التيسير في التفسير للقرآن - ج ٣

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٣

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٢

الفعل مع نون التأكيد لأنها ركبت مع الفعل على تقدير كلمتين كل واحدة مركبة مع الأخرى مع أن الأولى ساكنة ، واقتضت حركة بناء لالتقاء الساكنين. وإنما شبه الكافر بالخاسر مع أن حاله أعظم من حال الخاسر لأن حال الخاسر قد جرت بها عادة. وذاق طعم الحسرة فيها فرد إليها لبيان أمرها ، وخسران النفس الذي هو أعظم منها (١).

* س ٥٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) (٩٧) [يونس : ٩٧ ـ ٩٦]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : الذين جحدوا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وقوله : (حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) قال : عرضت عليهم الولاية ، وقد فرض الله عليهم الإيمان بها ، فلم يؤمنوا بها (٢).

* س ٥٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) (٩٨) [يونس : ٩٨]؟!

الجواب / قال أبو عبيدة الحذّاء ، سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «وجدنا في بعض كتب أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : حدّثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن جبرئيل عليه‌السلام حدّثه أن يونس بن متّى عليه‌السلام بعثه الله إلى قومه وهو ابن ثلاثين سنة ، وكان رجلا يعتريه الحدّة وكان قليل الصّبر على قومه والمداراة لهم ، عاجزا عمّا حمّل من ثقيل حمل أوقار النبوّة وأعلامها ، وأنّه تفسّخ تحتها كما يتفسّخ الجذع تحت حمله (٣).

__________________

(١) التبيان : ج ٥ ، ص ٤٢٩.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣١٧.

(٣) الجذع : الشاب من الإبل ، والكلام كناية عن عدم التحمّل لما يعرض له.

٢٦١

وأنّه أقام فيهم يدعوهم إلى الإيمان بالله والتصديق به واتّباعه ثلاثا وثلاثين سنة ، فلم يؤمن به ولم يتّبعه من قومه إلا رجلان اسم أحدهما روبيل ، واسم الآخر تنوخا ، وكان روبيل من أهل بيت العلم والنبوّة والحكمة ، وكان قديم الصحبة ليونس بن متّى من قبل أن يبعثه الله بالنبوّة. وكان تنوخا رجلا مستضعفا عابدا زاهدا ، منهمكا في العبادة ، وليس له علم ولا حكم ، وكان روبيل صاحب غنم يرعاها ويتقوّت منها ، وكان تنوخا رجلا حطّابا يحتطب على رأسه ، ويأكل من كسبه. وكان لروبيل منزلة من يونس غير منزلة تنوخا ، لعلم روبيل وحكمته وقديم صحبته.

فلمّا رأى يونس أن قومه لا يجيبونه ولا يؤمنون ، ضجر وعرف من نفسه قلّة الصّبر ، فشكا ذلك إلى ربّه ، وكان فيما شكا أن قال : يا ربّ ، إنّك بعثتني إلى قومي ولي ثلاثون سنة ، فلبثت فيهم أدعوهم إلى الإيمان بك والتّصديق برسالاتي ، وأخوّفهم عذابك ونقمتك ثلاثا وثلاثين سنة ، فكذّبوني ولم يؤمنوا بي ، وجحدوا نبوّتي واستخفّوا برسالاتي ، وقد تواعدوني وخفت أن يقتلوني ، فأنزل عليهم عذابك ، فإنّهم قوم لا يؤمنون».

قال : «فأوحى الله إلى يونس : أنّ فيهم الحمل والجنين والطفل ، والشيخ الكبير والمرأة الضّعيفة والمستضعف المهين ، وأنا الحكم العدل ، سبقت رحمتي غضبي ، لا أعذّب الصغار بذنوب الكبار من قومك ، وهم ـ يا يونس ـ عبادي وخلقي وبريّتي في بلادي وفي عيلتي ، أحبّ أن أتأنّاهم وأرفق بهم وأنتظر توبتهم ، وإنّما بعثتك إلى قومك لتكون حيّطا عليهم ، تعطف عليهم لسخاء الرّحم الماسّة منهم ، وتتأنّاهم برأفة النّبوّة ، وتصبر معهم بأحلام الرسالة ، وتكون لهم كهيئة الطبيب المداوي العالم بمداواة الدّاء ، فخرقت بهم (١) ، ولم تستعمل قلوبهم بالرّفق ، ولم تسسهم بسياسة المرسلين ، ثمّ

__________________

(١) أي لم ترفق بهم وتحسن معاملتهم.

