البيان في غريب إعراب القرآن - ج ٢

أبو البركات بن الأنباري

البيان في غريب إعراب القرآن - ج ٢

المؤلف:

أبو البركات بن الأنباري


المحقق: الدكتور طه عبد الحميد طه
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب
الطبعة: ٢
ISBN: 977-419-179-X
الصفحات: ٥٧٦
الجزء ١ الجزء ٢

رتبتها قبل جواب الشرط ، وفى هذه الآية دليل على أنّ (إن) ، إذا دخلت عليها همزة الاستفهام ، لا تبطل عملها ، كقولك : إن تأتنى آتك. لدخول الفاء فى (فهم).

وزعم يونس أنّ دخول الهمزة على (إن) يبطل عملها ، فيقول : إن تأتينى آتيك ، وتقديره ، آتيك إن تأتنى ، وآتيك معتمد الهمزة ، وهو فى نية التقديم.

لو كان الأمر كما زعم لكان تقدير الآية : أفهم الخالدون فإن متّ. ولا يجوز أن يقال بالإجماع : أنت ظالم فإن فعلت ، وإنما يقال : أنت ظالم إن فعلت ، ولا يمكن دعوى زيادة الفاء ، لأنها نظيرة (ثم) فى قوله :

(أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ)(١).

وكما أنّ (ثمّ) ليست زيادة ، فكذلك الفاء.

قوله تعالى : (وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ) (٣٦).

تقديره ، قائلين أهذا الذى يذكر آلهتكم. فحذف (قائلين) ، وهو فى موضع الحال ، وحذف القول كثير فى كلامهم.

قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ) (٤٧).

مثقال ، يقرأ بالرفع والنصب.

فالرفع على أن تجعل كان التّامّة ، فيكون مرفوعا بأنه فاعل.

والنصب على أن تجعل كان الناقصة ، فيكون منصوبا لأنه خبرها ، واسمها مضمر فيها ، وتقديره ، وإن كان الظلم مثقال حبّة.

قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً) (٤٨).

__________________

(١) ٥١ سورة يونس.

١٦١

تقديره ، ذا ضياء ، فحذف المضاف ، وأدخل واو العطف على (ضياء) ، وإن كان فى المعنى وصفا دون اللفظ ، كما يدخل على الوصف ، إذا كان لفظا كقوله تعالى :

(وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ)(١).

وكقولهم : مررت بزيد وصاحبك. ولو قلت : مررت بزيد فصاحبك ، على معنى الوصف لم يجز ، لأن الفاء تقتضى التعقيب وتأخير المعطوف على المعطوف عليه ، بخلاف الواو ، والأخفش يجيز فى الفاء ما جاز فى الواو.

قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ إِذْ قالَ) (٥١ ، ٥٢).

إذ ، ظرف فى موضع نصب يتعلق ب (آتينا) ، وتقديره ، آتينا إبراهيم رشده فى وقت قال لأبيه.

قوله تعالى : (وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) (٥٦).

على ذلكم ، يتعلق بتقدير ، يدلّ عليه (من الشّاهدين) ويكون تفسيرا له ، ولا يجيزون أن يكون متعلقا به ، لأنه لا يجوز تقديم الصلة ولا معمولها على الموصول.

قوله تعالى : (قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ) (٦٠).

يقال ، فعل ما لم يسمّ فاعله ، ولك أن تقيم الجار والمجرور مقام الفاعل ، ولك أن تضمر المصدر وتقيمه مقام الفاعل ، ويكون (له) فى موضع نصب.

وإبراهيم ، مرفوع لأنه خبر مبتداء محذوف ، وتقديره ، هو إبراهيم. وقيل : إنه منادى مفرد ، وتقديره ، يا إبراهيم. فيكون مبنيا على الضم ولا يكون مرفوعا ، والوجه الأوّل أوجه.

__________________

(١) ١٢ سورة الأحزاب.

١٦٢

قوله تعالى : (قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ) (٦١).

تقديره : على رؤية أعين الناس. فحذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه.

قوله تعالى : (وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) (٧٤).

لوطا ، منصوب بفعل مقدّر ، وتقديره ، وآتينا لوطا آتيناه ، وقيل تقديره ، واذكر لوطا.

وكذلك قوله تعالى : (وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ) (٧٨).

