التيسير في التفسير للقرآن - ج ٣

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٣

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٢

لا أكذب عليه الآن كما كذبت عليه من قبل. ثمّ قالت : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) أي تأمر بالسوء (إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي) فقال الملك : (ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي) فلمّا نظر إلى يوسف (قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ) فاسأل حاجتك؟ (قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) يعني : على الكناديج (١) والأنابير (٢) ، فجعله عليها ، وهو قوله : (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ)(٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في قول يوسف : (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) : «حفيظ بما تحت يدي ، عليم بكلّ لسان» (٤).

وقال الرضا عليه‌السلام : «وأقبل يوسف عليه‌السلام على جمع الطّعام ، فجمع في السبع سنين المحصنة ، فكبسه في الخزائن ، فلمّا مضت تلك السنون ، وأقبلت السّنون المجدبة ، أقبل يوسف على بيع الطّعام ، فباعهم في السّنة الأولى بالدّراهم والدّنانير ، حتى لم يبق بمصر وما حولها دينار ولا درهم إلا صار في ملك يوسف : وباعهم في السّنة الثانية بالحليّ والجواهر ، حتى لم يبق بمصر وما حولها حليّ ولا جواهر إلّا صار في ملكه. وباعهم في السّنة الثالثة بالدّوابّ والمواشي ، حتى لم يبق بمصر وما حولها دابّة ولا ماشية إلا صار في ملكه ، وباعهم في السّنة الخامسة بالدّور والعقار ، حتى لم يبق بمصر وما حولها دار ولا عقار إلا صار في ملكه ، وباعهم في السّنة السادسة بالمزارع والأنهار ، حتى لم يبق بمصر وما حولها نهر ولا مزرعة إلّا صار في ملكه ، وباعهم في السّنة السابعة برقابهم ، حتى لم يبق بمصر وما حولها عبد ولا حرّ

__________________

(١) الكندوج : شبه المخزن ، معرب كندو «القاموس المحيط : ج ١ ، ص ٢١٢».

(٢) الأنابير : جمع أنبار : أكداس الطعام. «تاج العروس ـ نبر ـ ج ٣ ، ص ٥٥٣».

(٣) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٤٥.

(٤) علل الشرائع : ص ١٢٥ ، ح ٤.

٣٦١

إلا صار عبدا ليوسف. فملك أحرارهم وعبيدهم وأموالهم ، وقال الناس : ما رأينا ولا سمعنا بملك أعطاه الله من الملك ما أعطي هذا الملك حكما وعلما وتدبيرا.

ثمّ قال يوسف للملك : أيها الملك ، ما ترى فيما خوّلني ربّي من ملك مصر وما حولها؟ أشر علينا برأيك ، فإنّي لم أصلحهم لأفسدهم ولم أنجهم من البلاء لأكون بلاء عليهم ، ولكنّ الله تعالى أنجاهم على يدي. قال الملك : الرأي رأيك.

قال يوسف : إني أشهد الله وأشهدك أيها الملك إني قد أعتقت أهل مصر كلّهم ، ورددت عليهم أموالهم وعبيدهم ، ورددت عليك أيّها الملك خاتمك (١) وسريرك وتاجك ، على أن لا تسير إلّا بسيرتي ، ولا تحكم إلّا بحكمي.

قال له الملك : إنّ ذلك لزيني وفخري أن لا أسير إلا بسيرتك ، ولا أحكم إلا بحكمك ، ولولاك ما قويت عليه ولا اهتديت له ، ولقد جعلت سلطاني عزيزا لا يرام ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأنّك رسوله ، فأقم على ما وليتك ، فإنك لدينا مكين أمين» (٢).

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) (٥٧) [سورة يوسف : ٥٧]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي (رحمه‌الله تعالى) : أخبر الله تعالى أن الثواب الذي يثيب الله به الذين يؤمنون به ويتقون معاصيه في الآخرة ، وهي النشأة الثانية ، فإن الدنيا هي النشأة الأولى والآخرة خير وأعظم نفعا من منافع

__________________

(١) في «ط» : عليك الملك وخاتمك.

(٢) مجمع البيان : ج ٥ ، ص ٣٧٢.

٣٦٢

الدنيا التي تنالها الكفار.

وقيل : أجر الآخرة خير من ثواب الدنيا ... (١).

