التيسير في التفسير للقرآن - ج ٣

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٣

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٢

أَنْفُسِهِمْ) أي : بما في قلوبهم من الإخلاص وغيره (إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) إن طردتهم ، تكذيبا لظاهر إيمانهم ، أو قلت فيهم غير ما أعلم (١).

* س ٢١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣٢) قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) (٣٣) [هود : ٣٣ ـ ٣٢]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : ثم حكى الله سبحانه جواب قوم نوح عما قاله لهم ، فقال : (قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا) أي : خاصمتنا ، وحاججتنا (فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا) أي : زدت في مجادلتنا على مقدار الكفاية. (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا) من العذاب (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) في أن الله تعالى يعذبنا على الكفر أي : فلسنا نؤمن بك ، ولا نقبل منك (قالَ) نوح (إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شاءَ) أي : لا يأتي بالعذاب إلا الله سبحانه متى شاء ، لا يقدر عليه غيره ، فإن شاء عجل وإن شاء أخر (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) أي : لا تفوتونه بالهرب (٢).

* س ٢٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٣٤) [هود : ٣٤]؟!

الجواب / قال أبو الحسن الرضا عليه‌السلام : «قال الله في قوم نوح عليه‌السلام : (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٥ ، ص ٢٦٦.

(٢) مجمع البيان : ج ٥ ، ص ٢٦٨.

٣٠١

ـ قال ـ : الأمر إلى الله يهدي ويضلّ» (١).

وقال الباقر عليه‌السلام : «نزلت في العبّاس» (٢).

وسيأتي إن شاء الله تعالى في قوله تعالى : (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى) حديث مسند (٣).

* س ٢٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ) (٣٥) [هود : ٣٥]؟!

الجواب / الشيباني في (نهج البيان) : عن مقاتل ، قال : إنّ كفّار مكّة قالوا : إنّ محمّدا افترى القرآن. قال : وروي مثل ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام (٤).

* س ٢٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٣٧) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ (٣٨) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (٣٩) حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ١٤٣ ، ح ١٦.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ١٤٤ ، ح ١٧.

(٣) يأتي في الحديث من تفسير الآية (٧٢) من سورة الإسراء.

(٤) نهج البيان : ج ٢ ، ص ١٤٦ (مخطوط).

٣٠٢

وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ (٤٠) وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (٤١) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ (٤٢) قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (٤٣) وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٤) وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ (٤٥) قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٤٦) قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٤٧) قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (٤٨) تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (٤٩)) [هود : ٤٩ ـ ٣٦]؟!

الجواب / قال الصادق عليه‌السلام : «كان اسم نوح عليه‌السلام عبد الغفّار ، وإنّما سمّي نوحا لأنّه كان ينوح على قومه» (١).

وقال عليه‌السلام : «كان اسم نوح عبد الملك ، وإنّما سمّي نوحا لأنّه بكى خمسمائة سنة» (٢).

وقال عليه‌السلام : «كان اسم نوح عبد الأعلى ، وإنّما سمّي نوحا لأنّه بكى خمسمائة عام».

__________________

(١) علل الشرائع : ص ٢٨ ، ح ١.

(٢) علل الشرائع : ص ٢٨ ، ح ٢.

٣٠٣

ثمّ قال ابن بابويه : الأخبار في اسم نوح عليه‌السلام كلّها متّفقة غير مختلفة ، تثبت له التّسمية بالعبودية ، وهو عبد الغفار والملك والأعلى (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «بقي نوح في قومه ثلاثمائة سنة يدعوهم إلى الله عزوجل فلم يجيبوه ، فهمّ أن يدعو عليهم ، فوافاه عند طلوع الشمس اثنا عشر ألف قبيل من قبائل ملائكة السماء الدنيا ، وهم العظماء من الملائكة ، فقال لهم نوح عليه‌السلام : من أنتم؟ فقالوا : نحن اثنا عشر ألف قبيل من قبائل ملائكة سماء الدنيا ، وإنّ مسيرة غلظ سماء الدنيا خمسمائة عام ، ومن سماء الدنيا إلى الدنيا مسيرة خمسمائة عام ، وخرجنا عند طلوع الشمس ، ووافيناك في هذا الوقت ، فنسألك أن لا تدعو على قومك. فقال نوح : قد أجّلتهم ثلاثمائة سنة.