تقديره ، واذكر داود وسليمان.

قوله تعالى : (وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ) (٧٨).

الضمير فى (لحكمهم) له وجهان.

أحدهما : أن يكون الضمير راجعا إلى (داود وسليمان) ، ويكون ممّا قام فيه الجمع مقام التثنية.

والثانى : أن يكون المراد بالضمير الحكمان والمحكوم عليه ، وهم جماعة.

قوله تعالى : (وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ) (٧٩).

الطير ، منصوب وفى نصبه وجهان.

أحدهما : أن يكون معطوفا على (الجبال).

والثانى : أن يكون منصوبا لأنه مفعول معه.

قوله تعالى : (وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ) (٨٠).

ويقرأ بالياء والتاء والنون. فمن قرأ بالياء أراد (ليحصنكم الله).

١٦٣

ومن قرا بالتاء اراد (لتحصنكم الصنعة) والتأنيث لها.

ومن قرأ بالنون أراد (لنحصنكم نحن).

قوله تعالى : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً) (٨٧).

ذا النون ، منصوب بفعل مقدر ، وتقديره : واذكر ذا النون. ومغاضبا ، منصوب على الحال من الضمير فى (ذهب) ، وهو العامل فى الحال.

قوله تعالى : (وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) (٨٨).

وقرئ (نجّى المؤمنين) ، وأنكر أكثر النحويين أن يكون (نجّى) ، فعل ما لم يسمّ فاعله (لأنه لو كان كذلك لكانت الياء منه مفتوحة) ، وقالوا : إنّ هذه القراءة محمولة على إخفاء النون من (ننجّى) فتوهمه الرّاوى إدغاما ، وأجازه آخرون ، على تقدير المصدر لدلالة الفعل عليه ، وإقامته مقام الفاعل ، وتقديره ، نجّى النجاء المؤمنين كقراءة أبى جعفر يزيد بن القعقاع المدنى ، ليجزى قوما على تقدير (ليجزى الجزاء قوما) ، وفى وجه هذه القراءة وجوه بعيدة ، ذكرناها مستوفاة فى المسائل السنجارية.

قوله تعالى : (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها) (٩١).

والتى ، فى موضع نصب بفعل مقدّر ، وتقديره ، واذكر التى أحصنت.

قوله تعالى : (وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً) (٩٢).

آية منصوب ، لأنه مفعول ثان ب (جعل) وقال : آية ولم يقل : آيتين ، لوجهين.

أحدهما لأن التقدير ، وجعلناها آية ، وجعلنا ابنها آية. إلّا أنه اكتفى بذكر الثانى عن ذكر الأول ، كقول الشاعر :

١٣١ ـ إنى ضمنت لمن أتانى ما جنى

وأبى فكنت وكان غير غدور (١)

__________________

(١) من شواهد سيبويه ١ / ٣٨ وقد نسبه إلى الفرزدق.

١٦٤

أى كنت غير غدور ، وكان أبى غير غدور. فاكتفى بذكر الثانى عن ذكر الأوّل ، وكقول الآخر :

١٣٢ ـ فمن يك أمسى بالمدينة رحله

فإنى وقيّار بها لغريب (١)

أى ، لغريب وقيار بها لغريب ، فاكتفى بذكر الثانى عن ذكر الأول.

والثانى أن يكون (آية) فى تقدير التقديم ، وتقديره : وجعلناها آية للعالمين وابنها. والوجه الأول أوجه الوجهين.

قوله تعالى : (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) (٩٥).

فى (لا) وجهان.

أحدهما : أن تكون زائدة وتقديره : وحرام على قرية أهلكناها أنهم يرجعون ، أى ، إلى الدّنيا. فأن واسمها وخبرها فى موضع رفع ، لأنه خبر المبتدإ الذى هو (حرام).

والثانى : أن تكون غير زائدة ، ويكون (حرام) مبتدأ ، وخبره مقدّر ، وتقديره وحرام على قرية أهلكناها أنّهم لا يرجعون كائن أو محكوم عليه ، فحذف الخبر ، وحذف الخبر أكثر من زيادة (لا) ، وهو أوجه الوجهين عند أبى على الفارسى.

قوله تعالى : (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ) (٩٦).

