التيسير في التفسير للقرآن - ج ٣

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٣

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٢

عجلا سمينا حتى أنضجه ثم قرّبه إليهم ، فلمّا وضعه بين أيديهم و (رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) فلمّا رأى ذلك جبرئيل عليه‌السلام حسر العمامة عن وجهه وعن رأسه فعرفه إبراهيم عليه‌السلام ، فقال : أنت هو؟ قال : نعم : ومرّت امرأته سارة ، فبشّرها بإسحاق ، ومن وراء إسحاق يعقوب. فقالت ما قال الله عزوجل ، وأجابوها بما في الكتاب العزيز (١) :

فقال لهم إبراهيم عليه‌السلام : لماذا جئتم؟ قالوا : في إهلاك قوم لوط. فقال لهم : إن كان فيها مائة من المؤمنين أتهلكونهم؟ قال جبرئيل لا. قال : وإن كان فيهم خمسون؟ قال : لا. قال : وإن كان فيهم ثلاثون؟ قال : لا. قال : وإن كان فيهم عشرون؟ قال : لا. قال : وإن كان فيهم عشرة؟ قال : لا. قال : وإن كان فيهم خمسة؟ قال : لا. قال : إن كان فيهم واحد؟ قال : لا. (قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ)(٢) ثمّ مضوا».

قال : وقال الحسن بن علي (٣) : لا أعلم هذا القول إلا وهو

__________________

(١) قال أبو جعفر في قوله (فضحكت) : يعني فعجبت من قولهم ـ وفي رواية أبي عبد الله عليه‌السلام : قال : حاضت ، وقالت : (يا وَيْلَتى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ) إلى قوله : (مَجِيدٌ).

فلما جاءت إبراهيم البشارة بإسحاق ، فذهب عنه الرّوع ، أقبل يناجي ربّه في قوم لوط ويسأله كشف البلاء عنهم ، فقال الله تعالى : (يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ) بعد طلوع الشمس من يومك محتوما (غَيْرُ مَرْدُودٍ). (تفسير العياشي : ج ٢ ، ص ١٥٢ ، ح ٤٤ ـ ٤٥).

(٢) العنكبوت : ٣٢.

(٣) قال المجلسي () : أي ابن فضّال. البحار : ج ١٢ ، ص ١٦٩ ، وفي المصدر : الحسن العسكري أبو محمّد عليه‌السلام.

٣٢١

يستبقيهم (١) ، وهو قول الله عزوجل : (يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ)(٢).

«فأتوا لوطا وهو في زراة له قرب المدينة ، فسلموا عليه وهم معتمون ، فلما رآهم رأى هيئة حسنة ، عليهم عمائم بيض وثياب بيض ، فقال لهم : المنزل؟ فقالوا : نعم فتقدّمهم ومشوا خلفه ، فندم على عرضه المنزل عليهم ، فقال : أيّ شيء صنعت ، آتي بهم قومي وأنا أعرفهم؟

فالتفت إليهم ، فقال : إنكم لتأتون شرارا من خلق الله. قال جبرئيل عليه‌السلام (٣) : لا تعجل عليهم حتى يشهد عليهم ثلاث مرّات. فقال جبرئيل عليه‌السلام : هذه واحدة. ثم مشى ساعة ثم التفت إليهم ، فقال : إنكم لتأتون شرارا من خلق الله. فقال جبرئيل عليه‌السلام : هذه اثنتان. ثمّ مضى فلمّا بلغ باب المدينة التفت إليهم ، فقال : إنكم لتأتون شرارا من خلق الله ، فقال جبرئيل عليه‌السلام : هذه الثالثة.

ثمّ دخل ودخلوا معه. حتى دخل منزله ، فلمّا رأتهم امرأته رأت هيئة حسنة ، فصعدت فوق السّطح فصفقت ، فلم يسمعوا ، فدخّنت ، فلمّا رأوا الدّخان أقبلوا يهرعون ، حتى جاءوا إلى الباب ، فنزلت إليهم ، فقالت : عندنا قوم ما رأيت قوما قطّ أحسن منهم هيئة. فجاءوا إلى الباب ليدخلوا ، فلمّا رآهم لوط قام إليهم ، فقال لهم يا قوم : (فَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ) ثمّ قال : (هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) فدعاهم كلّهم إلى الحلال ، فقالوا : (لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ

__________________

(١) قال المجلسيّ (رحمه‌الله) : أي أظنّ أن غرض إبراهيم عليه‌السلام كان استبقاء القوم والشفاعة لهم ، لا محض إنجاء لوط من بينهم. البحار : ج ١٢ ، ص ١٦٩.

