التيسير في التفسير للقرآن - ج ٣

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٣

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٢

يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) (١) قال : كانوا يتطهّرون بالماء (٢).

وقال الإمام العسكري عليه‌السلام : «قال موسى بن جعفر عليه‌السلام : فهذا العجل في زمان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هو أبو عامر الراهب الذي سمّاه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الفاسق ، وعاد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غانما ظافرا ، وأبطل الله تعالى كيد المنافقين ، وأمر الله تعالى بإحراق مسجد الضّرار ، وأنزل الله عزوجل (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً) الآيات.

وقال موسى بن جعفر عليهما‌السلام : فهذا العجل في حياته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دمّر الله عليه وأصابه (٣) بقولنج (٤) وفالج وجذام ولقوة (٥) ، وبقي أربعين صباحا في أشدّ عذاب ، ثم صار إلى عذاب الله تعالى» (٦).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام لمحمد بن مسلم ، عن قوله : (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ) : «مسجد قبا».

وأما قوله : (أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ) قال : «يعني : من مسجد النّفاق ، وكان على طريقه إذا أتى مسجد قبا ، فكان ينضح بالماء والسّدر ، ويرفع ثيابه عن ساقيه ، ويمشي على حجر في ناحية الطّريق ، ويسرع المشي ، ويكره أن يصيب ثيابه منه شيء».

__________________

(١) التوبة : ١٠٨.

(٢) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٣٠٥.

(٣) في «ط» : وأصحابه.

(٤) القولنج : مرض معويّ مؤلم يعسر معه خروج الثقل والريح. «القاموس المحيط : ج ١ ، ص ٢١١».

(٥) اللّقوة : مرض يعرض للوجه فيميله إلى أحد جانبيه. «لسان العرب ـ لقا ـ ج ١٥ ، ص ٢٥٣».

(٦) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ص ٤٨٨ ، ح ٣٠٩.

١٨١

فسألته : هل كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلّي في مسجد قبا؟ قال : «نعم ، كان منزله على سعد بن خيثمة الأنصاري».

فسألته : هل كان لمسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سقف؟ فقال : «لا ، وقد كان بعض أصحابه قال : ألا تسقف مسجدنا ، يا رسول الله؟ قال : عريش كعريش موسى» (١).

وقال الحلبي سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله : (فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا) ، قال : «الذين يحبون أن يتطهّروا نظف الوضوء ، وهو الاستنجاء بالماء ـ وقال : ـ نزلت هذه الآية في أهل قبا» (٢).

وفي رواية ابن سنان : عنه عليه‌السلام قال : قلت له : ما ذلك الطّهر؟ قال : «نظف الوضوء إذا خرج أحدهم من الغائط ، فمدحهم الله بتطهّرهم» (٣).

* س ٦٩ : أي مسجد أس بنيانه على شفا جرف هار في قوله تعالى :

(أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (١٠٩) [سورة التوبة : ١٠٩]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : «مسجد الضّرار الذي أسّس على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنّم» (٤).

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ١١١ ، ح ١٣٦.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ١١٢ ، ح ١٣٧.

(٣) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ١١٢ ، ح ١٣٨.

(٤) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٠٥.

١٨٢

* س ٧٠ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (١١٠) [سورة التوبة : ١١٠]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : (إلّا) في موضع (حتّى) تتقطّع قلوبهم والله عليم حكيم ، فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مالك من الدّخشم الخزاعي وعامر بن عديّ أخا بني عمرو بن عوف على أن يهدموه ويحرقوه ، فجاء مالك فقال لعامر : انتظرني حتى أخرج نارا من منزلي. فدخل وجاء بنار وأشعل في سعف النّخل ، ثم أشعله في المسجد فتفرّقوا ، وقعد زيد بن حارثة حتى احترقت البنيّة ، ثم أمر بهدم حائطه (١).

وقال الطّبرسي : عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «إلى أن تقطّع» (٢).

* س ٧١ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١١١) التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (١١٢) [سورة التوبة : ١١٢ ـ ١١١]؟!

الجواب / قال أبو عمرو الزّبيري قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أخبرني عن الدّعاء إلى الله والجهاد في سبيله ، أهو لقوم لا يحلّ إلّا لهم ، ولا يقوم به إلا من كان منهم ، أم هو مباح لكلّ من وحّد الله عزوجل وآمن برسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٠٥.

(٢) مجمع البيان : ج ٥ ، ص ١٠٦.

