البيان في غريب إعراب القرآن - ج ٢

أبو البركات بن الأنباري

البيان في غريب إعراب القرآن - ج ٢

المؤلف:

أبو البركات بن الأنباري


المحقق: الدكتور طه عبد الحميد طه
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب
الطبعة: ٢
ISBN: 977-419-179-X
الصفحات: ٥٧٦
الجزء ١ الجزء ٢

بالتخفيف والكسر ، كانت (ما) مصدرية ، وتقديره لصبرهم. ومن قرأ بالتشديد والفتح ، كانت (لمّا) ظرف زمان بمعنى (حين) ، فى موضع نصب والعامل فيه (يهدون).

قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ) (٢٥).

هو ، ههنا فصل ، لأنّ (يفصل) فعل مضارع ، ولو كان فعلا ماضيا لم يجز ، فإنهم يجيزون : زيد هو يقوم. قال الله تعالى :

(وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ)(١)

وقال تعالى :

(أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ)(٢)

ولا يجيزون ، زيد هو قام. وإنما كان كذلك لأن الفعل المضارع ، أشبه الأسماء شبها أوجب له الإعراب ، بخلاف الفعل الماضى ، ولهذا المعنى جاز أن يقع المضارع بعد حرف الاستثناء ، دون الماضى فيجوز نحو ، ما زيد إلا يقوم. ولا يجوز نحو ، ما زيد إلا قام.

قال تعالى : (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ) (٢٦).

يقرأ (يهد) بالياء والنون ، فمن قرأ بالياء كان فاعل (يهد) مقدرا وهو المصدر ، وتقديره أو لم يهد الهدى لهم. وإليه ذهب أبو العباس المبرد ، وذهب بعض النحويين إلى أن الفاعل هو الله تعالى ، وتقديره أو لم يهد الله لهم. ومن قرأ (نهد) بالنون ، فالفاعل مقدر فيه ، وتقديره نهد نحن لهم. وهذا لا إشكال فيه. وكم ، فى موضع نصب ب (أهلكنا).

قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ) (٢٨).

__________________

(١) ١٠ سورة فاطر.

(٢) ١٠٤ سورة التوبة.

٢٦١

هذا ، فى موضع رفع لأنه مبتدأ ، والفتح ، صفته. ومتى ، خبره. لأن (الفتح) مصدر وهو حدث ، ومتى ظرف زمان ، وظروف الزمان يجوز أن تكون أخبارا عن الأحداث ، لوجود الفائدة فى الإخبار بها عنها ، ولا يجوز أن تكون أخبارا عن الجثث ، لعدم الفائدة ، ألا ترى أنك إذا قلت : زيد يوم الجمعة. لم يكن فيه فائدة ، لأن زيدا لا يجوز أن يخلو عن يوم الجمعة ، بخلاف ظرف المكان فإن فى الإخبار بها عن الجثث فائدة ، ألا ترى أنك إذا قلت : زيد أمامك أو خلفك ، كان مفيدا (١) ، لأنه يجوز ألّا يكون أمامك ولا خلفك. فإذا أخبرت به عنه كان مفيدا (٢) وإنما اعتبر هذا المعنى فى الخبر لأنه معتمد الفائدة ، كما أن المخبر عنه معتمد البيان ، فكما لا يجوز الإخبار عن الفكرة المحضة لعدم البيان ، فكذلك لا يجوز الإخبار بظروف الزمان عن الجثث لعدم الفائدة.

__________________

(١) (مقيدا) فى ب.

(٢) (مقيدا) فى ب.

٢٦٢

«غريب إعراب سورة الأحزاب»

قوله تعالى : (وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ) (٤).

أزواج ، جمع زوج ، كثوب وأثواب ، وحوض وأحواض. والزوج ينطلق على الذكر والأنثى ، يقال : هما زوجان ، وقد يقال للمرأة : زوجة ، واللغة الفصحى بغير تاء ، وهى لغة القرآن. قال الله تعالى :

(اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ)(١)

وقال تعالى :

(وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ)(٢)

أى امرأته.