(٢) وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في قول الله : (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ). «دعّاء». (تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ١٥٤ ، ح ٥١).

(٣) كذا ، والظاهر : فقال الله لجبرئيل.

٣٢٢

ما نُرِيدُ) فقال لهم : (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) ـ قال ـ فقال جبرئيل عليه‌السلام : لو يعلم أيّ قوّة له! فكاثروه (١) حتى دخلوا الباب ، فصاح به : جبرئيل ، وقال : يا لوط ، دعهم يدخلون ، فلما دخلوا أهوى جبرئيل بإصبعه نحوهم ، فذهبت أعينهم ، وهو قول الله عزوجل : (فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ)(٢).

ثمّ ناداه جبرئيل ، فقال له : (إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) وقال له جبرئيل : إنا بعثنا في إهلاكهم. فقال : يا جبرئيل ، عجّل. فقال : (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ) فأمره فتحمّل ومن معه إلّا امرأته ، ثم اقتلعها ـ يعني المدينة ـ جبرئيل بجناحه من سبع أرضين ، ثم رفعها حتى سمع أهل السّماء الدنيا نباح الكلاب وصراخ الديوك ، ثم قلبها وأمطر عليها وعلى من حول المدينة حجارة من سجّيل» (٣).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سأل جبرئيل عليه‌السلام : كيف كان مهلك قوم لوط؟

فقال : يا محمّد ، إنّ قوم لوط كانوا أهل قرية لا يتنظّفون من الغائط ، ولا يتطهّرون من الجنابة ، بخلاء أشحّاء على الطعام ، وإن لوطا لبث فيهم ثلاثين سنة ، وإنما كان نازلا عليهم ولم يكن منهم ، ولا عشيرة له فيهم ولا قوم ، وإنّه دعاهم إلى الإيمان بالله واتّباعه ، وكان ينهاهم عن الفواحش ، ويحثّهم على طاعة الله فلم يجيبوه ، ولم يتّبعوه.

وإنّ الله لمّا همّ بعذابهم بعث إليهم رسلا منذرين عذرا ونذرا ، فلما عتوا

__________________

(١) كاثره : غلبه بالكثرة. «الصحاح ـ كثر ـ ج ٢ ، ص ٨٠٣».

(٢) القمر : ٣٧.

(٣) الكافي : ج ٨ ، ص ٣٢٧ ، ح ٥٠٥.

٣٢٣

عن أمره بعث الله إليهم ملائكة ليخرجوا من كان في قريتهم من المؤمنين ، فما وجدوا فيها غير بيت من المسلمين فأخرجوهم منها ، وقالوا للوط : (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ) في هذه الليلة (بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ)(١).

قال : فلمّا انتصف الليل سار لوط ببناته ، وتولّت امرأته مدبرة فانطلقت إلى قومها تسعى بلوط ، وتخبرهم أنّ لوطا قد سار ببناته.

وإنّي نوديت من تلقاء العرش لمّا طلع الفجر : يا جبرئيل ، حقّ القول من الله بحتم عذاب قوم لوط اليوم ، فاهبط إلى قرية قوم لوط وما حوت فاقتلعها من تحت سبع أرضين ، ثمّ اعرج بها إلى السّماء ، ثم أوقفها حتى يأتيك أمر الجبّار في قلبها ، ودع منها آية بيّنة ـ منزل لوط ـ عبرة للسيّارة.

فهبطت على أهل القرية الظالمين ، فضربت بجناحي الأيمن على ما حوى عليه شرقها ، وضربت بجناحي الأيسر على ما حوى غربها ، فاقتلعتها ـ يا محمّد ـ من تحت سبع أرضين إلّا منزل لوط آية للسيّارة ، ثم عرجت بها في خوافي (٢) جناحي إلى السماء ، وأوقفتها حتى سمع أهل السماء زقاء (٣) ديوكها ونباح كلابها فلمّا أن طلعت الشمس نوديت من تلقاء العرش : يا جبرئيل ، اقلب القرية على القوم المجرمين ، فقلبتها عليهم حتى صار أسفلها أعلاها ، وأمطر الله عليهم حجارة من سجّيل منضود مسوّمة عند ربّك ، وما هي ـ يا محمّد ـ من الظالمين من أمّتك ببعيد».