١٨٣

كان كذا فله أن يدعو إلى الله عزوجل وإلى طاعته ، وأن يجاهد في سبيله؟ فقال : «ذلك لقوم لا يحلّ إلا لهم ، ولا يقوم بذلك إلا من كان منهم».

قلت : من أولئك؟ قال : «من قام بشرائط الله عزوجل في القتال والجهاد على المجاهدين فهو المأذون له في الدعاء إلى الله عزوجل ، ومن لم يكن قائما بشرائط الله عزوجل في الجهاد على المجاهدين فليس بمأذون له في الجهاد ، ولا الدعاء إلى الله حتى يحكم في نفسه ما أخذ الله عليه من شرائط الجهاد».

قلت : فبين لي ، يرحمك الله. قال : «إنّ الله عزوجل أخبر نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كتابه بالدعاء إليه ، ووصف الدعاة إليه ، فجعل ذلك لهم درجات ، يعرّف بعضها بعضا ، ويستدل ببعضها على بعض ، فأخبر أنّه تبارك وتعالى أول من دعا إلى نفسه ودعا إلى طاعته واتّباع أمره ، فبدأ بنفسه ، فقال : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (١) ثمّ ثنى برسوله ، فقال : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (٢) يعني بالقرآن ، ولم يكن داعيا إلى الله عزوجل من خالف أمر الله ويدعو إليه بغير ما أمر به في كتابه ، والذي أمر ألّا يدعى إلّا به. وقال في نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٣) يقول : تدعو. ثمّ ثلّث بالدعاء إليه بكتابه أيضا ، فقال تبارك وتعالى : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) أي يدعو (وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ) (٤).

ثمّ ذكر من أذن له في الدعاء إليه بعده وبعد رسوله في كتابه ، فقال : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ

__________________

(١) يونس : ٢٥.

(٢) النحل : ١٢٥.

(٣) الشورى : ٥٢.

(٤) الإسراء : ٩.

١٨٤

الْمُفْلِحُونَ) (١) ثمّ أخبر عن هذه الأمّة ، وممّن هي ، وأنّها من ذريّة إبراهيم وذريّة إسماعيل من سكّان الحرم ، ممّن لم يعبدوا غير الله قطّ ، الذين وجبت لهم الدّعوة دعوة إبراهيم وإسماعيل ، من أهل المسجد ، الذين أخبر عنهم في كتابه أنّه أذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا ، الذين وصفناهم قبل هذا في صفة أمّة إبراهيم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الذين عناهم الله تبارك وتعالى في قوله : (أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) (٢) يعني أوّل من اتّبعه على الإيمان به والتّصديق له فيما جاء به من عند الله عزوجل من الأمّة التي بعث فيها ومنها وإليها قبل الخلق ، ممّن لم يشرك بالله قط ، ولم يلبس إيمانه بظلم وهو الشّرك.

ثمّ ذكر أتباع نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأتباع هذه الأمّة التي وصفها في كتابه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وجعلها داعية إليه ، وأذن لها في الدعاء إليه ، فقال : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٣).

ثمّ وصف أتباع نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المؤمنين ، فقال الله عزوجل : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ) (٤) وقال : (يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) (٥) يعني أولئك المؤمنين. وقال : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) (٦).

ثمّ حلّاهم ووصفهم كيلا يطمع في اللّحاق بهم إلا من كان منهم ، فقال فيما حلّاهم به ووصفهم : (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) إلى قوله : (أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها

__________________

(١) آل عمران : ١٠٤.

(٢) يوسف : ١٠٨.

(٣) الأنفال : ٦٤.

(٤) الفتح : ٢٩.

(٥) التحريم : ٨.

(٦) المؤمنون : ١.

١٨٥

خالِدُونَ) (١) وقال في صفتهم وحليتهم أيضا : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً) (٢) ثمّ أخبر أنّه اشترى من هؤلاء المؤمنين ومن كان على مثل صفتهم (أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ) ثمّ ذكر وفاءهم له بعهده وميثاقه ومبايعته ، فقال : (وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

فلمّا نزلت هذه الآية (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) قام رجل إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا نبيّ الله ، أرأيتك الرّجل يأخذ سيفه فيقاتل حتى يقتل إلا أنه يقترف من هذه المحارم ، أشهيد هو؟ فأنزل الله عزوجل على رسوله (التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) ففسّر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المجاهدين من المؤمنين الذين هذه صفتهم وحليتهم بالشّهادة والجنّة ، وقال : التائبون من الذنوب ، العابدون الذين لا يعبدون إلّا الله ، ولا يشركون به شيئا ، الحامدون الذين يحمدون الله على كلّ حال في الشّدّة والرّخاء ، السائحون وهم الصائمون ، الراكعون الساجدون الذين يواظبون على الصّلوات الخمس ، والحافظون لها والمحافظون عليها بركوعها وسجودها وفي الخشوع فيها وفي أوقاتها ، الآمرون بالمعروف بعد ذلك والعاملون به ، والناهون عن المنكر والمنتهون عنه.

