البيان في غريب إعراب القرآن - ج ٢

أبو البركات بن الأنباري

البيان في غريب إعراب القرآن - ج ٢

المؤلف:

أبو البركات بن الأنباري


المحقق: الدكتور طه عبد الحميد طه
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب
الطبعة: ٢
ISBN: 977-419-179-X
الصفحات: ٥٧٦
الجزء ١ الجزء ٢

قوله تعالى : (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ) (٢٢).

يقرأ بالصرف وبترك الصرف ، فمن قرأ بالصرف جعله اسما للحى أو للأب. ومن قرأ بترك الصرف جعله اسما لقبيلة أو بلدة ، فلم يصرف للتعريف والتأنيث.

قوله تعالى : (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ) (٢٥).

يقرأ (ألّا يسجدوا لله) بالتشديد ، و (ألا) بالتخفيف : فمن قرأ (ألّا) بالتشديد كان أصل (ألّا) (أن لا) ، و (أن) فى موضع نصب لأنه يتعلق ب (يهتدون) ، و (لا) زائدة ، وقيل منصوب على البدل من (الأعمال (١)) ، و (لا) غير زائدة. وقيل : هو فى موضع جر على البدل من (السبيل) ، و (لا) زائدة. ويسجدوا ، فى موضع نصب ب (أن).

ومن قرأ (ألا) بالتخفيف جعل (ألا) للتنبيه ، وجعل (يا) حرف نداء ، والمنادى محذوف ، والتقدير فيه : يا هؤلاء اسجدوا ، فحذف المنادى لدلالة حرف النداء عليه. كقول الشاعر :

١٤٢ ـ ألا يا اسلمى يا دار مىّ على البلى

ولا زال منهلّا بجزعائك القطر (٢)

أراد ، يا هذه اسلمى. وحذف المنادى كثير فى كلامهم.

قوله تعالى : (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ) (٣١).

فى (أن) ثلاثة أوجه.

الأول : أن تكون فى موضع نصب على تقدير حذف حرف الجر ، أى ، بألا تعلوا علىّ.

__________________

(١) (أعمالهم) فى ب.

(٢) (أعمالهم) فى ب.

٢٢١

والثانى : أن تكون فى موضع رفع على البدل من (كتاب) وتقديره : إنى القى إلىّ كتاب ألّا تعلوا.

والثالث : أن تكون مفسرة بمعنى (أى) كقوله تعالى :

(أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ)(١)

أى امشوا. ولا موضع لها من الإعراب.

قوله تعالى : (وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ) (٣٧).

أذلّة ، منصوب على الحال من الهاء والميم فى (لنخرجنهم) ، وكذلك قوله تعالى :

(وَهُمْ صاغِرُونَ).

قوله تعالى : (قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ) (٣٩).

عفريت ، التاء فيه زائدة ، ووزنه فعليت كغزويت ، والعفريت : القوى النافذ وجمعه عفاريت ، ومن العرب من يقول : عفرية وجمعه عفار ، وغزويت : أى ، قصير. وقيل : اسم موضع ، وإنما كان (غزويت) على وزن فعليت ، ولم يكن على وزن فعليل لأن الواو لا تكون أصلا فى بنات الأربعة ، ولا على وزن فعويل ، لأنه لا نظير له فى كلامهم.

قوله تعالى : (وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ) (٤٣).

ما ، فى موضعها وجهان.

أحدهما : أن تكون فى موضع رفع لأنها فاعلة (صد).

والثانى : أن تكون فى موضع نصب (بصدها) ، بتقدير حذف حرف الجر ، وفى (صدها) ضمير الفاعل وهو (الله) أى ، وصدها الله عما كانت تعبد. أى عن عبادتها.

__________________

(١) ٦ سورة ص.

٢٢٢

وإنها ، تقرأ بالكسر والفتح ، فالكسر على الابتداء ، والفتح من وجهين.

أحدهما أن تكون فى موضع رفع على البدل من (ما) إذا كانت فاعلة.

والثانى : أن تكون فى موضع نصب على تقدير حذف حرف الجر ، وتقديره ، لأنها كانت.

قوله تعالى : (وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ) (٤٤).

مع ، فيها وجهان :

أحدهما : أن تكون ظرفا.

والثانى : أن تكون حرفا ، وبنيت على الفتح لأنها قد تكون ظرفا فى بعض أحواله ، فقوى بالتمكين فى بعض الأحوال ، فبنى على الحركة ، وكانت فتحة لأنها أخف الحركات ، فإن سكنت العين فهو حرف لا غير ، وهو قول أبى على الفارسى.

قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ) (٤٥).

أن اعبدوا الله ، فى موضع نصب على تقدير حذف حرف الجر ، وتقديره ، بأن اعبدوا الله. وهم ، مبتدأ. وفريقان ، خبر المبتدأ. وإذا ، خبر ثان. وتقديره : فبالحضرة هم فريقان.

ويختصمون ، جملة فعلية فى موضع نصب من وجهين.

أحدهما : أن يكون فى موضع نصب على الحال من الضمير فى (فريقين).

والثانى : أن يكون فى موضع نصب لأنه وصف ل (فريقين) ، ولا يجوز أن تكون (إذا) منصوبا بقوله : (يختصمون) ، لأن ما يكون فى حيّز الصفة ، لا يجوز أن يتقدم على الموصوف ، كما أن الصفة لا يجوز أن تتقدم على الموصوف ، ولهذا لا يجوز أن تقول : أزيدا أنت رجل تضربه. بنصب (زيدا) ب (تضربه) ، لأن (تضربه) جرى وصفا على (رجل).

٢٢٣

قوله تعالى : (قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ) (٤٧).

أصل (اطّيرنا) تطيرنا. فأبدلت التاء طاء ، وسكنت وأدغمت الطاء فى الطاء ، واجتلبت همزة الوصل وكسرت لسكون ما بعدها وقد قدمنا نظائره.

قوله تعالى : (قالُوا تَقاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ) (٤٩).

قرئ بالتاء والياء ، فمن قرأ بالتاء جعل (تقاسموا) فعل أمر. أمر بعضهم بعضا بالتقاسم والتحالف على أن يبيتوه وأهله. ومن قرأ بالياء جعل (تقاسموا) فعلا ماضيا لأنه إخبار عن غائب.

قوله تعالى : (ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ) (٤٩).

قرئ (مهلك) بضم الميم و (مهلك) بفتح الميم واللام و (مهلك) بفتح الميم وكسر اللام.

فمن قرأ (مهلك) بضم الميم أراد به (الإهلاك) مصدر (أهلك).

ومن قرأ بفتح الميم واللام أراد به (الهلاك) مصدر (هلك).

ومن قرأ (تهلك) بفتح الميم وكسر اللام جعله بمعنى (الهلاك) أيضا ، بمعنى (تهلك) وهما لغتان ، والمشهور الأكثر فى المصدر الفتح ، والكسر قليل ، لأن الكسر يكون فى المكان والزمان ، فيكون (مهلك) بالكسر كالمرجع بمعنى الرجوع.

قوله تعالى : (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ) (٥١)

قرئ بالكسر والفتح ، فمن قرأ بالكسر فعلى الابتداء فيكون (عاقبة مكرهم) اسم كان. وكيف ، خبرها ، وهو خبر مقدم لأن الاستفهام له صدر الكلام ، ولا يعمل (انظر) فى (كيف) ، ولكن يعمل فى موضع الجملة كلها.

ويحتمل أن تكون (كان) التامة بمعنى وقع. و (عاقبة) مرفوع لأنه الفاعل ، ولا تفتقر إلى خبر. وكيف ، فى موضع نصب على الحال ، وتقديره ، انظر على أى حال وقع أمر عاقبة مكرهم. ثم بين كيف كان عاقبة أمرهم ، فقال مستأنفا : إنا دمرناهم وقومهم.

٢٢٤

ومن قرأ بالفتح كان على تقدير حذف حرف الجر ، وتقديره ، لأنا دمرناهم ، فتكون كان الناقصة. وعاقبة ، اسمها. وكيف خبرها. وتكون (أنّ) بدلا من (العاقبة). ولا يجوز أن يكون بدلا من (كيف) ، لأن البدل من الاستفهام إنما يكون بحرف الاستفهام. كقولك : كم مالك أعشرون أو ثلاثون. ولا يجوز أن تقول عشرون بغير همزة.

قوله تعالى (*) : (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا) (٥٢).

خاوية ، منصوب على الحال من (بيوتهم) ، والعامل فيها ما فى تلك من معنى الإشارة ، وتقديره ، أشير إليها خاوية.

والرفع فى (خاوية) من خمسة أوجه.

الأول : أن يكون (بيوتهم) بدلا من تلك. وخاوية ، خبر للبيوت.