قال : «فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا جبرئيل ، وأين كانت قريتهم من البلاد؟

__________________

(١) الحجر : ٦٥.

(٢) الخوافي : الريش الصغار التي في جناح الطير عند القوادم. «مجمع البحرين ـ خفا ـ ج ١ ، ص ١٢٩».

(٣) زقا الصّدى يزقو ويزقى زقاء : أي صاح. «الصحاح ـ زقا ـ ج ٦ ، ص ٢٣٦٨».

٣٢٤

قال : كان موضع قريتهم إذ ذلك في موضع بحيرة طبريّة (١) اليوم ، وهي في نواحي الشام.

فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا جبرئيل ، أرأيت حيث قلبتها عليهم في أيّ موضع من الأرض وقعت القرية وأهلها؟ فقال : يا محمّد ، وقعت فيما بين الشام إلى مصر ، فصارت تلالا في البحر» (٢).

وقال علي بن إبراهيم القميّ : في قوله : (وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ) أي يسرعون ويعدون. وقال في قوله تعالى (مُسَوَّمَةً) : أي منقوطة (٣).

* س ٣٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (٨٤) وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٨٥) بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (٨٦) قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (٨٧) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (٨٨) وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ

__________________

(١) بحيرة طبريّة : بركة تحيط بها الجبال ، تصبّ إليها فضلات أنهار كثيرة ، ومدينة طبريّة مشرفة عليها ، وهي من أعمال الأردن. «معجم البلدان : ج ١ ، ص ٣٥١ وج ٤ ، ص ١٧».

(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ١٥٧ ، ح ٥٧.

(٣) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٣٥ و ٣٣٦.

٣٢٥

وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (٨٩) وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (٩٠) قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ (٩١) قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٩٢) وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (٩٣) وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (٩٤) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ) (٩٥) [هود : ٨٤ ـ ٩٥]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : بعث الله شعيبا إلى مدين ، وهي قرية على طريق الشام ، فلم يؤمنوا به ، وحكى الله قولهم ، قال : (يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا) إلى قوله : (الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ). قال : قالوا : إنك لأنت السّفيه الجاهل. فكنّى الله عزوجل قولهم فقال : (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) وإنّما أهلكهم الله بنقص المكيال والميزان ، قال : (يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ).

ثم قال علي بن إبراهيم : ثمّ ذكّرهم وخوّفهم بما نزل بالأمم الماضية ، فقال : (يا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ ، قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً) وكان قد ضعف بصره (وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ) إلى قوله : (إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ). أي انتظروا. فبعث الله عليهم صيحة فماتوا ، وهو قوله : (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً

٣٢٦

وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ)(١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في قول الله : (إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ). قال : «كان سعرهم رخيصا» (٢).

وقال محمد بن الفضيل ، سألت الرضا عليه‌السلام عن انتظار الفرج. فقال : «أو ليس تعلم أن انتظار الفرج من الفرج؟ ثم قال ـ إن الله تبارك وتعالى يقول : (وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ)(٣).

وقال الرضا عليه‌السلام : «ما أحسن الصبر وانتظار الفرج ، أما سمعت قول الله عزوجل : (ارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ) و (فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)(٤) فعليكم بالصّبر فإنّه إنّما يجيء الفرج على اليأس ، فقد كان الذين من قبلكم اصبر منكم» (٥).

وقال عبد الله بن الفضل الهاشميّ : سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد عليه‌السلام ، قال : قلت : فقوله عزوجل : (وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ) وقوله عزوجل : (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ)(٦).

فقال : «إذا فعل العبد ما أمره الله عزوجل به من الطّاعة ، كان فعله وفقا لأمر الله عزوجل ، وسمّي العبد به موفّقا ، وإذا أراد العبد أن يدخل في شيء من معاصي الله ، فحال الله تبارك وتعالى بينه وبين تلك المعصية فتركها ، كان تركه لها بتوفيق الله تعالى ذكره ، ومتى خلى بينه وبين تلك المعصية فلم يحل

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٣٧.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ١٥٩ ، ح ٦١.

(٣) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ١٥٩ ، ح ٦٢.

(٤) الأعراف : ٧١ ، يونس : ١٠٢.