واللائى ، فيه ثلاث قراءات ، بإثبات الياء ، وبحذفها ، ويجعل الهمزة بين بين بعد حذف الياء. فمن قرأ بإثبات الياء فعلى الأصل ، ومن قرأ بحذفها اجتزأ بالكسرة عن الياء. ومن قرأ بجعل الهمزة بين بين بعد الحذف فللتخفيف لكثرة الأمثال وهى : الألف والهمزة والكسرة والياء.

وتظاهرون ، يقرأ بتخفيف الظاء وتشديدها ، وأصلهما ، يتظاهرون ، فمن قرأ بالتخفيف حذف التاء الثانية ، وكان حذف الثانية أولى من الأولى ، لأن التكرار

__________________

(١) ٣٥ سورة البقرة ، ١٩ سورة الأعراف.

(٢) ٩٠ سورة الأنبياء.

٢٦٣

بها حصل ، والاستثقال بها وقع ، فكانت أولى بالحذف. ومن قرأ بالتشديد أبدل (١) الثانية أيضا ظاء ، وأدغم الظاء فى الظاء ، وكان تغيير الثانية بالإدغام أولى من الأولى لما ذكرنا ، أن التكرار بها حصل ، فكان تغييرها أولى من الأولى.

قوله تعالى : (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ) (٤).

الحق ، منصوب لوجهين.

أحدهما : أن يكون مفعولا ل (يقول).

والثانى : أن يكون صفة لمصدر محذوف ، وتقديره ، والله يقول القول الحقّ.

قوله تعالى : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) (٥).

(ما) يجوز فى موضعها وجهان : الجر ، والرفع.

فالجر بالعطف على (ما) فى قوله تعالى : (فيما أخطأتم به) ، والرفع على الابتداء ، وتقديره ، ولكن ما تعمدت قلوبكم يؤاخذكم به.

قوله تعالى : (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) (٦).

مبتدأ وخبر ، على حد قولهم : أبو يوسف أبو حنيفة. أى يقوم مقامه ويسد مسده ، والمعنى ، إنهن بمنزلة الأم فى التحريم ، فلا يجوز لأحد أن يتزوج بهن ، احتراما للنبى عليه‌السلام.

قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً) (٦).

أن وصلتها ، فى موضع نصب على الاستثناء المنقطع.

قوله تعالى : (إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ) (١٠).

__________________

(١) (أدغم) فى أ.

٢٦٤

إذ ، فى موضع نصب على البدل من (إذ) فى قوله تعالى :

(اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ) وإذ جاءتكم جنود ، فى موضع نصب ب (اذكروا).

قوله تعالى (وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا) (١٠).

يقرأ (الظنونا) بالألف وتركها. فمن أثبتها فلأنها فاصلة ، وفواصل الآيات تشبه رءوس الأبيات. ومن لم يثبت الألف ، فلأن الألف إنما تكون بدلا من التنوين ، ولا تنوين ههنا.

قوله تعالى : (وَإِذْ يَقُولُ) و (إِذْ قالَتْ) (١٢ ، ١٣).

إذ فيهما ، يتعلق بفعل مقدر ، وتقديره ، اذكر إذ يقول ، وإذ قالت.

قوله تعالى : (وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ) (١٣).

ويستأذن ، الواو فى (ويستأذن) فيها وجهان.

أحدهما : أنها واو الحال ، والجملة بعدها فى موضع نصب على الحال من (الطائفة) المرتفعة ب (قالت). وذهب آخرون إلى أنه تم الكلام عند قوله : (فَارْجِعُوا) ، وليست الواو فى (ويستأذن) واو الحال. وإن بيوتنا عورة ، أى ، ذات عورة. فحذف المضاف ، ويجوز أن يكون أصله (عورة) فحذف الكسرة تخفيفا.

قوله تعالى : (وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ) (١٥).

عاهدوا الله ، بمنزلة القسم. ولا يولون الأدبار ، جوابه.

قوله تعالى : (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ) (١٩).

٢٦٥

أشحة منصوب لوجهين.