__________________

(١) من شواهد سيبويه ، وقد نسبه إلى ضابئ بن الحارث البرجمى ، الكتاب ١ / ٣٨ ـ وقيار : اسم الفرس. قال الأعلم الشنتمرى فى البيتين ومعهما بيت ثالث «هذه الأبيات المتقدمة فى حذف خبر الأول لدلالة خبر الثانى عليه ....».

١٦٥

جواب إذا ، فيه ثلاثة أوجه.

الأول : أن يكون الجواب مقدرا وتقديره ، قالوا يا ويلنا قد كنّا فى غفلة من هذا. فحذف القول.

والثانى : أن يكون الجواب قوله : فإذا هى شاخصة أبصار الذين كفروا.

والثالث : أن يكون الجواب قوله : واقترب الوعد الحق. والواو زائدة ، وهذا مذهب الكوفيين.

قوله تعالى : (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ) (١٠٤).

كطىّ السّجلّ ، الكاف فى موضع نصب ، لأنها صفة مصدر محذوف ، وتقديره ، نطوى السماء كطىّ السّجل. فحذف الموصوف وأقام صفته مقامه ، والمصدر مضاف إلى الفاعل إذا كان السّجل بمعنى (ملك) أو كاتب للنبى عليه‌السلام. وإلى المفعول إذا كان بمعنى المكتوب فيه ، أى ، كما يطوى السّجل. وللكتاب ، أى للكتابة كقوله تعالى :

(وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) أى ، الكتابة.

قوله تعالى : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ) (١٠٩).

سواء ، فيه وجهان. أحدهما : أن يكون منصوبا لأنه صفة لمصدر محذوف ، وتقديره ، آذنتكم إيذانا على سواء.

والثانى : أن يكون فى موضع الحال من الفاعل والمفعول فى (آذنتكم) وهما : التاء والكاف والميم. وقد جاءت الحال من الفاعل والمفعول معا. قال الشاعر :

__________________

(١) ٤٨ سورة آل عمران.

١٦٦

١٣٣ ـ تعلّقت ليلى وهى ذات موصّد

ولم يبد للأثواب من ثديها حجم

صغيرين نرعى البهم ياليت أنّنا

إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم (١)

فنصب (صغيرين) على الحال من التاء فى (تعلقت) وهى الفاعل ، ومن (ليلى) وهى المفعول وقال الآخر :

متى ما نلتقى فردين ترجف

روانف إليتيك وتستطارا (٢)

فنصب (فردين) من ضمير الفاعل والمفعول فى (تلقنى). وقال الآخر :

١٣٤ ـ فلئن لقيتك خاليين لتعلمن (٣)

فنصب (خاليين) على الحال من ضمير الفاعل والمفعول فى (لقيتك). إلى غير ذلك من الشواهد.

__________________

(١) اللسان مادة (وصد) ، والموصد : الحذر ـ والبهم جمع بهمة : ولد الضأن يطلق على الذكر والأنثى ، مثل تمرة وتمر ، وجمع البهم بهام ، كسهم وسهام.

(٢) اللسان مادة (رنف). خزانة الأدب ٣ / ١٧٤ ، شرح الشافية ٣ / ٣٠١ ـ شرح شواهد العينى الكبرى ورقة ٢٧٦ ، وهو لعنترة بن شداد العبسى. والرانفة : منتهى أطراف الإليتين مما يلى الفخذين.

(٣) من شواهد الأشمونى ٢ / ٢٦١ والبيت هو :

فلئن لقيتك خاليين لتعلمن

أيّى وأيّك فارس الأحزاب

والشاهد فى الأشمونى على أن (أى) لا يضاف إلى مفرد معرفة إلا إذا تكررت ، ولا يأتى ذلك إلى فى الشعر. ولم يعرف له قائل.

١٦٧

«غريب إعراب سورة الحج»

(*) قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ) (٤).

أنّه من تولّاه ، فى موضع رفع لأنه مفعول ما لم يسم فاعله ، والهاء فى (أنه) ضمير الشأن والحديث.

ومن ، فيها وجهان. أحدهما أن تكون بمعنى الذى. وتولاه ، صلته ، وهو وصلته فى موضع رفع بالابتداء ، وقوله : (فأنّه يضلّه) خبره ، ودخلت الفاء لأن الموصول يتضمن معنى الشرط والجزاء ، ومن وصلته وخبره ، فى موضع رفع لأنه خبر (أنّ) الأولى.

