البيان في غريب إعراب القرآن - ج ٢

أبو البركات بن الأنباري

البيان في غريب إعراب القرآن - ج ٢

المؤلف:

أبو البركات بن الأنباري


المحقق: الدكتور طه عبد الحميد طه
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب
الطبعة: ٢
ISBN: 977-419-179-X
الصفحات: ٥٧٦
الجزء ١ الجزء ٢

كعلّامة ونسّابة. وقيل : فى الكلام تقديم وتأخير ، وتقديره ، وما أرسلناك إلا للناس كافة. وكافة ، مصدر كالعاقبة والعافية.

قوله تعالى : (قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ) (٣٠).

ميعاد ، مرفوع لأنه مبتدأ. ولكم ، خبره ، والهاء فى (عنه) عائدة على (الميعاد) ، وعلى هذا لو أضفت (يوم) إلى ما بعده فقلت : يوم لا تستأخرون عنه ، لكان جائزا ، ولو جعلت الهاء عائدة على (يوم) لما جاز أن تضيف (يوما) إلى ما بعده ، لأنه يؤدى إلى إضافة الشىء إلى نفسه ، وذلك لأنك إذا أضفت (اليوم) إلى جملة فيها (هاء) هى اليوم ، فقد أضفت إلى الهاء وهو هى.

قوله تعالى : (لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) (٣١).

أنتم ، ضمير المرفوع المنفصل ، وهو فى موضع رفع بالابتداء وخبره محذوف ، ولا يجوز إظهاره لطول الكلام بالجواب ، وذهب أبو العباس المبرد إلى أنه لا يجوز أن يأتى بعد لو لا إلا الضمير المرفوع المنفصل ، ولا يجوز أن يأتى بعده الضمير المتصل ، نحو ، لولاى ولولاك. وذهب سيبويه إلى أنه جائز ، وأنه فى موضع جر ، والظاهر أنه فى موضع رفع كالضمير المنفصل ، وقد بينا دلك مستوفى فى كتاب الإنصاف فى مسائل الخلاف (١).

قوله تعالى : (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلَّا مَنْ آمَنَ) (٣٧).

بالتى ، فى موضع نصب لأنه خبر (ما) ، ودخلت الباء فى خبر (ما) لتكون بإزاء اللام فى خبر (إنّ) ، لأن (إنّ) للإثبات و (ما) للنفى ، فيكون ، ما زيد بقائم. جوابا

__________________

(١) المسألة ٩٧ الإنصاف ٢ / ٤٠١.

٢٨١

لمن قال : إن زيدا لقائم. وقال الفراء : أراد (بالتى) الأموال والأولاد ، وذهب قوم إلى أنه أراد (بالتى تقربكم) الأولاد خاصة ، وتقديره ، وما أموالكم بالتى تقربكم عندنا زلفى ، ولا أولادكم بالتى تقربكم ، إلا أنه حذف خبر الأموال لدلالة الثانى عليه ، ونظائره كثيرة فى كلامهم. وزلفى فى موضع نصب على المصدر.

وإلّا من آمن. من ، فى موضع نصب على الاستثناء ، ولا يجوز أن يكون منصوبا على البدل من الكاف والميم فى (تقربكم) ، لأن المخاطب لا يبدل منه ، وقد جاء بدل الغائب من المخاطب ، بإعادة العامل فى قوله تعالى :

(لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)(١)

أبدل منه بإعادة الجار ، فقال : (لِمَنْ كانَ يَرْجُوا).

قوله تعالى : (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) (٤٥).

نكير ، مصدر بمعنى (إنكارى) وهو مصدر بمنزلة عذير. فى قول الشاعر :

١٥٢ ـ عذير الحىّ من عدوا

ن كانوا حيّة الأرض (٢)

قوله تعالى : (قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى) (٤٦).

أن تقوموا ، يحتمل أن يكون فى موضع جر ورفع ونصب. فالجر على البدل من قوله (بواحدة) وتقديره ، إنما أعظكم بأن تقوموا لله مثنى وفرادى. والرفع على أن يكون

__________________

(١) ٦ سورة الممتحنة.

(٢) البيت من شواهد سيبويه وهو لذى الأصبع العدوانى ١ / ١٣٩. عدوان : اسم قبيلة ـ كانوا حية الوادى : كانوا يتقى منهم لكثرتهم وعزتهم كما يتقى من الحية المنكرة والشاهد فيه نصب (عذير) ووضعه موضع الفعل بدلا منه ، والمعنى هات عذرك ، أو قرب عذرك. واختلف فى (العذير) فمنهم من جعله مصدرا بمعنى العذر وهو مذهب سيبويه ومنهم من جعله بمعنى عاذر كعليم وعالم.