أحدهما : أن يكون منصوبا على الحال من الواو فى (يأتون).

والثانى : أن يكون منصوبا على الذم.

قوله تعالى : (رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) (١٩).

ينظرون إليك ، جملة فعلية فى موضع نصب على الحال ، من الهاء والميم فى (رأيتهم) ، وهو من رؤية العين. وتدور أعينهم ، يحتمل وجهين.

أحدهما : أن يكون حالا من الواو فى (ينظرون).

والثانى : أن يكون حالا بعد حال.

كالذى يغشى عليه من الموت ، تقديره تدور أعينهم دورانا كدوران عين الذى يغشى عليه من الموت. فحذف المصدر وهو (دورانا) ، وما أضيفت الكاف إليه وهو (دوران) ، وما أضيف (دوران) إليه وهو (عين) وأقيم (الذى) مقام (عين) ، وإنما وجب هذا التقدير بهذه الحذوف ليستقيم معنى الكلام ، لأن تشبيه الدوران بالذى يغشى عليه من الموت ، لا يستقيم ، لأن الدوران عرض ، والذى يغشى عليه من الموت جسم ، والأعراض لا تشبّه بالأجسام. ومن الموت ، أى من حذر الموت.

قوله تعالى : (أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ) (١٩).

أشحة ، منصوب على الحال من الواو فى (سلقوكم) وهو العامل فيه.

قوله تعالى : (وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ) (٢٠).

الجار والمجرور فى موضعه وجهان ، الرفع والنصب. فالرفع على أنه خبر بعد خبر ،

٢٦٦

وتقديره ، لو أنهم بادون كائنون فى جملة الأعراب ، والنصب على الحال من الضمير فى (بادون).

قوله تعالى : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) (٢١).

لمن كان يرجو ، الجار والمجرور فى موضع رفع لأنه صفة بعد صفة ل (أسوة). وتقديره ، أسوة حسنة كائنة لمن كان. ولا يجوز أن يتعلق بنفس (أسوة) ، إذا جعل بمعنى التأسى ، لأن (أسوة) وصفت ، وإذا وصف المصدر لم يعمل ، فكذلك ما كان فى معناه.

قوله تعالى : (وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً) (٢٢).

أى وما زادتهم الرؤية إلا إيمانا. وإنما قال : زادهم بالتذكير ، ولم يقل : زادتهم. لأن الرؤية بمعنى النظر.

قوله تعالى : (رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) (٢٣).

ما ، ههنا ، مصدرية ، وهى فى موضع نصب ب (صدقوا) ، وتقديره ، صدقوا الله فى العهد. أى وفّوا به.

قوله تعالى : (فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ) (٢٨).

أصله من العلو إلا أنه كثر استعماله ، ونقل عن أصله ، حتى استعمل فى معنى (أنزل). فيقال للمتعالى : تعال. أى انزل.

قوله تعالى : (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً) (٣١).

من ذكّر (يقنت ويعمل صالحا) حمله على لفظ (من) ، ومن أنّث (تعمل) حمله

٢٦٧

على معنى (من) لأن المراد بها المؤنث ، ومن النحويين من يستضعف الرجوع إلى التذكير بعد التأنيث ، ومنهم من لا يستضعفه ويستدل بقوله تعالى :

(وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا)(١).

قوله تعالى : (يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ) (٣٢).

إن اتقيتن شرط وفى جوابه وجهان.

أحدهما : أن يكون قوله : (فلا يخضعن بالقول) جواب الشرط.

والثانى : أن يكون جوابه ما دل عليه قوله تعالى :

(لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ) ، وتقديره ، إن اتقيتن انفردتن بخصائص من جملة سائر النساء. ودل على هذا التقدير قوله تعالى : (لستن).

قوله تعالى : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) (٣٣).

قرئ (قرن) بكسر القاف و (قرن) بفتحها. فمن كسر القاف ففيه وجهان.

أحدهما : أن يكون من (وقر يقر) أى ، اسكن.

