التيسير في التفسير للقرآن - ج ٣

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٣

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٢

السّدانة ، فما لسائر قومك من قريش وسائر العرب؟ فقد أعلمتنا في بدء الإسلام أنا إذا آمنّا بما تقول كان لنا مالك ، وعلينا ما عليك. فأطرق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طويلا ، ثمّ رفع رأسه ، ثم قال : ما أنا والله فعلت بهم هذا ، بل الله فعل بهم ، فما ذنبي؟ فولّى النّضر بن الحارث وهو يقول : اللهم إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. فأنزل الله عليه مقالة النّضر بن الحارث ، وهو يقول : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) ونزلت هذه : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) إلى قوله تعالى : (وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).

فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى النّضر بن الحارث الفهريّ ، وتلا عليه الآية ، فقال : يا رسول الله ، إني قد أسررت ذلك جميعه ، أنا ومن لم تجعل له ما جعلته لك ولأهل بيتك من الشّرف والفضل في الدنيا والآخرة ، فقد أظهر الله ما أسررنا ، أمّا أنا فأسألك أن تأذن لي فأخرج من المدينة ، فإني لا أطيق المقام. فوعظه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : إنّ ربّك كريم ، فإن أنت صبرت وتصابرت لم يخلك من مواهبه ، فارض وسلّم ، فإن الله يمتحن خلقه بضروب من المكاره ، ويخفّف عمّن يشاء ، وله الأمر والخلق ، مواهبه عظيمة ، وإحسانه واسع. فأبى النّضر بن الحارث وسأله الإذن ، فأذن له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فأقبل إلى بيته ، وشدّ على راحلته راكبا متعصّبا ، وهو يقول : اللهمّ ، إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السّماء ، أو ائتنا بعذاب أليم. فلمّا مرّ بظهر المدينة ، وإذا بطير في مخلبه حجر فجدله ، فأرسله إليه ، فوقع على هامته ، ثمّ دخل في دماغه ، وخرّت في بطنه [حتى خرجت من دبره ، ووقعت على ظهر راحلته وخرّت حتى خرجت من بطنها] فاضطربت الراحلة وسقطت وسقط النّضر بن الحارث من عليها ميّتين ، فأنزل الله تعالى : (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ) بعليّ وفاطمة والحسن والحسين وآل

٤١

محمّد (صلوات الله عليهم) (لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ مِنَ اللهِ ذِي الْمَعارِجِ)(١) فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند ذلك إلى المنافقين الذين اجتمعوا ليلا مع النّضر بن الحارث ، فتلا عليهم الآية ، وقال : اخرجوا إلى صاحبكم الفهريّ ، حتى تنظروا إليه ، فلمّا رأوه انتحبوا وبكوا ، وقالوا : من أبغض عليّا وأظهر بغضه قتله بسيفه ، ومن خرج من المدينة بغضا لعليّ أنزل الله ما ترى» (٢).

* س ٢١ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَما لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٤) وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) (٣٥) [الأنفال : ٣٤ ـ ٣٥]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قول الله : (وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ) : «يعني أولياء البيت ، يعني المشركين (إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ) حيث كانوا هم أولى به من المشركين (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً). قال ـ : التصفير والتصفيق» (٣).

وكتب أبو الحسن لمحمد بن سنان في جواب مسائله : «سميت مكّة مكّة ، لأنّ الناس كانوا يمكون فيها (٤). وكان يقال لمن قصد مكّة قد مكا ، وذلك قول الله عزوجل : (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً)

__________________

(١) المعارج ٧٠ : ١ ـ ٣.

(٢) الكشكول فيما جرى على آل الرسول : ص ١٧٩.

(٣) معاني الأخبار : ص ٢٩٧ ، ح ١.

(٤) أي سصفرون من مكا يمكوا : إذا صفر بفيه أو شبّك بأصابع يديه ثمّ أدخلها في فيه ونفخ فيها.

٤٢

فالمكاء : التصفير ، والتصدية : صفق اليدين» (١).

* س ٢٢ : بمن نزل قوله تعالى :

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) (٣٦) [الأنفال : ٣٦]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : نزلت في قريش لما وافاهم ضمضم ، وأخبرهم بخروج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في طلب العير ، فأخرجوا أموالهم وحملوا وأنفقوا ، وخرجوا إلى محاربة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببدر ، فقتلوا وصاروا إلى النار ، وكان ما أنفقوا حسرة عليهم (٢) ، وتقدّم في القصّة (٣).