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٨) وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٥٩) فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ (٦٠) قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ (٦١) وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٦٢) فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٦٣) قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٦٤) وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَنَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (٦٥) قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَنْ يُحاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (٦٦) وَقالَ يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (٦٧) وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٦٨) وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٦٩) فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ

__________________

(١) التبيان : ج ٦ ، ص ١٥٩.

٣٦٣

بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ (٧٠) قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ما ذا تَفْقِدُونَ (٧١) قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (٧٢) قالُوا تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ (٧٣) قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ (٧٤) قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٧٥) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (٧٦) قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ (٧٧) قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٧٨) قالَ مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ (٧٩) فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (٨٠) ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلاَّ بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ (٨١) وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ)(٨٢) [سورة يوسف : ٥٧]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : فأمر يوسف أن تبنى كناديج من صخر ، وطيّنها بالكلس ، ثم أمر بزروع مصر ، فحصدت ، ودفع إلى كلّ إنسان حصّة ، وترك الباقي في سنبله ، ولم يدسه ، ووضعها في الكناديج ، ففعل ذلك سبع سنين.

٣٦٤

فلمّا جاءت سنيّ الجدب ، كان يخرج السنبل ، فيبيع بما شاء ، وكان بينه وبين أبيه ثمانية عشر يوما ـ وروي أثني عشر يوما ـ وكانوا في بادية ، وكان الناس من الآفاق يخرجون إلى مصر ليمتاروا طعاما ، وكان يعقوب وولده نزولا في بادية فيها مقل (١) ، فأخذ إخوة يوسف ذلك المقل ، وحملوه إلى مصر ، ليمتاروا طعاما ، وكان يوسف يتولّى البيع بنفسه ، فلما دخل إخوته عليه ، عرفهم ولم يعرفوه ، كما حكى الله عزوجل : (وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ) فأعطاهم ، وأحسن إليهم في الكيل ، قال لهم : «من أنتم؟» قالوا : نحن بنو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، خليل الله الذي ألقاه نمرود في النار فلم يحترق ، وجعلها الله عليه بردا وسلاما ، قال : «فما فعل أبوكم» قالوا : شيخ ضعيف ، قال : «فلكم أخ غيركم»؟ قالوا : لنا أخ من أبينا ، لا من أمّنا. قال : «فإذا رجعتم إليّ فائتوني به» وهو قوله : (ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ).

ثمّ قال يوسف لقومه : «ردّوا هذه البضاعة التي حملوها إلينا ، واجعلوها فيما بين رحالهم ، حتى إذا رجعوا إلى منازلهم ورأوها ، رجعوا إلينا وهو قوله : (وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) يعني : كي يرجعوا : (فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) فقال يعقوب : (هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ) في رحالهم

__________________

(١) المقل : ثمر الدّوم ، الدّوم : شجر عظام من الفصيلة النخليّة ، يكثر في صعيد مصر وبلاد العرب. «الصحاح ـ مقل ـ ج ٥ ، ص ١٨٢٠ ، المعجم الوسيط ـ دوم ـ ج ١ ، ص ٣٠٥».

٣٦٥

التي حملوها إلى مصر (قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي) أي ما نريد (هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَنَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ) فقال يعقوب : (لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ) يعقوب : (اللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ) فخرجوا ، وقال لهم يعقوب : (يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) إلى قوله (لا يَعْلَمُونَ)(١).

وقال الصادق عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) ، قال : «الزارعون» (٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : فخرجوا وخرج معهم بنيامين ، فكان لا يواكلهم ولا يجالسهم ولا يكلّمهم ، فلمّا وافوا مصر ، ودخلوا على يوسف وسلّموا ، نظر يوسف إلى أخيه فعرفه ، فجلس منهم بالبعد. فقال يوسف : «أنت أخوهم؟». قال : نعم. قال : فلم لا تجلس معهم؟» قال : لأنّهم أخرجوا أخي من أبي وأمي ، فرجعوا ولم يردّوه ، وزعموا أنّ الذئب أكله ، فآليت على نفسي ألّا أجتمع معهم على أمر ما دمت حيّا.

