التيسير في التفسير للقرآن - ج ٣

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٣

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٢

الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٧٤) وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٧٦) فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ)(٧٧) [سورة التوبة : ٧٧ ـ ٧٤]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام يقول : «لمّا قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما قال في غدير خمّ وصار بالأخبية ، مرّ المقداد بجماعة منهم وهم يقولون : والله إن كنّا أصحاب كسرى وقيصر لكنّا في الخزّ والوشي والدّيباج والنساجات ، وإنّا معه في الأخشنين : نأكل الخشن ونلبس الخشن ، حتى إذا دنا موته وفنيت أيامه وحضر أجله أراد أن يولّيها عليّا من بعده ، أما والله ليعلمن».

قال : «فمضى المقداد وأخبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به فقال : الصّلاة جامعة» قال : «فقالوا : قد رمانا المقداد فقوموا نحلف عليه ـ قال ـ فجاءوا حتى جثوا بين يديه ، فقالوا : بآبائنا وأمّهاتنا ـ يا رسول الله ـ لا والذي بعثك بالحق ، والذي أكرمك بالنبوّة ، ما قلنا ما بلغك ، لا والذي اصطفاك على البشر».

قال : «فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بسم الله الرحمن الرحيم (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا) بك ـ يا محمّد ـ ليلة العقبة (١) (وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ) كان أحدهم يبيع الرؤوس وآخر يبيع الكراع ويفتل القرامل (٢) فأغناهم الله برسوله ، ثم جعلوا

__________________

(١) روي : الذين نفّروا برسول الله ناقته في منصوفه من تبوك أربعة عشر ، أبو الشرور ، وأبو الدّواهي ، وأبو المعازف ، وأبوه ، وطلحة ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبو عبيدة ، وأبو الأعور ، والمغيرة ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وخالد بن الوليد ، وعمرو بن العاص ، وأبو موسى الأشعريّ ، وعبد الرحمن بن عوف ، وهم الذين أنزل الله عزوجل فيهم (وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا). (الخصال : ص ٤٩٩ ، ح ٦).

(٢) القرامل : ضفائر من شعر أو صوف أو إبريسم تصل به المرأة شعرها. «لسان العرب ـ قرمل ـ ج ١١ ، ص ٥٥٦».

١٦١

حدّهم وحديدهم عليه» (١).

وقال علي بن إبراهيم القميّ : ثمّ ذكر البخلاء ، وسمّاهم منافقين وكاذبين ، فقال (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ) إلى قوله : (أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ)(٢) وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «هو ثعلبة بن حاطب بن عمرو بن عوف ، كان محتاجا فعاهد الله ، فلمّا أتاه الله بخل به» (٣).

* س ٥٠ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (٧٨) الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٧٩) [سورة التوبة : ٧٩ ـ ٧٨]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : ثمّ ذكر المنافقين ، فقال : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ). وقال : وأمّا قوله : (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ) فجاء سالم بن عمير الأنصاري بصاع من تمر ، فقال : يا رسول الله ، كنت ليلتي أجيرا لجرير حتى نلت صاعين تمرا ، أما أحدهما فأمسكته ، وأمّا الآخر فأقرضه ربّي ، فأمر رسول الله أن ينبذه في الصّدقات ، فسخر منه المنافقون ، وقالوا : والله إنّ الله لغنيّ عن هذا الصاع ، ما يصنع الله بصاعه شيئا! ولكنّ أبا عقيل أراد أن يذكر نفسه ليعطى من الصّدقات ، فقال : (سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)(٤).

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٩٩ ، ح ٩٠.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٠١.

(٣) نفس المصدر السابق.

(٤) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٠١ ، وقيل عبد الرحمن بن عوف لمز علي عليه‌السلام ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام ـ تفسير العياشي : ج ٢ ، ص ١٠١ ، ح ٩٣.

١٦٢

* س ٥١ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) (٨٠) [سورة التوبة : ٨٠]؟!

الجواب / قال أبو الحسن الرضا عليه‌السلام : «إن الله تعالى قال لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) فاستغفر لهم مائة مرّة ليغفر لهم ، فأنزل الله : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ)(١) ، وقال : (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ)(٢) فلم يستغفر لهم بعد ذلك ، ولم يقم على قبر أحد منهم» (٣).