قال : فبشّر من قتل وهو قائم بهذه الشروط بالشهادة والجنّة ، ثمّ أخبر

__________________

(١) المؤمنون : ١٠ ـ ١١.

(٢) الفرقان : ٦٨ ـ ٦٩.

١٨٦

تبارك وتعالى أنّه لم يأمر بالقتال إلّا أصحاب هذه الشروط ، فقال عزوجل : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا) (١) وذلك أنّ جميع ما بين السّماء والأرض لله عزوجل ولرسوله ولأتباعهما من المؤمنين من أهل هذه الصفة ، فما كان من الدنيا في أيدي المشركين والكفّار والظّلمة والفجّار من أهل الخلاف لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين ، والمولّي عن طاعتهما ، مما كان في أيديهم ظلموا فيه المؤمنين من أهل هذه الصّفات ، وغلبوهم عليه ممّا أفاء الله على رسوله ، فهو حقّهم أفاء الله عليهم وردّه إليهم.

وإنّما معنى الفيء كل ما صار إلى المشركين ثم رجع مما كان قد غلب عليه (٢) أو فيه ، فما رجع إلى مكانه من قول أو فعل فقد فاء ، مثل قول الله عزوجل : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٣) أي رجعوا ، ثمّ قال : (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٤) وقال : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) أي ترجع (فَإِنْ فاءَتْ) أي رجعت (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (٥) يعني بقوله : (تَفِيءَ) أي ترجع ، فذلك الدّليل على أنّ الفيء كلّ راجع إلى مكان قد كان عليه أو فيه ، يقال للشّمس إذا زالت : قد فاءت ، حين يفيء الفيء عند رجوع الشمس إلى زوالها ، وكذلك ما أفاء الله على المؤمنين من الكفّار ، فإنّما هي حقوق المؤمنين رجعت إليهم بعد ظلم الكفّار إياهم ، فذلك قوله : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) ما كان المؤمنون أحقّ به منهم.

__________________

(١) الحج : ٣٩ ـ ٤٠.

(٢) في «ط» : مما كان عليه.

(٣) البقرة : ٢٢٦.

(٤) البقرة : ٢٢٧.

(٥) الحجرات : ٩.

١٨٧

وإنّما أذن للمؤمنين الذين قاموا بشرائط الإيمان التي وصفناها ، وذلك أنّه لا يكون مأذونا له في القتال حتى يكون مظلوما ، ولا يكن مظلوما حتى يكون مؤمنا ، ولا يكون مؤمنا حتى يكون قائما بشرائط الإيمان التي اشترط الله عزوجل على المؤمنين والمجاهدين. فإذا تكاملت فيه شرائط الله عزوجل كان مؤمنا ، وإذا كان مؤمنا كان مظلوما ، وإذا كان مظلوما كان مأذونا له في الجهاد ، لقوله عزوجل : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) وإن لم يكن مستكملا لشرائط الإيمان فهو ظالم ، ممّن ينبغي ويجب جهاده حتى يتوب إلى الله ، وليس مثله مأذونا له في الجهاد والدعاء إلى الله عزوجل ، لأنّه ليس من المؤمنين المظلومين الذين أذن لهم في القرآن في القتال. فلمّا نزلت هذه الآية : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) في المهاجرين الذين أخرجهم أهل مكة من ديارهم وأموالهم ، أحلّ لهم جهادهم بظلمهم إيّاهم ، وأذن لهم في القتال».

فقلت : فهذه نزلت في المهاجرين ، بظلم مشركي أهل مكّة لهم ، فما بالهم في قتالهم كسرى وقيصر ومن دونهم من مشركي قبائل العرب؟

فقال : «لو كان إنّما أذن لهم في قتال من ظلمهم من أهل مكّة فقط ، لم يكن لهم إلى قتال كسرى وقيصر وغير أهل مكة من قبائل العرب سبيل ، لأن الذين ظلموهم غيرهم ، وإنّما أذن لهم في قتال من ظلمهم من أهل مكّة ، لإخراجهم إياهم من ديارهم وأموالهم بغير حقّ ، ولو كانت الآية إنّما عنت المهاجرين الذين ظلمهم أهل مكة ، كانت الآية مرتفعة الفرض عمّن بعدهم ، إذ لم يبق من الظالمين والمظلومين أحد ، وكان فرضها مرفوعا عن الناس بعدهم إذ لم يبق من الظالمين والمظلومين أحد.