قال : «فهل تزوّجت؟» قال : بلى ، قال : «فولد لك ولد؟» قال : بلى ، قال : «كم ولد لك؟» قال : ثلاث بنين. قال : «فما سمّيتهم؟» قال : سمّيت واحدا منهم الذئب ، وواحدا القميص ، وواحدا الدّم. قال : «وكيف اخترت هذه الأسماء؟» قال : لئلّا أنسى أخي ، كلما دعوت واحدا من ولدي ذكرت أخي ، قال يوسف لهم : «أخرجوا» وحبس بنيامين عنده.

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٤٦.

(٢) من لا يحضره الفقيه ج ٣ ، ص ١٦٠ ، ح ٧٠٣ ، والآية من سورة إبراهيم : ١٢.

٣٦٦

فلمّا خرجوا من عنده ، قال يوسف لأخيه : «أنا أخوك يوسف (فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ). ثم قال له : «أنا أحبّ أن تكون عندي». قال : لا يدعني إخوتي ، فإنّ أبي قد أخذ عليهم عهد الله وميثاقه أن يردّوني إليه. قال : فأنا أحتال بحيلة ، فلا تنكر إذا رأيت شيئا ، ولا تخبرهم». فقال : لا. (فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ) وأعطاهم وأحسن إليهم ، قال لبعض قوّامه : «اجعلوا هذا الصاع في رحل هذا». وكان الصاع الذي يكيلون به من ذهب ، فجعلوه في رحله ، من حيث لم يقف عليه إخوته. فلمّا ارتحلوا ، بعث إليهم يوسف وحبهم ، ثم أمر مناديا ينادي : (أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ). فقال إخوة يوسف : (ما ذا تَفْقِدُونَ قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) أي كفيل (١).

وقال أبو جعفر الباقر عليه‌السلام في قوله تعالى (صُواعَ الْمَلِكِ) طاسه الذي يشرب فيه» (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في قوله : (صُواعَ الْمَلِكِ) : «كان قدحا من ذهب ـ وقال ـ كان صواع يوسف إذا كيل به قال : لعن الله الخوّان ، ولا تخونوا به ، بصوت حسن» (٣).

نرجع إلى الرواية السابقة : فقال إخوة يوسف : (تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ) ، قال يوسف عليه‌السلام : (فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ) فخذه واحبسه (فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ)

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٤٨.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ١٨٥ ، ح ٥١.

(٣) نفس المصدر : ج ٢ ، ص ١٨٥ ، ح ٥٢.

٣٦٧

فتشبثوا بأخيه وحبسوه ، وهو قوله : (كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ) أي احتلنا له : (ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ).

فسئل الصادق عليه‌السلام عن قوله : (أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ). قال : «ما سرقوا ، ما كذب يوسف عليه‌السلام فإنّما عنى سرقتم يوسف من أبيه».

وقوله : (أَيَّتُهَا الْعِيرُ) أي يا أهل العير ، ومثله قولهم لأبيهم : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها) يعني : أهل العير. فلما أخرج ليوسف الصواع من رحل أخيه ، قال إخوته : (إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) يعنون يوسف عليه‌السلام : فتغافل يوسف عليهم ، وهو قوله : (فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ)(١).

وقال الحسن بن عليّ الوشّاء : سمعت علي بن موسى الرضا عليه‌السلام يقول : «كانت الحكومة في بني إسرائيل ، إذا سرق أحد شيئا استرقّ به ، وكان يوسف عليه‌السلام عند عمّته وهو صغير ، وكانت تحبّه ، كانت لإسحاق عليه‌السلام منطقة ألبسها يعقوب ، وكانت عند ابنته ، وإن يعقوب طلب يوسف أن يأخذه من عمته ، فاغتمّت لذلك ، وقالت له : دعه حتى أرسله إليك فأرسلته وأخذت المنطقة فشدّتها في وسطه تحت الثياب ، فلما أتى يوسف أباه ، جاءت وقالت : سرقت المنطقة ، ففتّشته ، فوجدتها في وسطه. فلذلك قال إخوة يوسف حيث جعل الصاع في وعاء أخيه : (إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) فقال لهم يوسف : فما جزاء من وجدنا في رحله؟ قالوا : هو جزاؤه. كما جرت السّنّة التي تجري فيهم ، فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ، ثمّ استخرجها من وعاء

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٤٨.

٣٦٨

أخيه ، ولذلك قال إخوة يوسف : (إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) يعنون المنطقة : (فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ)(١).