فلمّا أتى عليهم ستّمائة سنة ولم يؤمنوا ، همّ أن يدعوا عليهم ، فوافاه اثنا عشر ألف قبيل من قبائل ملائكة السماء الثانية ، فقال نوح : من أنتم؟ فقالوا نحن اثنا عشر ألف قبيل من قبائل ملائكة السماء الثانية ، وغلظ السماء الثانية مسيرة خمسمائة عام ، ومن السماء الثانية إلى سماء الدنيا مسيرة خمسمائة عام وغلظ سماء الدنيا مسيرة خمسمائة عام ، ومن سماء الدنيا إلى الدنيا مسيرة خمسمائة عام ، خرجنا عند طلوع الشمس ، ووافيناك ضحوة نسألك أن لا تدعو على قومك. فقال نوح : قد أجّلتهم ثلاثمائة سنة.

فلمّا أتى عليهم تسعمائة سنة ولم يؤمنوا ، همّ أن يدعو عليهم ، فأنزل الله عزوجل : (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) فقال نوح : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ

__________________

(١) علل الشرائع : ص ٢٨ ، ح ٣.

٣٠٤

يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً)(١).

فأمره الله أن يغرس النخل ، فأقبل يغرس ، فكان قومه يمرّون به فيسخرون منه ويستهزئون به ، ويقولون : شيخ قد أتى له تسعمائة سنة يغرس النخل! وكانوا يرمونه بالحجارة ، فلمّا أتى لذلك خمسون سنة وبلغ النخل واستحكم أمر بقطعه ، فسخروا منه ، وقالوا : بلغ النخل مبلغه ، وهو قوله : (وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ).

فأمره الله أن ينحت السفينة ، وأمر جبرئيل أن ينزل عليه ويعلّمه كيف يتخذها ، فقدر طولها في الأرض ألف ومائتا ذراع ، وعرضها ثمانمائة ذراع ، وطولها في السماء ثمانون ذراعا. فقال : يا ربّ من يعينني على اتّخاذها؟ فأوحى الله إليه : ناد في قومك : من أعانني عليها ونجر منها شيئا صار ما ينجره ذهبا وفضّة ، فنادى نوح فيهم بذلك فأعانوه عليها ، وكانوا يسخرون منه ويقولون يتّخذ سفينة في البرّ!» (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لمّا أراد الله عزوجل هلاك قوم نوح عقم أرحام النساء أربعين سنة ، فلم يولد فيهم مولود ، فلمّا فرغ نوح من اتّخاذ السّفينة أمره الله أن ينادي بالسّريانية فلا تبقى بهيمة ولا حيوان إلّا حضر ، فأدخل من كلّ جنس من أجناس الحيوان زوجين في السّفينة ، وكان الذين آمنوا به من جميع الدنيا ثمانين رجلا. فقال الله عزوجل : (احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) وكان نجر السفينة في مسجد الكوفة ، فلمّا كان في اليوم الذي أراد الله

__________________

(١) نوح : ٢٦ ـ ٢٧.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٢٥.

٣٠٥

إهلاكهم ، كانت امرأة نوح تخبز في الموضع الذي يعرف ب (فارَ التَّنُّورُ) في مسجد الكوفة ، وقد كان نوح اتّخذ لكلّ ضرب من أجناس الحيوان موضعا في السّفينة ، وجمع لهم فيها جميع ما يحتاجون من الغذاء ، فصاحت امرأته لمّا فار التنّور ، فجاء نوح إلى التّنّور فوضع عليه طينا وختمه ، حتى أدخل جميع الحيوان السّفينة.

ثم جاء إلى التّنّور ففضّ الخاتم ورفع الطّين ، وانكسفت الشّمس ، وجاء من السّماء ماء منهمر ، صبّ بلا قطر ، وتفجّرت الأرض عيونا ، وهو قوله عزوجل : (فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ)(١) وقال الله عزوجل : (ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها) يقول : مجراها : أي مسيرها ، ومرساها : أي موقفها.

فدارت السفينة ونظر نوح إلى ابنه يقع ويقوم ، فقال له : (يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ) فقال ابنه ، كما حكى الله عزوجل : (سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ) فقال نوح : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) ثمّ قال نوح : (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ) فقال الله : (يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) فقال نوح ، كما حكى الله : (رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ) فكان كما حكى الله : (وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ).

فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «فدارت السّفينة ، فضربها الموج حتى وافت مكّة وطافت بالبيت ، وغرق جميع الدنيا إلّا موضع البيت وإنّما سمّي البيت

__________________

(١) القمر : ١١ ـ ١٣.