وقال علي بن إبراهيم ، إنّها نزلت لمّا رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المدينة ومرض عبد الله بن أبي ، وكان ابنه عبد الله بن عبد الله مؤمنا ، فجاء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبوه يجود بنفسه ، فقال : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمّي ، إنك إن لم تأت أبي كان ذلك عارا علينا ، فدخل إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمنافقون عنده ، فقال ابنه عبد الله بن عبد الله : يا رسول الله ، استغفر له ، فاستغفر له.

فقال عمر : ألم ينهك الله ـ يا رسول الله ـ أن تصلّي عليهم أو تستغفر لهم؟ فأعرض عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأعاد عليه ، فقال له : «ويلك ، إنّي خيّرت فاخترت ، إن الله يقول : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ).

فلمّا مات عبد الله جاء ابنه إلى رسول الله ، فقال : بأبي أنت وأمّي ـ يا رسول الله ـ إن رأيت أن تحضر جنازته. فحضره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقام على

__________________

(١) المنافقون : ٦.

(٢) التوبة : ٨٤.

(٣) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ١٠٠ ، ح ٩٢.

١٦٣

قبره ، فقال له عمر : يا رسول الله ، ألم ينهك الله أن تصليّ على أحد منهم مات أبدا ، وأن تقوم على قبره؟ فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ويلك ، وهل تدري ما قلت ، إنّما قلت : اللهمّ احش قبره نارا ، وجوفه نارا ، واصله النّار». فبدا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما لم يكن يحب (١).

* س ٥٢ : بمن نزل ، قوله تعالى :

(فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (٨١) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢) فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ (٨٣) وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ) (٨٤) [سورة التوبة : ٨٤ ـ ٨١]؟!

الجواب / قال عليّ بن إبراهيم : نزلت في الجدّ بن قيس لمّا قال لقومه : لا تخرجوا في الحرّ ، ففضح الله الجدّ بن قيس وأصحابه ، فلمّا اجتمع لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الخيول ارتحل من ثنيّة الوداع ، وخلّف أمير المؤمنين عليه‌السلام على المدينة ، فأرجف المنافقون بعليّ عليه‌السلام ، فقالوا : ما خلّفه إلّا تشاؤما به. فبلغ ذلك عليّا فأخذ سيفه وسلاحه ولحق برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالجرف ، فقال له رسول الله : «يا عليّ ، ألم أخلّفك على المدينة؟». قال : «نعم ، ولكنّ المنافقين زعموا أنك خلفتني تشاؤما بي». فقال : «كذب المنافقون ـ يا عليّ ـ أما ترضى أن تكون أخي وأنا أخاك بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنّه لا نبيّ بعدي وإن كان بعدي نبي لقلت أنت ، وأنت خليفتي في أمّتي ، وأنت وزيري ووصيّي

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٠٢.

١٦٤

وأخي في الدنيا والآخرة» فرجع عليّ عليه‌السلام إلى المدينة (١).

* س ٥٣ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ) (٨٥) [سورة التوبة : ٨٥]؟!

الجواب / أقول : في هذه السورة نفس هذه الآية برقم (٥٥) لكننا لم نبينها بشكل تفصيلي :

قال الشيخ الطوسي : أنها خطاب للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمراد به الأمة ، ينهاهم الله أن يعجبوا بما أعطى الله الكفار من الأموال والأولاد في الدنيا حتى يدعوهم ذلك إلى الصلاة عليهم ، ولا ينبغي أن يغتروا بذلك فإنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا ، لأنهم لا ينفقونها في طاعة الله ولا يخرجون حق الله منها. ويجوز أن يعذبهم بها في الدنيا بما يلحقهم فيها من المصائب والغموم وبما يأخذها المسلمون على وجه الغنيمة وبما يشق عليهم من إخراجها في الزكاة والإنفاق في سبيل الله مع اعتقادهم بطلان الإسلام وتشدد ذلك عليهم ويكون عذابا لهم ، وأن نفوسهم تزهق أي تهلك بالموت (وَهُمْ كافِرُونَ) أي في حال كفرهم ، فلذلك عذبهم الله في الآخرة. والإعجاب هو إيجاد السرور بما يتعجب منه من عظيم الإحسان ، تقول : أعجبني أمره إعجابا إذا سررت بموضع التعجب منه والزهق خروج النفس بمشقة شديدة ومنه قوله (فَإِذا هُوَ زاهِقٌ)(٢) أي هالك.

