوحى الله إلى موسى وهارون عليهما‌السلام : (أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً) ـ قال ـ أمروا أن يصلّوا في بيوتهم» (٣).

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣١٤.

(٢) تفسير العياشيّ : ج ٢ ، ص ١٢٧ ، ح ٣٨.

(٣) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣١٤.

٢٥٤

وقال علي بن إبراهيم القميّ ، في قوله تعالى : (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً) : يعني بيت المقدس (١).

وروي إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطب الناس ، فقال : «أيّها الناس ، إنّ الله أمر موسى وهارون أن يبنيا لقومهما بمصر بيوتا ، وأمرهما أن لا يبيت في مسجدهما جنب ، ولا يقرب فيه النساء إلّا هارون وذرّيّته ، وإنّ عليّا منّي بمنزلة هارون وذرّيته من موسى ، فلا يحلّ لأحد أن يقرب النساء في مسجدي ، ولا يبيت فيه جنب إلّا عليّ وذرّيّته ، فمن ساءه ذلك فها هنا». وأشار بيده نحو الشام (٢).

* س ٥٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٨٨) قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)(٨٩) [يونس : ٨٩ ـ ٨٨]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً) أي ملكا (وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ) أي يفتنوا الناس بالأموال والعطايا ليعبدوه ولا يعبدوك (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ) أي أهلكها (وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) فقال الله عزوجل : (قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) أي لا تتّبعا سبيل فرعون وأصحابه (٣).

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣١٤.

(٢) تفسير العياشيّ : ج ٢ ، ص ١٢٧ ، ح ٣٩.

(٣) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣١٥.

٢٥٥

وقال الصادق عليه‌السلام : «كان بين أن قال : (قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما) وبين أخذ فرعون أربعون سنة» (١).

* س ٥٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩٠) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٩١) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ) (٩٢) [يونس : ٩٢ ـ ٩٠]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً) إلى قوله : (وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) : «فإن بني إسرائيل قالوا : يا موسى ، ادع الله أن يجعل لنا مما نحن فيه فرجا. فدعا ، فأوحى الله إليه : أن أسر بهم. قال : يا ربّ ، البحر أمامهم. قال : امض ، فإنّي آمره أن يطيعك وينفرج لك.

فخرج موسى ببني إسرائيل ، وأتبعهم فرعون حتى إذا كاد أن يلحقهم ، ونظروا إليه وقد أظلّهم ، قال موسى للبحر : انفرج لي. قال : ما كنت لأفعل. وقال بنو إسرائيل لموسى : غررتنا وأهلكتنا ، فليتك تركتنا يستعبدنا آل فرعون ، ولم نخرج إلى أن نقتل قتلة. قال : (كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ)(٢).

واشتدّ على موسى ما كان يصنع به عامّة قومه ، وقالوا : يا موسى ، إنّا لمدركون ، وزعمت أن البحر ينفرج لنا حتى نمضي ونذهب ، فقد رهقنا فرعون وقومه ، وهم هؤلاء نراهم قد دنوا منّا. فدعا موسى ربّه ، فأوحى الله

__________________

(١) الاختصاص : ص ٢٦٦.

(٢) الشعراء : ٦٢.

٢٥٦

إليه : (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ)(١) فضربه فانفلق البحر ، فمضى موسى وأصحابه حتى قطعوا البحر ، وأدركهم آل فرعون ، فلما نظروا إلى البحر ، قالوا لفرعون : ما تعجب مما ترى؟ قال : أنا فعلت هذا. فمرّوا ومضوا فيه ، فلمّا توسّط فرعون ومن معه ، أمر الله البحر فأطبق عليهم ، فأغرقهم أجمعين ، فلمّا أدرك فرعون الغرق (قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) يقول الله : (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) يقول : كنت من العاصين (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ) ـ قال ـ إنّ قوم فرعون ذهبوا أجمعين في البحر ، فلم ير منهم أحد ، هووا في البحر إلى النار ، وأمّا فرعون فنبذه الله وحده فألقاه بالسّاحل لينظروا إليه وليعرفوه ، ليكون لمن خلفه آية ، ولئلّا يشكّ أحد في هلاكه ، لأنّهم كانوا اتّخذوه ربّا ، فأراهم الله إيّاه جيفة ملقاة بالساحل ، ليكون لمن خلفه عبرة وعظة ، يقول الله : (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ)(٢).

* س ٥٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (٩٣) [يونس : ٩٣]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي (رحمه‌الله تعالى) : قوله : (وَلَقَدْ بَوَّأْنا) أخبار منه تعالى أنه وطأ منزل بني إسرائيل والتبوء توطئة المنزل لصاحبه الذي يأوي إليه ...

وقوله : (مُبَوَّأَ صِدْقٍ) أي منزل صدق أي فيه فضل كفضل الصدق ،

__________________

(١) الشعراء : ٦٣.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣١٥.