نرجع إلى الرواية قال : فاجتمعوا إلى يوسف ، وجلودهم تقطر دما أصفر ، فكانوا يجادلونه في حبسه ـ وكان ولد يعقوب إذا غضبوا خرج من ثيابهم شعر ويقطر من رؤوسها دم أصفر ـ وهم يقولون : (يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) فأطلق عن هذا ، فلمّا رأى يوسف ذلك ، قال : (مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ) ولم يقل : إلّا من سرق متاعنا (إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ) وأرادوا الانصراف إلى أبيهم ، قال لهم لاوي بن يعقوب : (أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ) في هذا (وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ) فارجعوا أنتم إلى أبيكم ، فأمّا أنا ، فلا أرجع إليه (حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) ثمّ قال لهم : (ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها) أي أهل القرية وأهل العير (وَإِنَّا لَصادِقُونَ).

قال : فرجع إخوة يوسف إلى أبيهم وتخلّف يهودا (٢) ، فدخل على يوسف ، فكلّمه حتى ارتفع الكلام بينه وبين يوسف وغضب ، وكانت على كتف يهودا شعرة ، فقامت الشعرة فأقبلت تقذف بالدّم ، وكان لا يسكن حتى يمسّه بعض أولاد يعقوب ـ قال ـ وكان بين يدي يوسف ابن له ، في يده رمّانة من ذهب يلعب بها ، فلمّا رأى يوسف أن يهودا قذ غضب وقامت الشعرة تقذف بالدّم ، أخذ الرمّانة من الصبيّ ، ثمّ دحرجها نحو يهودا وتبعها الصبيّ

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ص ٧٦ ، ح ٦.

(٢) وقيل أنّه : لاوي.

٣٦٩

ليأخذها ، فوقعت يده على يهودا ، فذهب غضبه. قال : فارتاب يهودا ، ورجع الصّبي بالرّمّانة إلى يوسف ، ثمّ ارتفع الكلام بينهما حتّى غضب يهودا ، وقامت الشعرة تقذف بالدّم ، فلمّا رأى ذلك يوسف دحرج الرّمّانة نحو يهدا فتبعها الصّبيّ ليأخذها ، فوقعت يده على يهودا ، فسكن غضبه ، وقال : إنّ في البيت لمن ولد يعقوب. حتى صنع ذلك ثلاث مرّات (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) : «كان يوسف يوسّع المجلس ، ويستقرض للمحتاج ، ويعين الضعيف» (٢).

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٨٣) وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (٨٤) قالُوا تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ (٨٥) قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٨٦) يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ (٨٧) فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (٨٨) قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ (٨٩) قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٩٠) قالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٤٩.

(٢) الكافي : ج ٢ ، ص ٤٦٥ ، ح ٣.

٣٧٠

عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ (٩١) قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٩٢) اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (٩٣) وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ (٩٤) قالُوا تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ (٩٥) فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٩٦) قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ (٩٧) قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٩٨) فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ (٩٩) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (١٠١) [سورة يوسف : ٨٣ ـ ١٠١]؟!

الجواب / نرجع إلى رواية عليّ بن إبراهيم قال أبو جعفر عليه‌السلام : فلمّا رجع إخوة يوسف إلى أبيهم ، وأخبروه بخبر أخيهم ، قال يعقوب : (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) ثمّ (تَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ) يعني عميتا من البكاء (فَهُوَ كَظِيمٌ) أي محزون ، والأسف أشدّ الحزن.

وسئل أبو عبد الله عليه‌السلام : ما بلغ من حزن يعقوب على يوسف؟ قال : «حزن سبعين ثكلى بأولادها ـ وقال ـ إنّ يعقوب لم يعرف الاسترجاع ، ومن

٣٧١

هنا قال : (يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ) فقالوا له : (تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ) أي لا تفتؤ عن ذكر يوسف (حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً) أي ميتا (أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ)(١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام قال : «قدم أعرابيّ على يوسف عليه‌السلام ليشتري منه طعاما ، فباعه فلمّا فرغ قال له يوسف عليه‌السلام : أين منزلك؟ قال له : بموضع كذا وكذا. فقال له : فإذا مررت بوادي كذا وكذا ، فقف وناد : يا يعقوب ، يا يعقوب ، فإنّه سيخرج لك رجل عظيم جميل وسيم ، فقل له : لقيت رجلا بمصر وهو يقرئك السّلام ، ويقول لك : إنّ وديعتك عند الله عزوجل لن تضيع».