والثانى : أن يكون (خاوية) خبرا ثانيا.

والثالث : أن يكون مرفوعا بتقدير مبتدأ ، والتقدير هى خاوية.

والرابع : أن يجعل (خاوية) بدلا من (البيوت).

والخامس : أن يجعل (بيوتهم) عطف بيان على (تلك). وخاوية ، خبر تلك.

قوله تعالى : (وَلُوطاً) (٥٤).

منصوب بفعل مقدر ، وتقديره ، واذكر لوطا ، أو أرسلنا لوطا.

قوله تعالى : (خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ) (٥٩).

إنما جاءت المفاضلة ههنا ، وإن لم تكن فى آلهتهم خير ، بناء على اعتقادهم ، فإنهم كانوا يعتقدون أن فى آلهتهم خيرا. وزعم بعضهم أن (خيرا) ، ليست ههنا أفعل التى للمفاضلة ، وإنما هى (خير) التى على وزن (فعل) ، الذى لا يراد به المفاضلة ، والمراد الخير الذى هو ضد الشر ، كما قيل فى قوله تعالى :

__________________

(*) الآيات ٥٢ ، ٥٤ ، ٥٩ وضعت فى المخطوطين بعد الآية ٧٢ وقد رتبتها الترتيب الصحيح.

٢٢٥

(مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها)(١).

أى ، فله منها خير ، والأظهر أنها للمفاضلة فى الموضعين.

قوله تعالى : (أَإِلهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) (٦٢).

ما ، صلة. وقليلا ، منصوب لأنه صفة مصدر مقدر ، وتقديره ، تذكرا قليلا يذكرون. والمراد به النفى ، كقولك : قل ما يأتينى أى لا يأتينى.

قوله تعالى : (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ)(٢) (٦٥).

الله مرفوع على البدل من (من) ، وكان الرفع هو الوجه لأنه استثناء من منفى.

قوله تعالى : (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ) (٦٦).

قرئ : ادّرك وادّارك. فمن قرأ (ادّرك) فمعناه تناهى علمهم وكمل فى أمر الآخرة. وقيل هذا على سبيل الإنكار ، أى لم يدركوا. بدليل قوله تعالى : بل هم منها عمون.

ومن قرأ (ادّارك) فمعناه تتابع ، وأصله (تدارك) ، فأبدل من التاء دالا ، وأدغم الدال فى الدال. وقد بينا ذلك فى (ادّارأتم) و (تطيرنا). وفى الآخرة ، (فى) بمعنى الباء والمضاف محذوف ، وتقديره ، بل ادّرك علمهم بحدوث الآخرة. بل هم فى شك منها ، أى من حدوثها.

وعمون ، جمع (عم) وأصله (عميون) إلا أنه استثقلت الضمة على الياء ، فنقلت إلى ما قبلها فسكنت الياء ، والواو بعدها ساكنة فحذفت الياء لالتقاء الساكنين

__________________

(١) ٨٩ سورة النمل.

(٢) (قل لا يعلم من فى السموات ومن فى الأرض ...) هكذا فى أ.

٢٢٦

وكان حذفها أولى من واو الجمع ، لأن واو الجمع ، دخلت لمعنى وهى لم تدخل لمعنى ، فكان حذفها أولى ، ووزنه (فعون) لذهاب اللام منه.

قوله تعالى : (عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ) (٧٢).

أى ، ردفكم (١) ، واللام زائدة ، كاللام فى قوله تعالى :

(وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ)(٢)

أى : بوّأنا إبراهيم.

قوله تعالى : (تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ) (٨٢).

يقرأ (إن) بكسر الهمزة وفتحها. فمن قرأ بالكسر فعلى الابتداء والاستئناف ، ومن فتحها ففيه وجهان.

أحدهما : أن تكون فى موضع نصب لأنها مفعول (تكلمهم) ، وتكون (تكلمهم) بمعنى (تخبرهم) ، فكأنه قال : تخبرهم أن الناس.

والثانى : أن تكون مفتوحة لأنها فى موضع نصب على تقدير حذف حرف الجر ، وتقديره ، تكلمهم بأن الناس. وبآياتنا ، الجار والمجرور فى موضع نصب لأنه يتعلق ب (يوقنون) ، وتقديره ، كانوا لا يوقنون بآياتنا.

قوله تعالى : (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) (٨٧).

يوم منصوب بفعل مقدر وتقديره ، اذكر يوم ينفخ.