وليس كما ظننت ، ولا كما ذكرت ، ولكنّ المهاجرين ظلموا من جهتين : ظلمهم أهل مكّة بإخراجهم من ديارهم وأموالهم ، فقاتلوهم بإذن الله

١٨٨

لهم في ذلك ، وظلمهم كسرى وقيصر ومن كان دونهم من قبائل العرب والعجم بما كان في أيديهم ممّا كان المؤمنون أحقّ به دونهم ، فقد قاتلوهم بإذن الله عزوجل لهم في ذلك ، وبحجّة هذه الآية يقاتل مؤمنو كلّ زمان.

وإنما أذن الله عزوجل للمؤمنين ، الذين قاموا بما وصف الله عزوجل من الشّرائط التي شرطها الله عزوجل على المؤمنين في الإيمان والجهاد ، ومن كان قائما بتلك الشّرائط فهو مؤمن ، وهو مظلوم ، ومأذون له في الجهاد بذلك المعنى. ومن كان على خلاف ذلك فهو ظالم ، وليس من المظلومين ، وليس بمأذون له في القتال ، ولا بالنّهي عن المنكر والأمر بالمعروف ، لأنه ليس من أهل ذلك ، ولا مأذون له في الدعاء إلى الله عزوجل ، لأنه ليس يجاهد مثله وأمر بدعائه إلى الله عزوجل ، ولا يكون مجاهدا من قد أمر المؤمنون بجهاد ، وحظر الجهاد عليه ومنعه منه ، ولا يكون داعيا إلى الله عزوجل من أمر بدعاء مثله إلى التّوبة والحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولا يأمر بالمعروف من قد أمر أن يؤمر به ، ولا ينهى عن المنكر من قد أمر أن ينهى عنه.

فمن كان قد تمّت فيه شرائط الله عزوجل التي وصف الله بها أهلها من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو مظلوم ، فهو مأذون له في الجهاد ، كما أذن لهم في الجهاد بذلك المعنى ، لأنّ حكم الله عزوجل في الأوّلين والآخرين وفرائضه عليهم سواء ، إلّا من علّة أو حادث يكون ، والأوّلون والآخرون أيضا في منع الحوادث شركاء ، والفرائض عليهم واحدة ، يسأل الآخرون عن أداء الفرائض كما يسأل عنه الأوّلون ، ويحاسبون عما به يحاسبون ، ومن لم يكن على صفة من أذن الله له في الجهاد من المؤمنين ، فليس من أهل الجهاد ، وليس بمأذون له فيه حتى يفيء بما شرط الله عزوجل عليه ، فإذا تكاملت فيه شرائط الله عزوجل على المؤمنين والمجاهدين فهو من المأذونين لهم في الجهاد.

١٨٩

فليتّق الله عزوجل عبد لا يغترّ بالأمانيّ التي نهى الله عزوجل عنها من هذه الأحاديث الكاذبة على الله التي يكذّبها القرآن ، ويتبرّأ منها ومن حملتها ورواتها ، ولا يقدم على الله عزوجل بشبهة لا يعذر بها ، فإنه ليس وراء المتعرّض للقتل في سبيل الله منزلة يؤتى الله من قبلها وهي غاية الأعمال في عظم قدرها. فليحكم امرؤ لنفسه وليرها كتاب الله عزوجل ويعرضها عليه ، فإنه لا أحد أعرف بالمرء من نفسه ، فإن وجدها قائمة بما شرط الله عليه في الجهاد فليقدم على الجهاد ، وإن علم تقصيرا فليصلحها ، وليقمها على ما فرض الله عليها من الجهاد ، ثم ليقدم بها وهي طاهرة مطهّرة من كلّ دنس يحول بينها وبين جهادها.