قال : «فمضى الأعرابيّ حتى انتهى إلى الموضع ، فقال لغلمانه : احفظوا عليّ الإبل. ثمّ نادى : يا يعقوب ، يا يعقوب. فخرج إليه رجل أعمى طويل جسيم جميل يتقي الحائط بيده حتى أقبل ، فقال له الرجل : أنت يعقوب؟ قال : نعم ، فأبلغه ما قال يوسف ، فسقط مغشيّا عليه ، ثمّ أفاق ، وقال للأعرابي : يا أعرابي ، ألك حاجة إلى الله عزوجل؟ فقال له : نعم ، إني رجل كثير المال ، ولي ابنة عمّ ليس يولد لي منها ، وأحبّ أن تدعو الله أن يرزقني ولدا. ـ قال ـ فتوضّأ يعقوب ، وصلّى ركعتين ، ثمّ دعا الله عزوجل ، فرزق أربعة بطون ـ أو قال : ستّة أبطن ـ في كل بطن اثنان.

فكان يعقوب عليه‌السلام يعلم أن يوسف عليه‌السلام حيّ لم يمت ، وأنّ الله تعالى ذكره سيظهره له بعد غيبته ، وكان يقول لبنيه : (إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) وكان بنوه وأهله وأقرباؤه يفنّدونه على ذكره ليوسف ، حتّى إنه لمّا وجد ريح يوسف ، قال : (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ قالُوا تَاللهِ

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٥٠.

٣٧٢

إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ) وهو يهودا ابنه ، فألقى قميص يوسف (عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ)(١).

نرجع إلى رواية عليّ بن إبراهيم : قال عليه‌السلام : «فلمّا ولّى الرسول إلى الملك بكتاب يعقوب ، رفع يعقوب يديه إلى السّماء فقال : يا حسن الصحبة ، يا كريم المعونة ، يا خير كلمة ، ائتني بروح منك وفرج من عندك. فهبط عليه جبرئيل عليه‌السلام فقال : يا يعقوب ، ألا أعلّمك دعوات يردّ الله عليك بصرك وابنيك؟ قال : نعم. قال : قل : يا من لا يعلم أحد كيف هو إلّا هو ، يا من سدّ السّماء بالهواء ، وكبس الأرض على الماء ، واختار لنفسه أحسن الأسماء ، ائتني بروح منك وفرج من عندك. قال : فما انفجر عمود الصبح ، حتى أتي بالقميص فطرح عليه ، وردّ الله عليه بصره وولده».

قال : «ولمّا أمر الملك بحبس يوسف في السجن ، ألهمه الله تأويل الرّؤيا. فكان يعبّر لأهل السجن ، فلمّا سأله الفتيان الرؤيا : وعبّر لهما ، وقال للّذي ظنّ أنّه ناج منهما : (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ)(٢). ولم يفزع في تلك الحالة إلى الله ، فأوحى الله إليه : من أراك الرّؤيا التي رأيتها؟ قال يوسف : أنت يا ربّ. قال : فمن حبّبك إلى أبيك؟ قال : أنت يا ربّ. قال : فمن وجّه إليك السيّارة التي رأيتها؟ قال : أنت يا ربّ. قال : فمن علّمك الدعاء الذي دعوت به حتّى جعلت لك من الجبّ فرجا؟ قال : أنت يا ربّ. قال : فمن أنطق لسان الصّبي بعذرك؟ قال : أنت يا ربّ. قال : فمن ألهمك تأويل الرّؤيا؟ قال : أنت يا ربّ. قال : فكيف استعنت بغيري ولم تستعن بي ، وأمّلت عبدا من عبيدي

__________________

(١) كمال الدين وتمام النعمة : ص ١٤١ ، ح ٩.

(٢) يوسف : ٤٢.

٣٧٣

ليذكرك إلى مخلوق من خلقي وفي قبضتي ، ولم تفزع إليّ؟ فالبث في السجن بضع سنين.