٣٠٦

العتيق لأنه أعتق من الغرق ، فبقي الماء ينصبّ من السّماء أربعين صباحا ، ومن الأرض عيونا ، حتى ارتفعت السفينة ، فسّحت (١) السّماء ـ قال ـ فرفع نوح عليه‌السلام يده ، فقال : يا دهمان ، أيقن. وتفسيرها يا ربّ احبس. فأمر الله الأرض أن تبلع ماءها ، وهو قوله : (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي) أي أمسكي (وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِ) فبلعت الأرض ماءها ، فأراد ماء السّماء أن يدخل في الأرض ، فامتنعت الأرض عن قبوله ، وقالت : إنّما أمرني الله عزوجل أن ابلع مائي ، فبقي ماء السّماء على وجه الأرض ، واستوت السّفينة على جبل الجوديّ ، وهو بالموصل جبل عظيم ، فبعث الله جبرئيل فساق الماء إلى البحار حول الدنيا. وأنزل الله على نوح : (يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ) فنزل نوح ـ بالموصل ـ من السّفينة مع الثمانين ، وبنوا مدينة الثّمانين ، وكان لنوح بنت ركبت معه في السفينة ، فتناسل الناس منها ، وذلك قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نوح أحد الأبوين. ثمّ قال الله تعالى لنبيّه : (تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ)(٢).

وقال الرضا عليه‌السلام : «قال أبي عليه‌السلام : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إنّ الله عزوجل قال لنوح عليه‌السلام : (يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) لأنه كان مخالفا له ، وجعل من اتبعه من أهله».

قال الحسن بن عليّ الوشّاء : وسألني : «كيف يقرءون هذه الآية في ابن نوح؟». فقلت : يقرؤها الناس على وجهين : (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) و (إنّه عمل

__________________

(١) سحّ الماء : صبّ ، وسال من فوق. «الصحاح ـ سحح ـ ج ١ ، ص ٣٧٣».

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٢٦.

٣٠٧

غير صالح) (١). فقال : كذبوا هو ابنه ، ولكن الله عزوجل نفاه عنه حين خالفه في دينه» (٢).

* س ٢٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ (٥٠) يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ (٥١) وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (٥٢) قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) (٥٣) [هود : ٥٣ ـ ٥٠]؟!

الجواب / قال ابن شهر آشوب : قيل لزين العابدين عليه‌السلام : إنّ جدّك كان

__________________

(١) قرأ الكسائي ويعقوب وسهل : (إنه عمل غير صالح) وقرأ الباقون : (عمل غير صالح). قال أبو علي الطبرسي : من قرأ : (إنه عمل غير صالح) فالمراد أن سؤالك ما ليس لك به علم عمل غير صالح. ويحتمل أن يكون الضمير في (إنّه) لما دلّ عليه قوله : (ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ) هود : ٤٢ ، فيكون تقديره : أن كونك مع الكافرين وانحيازك إليهم وتركك الركوب معنا والدخول في جملتنا ، عمل غير صالح. ويجوز أن يكون الضمير لابن نوح ، كأنه جعل عملا غير صالح ، كما يجعل الشيء الشيء لكثرة ذلك منه ، كقولهم : الشعر زهير. أو يكون المراد أنه ذو عمل غير صالح فحذف المضاف. ومن قرأ : (انه عمل غير صالح) فيكون في المعنى كقراءة من قرأ : (إنه عمل غير صالح) وهو يجعل الضمير لابن نوح. وتكون القراءتان متفقين في المعنى ، وإن اختلفتا في اللفظ. ومن ضعّف هذه القراءة بأنّ العرب لا تقول : هو يعمل غير حسن ، حتى يقولوا : عمل غير حسن ، فالقول فيه : إنهم يقيمون الصفة مقام الموصوف عند ظهور المعنى ، فيقول القائل : قد فعلت صوابا ، وقلت حسنا ، بمعنى فعلت فعلا صوابا ، وقلت قولا حسنا.

قال عمر بن أبي ربيعة :

أيها القائل غير الصواب

أخّر النّصح وأقلل عتابي

مجمع البيان : ج ٥ ، ص ٢٥١.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ٢ ، ص ٧٥ ، ح ٣.

٣٠٨

يقول : «إخواننا بغوا علينا».

فقال عليه‌السلام : «أما تقرأ كتاب الله : (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً)؟ فهم مثلهم ، أنجاه الله والذين معه ، وأهلك عادا بالرّيح العقيم» (١).

وقال علي بن إبراهيم ، قال عليه‌السلام : إنّ عادا كانت بلادهم في البادية ، من المشرق (٢) إلى الأجفر (٣) ، أربعة منازل ، وكان لهم زرع ونخيل كثير ، ولهم أعمار طويلة وأجسام طويلة ، فعبدوا الأصنام فبعث الله إليهم هودا يدعوهم إلى الإسلام وخلع الأنداد ، فأبوا ولم يؤمنوا بهود وآذوه ، فكفّت عنهم السّماء سبع سنين حتى قحطوا ، وكان هود زرّاعا ، وكان يسقي الزّرع ، فجاء قوم إلى بابه يريدونه فخرجت عليهم امرأة شمطاء (٤) عوراء ، فقالت لهم : من أنتم؟ فقالوا : نحن من بلاد كذا وكذا ، أجدبت بلادنا فجئنا إلى هود نسأله أن يدعو الله لنا حتى نمطر وتخصب بلادنا فقالت : لو استجيب لهود لدعا لنفسه ، فقد احترق زرعه لقلّة الماء.