ولسنا نقول لمن أراد الجهاد وهو على خلاف ما وصفنا من شرائط الله عزوجل على المؤمنين والمجاهدين : لا تجاهدوا. ولكن نقول : قد علّمناكم ما شرط الله عزوجل على أهل الجهاد الذين بايعهم واشترى منهم أنفسهم وأموالهم بالجنان. فليصلح امرؤ ما علم من نفسه من تقصير عن ذلك ، وليعرضها على شرائط الله عزوجل ، فإن رأى أنّه قد وفى بها وتكاملت فيه ، فإنّه ممّن أذن الله عزوجل له في الجهاد ، وإن أبى إلّا أن يكون مجاهدا على ما فيه من الإصرار على المعاصي والمحارم والإقدام على الجهاد بالتّخبيط والعمى ، والقدوم على الله عزوجل بالجهل والروايات الكاذبة ، فلقد ـ لعمري ـ جاء الأثر فيمن فعل هذا الفعل. إنّ الله عزوجل ينصر هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم. فليتّق الله عزوجل امرؤ ، وليحذر أن يكون منهم ، فقد بيّن لكم ولا عذر لكم بعد البيان في الجهل ، ولا قوّة إلّا بالله ، وحسبنا الله عليه توكلنا وإليه المصير» (١).

__________________

(١) الكافي : ج ٥ ، ص ١٣ ، ح ١.

١٩٠

وقال أبو بصير : تلوت : «التائبون العابدون» فقال أبو جعفر عليه‌السلام : «لا ، اقرأ : التائبين العابدين ، إلى آخرها». فسئل عن العلّة في ذلك؟ فقال : «اشترى من المؤمنين التائبين العابدين» (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من أخذ سارقا فعفا عنه فذلك له ، فإن رفعه إلى الإمام قطعه ، فإن قال له الذي سرق له : أنا أهب له. لم يدعه الإمام حتى يقطعه إذا رفع إليه ، وإنّما الهبة قبل الترافع إلى الإمام ، وذلك قول الله عزوجل : (وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ) فإن انتهى الحدّ إلى الإمام فليس لأحد أن يتركه» (٢).

* س ٧٢ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) (١١٣) [سورة التوبة : ١١٣]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : أخبر الله تعالى أنه لم يكن (لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا) ومعناه أن يطلبوا المغفرة (لِلْمُشْرِكِينَ) الذين يعبدون مع الله إلها آخر والذين لا يوحدونه ولا يقرون بإلاهيته «وإن كان» الذي يطلب لهم المغفرة أقرب الناس إليهم بعد أن يعلموا أنهم كفار مستحقون للخلود في النار. والقربى معناه القرب في النسب بالرجوع إلى أب أو أم بإضافة قريبة. ومعنى قوله (وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى) أي القرابة وإن دعت إلى الحنو والرقة ، فإنه لا يلتفت إلى دعائها في الخصلة التي نهى الله عنها (٣).

__________________

(١) الكافي : ج ٨ ، ص ٣٧٧ ، ح ٥٦٩.

(٢) الكافي : ج ٧ ، ص ٢٥١ ، ح ١.

(٣) التبيان : ج ٥ ، ص ٣٠١ الشيخ الطوسي.

١٩١

* س ٧٣ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) (١١٤) [سورة التوبة : ١١٤]؟!

الجواب / في رواية أبو إسحاق الهمداني ، [رفعه] عن رجل (١) ، قال : صلّى رجل إلى جنبي فاستغفر لأبويه ، وكانا ماتا في الجاهليّة ، فقلت : تستغفر لأبويك وقد ماتا في الجاهليّة؟ فقال : قد استغفر إبراهيم لأبيه ، فلم أدر ما أردّ عليه ، فذكرت ذلك للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأنزل الله (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) ، قال : لمّا مات تبيّن أنّه عدوّ لله فلم يستغفر له (٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «الأوّاه : هو الدّعاء» (٣).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا : «الأوّاه : المتضرّع إلى الله في صلاته ، وإذا خلا في قفرة من الأرض وفي الخلوات» (٤).

* س ٧٤ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١٥) إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (١١٦) [سورة التوبة : ١١٦ ـ ١١٥]؟!

الجواب / ١ ـ قال عبد الأعلى : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أصلحك الله ، هل جعل في الناس أداة ينالون بها المعرفة؟ قال : فقال : «لا».

__________________

(١) في «ط» : عن أبي إسحاق الهمداني ، عن الخليل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ١١٤ ، ح ١٤٨.

(٣) الكافي : ج ٢ ، ص ٣٣٨ ، ح ١.

(٤) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٠٦.

١٩٢

قلت : فهل كلّفوا المعرفة؟ قال : «لا ، على الله البيان (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) (١) و (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها) (٢)».