* س ٢٣ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (٣٧) [الأنفال : ٣٧]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ : (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) معناه : ليميز الله نفقة الكافرين من نفقة المؤمنين (وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ) أي : ويجعل نفقة المشركين بعضها فوق بعض (فَيَرْكُمَهُ) أي : فيجمعه (جَمِيعاً) في الآخرة (فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ) فيعاقبهم به كما قال (يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ) الآية. وقيل معناه : ليميز الله الكافر من المؤمن في الدنيا بالغلبة ، والنصر ، والأسماء الحسنة ، والأحكام المخصوصة ، وفي الآخرة بالثواب والجنة ...

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ٢ ، ص ٩٠ ، ح ١.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٢٧٧.

(٣) تقدم الحديث من تفسير الآيات (٢ ـ ٦) من هذه السورة.

٤٣

وقيل : بأن يجعل الكافر في جهنم ، والمؤمن في الجنة ، ويجعل الخبيث بعضه على بعض في جهنم ، يضيقها عليهم فيركمه جميعا أي : يجمع الخبيث حتى يصير كالسحاب المركوم ، بأن يكون بعضهم فوق بعض في النار مجتمعين فيها ، فيجعله في جهنم أي : فيدخله جهنم (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) قد خسروا أنفسهم لأنهم اشتروا بإنفاق الأموال في المعصية عذاب الله في الآخرة (١).

* س ٢٤ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ) (٣٨) [الأنفال : ٣٨]؟!

الجواب / قال عليّ بن درّاج الأسدي : دخلت على أبي جعفر عليه‌السلام ، فقلت له : إنّي كنت عاملا لبني أميّة ، فأصبت مالا كثيرا ، فظننت أنّ ذلك لا يحلّ لي. قال : «فسألت عن ذلك غيري؟» قال : قلت : قد سألت ، فقيل لي : إنّ أهلك ومالك وكلّ شيء لك حرام. قال : «ليس كما قالوا لك؟».

قال : قلت : جعلت فداك فلي توبة؟ قال : «نعم ، توبتك في كتاب الله (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ)(٢).

* س ٢٥ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (٣٩) [الأنفال : ٣٩]؟!

الجواب / قال عبد الأعلى الحلبي : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «يكون

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٤ ، ص ٤٦٥ ، الشيخ الطبرسي.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٥٥ ، ح ٤٧.

٤٤

لصاحب هذا الأمر غيبة في بعض هذه الشّعاب ـ ثمّ أومأ بيده إلى ناحية ذي طوى ـ حتى إذا كان قبل خروجه بليلتين انتهى المولى الذي يكون بين يديه حتى يلقى بعض أصحابه ، فيقول : كم أنتم ها هنا؟ فيقولون : نحو أربعين رجلا. فيقول : كيف أنتم لو قد رأيتم صاحبكم؟ فيقولون : والله لو يؤوينا الجبال لأويناها معه. ثم يأتيهم من القابل ، فيقول : سيروا إلى ذوي شأنكم وأخياركم عشرة. فيسيرون له ، فينطلق بهم حتى يأتوا صاحبهم ، ويعدهم إلى الليلة التي تليها».

ثم قال أبو جعفر عليه‌السلام : «والله ، لكأنّي أنظر إليه ، وقد أسند ظهره إلى الحجر ، ثم ينشد الله حقّه ، ثمّ يقول : يا أيّها الناس ، من يحاجّني في الله فأنا أولى الناس بالله ، ومن يحاجّني في آدم عليه‌السلام فأنا أولى الناس بآدم ، يا أيّها الناس ، من يحاجّني في نوح عليه‌السلام فأنا أولى الناس بنوح ، يا أيّها الناس من يحاجّني في إبراهيم عليه‌السلام فأنا أولى الناس بإبراهيم ، يا أيّها الناس من يحاجّني في موسى عليه‌السلام فأنا أولى الناس بموسى ، يا أيّها الناس من يحاجّني في عيسى عليه‌السلام فأنا أولى الناس بعيسى ، يا أيّها الناس ، من يحاجّني في محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأنا أولى الناس بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يا أيّها الناس ، من يحاجّني في كتاب الله فأنا أولى الناس بكتاب الله ، ثم ينتهي إلى المقام ، فيصلّي عنده ركعتين ، ثم ينشد الله حقّه».

قال أبو جعفر عليه‌السلام : «هو والله المضطرّ في كتاب الله ، وهو قول الله تعالى : (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ)(١) وجبرئيل على الميزاب في صورة طائر أيض ، فيكون أوّل خلق الله يبايعه جبرئيل ، ويبايعه الثلاث مائة وبضعة عشر رجلا».

__________________

(١) النمل ٢٧ : ٦٢.