٢٨٢

خبر مبتدأ محذوف ، وتقديره وهى أن تقوموا لله. والنصب على تقدير حذف حرف الجر ، وهو اللام وتقديره ، لأن تقوموا لله مثنى وفرادى ، فحذفت اللام تخفيفا. ومثنى وفرادى ، منصوبان على الحال من الواو فى (تقوموا).

قوله تعالى : (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) (٤٨).

(قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ) (٤٩).

علام الغيوب ، يجوز فيه الرفع والنصب.

فالرفع من خمسة أوجه.

الأول : أن يكون مرفوعا على أنه خبر ثان بعد أول ، فالأول (يقذف) ، والثانى (عَلَّامُ الْغُيُوبِ).

والثانى : أن يكون مرفوعا على البدل من المضمر المرفوع فى (يقذف).

والثالث : أن يكون خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، هو علام الغيوب.

والرابع : أن يكون بدلا من (رب) على الموضع وموضعه الرفع.

والخامس : أن يكون وصفا ل (رب) على الموضع ، وفى حمل وصف اسم (إن) على الموضع خلاف.

والنصب من وجهين.

أحدهما : على الوصف ل (رب).

والثانى : على البدل منه.

وما يبدئ الباطل وما يعيد. (ما) فى موضع نصب ، وتقديره ، أىّ شىء يبدئ الباطل وأىّ شىء يعيد.

قوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ) (٥١).

جواب (لو) محذوف ، وتقديره لو ترى لتعجبت. وفزعوا ، جملة فعلية فى موضع جر باضافة (إذ) إليها. وأخذوا ، جملة فعلية أخرى عطف عليها.

٢٨٣

قوله تعالى : (وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ) (٥٢).

قرئ (التناوش) بالهمز وترك الهمز. فمن قرأ بالهمز أتى به على الأصل ، والأصل فى (التناوش) الهمز ، ومعناه التأخر. ومنه قول الشاعر :

١٥٣ ـ تمنّى نئيشا أن يكون أطاعنى

وقد حدثت بعد الأمور أمور (١)

نئيشا ، أى أخيرا ، وهو منصوب على الظرف. ومن قرأ بترك الهمز ، ففيه وجهان.

أحدهما : أن يكون على إبدال الهمزة واوا.

والثانى : أن يكون (التناوش) بمعنى التناول من ناش ينوش إذا تناول كقول الشاعر :

وهى تنوش الحوض نوشا من علا

نوشا به تقطع أجواز الفلا (٢)

فلا يكون أصله الهمز.

__________________

(١) البيت لنهشل بن حرّى ، وقبله

ومولى عصانى واستبد برأيه

كما لم يطع فيما أشار فصير

فلما رأى ماغب أمرى وأمره

وناءت بأعجاز الأمور صدور

تمنى نئيشا أن يكون أطاعنى

ويحدث من بعد الأمور أمور

نأش الشىء : أخره ، وانتأش هو تأخر وتباعد ، والنئيش الحركة فى إبطاء ، وجاء نئيشا أى بطيئا. اللسان مادة (نأش).

(٢) من شواهد سيبويه وهو للعجاج. الكتاب ٢ / ١٢٣.

يصف إبلا وردت الماء فى فلاة فعافته وتناولته من أعلاه ـ والنوش : التناول.

٢٨٤

«غريب إعراب سورة فاطر»

قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) (١).

فاطر السموات ، إن جعلت الإضافة فى نية الاتصال ، كان (فاطر) جرّا على الوصف لاسم الله تعالى ، وإن جعلت الإضافة فى نية الانفصال ، كان فى موضع جر على البدل. وجاعل الملائكة ، من جعل الإضافة فى نية الاتصال ، كان (رسلا) منصوبا بتقدير فعل ، لأن اسم الفاعل إذا كان بمعنى الماضى لم يعمل البتة ، واكتسى من المضاف إليه التعريف والتنكير ، ومن جعلها فى نية الانفصال ، كان (رسلا) منصوبا ، لأن اسم الفاعل إذا كان للحال أو الاستقبال كان عاملا ، ولم يكتس من المضاف إليه التعريف والتنكير.

قوله تعالى : (أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) (١).

مثنى وثلاث فى موضع جر على الوصف ل (أجنحة) ، ولا ينصرف للوصف والعدل ، وقيل : لم ينصرف لأنه معدول من جهة اللفظ والمعنى ، أما العدل من جهة اللفظ فظاهر ، فإن (مثنى) عدل عن لفظ (اثنتين) ، و (ثلاث) عدل عن لفظ (ثلاثة). وأما العدل من جهة المعنى فلأنه يقتضى التكرار ، فمثنى عن اثنتين اثنتين ، وثلاث عن ثلاثة ثلاثة. وفيه أقوال أخر ، والأكثرون على القول الأول.