٢٦٢

سألتني عن سوء نظرك العذاب لهم عند قلّة الصّبر منك ، وعبدي نوح كان أصبر منك على قومه ، وأحسن صحبة ، وأشدّ تأنّيا في الصّبر عندي ، وأبلغ في العذر ، فغضبت له حين غضب لي ، وأجبته حين دعاني.

فقال يونس : يا ربّ ، إنّما غضبت عليهم فيك ، وإنّما دعوت عليهم حين عصوك ، فوعزّتك لا أتعطّف عليهم برأفة أبدا ، ولا أنظر إليهم بنصيحة شفيق بعد كفرهم وتكذيبهم إيّاي ، وجحدهم نبوّتي ، فأنزل عليهم عذابك ، فإنّهم لا يؤمنون أبدا.

فقال الله : يا يونس ، إنّهم مائة ألف أو يزيدون من خلقي ، يعمرون بلادي ، ويلدون عبادي ، ومحبّتي أن أتأنّاهم للذي سبق من علمي فيهم وفيك ، وتقديري وتدبيري غير علمك وتقديرك ، وأنت المرسل وأنا الربّ الحكيم ، وعلمي فيهم ـ يا يونس ـ باطن في الغيب عندي لا يعلم ما منتهاه ، وعلمك فيهم ظاهر لا باطن له. يا يونس ، قد أجبتك إلى ما سألت من إنزال العذاب عليهم ، وما ذلك ـ يا يونس ـ بأوفر لحظّك عندي ، ولا أحمد لشأنك ، وسيأتيهم العذاب في شوّال يوم الأربعاء وسط الشهر بعد طلوع الشمس ، فأعلمهم ذلك».

قال : «فسرّ ذلك يونس ولم يسؤه ، ولم يدر ما عاقبته ، فانطلق يونس إلى تنوخا العابد ، فأخبره بما أوحى الله إليه من نزول العذاب على قومه في ذلك اليوم ، وقال له : انطلق حتى أعلمهم بما أوحى الله إليّ من نزول العذاب.

فقال تنوخا : فدعهم في غمرتهم ومعصيتهم حتى يعذّبهم الله تعالى.

فقال له يونس : بل نلقى روبيل فنشاوره ، فإنّه رجل عالم حكيم من أهل بيت النبوّة ، فانطلقا إلى روبيل ، فأخبره يونس بما أوحى الله إليه من نزول

٢٦٣

العذاب على قومه في شوّال يوم الأربعاء في وسط الشهر بعد طلوع الشّمس. فقال له : ما ترى؟ انطلق بنا حتى أعلمهم ذلك.

فقال له روبيل : ارجع إلى ربّك رجعة نبيّ حكيم ورسول كريم ، وسله أن يصرف عنهم العذاب فإنّه غنيّ عن عذابهم ، وهو يحبّ الرّفق بعباده ، وما ذلك بأضرّ لك عنده ولا أسوأ لمنزلتك لديه ، ولعلّ قومك بعد ما سمعت ورأيت من كفرهم وجحودهم يؤمنون يوما ، فصابرهم وتأنّهم.

فقال له تنوخا : ويحك يا روبيل! ما أشرت على يونس وأمرته به بعد كفرهم بالله ، وجحدهم لنبيّه ، وتكذيبهم إيّاه ، وإخراجهم إيّاه من مساكنه ، وما همّوا به من رجمه!

فقال روبيل لتنوخا : اسكت ، فإنك رجل عابد ، لا علم لك ، ثمّ أقبل على يونس ، فقال : أرأيت يا يونس إذا أنزل الله العذاب على قومك ، أينزله فيهلكهم جميعا أو يهلك بعضا ويبقى بعضا؟ فقال له يونس : بل يهلكهم الله جميعا ، وكذلك سألته ، ما دخلتني لهم رحمة تعطّف فأراجع الله فيها وأسأله أن يصرف عنهم.