وقيل : في وجه حسن تكرار هذه الآية دفعتين قولان :

أحدهما : قال أبو علي : يجوز أن تكون الآيتان في فريقين من المنافقين

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٢٩٢.

(٢) الأنبياء : ١٨.

١٦٥

كما يقول القائل : لا يعجبك حال زيد ولا يعجبك حال عمرو.

الثاني : أن يكون الغرض البيان عن قوة هذا المعنى فيما ينبغي أن يحذر منه مع أنه للتذكير في موطنين بعد أحدهما عن الآخر ، فيجب العناية به ، وليس ذلك بقبيح ، لأن الواحد منا يحسن به أن يقوم في مقام بعد مقام ، ويكرر الوعظ والزجر والتخويف ولا يكون ذلك قبيحا (١).

* س ٥٤ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ) (٨٦) [سورة التوبة : ٨٦]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : بين الله تعالى في هذه الآية أنه إذا أنزل سورة من القرآن على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (أَنْ آمِنُوا) ومعناه بأن آمنوا فحذفت الباء وجعل (أَنْ آمِنُوا) في موضع نصب والتقدير بالإيمان على وجه الأمر ولا يجوز الحذف مع صريح المصدر ، وإنما جاز مع (أن) للزوم الصلة والحمل على التأويل في اللفظ كما حمل على المعنى.

وهذا خطاب للمؤمنين وأمر لهم بأن يدوموا على الإيمان ويتمسكوا به في مستقبل الأوقات ويدخل فيه المنافق ويتناوله الأمر بأن يستأنف الإيمان ويترك النفاق ثم يجاهدا بعد ذلك بنفوسهم وأموالهم لأنه لا ينفعهم الجهاد مع النفاق.

وقوله (اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ) معناه أن ذوي الغنى من المنافقين إذا أنزلت السورة يأمرهم فيها بالإيمان والجهاد ويستأذنون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في القعود والتأخر عنه. مع اعتقادهم بطلان الإسلام فيشد ذلك عليهم ويكون عذابا لهم ـ وهو قول الحسن وابن عباس ـ فإنهما قالا : إنما لحق هؤلاء الذم لأنهم

__________________

(١) التبيان : ج ٥ ، ص ٢٧٣.

١٦٦

أقوى على الجهاد. وقوله (وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ) أخبار منه تعالى أن هؤلاء المنافقين من ذوي الغنى يقولون للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اتركنا نكن مع القاعدين من الصبيان والزمنى والمرضى الذين لا يقدرون على الخروج. قال الرماني : والسورة جملة من القرآن تشتمل على آيات قد أحطات بها كما يحيط سور القصر بما فيه ، وسؤر الهر بقيته من الماء. والجهاد بالقتال دفعا عن النفس معلوم حسنه عقلا لأنه مركوز في العقل وجوب التحرز من المضار ، وليس في العقل ما يدل على أنه يجب على الإنسان أن يمنع غيره من الظلم وإنما يعلم ذلك سمعا (١).

* س ٥٥ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ) (٨٧) [سورة التوبة : ٨٧]؟!

الجواب / قال عبد الله الحلبي ، سألته عن قول الله : (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ).

فقال عليه‌السلام : «النّساء ، إنّهم قالوا : إنّ بيوتنا عورة. وكانت بيوتهم في أطراف البيوت حيث يتفرّد الناس ، فأكذبهم الله ، قال : (وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً)(٢) وهي رفيعة السمك حصينة» (٣).

* س ٥٦ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(٨٨) [سورة التوبة : ٨٨]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسيّ (رحمه‌الله تعالى) : لما أخبر الله تعالى عن

__________________

(١) التبيان : ج ٥ ، ص ٢٧٣.

(٢) الأحزاب : ١٣.

(٣) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ١٠٣ ، ح ٩٨.