قوله تعالى : (صُنْعَ اللهِ) (٨٨).

منصوب على المصدر لأنه سبحانه لما قال :

(وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) ٨٨.

__________________

(١) (رزقكم) هكذا فى ب.

(٢) ٢٦ سورة الحج.

٢٢٧

دلّ أنه صنع ذلك ، فكأنه قال : صنع صنعا الله. ثم أضاف المصدر إلى الفاعل وقد قدمنا نظائره.

قوله تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) (٨٩).

من ، شرطية وهى فى موضع رفع بالابتداء. وفله ، الجواب ، وهو خبر مبتدأ.

قوله تعالى : (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) (٨٩).

فزع ، يقرأ بتنوين وغير تنوين ، فمن قرأ بالتنوين ، كان (يوم) منصوبا من وجهين.

أحدهما : أن يكون منصوبا بالمصدر.

والثانى : أن يكون منصوبا ب (آمنون) وتقديره ، وهم آمنون يومئذ من فزع. ومن قرأ بغير تنوين كان (يوم) مجرورا بالإضافة على الأصل.

ويجوز أن تبنى (يومئذ) على الفتح للإضافة إلى غير متمكن ، كقوله تعالى :

(مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ)(١)

وكقول الشاعر :

١٤٣ ـ لم يمنع الشّرب منها غير أن نطقت

حمامة فى غصون ذات أو قال (٢)

فبنى (غير) على الفتح ، وإن كانت فى موضع رفع بأنها فاعل ل (منع) لإضافتها إلى غير متمكن وهو (أن نطقت) ، و (أن) ههنا مع صلتها فى تأويل المصدر ، وتقديره ، غير نطقها. والإضافة إلى غير المتمكن يجوز فيه البناء ، ونظائره كثيرة.

__________________

(١) ١١ سورة المعارج.

(٢) هذا البيت من شواهد سيبويه ، ولم ينسبه لقائل وقال الشنتمرى : أنشد فى باب ما تكون فيه أنّ ، وأن مع صلتهما بمنزلة غيرهما من الأسماء ...... لرجل من كنانة» ١ / ٣٦٩.

الأوقال : الأعالى.

٢٢٨

«غريب إعراب سورة القصص»

قوله تعالى : (وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً) (٤).

نصب (أهلها وشيعا) ، لأنهما مفعولا (جعل) ، لأنه بمعنى (صيّر).

وكذلك :

قوله تعالى : (وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً) (٥).

(الهاء والميم وأئمة) مفعولا (جعل) ، لأنه بمعنى (صيّر).

قوله تعالى : (وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ) (٦).

فرعون وما ، منصوبان لأنهما مفعولا (نرى) ، وهو من رؤية البصر ، وهو فى الأصل يتعدى إلى مفعول واحد ، فلما تعدى بالهمزة صار متعديا إلى مفعولين ، فالمفعول الأول (فرعون) ، والثانى (ما كانوا يحذرون).

قوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) (٨).

اللام فى (ليكون) ، يسميها البصريون لام العاقبة ، أى : كان عاقبة التقاطهم العداوة والحزن ، وإن لم يكن التقاطهم له لهما. ويسميها الكوفيون لام الصيرورة. أى صار لهم عدوا وحزنا ، وإن التقطوه لغيرهما.

قوله تعالى : (قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ) (٩).

قرة عين ، مرفوع من وجهين.

أحدهما : أن يكون مرفوعا لأنه خبر مبتدأ محذوف ، وتقديره ، هو قرة عين.

٢٢٩

والثانى أن يكون مرفوعا لأنه مبتدأ. ولا تقتلوه ، خبره.

قوله تعالى : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى) (١٤).

أشد ، جمع فيه ثلاثة أوجه.

الأول : أن يكون جمع (شدّة) كنعمة وأنعم. وأصل ، أشدّ أشدد على وزن أفعل ، إلا أنه اجتمع حرفان متحركان من جنس واحد فى كلمة واحدة ، فسكنوا الأول وأدغموه فى الثانى. وقيل أشد ، جمع شدّ ، نحو قدّ وأقدّ.

والثالث : أن يكون واحدا ، وليس فى الأسماء المفردة ما هو على وزن أفعل ، إلا (أصبع) فى بعض اللغات ، و (آجر) فى بعض اللغات (١) و (أيمن) وآنك وهو الرصاص القلعىّ.

قوله تعالى : (هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ) (١٥).