قوله تعالى : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها) (٢).

ما ، شرطية فى موضع نصب ب (يفتح) ، و (ما) الشرطية يعمل فيها ما بعدها

٢٨٥

كالاستفهامية ، لأن الشرط والاستفهام لهما صدر الكلام. فلا ممسك لها ، فى موضع جزم لأنه جواب الشرط ، كقوله تعالى :

(مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ)(١).

قوله : فلا هادى له ، فى موضع جزم ، بدليل أنه عطف عليه ، فى قراءة من قرأ (ويذرهم) بالجزم على العطف على موضع (فلا هادى له) ومثله قوله تعالى :

(وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ) (٢).

قوله تعالى : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) (٣).

يجوز فيه الرفع والجر والنصب ، فالرفع من وجهين.

أحدهما : أن يكون مرفوعا لأنه فاعل.

والثانى : أن يكون مرفوعا لأنه وصف ل (خالق) على الموضع. والجر لأنه وصف ل (خالق) على اللفظ. والنصب على الاستثناء.

قوله تعالى : (الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) (٧).

الذين ، يحتمل أن يكون فى موضع جر ونصب ورفع. فالجر على البدل من (أصحاب). والنصب على البدل من (حزبه) ، فى قوله تعالى :

(إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ)

والرفع على البدل من المضمر فى (يكونوا).

قوله تعالى : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) (٨)

__________________

(١) ١٨٦ سورة الأعراف.

٢٨٦

فرآه ، قرئ بالإمالة مع فتحة الراء وإمالتها ، فالإمالة إنما جاءت لأن الألف بدل عن الياء ، فمن قرأ بفتح الراء أتى بها على الأصل ، ومن أمالها أتبعها إمالة الهمزة ، والإتباع للمجانسة كثير فى كلامهم. وحسرات ، منصوب من وجهين.

أحدهما : أن يكون مفعولا له.

والثانى : أن يكون مصدرا.

قوله تعالى : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ) (١٠).

الهاء فى (يرفعه) تعود على (الكلم) والتقدير : والعمل الصالح يرفع الكلم. وقيل التقدير : والعمل الصالح يرفعه الله. وقيل التقدير : والعمل الصالح يرفعه الكلم. فالهاء تعود على (العمل) ، ولو كان كذلك ، لكان الوجه الأوجه أن ينصب (العمل الصالح) كما قلت : ذهب زيد وعمرو كلمه بكر.

والسيئات ، منصوب من ثلاثة أوجه.

الأول : أن يكون منصوبا لأنه مفعول (يمكرون) لأنه بمعنى (يعملون).

والثانى : أن يكون منصوبا على المصدر لأن معنى (يمكرون) يسيئون.

والثالث : أن يكون وصفا لمصدر محذوف وتقديره ، يمكرون المكرات السيئات. ثم حذف الموصوف وأقام الصفة مقامه.

ومكر أولئك ، مبتدأ. وخبره (يبور) وهو فصل بين المبتدأ وخبره ، وقد قدمنا أن الفصل يجوز أن يدخل بين المبتدأ والخبر ، إذا كان فعلا مضارعا ، و (يبور) فعل مضارع ، فجاز أن يدخل الفصل بينهما.

قوله تعالى : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ) (١٤).

٢٨٧

مصدر بمعنى (إشراك) وهو مضاف إلى الكاف والميم ، وهى الفاعل فى المعنى ، وتقديره ، بإشراككم إياهم. فحذف المفعول.

قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) (٢٨).

الهاء فى (ألوانه) تعود على موصوف محذوف ، وتقديره ، خلق مختلف ألوانه. فحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه وهى فى موضع رفع بالابتداء ، وما قبله من الجار والمجرور ، خبره. وألوانه ، مرفوع لأنه فاعل ، لأن اسم الفاعل جرى وصفا على موصوف.

قوله تعالى : (ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) (٣٢) و (جَنَّاتُ عَدْنٍ) (٣٣).

ذلك مبتدأ. والفضل خبره ، وهو ، فصل بين المبتدأ وخبره. والكبير ، صفة الخبر وإن شئت أن تقول : ذلك ، مبتدأ أول. وهو ، مبتدأ ثان. والفضل ، خبر المبتدأ الثانى ، والمبتدأ الثانى وخبره خبر عن المبتدأ الأول.