فقالوا : وأين هو؟ قالت : هو في موضع كذا وكذا. فجاءوا إليه ، فقالوا يا نبيّ الله ، قد أجدبت بلادنا ولم نمطر ، فاسأل الله أن تخصب بلادنا ونمطر. فتهيّأ للصّلاة وصلّى ودعا لهم ، فقال لهم : «ارجعوا فقد أمطرتم وأخصبت بلادكم».

فقالوا : يا نبيّ الله ، إنّا رأينا عجبا. قال : «وما رأيتم؟» قالوا : رأينا في

__________________

(١) المناقب : ج ٣ ، ص ٢١٨ ، الاحتجاج : ص ٣١٢.

(٢) وفي تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٩٨ (سورة الأحقاف) قال : والأحقاف بلاد عاد من الشقوق إلى الأجفر. وجميعا تطلق على عدّة مواضع في البادية. انظر «معجم البلدان : ج ٣ ، ص ٣٥٦ ، وج ٥ ، ص ١٣٣».

(٣) الأجفر : موضع بين فيد والخزيميّة. «معجم البلدان ج ١ ، ص ١٠٢».

(٤) الشمط : بياض شعر الرأس يخالطه سواده. «الصحاح ـ شمط ـ ج ٣ ، ص ١١٣٨».

٣٠٩

منزلك امرأة شمطاء عوراء ، قالت لنا : من أنتم ، وما تريدون؟ قلنا : جئنا إلى نبيّ الله هود ليدعو الله لنا فنمطر. فقالت : لو كان هود داعيا لدعا لنفسه ، فإنّ زرعه قد احترق.

فقال هود : «تلك أهلي ، وأنا أدعو الله لها بطول العمر والبقاء» قالوا ، وكيف ذاك! قال : «لأنّه ما خلق الله مؤمنا إلا وله عدوّ يؤذيه ، وهي عدوي ، فلئن يكون عدوّي ممّن أملكه خير من أن يكون عدوّي ممن يملكني».

فبقي هود في قومه يدعوهم إلى الله ، وينهاهم عن عبادة الأصنام حتى خصبت بلادهم ، وأنزل الله عليهم المطر ، وهو قوله عزوجل : (وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) قالوا ، كما حكى الله : (يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) الآية ، فلمّا لم يؤمنوا أرسل الله عليهم الرّيح الصّرصر ، يعني الباردة ، وهو قوله في سورة القمر : (كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ)(١) وحكى في سورة الحاقّة ، فقال : (وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً)(٢) قال : كان القمر منحوسا بزحل سبع ليال وثمانية أيّام (٣).

__________________

(١) القمر : ١٨ ـ ١٩.

(٢) الحاقة : ٦ ـ ٧.

(٣) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٢٩.

٣١٠

* س ٢٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٥٤) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (٥٥) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٥٦) [هود : ٥٦ ـ ٥٤]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ : لسنا نقول فيك إلا أنه أصابك بعض آلهتنا بسوء ، فخبل عقلك لشتمك لها ، وسبك إياها. (قالَ) أي : قال هود لقومه (إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا) أي : وأشهدكم أيضا بعد إشهاد الله (أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ) أي : إن كنتم تزعمون أن آلهتكم عاقبتني لطعني عليها ، فإني على بصيرة في البراءة مما تشركونه مع الله من آلهتكم التي تزعمون أنها أصابتني بسوء ، وإنما أشهدهم على ذلك وإن لم يكونوا أهل شهادة ، من حيث كانوا كفارا فساقا ، إقامة للحجة عليهم ، لا لتقوم الحجة بهم ، فقال هذا القول إعذارا وإنذارا.

وقيل : إنه أراد بقوله اشهدوا واعلموا كما قال شهد الله أيّ : علم الله.

(فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ) أي : فاحتالوا واجتهدوا أنتم وآلهتكم في إنزال مكروه بي ، ثم لا تمهلوني. قال الزجاج : وهذا من أعظم آيات الأنبياء ، أن يكون الرسول وحده ، وأمته متعاونة عليه. فيقول لهم : كيدوني فلا يستطيع واحد منهم ضره. وكذلك قال نوح لقومه : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ) الآية. وقال نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فإن كان لكم كيد فكيدون. ومثل هذا القول لا يصدر إلا عمن هو واثق بنصر الله ، وبأنه يحفظه عنهم ، ويعظمه منهم ثم ذكر هود عليه‌السلام هذا المعنى ، فقال : (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ) أي : فوضت أمري إلى الله سبحانه متمسكا بطاعته ، تاركا لمعصيته.