٤٥

قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «فمن ابتلي في المسير وافاه في تلك الساعة ، ومن لم يبتل بالمسير فقد عن فراشه ـ ثم قال : ـ هو والله قول عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : المفقودون عن فرشهم ، وهو قول الله تعالى : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً)(١) أصحاب القائم الثلاث مائة وبضعة عشر رجلا ـ قال : ـ هم والله الأمّة المعدودة التي قال الله في كتابه : (وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ)(٢) ـ قال : ـ يجمعون في ساعة واحدة قزعا كقزع (٣) الخريف ، فيصبح بمكّة ، فيدعو الناس إلى كتاب الله وسنّة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيجيبه نفر يسير ، ويستعمل على مكّة ، ثم يسير فيبلغه أن قد قتل عامله ، فيرجع إليهم فيقتل المقاتلة ، ولا يزيد على ذلك شيئا ، يعني السّبي.

ثمّ ينطلق فيدعو الناس إلى كتاب الله وسنّة نبيّه (عليه وآله السّلام) والولاية لعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، والبراءة من عدوّه ، ولا يسمّي أحدا حتى ينتهي إلى البيداء (٤) ، فيخرج إليه جيش السّفياني ، فيأمر الله الأرض فتأخذهم من تحت أقدامهم ، وهو قول الله : (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ وَقالُوا آمَنَّا بِهِ)(٥) يعني بقائم آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ)(٦) يعن بقائم آل محمّد ، إلى آخر السورة ، فلا يبقى منهم إلّا رجلان ، يقال لهما وتر ووتيرة من مراد ، وجوههما في أقفيتهما ، يمشيان القهقرى (٧) ، يخبران

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٤٨.

(٢) هود ١١ : ٨.

(٣) القزع : قطع السحاب المتفرّقة في السماء.

(٤) البيداء : اسم الأرض بين مكّة والمدينة. (معجم البلدان ١ : ٥٢٣».

(٥) سبأ ٣٤ : ٥١ ـ ٥٢.

(٦) سبأ ٣٤ : ٥٣.

(٧) القهقرى : الرجوع إلى الخلف. «الصحاح ـ قهر ـ ٢ : ٨٠١».

٤٦

الناس بما فعل بأصحابهما.

ثم يدخل المدينة فتغيب عنهم عند ذلك قريش ، وهو قول علي بن أبي طالب عليه‌السلام : والله لودّت قريش أن عندها موقفا واحدا جزر جزور بكلّ ما ملكت وكلّ ما طلعت عليه الشّمس أو غربت. ثم يحدث حدثا ، فإذا هو فعل ذلك قالت قريش : اخرجوا بنا إلى هذه الطاغية ، فو الله لو كان محمديّا ما فعل ، ولو كان علويّا ما فعل ، ولو كان فاطميّا ما فعل ، فيمنحه الله أكتافهم ، فيقتل المقاتلة ، ويسبي الذرّيّة ، ثم ينطلق حتى ينزل الشّقرة فيبلغه أنّهم قد قتلوا عامله ، فيرجع إليهم فيقتلهم مقتلة ليس قتل الحرّة إليها بشيء ، ثم ينطلق يدعو الناس إلى كتاب الله وسنّة نبيّه ، والولاية لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام والبراءة من عدوّه ، حتى إذا بلغ إلى الثعلبيّة (١) ، قام إليه رجل من صلب أبيه ، وهو من أشدّ الناس ببدنه ، وأشجعهم بقلبه ، ما خلا صاحب الأمر ، فيقول : يا هذا ، ما تصنع؟ فو الله إنك لتجفل الناس إجفال النّعم ، أفبعهد من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أم بماذا؟ فيقول المولى الذي ولي البيعة : والله لتسكتن أو لأضربنّ الذي فيه عيناك.

فيقول له القائم عليه‌السلام : اسكت يا فلان ، إي والله إن معي عهدا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هات لي ـ يا فلان ـ العيبة والطبقة واللّواء بعجلة ، فيأتيه بها ، فيقرئه العهد من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيقول : جعلني الله فداك ، أعطني رأسك أقبّله ، فيعطيه رأسه فيقبّله بين عينيه ، ثم يقول : جعلني الله فداك ، جدّد لنا بيعة ، فيجدّد لهم بيعته».

قال أبو جعفر عليه‌السلام : «لكأنّي أنظر إليهم مصعدين من نجف الكوفة ثلاث مائة وبضعة عشر رجلا ، كأنّ قلوبهم زبر الحديد ، جبرئيل عن يمينه ،

__________________

(١) الثعلبية : قرية من منازل طريق مكة. «معجم البلدان ٢ : ٧٨».

٤٧

وميكائيل عن يساره ، يسير الرّعب أمامه شهرا وخلفه شهرا ، أمدّه الله بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين حتى إذا صعد النجف قال لأصحابه : تعبّدوا ليلتكم هذه ، فيبيتون بين راكع وساجد ، يتضرّعون إلى الله حتى إذا أصبح ، قال : خذوا بنا طريق النخيلة (١). وعلى الكوفة خندق مخندق وجند مجنّد».