والثانى أن تكون (من) شرطية وتولاه فى موضع جزم بها ، وجواب (من) الشرطية ، قوله (فأنه يضلّه) ، ومن الشرطية وجوابها فى موضع رفع ، لأنه خبر (أن) الأولى ، على ما بينا فى الوجه الأول.

وفى فتح (أن) الثانية خمسة أوجه ، الأول : أن يكون خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، فشأنه أنه يضله ، أى ، فشأنه الإضلال.

والثانى : أن يكون عطفا على الأولى.

والثالث : أن يكون تأكيدا للأولى.

والرابع : أن يكون بدلا من الأولى.

والخامس : أن يكون فى موضع رفع بالظرف عند بعض النحويين وتقديره : فله أى له نار جهنم.

__________________

(*) من هذه الصفحة يوجد ٢٠ ورقة بها بقعة كبيرة بجانب التجليد تملأ الصفحة أحيانا طولا ، وتأخذ نصفها عرضا ، والكلام فيها مطموس طمسا تاما.

١٦٨

والوجه الأول أوجه الأوجه ، فأما الوجه الثانى وهو أن يكون عطفا فيردّ عليه بأن يقال : من تولّاه ، شرط ، والفاء جواب الشرط ، ولا يجوز العطف على (أنّ) الأولى إلا بعد تمامها من صلتها ، ولم تتمّ بصلتها ، فلم يجز العطف عليها لأنه لا يجوز العطف على الموصول ، إلا بعد تمامه ، والشرط وجوابه ههنا هما خبر (أنّ) الأولى.

وأما الثالث والرابع ، فقد أعترض عليهما من وجهين ، أحدهما ما قدمناه من امتناع وجه العطف ، لأنّ التوكيد والبدل لا يكونان إلا بعد تمام الموصول بصلته كالعطف ، فكما امتنع العطف فكذلك التوكيد والبدل. والثانى : أن الفاء قد دخلت بين (أنّ) الأولى والثانية ، والفاء لا تدخل بين المؤكّد والمؤكّد ، ولا بين البدل والمبدل منه ، وقد وجد ههنا ، فينبغى ألا يكون توكيدا ولا بدلا.

وأما الرفع بالظرف فقد تكلمنا عليه فى كتاب الأنصاف فى مسائل الخلاف (١).

قوله تعالى : (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ) (٥).

نقرّ ، بالرفع على الاستئناف ، وتقديره ، ونحن نقرّ ، وليس معطوفا على (لنبيّن لكم). وقرئ بالنصب بالعطف على (لنبيّن) ، وهى رواية عن المفضّل.

قوله تعالى : (لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً) (٥).

منصوب بالمصدر على قول البصريين لأنه الأقرب ، وب (يعلم) على قول الكوفيين لأنه الأوّل.

قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ) (٦).

ذا ، فى موضعه وجهان : الرفع والنصب.

فالرفع على تقدير خبر مبتدأ محذوف ، وتقديره ، الأمر كذلك. والنصب على تقدير فعل ، وتقديره ، فعل الله ذلك بأنه الحق.

__________________

(١) المسألة ٦ الإنصاف ١ / ٣٨.

١٦٩

قوله تعالى : (ثانِيَ عِطْفِهِ) (٩)

ثانى ، منصوب على الحال من المضمر فى (يجادل). وهو عائد على (من). فالإضافة فى تقدير الانفصال ، وتقديره : ثانيا عطفه ، ولذلك لم يكتسب التعريف بالإضافة.

قوله تعالى : (يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) (١٣).

فيه أربعة أوجه. الأول : أن يكون (من) فى موضع نصب ب (يدعو) ، واللام موضوعة فى غير موضعها ، وتقديره : يدعو من لضرّه أقرب من نفعه ، فقدمت اللام إلى (من) ، وضرّه مبتدأ. وأقرب من نفعه : خبره ، وهذا قول الكوفيين.

والثانى : أن يكون مفعول (يدعو) محذوفا ، واللام فى موضعها ، وتقديره : يدعو إليها لمن ضرّه أقرب من نفعه. فمن ، مبتدأ ، وخبره ، أقرب من نفعه ، جملة اسمية صلة (من). ولبئس المولى ، خبر (من) وهو قول أبى العباس المبرد.