١٦٧

حال المتأخرين عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والقاعدين عن الجهاد معه وأنهم منافقون قد طبع على قلوبهم فهم لا يفقهون. أخبر عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن معه من المؤمنين المطيعين لله ورسوله بأنهم يجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم بالأموال التي ينفقونها في مرضاة الله وعدة الجهاد ويقاتلون الكفار بنفوسهم. ثم أخبر عما أعد لهم من الجزاء على أفعالهم تلك وانقيادهم لله ورسوله ، فقال (أُولئِكَ) يعني النبي والذين معه (لَهُمُ الْخَيْراتُ) في الجنة ونعيمها وخيراتها ، وأنهم المفلحون أيضا الفائزون بكرامة الله. والخيرات هي المنافع التي تسكن النفس إليها وترتاح بها من النساء الحسان وغيره من نعيم الجنان واحده خيره ـ هذا قول أبي عبيدة ـ.

وقال رجل من بني عدي :

ولقد طعنت مجامع الربلات

ربلات هند خيرة الملكات (١)

***

والفلاح النجاح بالوصول إلى البغية من نجح الحاجة وهو قضاؤها (٢).

* س ٥٧ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(٨٩) [سورة التوبة : ٨٩]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسيّ (رحمه‌الله تعالى) : بين الله تعالى أنه (أَعَدَّ) لهؤلاء المؤمنين والرسول (جَنَّاتٍ) يعني بساتين (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) ومعناه من تحت أشجارها (الْأَنْهارُ). والإعداد جعل الشيء مهيئا لغيره تقول :

__________________

(١) مجاز القرآن : ج ١ ، ص ٢٦٧ ، واللسان (خير) الربلة لحمة الفخذ.

(٢) التبيان : ج ٥ ، ص ٢٧٣ الشيخ الطوسي.

١٦٨

أعد إعدادا واستعد له استعدادا وهو من العدد ، لأنه قد عد الله جميع ما يحتاج إلى تقديمه له من الأمور ومثله الاتخاذ. والوجه في إعداد ذلك قبل مجيء وقت الجزاء أن تصوره لذلك ادعى إلى الطاعة وأكد في الحرص عليها.

ويحتمل أن يكون المراد أنه سيجعل لهم جنات تجري من تحتها الأنهار غير أنه ترك للظاهر. وقوله (ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) إشارة إلى ما أعده لهم وإخبار منه بأنه الفوز العظيم ، والفوز النجاة من الهلكة إلى حال النعمة. وسميت المهلكة مفازة تفاؤلا بالنجاة وإنما وصفه بالعظيم لأنه حاصل على جهة الدوام (١).

* س ٥٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)(٩٠) [سورة التوبة : ٩٠]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسيّ (رحمه‌الله تعالى) : ومعنى الآية أن قوما من الأعراب جاءوا إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يظهرون أنهم مؤمنون ولم يكن لهم في الإيمان والجهاد نية فيعرفون نفوسهم عليه وغرضهم أن يأذن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم في التخلف ، فجعلوا عرضهم أنفسهم عليه عذرا في التخلف عن الجهاد. وقوله (وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) يعني المنافقين ، لأنهم الذين كذبوا الله ورسوله فيما كانوا يظهرون من الإيمان ، فقال الله (سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي ينالهم عذاب مؤلم موجع في الآخرة (٢).

__________________

(١) نفس المصدر : ص ٢٧٦ ـ ٢٧٧.

(٢) نفس المصدر السابق : ص ٢٧٨.

١٦٩

* س ٥٩ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩١) وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ (٩٢) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٩٣) [سورة التوبة : ٩٣ ـ ٩١]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : جاء البكاءون إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم سبعة من بني عمرو بن عوف سالم بن عمير ، قد شهد بدرا ، لا اختلاف فيه ، ومن بني واقف هرميّ بن عمير (١) ، ومن بني حارثة علبة بن زيد (٢) ، وهو الذي تصدّق بعرضه (٣) ، وذلك أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بصدقة ، فجعل الناس يأتون بها ، فجاء عليه ، فقال : يا رسول الله ، والله ما عندي ما أتصدّق به ، وقد جعلت عرضي حلّا.

فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «قد قبل الله صدقتك». ومن بني مازن بن النجّار ، أبو ليلى عبد الرحمن بن كعب ، ومن بني سلمة عمرو بن غنمة ، ومن

__________________

(١) انظر الاختلاف في اسمه ولقبه في المحبّر : ص ٢٨١ ، أسد الغابة : ج ٥ ، ص ٥٨ ، الإصابة : ج ٣ ، ص ٦٠١ ، ح ٦١٥.