فقال له روبيل : أتدري ـ يا يونس ـ لعلّ الله إذا أنزل عليهم العذاب فأحسّوا به أن يتوبوا إليه ويستغفروا فيرحمهم ، فإنّه أرحم الراحمين ، ويكشف عنهم العذاب من بعد ما أخبرتهم عن الله ينزل عليهم العذاب يوم الأربعاء ، فتكون بذلك عندهم كذّابا.

فقال له تنوخا : ويحك ـ يا روبيل ـ لقد قلت عظيما ، يخبرك النّبيّ المرسل أنّ الله أوحى إليه بأنّ العذاب ينزل عليهم ، فتردّ قول الله وتشكّ فيه وفي قول رسوله؟! اذهب فقد حبط عملك.

فقال روبيل لتنوخا : لقد فشل رأيك ، ثمّ أقبل على يونس ، فقال : إذا

٢٦٤

نزل الوحي والأمر من الله فيهم على ما أنزل عليك فيهم من إنزال العذاب عليهم وقوله الحقّ ، أرأيت إذا كان ذلك فهلك قومك كلهم وخربت قريتهم ، أليس يمحو الله اسمك من النبوّة ، وتبطل رسالتك ، وتكون كبعض ضعفاء الناس ، ويهلك على يديك مائة ألف أو يزيدون من الناس؟

فأبى يونس أن يقبل وصيّته ، فانطلق ومعه تنوخا إلى قومه ، فأخبرهم أنّ الله أوحى إليه أنّه منزل العذاب عليكم يوم الأربعاء في شوّال في وسط الشّهر بعد طلوع الشّمس. فردّوا عليه قوله ، فكذّبوه ، وأخرجوه من قريتهم إخراجا عنيفا. فخرج يونس ومعه تنوخا من القرية ، وتنحّيا عنهم غير بعيد ، وأقاما ينتظران العذاب.

وأقام روبيل مع قومه في قريتهم ، حتّى إذا دخل عليهم شوّال صرخ روبيل بأعلى صوته في رأس الجبل إلى القوم : أنا روبيل ، شفيق عليكم ، رحيم بكم ، هذا شوّال قد دخل عليكم ، وقد أخبركم يونس نبيّكم ورسول ربّكم أنّ الله أوحى إليه أنّ العذاب ينزل عليكم في شوّال في وسط الشّهر يوم الأربعاء بعد طلوع الشّمس ، ولن يخلف الله وعده رسله ، فانظروا ما أنتم صانعون؟ فأفزعهم كلامه ووقع في قلوبهم تحقيق نزول العذاب ، فأجفلوا نحو روبيل ، وقالوا له : ماذا أنت مشير به علينا ـ يا روبيل ـ فإنّك رجل عالم حكيم ، لم نزل نعرفك بالرّأفة علينا والرّحمة لنا ، وقد بلغنا ما أشرت به على يونس فينا ، فمرنا بأمرك وأشر علينا برأيك.

فقال لهم روبيل : فإنّي أرى لكم وأشير عليكم أن تنظروا وتعمدوا إذا طلع الفجر يوم الأربعاء في وسط الشّهر أن تعزلوا الأطفال عن الأمّهات في أسفل الجبل في طريق الأودية ، وتوقفوا النساء وكلّ المواشي جميعا عن أطفالها في سفح الجبل ، ويكون هذا كله قبل طلوع الشمس ، فإذا رأيتم ريحا صفراء أقبلت من المشرق ، فعجّوا عجيجا ، الكبير منكم والصغير بالصراخ

٢٦٥

والبكاء ، والتضرّع إلى الله ، والتّوبة إليه والاستغفار له ، وارفعوا رؤوسكم إلى السّماء ، وقولا : ربّنا ظلمنا أنفسنا وكذّبنا نبيّك وتبنا إليك من ذنوبنا ، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين المعذّبين ، فاقبل توبتنا وارحمنا يا أرحم الراحمين. ثمّ لا تملّوا من البكاء والصراخ والتضرّع إلى الله والتوبة إليه حتى تتوارى الشّمس بالحجاب ، أو يكشف الله عنكم العذاب قبل ذلك فأجمع رأي القوم جميعا على أن يفعلوا ما أشار به عليهم روبيل.