وجنات عدن ، مرفوع من ثلاثة أوجه.

الأول : أن يكون مرفوعا على الابتداء. ويدخلونها ، الخبر.

والثانى : أن يكون مرفوعا على البدل من قوله تعالى : (الْفَضْلُ الْكَبِيرُ).

والثالث : أن يكون خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، هو جنات.

قوله تعالى : (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ) (٣٣).

أساور : جمع (أسورة) و (أسورة) جمع (سوار) نحو : إزار وآزرة ، وحمار وأحمرة.

قوله تعالى : (الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ) (٣٥). الذى ، يجوز أن يكون فى موضع نصب ورفع.

٢٨٨

فالنصب على أنه صفة اسم (إنّ) فى قوله تعالى :

(إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ).

والرفع من ثلاثة أوجه.

الأول : أن يكون خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، هو الذى.

والثانى : أن يكون خبرا بعد خبر.

والثالث : أن يكون بدلا من الضمير فى (شكور).

قوله تعالى : (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا) (٣٦).

فيموتوا ، منصوب على جواب النفى بالفاء بتقدير (أن).

قوله تعالى : (اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ) (٤٣). استكبارا ، منصوب لأنه مفعول له. ومكر السّيئ منصوب على المصدر ، وهو من إضافة الموصوف إلى الصفة ، ودليله قوله تعالى :

(وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) (٤٣).

وأضيف إلى وصفه اتساعا ، كمسجد الجامع. ويروى عن حمزة أنه سكن الهمزة من قوله تعالى :

(وَمَكْرَ السَّيِّئِ)

فى حالة الوصل لأنه شبّه بفخذ ، وكما يقال فى (فخذ فخذ) ، فتسكن الخاء ، فكذلك الهمزة ، أو أنه أجرى الوصل مجرى الوقف ، وهو ضعيف فى القياس.

٢٨٩

«غريب إعراب سورة يس»

قوله تعالى : (يس (١) وَالْقُرْآنِ) (٢).

منهم من أظهر النون من (يس) ، ومنهم من أدغمها فى الواو. فمن أظهرها فلأن حروف الهجاء من حقها أن يوقف عليها ، كالعدد ، ولذلك لم تعرب ، وإذا كان حقها الوقف والسكون ، وجب إظهار النون ، ومن أدغمها أجراها مجرى المتصل ، والإظهار أقيس ، ويقرأ (ياسين) بفتح النون وكسرها.

فمن فتحها فلأنه لما وجب التحريك لالتقاء الساكنين فى حالة الوصل ، عدل إلى أخف الحركات وهو الفتح ، كأين وكيف ، ومن كسرها عدل إلى الكسر ، لأنه الأصل فى التقاء الساكنين.

قوله تعالى : (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣) عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٤).

لمن المرسلين ، فى موضع رفع لأنه خبر (إن). وعلى صراط مستقيم ، يحتمل وجهين.

أحدهما أن يكون فى موضع رفع لأنه خبر بعد خبر ل (إنّ).

والثانى : أن يكون فى موضع نصب لأنه يتعلق ب (المرسلين).

قوله تعالى : (تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) (٥).

تنزيل ، يقرأ بالرفع والنصب. فالرفع على تقدير مبتدأ محذوف وتقديره هو تنزيل. والنصب على المصدر ، وهو مصدر (نزّل) يقال : نزّل تنزيلا ، كرتّل ترتيلا وقتّل تقتيلا. وهو مضاف إلى الفاعل ، وقرئ فى الشواذ (تنزيل) بالجر على البدل من (صراط) لأن الصراط هو القرآن.

٢٩٠

قوله تعالى : (ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ) (٦).

ما ، فيها وجهان.

أحدهما : أن تكون نافية لأن (آباؤهم) لم ينذروا قبل النبى عليه‌السلام.

والثانى : أنها مصدرية فى موضع نصب ، وتقديره ، لننذر قوما إنذارا مثل إنذارنا آباءهم (١) ممن كانوا فى زمان إبراهيم وإسماعيل. ويؤيد هذا قول عكرمة : إنه كان قد أنذر آباءهم. والوجه الأول أوجه الوجهين.

قوله تعالى : (وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) (١٢).

نكتب ما قدموا وآثارهم ، وهى السنن التى سنّوها ، فعمل بها من بعدهم. نكتب ما قدموا ، تقديره ، سنكتب ذكر ما قدموا وذكر آثارهم. فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. وكل شىء أحصيناه ، منصوب بفعل مقدر دل عليه (أحصيناه) ، وتقديره ، أحصينا كل شىء أحصيناه. وهو المختار ، ليعطف ما عمل فيه الفعل ، على ما عمل فيه الفعل ، كقول الشاعر :

١٥٤ ـ أصبحت لا أحمل السلاح ولا

أردّ رأس البعير إن نفرا

والذئب أخشاه إن مررت به

وحدى وأخشى الرّياح والمطرا (٢)

__________________

(١) (آباؤهم) فى أ ، ب.