والثانى : أن يكون على لغة من قال : (قرّ يقرّ) لأن الأصل فيه (اقررن) ، فنقلت الكسرة إلى القاف بعد حذف الراء. ومن قرأ بالفتح كان أصله (اقررن) من (قرّ يقرّ) فنقلت فتحة الراء (٢) بعد حذفها إلى القاف ، فلما فتحت القاف استغنى عن

__________________

(١) ١٣٩ سورة الأنعام.

(٢) (الواو) فى أ.

٢٦٨

همزة الوصل ، لأنها إنما اجتلبت لسكون القاف ، فلما تحركت القاف ، استغنى عنها فحذفت ، وإنما حذفت الراء لتكررها مع نظيرها ، وتكررها فى نفسها ، فإنها حرف تكرير ، وإذا استثقل التكرير والتضعيف فى حرف غير مكرر ، ففى المكرر أولى ، وإذا كانوا قد حذفوا للتضعيف فى الحرف فقالوا فى (رب رب) وفى (أنّ أن) والحرف لا يدخله الحذف ، فلأن يحذفوا فى الفعل الذى يدخله الحذف أولى.

قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) (٣٣).

أهل البيت ، منصوب من وجهين.

أحدهما : أنه منصوب على الاختصاص والمدح ، كقوله عليه‌السلام : (سلمان منّا أهل البيت) وتقديره ، أعنى وأمدح أهل البيت.

والثانى : أن يكون منصوبا على النداء ، كأن قال : يا أهل البيت. والأول أوجه الوجهين.

وأجاز بعض النحويين الخفض على البدل من الكاف والميم فى (عنكم) ولا يجيزه البصريون لوجهين.

أحدهما : أن الغائب لا يبدل من المخاطب لاختلافهما.

والثانى : أن البدل دخل الكلام للبيان ، والمخاطب لا يفتقر إلى بيان.

قوله تعالى : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ) إلى قوله تعالى : (وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ) (٣٥).

كلّه منصوب بالعطف على اسم (إن) وخبرها (أعد الله لهم مغفرة). والتقدير فى قوله : (والذاكرين الله كثيرا والذاكراته) ، فحذف المفعول وكذلك التقدير ، والحافظين فروجهم والحافظات. أى ، والحافظاتها ، فحذف المفعول لدلالة ما تقدم عليه.

٢٦٩

قوله تعالى : (وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) (٣٧).

والله ، مبتدأ. وأحق ، خبر المبتدأ. وأن تخشاه فى موضعه وجهان ، النصب والرفع. فالنصب بتقدير حذف حرف الجر ، والرفع من وجهين.

أحدهما : أن يكون مرفوعا على أن يجعل (أن) وصلتها فى موضع رفع بالابتداء. وأحق ، خبره. والجملة من المبتدأ والخبر فى موضع رفع ، لأنه خبر المبتدأ الأول وهو (الله تعالى) ، ويجوز أن تجعل (أن) وصلتها بدلا من (الله تعالى) مبتدأ. وأحق ، خبره ، ولا يجوز أن يجعل (أحق) مضافا إلى (أن) لأنّ أفعل إنما يضاف إلى ما هو بعض له ، وهو ههنا مستحيل.

قوله تعالى : (سُنَّةَ اللهِ) (٣٨).

مصدر لفعل دل عليه ما قبله ، لأن ما قبله من قوله تعالى :

(فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ) يدل على أنه سنّ له سنّة.

قوله تعالى : (وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ) (٤٠).

رسول الله ، قرئ بالنصب والرفع. فمن قرأ بالنصب جعل خبر (كان) مقدرة ، وتقديره ، ولكن كان محمد رسول الله. ومن قرأه بالرفع جعله خبر مبتدأ محذوف ، وتقديره ، هو رسول الله.

قوله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً) (٤٥).

إلى قوله تعالى : (وَسِراجاً مُنِيراً) (٤٦).

كلها منصوبات على الحال ، وقيل : وسراجا. يعنى به القرآن وهو منصوب بتقدير فعل وتقديره ، وتاليا سراجا.

٢٧٠

قوله تعالى : (إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ) إلى قوله تعالى : (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ) (٥٠).