٣١١

وهذا هو حقيقة التوكل على الله سبحانه (ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها) أي : ما من حيوان يدب على وجه الأرض ، إلا وهو مالك لها ، يصرفها كيف يشاء ، ويقهرها ، وجعل الأخذ بالناصية كناية عن القهر والقدرة ، لأن من أخذ بناصية غيره ، فقد قهره وأذله (١). وقال علي بن أبي طالب عليه‌السلام في قوله : (إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) : «يعني أنّه على حقّ ، يجزي بالإحسان إحسانا ، وبالسّيّء سيّئا ، ويعفو عمّن يشاء ، ويغفر سبحانه وتعالى» (٢).

* س ٢٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٥٧) وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٨) وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (٥٩) وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ) (٦٠) [هود : ٦٠ ـ ٥٧]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى : (فَإِنْ تَوَلَّوْا) هذا حكاية عما قاله هود عليه‌السلام لقومه والمعنى : فإن تتولوا ، ويجوز أن يكون حكاية عما قاله سبحانه لهود ، والمعنى : فإن تولوهم (يَسْتَخْلِفُ) قل لهم (فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ) أي : ليس ذلك لتقصير مني في إبلاغكم ، وإنما هو لسوء اختياركم في إعراضكم عن نصحي ، فقد أبلغتكم جميع ما أوحي إلي.

(وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ) أي : ويهلككم ربي بكفركم ، ويستبدل

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٥ ، ص ٢٩١.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ١٥١ ، ح ٤٢.

٣١٢

بكم قوما غيركم ، يوحدونه ، ويعبدونه (وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً) يعني إذا استلف غيركم ، فجعلهم بدلا منكم ، لا تقدرون له على ضر. وقيل : معناه لا تضرونه بتوليكم ، وإعراضكم شيئا ، ولا ضرر عليه في إهلاككم ، لأنه لم يخلقكم لحاجة منه إليكم (إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) يحفظه من الهلاك إن شاء ، ويهلكه إذا شاء. وقيل : معناه إن ربي يحفظني عنكم ، وعن أذاكم. وقيل : معناه إن ربي على كل شيء من أعمال عباده حفيظ حتى يجازيهم عليها (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) بهلاك عاد (نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) من الهلاك. وقيل : إنهم كانوا أربعة آلاف (بِرَحْمَةٍ مِنَّا) أي : بما أريناهم من الهدى والبيان. وقيل : برحمة منا أي : بنعمة منا ، وهي النجاة أي : أنجيناهم برحمة ليعلم أنه عذاب أريد به الكفار ، لا اتفاق وقع (وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) أي : كما نجيناهم من عذاب الدنيا ، نجيناهم من عذاب الآخرة. والغليظ : الثقيل العظيم. ويحتمل أن يكون هذا صفة للعذاب الذي عذب به قوم هود. ثم ذكر سبحانه كفر عاد ، فقال : (وَتِلْكَ) أي : وتلك القبيلة (عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ) يعني معجزات هود الدالة على صحة نبوته (وَعَصَوْا رُسُلَهُ) إنما جمع الرسل ، وكان قد بعث إليهم هود ، لأن من كذب رسولا واحدا ، فقد كفر بجميع الرسل ، ولأن هودا كان يدعوهم إلى الإيمان به ، وبمن تقدمه من الرسل ، وبما أنزل عليهم من الكتب ، فكذبوا بهم جميعا ، فلذلك عصوهم.

(وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) أي : وأتبع السفلة والسقاط الرؤساء. وقيل : إن الجبار : من يقتل ويضرب على غضبه ، والعنيد : الكثير العناد الذي لا يقبل الحق (وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً) أي : وأتبع عادا بعد إهلاكهم في الدنيا بالإبعاد عن الرحمة ، فإن الله تعالى أبعدهم من رحمته ، وتعبد المؤمنين بالدعاء عليهم باللعن (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ) أي وفي يوم القيامة يبعدون من رحمة الله ، كما بعدوا في الدنيا منها ، ويلعنون بأن يدخلوا النار ، فإن اللعنة : الدعاء

٣١٣

بالإبعاد ، من قولك لعنه إذا قال عليه لعنة الله. وأصله الإبعاد من الخير (أَلا) ابتداء وتنبيه (إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ) أراد بربهم ، فحذف الباء كما قالوا أمرتك الخير أي : بالخير (أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ) أي : أبعدهم الله من رحمته ، فبعدوا بعدا (١).