(٢) من شواهد سيبويه ، وهما للربيع بن ضبع الفزارى : الكتاب ١% ١٤٦. استشهد فى البيتين لاختيار النصب فى الاسم إذا كان قبله اسم بنى على الفعل وعمل فيه طلبا للاعتدال ، وتقدير البيت : أصبحت لا أهمل السلاح وأخشى الذئب أخشاه. فحذف الفعل الناصب للذئب لدلالة الفعل الثانى عليه.

٢٩١

وتقديره ، وأخشى الذئب أخشاه. وهو المختار ، وإن كان الرفع جائزا.

قوله تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ) (١٣).

أصحاب القرية ، منصوب من وجهين.

أحدهما : أن يكون منصوبا على البدل من قوله : (مَثَلاً) ، وتقديره ، واضرب لهم مثلا مثل أصحاب القرية. فالمثل الثانى بدل من الأول ، وحذف المضاف.

والثانى. أن يكون (أصحاب القرية) منصوبا لأنه مفعول ثان ل (اضرب) والدليل على ذلك قوله تعالى :

(إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ)(١)

ولا خلاف فى أن (مثل الحياة) ، مبتدأ ، و (كماء) خبره. وقال فى موضع آخر :

(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ)(٢)

فأعمل (اضرب) فى المبتدأ ، ولا خلاف فى أن ما عمل فى المبتدأ عمل فى خبره ، فدل على أن (مثلا أصحاب القرية) ، مفعولان ل (اضرب).

قوله تعالى : (طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ) (١٩).

جواب الشرط محذوف وتقديره ، أئن ذكرتم ، تلقيتم التذكير والإنذار بالكفر والإنكار.

قوله تعالى : (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي) (٢٢).

أكثر القراء فتحوا الهاء من ((لى) ، وكان بعض القراء يسكنها فى :

__________________

(١) ٢٤ سورة يونس.

(٢) ٤٥ سورة الكهف.

٢٩٢

(ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ)(١)

وبفتحها ههنا ، وإنما فعلوا ذلك ، إشعارا بفتح الابتداء ب (لا أعبد الذى فطرنى) ، ففتحوا الياء ليكون ذلك مبعدا لهم من صورة الوقف على الياء ، لأنهم لو سكنوا لكان صورة السكون مثل صورة الوقف ، فيكون كأنه قد ابتدأ بقوله :

(لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي)

وفيه من الاستقباح مالا خفاء به. وقد بينا ذلك مستوفى فى المسائل البخارية.

قوله تعالى : (بِما غَفَرَ لِي رَبِّي) (٢٧).

فيها ثلاثة أوجه.

الأول : أن تكون بمعنى الذى ، وغفر لى ، صلته ، والعائد محذوف والتقدير ، الذى غفره لى ربى ، فحذفه تخفيفا.

والثانى : أن تكون مصدرية وتقديره ، بغفران ربى لى.

والثالث : أن تكون استفهامية وفيه معنى التعجب من مغفرة الله ، وتقديره ، بأى شىء غفر لى ربّى ، على التحقير لعمله والتعظيم لمغفرة ربه ، إلا أن فى هذا الوجه ضعفا لأنه لو كانت (ما) ههنا استفهامية ، لكان ينبغى أن تحذف الألف منها لدخول حرف الجر عليها لأن (ما) الاستفهامية إذا دخل عليها حرف الجر حذفت ألفها للتخفيف ، نحو ، بم وعمّ وممّ ، ولا تثبت إلا فى الشعر ، كقول الشاعر :

١٥٥ ـ علاما قام يشتمنى لئيم

كخنزير تمرّغ فى دمان (٢)

__________________

(١) ٢٠ سورة النمل.

(٢) البيت لحسان بن ثابت من قصيدة يهجو بنى عابد بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم ومطلعها :

فإن تصلح فإنك عابدىّ

وصلح العابدىّ إلى فساد ـ

 ـ والبيت هكذا :

على ما قام يشتمنى لئيم

كخنزير تمرغ فى رماد

خزانة الأدب ٤ / ٥٥٤.

شواهد التوضيح والتصحيح ١٦١ مطبعة لجنة البيان العربى ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقى ١٣٧٦ ـ ه ١٩٥٧ م.

٢٩٣

قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ) (٢٨).