فلما كان يوم الأربعاء الذي توقّعوا فيه العذاب ، تنحّى روبيل عن القرية حيث يسمع صراخهم ويرى العذاب إذا نزل ، فلمّا طلع الفجر يوم الأربعاء فعل قوم يونس ما أمرهم روبيل به ، فلمّا بزغت الشمس أقبلت ريح صفراء مظلمة مسرعة ، لها صرير وحفيف وهدير ، فلمّا رأوها عجّوا جميعا بالصراخ والبكاء والتضرّع إلى الله ، وتابوا إليه واستغفروه ، وصرخت الأطفال بأصواتها تطلب أمّهاتها ، وعجّت سخال (١) البهائم تطلب الثّدي ، وعجّت الأنعام تطلب الرّعي ، فلم يزالوا بذلك ويونس وتنوخا يسمعان ضجيجهم وصراخهم ، ويدعوان الله بتغليظ العذاب عليهم ، وروبيل في موضعه يسمع صراخهم وعجيجهم ، ويرى ما نزل ، وهو يدعو الله بكشف العذاب عنهم.

فلمّا أن زالت الشمس ، وفتحت أبواب السماء ، وسكن غضب الرّبّ تعالى ، رحمهم الرّحمن فاستجاب دعاءهم ، وقبل توبتهم ، وأقالهم عثرتهم ، وأوحى الله إلى إسرافيل عليه‌السلام : أن اهبط إلى قوم يونس ، فإنّهم قد عجّوا إليّ بالبكاء والتضرّع ، وتابوا إليّ واستغفروني ، فرحمتهم وتبت عليهم ، وأنا الله التواب الرحيم ، أسرع إلى قبول توبة عبدي التائب من الذنوب ، وقد كان عبدي يونس ورسولي سألني نزول العذاب على قومه ، وقد أنزلته عليهم ، وأنا

__________________

(١) السخال : جمع سخلة ، ولد الغنم ذكرا كان أو أنثى. «الصحاح ـ سخل : ج ٥ ، ص ١٧٢٨».

٢٦٦

الله أحقّ من وفى بعهده ، وقد أنزلته عليهم ، ولم يكن اشترط يونس حين سألني أن أنزل عليهم العذاب أن أهلكهم ، فاهبط إليهم فاصرف عنهم ما قد نزل بهم من عذابي.

فقال إسرافيل : يا ربّ ، إنّ عذابك قد بلغ أكتافهم ، وكاد أن يهلكهم ، وما أراه إلّا وقد نزل بساحتهم ، فإلى أين أصرفه؟

فقال الله : كلّا إني قد أمرت ملائكتي أن يصرفوه ، ولا ينزلوه عليهم حتى يأتيهم أمري فيهم وعزيمتي ، فاهبط ـ يا إسرافيل ـ عليهم ، واصرفه عنهم ، واضرب به إلى الجبال بناحية مفائض العيون ومجاري السيول في الجبال العاتية ، المستطيلة على الجبال ، فأذلّها به وليّنها حتى تصير ملتئمة حديدا جامدا. فهبط إسرافيل عليهم فنشر أجنحته فاستاق بها ذلك العذاب ، حتى ضرب بها تلك الجبال التي أوحى الله إليه أن يصرفه إليها ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام : وهي الجبال التي بناحية الموصل اليوم ـ فصارت حديدا إلى يوم القيامة. فلمّا رأى قوم يونس أنّ العذاب قد صرف عنهم هبطوا إلى منازلهم من رؤوس الجبال ، وضمّوا إليهم نساءهم وأولادهم وأموالهم ، وحمدوا الله على ما صرف عنهم.