قلت : وجند مجنّد؟ قال : «إي والله حتى ينتهي إلى مسجد إبراهيم عليه‌السلام بالنّخيلة ، فيصلّي فيه ركعتين ، فيخرج إليه من كان بالكوفة من مرجئها وغيرهم من جيش السّفياني ، فيقول لأصحابه : استطردوا لهم ، ثم يقول : كرّوا عليهم» قال أبو جعفر عليه‌السلام : «ولا يجوز ـ والله ـ الخندق منهم مخبر».

«ثمّ يدخل الكوفة فلا يبقى مؤمن إلا كان فيها ، أو حنّ إليها ، وهو قول أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ثمّ يقول لأصحابه : سيروا إلى هذه الطاغية ، فيدعوه إلى كتاب الله وسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيعطيه السّفياني من البيعة سلما ، فيقول له كلب ، وهم أخواله : ما هذا؟ ما صنعت؟ والله ما نبايعك على هذا أبدا. فيقول : ما أصنع؟ فيقولون : استقبله ، ثم يقول له القائم : خذ حذرك ، فإنني أدّيت إليك وأنا مقاتلك. فيصبح فيقاتلهم ، فيمنحه الله أكتافهم ، ويأتي السّفياني أسيرا ، فينطلق به ويذبحه بيده.

ثمّ يرسل جريدة خيل (٢) إلى الرّوم ليستحضروا بقيّة بني أميّة ، فإذا انتهوا إلى الرّوم ، قالوا : أخرجوا إلينا أهل ملّتنا عندكم ، فيأبون ، ويقولون : والله لا نفعل ، فتقول الجريدة : والله لو أمرنا لقاتلناكم. ثم ينطلقون إلى صاحبهم فيعرضون ذلك عليه ، فيقول : انطلقوا فأخرجوا إليهم أصحابهم ، فإن هؤلاء

__________________

(١) النخيلة : موضع قرب الكوفة. «معجم البلدان ٥ : ٢٧٨».

(٢) الجريدة من الخيل : الجماعة التي جردت من سائرها لوجه. «الصحاح ـ جرد ـ ٢ : ٤٥٥».

٤٨

قد أتوا بسلطان. وهو قول الله : (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ)(١) ـ قال ـ : «يعني الكنوز التي كنتم تكنزون (قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ)(٢) لا يبقى منهم مخبر.

ثم يرجع إلى الكوفة فيبعث الثلاث مائة والبضعة عشر رجلا إلى الآفاق كلّها فيمسح بين أكتافهم وعلى صدورهم ، فلا يتعايون (٣) في قضاء ، ولا تبقى في الأرض قرية إلا نودي فيها شهادة أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأنّ محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو قوله : (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)(٤) ولا يقبل صاحب هذا الأمر الجزية كما قبلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو قول الله : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ).

قال أبو جعفر عليه‌السلام : «يقاتلون ـ والله ـ حتى يوحّد الله ، ولا يشرك به شيئا ، وحتى تخرج العجوز الضعيفة من المشرق تريد المغرب ولا ينهاها أحد ، ويخرج الله من الأرض بذرها ، وينزل من السماء قطرها ، ويخرج الناس خراجهم على رقابهم إلى المهديّ عليه‌السلام ويوسّع الله على شيعتنا ، ولو لا ما يدركهم من السعادة لبغوا.

فبينا صاحب هذا الأمر قد حكم ببعض الأحكام ، وتكلّم ببعض الكلام ، إذ خرجت خارجة من المسجد يريدون الخروج عليه ، فيقول لأصحابه : انطلقوا. فيلحقونهم في التمارين ، فيأتون بهم أسرى ليأمر بهم فيذبحون ، وهي آخر خارجة تخرج على قائم آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (٥).

__________________

(١) الأنبياء ٢١ : ١٢ ، ١٣.

(٢) الأنبياء ٢١ : ١٤ ، ١٥.

(٣) عيّ بالأمر : عجز عنه ، أو جهله.

(٤) آل عمران ٣ : ٨٣.

(٥) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٥٦ ، ح ٤٩.

٤٩

* س ٢٦ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (٤٠) [الأنفال : ٤٠]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ : (وَإِنْ تَوَلَّوْا) عن دين الله وطاعته (فَاعْلَمُوا) أيها المؤمنون (أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ) أي : ناصركم ، وسيدكم ، وحافظكم. (نِعْمَ الْمَوْلى) أي : نعم السيد والحافظ (وَنِعْمَ النَّصِيرُ) هو ينصر المؤمنين ويعينهم على طاعته ، ولا يخذل من هو ناصره (١).

* س ٢٧ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٤١) [الأنفال : ٤١]؟!