فقال يوسف : أسألك بحقّ آبائي عليك إلّا فرّجت عنّي. فأوحى الله إليه : يا يوسف وأيّ حقّ لآبائك عليّ ، إن كان أبوك آدم ، خلقته بيدي ، ونفخت فيه من روحي ، وأسكنته جنّتي ، وأمرته أن لا يقرب شجرة منها ، فعصاني وسألني فتبت عليه وإن كان أبوك نوح ، انتجبته من بين خلقي ، وجعلته رسولا إليهم ، فلمّا عصوا دعاني فاستجبت له فأغرقتهم وأنجيته ومن معه في الفلك ، وإن كان أبوك إبراهيم ، اتّخذته خليلا ، وأنجيته من النار ، وجعلتها عليه بردا وسلاما ، وإن كان أبوك يعقوب ، وهبت له اثني عشر ولدا ، فغيّبت عنه واحدا ، فما زال يبكي حتّى ذهب بصره ، وقعد على الطريق يشكوني إلى خلقي ، فأيّ حقّ لآبائك عليّ؟

قال : «فقال له جبرئيل : يا يوسف ، قل : أسألك بمنّك العظيم ، وإحسانك القديم ، ولطفك العميم ، يا رحمن يا رحيم. فقالها ، فرأى الملك الرؤيا فكان فرجه فيها» (١).

وقال عليه‌السلام : «ثمّ رحل يعقوب وأهله من البادية ، بعدما رجع إليه بنوه بالقميص ، فألقوه على وجهه فارتد بصيرا ، فقال له : (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) قال : أخّرهم إلى السّحر ، لأنّ الدعاء والاستغفار فيه مستجاب.

فلمّا وافى يعقوب وأهله وولده مصر ، قعد يوسف على سريره ، ووضع

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٥٢.

٣٧٤

تاج الملك على رأسه ، فأراد أن يراه أبوه على تلك الحالة ، فلمّا دخل أبوه لم يقم له ، فخرّوا له كلّهم سجّدا ، فقال يوسف : (يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)(١).

ثمّ قال عليّ بن إبراهيم : وحدّثني محمد بن عيسى ، أنّ يحيى بن أكثم سأل موسى بن محمّد بن عليّ بن موسى مسائل ، فعرضها على أبي الحسن عليه‌السلام ، وكان أحدها : أخبرني عن قول الله عزوجل : (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً) أسجد يعقوب وولده ليوسف وهم أنبياء؟

فأجاب أبو الحسن عليه‌السلام : «أمّا سجود يعقوب وولده ليوسف ، فإنّه لم يكن ليوسف ، وإنما كان ذلك من يعقوب وولده طاعة لله ، وتحيّة ليوسف ، كما كان السّجود من الملائكة لآدم ولم يكن لآدم ، وإنّما كان ذلك منهم طاعة لله وتحيّة لآدم ، فسجد يعقوب وولده وسجد يوسف معهم شكرا لله تعالى لاجتماع شملهم ، ألم تر أنّه يقول في شكره ذلك الوقت : (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ).

فنزل عليه جبرئيل ، فقال له : يا يوسف ، اخرج يدك ، فأخرجها فخرج من بين أصابعه نور ، فقال : ما هذا النور ، يا جبرئيل؟ فقال : هذه النبوّة ، أخرجها الله من صلبك لأنك لم تقم لأبيك. فحطّ الله نوره ، ومحا النبوّة من صلبه ، جعلها في ولد لاوي أخي يوسف ، وذلك لأنّهم لما أرادوا قتل يوسف قال : (لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ)(٢) فشكر الله له ذلك ، ولمّا

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٥٥.

(٢) يوسف : ١٠.

٣٧٥

أرادوا أن يرجعوا إلى أبيهم من مصر وقد حبس يوسف أخاه ، قال : (فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ)(١) فشكر الله له ذلك ، فكان أنبياء بني إسرائيل من ولد لاوي ، وكان موسى من ولده ، وهو موسى بن عمران بن يصهر بن واهث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم.