(٥) كمال الدين وتمام النعمة : ص ٦٤٥ ، ح ٥.

(٦) آل عمران : ١٦٠

٣٢٧

بينه وبينها حتى يرتكبها ، فقد خذله ولم ينصره ولم يوفّقه (١).

* س ٣١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٩٦) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (٩٧) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (٩٨) وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (٩٩) ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ (١٠٠) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (١٠١)) [هود : ١٠١ ـ ٩٦]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : ثم ذكر عزوجل قصّة موسى عليه‌السلام : فقال : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ) إلى قوله تعالى (وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً) يعني الهلاك والغرق (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ) أي يرفدهم الله بالعذاب. ثمّ قال لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى) أي أخبارها (نَقُصُّهُ عَلَيْكَ) يا محمّد (مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ) إلى قوله : (وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ) أي غير تخسير (٢).

وقال أبو بصير قرأ أبو عبد الله عليه‌السلام : «فمنها قائما وحصيدا» بالنّصب ، ثمّ قال : «يا أبا محمّد ، لا يكون حصيدا إلّا بالحديد» (٣).

وفي رواية أخرى : «فمنها قائم وحصيد. أيكون الحصيد إلّا بالحديد» (٤).

__________________

(١) التوحيد : ص ٢٤١ ، ح ١.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٣٧.

(٣) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ١٥٩ ، ح ٦٣.

(٤) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ١٥٩ ، ح ٦٤ ، وفي نور الثقلين : ج ٢ ، ص ٣٩٤ ، ح ٢٠٥ هذه الرواية بالنصب أيضا.

٣٢٨

* س ٣٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (١٠٢) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (١٠٣)) [هود : ١٠٢ ـ ١٠٣]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ) أي : وكما ذكر من أهلاك الأمم ، وأخذهم بالعذاب. أخذ ربك (إِذا أَخَذَ الْقُرى) أي : أخذ أهلها وهو أن ينقلهم إلى العقوبة والهلاك (وَهِيَ ظالِمَةٌ) من صفة القرى ، وهو في الحقيقة لأهلها وسكانها ونحوه : (وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً) وفي (الصحيحين) عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : إن الله تعالى يمهل الظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ، ثم قرأ هذه الآية.

(إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) معناه : إن أخذ الله سبحانه الظالم مؤلم شديد الألم (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً) أي : إن فيما قصصنا عليك من إهلاك من ذكرناه على وجه العقوبة لهم على كفرهم ، لعبرة وتبصرة ، وعلامة عظيمة (لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ) أي : لمن خشي عقوبة الله يوم القيامة. وخص الخائف بذلك لأنه هو الذي ينتفع به بالتدبر ، والتفكر فيه (ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ) أي : يجمع فيه الناس كلهم ، الأولون والآخرون منهم. للجزاء والحساب. والهاء في (لَهُ) راجعة إلى اليوم.

(وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ) أي : يشهده الخلائق كلهم من الجن والإنس ، وأهل السماء وأهل الأرض ، أي : يحضره ولا يوصف بهذه الصفة يوم سواه. وفي هذا دلالة على إثبات المعاد ، وحشر الخلق (١).

وسأل الأبرش الكلبي أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ)(٢).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٥ ، ص ٢٩١.

(٢) البروج : ٣.

٣٢٩

فقال أبو جعفر عليه‌السلام : «وما قيل لك؟» فقال : قالوا : الشاهد : يوم الجمعة ، والمشهود : يوم عرفة. فقال أبو جعفر عليه‌السلام : ليس كما قيل لك ، الشاهد : يوم عرفة ، والمشهود : يوم القيامة ، أما تقرأ القرآن؟ قال الله عزوجل : (ذلك يوم مجموع له النّاس وذلك يوم مشهود) (١).

* س ٣٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَما نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ) (١٠٤) [هود : ١٠٤]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : ثم أخبر سبحانه عن اليوم المشهود ، وهو يوم القيامة. فقال : (وَما نُؤَخِّرُهُ) أي : وما نؤخر هذا اليوم (إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ) وهو أجل قد عده الله تعالى لعلمه أن صلاح الخلق في إدامة التكليف عليهم إلى ذلك الوقت. وفيه إشارة إلى قربه لأن ما يدخل تحت العد فكأن قد نفد. وإنما قال : (لِأَجَلٍ) ، ولم يقل : إلى أجل ، لأن اللام يدل على الغرض ، وإن الحكمة اقتضت تأخيره وإلا لا يدل على ذلك (٢).