فى نصب (امرأة) وجهان.

أحدهما : أن يكون منصوبا بالعطف على قوله تعالى : (أَزْواجَكَ) والعامل فيه (أَحْلَلْنا).

والثانى : أن يكون منصوبا بتقدير فعل ، وتقديره ، ويحل لك امرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبى. وليس معطوفا على المنصوب ب (أحللنا) ، لأن الشرط والجزاء لا يصح فى الماضى. ألا ترى أنك لو قلت : إن قمت غدا قمت أمس. كنت مخطئا ، وهذا الوجه أوجه الوجهين.

ومن قرأ (أن وهبت) بفتح الهمزة ففيه وجهان.

أحدهما : أن يكون (أن وهبت) بدلا من (المرأة).

والثانى : أن يكون على حذف حرف الجر ، وتقديره ، لأن وهبت.

قوله تعالى : (لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ) (٥٠).

فى موضع نصب لأنه يتعلق ب (أحللنا) وتقديره ، أحللنا لك هذه الأشياء ، لكيلا يكون عليك حرج. أى ، ضيق.

قوله تعالى : (وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ) (٥١).

كلهن : مرفوع لأنه تأكيد للمضمر فى (يرضين) ، وقد قرئ فى الشواذ (كلّهن) بالنصب ، تأكيدا للضمير فى (أتيتهن) ، وهو على خلاف ظاهر ما تعطيه الآية من المعنى.

قوله تعالى : (إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ) (٥٢).

٢٧١

ما ، فى موضعها وجهان : الرفع والنصب.

فالرفع على البدل من (النساء) فى قوله تعالى :

(لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ).

والنصب من وجهين.

أحدهما : أن يكون منصوبا على أصل الاستثناء وهو النصب ، و (ما) فى هذين الوجهين اسم موصول يفتقر إلى صلة وعائد. فالصلة (ملكت) ، والعائد محذوف للتخفيف.

والثانى : أن تكون (ما) مصدرية فى موضع نصب على الاستثناء المنقطع ، ولا يفتقر فى هذا الوجه إلى حذف ضمير كالوجه الأول.

قوله تعالى : (غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ) (٥٣).

غير ، منصوب على الحال من الواو فى (يدخلوا). وإن أجرى وصفا على الطعام ، وجب إبراز الضمير ، لأن اسم الفاعل إذا جرى وصفا على غير من هو له ، وجب فيه إبراز الضمير ، فكان ينبغى أن يقال : إلى طعام غير ناظرين إناه أنتم. وقد قرئ فى الشواذ.

قوله تعالى : (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ) (٥٣).

أن وصلتها ، فى موضع رفع لأنها اسم (كان) ، وكذلك قوله تعالى :

(وَلا أَنْ تَنْكِحُوا) لأنه عطف عليه.

قوله تعالى : (مَلْعُونِينَ) (٦١).

فى نصبه وجهان.

أحدهما : أن يكون منصوبا على الحال من الواو فى (لا يجاورونك).

٢٧٢

والثانى : أن يكون منصوبا على الذم ، وتقديره ، أذمّ ملعونين.

قوله تعالى (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (٧٣).

رحيما ، فى نصبه ثلاثة أوجه.

الأول : أن يكون منصوبا على الحال من المضمر فى (غفور) وهو العامل فيه.

والثانى : أن يكون صفة لغفور.

والثالث : أن يكون خبرا بعد خبر.

٢٧٣

«غريب إعراب سورة سبأ»

قوله تعالى : (يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ) (٢).

يعلم ، جملة فعلية فى موضع نصب على الحال من اسم الله ، ويحتمل أن يكون مستأنفا لا موضع له من الإعراب.

قوله تعالى : (قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ) (٣).

يقرأ (عالم) بالجر والرفع ، فالجر على الوصف لقوله تعالى : (وَرَبِّي) أو بدلا منه ، والرفع من وجهين.

أحدهما : أن يكون مبتدأ ، وخبره (لا يعزب عنه مثقال ذرّة).