أراد بها حكاية حال كانت فيما مضى كقوله تعالى :

(وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ)(٢)

فأعمل اسم الفاعل وإن كان للماضى ، على حكاية الحال من (عدوه) ، أى من (أعدائه) ، وهو يصلح للواحد والجمع على ما قدمنا.

قوله تعالى : (فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ) (١٨).

خائفا ، منصوب لأنه خبر (أصبح) ، ويجوز أن يكون (فى المدينة) خبرها.

وخائفا ، منصوب على الحال. والذى ، فى موضع رفع لأنه مبتدأ. وفى خبره وجهان.

__________________

(١) (وآجر فى بعض اللغات) زيادة فى أ.

(٢) ١٨ سورة الكهف.

ـ (الآنك) وزن أفلس ، هو الرصاص الخالص ، ويقال : الرصاص الأسود.

٢٣٠

أحدهما : أن يكون خبره (يستصرخه).

والثانى : أن يكون خبره (إذا). ويستصرخه فى موضع نصب على الحال.

قوله تعالى : (قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ) (٢٣).

يقرأ (يصدر) بفتح الياء وضمها. فمن قرأ بالفتح كان لأنه مضارع فعل ثلاثى ، ومن قرأ بالضم فلأنه مضارع فعل رباعى وكان المفعول محذوفا ، وتقديره : حتى يصدر الرعاء إبلهم ومواشيهم.

قوله تعالى : (أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا) (٢٥).

ما ، مصدرية ، وتقديره ، أجر سقيك لنا ، ولا يجوز أن تكون موصولة ، لأنها لو كانت موصولة ، كان المعنىّ بها الماء ، والذى يجزاه أجر السقى لا أجر الماء ، لأن الأجر للعمل لا للعين ، فوجب أن تكون (ما) مصدرية لا غير.

قوله تعالى : (فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ) (٢٥).

تمش ، جملة فعلية فى موضع نصب على الحال من (إحداهما) ، والعامل فيه (جاءت). وعلى استحياء ، فى موضع نصب على الحال من المضمر فى (تمش) ، والعامل فيه (تمش) ويحتمل أن تكون فى موضع نصب على الحال من الضمير المقدر فى (قالت) ، والعامل فيه (قالت) والوجه الأول أوجه الوجهين.

قوله تعالى : (عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ) (٢٧).

أى ، تأجرنى نفسك فى ثمانى حجج. وثمانى ، منصوب على الظرف.

قوله تعالى : (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ) (٢٨).

أىّ ، منصوب ب (قضيت) وما زائدة. والأجلين : مجرور بالإضافة ، وتقديره ، أىّ الأجلين قضيت. وقضيت ، فى موضع الجزم ب (أيما). والفاء مع ما بعده فى موضع الجزم لأنه جواب الشرط ، والجملة فى موضع نصب مفعول (قال).

٢٣١

قوله تعالى : (أَنْ يا مُوسى) (٣٠).

أن ، فى موضع نصب بتقدير حذف حرف الجر ، وتقديره ، بأن يا موسى.

قوله تعالى : (وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ) (٣١).

وأن ألق عصاك ، معطوف على قوله (أن يا موسى). وتهتز ، جملة فعلية فى موضع الحال من الهاء والألف فى (رآها) أى ، مهتزة مشبهة جانا. ولّى ، وأصله (ولى) فتحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبها ألفا ، وهو جواب (لمّا). ومدبرا ، منصوب على الحال من المضمر فى (ولّى) ، والعامل فيه (ولّى). ولم يعقب ، جملة فعلية فى موضع نصب على الحال من المضمر فى (ولّى) وهو العامل فيها أيضا.

قوله تعالى : (فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) (١) (٣٢).

يقرأ (ذان) بتخفيف النون وتشديدها ، و (ذانيك) بياء بعد النون. ذان ، تثنية (ذا) المرفوع. وذان ، مرفوع بالابتداء ، والألف من (ذا) محذوفة لدخول ألف التثنية عليها ، فمن خفف النون لم يعوض عن الألف المحذوفة ، وأتى بها من غير تعويض. ومن شددها جعل التشديد عوضا عن حذف الألف التى كانت فى الواحد ، وقيل : التشديد لأنه جعله تثنية (ذلك) ، فلما ثنى أتى باللام بعد نون التثنية ، ثم أدغم اللام فى النون لتقاربهما فى المخرج ، ولو أدغمت النون فى اللام لصار فى موضع النون التى تدل على التثنية ، لام مشددة فيتغير لفظ التثنية ، فأدغمت اللام فى النون فصارت معها مشددة. وقيل إنما شددت هذه النون فى المبهمات ، لتفرق بين النون التى هى عوض عن حركة وتنوين كانا فى الواحد ، وبين ما لم يكن عوضا عن حركة وتنوين فى الواحد ، وقيل : شددت النون ليفرقوا بين النون التى تحذف للإضافة والنون التى لا تحذف للإضافة ، وهى نون تثنية المبهم.