* س ٣٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (١٠٥) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (١٠٦) خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٠٧) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) (١٠٨) [هود : ١٠٥ ـ ١٠٨]؟!

الجواب / قال عبد الله بن سلام مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سألت رسول

__________________

(١) معاني الأخبار : ص ٢٩٩ ، ح ٥.

(٢) مجمع البيان : ج ٥ ، ص ٣٣٢.

٣٣٠

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقلت : أخبرني أيعذّب الله عزوجل خلقا بلا حجّة؟ فقال : «معاذ الله عزوجل».

قلت : فأولاد المشركين في الجنّة أم في النّار؟ فقال : «إنّ الله تبارك وتعالى أولى بهم ، إنه إذا كان يوم القيامة ، وجمع الله عزوجل الخلائق لفصل القضاء يأتي بأولاد المشركين ، فيقول لهم : عبيدي وإمائي ، من ربّكم ، وما دينكم ، وما أعمالكم؟ ـ قال ـ فيقولون : اللهمّ ربّنا أنت خلقتنا ، وأنت أمتّنا ، ولم تجعل لنا ألسنة ننطق بها ، ولا أسماعا نسمع بها ، ولا كتابا نقرؤه ، ولا رسولا فنتّبعه ، ولا علم لنا إلّا ما علّمتنا».

قال : «فيقول لهم عزوجل : عبيدي وإمائي ، إن أمرتكم بأمر أتفعلونه؟ فيقولون : السّمع والطّاعة لك ، يا ربّنا. فيأمر الله عزوجل نارا يقال لها الفلق ، أشدّ شيء في جهنّم عذابا ، فتخرج من مكانها سوداء مظلمة بالسّلاسل والأغلال ، فيأمرها الله عزوجل أن تنفخ في وجوه الخلائق نفخة ، فتنفخ ، فمن شدّة نفختها تنقطع السماء ، وتنطمس النجوم ، وتجمد البحار ، وتزول الجبال ، وتظلم الأبصار ، وتضع الحوامل حملها ، وتشيب الولدان من هولها يوم القيامة ، ثم يأمر الله تبارك وتعالى أطفال المشركين أن يلقوا أنفسهم في تلك النار ، فمن سبق له في علم الله عزوجل أن يكون سعيدا ، ألقى نفسه فيها ، فكانت النار عليه بردا وسلاما ، كما كانت على إبراهيم عليه‌السلام ، ومن سبق له في علم الله عزوجل أن يكون شقيا ، امتنع فلم يلق نفسه في النار ، فيأمر الله تبارك وتعالى النار فتلتقطه لتركه أمر الله ، وامتناعه من الدخول فيها ، فيكون تبعا لآبائه في جهنّم ، وذلك قوله عزوجل : (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ

٣٣١

مَجْذُوذٍ)(١).

وقال عليّ بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خالِدِينَ فِيها) : فهذا في نار الدنيا قبل يوم القيامة : (ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) قال : وقوله : (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها) يعني في جنان الدنيا التي تنقل إليها أرواح المؤمنين (ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) يعني غير مقطوع من نعيم الآخرة في الجنة يكون متّصلا به ، وهو ردّ على من ينكر عذاب القبر والثّواب والعقاب في الدنيا في البرزخ قبل يوم القيامة (٢).

وقال حمران : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّه بلغنا أنّه يأتي على جهنّم حتى تصفق أبوابها. فقال : «لا والله إنه الخلود».

قلت : (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ)؟ فقال : «هذه في الذين يخرجون من النار» (٣).

وقال محمّد بن مسلم : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الجهنّميّين.

فقال : «كان أبو جعفر عليه‌السلام يقول : يخرجون منها فينتهى بهم إلى عين عند باب الجنّة. تسمى عين الحيوان ، فينضح عليهم من مائها ، فينبتون كما ينبت الزرع ، تنبت لحومهم وجلودهم وشعورهم» (٤).

وقال زرارة : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله : (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا

__________________

(١) التوحيد : ص ٣٩٠ ، ح ١.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٣٨.

(٣) كتاب الزهد : ص ٩٨ ، ح ٢٦٥.

(٤) كتاب الزهد : ص ٩٥ ، ح ٢٥٦.

٣٣٢

فَفِي الْجَنَّةِ) إلى آخر الآيتين.