(٢) في «ط» : ومن بني جارية علية بن يزيد ، والصواب ما في المتن وهو علبة بن زيد بن صيفي من بني حارثة ، يعدّ في أهل المدينة ، ترجم له في أسد الغابة ج ٤ ، ص ١٠ ، الإصابة : ج ٢ ، ص ٤٩٩ ، وذكر أنّه أحد البكائين وهو الذي تصدّق بعرضه ، وفي المحبّر : ص ٢٨١ : علبة بن صيفي بن عمرو بن زيد.

(٣) العرض : موضع المدح والذّم من الإنسان. وتصدقت بعرضي : أي تصدّقت به على من ذكرني بما يرجع إليّ عيبه. «النهاية : ج ٣ ، ص ٢٠٩».

١٧٠

بني زريق سلمة بن صخر (١) ، ومن بني [سليم بن منصور](٢) العرباض بن سارية السلميّ.

هؤلاء جاءوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يبكون ، فقالوا : يا رسول الله ، ليس بنا قوّة أن نخرج معك. فأنزل الله فيهم (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ) قال : وإنّما سأل هؤلاء البكاءون نعلا يلبسونها (٣).

وعن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه‌السلام ، قالا : «إنّ الله احتجّ على العباد بالذي آتاهم وعرّفهم ، ثم أرسل إليهم رسولا ، ثمّ أنزل عليهم كتابا ، فأمر فيه ونهى ، وأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالصّلاة فنام عنها ، فقال : أنا أنمتك وأنا أيقظتك ، فإذا قمت فصلّها ليعلموا إذا أصابهم ذلك كيف يصنعون ، وليس كما يقولون : إذا نام عنها هلك ، وكذلك الصائم [يقول الله له] : أنا أمرضتك وأنا أصحّك ، فإذا شفيتك فاقضه.

وكذلك إذا نظرت في جميع الأمور لم تجد أحدا في ضيق ، ولم تجد أحدا إلّا ولله عليه الحجّة ، وله فيه المشيئة» قال : «فلا يقولون : إنّه ما شاءوا صنعوا ، وما شاءوا لم يصنعوا ـ وقال ـ إنّ الله يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء ، وما أمر العباد إلا بدون سعتهم ، وكلّ شيء أمر الناس فأخذوا به فهم يسعون له ، وما [لا] يسعون له فهو موضوع عنهم ، ولكنّ الناس لا خير

__________________

(١) الظاهر من المحبر : ص ٢٨١ وجمهرة أنساب العرب : ص ٣٥٦ وأسد الغابة : ج ٢ ، ص ٣٣٧ أنه ليس من بني زريق ، بل من ولد الحارث بن زيد مناة ، حلفاء بني بياضة.

(٢) أثبتناه من المحبّر : ص ٢٨١.

(٣) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٢٩٣ ، تفسير الطبري : ج ١٠ ، ص ١٤٦ ، الدر المنثور : ج ٤ ، ص ٢٦٣ ، عن ابن جرير الطبري ، وفي : ص ٢٦٤ عن ابن إسحاق وابن المنذر وأبي الشيخ عن جماعة من الصحابة ذكرهم.

١٧١

فيهم ، ثمّ تلا عليه‌السلام هذه الآية : (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ) قال : «وضع عنهم : (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ) ـ قال ـ وضع عنهم إذ لا يجدون ما ينفقون ، وقال : (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ) إلى قوله : (لا يَعْلَمُونَ) ـ قال ـ وضع عليهم لأنهم يطيقون (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ) فجعل السّبيل عليهم لأنهم يطيقون (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ) الآية ـ قال ـ عبد الله بن يزيد بن ورقاء الخزاعي أحدهم» (١).

* س ٦٠ : ما هو معنى الغيب والشهادة في قوله تعالى :

(يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٩٤) [سورة التوبة : ٩٤]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل : (عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) ، فقال : «الغيب : ما لم يكن ، والشّهادة : ما قد كان» (٢).

* س ٦١ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٩٥) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (٩٦)

__________________

(١) معاني الأخبار : ص ١٤٦ ، ح ١.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٠٢.