فقال يعقوب لابنه : يا بنيّ أخبرني ما فعل بك إخوتك حين أخرجوك من عندي؟ قال : يا أبت اعفني من ذلك. قال : فأخبرني ببعضه ، فقال : يا أبت ، إنّهم لمّا أدنوني من الجبّ قالوا : انزع قميصك. فقلت لهم : يا إخوتي ، اتّقوا الله ولا تجرّدوني. فسلّوا عليّ السّكّين ، وقالوا : لئن لم تنزع لنذبحنّك. فنزعت القميص ، فألقوني في الجبّ عريانا ـ قال ـ فشهق يعقوب شهقة وأغمي عليه ، فلمّا أفاق ، قال : يا بنيّ حدثني فقال : يا أبت ، أسألك بإله إبراهيم وإسحاق ويعقوب إلّا أعفيتني. فأعفاه» (٢).

ثمّ قال : «ولمّا مات العزيز ـ وذلك في السنين المجدبة ـ افتقرت امرأة العزيز واحتاجت حتّى سألت الناس ، فقالوا لها : ما يضرّك لو قعدت للعزيز ـ وكان يوسف يسمّى العزيز ـ فقالت : أستحي منه ، فلم يزالوا بها حتى قعدت له على الطريق فأقبل يوسف في موكبه ، فقامت إليه ، وقالت : سبحان من جعل الملوك بالمعصية عبيدا ، وجعل العبيد بالطاعة ملوكا.

فقال لها يوسف : أنت هاتيك؟ فقالت : نعم ـ وكان اسمها زليخا ـ فقال لها : هل لك فيّ؟ قالت : أنّى! بعد ما كبرت ، أتهزأ بي؟ قال : لا. فأمر بها ، فحوّلت إلى منزله ، وكانت هرمة ، فقال لها يوسف : ألست فعلت بي كذا وكذا؟

__________________

(١) يوسف : ٨٠.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٥٦.

٣٧٦

فقالت : يا نبيّ الله ، لا تلمني ، فإنّي بليت ببليّة لم يبل بها أحد.

قال : وما هي؟ قالت : بليت بحبّك ، ولم يخلق الله لك في الدنيا نظيرا ، وبليت بأنّه لم تكن بمصر امرأة أجمل منّي ، ولا أكثر مالا منّي ، نزع عنّي مالي وذهب عنّي جمالي ، وبليت بزوج عنّين.

فقال لها يوسف : وما حاجتك؟ قالت : تسأل الله أن يردّ عليّ شبابي ، فسأل الله ، فردّ عليها شبابها ، فتزوّجها وهي بكر». قالوا : إنّ العزيز الذي كان زوجها أوّلا كان عنّينا (١).

* س ١٠ : ما هو معنى قوله تعاليك

(ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (١٠٢) وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (١٠٣) وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (١٠٤) وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ)(١٠٥) [يوسف : ١٠٢ ـ ١٠٥]؟!

الجواب / قال عليّ بن إبراهيم : ثمّ قال الله لنبيه : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ) ثمّ قال : (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ).

قال : وقوله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ) قال : الكسوف والزّلزلة والصّواعق (٢).

* س ١١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ) (١٠٦) [يوسف : ١٠٦]؟!

الجواب / وردت روايات عديدة عن طريق أهل البيت عليهم‌السلام في معنى

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٥٧.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٥٧.

٣٧٧

هذه الآية نذكر منها :

١ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «يطيع الشيطان من حيث لا يعلم ، فيشرك» (١).

٢ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام : «شرك طاعة وليس شرك عبادة ، والمعاصي التي يرتكبون فهي شرك طاعة ، أطاعوا فيها الشيطان فأشركوا بالله في الطاعة لغيره ، وليس بإشراك عبادة ، أن يعبدوا غير الله» (٢).

٣ ـ قال أبو جعفر الباقر عليه‌السلام : «من ذلك قول الرجل : لا ، وحياتك» (٣).

٤ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «كانوا يقولون : نمطر بنوء (٤) كذا ، وبنوء كذا لا نمطر. ومنهم أنهم كانوا يأتون الكهّان فيصدّقونهم بما يقولون» (٥).

٥ ـ قال الرضا عليه‌السلام : «شرك لا يبلغ به الكفر» (٦).

٦ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «هو الرجل يقول : لو لا فلان لهلكت ، ولو لا فلان لأصبت كذا وكذا ، ولو لا فلان لضاع عيالي ، ألا ترى أنّه قد جعل لله شريكا في ملكه ، يرزقه ويدفع عنه».

__________________

(١) الكافي : ج ٢ ، ص ٢٩٢ ، ح ٣.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٥٨.