وأصبح يونس وتنوخا يوم الخميس في موضعهما الذي كانا فيه ، لا يشكّان أنّ العذاب قد نزل بهم وأهلكهم جميعا ، لمّا خفيت أصواتهم عنهما ، فأقبلا ناحية القرية يوم الخميس مع طلوع الشمس ، ينظران إلى ما صار إليه القوم ، فلمّا دنوا من القوم واستقبلهم الحطابون والحمّارة (١) والرعاة بأغنامهم ، ونظروا إلى أهل القرية مطمئنّين ، قال يونس لتنوخا : يا تنوخا ، كذّبني الوحي ، وكذبت وعدي لقومي ، لا وعزّة ربّي لا يرون لي وجها أبدا بعد ما كذبني

__________________

(١) الحمّارة : أصحاب الحمير في السفر. «الصحاح ـ حمر ـ ج ٢ ، ص ٦٣٧».

٢٦٧

الوحي (١) فانطلق يونس هاربا على وجهه ، مغاضبا لربّه (٢) ، ناحية بحر أيلة متنكّرا ، فرارا من أن يراه أحد من قومه ، فيقول له : يا كذّاب ، فلذلك قال الله : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ)(٣) الآية.

ورجع تنوخا إلى القرية ، فلقي روبيل ، فقال له : يا تنوخا ، أيّ الرّأيين كان أصوب وأحقّ أن يتّبع : رأيي ، أو رأيك؟

فقال له تنوخا : بل رأيك كان أصوب ، ولقد كنت أشرت برأي الحكماء والعلماء.

وقال له تنوخا : أما إني لم أزل أرى أني أفضل منك لزهدي وفضل عبادتي ، حتى استبان فضلك لفضل علمك ، وما أعطاك الله ربّك من الحكمة مع التقوى أفضل من الزهد والعبادة بلا علم. فاصطحبا فلم يزالا مقيمين مع قومهما ، ومضى يونس على وجهه مغاضبا لربّه ، فكان من قصّته ما أخبر الله به في كتابه إلى قوله : (فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ)(٤)».

قال أبو عبيدة : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : كم كان غاب يونس عن قومه حتى رجع إليهم بالنبوّة والرّسالة فآمنوا به وصدّقوه؟

قال : «أربعة أسابيع : سبعا منها : في ذهابه إلى البحر ، وسبعا منها في رجوعه إلى قومه».

__________________

(١) قال المجلسي (رحمه‌الله) : قوله عليه‌السلام : «بعد ما كذبني الوحي» أي باعتقاد القوم ، البحار ج ١٧ ، ص ٣٩٩.

(٢) قال المجلسي (رحمه‌الله) : قوله : «مغاضبا لربّه» أي على قومه لربه تعالى ، أي كان غضبه لله تعالى لا للهوى ، أو خائفا عن تكذيب قومه لما تخلّف عنه من وعد ربّه ، البحار : ج ١٧ ، ص ٣٩٩.

(٣) الأنبياء : ٨٧.

(٤) الصافات : ١٤٨.

٢٦٨

فقلت له : وما هذه الأسابيع شهور أو أيّام ، أو ساعات؟

فقال : «يا أبا عبيدة ، إنّ العذاب أتاهم يوم الأربعاء ، في النصف من شوّال ، وصرف عنهم من يومهم ذلك ، فانطلق يونس مغاضبا فمضى يوم الخميس ، سبعة أيّام في مسيرة إلى البحر ، وسبعة أيّام في بطن الحوت ، وسبعة أيّام تحت الشّجرة بالعراء ، وسبعة أيّام في رجوعه إلى قومه ، فكان ذهابه ورجوعه مسير ثمانية وعشرين يوما ، ثمّ أتاهم فآمنوا به وصدّقوه واتّبعوه ، فلذلك قال الله : (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ)(١).

* س ٦٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٩٩) وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) (١٠٠) [يونس : ١٠٠ ـ ٩٩]؟!

الجواب / قال أبو الصّلت عبد السّلام بن صالح الهرويّ ، في مسائل سألها المأمون أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه‌السلام ، فكان فيما سأله أن قال له المأمون : فما معنى قول الله تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ).