قال : وسألته عن قوله : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ) ، قال : «حتى يعرّفهم ما يرضيه وما يسخطه» (٣).

٢ ـ قال الشيخ الطبرسي : في مجمع البيان : (إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الملك : أتساع المقدور لمن له السياسة والتدبير (يُحْيِي وَيُمِيتُ) أي : يحيي الجماد ، ويميت الحيوان (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) أي : ليس لكم سواه حافظ يحفظكم ، وولي يتولى أمركم ، ولا ناصر ينصركم ، ويدفع العذاب عنكم.

* س ٧٥ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١١٧) وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (١١٨) [سورة التوبة : ١١٨ ـ ١١٧]؟!

الجواب / تقدّم عند ذكر غزوة تبوك من رواية علي بن إبراهيم أنّها نزلت في أبي ذر ، وأبي خيثمة ، وعميرة بن وهب ، الذين تخلفوا ثم لحقوا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤). وقال العالم عليه‌السلام : «إنّما أنزل (وعلى الثلاثة الذين خالفوا) ولو خلّفوا لم يكن عليهم عيب (حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ)

__________________

(١) البقرة : ٢٨٦.

(٢) الطلاق : ٧.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ١٢٥ ، ح ٥. والتوحيد : ص ٤١١ ، ح ٤ وص ٤١٤ ح ١١.

(٤) تقدم في الحديث من تفسير الآيات (٤٤ ـ ٤٧) من هذه السورة.

١٩٣

حيث لم يكلّمهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا إخوانهم ولا أهلوهم ، فضاقت عليهم المدينة حتى خرجوا منها ، وضاقت عليهم أنفسهم حيث حلفوا أن لا يكلّم بعضهم بعضا ، فتفرّقوا وتاب الله عليهم لمّا عرف من صدق نيّاتهم» (١).

وقد تقدّم ذكر ذلك عند ذكر غزاة تبوك من السورة بزيادة ، وتقدم أن الثلاثة : كعب بن مالك الشاعر ، ومرارة بن الرّبيع ، وهلال بن أميّة الرافعي ، تقدم مستوفى في رواية عليّ بن إبراهيم (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام لفيض بن المختار : كيف تقرأ (عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا)؟ قلت : (خُلِّفُوا).

قال : «لو كان (خلّفوا) لكانوا في حال طاعة ، ولكنّهم خالفوا ، عثمان وصاحباه ، أما والله ما سمعوا صوت حافر ولا قعقعة حجر إلّا قالوا أتينا ، فسلّط الله عليهم الخوف حتى أصبحوا» (٣).

وفي (نهج البيان) : روي أنّ السبت في هذه الآية عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه‌السلام : «أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا توجّه إلى غزاة تبوك تخلّف عنه كعب ابن مالك الشاعر ، ومرارة بن الرّبيع ، وهلال بن أميّة الرافعي ، تخلّفوا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أن يتحوّجوا ويلحقوه ، فلهوا بأموالهم وحوائجهم عن ذلك ، وندموا وتابوا ، فلمّا رجع النبيّ مظفّرا منصورا أعرض عنهم ، فخرجوا على وجوههم وهاموا في البريّة مع الوحوش ، وندموا أصدق ندامة ، وخافوا أن لا يقبل الله توبتهم ورسوله لإعراضه عنهم ، فنزل جبرئيل عليه‌السلام فتلا على النبيّ ، فأنفذ إليهم من جاء بهم ، فتلا عليهم ، وعرّفهم أنّ الله قد قبل توبتهم» (٤).

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٢٩٧.

(٢) تقدم الحديث من تفسير الآيات (٤٤ ـ ٤٧) من هذه السورة.

(٣) الكافي : ج ٨ ، ص ٣٧٧ ، ح ٥٦٨.

(٤) نهج البيان : ج ٢ ، ص ١٤١ (مخطوط).

١٩٤

وقال أبو جعفر عليه‌السلام في قوله : (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا) : «أقالهم ، فو الله ما تابوا» (١).

وقرأ أبو عبد الله عليه‌السلام : «لقد تاب الله بالنبيّ على المهاجرين والأنصار».

وقال أبان بن تغلب : قلت له : يا بن رسول الله ، إنّ العامّة لا تقرأ كما عندك؟ قال : «وكيف تقرأ ، يا أبان؟».

قال : قلت إنها تقرأ : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ)(٢). فقال : «ويلهم ، وأيّ ذنب كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى تاب الله عليه منه ، إنما تاب الله به على أمّته» (٣).