* س ٢٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (٦١) قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا وَإِنَّنا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٦٢) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (٦٣) وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ (٦٤) فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (٦٥) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (٦٦) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (٦٧) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ) (٦٨) [هود : ٦٨ ـ ٦١]؟!

الجواب / جاء رجل من أهل الشام إلى عليّ بن الحسين عليه‌السلام فقال : أنت عليّ بن الحسين؟ قال : «نعم». قال : أبوك الذي قتل المؤمنين ، فبكى عليّ بن الحسين ثمّ مسح عينيه ، فقال : «ويلك ، كيف قطعت على أبي أنّه قتل

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٥ ، ص ٢٩١ ـ ٢٩٢.

٣١٤

المؤمنين؟» قال : قوله : «إخواننا قد بغوا علينا ، فقاتلناهم على بغيهم».

فقال : «ويلك ، أما تقرأ القرآن؟» قال : بلى ، قال : «فقد قال الله : (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً)(١) ، (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً) فكانوا إخوانهم في دينهم أو في عشيرتهم؟» قال له الرجل : لا ، بل في عشيرتهم.

قال : «فهؤلاء إخوانهم في عشيرتهم وليسوا إخوانهم في دينهم». قال : فرّجت عنّي ، فرّج الله عنك (٢).

وقال أبو جعفر الباقر عليه‌السلام : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سأل جبرئيل عليه‌السلام كيف كان مهلك قوم صالح عليه‌السلام؟ فقال : يا محمّد ، إنّ صالحا بعث إلى قومه وهو ابن ستّ عشرة سنة ، فلبث فيهم حتى بلغ عشرين ومائة سنة ، لا يجيبونه إلى خير ، قال : وكان لهم سبعون صنما يعبدونها من دون الله عزّ ذكره فلمّا رأى ذلك منهم ، قال : يا قوم ، بعثت إليكم وأنا ابن ست عشرة سنة ، وقد بلغت عشرين ومائة سنة ، وأنا أعرض عليكم أمرين : إن شئتم فاسألوني حتّى أسأل إلهي فيجيبكم فيما سألتموني ، الساعة ، وإن شئتم سألت آلهتكم ، فإن أجابتني بالذي سألت خرجت عنكم ، فقد سئمتكم وسئمتموني.

قالوا : لقد أنصفت ، يا صالح. فاتّعدوا ليوم يخرجون فيه ، قال : فخرجوا بأصنامهم إلى ظهرهم ، ثم قرّبوا طعامهم وشرابهم فأكلوا وشربوا ، فلمّا أن فرغوا دعوه ، فقالوا : يا صالح اسأل ، فقال لكبيرهم : ما اسم هذا؟ قالوا : فلان. فقال له صالح : يا فلان ، أجب. فلم يجبه ، فقال صالح : ما له لا يجيب؟ قالوا : ادع غيره. فدعاها كلّها بأسمائها فلم يجبه منها شيء ، فأقبلوا على أصنامهم ، فقالوا لها : مالك لا تجيبين صالحا؟ فلم تجب.

__________________

(١) الأعراف : ٨٥ ، هود : ٨٤ ، العنكبوت : ٣٦.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ٢٠ ، ح ٥٣.

٣١٥

فقالوا : تنحّ عنا ، ودعنا وآلهتنا ساعة. ثمّ نحّوا بسطهم وفرشهم ، ونحّوا ثيابهم ، وتمرّغوا على التراب ، وطرحوا التراب على رؤوسهم ، وقالوا لأصنامهم : لئن لم تجبن صالحا اليوم ليفضحنا. قال : ثمّ دعوه فقالوا : يا صالح ، ادعها. فدعاها فلم تجبه.

فقال لهم : يا قوم ، قد ذهب صدر النهار ، ولا أرى آلهتكم تجيبني ، فاسألوني حتى أدعو إلهي فيجيبكم الساعة. فانتدب له منهم سبعون رجلا من كبرائهم والمنظور إليهم منهم ، فقالوا : يا صالح ، نحن نسألك ، فإن أجابك ربّك اتّبعناك وأجبناك ، ويبايعك جميع أهل قريتنا.

فقال لهم صالح عليه‌السلام : سلوني ما شئتم. فقالوا : تقدّم بنا إلى هذا الجبل. وكان الجبل قريبا منهم ، فانطلق معهم صالح ، فلمّا انتهوا إلى الجبل ، قالوا : يا صالح ، ادع لنا ربّك يخرج لنا من هذا الجبل الساعة ناقة حمراء شقراء وبراء عشراء ، بين جنبيها ميل (١) ، فقال لهم صالح : قد سألتموني شيئا يعظم علي ويهون على ربّي جلّ وعزّ وتعالى.

