البيان في غريب إعراب القرآن - ج ٢

أبو البركات بن الأنباري

البيان في غريب إعراب القرآن - ج ٢

المؤلف:

أبو البركات بن الأنباري


المحقق: الدكتور طه عبد الحميد طه
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب
الطبعة: ٢
ISBN: 977-419-179-X
الصفحات: ٥٧٦
الجزء ١ الجزء ٢

لظى ، يجوز فيها الرفع والنصب ، وكذلك (نزاعة) ، يجوز فيها الرفع والنصب.

فأما رفع (لظى) فمن ثلاثة أوجه.

الأول : أن يكون (لظى) ، خبر (إن). ونزاعة ، خبر ثان.

والثانى : أن يكون (لظى) خبر (إن). ونزاعة ، بدل من (لظى) ، أو خبر مبتدأ محذوف.

والثالث : أن تكون الهاء فى (إنها) ضمير القصة. و (لظى) ، مبتدأ. ونزاعة ، خبره. والجملة من المبتدأ والخبر فى موضع رفع لأنها خبر (إن).

وأما النصب فى (لظى) فعلى البدل من هاء (إنها) ونزاعة بالرفع خبر (إن).

وأما النصب فى (نزاعة) فعلى الحال ، والعامل فيها معنى الجملة ، وزعم أبو العباس المبرد أنه لا يجوز أن يكون منصوبا على الحال لأن (لظى) لا تكون إلا (نزاعة) لأن الحال تكون فيما يجوز أن يكون ويجوز ألا يكون ، وليس كما زعم ، فإن هذه الحال مؤكدة ، والحال المؤكدة لا يشترط فيها ما ذكر ، ألا ترى إلى قوله تعالى :

(وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً)(١) فإن (مصدقا) منصوب على الحال ، وإن كان الحق لا يكون إلا مصدقا ، فدل على جوازه. وتدعو من أدبر ، خبر ثالث ، ويجوز أن يكون مستأنفا مقتطعا مما قبله.

قوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (١٩) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (٢٠) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) (٢١).

العامل فى (إذا) الأولى (هلوع) ، وفى (إذا) الثانية : (منوع). وهلوعا ، منصوب على الحال من المضمر فى (خلق) ، وهذه الحال تسمى الحال المقدّرة ، لأن الهلع إنما يحدث بعد خلقه لا فى حال خلقه ، وجزوعا ومنوعا ، خبر كان مقدرة ، وتقديره ، يكون جزوعا ويكون منوعا.

__________________

(١) ٩١ سورة البقرة.

٤٦١

قوله تعالى : (فَما لِ الَّذِينَ (١) كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (٣٦) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ) (٣٧).

ما ، فى موضع رفع لأنها مبتدأ ، وخبره (للذين). وكفروا ، صلة الذين. وقبلك ، ظرف مكان فى موضع الحال من الضمير المرفوع فى (كفروا) ، أو من المجرور على تقدير ، فما للذين كفروا كائنين قبلك. ومهطعين ، منصوب على الحال بعد حال. وعزين ، منصوب على الحال من الضمير فى (مهطعين) أو (الذين). وعن اليمين وعن الشمال ، من صلة (عزين).

وعزين. جمع عزة وأصلها عزوة. وقيل عزهة مثل سنة ، ثم حذفت اللام ، وجمعت بالواو والنون عوضا عن المحذوف ، كما قالوا : ستون وقلون وثبون.

قوله تعالى : (إِنَّا لَقادِرُونَ (٤٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ) (٤١).

على ، فى موضع نصب لأنه يتعلق ب (قادرون). ونبدل خيرا منهم ، تقديره ، نبدلهم بخير منهم ، فحذف المفعول الأول ، وحرف الجر من الثانى.

قوله تعالى : (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً) (٤٣).

يوم ، بدل من قوله : (يَوْمَهُمُ) فى قوله تعالى :

(حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ)

وتقديره ، حتى يلاقوا يوم يخرجون. وسراعا ، منصوب على الحال من الواو فى (يخرجون) ، وكذلك قوله تعالى :

(كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ) (٤٣)

فى موضع نصب على الحال فى المضمر فى (يخرجون).

__________________

(١) (فما للذين) هكذا فى أ ، ب ـ وقد أثبتناها حفاظا على إملاء المصحف.