ما ، فيها وجهان.

أحدهما : أن تكون زائدة.

والثانى : أن تكون اسما فى موضع جر بالعطف على (جند) ، وهو معنى غريب.

قوله تعالى : (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ) (٣٠).

يا حسرة ، نداء مشابه للمضاف ، كقولهم : يا خيرا من زيد ، ويا سائرا إلى الشام ، ونداء مثل هذه الأشياء التى لا تعقل ، تنبيه للمخاطبين كأنه يقول لهم : تحسّروا على هذا ، وادعوا الحسرة ، وقولوا لها احضرى فهذا وقتك.

قوله تعالى : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ) (٣١).

كم ، اسم للعدد فى موضع نصب ب (أهلكنا). وأنهم إليهم ، فى موضع نصب على البدل من (كم) ، و (كم) وما بعدها من الجملة فى موضع نصب ب (يروا).

قوله تعالى : (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) (٣٢).

إن ، مخففة من الثقيلة ، ولما خففت بطل عملها لنقصها عن مشابهة الفعل ، فارتفع ما بعدها بالابتداء. ولمّا جميع ، خبره. وما ، زائدة. وتقديره لجميع. وأدخلت اللام فى خبرها ، لتفرق بينها وبين (إن) التى بمعنى (ما). ومن قرأ (لما جميع) بالتشديد فمعناه (إلا) وإن (١) بمعنى (ما) وتقديره ، وما كل إلا جميع. فيكون (كل) مرفوعا

__________________

(١) (وإن) ساقطة من الأصل وأثبتها لصحة الكلام.

٢٩٤

بالابتداء. وجميع ، خبره. وبطل بدخول (إلّا) عمل (إن) على قول من يعملها ، لأنه إذا بطل عمل (ما) بدخول (إلا) وهى الأصل فى العمل ، فلأن يبطل عمل (إن) لدخول (إلا) وهى الضرع ، كان ذلك أولى.

قوله تعالى : (وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ) (٣٥).

ما ، فيها وجهان.

أحدهما : أن تكون اسما موصولا فى موضع جر بالعطف على (ثمرة) و (عملته) ، الصلة والهاء ، العائد. ومن قرأ (عملت) بغير الهاء قدرها موجودة ثم حذفها للتخفيف.

والثانى : أن تكون نافية فى قراءة من قرأ (عملت) بغير هاء ، والوجه الأول أوجه الوجهين ، لأنها إذا كانت نافية ، افتقرت إلى تقدير مفعول ل (عملت).

قوله تعالى : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) (٣٩).

يقرأ (القمر) بالرفع والنصب ، فالرفع على الابتداء. وقدرناه ، الخبر. والنصب بتقدير فعل دل عليه (قدّرناه) ، وتقديره ، قدرنا القمر قدرناه. وقدرناه منازل ، يحتمل وجهين.

أحدهما : أن يكون تقديره ، قدرناه ذا منازل ، فحذف المضاف.

والثانى : أن يكون تقديره ، قدرنا له منازل ، فحذف حرف الجر من المفعول الأول فصار : قدرناه منازل.

قوله تعالى : (حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) (٣٩).

الكاف فى موضع نصب على الحال من الضمير فى (عاد) وهو العامل فيه. والعرجون ، وزنه فعلول نحو : زنبور ، وقرقور. ولا يكون وزنه على فعلون لأنه ليس فى كلامهم ما هو على فعلون ، وقد زعم بعضهم أن وزنه على فعلون من الانعراج ،

٢٩٥

والنون فيه زائدة ، كما قالوا : فرسن (١) ووزنه فعلن من الفرس ، وليس فى الكلام فعلن غيره.

قوله تعالى : (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) (٤٠).

أن وصلتها ، فى تأويل المصدر وهو فى موضع رفع لأنه فاعل (ينبغى). ولا الليل سابق النهار : قرئ (سابق النهار) بالجر بالإضافة وهى القراءة المشهورة ، وقرئ فى الشواذ ، (سابق النهار) ، بنصب (النهار) لأن التقدير ، سابق النهار بتنوين (سابق) فحذف التنوين لالتقاء الساكنين لا للإضافة ، وبقى النهار منصوبا على ما كان عليه ، كما لو كان التنوين موجودا.

قوله تعالى : (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ) (٤١).

وآية لهم ، مبتدأ وفى خبره وجهان.

أحدهما : أن يكون الخبر (لهم).

والثانى : أن يكون الخبر (أنا حملنا) ، وعلى الوجه الأول ، إن جعلت (لهم) الخبر ، كانت (أن) وصلتها فى موضع رفع بالابتداء ، والجملة الخبر.