والثانى : أن يكون خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، هو عالم الغيب.

قوله تعالى : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) (٤).

اللام فى (ليجزى) تتعلق بقوله : (لا يَعْزُبُ).

قوله تعالى : (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) (٦).

يحتمل وجهين.

أحدهما : أن يكون معطوفا على (ليجزى).

والثانى : أن يكون مستأنفا.

قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ) (٧).

٢٧٤

العامل فى (إذا) فعل دل عليه قوله تعالى :

(إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ)

وتقديره ، إذا مزقتم كل ممزق بعثتم. وزعم بعض النحويين ، أن العامل فيه (مزقتم) ، وليس بمرضى ، لأنه مضاف إليه ، والمضاف إليه لا يعمل فى المضاف ، ولا يجوز أيضا أن يكون العامل فيه (جديد) ، لأن ما بعد (إنّ) لا يجوز أن يعمل فيما قبلها ، ولا يجوز أيضا أن يكون العامل فيه (ينبئكم) لأن الإخبار ليس فى ذلك الوقت.

قوله تعالى : (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ) (١٠).

يقرأ (الطير) بالنصب والرفع.

فالنصب من ثلاثة أوجه.

الأول : أن يكون منصوبا بالعطف على موضع المنادى وهو النصب فى قوله : (يا جبال) كقولهم : يا زيد والحرث. كالوصف ، نحو يا زيد الظريف.

والثانى : أن يكون منصوبا على أنه مفعول معه ، أى مع الطير.

والثالث : أن يكون منصوبا بفعل مقدر وتقديره وسخرنا له الطير. ودل على هذا المقدر قوله تعالى :

(وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً).

والرفع من وجهين.

أحدهما : أن يكون مرفوعا بالعطف على لفظ (يا جبال) كالوصف ، نحو يا زيد الظريف وإنما جاز الحمل على اللفظ ، لأنه لما اطّرد البناء على الضم فى كل اسم منادى مفرد ، أشبه حركة الفاعل ، فأشبه حركة الإعراب ، فجاز أن يحمل على لفظه ، وإلا فالقياس يقتضى ألا يجوز الحمل على لفظ المبنى فى العطف والوصف ، والقراءة بالنصب أقوى عندى فى القياس من الرفع.

٢٧٥

والثانى : أن يكون معطوفا على المضمر المرفوع فى (أوّبى) ، وحسن ذلك لوجود الفصل بقوله : (مَعَهُ) ، والفصل يقوم مقام التوكيد.

قوله تعالى : (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ) (١٠ ، ١١).

أن فيها وجهان.

أحدهما : أن تكون مفسرة بمعنى أى ، ولا موضع لها من الإعراب.

والثانى : أن تكون فى موضع نصب بتقدير حذف حرف جر ، وتقديره ، لأن اعمل. أى ألنّا له الحديد لهذا الأمر. وسابغات ، أى دروعا سابغات. فحذف الموصوف وأقيم الصفة مقامه.

قوله تعالى : (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ) (١٢).

يقرأ (الريح) بالنصب والرفع ، فالنصب بفعل مقدر وتقديره ، وسخرنا لسليمان الريح. والرفع من وجهين.

أحدهما : أن يكون مرفوعا بالابتداء. والجار والمجرور خبره.

والثانى : ان يكون مرفوعا بالجار والمجرور على مذهب الأخفش. وغدوها شهر ، مبتدأ وخبر. ورواحها شهر ، عطف عليه ، والتقدير ، غدوها مسيرة شهر ورواحها مسيرة شهر ، وإنما وجب هذا التقدير ، لأن الغدو والرواح ليس بالشهر ، وإنما يكونان فيه.

قوله تعالى : (وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ) (١٢).

من يعمل ، يجوز أن يكون فى موضع نصب ورفع ، فالنصب بتقدير فعل ،

٢٧٦

والتقدير ، وسخّرنا من الجن من يعمل بين يديه. والرفع بالابتداء. والجار والمجرور : خبره. أو بالجار والمجرور على مذهب الأخفش. ومن يزغ ، (من) شرطية فى موضع رفع بالابتداء. ونذقه ، الجواب ، وهو خبر المبتدأ.