٤٦٢

قوله تعالى : (خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ) (٤٤).

منصوب على الحال من الواو فى (يوفضون) ، وكذلك :

(تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ).

قوله تعالى : (ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) (٤٤).

تقديره ، ذلك اليوم الذى كانوا يوعدونه ، فحذف المفعول العائد إلى الاسم الموصوف الذى هو (الذى) تخفيفا ، كقوله تعالى :

(أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً)(١)

أى ، بعثه.

__________________

(١) ٤١ سورة الفرقان.

٤٦٣

«غريب إعراب سورة نوح»

قوله تعالى : (أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ) (١).

فى (أن) وجهان.

أحدهما : أن تكون (أن) مفسرة بمعنى (أى) فلا يكون لها موضع من الإعراب.

والثانى : أن تكون فى موضع نصب بتقدير حذف حرف الجر. وتقديره بأن أنذر. ومثلها فى الوجهين قوله تعالى :

(يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) (١١).

يرسل السماء ، مجزوم على جواب الأمر بتقدير (إن) الشرطية ، وتقديره ، إن تستغفروا يرسل السماء عليكم مدرارا. ومدرارا ، منصوب على الحال من (السماء) ، ولم تثبت الهاء فى (مدرارا) لأن (مفعالا) يكون فى المؤنث بغير تاء ، كقولهم : امرأة معطار ومذكار ومئناث ، لأنهما فى معنى النسب ، كقولهم : امرأة طالق وظامث وحائض أى ، ذات طلاق وطمث وحيض.

قوله تعالى : (خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً (١٥) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً) (١٦).

طباقا ، منصوب لوجهين.

أحدهما : أن يكون منصوبا لأنه وصف ل (سبع).

والثانى : أن يكون منصوبا على المصدر. وجعل فيهن ، أى فى إحداهن.

قوله تعالى : (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) (١٧).

٤٦٤

منصوب على المصدر ، والعامل فيه وجهان.

أحدهما : أن يكون العامل فيه فعلا مقدرا وتقديره ، والله أنبتكم من الأرض فنبتم نباتا. فقدر له فعل ثلاثى يكون جاريا عليه.

والثانى : أن يكون مصدر (أنبتكم) على حذف الزائد.

قوله تعالى : (وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً) (٢١).

قرئ (ولده) بضم الواو وسكون اللام. و (ولده) بفتح الواو واللام.

فمن قرأ بضم الواو وسكون اللام ففيه وجهان.

أحدهما : أن يكون جمع (ولد).

والثانى : أن يكون لغة فى (ولد) كنحل ونحل ، وحزن وحزن ، وسقم وسقم.

قوله تعالى (١) : * (وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ) (٢٣).

غير منصرفين للتعريف ووزن الفعل.

قوله تعالى : (لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) (٢٦). فيعال من (دار يدور) وأصله : (ديوار) فاجتمعت الياء والواو والسابق منهما ساكن فقلبت الواو ياء ، وجعلتا ياء مشددة ، ولا يجوز أن يكون (فعّالا) ، لأنه لو كان (فعّالا) ، لوجب أن يقال : (دوّار. فلما قيل ديّار ، دل على أنه (فيعال) ، لا (فعّال).

__________________

(١) * عند هذه العلامة سقطت ورقات من ب ، وفيها جزء من سورة نوح ، وجزء من سورة الجن.

٤٦٥

«غريب إعراب سورة الجن»

قوله تعالى : (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ) (١).

أنه استمع : فى موضع رفع لأنه مفعول ما لم يسم فاعله ، ل (أوحى) ، وعطف عليها ما بعدها من لفظ (أنّ). وذهب بعض النحويين من الكوفيين إلى أنه إنما فتحت (أن) فى سائر المواضع.

إلى قوله تعالى : (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ) (١٤).

بالعطف على الهاء فى (آمنا به) ، على تقدير حذف حرف الخفض ، لكثرة حذفه مع (أنّ) ، وقد قدمنا أن العطف على الضمير المجرور لا يجوز. والكسر فى العطف على قوله : (قالوا) وما بعده : فى تقدير الابتداء والاستئناف.

قوله تعالى : (فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً) (٨).

وجدناها ، فعل وفاعله ومفعول ، وفى (وجد) وجهان.

أحدهما : أن تجعل متعدية إلى مفعولين ، بمعنى (علمناها) ها ، المفعول الأول.