فقال الرضا عليه‌السلام : «حدّثني أبي موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمّد ، عن أبيه محمد بن عليّ ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن عليّ ، عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، قال : إنّ المسلمين قالوا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو أكرهت ـ يا رسول الله ـ من قدرت عليه من الناس على الإسلام

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ١٢٩ ، ح ٤٤.

٢٦٩

لكثر عددنا وقوينا على عدوّنا. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما كنت لألقى الله تعالى ببدعة لم يحدث لي فيها شيئا ، وما أنا من المتكلّفين. فأنزل الله تبارك وتعالى عليه : يا محمّد (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) على سبيل الإلجاء والاضطرار في الدنيا ، كما يؤمنون عند المعاينة ورؤية البأس في الآخرة ، ولو فعلت ذلك بهم لم يستحقّوا منّي ثوابا ولا مدحا ، لكنّي أريد منهم أن يؤمنوا مختارين غير مضطرّين ، ليستحقّوا منّي الزّلفى والكرامة ودوام الخلود في جنّة الخلد (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ).

وأمّا قوله تعالى : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) فليس ذلك على سبيل تحريم الإيمان عليها ، ولكن على معنى أنّها ما كانت لتؤمن إلا بإذن الله ، وإذنه أمره لها بالإيمان ما كانت مكلّفة متعبّدة ، وإلجاؤه إيّاها إلى الإيمان عند زوال التكليف والتعبّد عنها».

فقال المأمون : فرّجت عني ـ يا أبا الحسن ـ فرّج الله عنك (١).

وقال أبو جعفر الباقر عليه‌السلام : «الرجس هو الشكّ ، ولا نشكّ في ديننا أبدا» (٢).

* س ٦١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) (١٠١) [يونس : ١٠١]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ).

قال : «لمّا أسري برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتاه جبرئيل عليه‌السلام بالبراق فركبها ، فأتى

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ١ ، ص ١٣٤ ، ح ٣٣.

(٢) بصائر الدرجات : ص ٢٢٦ ، ح ١٣.

٢٧٠

بيت المقدس ، فلقي من لقي من إخوانه من الأنبياء (صلوات الله عليهم) ، ثمّ رجع فحدّث أصحابه : إنّي أتيت بيت المقدس ورجعت من الليلة ، وقد جاءني جبرئيل بالبراق فركبتها ، وآية ذلك أني مررت بعير لأبي سفيان على ماء لبني فلان ، وقد أضلّوا جملا لهم أحمر ، وقد همّ القوم في طلبه.

فقال بعضهم لبعض : إنّما جاء الشام وهو راكب سريع ، ولكنّكم قد أتيتم الشام وعرفتموها ، فسلوه عن أسواقها وأبوابها وتجّارها. فقالوا : يا رسول الله ، كيف الشام ، وكيف أسواقها؟» قال : «وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا سئل عن الشيء لا يعرفه شقّ ذلك عليه حتى يرى ذلك في وجهه ـ قال ـ فبينما هو كذلك إذ أتاه جبرئيل عليه‌السلام ، فقال : يا رسول الله ، هذه الشام قد رفعت لك. فالتفت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإذا هو بالشام بأبوابها وأسواقها وتجّارها ، وقال : أين السائل عن الشام؟ فقالوا له : فلان وفلان ، فأجابهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كلّ ما سألوه ، فلم يؤمن منهم إلا قليل ، وهو قول الله تبارك وتعالى : (وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ). ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «نعوذ بالله أن لا نؤمن بالله وبرسوله ، آمنا بالله وبرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «الآيات هم آل محمد ، والنذر هم الأنبياء (صلوات الله عليهم أجمعين)» (٢).

* س ٦٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) (١٠٢) [يونس : ١٠٢]؟!

الجواب / قال أبو محمد الفضيل : سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن شيء في الفرج.

__________________

(١) الكافي : ج ٨ ، ص ٣٦٤ ، ح ٥٥٥.

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ١٦١ ، ح ١.

٢٧١

فقال : «أو ليس تعلم أنّ انتظار الفرج من الفرج؟ إن الله يقول : (فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)(١).

* س ٦٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ)(١٠٣) [يونس : ١٠٣]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ما يمنعكم أن تشهدوا على من مات منكم على هذا الأمر أنه من أهل الجنّة؟! إن الله يقول : (كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ)(٢).