والثالث : أن يكون (يدعو) بمعنى (يقول) ، وما بعده مبتدأ وخبر وتقديره ، يقول لمن ضرّه عندكم أقرب من نفعه إلهى. فيكون خبر المبتدأ محذوفا ، أى. إنّ الكافر يقول : الصنم الذى تعدونه من جملة الضرر إلهى.

والرابع : أن يكون (يدعو) تكرارا للأول لطول الكلام كقوله تعالى :

(لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ)(١) كرر لطول الكلام.

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا) إلى قوله تعالى : (وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) (١٧).

__________________

(١) ١٨٨ سورة آل عمران.

١٧٠

لم يذكر خبرا (لأنّ) وفى خبرها وجهان. أحدهما : أن يكون الخبر محذوفا.

والثانى : أن يكون الخبر قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ) كقول الشاعر :

١٣٥ ـ إنّ الخليفة إنّ الله سربله (١).

وإجاز البصريون : إنّ زيدا إنه منطلق. كما يجوز أن يقال : إنّ زيدا هو منطلق. وأباه الفراء ، وأجازه فى الآية ، لأن فيها معنى الجزاء ، فحمل الخبر على المعنى.

قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) إلى قوله تعالى. (وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ) (١٨).

كثير من الناس ، مرفوع من وجهين :

أحدهما : أن يكون مرفوعا بالعطف على (من) فى قوله تعالى : (يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ) ، وجاز ذلك لأن السجود بمعنى الانقياد ، وكل مخلوق منقاد تحت قدرة الله تعالى.

والثانى : أن يكون مرفوعا على الابتداء ، وما بعده خبره ، وقيل : خبره محذوف وتقديره ، وكثير من النّاس ثبت له الثواب. فيكون مطابقا لقوله تعالى : (وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ) ، ولو عطف على (من فى السّموات ومن فى الارض) ، لكان كالتكرار ، وحمل الكلام ، مع وجود الاحتمال على زيادة فائدة معنى أولى.

قوله تعالى : (يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ) (٢٠).

ما ، فى موضع رفع لأنه مفعول ما لم يسم فاعله ، والجلود ، عطف عليه. والهاء فى (به) عائدة على الحميم.

__________________

(١) لم أقف على صاحب الشاهد.

(والسربال ما يلبس من قميص أو درع والجمع سرابيل ، وسربلته السربال فتسربله بمعنى ألبسته إياه فلبسه) المصباح المنير مادة (سرب).

١٧١

قوله تعالى : (كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) (٢٢).

من غمّ ، فى موضع نصب ، لأنه يدل من قوله (منها) ، وتقديره ، كلما أرادوا أن يخرجوا من غمّ أعيدوا فيها.

وذوقوا عذاب ، تقديره ، ويقال لهم ذوقوا عذاب الحريق ، فحذف القول ، وحذف القول كثير فى كلامهم.

قوله تعالى : (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً) (٢٣).

بالجرّ والنصب ، فالجرّ بالعطف على (ذهب).

والنصب من وجهين. أحدهما : أن يكون منصوبا بتقدير فعل ، وتقديره ، ويعطون لؤلؤا لدلالة (يحلّون) عليه فى أول الكلام ، كقراءة من قرأ : (وحورا عينا) (١).

أى ويعطون حورا عينا. لدلالة ما قبله عليه.

والثانى : بالعطف على موضع الجار والمجرور من قوله : (من أساور) كما يجوز أن يقال : مررت بزيد وعمرا.

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً (٢) الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) (٢٥).

__________________

(١) ٢٢ سورة الواقعة (وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ).

(٢) (سواء) بالضم فى أ ، ب.

١٧٢

الواو فى (يصدّون) يجوز أن تكون واو عطف ، ويجوز أن تكون واو حال ، فإن كانت للعطف ، عطف المضارع على الماضى حملا على المعنى ، على تقدير ، إنّ الكافرين والصادّين. وإن كانت للحال ، كان تقديره ، إنّ الذين كفروا صادّين عن سبيل الله. وخبر (إنّ) مقدّر ، وتقديره ، إنّ الذين كفروا ويصدّون عن سبيل الله معذبون. وزعم الكوفيون أن الخبر (يصدّون) والواو فيه زائدة ، وتقديره إنّ الذين كفروا يصدّون. وقد بينا هذا كله فى كتاب الإنصاف (١).