والوجه الثانى : أن تجعل (وجدناها) متعدية إلى مفعول واحد ، بمعنى (أصبناها) ، وتجعل (ملئت) فى موضع الحال ، بتقدير (قد). وحرسا ، منصوب على التمييز.

قوله تعالى : (وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً) (١٢).

هربا ، منصوب على المصدر فى موضع الحال ، وتقديره ، ولن نعجزه هاربين.

قوله تعالى : (يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً) (١٧).

٤٦٦

عذابا ، منصوب ، بتقدير ، حذف حرف الجر ، وتقديره ، يسلكه فى عذاب ، فحذف حرف الجر فاتصل الفعل به فنصبه.

قوله تعالى : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ) (١٨).

فى موضع (أنّ) ثلاثة أوجه.

الأول : أن يكون فى موضع رفع ، لأنه معطوف على قوله تعالى : (أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ).

والثانى : أن يكون فى موضع جر ، بتقدير حذف حرف الجر ، وإعماله بعد الحذف ، وتقديره : فلا تدعوا مع الله أحدا ، لأن المساجد لله.

والثالث : أن يكون فى موضع نصب ، بتقدير حذف حرف الجر ، فلما حذف اتصل الفعل به فنصبه.

قوله تعالى : (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ) (١٩).

أن يجوز فيه الفتح والكسر ، فالفتح بالعطف على (أن) المفتوحة ب (أوحى) ، والكسر بالعطف على (إن) المكسورة بعد (قالوا) ، على ما بينا.

قوله تعالى : (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٢) إِلَّا بَلاغاً) (٢٣).

بلاغا ، فى نصبه وجهان.

أحدهما : أن يكون منصوبا على المصدر ، ويكون الاستثناء متصلا ، وتقديره ، إنى لن يجيرنى من الله أحد ، ولن أجد من دونه ملتحدا ، إن لم أبلغ رسالات ربى بلاغا.

والثانى : ان يكون منصوبا ، لأنه استثناء منقطع.

قوله تعالى : (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً) (٢٤).

٤٦٧

من ، فيها وجهان.

أحدهما : أن تكون استفهامية فى موضع رفع لأنها مبتدأ. وأضعف ، خبره. ناصرا ، منصوب على التمييز.

والثانى : (*) أن تكون (من) بمعنى الذى ، فتكون فى موضع نصب لأنه مفعول (فسيعلمون). وأضعف ، خبر مبتدأ محذوف ، تقديره ، من هو* (١) أضعف.

قوله تعالى : (قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ) (٢٥).

قريب ، مرفوع على الابتداء. و (ما) فاعله وهى بمعنى الذى ، وقد سدت مسد خبر المبتدأ ، كقولهم أقائم أخوك ، وأذاهب الزيدان. فقائم وذاهب مرفوعان بالابتداء ، وأخوك والزيدان مرفوعان بأنهما فاعلان ، وقد سدّا مسدّ خبر المبتدأ فكذلك ههنا ، والعائد على (ما) محذوف ، وتقديره ، أقريب ما توعدون ، فحذف الهاء ، ويجوز أن تكون (ما) مصدرية فلا تفتقرا إلى عائد.

قوله تعالى : (إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) (٢٧).

من ، فيها وجهان.

أحدهما : أن تكون فى موضع رفع بالابتداء ، وخبره (فإنه يسلك (٢)).

والثانى : أن يكون فى موضع نصب على الاستثناء المنقطع.

قوله تعالى : (وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) (٢٨).

عددا ، منصوب على التمييز وليس بمصدر ، لأنه لو كان مصدرا ، لكان مدغما.

__________________

(*) من قوله تعالى (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ) إلى ، هذه العلامة تكرر فى ٢٢٣ ـ ١ ، ٢٢٣ ـ ٢.

(١) ـ من هذه العلامة بدأت الكتابة بعد ما سقط من ورقات النسخة ب.

(٢) (فإنه لله ملك) هكذا فى أ ، ب.

٤٦٨

«غريب إعراب سورة المزمل»

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) (٢).

المزمل ، صفة (أى) وأصله (المتزمل) ، إلا أنه أبدلت التاء زايا ، وأدغمت الزاى فى الزاى ، وكان إبدال التاء زايا أولى من إبدال الزاى تاء ، لأن الزاى فيها زيادة صوت. وهى من حروف الصفير ، وهم أبدا يدغمون الأنقص فى الأزيد ، وقد بينا ذلك فى غير موضع.

(قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) (٢).

تقديره ، قم الليل نصفه إلا قليلا. فنصفه ، منصوب على البدل من (الليل) ، أو هما ظرفان. وقليلا ، استثناء منه ، وقد قدم المستثنى على المستثنى منه ، وهو قليل.

قوله تعالى : (أَشَدُّ وَطْئاً) (٦).

منصوب على التمييز.

(وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) (٨).

تبتيلا ، منصوب على المصدر ، وهذا المصدر غير جار على فعله ، لأن (تبتيلا) تفعيل ، وتفعيل إنما تجىء فى مصدر فعل كقولهم ، رتّل ترتيلا

(وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً)(١) ، وقتّل تقتيلا كقوله تعالى :

__________________

(١) ٤ سورة المزمل.

٤٦٩

(وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً)(١)

وههنا جاء ل (تفعّل) ، وقياسه أن يجىء على التفعل نحو ، التبتل ، إلا أنهم قد يجرون المصدر على غير فعله ، لمناسبة بينهما. قال الشاعر :

١٧٣ ـ وخيرا الأمر ما استقبلت منه

وليس بأن تتبّعه اتّباعا (٢)

فأجرى (اتباعا) مصدرا على (تتبعه) والقياس أن تقول فى مصدره (تتبعا).

وقال الآخر :

١٧٤ ـ وإن شئتم تعاودنا عوادا (٣)

فأجرى (عوادا) مصدرا على (تعاودنا) ، وقياسه (تعاودا) ، والشواهد على هذا النحو كثير جدا.

قوله تعالى : (يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ) (١٤).

يوم ، منصوب على الظرف ، والعامل فيه ما فى (الدنيا) من معنى الاستقرار ، كما تقول : إن خلفك زيدا غدا. والعامل فى (غد) الاستقرار ، الذى دل على (خلفك) ، وهو العامل فى (خلفك) ، وجاز أن يعمل فيهما لاختلافهما ، لأن أحدهما ظرف زمان والآخر ظرف مكان.

__________________

(١) ٦١ سورة الأحزاب.

(٢) استشهد ابن جنى بالشطر الثانى فى كتابه الخصائص ٢ ـ ٣٠٩ ، والبيت للقطامى.

(٣) هذا عجز بيت ، وصدره مع بيت قبله :

سرحت على بلادكم جيادى

فأدّت منكم كوما جلادا

بما لم تشكروا المعروف عندى

وإن شئتم تعاودنا عوادا

وقد نسبه المحقق إلى شقيق بن جزء ـ الخصائص ٢ ـ ٣٠٩ ، ٣ ـ ٢١.

٤٧٠

قوله تعالى : (كَثِيباً مَهِيلاً) (١٤).

مهيلا ، أصله (مهيولا) على وزن مفعول ، من (هلت) ، فاستثقلت الضمة على الياء ، فنقلت إلى الهاء قبلها ، فبقيت الياء ساكنة والواو ساكنة ، فحذفت الواو لالتقاء الساكنين ، وكسرت الهاء لتصحيح الياء. وذهب الأخفش والكوفيون إلى أن الياء هى المحذوفة ، إلا أنهم كسروا الهاء قبل حذف الياء لمجاورتها الياء. فلما حذفت الياء انقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها. ويجوز أن يؤتى به على الأصل فيقال : مهيولا. كما يقال فى (كيل مكيول) ، وكذلك ما أشبهه من بنات الياء. فإن كان من بنات الواو ، نحو (مقول) ، فإنه لا يجوز أن يؤتى به على أصله عند البصريين ، فلا يقال : مقوول ، إلا أنه يجىء شاذا نحو : مصوور ، ومدوور ، وأجازه الكوفيون.

قوله تعالى : (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) (٩).

يقرأ بالجر والرفع. فالجر ، على البدل من (ربك). والرفع على تقدير مبتدأ محذوف ، وتقديره ، هو رب المشرق.

قوله تعالى : (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً) (١٧).

يوما ، منصوب لأنه مفعول (تتقون) ، وليس منصوبا على الظرف. ويجعل ، جملة فعلية فى موضع نصب ، لأنه صفة (يوم).