الجواب / قال العبد الصّالح عليه‌السلام : «الخمس من خمسة أشياء : من الغنائم ، والغوص ، ومن الكنوز ، ومن المعادن ، والملّاحة (٢) ، يؤخذ من كل هذه الصنوف الخمس ، فيجعل لمن جعله الله تعالى له ، ويقسم الأربعة أخماس بين من قاتل عليه وولي ذلك ، ويقسم بينهم الخمس على ستة أسهم : سهم لله ، وسهم لرسوله ، وسهم لذي القربى ، وسهم لليتامى ، وسهم للمساكين ، وسهم لأبناء السّبيل.

فسهم الله وسهم رسوله لأولي الأمر من بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وراثة ، فله ثلاثة أسهم : سهمان وراثة ، وسهم مقسوم له من الله ، وله نصف الخمس كملا ، ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته ، فسهم ليتاماهم ، وسهم لمساكينهم ، وسهم لأبناء سبيلهم ، يقسم بينهم على الكتاب والسنّة ، ما

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٤ ، ص ٤٦٧.

(٢) الملّاحة : منبت الملح. «الصحاح ـ ملح ـ ١ : ٤٠٨».

٥٠

يستغنون به في سنتهم ، فإن فضل منهم شيء فهو للوالي ، وإن عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به ، وإنما صار عليه أن يمونهم لأن له ما فضل عنهم.

وإنما جعل الله هذا الخمس خاصة لهم دون مساكين النّاس وأبناء سبيلهم ، عوضا لهم عن صدقات الناس ، تنزيلها من الله لهم لقرابتهم من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكرامة من الله لهم عن أوساخ الناس ، فجعل لهم خاصة من عنده ، وما يغنيهم به من أن يصيّرهم في موضع الذّلّ والمسكنة ، ولا بأس بصدقة بعضهم على بعض.

وهؤلاء الذين جعل الله لهم الخمس هم قرابة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الذين ذكرهم الله فقال : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)(١) وهم بنو عبد المطّلب أنفسهم ، الذكر منهم والأنثى ، ليس فيهم من أهل بيوتات قريش ، ولا من العرب أحد ، ولا فيهم ولا منهم في هذا الخمس من مواليهم ، وقد تحلّ صدقات الناس لمواليهم ، وهم الناس سواء ، ومن كانت أمّه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش فإنّ الصدقات تحل له ، وليس له من الخمس شيء ، لأن الله تعالى يقول : (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ)(٢)(٣).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : فنحن والله الذين عنى الله بذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ، فينا خاصّة ، ولم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيبا ، وأكرم الله نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأكرمنا أن يعطينا أوساخ الناس ، والحمد لله ربّ العالمين» (٤).

__________________

(١) الشعراء : ٢١٤.

(٢) الأحزاب : ٥.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ٤٥٣ ، ح ٤.

(٤) كتاب سليم بن قيس : ص ١٢٦.

٥١

* س ٢٨ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (٤٢) إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (٤٣) [الأنفال : ٤٢ ـ ٤٣]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى) يعني قريشا حيث نزلوا بالعدوة اليمانيّة ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث نزل بالعدوة الشّاميّة. (وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) وهي العير التي أفلتت (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في قوله : (وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ).

قال : «أبو سفيان وأصحابه» (٢).

وقال علي بن إبراهيم : (وَلَوْ تَواعَدْتُمْ) الحرب لما وفيتم ، ولكن الله جمعكم من غير ميعاد كان بينكم (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) قال : يعلم من بقي أن الله نصره.

قال : قوله : (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ) المخاطبة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمعنى لأصحابه ، أراهم الله قريشا في نومهم قليلا ولو أراهم كثيرا لفزعوا (٣).

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٢٧٨.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٦٥ ، ح ٦٩.

(٣) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٢٧٨.

٥٢

* س ٢٩ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) (٤٤) [الأنفال : ٤٤]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام لزرارة : «كان إبليس يوم بدر يقلّل المسلمين في أعين الكفّار ، ويكثّر الكر في أعين المسلمين ، فشدّ عليه جبرئيل عليه‌السلام بالسّيف فهرب منه ، وهو يقول يا جبرئيل ، إنّي مؤجّل ، حتى وقع في البحر».

قال زرارة : فقلت لأبي جعفر عليه‌السلام : لأيّ شيء كان يخاف وهو مؤجّل؟ قال : «يقطع بعض أطرافه» (١).

* س ٣٠ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٤٥) وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (٤٦)) [الأنفال : ٤٥ ـ ٤٤]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ : ثم أمر سبحانه بالقتال والثبات في الحرب ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً) أي : جماعة كافرة (فَاثْبُتُوا) لقتالهم ، ولا تنهزموا ، وإنما أطلق الفئة ، لأن من المعلوم أن المؤمن لا يقاتل الفئة الكافرة أو الباغية ، فحذف للإيجاز (وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً) مستعينين به على قتالهم ، ومتوقعين النصر من قبله عليهم.