١٧٢

الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٩٧) وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٩٨) وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٩٩) [سورة التوبة : ٩٩ ـ ٩٥]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : ولما قدم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تبوك كان أصحابه المؤمنون يتعرّضون للمنافقين ويؤذونهم ، وكانوا يحلفون لهم أنّهم على الحقّ وليس هم بمنافقين لكي يعرضوا عنهم ويرضوا عنهم ، فأنزل الله (سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ). ثمّ وصف الأعراب ، فقال : (الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) ـ إلى قوله ـ (قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ)(١).

وقال داود بن الحصين ، سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله : (وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللهِ) أيثيبهم عليه؟ قال : «نعم».

وفي رواية أخرى عنه عليه‌السلام : يثابون عليه؟ قال : «نعم» (٢).

__________________

(١) نفس المصدر السابق.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ١٠٥ ، ح ١٠٢ و ١٠٣.

١٧٣

* س ٦٢ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (١٠٠) [سورة التوبة : ١٠٠]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام لأبي عمرو الزّبيري : «إن الله عزوجل سبّق بين المؤمنين كما سبّق بين الخيل يوم الرّهان».

قال أبو عمرو : أخبرني عمّا ندب الله المؤمن من الاستباق إلى الإيمان؟

قال : «قول الله تعالى : (سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ)(١) ، وقال : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)(٢) ، وقال : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) ، فبدأ بالمهاجرين الأوّلين على درجة سبقهم ، ثم ثنّى بالأنصار ، ثم ثلّث بالتّابعين لهم بإحسان ، فوضع كلّ قوم على قدر درجاتهم ومنازلهم عنده» (٣).

وقال عليّ بن إبراهيم : ثم ذكر السابقين ، فقال : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ) ، وهم النّقباء : أبو ذر ، والمقداد ، وسلمان ، وعمّار ، ومن آمن وصدّق ، وثبت على ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام (٤). وفي (نهج البيان) : عن الصّادق عليه‌السلام : «أنّها نزلت في علي عليه‌السلام ومن تبعه من المهاجرين والأنصار والذين اتّبعوهم بإحسان ، رضي الله عنهم ورضوا عنه ، وأعدّ لهم جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ، ذلك الفوز العظيم» (٥).

__________________

(١) الحديد : ٢١.

(٢) الواقعة : ١٠ ـ ١١.

(٣) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ١٠٥ ، ح ١٠٤.

(٤) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٠٣.

(٥) نهج البيان : ج ٢ ، ص ١٤٠ (مخطوط).

١٧٤

* س ٦٣ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ) (١٠١) [سورة التوبة : ١٠١]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسيّ : معنى قوله (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ) من جملة من حولكم يعني حول مدينتكم وحول الشيء المحيط به ، وهو مأخوذ من حال يحول إذا دار بالانقلاب. ومنه المحالة لأنها تدور في المحول. وقوله : (مِنَ الْأَعْرابِ) والأعراب هم الذين يسكنون البادية إذا كانوا مطبوعين على العربية وليس واحدهم عربا ، لأن العرب قد يكونوا حاضرة والأعراب بادية. وقوله (مُنافِقُونَ) معناه من يظهر الإيمان ويبطن الكفر (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ) أيضا منافقون ، وإنما حذف لدلالة الأول عليه (مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ) يقال : مرد على الشيء يمرد مرودا فهو مارد ومريد إذا عتا وطغى وأعيا خبثا ، ومنه «شيطان مارد ومريد» وقال ابن زيد : معناه أقاموا عليه لم يتوبوا كما تاب غيرهم. وقال ابن إسحاق : معناه لجوا فيه وأبوا غيره. وقال الفراء : معناه مرنوا عليه وتجرءوا عليه وقال الزجاج : فيه تقديم وتأخير والتقدير وممن حولكم من الأعراب منافقون مردوا على النفاق ومن أهل المدينة أيضا مثل ذلك. وأصل المرود الملاسة. ومنه قوله (صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ) أي مملس ومنه الأمرد الذي لا شعر على وجهه ، والمرودة والمرداء الرملة التي لا تنبت شيئا ، والتمراد بيت صغير يتخذ للحمام مملس بالطين ، والمرداء الصخرة الملساء. (لا تَعْلَمُهُمْ) معناه لا تعرفهم يا محمد (نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) أي نعرفهم.