قال : فسأل الله تبارك وتعالى صالح ذلك ، فانصدع الجبل صدعا كادت تطير منه عقولهم لما سمعوا ذلك ، ثم اضطرب ذلك الجبل اضطرابا شديدا ، كالمرأة إذا أخذها المخاض ، ثم لم يفجأهم إلّا رأسها قد طلع عليهم من ذلك الصدع ، فما استتمّت رقبتها حتى اجتزّت ، ثم خرج سائر جسدها ، ثمّ استوت قائمة على الأرض ، فلما رأوا ذلك ، قالا يا صالح ، ما أسرع ما أجابك ربّك! ادع لنا ربّك يخرج لنا فصيلها ، فسأل الله عزوجل ، فرمت به ، فدبّ حولها.

فقال لهم : يا قوم ، أبقي شيء قالوا : لا ، انطلق بنا إلى قومنا نخبرهم بما رأينا ويؤمنون بك. قال : فرجعوا ، فلم يبلغ السبعون إليهم حتى ارتدّ منهم

__________________

(١) أي المسافة بين جنبيها قدر ميل.

٣١٦

أربعة وستّون رجلا ، قالوا : سحر وكذب. قال : فانتهوا إلى الجميع ، فقال الستّة : حقّ ، وقال الجميع : كذب وسحر ، قال : فانصرفوا على ذلك ثمّ ارتاب من الستّة واحد ، فكان فيمن عقرها».

قال ابن محبوب : فحدّثت بهذا الحديث رجلا من أصحابنا ، يقال له : سعيد بن يزيد ، فأخبرني أنه رأى الجبل الذي خرجت منه بالشام ، قال : فرأيت جنبها قد حكّ الجبل فأثّر جنبها فيه ، وجبل آخر بينه وبين هذا ميل (١).

وقال أبو بصير قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ)(٢)؟

قال : «هذا فيما كذّبوا به صالحا ، وما أهلك الله عزوجل قوما قطّ حتى يبعث إليهم قبل ذلك الرّسل ، فيحتجّوا عليهم ، فبعث الله إليهم صالحا فدعاهم إلى الله ، فلم يجيبوه وعتوا عليه ، وقالوا : لن نؤمن لك حتى تخرج لنا من هذه الصّخرة ناقة عشراء ، وكانت الصّخرة يعظمونه ويعبدونها ، ويذبحون (٣) عندها في رأس كلّ سنة ، ويجتمعون عندها ، فقالوا له : إن كنت كما تزعم نبيّا رسولا ، فادع لنا إلهك حتى يخرج لنا من هذه الصّخرة الصمّاء ناقة عشراء (٤) ، فأخرجها الله كما طلبوا منه.

ثمّ أوحى الله تبارك وتعالى إليه : أن ـ يا صالح ـ قل لهم : إن الله قد جعل لهذه الناقة من الماء شرب يوم ، ولكم شرب يوم. وكانت الناقة إذا كان يوم شربها شربت الماء ذلك اليوم ، فيحلبونها فلا يبقى صغير ولا كبير إلا شرب من لبنها يومهم ذلك ، فإذا كان الليل وأصبحوا ، غدوا إلى مائهم فشربوا

__________________

(١) الكافي : ج ٨ ، ص ١٨٥ ، ح ٢١٣.

(٢) القمر : ٢٣ ـ ٢٥.

(٣) في «ط» : ويدعون.

(٤) في «ط» : حمراء.

٣١٧

منه ذلك اليوم ، ولم تشرب الناقة ذلك اليوم ، فمكثوا بذلك ما شاء الله.

ثمّ إنّهم عتوا على الله ، ومشى بعضهم إلى بعض ، وقالوا : اعقروا هذه الناقة واستريحوا منها ، لا نرضى أن يكون لنا شرب يوم ولها شرب يوم. ثم قالوا : من الذي يلي قتلها ، ونجعل له جعلا ما أحبّ؟ فجاءهم رجل أحمر أشقر أزرق ، ولد زنا ، لا يعرف له أب ، يقال له : قدار (١) ، شقيّ من الأشقياء ، مشؤوم عليهم ، فجعلوا له جعلا ، فلمّا توجّهت الناقة إلى الماء الذي كانت ترده ، تركها حتى شربت وأقبلت راجعة ، فقعد لها في طريقها ، فضربها بالسّيف ضربة فلم تعمل شيئا ، فضربة ضربة أخرى فقتلها ، وخرّت إلى الأرض على جنبها ، وهرب فصيلها حتى صعد إلى الجبل ، فرغا ثلاث مرّات إلى السّماء. وأقبل قوم صالح ، فلم يبق منهم أحد إلّا شركه في ضربته ، واقتسموا لحمها فيما بينهم ، فلم يبق منهم صغير ولا كبير إلا أكل منها.