وقيل معناه : واذكروا ما وعدكم الله تعالى من النصر على الأعداء في الدنيا ، والثواب في الآخرة ، ليدعوكم ذلك إلى الثبات في القتال (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) أي : لكي تفلحوا وتنجحوا بالنصر والظفر بهم ، وبالثواب عند الله

__________________

(١) الكافي : ج ٨ ، ص ٢٧٧ ، ح ٤١٩.

٥٣

يوم القيامة. (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) فيما يأمرانكم (وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا) أي : لا تتنازعوا في لقاء العدو ، ولا تختلفوا فيما بينكم ، فتجبنوا عن عدوكم ، وتضعفوا عن قتالهم (وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) معناه : تذهب صولتكم وقوتكم.

وقيل : نصرتكم ، وقيل : دولتكم. والريح ها هنا كناية عن نفاذ الأمر ، وجريانه على المراد ، تقول العرب : هبت ريح فلان : إذا جرى أمره على ما يريد. وركدت ريحه : إذا أدبر أمره. وقيل : إن المعنى ريح النصر التي يبعثها الله مع من ينصره على من يخذله ، ومنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور».

(وَاصْبِرُوا) على قتال الأعداء (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) بالنصر والمعونة (١).

* س ٣١ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَاللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) (٤٧) [الأنفال : ٤٧]؟!

الجواب / تقدّم تفسيرها في حديث القصّة (٢).

* س ٣٢ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ)(٤٨) [الأنفال : ٤٨]؟!

الجواب / قال أبو المقدّم ثعلبة بن زيد الأنصاريّ ، سمعت جابر بن عبد

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٤ ، ص ٤٧٦.

(٢) تقدم في الحديث من تفسير الآيات (٢ ـ ٦) من هذه السورة.

٥٤

الله بن حرام الأنصاري (رحمه‌الله) يقول : تمثّل إبليس (لعنه الله) في أربع صور : تمثّل يوم بدر في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي ، فقال لقريش : (لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ). وتصوّر يوم العقبة في صورة منبّه بن الحجّاج ، فنادى أن محمدا والصّباة معه عند العقبة فأدركوهم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للأنصار : «لا تخافوا فإن صوته لن يعدوه». وتصوّر يوم اجتماع قريش في دار النّدوة في صورة شيخ من أهل جد ، وأشار عليهم في أمرهم ، فأنزل الله تعالى : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ)(١). وتصوّر يوم قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صورة المغيرة بن شعبة ، فقال : أيها الناس ، لا تجعلوها كسروانيّة ولا قيصرانيّة ، وسّعوها تتّسع ، فلا تردّوا إلى بني هاشم فتنتظر بها الحبالى (٢).

وقال الطّبرسي : قيل : إنهم لما التقوا ، كان إبليس في صفّ المشركين ، آخذا بيد الحارث بن هشام فنكص على عقبيه ، فقال له الحارث بن هشام : يا سراقة ، إلى أين ، أتخذلنا على هذه الحالة؟ فقال له : (إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ). فقال : والله ، ما ترى إلّا جعاسيس (٣) يثرب ، فدفع في صدر الحارث وانطلق وانهزم الناس ، فلمّا قدموا مكة ، قالوا : هزم الناس سراقة ، فبلغ ذلك سراقة ، فقال : والله ، ما شعرت بمسيركم حتى بلغني هزيمتكم. فقالوا : إنك أتيتنا يوم كذا ، فحلف لهم ، فلمّا أسلموا علموا أن ذلك كان الشيطان. قال :

روي ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه‌السلام (٤).

__________________

(١) الأنفال ٨ : ٣٠

(٢) الأمالي ١ : ١٨٠.

(٣) الجعاسيس : جمع جعسوس ، اللئيم في الخلقة والخلق. «لسان العرب ـ جعس ـ ٦ : ٣٩».

(٤) مجمع البيان : ج ٤ ، ص ٨٤٤.

٥٥

وروى ذلك أيضا ابن شهر آشوب ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام إلّا أنّ في روايته : «فقال له الحارث : يا سراقة بن جعشم ، أتخذلنا على هذه الحالة؟» (١) وقد مضى أيضا في حديث القصّة (٢).