وقوله (سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ) قيل في معناه أقوال :

أحدهما : يعني في الدنيا وفي القبر. وقال ابن عباس : نعذبهم في الدنيا

١٧٥

بالفضيحة لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكر رجلا منهم وأخرجهم من المسجد يوم الجمعة في خطبته قال : أخرجوا فإنكم منافقون ، والأخرى في القبر.

وقال مجاهد : يعني في الدنيا بالقتل والسبي والجوع. وفي رواية أخرى عن ابن عباس : أن إحداهما إقامة الحدود عليهم ، والأخرى عذاب القبر ، وقال الحسن : إحداهما أخذ الزكاة منهم : والأخرى عذاب القبر ، وقال ابن إسحاق : إحداهم غيظهم من أهل الإسلام ، والأخرى عذاب القبر. وكل ذلك محتمل غير أنا نعلم أن المرتين معا قبل أن يردوا إلى عذاب النار يوم القيامة. وقوله (ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ) معناه ثم يرجعون يوم القيامة إلى عذاب عظيم مؤبد في النار.

وروي أن الآية نزلت في عيينة بن حصين وأصحابه (١).

* س ٦٤ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٠٢) [سورة التوبة : ١٠٢]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : «الذين (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً) فأولئك قوم مؤمنون ، يحدثون في إيمانهم من الذنوب التي يعيبها المؤمنون ويكرهونها ، فأولئك (عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ)(٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «وعسى من الله واجب ، وإنما نزلت في شيعتنا المذنبين» (٣).

وقال الطبرسيّ : عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام : أنّها نزلت في أبي لبابة ، ولم يذكر معه غيره ، وسبب نزولها فيه ما جرى منه في بني قريظة حين قال :

__________________

(١) التبيان : ج ٥ ، ص ٢٨٩.

(٢) الكافي : ج ٢ ، ص ٣٠٠ ، ح ٢.

(٣) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ١٠٥ ، ح ١٠٥.

١٧٦

إن نزلتم على حكمه فهو الذّبح (١).

* س ٦٥ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٠٣) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (١٠٤) [سورة التوبة : ١٠٤ ـ ١٠٣]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لمّا نزلت هذه الآية (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها) وأنزلت في شهر رمضان ، أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مناديه فنادى في الناس : إن الله فرض عليكم الزّكاة كما فرض عليكم الصلاة ، ففرض الله عزوجل عليهم من الذّهب والفضّة ، وفرض الصّدقة من الإبل والبقر والغنم ، ومن الحنطة والشّعير ، والتّمر والزّبيب ، فنادى فيهم بذلك في شهر رمضان ، وعفا لهم عمّا سوى ذلك».

ثمّ قال : «ثمّ لم يفرض لشيء من أموالهم حتّى حال عليهم الحول من قابل ، فصاموا وأفطروا ، فأمر مناديه فنادى في المسلمين : أيّها المسلمون ، زكّوا أموالكم تقبل صلواتكم ـ قال ـ ثمّ وجّه عمّال الصّدقة وعمّال الطّسوق (٢)» (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ) : «أي يقبلها من أهلها ، ويثيب عليها» (٤).

وسأل أبو عبد الله عليه‌السلام عن قول الله : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٥ ، ص ١١.

(٢) الطسوق : جمع طسق ، الوظيفة من خراج الأرض. «الصحاح ـ طسق ـ ج ٤ ، ص ١٥١٧».

(٣) الكافي : ج ٣ ، ص ٤٩٧ ، ح ٢.

(٤) التوحيد : ص ١٦١ ، ح ٢.

١٧٧

وَتُزَكِّيهِمْ بِها) جارية هي في الإمام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ قال : «نعم» (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : تصدّقت يوما بدينار ، فقال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أما علمت أن صدقة المؤمن لا تخرج من يده حتى يفكّ بها عن لحى سبعين شيطانا ، وما تقع في يد السّائل حتى تقع في يد الرّبّ تبارك وتعالى ، ألم يقل هذه الآية : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ) إلى آخر الآية (٢).

* س ٦٦ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (١٠٥) [سورة التوبة : ١٠٥]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي بصير : «تعرض الأعمال على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ أعمال العباد ـ كلّ صباح ، أبرارها وفجارها ، فاحذروها ، وهو قول الله عزوجل : (اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ) وسكت (٣)(٤).