* س ٦٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (١٠٤) [يونس : ١٠٤]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسيّ (رحمه‌الله تعالى) : هذا خطاب من الله تعالى لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقول للخلق (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي) فإن ديني أن (فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي إن كنتم في شك مما أذهب إليه من مخالفتكم فإني أظهره لكم وأبرء مما أنتم عليه وأعرفكم ما أمرت به وهو أن أكون مؤمنا بالله وحده وأن أقيم وجهي للدين حنيفا.

إن قيل : لم قال (إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي) مع اعتقادهم بطلان دينه؟

قلنا عنه ثلاثة أجوبة :

١ ـ أن يكون على وجه التقدير أي من كان شاكا في أمري وهو مصمم على أمره فهذا حكمه.

__________________

(١) تفسير العياشيّ : ج ٢ ، ص ١٣٨ ، ح ٥٠.

(٢) تفسير العياشيّ : ج ٢ ، ص ١٣٨ ، ح ٥١.

٢٧٢

٢ ـ إنهم في حكم الشاك للاضطراب الذي يجدون نفوسهم عليه عند ورود الآيات.

٣ ـ إن فيهم الشاك فغلب ذكرهم ، وإنما جعل جواب (إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍ فَلا أَعْبُدُ) وهو لا يعبد غير الله كعبادتكم ، كأنه قيل : إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله بشككم ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم أي الذي أحياكم ثم يقبضكم وهو الذي يحق له العبادة دون أوثانكم ودون كل شيء سواه (١).

* س ٦٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)(١٠٥) [يونس : ١٠٥]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي (رحمه‌الله تعالى) : هذه الآية عطف على ما قبلها والتقدير وأمرت أن أكون من المؤمنين ، وقيل لي : أقم وجهك وقيل في معناه قولان :

١ ـ استقم بإقبالك على ما أمرت به من القيام بأعباء النبوة وتحمل أمر الشريعة ودعاء الخلق إلى الله بوجهك ، إذ من أقبل على الشيء بوجهه يجمع همته له فلم يضجع فيه.

٢ ـ أن يكون معناه أقم وجهك في الصلاة بالتوجه نحو الكعبة. والإقامة نصب الشيء المنافي لإضجاعه تقول : أقام العود إذا جعله على تلك الصفة فأما أقام بالمكان فمعناه استمر به ، والوجه عبارة عن عضو مخصوص ويستعمل بمعنى الجهة كقولهم : هذا معلوم في وجه كذا ، ويستعمل بمعنى الصواب كقولك : هذا وجه الرأي.

__________________

(١) التبيان : ج ٥ ، ص ٤٤٠ ـ ٤٤١.

٢٧٣

وقيل في معنى الحنيف قولان :

١ ـ الاستقامة : وقيل للمايل القدم أحنف تفاؤلا.

٢ ـ الميل ، وقيل الحنف في الدين لأنه ميل إلى الحق.

وقوله (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) معناه نهي عن الإشراك مع الله تعالى غيره في العبادة تصريحا بالتحذير عن ذلك والذم لفاعله (١).

* س ٦٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ)(١٠٦) [يونس : ١٠٦]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القميّ : وقوله : (وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ) فإنه مخاطبة للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمعنيّ الناس (٢).

* س ٦٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (١٠٧) [يونس : ١٠٧]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسيّ (رحمه‌الله تعالى) : قوله (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ) أي إن أحل بك الضر ، لأن المس الحقيقي لا يجوز عليه ، لأن حقيقتها تكون بين الجسمين ، لكن لما أدخل الباء للتعدية جرى مجرى أن تقول يمسك من أمسه. وأما إذا لم يتعد فيكون كقوله (مَسَّنِيَ الضُّرُّ)(٣) والمماسة والمطابقة والمجامعة نظائر ، وضدها المباينة. والكشف رفع الساتر

__________________

(١) التبيان : ج ٥ ، ص ٤٤٠ ـ ٤٤١.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٢٠.

(٣) الأنبياء : ٨٣.