قوله تعالى : (فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ) (٤٣).

صريخ ، مبنى مع (لا) على الفتح ، وقد قدمنا علته ، ويجوز فيه الرفع مع التنوين ، لأن (لا) قد تكررت مرة ثانية فى قوله تعالى :

(وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ).

ألا ترى أنك لو قلت : لا رجل فى الدار ولا زيد. لكان الرفع فى (رجل) حسنا.

__________________

(١) فرسن الجزور والبقرة مؤنثة ، وقال فى البارع لا يكون الفرسن إلا للبعير وهى له كالقدم للإنسان (المصباح : مادة فرسن).

٢٩٦

قوله تعالى : (إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا) (٤٤).

رحمة ، منصوب من وجهين.

أحدهما : أن يكون منصوبا على تقدير حذف حرف الجر ، وتقديره ، إلا برحمة.

والثانى : أن يكون منصوبا على أنه مفعول له.

قوله تعالى : (يَخِصِّمُونَ) (٤٩).

يقرأ (يخصّمون) بفتح الياء والخاء و (يخصّمون) بكسر الخاء ، و (يخصمون) بكسر الياء والخاء ، والأصل فيها كلها (يختصمون) ، على وزن (يفتعلون) من الخصومة.

فمن قرأ (يخصمون) بفتح الياء والخاء ، نقل فتحة التاء إلى الخاء ، وأبدل من تاء الافتعال صادا ، لأن التاء مهموسة ، والصاد مطبقة مجهورة ، فاستثقل اجتماعهما ، فأبدلوا من التاء صادا لتوافق الصاد فى الإطباق ، وأدغموا إحداهما فى الأخرى.

ومن قرأ بكسر الخاء ، حذف حركة التاء ، ولم ينقلها إلى الخاء ، وأبدل من التاء صادا ، وأدغم إحداهما فى الأخرى ، وكسر الخاء لسكونها وسكون الصاد الأولى ، لأن الأصل فى التقاء الساكنين الكسر.

ومن قرأ بكسر الياء والخاء ، كسر الياء إتباعا لكسرة الخاء والكسر للإتباع كثير فى كلامهم ، ألا ترى أنهم قالوا فى قسى قسى ، وفى عصى عصى ، وفى خفى خفى وقد قدمنا نظائره.

قوله تعالى : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) (٥١).

الجار والمجرور فى موضع رفع لقيامه مقام الفاعل.

قوله تعالى : (قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ) (٥٢).

٢٩٧

يا ويلنا ، فيه وجهان.

أحدهما : أن يكون منادى مضافا. فويل ، هو المنادى. ونا ، هو المضاف إليه ، ونداء الويل ، كنداء الحسرة ، فى قوله تعالى :

(يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ).

والثانى : أن يكون المنادى محذوفا. وويلنا ، منصوب على المصدر ، كأنهم قالوا يا هؤلاء ويلا لنا. فلما أضاف حذف اللام الثانية.

وزعم الكوفيون أن اللام المحذوفة هى الأولى ، وفى جواز (ويل زيد) بالفتح ، وجواز (ويل زيد) بالضم على مذهبهم ، أول دليل على أن المحذوفة هى اللام الثانية لا الأولى ، لأن لام الجر ، لا يجوز فتحها مع المظهر. وفى (هذا) وجهان.

أحدهما : أن يكون فى موضع رفع لأنه مبتدأ. و (ما وَعَدَ الرَّحْمنُ) خبره.

والثانى : أن يكون (هذا) فى موضع جر لأنه صفة ل (مرقدنا) وما ، فى موضع رفع لأنه خبر مبتدأ محذوف ، وتقديره ، بعثكم ما وعد الرحمن ، والأول أوجه الوجهين.

قوله تعالى : (إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ) (٥٥).

أصحاب ، اسم (إنّ) وخبرها يجوز أن يكون (فى شغل) ، ويجوز أن يكون (فاكهون). و (فى شغل) متعلق ب (فاكهون) ، ويجوز أن يكونا خبرين ، ولا يجوز أن تجعل (اليوم) خبرا ، لأنه ظرف زمان ، وظروف الزمان لا تكون أخبارا عن الجثث. واليوم ، منصوب على الظرف ، والعامل فيه الظرف وهو قوله : (فى شغل) وتقديره : إن أصحاب الجنة كائنون فى شغل اليوم. فقدم معمول الظرف على الظرف كقولهم : كل يوم لك درهم. ولا يجوز أن يكون العامل فيه نفس (شغل) ، لأن (شغل) مصدر وما كان فى صلة المصدر لا يتقدم عليه.