قال : «هاتان الآيتان في غير أهل الخلود من أهل الشّقاوة والسعادة ، إن شاء الله يجعلهم خارجين. ولا تزعم ـ يا زرارة ـ أنّي أزعم ذلك» (١).

* س ٣٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ ما يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (١٠٩) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) (١١٠) [هود : ١٠٩ ـ ١١٠]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) : (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ) أي : في شك (مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ) من دون الله تعالى ، إنه باطل ، وأنهم يصيرون بعبادتهم إلى عذاب النار (ما يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ) يعني : ما يعبدون غير الله تعالى إلا على جهة التقليد ، كما كان آباؤهم كذلك (وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ) أي : إنا لمعطوهم جزاء أعمالهم ، وعقاب أعمالهم وافيا (غَيْرَ مَنْقُوصٍ) عن مقدار ما استحقوه. آيسهم سبحانه بهذا القول عن العفو. وقيل : معناه أنا نعطيهم ما يستحقونه من العقاب ، بعد أن نوفيهم ما حكمنا لهم به من الخير في الدنيا ...

(وَلَقَدْ آتَيْنا) أي : أعطينا (مُوسَى الْكِتابَ) يعني التوراة (فَاخْتُلِفَ فِيهِ) يريد أن قومه اختلفوا فيه أي : في صحة الكتاب الذي أنزل عليه ، وأراد بذلك تسلية النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن تكذيب قومه إياه ، وجحدهم للقرآن المنزل عليه. فبين أن قوم موسى كذلك فعلوا بموسى ، فلا تحزن لذلك ، ولا تغتم له.

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ١٦٠ ، ح ٦٧.

٣٣٣

(وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) أي : لو لا خبر الله السابق بأنه يؤخر الجزاء إلى يوم القيامة ، لما علم في ذلك من المصلحة (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) أي : لعجل الثواب والعقاب لأهله. وقيل : معناه لفصل الأمر على التمام بين المؤمنين والكافرين بنجاة هؤلاء ، وهلاك أولئك (وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) يعني : إن الكافرين لفي شك من وعد الله ووعيده ، مريب. والريب : أقوى الشك. وقيل : معناه أن قوم موسى لفي شك من نبوته (١).

* س ٣٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَإِنَّ كُلاًّ لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١١١) فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (١١٢) [هود : ١١١ ـ ١١٢]؟!

الجواب / قال عليّ بن إبراهيم القميّ ، في قوله تعالى : (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ) قال : في القيامة ، ثم قال لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا) أي في الدنيا لا تطغوا (٢).

* س ٣٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) (١١٣) [هود : ١١٣]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «هو الرجل يأتي السّلطان فيحبّ بقاءه إلى أن يدخل يده في كيسه فيعطيه» (٣).

وقال عليّ بن إبراهيم : ركون مودّة ونصيحة وطاعة (٤).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٥ ، ص ٣٤١.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٣٨.

(٣) تفسير القميّ : ج ٥ ، ص ١٠٨ ، ح ١٢.

(٤) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٣٨.

٣٣٤

وقال أحدهم عليهم‌السلام : «هو الرّجل من شيعتنا يقول بقول هؤلاء الجائرين» (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «أما إنّه لم يجعلها خلودا ولكن تمسّكم النار ، فلا تركنوا إليهم» (٢).

* س ٣٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ) (١١٤) [هود : ١١٤]؟!

الجواب / قال زرارة سألت أبا جعفر عليه‌السلام عمّا فرض الله من الصلاة. فقال : «خمس صلوات في الليل والنّهار».

فقلت : هل سمّاهنّ وبيّنهنّ في كتابه؟ فقال : «نعم ، قال الله عزوجل لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ)(٣) ودلوكها : زوالها ، ففي ما بين دلوك الشّمس إلى غسق اللّيل أربع صلوات ، سمّاهنّ وبيّنهنّ ووقّتهنّ ، وغسق الليل : انتصافه. ثمّ قال : (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً)(٤) فهذه الخامسة.

وقال في ذلك : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ) وطرفاه : المغرب والغداة (وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ) وهي صلاة العشاء الآخرة ، وقال : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ)(٥) وهي صلاة الظهر ، وهي أول صلاة صلّاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهي

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ١٦١ ، ح ٧١.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ١٦١ ، ح ٧٢.

(٣) الإسراء : ٧٨.