٢٧٤

المانع من الإدراك. فكأن الضر ههنا كأنه ساتر يمنع من إدراك الإنسان.

وقوله (وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ) تقديره وإن يرد بك الخير ، وجاز على التقديم والتأخير كما يقول القائل : فلان يريدك بالخير ويريد بك الخير. والمعنى أنه لا راد لما يريد الله بخلقه فإن أراد بهم سوءا لا يقدر على دفعه أحد. وإن أرادهم بخير فلا يقدر أحد على صرفه عنهم (يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) يعني بالخير.

وقوله (وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) معناه أنه الغفار لكل من تاب من شركه وذنبه فلا ييأس من ذلك أحد في حال تكليفه. وعندنا يجوز أن يغفر الله ذنب المؤمن من غير توبة. و (الرَّحِيمُ) معناه إنعامه على جميع خلقه (١).

* س ٦٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (١٠٨) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) (١٠٩) [يونس : ١٠٨ ـ ١٠٩]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القميّ : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) أي لست بوكيل عليكم أحفظ أعمالكم ، إنما عليّ أن أدعوكم. ثم قال : (وَاتَّبِعْ) يا محمّد (ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ)(٢).

__________________

(١) التبيان : ج ٥ ، ص ٤٤٢.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٢٠.

٢٧٥
٢٧٦

تفسير سورة

هود

رقم السورة ـ ١١ ـ

٢٧٧
٢٧٨

سورة هود

* س ١ : ما هو فضل سورة هود؟!

الجواب / قال الصادق عليه‌السلام : «من كتب هذه السورة على رقّ ظبي ويأخذها معه أعطاه الله قوة ونصرا ، ولو حاربه مائة رجل لانتصر عليهم وغلبهم ، وإن صاح بهم انهزموا ، وكلّ من رآه يخاف منه» (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «من قرأ سورة هود في كلّ جمعة بعثه الله يوم القيامة في زمرة المؤمنين والنبيّين ، وحوسب حسابا يسيرا ، ولم يعرف خطيئة عملها يوم القيامة» (٢).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)(١) [هود : ١]؟!

الجواب / قال الصادق عليه‌السلام في معنى (الر) : «معناه : أنا الله الرؤوف» (٣).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : (الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ) : «هو القرآن» (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) قال : «من عند حكيم خبير» (٤).

__________________

(١) خواص القرآن : ص ٤٢ «مخطوط».

(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٣٩ ، ح ١.

(٣) معاني الأخبار : ص ٢٢ ، ح ١.

(٤) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٢١.

٢٧٩

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ) (٢) [هود : ٢]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسيّ : يحتمل (أن) في قوله (أَلَّا تَعْبُدُوا) أمرين :

أحدهما : أن يكون بمعنى المصدر كقولك كتبت إليه أن لا تخرج بالجزم وكان يجوز في العربية أن لا تعبدون على الوجه الأول ، وهو الأخبار بأنهم لا يعبدون كما نقول : كتبت إليه أن لا تخرج أي بأنك لا تخرج ، و (أَلَّا تَعْبُدُوا) في موضع نصب وتقديره فصلت آياته بأن لا تعبدوا أو لئلا تعبدوا.

والثاني : يحتمل أن يكون المعنى أمرتم بأن لا تعبدوا ، فلما حذف الباء نصب بعدها ، ومعنى (إلا) في الآية إيجاب للمذكور بعدها وهو ما نفي عن كل ما سواه من العبادة وهي التي تفرغ عامل الأعراب لما بعدها من الكلام. وقوله (إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ) أخبار أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مخوف من مخالفة الله وعصيانه بأليم عقابه مبشر بثواب الله على طاعاته واجتناب معاصيه ، والنذارة إعلام موضع المخافة ليتقى ، ونذير بمعنى منذر كأليم بمعنى مؤلم. والبشارة إعلام بما يظهر في بشرة الوجه به المسرة وبشير بمعنى مبشر. وقوله (وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ) معناه واستبشروا (١).

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) (٣) [هود : ٣]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) «يعني

__________________

(١) التبيان : ج ٥ ، ص ٤٤٦.

٢٨٠