قوله تعالى : (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً) (١٣)

شكرا منصوب لأنه مفعول له ، ولا يكون منصوبا ب (اعملوا) لأن (اشكروا) أفصح من (اعملوا الشكر).

قوله تعالى : (تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ) (١٤).

منسأته ، يقرأ بالهمز وترك الهمز. فمن قرأ بالهمز فعلى الأصل ، ومن لم يهمزه أبدل من الهمزة ألفا ، وليس بقياس ، والقياس أن تجعل بين بين ، وهو أن تجعل بين الهمزة والألف ، وجعل الهمزة بين بين. أى يجعل بين الهمزة والحرف الذى حركتها منه وقد قدمنا ذكره.

قوله تعالى : (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ) (١٤).

أن ، يجوز فى موضعها الرفع والنصب. فالرفع على البدل من (الجن) ، وهو بدل الاشتمال ، كقولهم : أعجبنى زيد عقله ، وظهر عمرو جهله. والنصب على تقدير حذف حرف جر ، وهى اللام.

قوله تعالى : (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ) (٥).

يقرأ (سبأ) بالتنوين وترك التنوين ، فمن قرأ بالتنوين جعله منصرفا ، وقال : هو اسم بلد أو حىّ ، وليس فيه تأنيث. ومن لم ينونه ، جعله غير منصرف للتعريف والتأنيث وقال : هو اسم بلدة أو قبيلة ، وقرئ (مساكنهم) بالجمع والإفراد ، فمن قرأ بالجمع جعله جمع مسكن ، ومن قرأ بالإفراد ففيه لغتان ، (مسكن ومسكن) ، بفتح

٢٧٧

الكاف وكسرها ، فمن قرأ بالفتح أتى به على القياس لأن مضارعه (يسكن). ومن قرأ بالكسر أتى به على خلاف القياس نحو : مطلع ومغرب ومسجد ومسقط ومنبت ومجزر. والقياس فيها الفتح ، لأن ما كان مضارعه بضم العين ، فقياسه الفتح فى المكان والزمان والمصدر ، وما كان مضارعه على يفعل بالكسر ، فقياسه فى المكان والزمان على مفعل بكسر العين ، والمصدر على مفعل بفتح العين ، وقد ذكرنا هذا فى أماكنه.

جنتان ، مرفوع من ثلاثة أوجه.

الأول : أن يكون بدلا من قوله (آية).

والثانى : أن يكون مرفوعا لأنه خبر مبتدأ محذوف ، وتقديره ، هى جنتان.

والثالث : أن يكون مرفوعا لأنه مبتدأ على تقدير ، هنا جنتان ، أو هناك جنتان.

قوله تعالى : (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ) (١٥).

بلدة ، مرفوع لأنه خبر مبتدأ محذوف ، وتقديره ، هذه بلدة طيبة. وكذلك قوله تعالى :

(وَرَبٌّ غَفُورٌ)

وتقديره ، وهذا رب غفور.

قوله تعالى : (لَيالِيَ وَأَيَّاماً) (١٨).

منصوبان على الظرف ، و (الليالى) جمع ليلة على خلاف القياس ، والقياس أن يكون واحده (ليلاه) فجمع على لفظ واحده ، كمشابه وملاقح ، جمع مشبهة ، وملقحة ، وإن لم يكن متعملا. وأيام ، جمع يوم ، وأصله (أيوام) ، إلا أنه لما اجتمعت الواو والياء والسابق منهما ساكن ، قلبوا الواو وياء وجعلوهما ياء مشددة.

قوله تعالى : (ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ) (١٦).

أكل ، يقرأ بالتنوين وترك التنوين. فمن قرأ بالتنوين جعل (الخمط) عطف

٢٧٨

بيان على : (الأكل) ، ولا يجوز أن يكون وصفا ، لأنه اسم شجرة بعينها ، ولا بدلا ، لأنه ليس هو الأول ولا بعضه. ومن لم ينون أضاف (الأكل) إلى (الخمط) ، لأن الأكل هو الثمرة والخمط شجرة ، فأضاف الثمرة إلى الشجرة ، كقولك : تمر نخل ، وعنب كرم.