* س ٧٦ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (١١٩) [سورة التوبة : ١١٩]؟!

الجواب / قال سليم بن قيس الهلالي : ـ في حديث المناشدة ـ قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «فأنشدتكم الله جلّ اسمه ، أتعلمون أنّ الله أنزل (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) ، فقال سلمان : يا رسول الله ، أعامّة هي أم خاصّة؟ فقال : أمّا المؤمنون فعامّة لأنّ جماعة المؤمنين أمروا بذلك ، وأمّا الصادقون فخاصّة لأخي عليّ والأوصياء من بعده إلى يوم القيامة؟». قالوا : اللهمّ نعم (٤).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في قوله : (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) : «بطاعتهم» (٥).

__________________

(١) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ١١٦ ، ح ١٥٤.

(٢) التوبة : ١١٧.

(٣) الاحتجاج : ٧٦.

(٤) كتاب سليم بن قيس : ١٥٠.

(٥) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ١١٧ ، ح ١٥٦.

١٩٥

* س ٧٧ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١٢٠) وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٢١) [سورة التوبة : ١٢١ ـ ١٢٠]؟!

الجواب / قال عليّ بن إبراهيم : قوله تعالى : (ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ) : أي عطش (وَلا نَصَبٌ) أي عناء (وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ) أي جوع (وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ) يعني لا يدخلون بلاد الكفّار (وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً) يعني قتلا وأسرا (إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) وقوله : (وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) ، قال : كلّما فعلوا من ذلك لله جازاهم الله عليه (١).

* س ٧٨ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (١٢٢) [سورة التوبة : ١٢٢]؟!

الجواب / قال يعقوب بن شعيب : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إذا حدث ،

__________________

(١) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٠٧.

١٩٦

على الإمام حدثّ ، كيف يصنع الناس؟ قال : «أين قول الله عزوجل : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ!) ـ قال ـ هم في عذر ما داموا في الطّلب ، وهؤلاء الذين ينتظرونهم في عذر حتى يرجع إليهم أصحابهم» (١).

وقال أبو بصير : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «تفقّهوا ، فإن من لم يتفقّه منكم فإنّه أعرابيّ ، إن الله يقول في كتابه : (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) إلى قوله : (يَحْذَرُونَ)(٢).

وقال الطبرسي : قال الباقر عليه‌السلام : «كان هذا حين كثر الناس فأمرهم الله سبحانه أن تنفر منهم طائفة وتقيم طائفة للتفقّه ، وأن يكون الغزو نوبا» (٣).

وقال علي بن إبراهيم القميّ : في قوله تعالى : (لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) : كي يعرفوا اليقين» (٤).

قال عبد المؤمن الأنصاري : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إنّ قوما يروون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «اختلاف أمّتي رحمة؟» فقال : «صدقوا».

فقلت : إن كان اختلافهم رحمة فاجتماعهم عذاب؟ فقال : «ليس حيث تذهب وذهبوا ، إنّما أراد قول الله تعالى : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) فأمرهم الله أن ينفروا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويختلفوا إليه فيتعلّموا ، ثم يرجعوا إلى قومهم فيعلّموهم ، إنما أراد اختلافهم من البلدان لا اختلافا في الدّين ، إنما الدّين واحد ، إنّما الدين واحد» (٥).

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ٣٠٩ ، ح ١.

(٢) تفسير العيّاشي : ج ٢ ، ص ١١٨ ، ح ١٦٢.

(٣) مجمع البيان : ج ٥ ، ص ١٢٦.

(٤) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٠٧.

(٥) علل الشرائع : ص ٨٥ ، ح ٤.

١٩٧

* س ٧٩ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (١٢٣) [سورة التوبة : ١٢٣]؟!

الجواب / قال جعفر بن محمّد عليه‌السلام في قول الله تبارك وتعالى : (قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ) ، قال : «الديلم» (١).

وقال علي بن إبراهيم : يجب على كلّ قوم أن يقاتلوا من يليهم ممّن يقرب من بلادهم من الكفّار ، ولا يجوزوا ذلك الموضع ، والغلظة : أي أغلظوا لهم القول والفعل (٢).

* س ٨٠ : ما هو تفسير قوله تعالى :

(وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ) (١٢٥) [سورة التوبة : ١٢٥ ـ ١٢٤]؟!

الجواب / قال أبو عمرو الزّبيري : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أيّها العالم ، أخبرني أيّ الأعمال أفضل عند الله؟ قال : «ما لا يقبل الله شيئا إلّا به».