وقال أبو بصير : إنما عنى الأئمة عليهم‌السلام (٥).

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ١٠٦ ، ح ١١١.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ١٠٧ ، ح ١١٣.

(٣) «أعمال العباد» عطف بيان للأعمال. «أبرارها وفجارها». بجرّهما : بدل تفصيل للعباد ، والضميران راجعان إلى العبّاد ، والأبرار : جمع برّ بالفتح بمعنى البارّ ، والفجّار بالضم والتشديد جمع فاجر. أو برفعهما : بدل تفصيل لأعمال العباد ، والضميران راجعان إلى الأعمال ، ففي إطلاق الأبرار والفجار على الأعمال تجوّز. على أنّه يحتمل كون الأبرار حينئذ جمع البرّ بالكسر ، وربما يقرأ الفجار بكسر الفاء وتخفيف الجيم جمع فجار بفتح الفاء مبنيا على الكسر وهو اسم الفجور ، أو جمع فجر بالكسر هو أيضا الفجور. «فاحذروها» الضمير للفجار أو للأعمال باعتبار الثاني. ولعلّه عليه‌السلام سكت عن ذكر المؤمنين ، وتفسيره تقيّة أو إحالة على الظهور. (مرآة العقول : ج ٣ ، ص ٤).

(٤) الكافي : ج ١ ، ص ١٧٠ ، ح ١.

(٥) معاني الأخبار : ص ٣٩٢ ، ح ٣٧.

١٧٨

قال عبد الله بن أبان الزيّات ـ وكان مكينا عند الرضا عليه‌السلام ـ : قلت للرضا عليه‌السلام : ادع الله لي ولأهل بيتي. فقال : «أو لست أفعل ، والله إنّ أعمالكم لتعرض عليّ في كل يوم وليلة».

قال : فاستعظمت ذلك ، فقال لي : «أما تقرأ كتاب الله عزوجل (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) ـ قال ـ هو والله علي بن أبي طالب عليه‌السلام» (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : (عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) : «الغيب : ما لم يكن ، والشهادة ما قد كان» (٢).

* س ٦٧ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (١٠٦) [سورة التوبة : ١٠٦]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل : (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ).

«قوم كانوا مشركين ، فقتلوا مثل حمزة وجعفر وأشباههما من المؤمنين ، ثم إنهم دخلوا في الإسلام فوحّدوا الله وتركوا الشّرك ، ولم يعرفوا الإيمان بقلوبهم فيكونوا من المؤمنين فتجب لهم الجنّة ، ولم يكونوا على جحودهم فيكفروا فتجب لهم النّار ، فهم على تلك الحال (مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ)(٣).

وقال حمران : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المستضعفين؟ قال عليه‌السلام :

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ١٧١ ، ح ٤.

(٢) معاني الأخبار : ص ١٤٦ ، ح ١.

(٣) الكافي : ج ٢ ، ص ٢٩٩ ، ح ١.

١٧٩

«هم ليسوا بالمؤمنين ولا بالكفّار ، فهم المرجون لأمر الله» (١).

* س ٦٨ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٠٧) لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) (١٠٨) [سورة التوبة : ١٠٨ ـ ١٠٧]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : إنه كان سبب نزولها أنّه جاء قوم من المنافقين إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالوا : يا رسول الله ، أتأذن لنا أن نبني مسجدا في بني سالم للعليل ، واللّيلة المطيرة ، وللشيخ الفاني؟ فأذن لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو على الخروج إلى تبوك. فقالوا : يا رسول الله ، لو أتيتنا فصلّيت فيه؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا على جناح السّفر ، فإذا وافيت ـ إن شاء الله ـ أتيته فصلّيت فيه».

فلمّا أقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تبوك نزلت عليه هذه الآية في شأن المسجد وأبي عامر الرّاهب ، وقد كانوا حلفوا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّهم يبنون ذلك للصّلاح والحسنى ، فأنزل الله على رسوله (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ) يعني أبا عامر الرّاهب ، كان يأتيهم فيذكر رسول الله وأصحابه (وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ) يعني مسجد قبا (٢) (أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ١١٠ ، ذيل الحديث ١٣٠.

(٢) قبا : قرية قرب المدينة على ميلين منها ، فيها مسجد التقوى. «معجم البلدان : ج ٤ ، ص ٣٠١».

١٨٠