قوله تعالى : (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا) (١٧).

ذلك ، فى موضع نصب لأنه مفعول ثان ل (جزيناهم) ، والمفعول الأول الهاء والميم. وما ، مصدرية ، والتقدير ، جزيناهم ذلك بكفرهم.

قوله تعالى : (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ) (٢٠).

قرئ (صدق) بالتخفيف والتشديد. فمن قرأ بالتخفيف ، كان (ظنه) منصوبا من ثلاثة أوجه.

الأول : أن يكون منصوبا انتصاب الظرف ، أى فى ظنه.

والثانى : أن يكون منصوبا انتصاب المفعول به على الاتساع.

والثالث : أن يكون منصوبا على المصدر.

ومن قرأ بالتخفيف ونصب (إبليس) ورفع (ظنه) جعل الظن فاعل (صدق) و (إبليس) مفعوله وتقديره ، ولقد صدق ظنّ إبليس إبليس. وصدق بالتخفيف يكون متعديا قال الشاعر :

١٥١ ـ فصدقته وكذبته

والمرء ينفعه كذابه (١)

ومن قرأ (إبليس ظنّه) بالرفع فيهما جميعا ، رفع (إبليس) لأنه فاعل (صدق) ، ورفع (ظنه) على البدل من (إبليس) ، وهو بدل الاشتمال.

ومن قرأ بالتشديد ، نصب (ظنه) لأنه مفعول (صدّق).

__________________

(١) الشعر ساقط من ب. وجاء فى الكامل للمبرد ١ / ٣٦٣ وأنشد المازنى للأعشى :

فصدقتهم وكذبتهم

والمرء ينفعه كذابه

٢٧٩

قوله تعالى : (قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ) (٢٣).

ما ، فى موضع نصب ب (قال). وذا ، زائدة ، وكذلك ينصب الجواب ب (قال) ، وهو قوله تعالى : (قالُوا الْحَقَّ) ليكون الجواب على وفق السؤال.

قوله تعالى : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً) (٢٤).

إيّاكم ، ضمير المنصوب المنفصل وهو معطوف على اسم (إنّ). ولعلى هدى ، فيه وجهان.

أحدهما : أن يكون خبرا للأول ، وخبر الثانى محذوف لدلالة الأول عليه.

والثانى : أن يكون خبرا للثانى وخبر الأول محذوف لدلالة الثانى عليه ، وهذا كقولهم : زيد وعمرو قائم. لك فيه وجهان ، إن شئت جعلت (قائما) خبرا للأول ، وقدرت للثانى خبرا ، وإن شئت جعلته خبرا للثانى ، وقدرت للأول خبرا ، اكتفاء بأحدهما عن الآخر لدلالته عليه. ولو عطفت على موضع اسم (إن) لقلت : وإنّا أو أنتم. لم يجز أن يكون (لعلى هدى) ، إلّا خبر الثانى لأنه لا يجوز العطف على الموضع إلا بعد الخبر لفظا أو تقديرا ، فلا بد من تقدير خبر الأول قبل المعطوف ، لئلا يكون العطف قبل الإتيان بالخبر. هذا مذهب البصريين ، وأما الكوفيون فيجوزون العطف على الموضع قبل الإتيان بالخبر ، وقد بينا ذلك مستوفى فى كتاب الإنصاف فى مسائل الخلاف (١).

قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً) (٢٨).

كافة منصوب على الحال من الكاف فى (أرسلناك) وأصله (كاففة) إلا أنه اجتمع حرفان متحركان من جنس واحد فى كلمة واحدة ، فسكن الأول وأدغم فى الثانى ، فصار (كافة) وتقديره ، وما أرسلناك إلا كافا للناس. ودخلت التاء للمبالغة ،

__________________

(١) المسألة ٢٣ الإنصاف ١ / ١١٩.

٢٨٠