__________________

(١) (وملايه) فى أ ، ب.

٢٣٢

ومن قرأ (فذانيك) بالياء بعد النون (١) ففيه وجهان.

أحدهما : أن يكون أتى بياء بعد النون (٢) ، على التعويض بالياء عن حذف الألف ، كما عوض عن حذف الألف بتشديد النون.

والثانى : أن يكون أبدل من إحدى النونين ياء ، كراهية التضعيف ، كما قالوا : أمليت فى أمللت. وتظنيت فى تظننت. وإلى فرعون ، يتعلق بفعل مقدر فى موضع الحال وتقديره ، مرسلا إلى فرعون وملئه.

قوله تعالى : (فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي) (٣٤).

يقرأ (يصدقنى) جزما ورفعا. فالجزم من وجهين.

أحدهما : أن يكون على جواب الأمر بتقدير حرف الشرط.

والثانى : أن يكون جزم القاف لكثرة الحركات ، كقولهم فى : عضد : عضد. ومنه قول الشاعر :

١٤٤ ـ ونهر تيرى فلا تعرفكم العرب (٣)

أى : لا تعرفكم. فسكن الفاء تخفيفا. والوجه الأول أوجه الوجهين.

والرفع على أن يكون (يصدقنى) وصفا ل (ردء).

قوله تعالى : (وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) (٤٢).

يوم ، منصوب من أربعة أوجه.

الأول : أن يكون منصوبا لأنه مفعول به على السّعة ، كأنه قال : وأتبعناهم فى

__________________

(١) (بالياء بعد النون) زيادة فى ب.

(٢) (أتى بياء بعد النون) زيادة فى أ.

(٣) قال ابن جنى : «وأنشدنا أبو على رحمه‌الله لجرير :

سيروا بنى العم فالأهواز منزلكم

ونهر تيرى فلا تعرفكم العرب

بسكون فاء تعرفكم» الخصائص ١ / ٧٤ ـ ٢ / ٣١٧ ، ٣٤٠.

٢٣٣

هذه الدنيا لعنة ولعنة يوم القيامة. فحذف المضاف لدلالة الأولى عليها وأقيم المضاف إليه مقامه.

والثانى : أن يكون منصوبا بالعطف على موضع الجار والمجرور ، وهو قوله : (فِي هذِهِ الدُّنْيا) كما قال الشاعر :

١٤٥ ـ ألا حىّ ندمانى عمير بن عامر

إذا ما تلاقينا من اليوم أو غدا (١)

والثالث : أن يكون منصوبا بما دل عليه قوله : (من المقبوحين) ، لأنّ الصلة لا تعمل فيما قبل الموصول.

والرابع : أن يكون منصوبا على الظرف بالمقبوحين ، وتقديره : وهم من المقبوحين يوم القيامة. وهو قول أبى عثمان ، لأنه كان ينزل الألف واللام ، منزلة الألف واللام فى هذا النحو للتعريف ، وقد قدمنا ذكره.

قوله تعالى : (بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً) (٤٣).

كلها منصوبات على الحال من (الكتاب).

قوله تعالى : (وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) (٤٦).

رحمة ، منصوب من ثلاثة أوجه.

الأول : أن يكون منصوبا على المصدر.

والثانى : أن يكون منصوبا لأنه مفعول له ، وتقديره ، ولكن فعل ذلك لأجل الرحمة.

والثالث : أن يكون منصوبا لأنه خبر كان مقدرة ، وتقديره ، ولكن كان رحمة من ربك.

__________________

(١) من شواهد سيبويه وقد نسبه إلى كعب بن جعبل ١ / ٣٥. استشهد به على حمل (غد) على موضع اليوم ، لأن معنى تلاقينا من اليوم ، تلاقينا اليوم.

٢٣٤

قوله تعالى : (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها) (٥٨).