قوله تعالى : (السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ) (١٨).

وإنما قال : منفطر. من غير تاء لثلاثة أوجه.

الأول : أن يكون جملة على معنى النسب ، أى ، ذات انفطار.

والثانى : أن يكون جملة على المعنى بأن جعل السماء فى معنى السقف ، كما قال تعالى :

٤٧١

(وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً)(١).

والثالث : أن (السماء) يجوز فيها التذكير والتأنيث. فيقال (منفطر) أتى به على التذكير ، وهذا قول الفراء.

قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ) (٢٠).

طائفة ، مرفوع لأنه (٢) معطوف على (طائفة) (٣). وإنما جاز العطف على الضمير المرفوع المستكن فى (تقوم) ، لوجود الفصل ، والفصل يقوم مقام التوكيد فى تجويز العطف. ونصفه وثلثه ، ويجوز جرهما ونصبهما. فالجر بالعطف على (ثلثى الليل). والنصب بالعطف على قوله تعالى :

(عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) (٢٠).

أن. مخففة من الثقيلة. والسين ، عوض عن التشديد ، وقد يقع التعويض بسوف وقد وحرف النفى ، كما يعوض بالسين جبرا لما دخل الحرف من النقص.

قوله تعالى : (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً) (٢٠).

خيرا ، منصوب لأنه مفعول ثان ل (تجدوه) ، والهاء هى المفعول الأول ، وهو ، فصل على قول البصريين ، ولا موضع له من الإعراب ، ويسميه الكوفيون عمادا ، ويحكمون له بموضع من الإعراب. فمنهم من يحكم عليه بإعراب ما قبله ، ومنهم من يحكم عليه بإعراب ما بعده ، وقد بينا فساده فى كتاب الإنصاف فى مسائل الخلاف (٤).

__________________

(١) ٣٢ سورة الأنبياء.

(٢) (لا) فى أبدل (لأنه) فى ب.

(٣) (طائفة) فى الأصل والصحيح (لأنه معطوف على الضمير المرفوع فى تقوم).

(٤) المسألة ١٠٠ الإنصاف ٢ ـ ٤١٥.

٤٧٢

«غريب إعراب سورة المدّثر»

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) (١).

صفة (أى) وأصله (المتدثر). إلا أنه أبدلت التاء وإلا لقرب مخرجهما. وأدغمت الدال فى الدال ، وأدغمت التاء فى الدال ، ولم تدغم الدال فى التاء ، لأن التاء مهموسة والدال مجهورة ، والمجهور أقوى من المهموس والمهموس أضعف ، فكان إدغام الأضعف فى الأقوى ، أولى من إدغام الأقوى فى الأضعف.

قوله تعالى : (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) (٦).

تستكثر ، جملة فعلية فى موضع نصب على الحال وتقديره ، ولا تمنن مستكثرا.

قوله تعالى : (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ) (٨).

فى الناقور ، فى موضعه وجهان : الرفع والنصب. فالرفع لأنه قام مقام ما لم يسم فاعله ، والنصب لأن المصدر قام مقام الفاعل ، فاتصل الفعل به بعد تمام الجملة ، فوقع فضله ، فكان فى موضع نصب.

قوله تعالى : (فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ) (٩).

فذلك ، مبتدأ. ويومئذ ، بدل منه. ويوم عسير ، خبر المبتدأ. ويجوز أن يكون (يومئذ) خبر المبتدأ ، إلا أنه بنى على الفتح ، لأنه أضعف إلى غير متمكن ، وهو (إذا) ولا يجوز أن يتعلق قوله : (يومئذ) بقوله : عسير ، لأن ما تعمل فيه الصفة ، لا يجوز أن يتقدم على الموصوف.

قوله تعالى : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) (١١).

٤٧٣

وحيدا ، منصوب على الحال من الهاء المحذوفة فى (خلقت) ، وتقديره ، خلقته وحيدا.

قوله تعالى : (لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) (٢٩).

لواحة ، مرفوع لأنه خبر مبتدأ محذوف ، وتقديره ، هى لواحة.

قوله تعالى : (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) (٣٠).