وسواء العاكف فيه والباد ، (العاكف) مبتدأ. والباد ، عطف عليه ، وسواء ، خبر مقدم. وقيل : سواء مرفوع لأنه مبتدأ. والعاكف مرفوع بفعله ويسد مسدّ الخبر ، وهو ضعيف فى القياس ؛ لأنّ سواء إنما يعمل إذا كان بمعنى مستو ، ومستو إنما يعمل إذا كان معتمدا على شىء قبله ، ومن نصب (سواء) على المصدر فعلى تقدير : سوّينا ، أو على الحال من الهاء فى (جعلناه) ، و (جعلناه) عامل فيه ، ورفع العاكف به لاعتماده.

وقرئ سواء بالنصب. وجر (العاكف والبادى) على تقدير ، جعلناه للناس العاكف والبادى سواء ، فيكون (العاكف والبادى) ، مجرورين على البدل من (الناس) ، وسواء ، منصوبا لأنه مفعول ثان يجعلنا.

قوله تعالى : (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً) (٢٦).

فى اللام فى (لإبراهيم) وجهان :

أحدهما : أن تكون زائدة ، لأنّ (بوّأنا) يتعدّى إلى مفعولين ، فإبراهيم ، هو المفعول الأول. ومكان ، المفعول الثانى.

والثانى : ألا تكون زائدة ، ويكون (بوّأنا) محمول على معنى (جعلنا) ، فكأنه قال : جعلنا لإبراهيم مكان البيت ، ظرف ، والمفعول محذوف وتقديره ، بوّأنا لإبراهيم مكان البيت منزلا.

__________________

(١) المسألة ٦٤ الإنصاف ٢ / ٢٦٤.

١٧٣

وألّا تشرك بى شيئا ، (أن) فيها ثلاثة أوجه.

الأول : أن تكون مخففة من الثقيلة فى موضع نصب ، وتقديره بأنه لا تشرك بى.

والثانى : أن تكون مفسّرة بمعنى (أى).

والثالث : أن تكون زائدة.

قوله تعالى : (يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) (٢٧).

رجالا ، منصوب على الحال من الواو فى (يأتوك) ، وعلى كلّ ضامر ، الجار والمجرور فى موضع نصب على الحال وتقديره ، يأتوك رجالا وركبانا. ويأتين ، يعود إلى معنى (كلّ) ، وفعل غير العقلاء كفعل المؤنث ، ودلت (كل) على العموم ، فأتى الخبر على المعنى بلفظ.

ومن قرأ : (يأتوك) جعله عائدا إلى الناس.

قوله تعالى : (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ) (٢٩ ، ٣٠).

فى موضع (ذلك) وجهان ، الجر والرفع.

فالجر على الوصف ل (البيت العتيق).

والرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أى الأمر ذلك. وكذلك قوله تعالى :

(ذلك ومن عاقب).

تقديره ، الأمر ذلك.

قوله تعالى : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) (٣٠).

من ، لتبيين الجنس ، وزعم الأخفش أنها للتبعيض ، وتقديره عنده ، فاجتنبوا الرجس الذى هو بعض الأوثان. والأوّل أولى وأجود ، لأنه أعمّ فى النهى.

١٧٤

قوله تعالى : (حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ) (٣١).

حنفاء ، منصوب على الحال من المضمر فى (اجتنبوا) ، وكذلك (غير مشركين به) ، والعامل فى الحال (اجتنبوا).

قوله تعالى : (ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) (٣٢).

القراءة المشهورة جرّ القلوب بالإضافة ، وتقرأ برفع (القلوب) بالمصدر ، لأن (التقوى) مصدر كالدّعوى ، فيرتفع به ما بعده.

قوله تعالى: (وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ) (٣٥).

تقرأ (الصلاة) بالجر والنصب :

فالجر على الإضافة ، ولم تكن الألف واللام (١) مانعا من الإضافة لأنها بمعنى الذى ، والدليل على ذلك قوله تعالى :

(وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ)(٢).