٢٥٧

كما يقال : أخو صدق وقيل : إنه يصدق فيما يدل عليه من جلالة النعمة. وقوله (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) أي ملكناهم الأشياء اللذيذة. والرزق العقد على العطاء الجاري ، ودلت الآية على سعة أرزاق بني إسرائيل وقوله (فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ) قيل في معناه وجهان :

أنهم كانوا على الكفر فما اختلفوا حتى جاءهم الدليل المؤدي إلى العلم من جهة الرسول والكتاب ، فآمن فريق وكفر آخرون ... وقال قوم : كانوا على الإقرار بالنبي قبل مبعثه بصفته ونعته ، فما اختلفوا حتى جاءهم معلوم العلم به. والمنزل الصدق الذي أنزلوه قيل فيه ثلاثة أقوال :

١ ـ هو مصر وهو منزل صالح خصب آمن.

٢ ـ هو الشام وبيت المقدس.

٣ ـ هو الشام ومصر.

وقوله (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) إخبار منه تعالى أنه الذي يتولى الفصل بين بني إسرائيل في الأمور التي يختلفون فيها (١).

* س ٥٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ) (٩٤) [يونس : ٩٤]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لمّا أسري برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى السّماء ، فأوحى الله إليه في عليّ (صلوات الله عليه) ما أوحى من شرفه وعظمه عند الله ، وردّ إلى البيت المعمور ، وجمع له النبيّين فصلّوا خلفه ، عرض في نفس

__________________

(١) التبيان : ج ٥ ، ص ٤٢٩.

٢٥٨

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عظم ما أوحى الله إليه في عليّ عليه‌السلام ، فأنزل الله : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ) يعني الأنبياء ، فقد أنزلنا عليهم في كتبهم من فضله ما أنزلنا في كتابك (لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ ، وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ)(١)». فقال الصادق عليه‌السلام : «فو الله ما شكّ وما سأل» (٢).

وقال محمد بن سعيد الإذخري ـ وكان ممّن يصحب موسى بن محمد بن علي الرضا عليه‌السلام ـ أنّ موسى أخبره ، أنّ يحيى بن أكثم كتب إليه يسأله عن مسائل ، فيها : وأخبرني عن قول الله عزوجل : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ) من المخاطب بالآية؟ فإن كان المخاطب بها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أليس قد شكّ فيما أنزل الله عزوجل إليه؟ وإن كان المخاطب غيره فعلى غيره إذن أنزل القرآن؟

قال موسى : فسألت أخي علي بن محمد عليه‌السلام عن ذلك ، فقال : «أمّا قوله : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ) فإنّ المخاطب بذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم يكن في شكّ مما أنزل الله عزوجل ، ولكن قالت الجهلة : كيف لا يبعث إلينا نبيّا من الملائكة؟ إنّه لم يفرّق بينه وبين غيره في الاستغناء عن المأكل والمشرب والمشي في الأسواق. فأوحى الله عزوجل إلى نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ) بمحضر من الجهلة ، هل بعث الله رسولا قبلك إلّا وهو يأكل الطّعام ويمشي في الأسواق؟ ولك بهم أسوة ، وإنّما قال : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍ) ولم يكن ،

__________________

(١) يونس : ٩٥.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣١٦.

٢٥٩

ولكن لينصفهم ، كما قال له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ)(١) ولو قال : تعالوا نبتهل فنجعل لعنة الله عليكم. لم يكونوا يجيبون للمباهلة عرف أنّ نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مؤدّ عنه رسالته ، وما هو من الكاذبين ، وكذلك عرف النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه صادق فيما يقول ، لكن أحبّ أن ينصف من نفسه» (٢).

وسئل الباقر عليه‌السلام عن قوله تعالى : (فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ).

فقال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لمّا أسري بي إلى السماء الرابعة أذّن جبرئيل وأقام ، وجمع النبيّين والصدّيقين والشهداء والملائكة ، ثمّ تقدّمت وصلّيت بهم ، فلما انصرفت قال لي جبرئيل : قل لهم : بم تشهدون؟ قالوا : نشهد أن لا إله إلّا الله وأنّك رسول الله ، وأنّ عليّا أمير المؤمنين» (٣).

* س ٥٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٩٥) [يونس : ٩٥]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسيّ : هذا الكلام عطف على قوله (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ) أي من جملة من يجحد بآيات الله ولا يصدق بها فإنك إن فعلت ذلك كنت من الخاسرين. والمراد بالخطاب غير النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من جملة أمته من كان شاكا في نبوته. والنون في قوله (لا تَكُونَنَ) نون التأكيد ، وهي تدخل في غير الواجب لأنك لا تقول أنت تكونن ، دخلت في القسم على هذا الوجه لأنه يطلب بالقسم التصديق ، وبني

__________________

(١) آل عمران : ٦١.

(٢) علل الشرائع : ص ١٢٩ ، ح ١.

(٣) البحار : ج ٣٧ ، ص ٣٣٨ ، ح ٧٩ عن تأويل الآيات.

٢٦٠