وقال عليّ بن الحسين عليه‌السلام : «لمّا عطش القوم يوم بدر انطلق عليّ عليه‌السلام بالقربة يستسقي ، وهو على القليب ، إذ جاءت ريح شديدة ثم مضت ، فلبث ما بدا له ، ثمّ جاءت ريح أخرى ثم مضت ، ثم جاءته أخرى كادت أن تشغله وهو على القليب ، ثم جلس حتى مضت. فلمّا رجع إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخبره بذلك ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. أمّا الرّيح الأولى فيها جبرئيل مع ألف من الملائكة ، والثانية فيها ميكائيل مع ألف من الملائكة ، والثالثة فيها إسرافيل مع ألف من الملائكة ، وقد سلّموا عليك ، وهم مددلنا ، وهم الذين رآهم إبليس فنكص على عقبيه ، يمشي القهقرى حين يقول : (إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ)(٣).

* س ٣٣ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٤٩) [الأنفال : ٤٩]؟!

الجواب / تقدّم معنى الآية في حديث القصة (٤).

* س ٣٤ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ

__________________

(١) المناقب : ج ١ ، ص ١٨٨.

(٢) تقدم في الحديث (٢) من تفسير الآيات (٢ ـ ٦) من هذه السورة.

(٣) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٦٥ ، ح ٧٠.

(٤) تقدم في الحديث من تفسير الآيات (٢ ـ ٦) من هذه السورة.

٥٦

وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) (٥٠) [الأنفال : ٥٠]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : «إذا أراد قبض روح الكافر قال : يا ملك الموت ، انطلق أنت وأعوانك إلى عدوّي ، فإني قد ابتليته فأحسنت البلاء ، ودعوته إلى دار السّلام فأبى إلّا أن يشتمني ، وكفر بي وبنعمتي وشتمني على عرشي ، فاقبض روحه حتى تكبّه في النّار ـ قال ـ فيجيئه ملك الموت بوجه كريه كالح ، عيناه كالبرق الخاطف ، وصوته كالرّعد القاصف ، لونه كقطع الليل المظلم ، نفسه كلهب النّار ، رأسه في السّماء الدنيا ، ورجل في المشرق ورجل في المغرب ، وقدماه في الهواء ، معه سفود (١) كثير الشّعب ، معه خمس مائة ملك أعوانا ، معهم سياط من قلب جهنّم ، لينها لين السّياط ، وهي من لهب جهنّم ، ومعهم مسح (٢) أسود وجمرة من جمر جهنّم ، ثمّ يدخل عليه ملك من خزّان جهنّم يقال له : سحفاطيل فيسقيه شربة من النار ، لا يزال منها عطشانا ، حتى يدخل النّار ، فإذا نظر إلى ملك الموت شخص بصره وطار عقله ، قال : يا ملك الموت ، أرجعون». قال : «فيقول ملك الموت : (كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها)(٣).

قال : «فيقول : يا ملك الموت ، فإلى من أدع مالي وأهلي وولدي وعشيرتي وما كنت فيه من الدنيا؟ فيقول : دعهم لغيرك واخرج إلى النار».

قال : «فيضربه بالسّفود ضربة فلا يبقي منه شعبة إلّا أثبتها في كلّ عرق ومفصل ، ثمّ يجذبه جذبة فيسلّ روحه من قدميه نشطا (٤) ، فإذا بلغت الرّكبتين أمر أعوانه فأكبّوا عليه بالسّياط ضربا ، ثمّ يرفعه عنه ، فيذيقه سكراته وغمراته

__________________

(١) السفّود : حديدة ذات شعب معقفة ، يشوى به اللحم.

(٢) المسح : هو كساء من الشّعر.

(٣) المؤمنون : ١٠٠.

(٤) أي ينتزعها بسرعة واختلاس.

٥٧

قبل خروجها كأنّما ضرب بألف سيف ، فلو كان له قوّة الجنّ والإنس لاشتكى كلّ عرق منه على حياله بمنزلة سفّود كثير الشّعب ألقي على صوف مبتلّ ، ثمّ يطوّقه ، فلم يأت على شيء إلا انتزعه ، كذلك خروج نفس الكافر من عرق وعضو ومفصل وشعرة ، فإذا بلغت الحلقوم ضربت الملائكة وجهه ودبره ، وقيل : (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) وذلك قوله : (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً)(١) فيقولون : حراما عليكم الجنّة محرّما».

وقال : «تخرج روحه فيضعها ملك الموت بين مطرقة وسندان فيفضخ أطراف أنامله ، وآخر ما يشدخ منه العينان ، فيسطع لها ريح منتن يتأذّى منه أهل السّماء كلّهم أجمعون ، فيقولون ، لعنة الله عليها من روح كافرة منتنة خرجت من الدنيا. فيلعنه الله ، ويلعنه اللاعنون. فإذا أتي بروحه إلى السّماء الدّنيا أغلقت عنه أبواب السّماء ، وذلك قوله : (لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ)(٢) يقول الله : ردّوها عليه فمنها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى» (٣).