فالذين ، نصب صفة (للمخبتين) : ثم قال : والصابرين : والتقدير ، والذين صبروا على ما أصابهم ، ثم قال : والمقيمى الصلاة ، أى ، والذين أقاموا الصلاة : ولهذا جاز النصب فى (المقيمى الصلاة). إلّا أن حذف النون إذا قرئ بالنصب إنما كان للتخفيف لا للإضافة ، وعلى هذين الوجهين ينشد قول الشاعر :

١٣٥ ـ الحافظو عورة العشيرة لا يأ

تيهم من ورائهم وكف (٣)

__________________

(١) (واللام) ساقطة من أ.

(٢) اللسان : مادة (وكف) وحذفت النون من (الحافظو) للتخفيف ، وروى بالنصب والجر ، ونسب البيت إلى عمرو بن امرئ القيس ، ويقال لقيس بن الخطيم ـ والوكف : العيب.

١٧٥

يروى ، عورة العشيرة بالجر والنصب على ما بيّنّا.

قوله تعالى : (وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَّ) (٣٦).

والبدن ، منصوب بفعل مقدر ، دل عليه المظهر ، وتقديره ، وجعلنا البدن جعلناها لكم فيها خير.

خير ، مرفوع بالظرف ارتفاع الفاعل بفعله ، لأنه قد جرى حالا على الهاء فى (جعلناها) وتقديره ، كائنا لكم فيها خير.

وصوافّ ؛ منصوب على الحال من الهاء والألف فى (عليها) ، وهو لا ينصرف لأنه جمع بعد ألفه حرفان : أى مصطفّة.

وقرئ : صوافن بالنون وهى المعقولة للنحر ، وقرئ أيضا : صوافى بياء مفتوحة ومعناها خالصة لله تعالى ؛ وكلتا القراءتين منصوب على الحال غير منصرف بمنزلة (صوافّ).

قوله تعالى : (لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها) (٣٧).

قرئ (ينال) بالياء والتاء ، فمن قرأ بالياء بالتذكير أراد معنى الجمع ، ومن قرأ بالتاء بالتأنيث أراد معنى الجماعة ، والفصل بين الفعل والفاعل بالمفعول يقوى التذكير ويزيده حسنا.

قوله تعالى : (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) (٤٠).

فى موضع جرّ لأنه صفة لقوله : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ) وتقديره : أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا الّذين أخرجوا. ويكون ، قوله تعالى :

(وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) ،

١٧٦

فصلا بين الصفة والموصوف. كقوله تعالى :

(وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ)(١)

وتقديره ، وإنه لقسم عظيم لو تعلمون. والفصل بين الصفة والموصوف كثير فى كلامهم.

قوله تعالى : (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ) (٤٠).

أن يقولوا ربّنا الله ، فى موضع نصب ، لأنه استثناء منقطع.

قوله تعالى : (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ) (٤١).

الذين فيه وجهان.

أحدهما : أن يكون فى موضع جر لأنه صفة أخرى كقوله تعالى :

(أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا).

والثانى أن يكون منصوبا على البدل من (من) فى قوله تعالى :

(وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ)

وهو موصول بالشرط والجزاء ، و (إن) مكّنّاهم هو الشرط و (أقاموا الصلاة) هو الجزاء.

قوله تعالى : (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها)(٢) (٤٥).

الكاف فى موضع نصب بفعل مقدر يفسره هذا المظهر ، وتقديره ، وكأيّن من قرية أهلكتها أهلكتها. إلا أنه اكتفى بقوله : (أهلكتها) وهذا إنما يصح إذا جعلت

__________________

(١) ٧٦ سورة الواقعة.

(٢) (أهلكتها) هكذا فى أ ، ب ، وهى قراءة.

١٧٧

(أهلكتها) خبرا. فإن جعلتها صفة ل (قرية) ، لم يجز أن تكون مفسرة لفعل مقدر ، لأن الصفة لا تعمل فيما قبل الموصوف ، ولهذا لو قلت : أزيد أنت رجل تضربه ، لم يجز أن تنصبه بفعل يفسره (تضربه) ، لأنّ (تضربه) صفة لرجل ، فلا يكون مفسرا لفعل مقدر ، كما لا يجوز أن يعمل فيما قبل الموصوف.

قوله تعالى : (وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ) (٤٥).