(٣) تفسير العيّاشيّ : ج ٢ ، ص ١٩٩ ، ح ٩٠.

(٤) النوء : سقوط نجم من المنازل في المغرب مع الفجر وطلوع رقيبه من المشرق يقابله من ساعته في كلّ ليلة إلى ثلاثة عشر يوما ، وكانت العرب تضيف الأمطار والرياح والحرّ والبرد إلى الساقط منها ، وقال الأصمعي : إلى الطالع منها في سلطانه ، فتقول : مطرنا بنوء كذا ، والجمع ، أنواء ونوآن. «الصحاح ـ نوأ ـ ج ١ ، ص ٧٩».

(٥) تفسير العيّاشيّ : ج ٢ ، ص ١٩٩ ، ح ٩١.

(٦) تفسير العيّاشيّ : ج ٢ ، ص ١٩٩ ، ح ٩٢.

٣٧٨

قال : قلت : فيقول : لو لا أنّ الله منّ عليّ بفلان لهلكت؟ قال : «نعم ، لا بأس بهذا» (١).

* س ١٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (١٠٧) [يوسف : ١٠٧]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسيّ (رحمه‌الله تعالى) : هذا خطاب لهؤلاء الكفار الذين ذكرهم بأنهم لا يؤمنون إلّا وهم مشركون ، وتوبيخ لهم وتعنيف ، وإن كان متوجها إلى غيرهم ، فهم المعنون به ، يقول : أفآمن هؤلاء الكفار أن تجيئهم غاشية من عذاب ، وهو ما يتغشاهم من عذابه. والغاشية ما يتجلل الشيء بانبساطها عليه ، يقال : غشيه يغشاه ، فهو غاش ، وهي غاشية أو : تجيأهم القيامة بغتة أي فجأة. والبغتة والفجأة والغفلة نظائر ، وهي مجيء الشيء من غير تقدمة. قال يزيد بن مقسم الثقفي :

ولكنهم باتوا ولم أدر بغتة

وأفظع شيء حين يفجؤك البغت

والساعة مقدار من الزمان معروف ، وسمي به القيامة لتعجيل أمرها ، كتعجيل الساعة.

وقوله (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) معناه لا يعلمون بمجيئه ، فلذلك كان بغتة. والشعور إدراك الشيء بما يلطف ، كدقة الشعر يقال : شعر به يشعر شعورا وأشعره بالأمر إشعارا ، ومنه اشتقاق الشاعر لدقة فكره (٢).

__________________

(١) تفسير العيّاشيّ : ج ٢ ، ص ٢٠٠ ، ح ٩٦.

(٢) التبيان : ج ٦ ، ص ٢٠٤.

٣٧٩

* س ١٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١٠٨) [يوسف : ١٠٨]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام.

«يعني عليّا عليه‌السلام أوّل من اتّبعه على الإيمان به والتصديق له بما جاء به من عند الله عزوجل ، من الأمّة التي بعث فيها ومنها وإليها قبل الخلق ، ممّن لم يشرك بالله قطّ ، ولم يلبس إيمانه بظلم وهو الشّرك» (١).

وقال علي بن أسباط : قلت لأبي جعفر الثاني عليه‌السلام : يا سيّدي ، إنّ الناس ينكرون عليك حداثة سنّك.

قال : «وما ينكرون عليّ من ذلك؟ فو الله لقد قال الله لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) فما اتّبعه غير عليّ عليه‌السلام وكان ابن تسع سنين ـ قال ـ وأنا ابن تسع سنين» (٢).

وقال الباقر عليه‌السلام في قوله تعالى : (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي) يعني نفس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّا عليه‌السلام [و] من تبعه : آل محمّد» (٣).

وسأل رجل عمر بن الخطاب ، فقال : يا أمير المؤمنين : ما تفسير (سبحان الله)؟

فقال : إنّ في هذا الحائط رجلا كان إذا سئل أنبأ ، وإذا سكت ابتدأ (٤).

__________________

(١) الكافي : ج ٥ ، ص ١٤ ، ح ١.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٥٨. وأبو جعفر الثاني عليه‌السلام هو الإمام محمد الجواد عليه‌السلام.

(٣) المناقب لابن شهر آشوب : ج ٣ ، ص ٧٢.

(٤) في «ط» : أنبأ.

٣٨٠