(٤) الإسراء : ٧٨.

(٥) البقرة : ٢٣٨.

٣٣٥

وسط النهار ، ووسط صلاتين بالنهار : صلاة الغداة ، وصلاة العصر».

وفي بعض القراءات : «حافظوا على الصّلوات والصّلاة الوسطى صلاة العصر وقوموا لله قانتين».

قال : «ونزلت هذه الآية يوم الجمعة ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سفر ، فقنت فيها وتركها على حالها في السّفر والحضر ، وأضاف للمقيم ركعتين ، وإنّما وضعت الركعتان اللتان أضافهما النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الجمعة للمقيم لمكان الخطبتين مع الإمام ، فمن صلّى يوم الجمعة في غير جماعة فليصلّها أربع ركعات كصلاة الظهر في سائر الأيّام» (١).

وقال إبراهيم الكرخي : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فدخل عليه مولىّ له. فقال : «يا فلان ، متى جئت؟» فسكت. فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «جئت من ها هنا ومن ها هنا ، انظر بما تقطع به يومك ، فإن معك ملكا موكّلا يحفظ عليك ما تعمل ، فلا تحتقر سيّئة ، وإن كانت صغيرة ، فإنها ستسوؤك يوما ، ولا تحتقر حسنة فإنّه ليس شيء أشدّ طلبا ولا أسرع دركا من الحسنة ، إنها لتدرك الذنب العظيم القديم فتذهب به ، وقال الله في كتابه : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) ـ قال : قال ـ صلاة الليل تذهب بذنوب النهار ـ قال ـ تذهب بما جرحتم» (٢).

* س ٣٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (١١٥) [هود : ١١٥]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : (وَاصْبِرْ) قيل : معناه واصبر على الصلاة كما قال : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها). (فَإِنَ

__________________

(١) التهذيب : ج ٢ ، ص ٢٤١ ، ح ٩٥٤.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ١٦٢ ، ح ٧٥.

٣٣٦

اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) أي : المصلين.

وقيل : معناه اصبر يا محمد على أذى قومك ، وتكذيبهم إياك ، وعلى القيام بما افترضته عليك ، وعلى أداء الواجبات ، والامتناع عن المقبحات ، فإن الله لا يهمل جزاء المحسنين على إحسانهم ، ولا يبطله ، بل يكافيهم عليه أكمل الثواب (١).

* س ٤٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ) (١١٦) [هود : ١١٦]؟!

الجواب / قال زيد بن علي عليه‌السلام في قوله تعالى : (فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ) إلى آخر الآية ، قال : تخرج الطائفة منّا ، ومثلنا كمن كان قبلنا من القرون ، فمنهم من يقتل ، وتبقى منهم بقيّة ليحيوا ذلك الأمر يوما ما (٢).

وقال زيد بن عليّ عليه‌السلام ، في قوله : (فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ) قال : نزلت هذه فينا (٣).

وقال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) : (فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ) أي : هلا كان ، وإلا كان ، ومعناه : النفي ، وتقديره : لم يكن من القرون من قبلكم قوم باقون (يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ) أي : كان يجب أن يكون منهم قوم بهذه الصفة مع إنعام الله تعالى عليهم ، بكمال

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٥ ، ص ٣٤٧.

(٢) تفسير فرات : ص ٦٣.

(٣) تفسير فرات : ص ٦٣.

٣٣٧

العقل ، وبعثة الرسل إليهم ، وإقامة الحجج لهم. وهذا تعجيب وتوبيخ لهؤلاء الذين سلكوا سبيل من قبلهم في الفساد نحو عاد ، وثمود ، والقرون التي عدها القرآن ، وأخبر بهلاكها أي : إن العجب منهم ، كيف لم تكن من جملتهم بقية في الأرض ، يأمرون فيها بالمعروف ، وينهون عن المنكر؟ وكيف اجتمعوا على الكفر حتى استأصلهم الله بالعذاب ، وأنواع العقوبات لكفرهم بالله ، ومعاصيهم له. وقيل : (أُولُوا بَقِيَّةٍ) معناه : ذوو دين وخير. وقيل : معناه ذوو بركة. وقيل : ذوو تمييز وطاعة (إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ) المعنى : إن قليلا منهم كانوا ينهون عن الفساد ، وهم الأنبياء والصالحون الذين آمنوا مع الرسل ، فأنجيناهم من العذاب الذي نزل بقومهم. وإنما جعلوا هذا الاستثناء منقطعا ، لأنه إيجاب لم يتقدم فيه صيغة النفي ، وإنما تقدم تهجين خرج مخرج السؤال ، ولو رفع لجاز في الكلام. (وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ) أي : وأتبع المشركون ما عودوا من النعم والتنعم ، وإيثار اللذات على أمور الآخرة ، واشتغلوا بذلك عن الطاعات (وَكانُوا) أي : وكان هؤلاء المتنعمون البطرون (مُجْرِمِينَ) مصرين على الجرم.