كم ، منصوبة ب (أهلكنا). ومعيشتها ، منصوب بحذف حرف الجر ، أى : بطرت فى معيشتها ، ولا يجوز أن يكون منصوبا على التمييز ، لأن التمييز لا يكون إلا نكرة. و (معيشتها) معرفة.

قوله تعالى : (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) (٦٢).

تقديره : أين شركائى الذين كنتم تزعمونهم شركائى. فحذف مفعولى (تزعمون).

قوله تعالى : (قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ) (٦٣).

هؤلاء ، فى موضع رفع بالابتداء. والذين أغوينا ، فى موضع خبر مبتدأ آخر ، وتقديره ، هؤلاء هم الذين أغوينا. وتبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون ، (ما) فيها وجهان.

أحدهما : أن تكون نافية.

والثانى : أن تكون مصدرية ، وتقديره ، تبرأنا إليك من عبادتهم إيانا. والوجه الأول أوجه الوجهين.

قوله تعالى : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) (٦٨).

(ما) الأولى ، اسم موصول بمعنى الذى فى موضع نصب لأنها مفعول (يخلق). و (ما) الثانية ، نافية ولا موضع لها من الإعراب.

٢٣٥

قوله تعالى : (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ) (٧٣).

أى ، فى الليل. ولتبتغوا من فضله. أى فى النهار. ولم يقل : لتسكنوا فيهما ، لأن السكون إنما يكون بالليل لا بالنهار ، والابتغاء للرزق إنما يكون بالنهار فى العرف والعادة.

قوله تعالى : (وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ) (٧٦).

ما ، اسم موصول بمعنى الذى فى موضع نصب ب (آتيناه) ، وصلته (إنّ) وما عملت فيه ، وكسرت (إنّ) فى الصلة لأنّ الاسم الموصول يوصل بالجملة الاسمية والجملة الفعلية ، و (إنّ) متى وقعت فى موضع يصلح للاسم والفعل كانت مكسورة. وأولى ، واحدها (ذو) من غير لفظها.

قوله تعالى : (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا) (٧٩).

أراد ، وقال الّذين يريدون الحياة الدنيا. فحذف الواو كما حذفت من قوله تعالى :

(سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ)(١)

وتقديره ورابعهم.

قوله تعالى : (وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللهَ) (٨٢).

__________________

(١) ٢٢ سورة الكهف.

٢٣٦

ويكأن ، اختلفوا فيه. فمنهم من قال : (وى) منفصلة من (كأن) ، وهى اسم سمّى الفعل به وهو (أعجب) ، وهى كلمة يقولها المتندم إذا أظهر ندامته. وكأن الله ، لفظه لفظ التشبيه ، وهى عارية عن معنى التشبيه ، ومعناه ، إن الله.

كقول الشاعر :

١٤٦ ـ كأنّنى حين أمسى لا يكلمنى

متيّم يشتهى ما ليس موجودا (١)

وهذا مذهب الخليل وسيبويه. وذهب أبو الحسن الأخفش إلى أن الكاف متصلة ب (وى) ، وتقديره : ويك أعلم أن الله ، وويك كلمة تقرير. وأن مفتوحة بتقدير (أعلم) ، وهو كقولك للرجل : أما ترى إلى صنع الله وإحسانه. وكقول الشاعر :

١٤٧ ـ ويكأن من تكن له نشب يح

بب ومن يفتقر يعش عيش ضرّ (٢)

ويحكى أن أعرابية قالت لزوجها : أين ابنك؟ فقال : ويكأنه وراء البيت ، أى : أما ترينه. وذهب الفراء إلى أن (وى) متصلة بالكاف وأصله (ويلك) ، وحذفت اللام وهو ضعيف لأن القوم لم يخاطبوا واحدا ، ولأن حذف اللام من هذا لا يعرف.

__________________

(١) قائله يزيد بن الحكم الثقفى يمدح سليمان بن عبد الملك ، وروى ضمن أبيات هى :

أمسى بأسماء هذا القلب معمودا

إذا أقول صحا يعتاده عيدا

كأننى يوم أمس ما تكلمنى

ذو بغية يبتغى ما ليس موجودا

كأن أحور من غزلان ذى بقر

أهدى لنا سنّة العينين والجيدا

اللسان مادة (عود).