فى موضع رفع لأنها مبتدأ ، وهو مبنى على الفتح ، وعليها خبره. وإنما بنى (تسعة عشر) لأنه تضمن معنى الحرف. وهو واو العطف ، لأن الأصل فيه ، تسعة عشر. إلا أنه لما حذفت الواو : تضمنا معنى الحرف ، فوجب أن يبنيا ، وبنيا على حركة تمييزا لهما عما بنى وليس له حالة إعراب ، وبنيا على الفتح لأنه أخف الحركات.

قوله تعالى : (نَذِيراً لِلْبَشَرِ) (٣٦).

منصوب من خمسة أوجه.

الأول : أن يكون منصوبا على المصدر ، أى ، إنذارا للبشر ، فيكون نذير بمعنى إنذار ، كنكير بمعنى إنكار.

(فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ)(١) أى ، إنكارى.

والثانى : أن يكون منصوبا على الحال من (إحدى الكبر).

والثالث : أن يكون منصوبا على الحال من المضمر فى (قسم) فى أول السورة. وتقديره ، قم نذيرا للبشر.

والرابع : أن يكون منصوبا بتقدير فعل ، أى ، صيرها الله نذيرا ، أى. ذات إنذار ، فذكر اللفظ على النسب.

__________________

(١) ٤٤ سورة الحج ، ٤٥ سورة سبأ ، ٣٦ سورة فاطر ، ١٨ سورة الملك.

٤٧٤

والخامس : أن يكون منصوبا بتقدير ، أعنى ، وتقديره أعنى نذيرا للبشر.

قوله تعالى : (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (٤٩) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ) (٥٠).

ما ، فى موضع رفع بالابتداء. ولهم ، خبره. ومعرضين ، منصوب على الحال من الضمير فى (لهم) ، والعامل ما فى (لهم) من معنى الفعل. وعن التذكرة ، وكأنهم حمر ، فى موضع الحال بعد حال ، أى مشابهين حمرا مستنفرة ، أى نافرة والله أعلم.

٤٧٥

«غريب إعراب سورة القيمة» (١)

قوله تعالى : (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) (١).

لا ، فيها وجهان.

أحدهما : أن تكون زائدة ، وإن كانت لا تزاد أولا ، لأنها فى حكم المتوسطة.

والثانى : أنها ليست زائدة ، بل هى ترد لكلام مقدم فى سورة أخرى. و (لا) الثانية ، غير زائدة.

وقرئ (لأقسم بيوم القيامة) وهى لام القسم ، وقد جاء عنهم حذف النون مع وجود اللام ، والأكثر فى كلامهم ثبوت النون مع اللام ، وقيل : إنما حذفت النون لأنه جعله حالا ، والنون تنقل الفعل من الحال إلى الاستقبال.

قوله تعالى : (بَلى قادِرِينَ) (٤).

قادرين ، منصوب على الحال ، والعامل فيها محذوف لدلالة الكلام عليه ، وتقديره ، بلى نجمعها قادرين.

قوله تعالى : (يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ) (٦).

أيان ، مبنى على الفتح ، وإنما بنى لتضمنه معنى حرف الاستفهام ، لأنه بمعنى (متى) ، وكما أن متى مبنى لتضمنه حرف الاستفهام ، وكذلك (أيان) ، وبنى على حركة لالتقاء الساكنين ، وهما الألف والنون ، وكانت الفتحة أولى لأنها أخف الحركات.

قوله تعالى : (وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) (٩).

إنما قال : (جمع) بالتذكير لوجهين.

__________________

(١) سورة القيامة.

٤٧٦

أحدهما : أنه قال : (جمع) ، لأن تأنيث الشمس غير حقيقى ، وإذا كان تأنيثها غير حقيقى ، جاز تذكير الفعل الذى أسند إليها.

والثانى : أنه لما جمع بين المذكر والمؤنث ، غلّب جانب المذكر على جانب المؤنث كقولهم : قام أخواك هند وزيد.

قوله تعالى : (كَلَّا لا وَزَرَ (١١) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ) (١٢).

خبر (لا) محذوف وتقديره ، لا وزر هناك ، أى لا ملجأ. والمستقر ، مبتدأ وإلى ربك ، خبره.

قوله تعالى : (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) (١٤).

بصيرة ، فيه ثلاثة أوجه.

الأول : أن تكون الهاء فيه للمبالغة ، كعلّامة ونسّابة وراوية.

والثانى : أن حمل الإنسان على النفس ، فلذلك أنث (بصيرة).