وفي الآية دلالة على وجوب النهي عن المنكر ، لأنه سبحانه ذمهم بترك النهي عن الفساد ، وأخبر بأنه أنجى القليل منهم لنهيهم عن ذلك ، ونبه على أنه لو نهى الكثير كما نهى القليل ، لما هلكوا. ثم أخبر سبحانه أنه لم يهلك إلا بالكفر والفساد ، فقال : (وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ) وذكر في تأويله وجوه :

١ ـ إن المعنى وما كان ربك ليهلك القرى بظلم منه لهم ، ولكن إنما يهلكهم بظلمهم لأنفسهم ، كما قال : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً) الآية.

٢ ـ إن معناه لا يؤاخذهم بظلم واحدهم ، مع أن أكثرهم مصلحون ، ولكن إذا عم الفساد ، وظلم الأكثرون ، عذبهم.

٣٣٨

٣ ـ إنه لا يهلكهم بشركهم وظلمهم لأنفسهم ، وهم يتعاطون الحق بينهم أي : ليس من سبيل الكفار إذا قصدوا الحق في المعاملة أن يهلكهم الله بالعذاب. و (الواو) : في قوله (وَأَهْلُها) : واو الحال. وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : وأهلها مصلحون ينصف بعضها بعضهم (١).

* س ٤١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ (١١٧) وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١١٩) وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (١٢٠) وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ (١٢١) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٢٢) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (١٢٣) [هود : ١١٧ ـ ١٢٣]؟!

الجواب / سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن قول الله تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ).

فقال عليه‌السلام : «كانوا أمّة واحدة ، فبعث الله النبيين ليتّخذ عليهم الحجّة» (٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «لا يزالون مختلفين ـ في الدّين ـ إلّا من رحم ربّك ، يعني آل محمّد وأتباعهم ، يقول الله : (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) يعني أهل رحمة لا يختلفون في الدّين» (٣).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٥ ، ص ٣٤٧.

(٢) الكافي : ج ٨ ، ص ٣٧٩ ، ح ٥٧٣.

(٣) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٣٨.

٣٣٩

وقال رجل : سألت علي بن الحسين عليه‌السلام عن قول الله : (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) قال : «عنى بذلك من خالفنا من هذه الأمة ، وكلّهم يخالف بعضهم بعضا في دينهم ، وأمّا قوله : (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) فأولئك أولياؤنا من المؤمنين ، ولذلك خلقهم من الطّينة الطيّبة ، أما تسمع لقول إبراهيم : (رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ)(١) ـ قال ـ إيّانا عنى وأولياءه وشيعته وشيعة وصيّه ، قال : (وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ)(٢) ـ قال ـ عنى بذلك والله من جحد وصيّه ولم يتّبعه من أمّته ، وكذلك والله حال هذه الأمّة» (٣).

وقال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) هم الذين سبق الشّقاء لهم ، فحقّ عليهم القول أنّهم للنار خلقوا ، وهم الذين حقّت عليهم كلمة ربّك أنهم لا يؤمنون.

قال علي بن إبراهيم : ثمّ خاب الله نبيّه ، فقال : (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ) أي أخبارهم (ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُ) في القرآن ، وهذه السورة من أخبار الأنبياء وهلاك الأمم. ثم قال : (وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ) أي نعاقبكم (وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)(٤).

وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «جاء جبرئيل عليه‌السلام إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : يا رسول الله ، إنّ الله تبارك وتعالى أرسلني إليك بهديّة لم يعطها أحدا قبلك ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قلت : وما هي؟ قال : الصبر ، وأحسن منه. قلت : وما هو؟ قال :

__________________

(١) البقرة : ١٢٦.

(٢) البقرة : ١٢٦.

(٣) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ١٦٤ ، ح ٨٢.

(٤) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٣٨.

٣٤٠