٢٩٨

قوله تعالى : (هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ) (٥٦).

هم ، مبتدأ. وأزواجهم عطف عليه. ومتكئون ، خبر المبتدأ. وفى ظلال ، يتعلق ب (متكئون). وعلى الأرائك ، صفة ل (ظلال) ، ويجوز أن يجعل (فى ظلال) خبرا ، وعلى الأرائك ، خبرا. ومتكئون ، خبرا ، فيكون لمبتدأ واحد أخبار متعددة ، كقول الشاعر : /

١٥٦ ـ من يك ذابتّ فهذا بتّى

مقيّظ مصيف مشتّى

تخذته من نعجات ستّ

سود جعاد من نعاج الدّشت (١)

فهذا ، مبتدأ ، وبتّى ، خبر أول. ومقيظ ، خبر ثان. ومصيف خبر ثالث ، ومشتى ، خبر رابع.

قوله تعالى : (لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ) (٥٧).

فاكهة ، مرفوع بالابتداء. ولهم ، خبره. وفيها ، معمول الخبر وهو (لهم) ، ويجوز أن يكون (فيها) الخبر ، و (لهم) معمول الخبر وهو (فيها) ، ويجوز أن يكون كل واحد من (لهم وفيها) خبرين للمبتدأ الذى هو (فاكهة) ، ويجوز أيضا أن يكون

__________________

(١) البيت لأول من شواهد سيبويه ولم ينسبه لقائل. الكتاب ١ / ٢٥٨ وجاء بهامش شرح ابن عقيل تحقيق محيى الدين عبد الحميد «روى بعد هذا الشاهد فى أحد المواضع» وذكر البيت الثانى. ١ ٢٢٣. والشاهد فيه رفع (مقيظ) وما بعده على الخبر كما تقول : هذا زيد منطلق. والنصب فيه على الحال أكثر وأحسن ، ويجوز رفعه على البدل وعلى خبر ابتداء مضمر. والبت : الكساء ، وجعله مقيظا على السعة ، والمعنى مقيظ فيه. والدشت : الصحراء.

٢٩٩

(لهم) وصفا ل (فاكهة) ، فلما تقدم صار فى موضع نصب على الحال ، ويجوز أيضا أن يكون (فيها) صفة ل (فاكهة) ، فلما تقدم عليها صار فى موضع نصب على الحال ، وإنما حكمنا على موضع (لهم وفيها) بالنصب على الحال ، لأنهما إذا قدرا وصفا ل (فاكهة) وقد تقدما عليها ، نصفه النكرة إذا تقدمت عليها وجب أن ينصب على الحال ، لاستحالة أن تكون صفة ، لأنّ الصفة لا تتقدم على الموصوف ، فعدل إلى الحال لاشتراكهما فى المعنى.

قوله تعالى : (وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ)(١) (٥٧).

ما ، فيها ثلاثة أوجه.

أحدهما : أن تكون اسما موصولا بمعنى الذى ، وهى فى موضع رفع بالابتداء ، وخبره الجار والمجرور قبله وهو (لهم) ، وصلته (يدعون) ، والعائد إليه محذوف ، وتقديره ، يدعونه. فحذف للتخفيف.

والثانى : أن تكون نكرة موصوفة ، وصفتها (يدعون).

والثالث : أن تكون مصدرية فتكون مع (يدعون) فى تأويل المصدر ، و (يدعون) أى يتمنون ويشتهون.

وأصل (يدّعون) (يدتعيون) على وزن (يفتعلون) ، من (دعا يدعو) ، فاجتمعت تاء الافتعال مع الدال فأبدل من التاء دالا ، وكان إبدال التاء دالا ، أولى من إبدال الدال تاء ، لأن التاء حرف مهموس ، والدال حرف مجهور ، والمجهور أقوى من المهموس ، فلما وجب إبدال أحدهما من الآخر ، كان إبدال الأقوى من الأضعف أولى من إبدال الأضعف من الأقوى ، لأن فى ذلك إجحافا به وإبطال ماله من الفضل على مقاربه ، ونقلت حركة الياء إلى ما قبلها ، فسكنت الياء ، والواو بعدها ساكنة ، فاجتمع ساكنان فحذفت الياء لالتقاء الساكنين ، وكان حذفها أولى ، لأن الواو دخلت لمعنى وهو الجمع ، والياء لم تدخل لمعنى ، فكان حذف ما لم يدخل لمعنى أولى ، فصار (يدعون) ووزنه (يفتعون) ، لحذف اللام منه.

__________________

(١) (ولهم فيها ما يدعون) بزيادة (فيها) فى أ ، ب.

٣٠٠