(٢) البيت من شواهد سيبويه ، وقد نسبه إلى زيد بن عمرو بن نفيل ١ / ٢٩٠ ، وقبله :

سألتانى الطلاق أن رأتانى

قل مالى قد جئتمانى بنكر

والشاهد فى قوله : (ويكأن) وهى عند الخليل وسيبويه مركبة من (وى) ومعناها التنبيه مع كأن التى للتشبيه ومعناها ألم تر.

٢٣٧

قوله تعالى : (لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا) (٨٢).

أن مخففة من الثقيلة من غير عوض ، وإن كانت قد دخلت على الفعل ، وتقديره : لو لا أن الأمر والشأن منّ الله علينا لخسف بنا.

وقرئ بفتح الخاء والسين. و (لخسف بنا) بضم الخاء وكسر السين. و (خسف) بضم الخاء وسكون السين و (لا يخسف بنا).

فمن قرأ بفتح الخاء والسين ، فمعناه : (لخسف الله بنا) والجار والمجرور فى موضع نصب ب (خسف).

ومن قرأ (لخسف) بضم الخاء وكسر السين ، فالجار والمجرور فى موضع رفع ، لقيامه مقام الفاعل على ما لم يسم فاعله.

ومن قرأ (لخسف) بضم الخاء وسكون السين ، حذفت الكسرة تخفيفا ، كقولهم : (لو عصر منه البان والمسك انعصر) (١). أراد : عصر.

ومن قرأ (لا يخسف بنا) ، فمنزلة قراءة من قرأ (لخسف بنا) على ما لم يسم فاعله.

قوله تعالى : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ) (٨٣).

تلك ، فى موضع رفع لأنه مبتدأ. والدار الآخرة ، فيه ثلاثة أوجه.

الأول : أن يجعلها خبر (تلك) ، فيكون قوله تعالى : (تجعلها) فى موضعه وجهان.

أحدهما : أن يكون فى موضع نصب على الحال.

__________________

(١) قيل فى وصف جارية :

بيضاء لا يشبع منها من نظر

خود يغطى الفرع منها المؤتزر

شرح شافية ابن الحاجب ١ / ٤٣.

٢٣٨

والثانى : أن يكون فى موضع رفع لأنه خبر بعد خبر.

والثانى من القسمة الأولى : أن يكون عطف بيان ، فيكون قوله : (نجعلها) ، فى موضع رفع لأنه خبر المبتدأ ، كما كانت (الدار) عطف بيان.

قوله تعالى : (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى) (٨٥).

من ، فى موضع نصب بفعل مقدر دل عليه (أعلم) ، وتقديره : يعلم من جاء بالهدى كقوله تعالى :

(أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ)(١)

أى ، يعلم من يضل ، ووجب التقدير لامتناع الإضافة ، ولأن (أعلم) لا يعمل فى المفعول لأنه من المعانى ، والمعانى لا تنصب المفعول ، وإن كان يعمل فى الظرف كقول الشاعر :

١٤٨ ـ فإنّا رأينا العرض أحوج ساعة (٢)

لأن المعانى تعمل فى الظروف ، وهى تكتفى برائحة الفعل ، كقولهم : كلّ يوم لك درهم.

قوله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (٨٨).

وجهه (منصوب على الاستثناء) ، ويجوز فيه الرفع على الصفة فإنهم قد يحملون (إلّا) وأصلها الاستثناء على (غير) وأصلها الوصف ، كما يحملون (غير) وأصلها الوصف ، على (إلّا) وأصلها (الاستثناء) فإنهم يقولون :

__________________

(١) ١١٧ سورة الأنعام.

(٢) اللسان مادة (سهم). قال ابن برى : ومنه قول أوس :

فإنا رأينا العرض أحوج ساعة

إلى الصون من ريط يمان مسهّم

والسهم : البرد المخطط.

٢٣٩

قام القوم إلّا زيد. بالرفع على الوصف ، كما يقولون : قام القوم غير زيد. فينصبون (غير) على الاستثناء. فقوله تعالى : (إِلَّا وَجْهَهُ) كأنه قال : غير وجهه.

كقول الشاعر :

١٤٩ ـ وكلّ أخ مفارقه أخوه

لعمر أبيك إلا الفرقدان (١)

أى ، غير الفرقدين.

__________________

(١) هذا البيت من شواهد سيبويه وقد نسبه إلى عمرو بن معدى كرب ١ / ٣٧١. والشاهد فيه نعت (كل) بقوله : إلا الفرقدان ـ على تأويل غير ، والتقدير ، وكل أخ غير الفرقدين مفارقه أخوه.

٢٤٠