والثالث : أن يكون أنث بصيرة لأن التقدير فيه ، بل الإنسان على نفسه عين بصيرة. فحذف الموصوف ، وأقيمت الصفة مقامه.

قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (٢٣).

ناضرة من النضارة بالضاد. وإلى ربها ناظرة ، من النظر بالبصر بالظاء ، وفى هذه دليل على إثبات الرؤية ، لأن النظر إذا قرن بالوجه ، وعدّى بحرف الجر ، دل على أنه بمعنى النظر بالبصر. فقال : نظرت الرجل ، إذا انتظرته ، ونظرت إليه ، إذا أبصرته ، فأما قول الشاعر :

١٧٥ ـ وجوه يوم بدر ناظرات إلى الرحمن (١) ......

__________________

(١) لم أقف على صاحب هذا الشاهد.

٤٧٧

فتقديره ، إلى أسماء الرحمن ، لأن النصر ينزل من السماء.

قوله تعالى : (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى) (٣١).

أى ، لم يصدق ولم يصل ، كقوله تعالى :

(فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ)(١).

أى ، لم يقتحم. وسنذكره فى موضعه إن شاء الله تعالى.

قوله تعالى : (ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى) (٣٣).

أصله (يتمطط) أى ، يتبختر ، من المطيطاء (٢) ، فأبدل من الطاء الآخرة ياء كقولهم : تظنيت وأصله ، تظننت ، وأمليت ، وأصله أمللت ، ثم قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها.

قوله تعالى : (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) (٣٤).

أولى مبتدأ. ولك ، خبره. وحذف خبر (أولى) الثانى ، اجتزاء بخبر الأول عنها ، وأولى لا ينصرف للتعريف ووزن الفعل ، لأنه على وزن أفعل ، وقيل إنه اسم من أسماء الأفعال ل (قاربك).

قوله تعالى : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) (٣٦).

أن يترك ، سد مسد مفعولى (يحسب). وسدى ، فى موضع نصب على الحال من المضمر فى (يترك).

قوله تعالى : (فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) (٣٩).

الذكر والأنثى ، منصوبان على البدل من (الزوجين).

__________________

(١) ١١ سورة البلد.

(٢) (المطيطاء) اسم مشية بنى مخزوم فى الجاهلية ومنهم أبو جهل ، تفسير جزء تبارك للشيخ عبد القادر المغربى.

٤٧٨

قوله تعالى : (عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) (٤٠).

لا يجوز إدغام إحدى الياءين فى الأخرى ، لأن الحركة فى الثانية حركة إعراب ، وأجاز الفراء فيه الإدغام لحركة الياء الثانية ، وإن كانت الحركة حركة إعراب ، وأجمعوا على أنه لا يجوز الإدغام ، إذا كان فى موضع رفع ، لأن الياء الثانية تكون فى حالة الرفع ساكنة ، فلو جاز الإدغام ، لأدى ذلك إلى اجتماع ساكنين ، والإدغام إنما يكون بإدغام ساكن فى متحرك لا فى ساكن.

٤٧٩

«غريب إعراب سورة الإنسان»

قوله تعالى : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ) (١).

هل : فيها وجهان.

أحدهما : أن تكون (هل) بمعنى قد. كقول الشاعر :

١٧٦ ـ سائل فوارس يربوع بشدتنا

أهل رأونا بسفح القفّ ذى الأكم (١)

أى ، أقد.

والثانى : أن يكون الاستفهام بمعنى التقرير ، وهو تقرير لمن أنكر البعث ، ولا بد من (نعم) فيقال له : من أحدثه بعد العدم ، كيف يمتنع عليه إعادته فإن من قدر على إحداث شىء بعد أن لم يكن ، كان على إعادته أولى.

قوله تعالى : (إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) (٣).

شاكرا وكفورا ، منصوبان على الحال من الهاء فى (هديناه).

قوله تعالى : (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً) (٤).

قرئ (سلاسل) بتنوين وغير تنوين ، فمن نونه فلأنه جاور (أغلالا) كقوله :

(ارجعن مأزورات غير مأجورات).

وكقولهم :

__________________

(١) من شواهد ابن جنى ، الخصائص ٣ ـ ٤٦٣ قد نسبه المحقق إلى زيد الخيل الطائى. بشدتنا : أى عنها ، والشدة الحملة ـ والقف : جبل ليس بعال فى السماء.

٤٨٠