فلمّا رأى ذلك صالح أقبل إليهم ، فقال : يا قوم ، ما دعاكم إلى ما صنعتم ، أعصيتم أمر ربّكم؟ فأوحى الله تبارك وتعالى إلى صالح عليه‌السلام : إنّ قومك قد طغوا وبغوا ، وقتلوا ناقة بعثتها إليهم حجّة عليهم ، ولم يكن عليهم فيها ضرر ، وكان لهم منها أعظم المنفعة ، فقل لهم : إنّي مرسل عليهم عذابي إلى ثلاثة أيام ، فإن هم تابوا ورجعوا قبلت توبتهم ، وصددت عنهم ، وإن هم لم يتوبوا ولم يرجعوا بعثت عليهم عذابي في اليوم الثالث.

فأتاهم صالح عليه‌السلام فقال لهم : يا قوم ، إني رسول ربّكم إليكم ، وهو يقول لكم : إن أنتم تبتم ورجعتم استغفرتم غفرت لكم ، ثبت عليكم ، فلمّا قال لهم ذلك كانوا أعتى ما كانوا وأخبث ، وقالوا : يا صالح ، ائتنا بما تعدنا إن

__________________

(١) في «ط» : قذار.

٣١٨

كنت من الصادقين.

قال : يا قوم إنّكم تصبحون غدا ووجوهكم مصفرّة ، واليوم الثاني وجوهكم محمرّة ، واليوم الثالث وجوهكم مسودّة. فلما أن كان أوّل يوم أصبحوا ووجوههم مصفرّة ، فمشى بعضهم إلى بعض ، وقالوا : قد جاءكم ما قال لكم صالح ، فقال العتاة منهم : لا نسمع قول صالح ولا نقبل قوله ، وإن كان عظيما ، فلمّا كان اليوم الثاني أصبحت وجوههم محمرّة ، فمشى بعضهم إلى بعض ، فقالوا : يا قوم ، قد جاءكم ما قال لكم صالح. فقال العتاة منهم : لو أهلكنا جميعا ما سمعنا قول صالح ، ولا تركنا آلهتنا التي كان آباؤنا يعبدونها. ولم يتوبوا ولم يرجعوا. فلمّا كان اليوم الثالث أصبحوا ووجوههم مسودّة ، فمشى بعضهم إلى بعض ، فقالوا : يا قوم ، أتاكم ما قال لكم صالح. فقال العتاة منهم : قد أتانا ما قال لنا صالح. فلمّا كان نصف الليل أتاهم جبرئيل عليه‌السلام ، فصرخ بهم صرخة خرقت تلك الصّرخة أسماعهم ، وفلقت (١) قلوبهم ، وصدعت أكبادهم ، وقد كانوا في تلك الثلاثة أيام قد تحنّطوا وتكفّنوا ، وعلموا أن العذاب نازل بهم ، فماتوا جميعا في طرفة عين ، صغيرهم وكبيرهم ، فلم يبق لهم ناعقة ولا راغية ولا شيء إلّا أهلكه الله ، فأصبحوا في ديارهم ومضاجعهم موتى أجمعين ، ثمّ أرسل الله عليهم مع الصّيحة النار من السّماء فأحرقتهم أجمعين ، وكانت هذه قصتهم» (٢).

قد تقدّم حديث أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام من طريق العيّاشي [في معنى الآية] في سورة الأعراف برقم [٧٥ ـ ٧٦].

__________________

(١) في «ط» : وقلعت.

(٢) الكافي : ج ٨ ، ص ١٨٧ ، ح ٢١٤.

٣١٩

* س ٢٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (٦٩) فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ (٧٠) وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ (٧١) قالَتْ يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (٧٢) قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (٧٣) فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ (٧٤) إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (٧٥) يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (٧٦) وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ (٧٧) وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (٧٨) قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ (٧٩) قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ (٨٠) قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (٨١) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (٨٢) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ)(٨٣)

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إن الله تعالى بعث أربعة أملاك في إهلاك قوم لوط : جبرئيل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، وكروبيل عليهم‌السلام ، فمرّوا بإبراهيم عليه‌السلام وهم معتمّون ، فسلّموا عليه فلم يعرفهم ، ورأى هيئة حسنة ، فقال : لا يخدم هؤلاء أحد إلا أنا بنفسي ، وكان صاحب ضيافة ، فشوى لهم

٣٢٠