مجرور لأنه معطوف على (قرية) وتقديره : وكم من بئر معطلة ، وقيل : هو معطوف على (عروشها).

قوله تعالى : (وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ)(١) (٥٣).

الضمير المجرور فى (قلوبهم) يعود إلى الألف واللام ، وهذا يدل على أنّ الألف واللام فى حكم الأسماء ، لأن الحروف لا حظّ لها فى الضمير ألبتة ، وتقديره ، فويل للذين قست قلوبهم (٢). ولهذا التقدير عاد الضمير.

قوله تعالى : (ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ) (٦٠).

من ، فى موضع رفع لأنه مبتدأ ، وهو بمعنى الذى ، وصلته (عاقب) ، وخبره (لينصرنّه الله) ، ولا تكون (من) ههنا شرطية لأنه لا لام فيها ، كما فى قوله تعالى :

(لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ)(٣).

قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً) (٦٣).

فتصبح ، مرفوع محمول على معنى (ألم تر) ومعناه ، انتبه يا ابن آدم أنزل الله من السماء ماء ، ولو صرّح بقوله : انتبه ، لم يجز فيه إلا الرفع ، فكذلك ما هو بمعناه.

__________________

(١) (فويل القاسية قلوبهم) هكذا فى أوهى الآية ٢٢ سورة الزمر.

(٢) كان ينبغى أن يكون التقدير (والذين قست قلوبهم).

(٣) ١٨ سورة الأعراف.

١٧٨

قوله تعالى : (قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ) (٧٢).

النار ، رفع من وجهين :

أحدهما : أن يكون رفعا لأنه خبر مبتدأ محذوف ، وتقديره ، هى النار.

والثانى : أن يكون مبتدأ ، وتكون الجملة الفعلية وهى قوله : (وعدها الله) خبره.

قوله تعالى : (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ) (٧٨).

ملّة ، منصوب لثلاثة أوجه :

الأول : أن يكون منصوبا لفعل مقدر ، وتقديره ، اتّبعوا ملة أبيكم.

والثانى : أن يكون منصوبا على البدل من موضع الجار والمجرور وهو قوله : (فى الدّين) لأنّ موضعه النصب (بجعلنا).

والثالث : أن يكون منصوبا على تقدير حذف حرف الخفض ، أى كملّة أبيكم إبراهيم ، وتقديره ، وسّع عليكم فى الدين كملّة أبيكم إبراهيم ، لأنّ فى (جعل عليكم) ما يدل على (وسّع عليكم) وهذا الوجه ذكره الفراء وفيه بعد.

قوله تعالى : (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا) (٧٨).

هو ، فيه وجهان :

أحدهما : أنّ المراد به (الله تعالى).

والثانى : أن يراد به (إبراهيم).

وفى هذا ، أى سمّاكم المسلمين فى هذا القرآن ، والمضمر المرفوع فى (سمّاكم) يحتمل أيضا الوجهين المتقدمين اللذين ذكرناهما فى (هو) ، والله أعلم.

١٧٩

«غريب إعراب سورة المؤمنين»

قوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) (١).

قرئ : قد افلح. بإلقاء حركة همزة (أفلح) على دال (قد) ، وحذف الهمزة ، كقولهم : من ابوك ، وكم ابلك. وإنما حذفت الهمزة ، لأنه لما نقلت حركتها عنها ، بقيت ساكنة ، والدال قبلها ساكنة ، لأنّ حركتها عارضة ، فأشبه اجتماع الساكنين ، فحذفت لالتقاء الساكنين.

وكانت أولى بالحذف لثلاثة أوجه.

الأول : أنها هى الساكنة لفظا فكانت أضعف.

والثانى : أنها اختلّت بزوال حركتها.

والثالث : أنّ الاستثقال وقع بها فكانت أولى بالحذف.

وهذه الكلمات الثلاث التى هى :

(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)

قد انتظمت أقسام الكلم الثلاث التى هى الاسم والفعل والحرف ، فإنّ (قد) حرف ، و (أفلح) فعل ، و (المؤمنون) اسم.

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ) (٤).

أى ، يؤدّون الزكاة ، وقيل : أى الذين لأجل الطهارة وتزكية النفس عاملون الخير.

كقوله تعالى :

(قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)(١) ،

__________________

(١) ١٤ سورة الأعلى.

١٨٠