وقال عليه‌السلام ـ في حديث مرفوع ـ في قوله تعالى : (يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ) : «إنّما أراد وأستاههم ، إنّ الله كريم يكنّي» (٤).

* س ٣٥ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ) (٥١) [الأنفال : ٥١]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ : (ذلِكَ) أي : ذلك العقاب لكم (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) أي : بما قدمتم وفعلتم. وإنما أضاف إلى اليد على التغليب

__________________

(١) الفرقان : ٢٢.

(٢) الأعراف : ٤٠.

(٣) الاختصاص : ٣٥٩.

(٤) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٦٥ ، ح ٧١.

٥٨

لأن أكثر الأفعال تكون باليد ، والمراد بذلك : بجنايتكم الكفر والمعاصي (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) أي : لا يظلم عباده في عقوبتهم من حيث إنه إنما عاقبهم بجناياتهم على قدر استحقاقهم (١).

أقول : وفي هذه الآية دلالة واضحة على بطلان مذهب المجبرة في أنه يخلق الكفر ، ثم يعذب عليه ، وأنه يجوز أن يعذب من غير ذنب ، وأن يأخذ بذنب غيره ، لأن هذا غاية الظلم ، وقد بالغ عز اسمه في نفي الظلم عن نفسه ، بقوله (لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ).

* س ٣٦ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (٥٢) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٥٣) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ) (٥٤) [الأنفال : ٥٢ ـ ٥٤]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ : ثم بين سبحانه أن حال هؤلاء الكفار كحال الذين من قبلهم ، فقال : (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) أي : عادة هؤلاء المشركين في الكفر بمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كعادة آل فرعون (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) في الكفر بالرسل وما أنزل إليهم. وقيل : معناه عقوبة الله تعالى لهؤلاء الكفار كعقوبته لآل فرعون ، وآل فرعون : أتباعه : والفرق بين آل فرعون ، وأصحاب فرعون أن الأصحاب مأخوذ من الصحبة ، وكثر في الموافقة في المذهب ، كما يقال أصحاب الشافعي ، وأبي حنيفة ، يراد به : الموافقة في المذهب ، ولا يقال آل الشافعي ، إلا لمن يرجعون إليه بالنسب الأوكد الأقرب. (كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ)

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٤ ، ص ٤٧٩.

٥٩

كما كفر هؤلاء (فَأَخَذَهُمُ اللهُ) أي : فعاقبهم الله (بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللهَ قَوِيٌ) أي : قادر لا يقدر أحد على منعه عن إحلال العقاب بما يريد (شَدِيدُ الْعِقابِ) لمن استحقه. ولا يوصف الله سبحانه بأنه شديد ، لأن الشديد هو المتداخل على صعوبة تفككه ، وإنما وصف العقاب بالشدة دون نفسه ، وشبه حال المشركين في تكذيبهم آيات الله بحال آل فرعون. لأن تعجيل العقاب لهؤلاء بالإهلاك ، كتعجيله لأولئك بعذاب الاستئصال (ذلِكَ) أي : ذلك الأخذ والعقاب لهم (بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) معناه : بأن الله لم يكن يزيل نعمة أنعمها على قوم ، حتى يتغيروا هم عن أحوالهم المرضية إلى أحوال لا يجوز لهم أن يتغيروا إليها ، وهو أن يستبدلوا المعصية بالطاعة ، وكفران النعمة بشكرها ، وقد يسلب الله تعالى النعمة على وجه المصلحة ، لا على وجه العقاب ، امتحانا لمصلحة يعلمها في ذلك ، ولكن لا يسلبها بفعل النقمة على وجه العقاب ، إلا عمن استحق العقاب.

قال السدي : النعمة التي أنعمها الله عليهم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنعم الله به على قريش ، فكفروا به ، وكذبوه ، فنقله إلى الأنصار (وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لأقوالهم (عَلِيمٌ) بضمائرهم وبكل شيء (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي : كعادتهم وطريقتهم في التكذيب بآيات الله عادة هؤلاء (كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ) أي : بحججه وبيناته (فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) أي : استأصلناهم (وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ) أي : كل هؤلاء المهلكين كانوا ظالمين لأنفسهم ، فلم نعاقب فريقا منهم إلا عن استحقاق ، وإنما كرر قوله (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) لأنه أراد بالأول بيان حالهم في استحقاق عذاب الآخرة ، وفي الثاني : بيان استحقاقهم لعذاب الدنيا ، وقيل : إن في الأول تشبيه حالهم بحال أولئك في التكذيب. وفي الثاني : تشبيه حالهم بحالهم في الاستئصال. وقيل : إن الأول في أخذهم بالعذاب. والثاني : في كيفية العذاب.

٦٠