قلت : وما هو؟ قال : «الإيمان بالله الذي لا إله إلّا هو ، أعلى الأعمال درجة ، وأشرفها منزلة ، وأسناها حظّا».

قال : قلت : ألا تخبرني عن الإيمان ، أقول هو وعمل ، أم قول بلا عمل؟ فقال : «الإيمان عمل كلّه ، والقول بعض ذلك العمل ، بفرض من الله بيّن في كتابه ، واضح نوره ، ثابتة حجّته ، يشهد له به الكتاب ، ويدعوه إليه».

__________________

(١) التهذيب : ج ٦ ، ص ١٧٤ ، ح ٣٤٥.

(٢) تفسير القميّ : ج ١ ، ص ٣٠٧.

١٩٨

قال : قلت له : صفه لي ـ جعلت فداك ـ حتى أفهمه. قال : «الإيمان حالات ودرجات وطبقات ومنازل ، فمنه التّامّ المنتهي تمامه ، ومنه الناقص البيّن نقصانه ، ومنه الراجح الزائد رجحانه».

قلت : إنّ الإيمان ليتمّ وينقص ويزيد؟ قال : «نعم».

قلت : كيف ذاك؟ قال : «لأن الله تبارك وتعالى فرض الإيمان على جوارح ابن آدم ، وقسّمه عليها ، وفرّقه فيها ، فليس من جوارحه جارحة إلّا وقد وكّلت من الإيمان بغير ما وكّلت به أختها ، فمنها قلبه الذي به يعقل ويفقه ويفهم ، وهو أمير بدنه الذي لا ترد الجوارح ولا تصدر إلّا عن رأيه وأمره ، ومنها عيناه اللّتان يبصر بهما ، وأذناه اللّتان يسمع بهما ، ويداه اللتان يبطش بهما ، ورجلاه اللّتان يمشي بهما ، وفرجه الذي الباه من قبله ، ولسانه الذي ينطق به ، ورأسه الذي فيه وجهه.

فليس من هذه جارحة إلّا وقد وكّلت من الإيمان بغير ما وكّلت به أختها ، بفرض من الله تبارك وتعالى اسمه ، ينطق به الكتاب لها ، ويشهد به عليها ، ففرض على القلب غير ما فرض على السّمع ، وفرض على السّمع غير ما فرض على العينين ، وفرض على العينين غير ما فرض على اللسان ، وفرض على اللسان غير ما فرض على اليدين ، وفرض على اليدين غير ما فرض على الرّجلين ، وفرض على الرجلين غير ما فرض على الفرج ، وفرض على الفرج غير ما فرض على الوجه.

فأمّا ما فرض على القلب من الإيمان فالإقرار والمعرفة والمحبّة والرّضا والتسليم بأن لا إله إلّا الله ، وحده لا شريك له ، إلها واحدا لم يتّخذ صاحبة ولا ولدا ، وأنّ محمدا عبده ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والإقرار بما جاء من عند الله من نبيّ أو كتاب ، فذلك ما فرض الله على القلب من الإقرار والمعرفة ، وهو عمله ، وهو قول الله عزوجل : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ

١٩٩

بِالْكُفْرِ صَدْراً)(١) ، وقال : (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)(٢) وقال : (الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ)(٣) ، وقال : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ)(٤) ، فذلك ما فرض الله عزوجل على القلب من الإقرار والمعرفة وهو عمله وهو رأس الإيمان.

وفرض الله على اللّسان القول والتعبير عن القلب بما عقد عليه وأقرّ به ، قال الله تبارك وتعالى : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً)(٥) ، وقال : (وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)(٦) ، فهذا ما فرض الله على اللّسان ، وهو عمله.

وفرض على السّمع أن يتنزّه عن الاستماع إلى ما حرّم الله ، وأن يعرض عمّا لا يحلّ له مما نهى الله عزوجل عنه ، والإصغاء إلى ما أسخط الله عزوجل ، فقال في ذلك : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ)(٧) ، ثم استثنى عزوجل موضع النسيان ، فقال : (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)(٨) ، وقال : (فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ

__________________

(١) النحل : ١٠٦.

(٢) الرعد : ٢٨.

(٣) المائدة : ٤١.

(٤) البقرة : ٢٨٤.

(٥) البقرة : ٨٣.

(٦) العنكبوت : ٤٦.

(٧) النساء : ١٤٠.

(٨) الأنعام : ٦٨.

٢٠٠