البيان في غريب إعراب القرآن - ج ٢

أبو البركات بن الأنباري

البيان في غريب إعراب القرآن - ج ٢

المؤلف:

أبو البركات بن الأنباري


المحقق: الدكتور طه عبد الحميد طه
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب
الطبعة: ٢
ISBN: 977-419-179-X
الصفحات: ٥٧٦
الجزء ١ الجزء ٢

وحمل تفسير القرآن بعضه على بعض أولى.

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ) (٨).

إنما جمع (أمانات) جمع (أمانة) وهو مصدر ، والمصادر لا تجمع لأنها تدل على الجنس ، إلّا أن تختلف أنواعها ، فيجوز تثنيتها وجمعها ، والأمانة ههنا مختلفة لأنها تشتمل على سائر العبادات وغيرها من المأمورات.

قوله تعالى : (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً) (١٤).

النطفة وعلقة ، منصوبان لأنهما مفعولا (خلقنا) ، وخلقنا ههنا يتعدى إلى مفعولين ، لأنه بمعنى (صيّرنا) ، ولو كان بمعنى (أحدث) لتعدى إلى مفعول واحد ، وحكمه كحكم «جعلنا» إن كان بمعنى «صيّرنا» تعدى إلى مفعولين ، وإن كان بمعنى «أحدث» تعدى إلى مفعول واحد.

قوله تعالى : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (١٤).

أحسن ، مرفوع من وجهين.

أحدهما : أن يكون مرفوعا على البدل من «الله» ، ولا يجوز أن يكون وصفا ، لأنّ إضافة أفعل إلى ما بعده فى نية الانفصال لا الاتصال : لأنه فى تقدير ، أحسن من الخالقين. كما تقول : زيد أفضل القوم. أى : أفضل منهم. فلا يكتسى المضاف من المضاف إليه تعريفا ، فوجب أن يكون بدلا لا وصفا.

والثانى : أن يكون مرفوعا لأنه خبر مبتدأ محذوف ، وتقديره : هو أحسن الخالقين. وقوّى هذا التقدير ، أنه موضع مدح وثناء.

قوله تعالى : (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) (٢٠).

شجرة : منصوب بالعطف على «جنات» ، والتقدير ، فأنشأنا لكم به جنات وشجرة تخرج من طور سيناء.

١٨١

وسيناء بفتح السين وكسرها ، فمن قرأ بفتحها ، جعله بمنزلة «حمراء» ، ولم يصرف للتأنيث ولزومه ، وقيل للوصف والتأنيث. والأول أصح ، ولا يصح أن يكون «سيناء» فعلا لا لأنه لم يأت على هذا الوزن فى غير المضاعف إلا فى قولهم : ناقة بها خرعال. أى : ظلع. وقيل : إن الألف فيه نشأت عن إشباع الفتحة ، وعلى كل حال فهو من الشاذ الذى لا يخرّج عليه.

ومن قرأ بكسر السين جعله ملحقا برداح كعلباء ، وكان حقه أن يصرف كما يصرف علباء ، إلا أنه لم يصرف ، لأنه اسم بقعة ، فلم ينصرف للتعريف والتأنيث ، وقيل للتعريف والعجمة.

وتنبت بالدّهن ، يقرأ بفتح التاء وضمها. فمن قرأ بالفتح جعل الباء للتعدية.

ومن قرأ بالضم ، جعله من أنبت وهو رباعى.

ففى الباء ثلاثة أوجه.

الأول : أن تكون الباء للتعدية (١) ، وتكون «أنبت» بمعنى «نبت» وهما لغتان والثانى : أن تكون الباء زائدة ، لأن الفعل متعد بالهمزة ، وتقديره : تنبت الدهن ، كقوله تعالى :

(وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)(٢)

أى : لا تلقوا أيديكم.

والثالث : أن تكون للحال ، ومفعول «تنبت» محذوف وتقديره : تنبت ما تنبت ومعه الدّهن.

قوله تعالى : (وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً) (٢٩).

__________________

(١) (الأول أن تكون الباء للتعدية) جملة ساقطة من أ.

(٢) ١٩٥ سورة البقرة.

١٨٢

يقرأ : «منزلا» بضم الميم وفتحها ، فمن قرأ بالضم ، جعله مصدرا لفعل رباعى ، وهو «أنزل» ، وتقديره : أنزلنى إنزالا مباركا. ويجوز أن يكون اسما للمكان.

ومن قرأ بالفتح جعله مصدرا لفعل ثلاثى وهو «نزل» ، لأن «أنزل» يدل على «نزل» ، ويجوز أن يكون اسما للمكان أيضا.

قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ) (٣٠).

إنّ ، مخففة من الثقيلة وتقديره وإنه كنّا لمبتلين.

وذهب الكوفيون إلى أنّ (إن) بمعنى (ما) ، واللام بمعنى (إلا) وتقديره ، ما كنّا إلّا مبتلين. وقد ذكرنا نظائره.

وقوله تعالى : (يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ) (٣٣).

ما ، فيها وجهان.

أحدهما : أن تكون مع الفعل بعدها فى تأويل المصدر ، ولهذا لم تفتقر إلى عائد يعود إليها.

والثانى : أن تكون بمعنى الذى ، فتفتقر إلى تقدير عائد يعود إليها من صلتها ، وهى (تشربون) وتقديره ، مما تشربونه. فحذف تخفيفا. وقال الفراء : إنّ التقدير فيه ، مما تشربون منه ، فحذف (منه).

قوله تعالى : (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) (٣٥).

أنكم مخرجون ، فيه ثلاثة أوجه.

الأول أن يكون بدلا من الأولى ، وتقدير الآية ، أيعدكم أنّ إخراجكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما. فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، وإنما وجب هذا التقدير

١٨٣

لاستحالة حمل الكلام على ظاهره ، لأنه يؤدى إلى أن يكون (إذا متم) ، خبرا عن الكاف والميم فى (أنكم). وإذا ظرف زمان ؛ وظروف الزمان لا تكون أخبارا عن الجثث ، ألا ترى أنه لا يجوز أن يقال : زيد يوم الجمعة ، فوجب ان يكون الإخراج مقدرا ، وبهذا التقدير ، يندفع اعتراض من زعم أن البدل إنما يصحّ بعد تمام (أنّ) بصلتها وهى اسمها وخبرها ، لأن إنما يصح إذا لم يقدر حذف مضاف ، فأما إذا قدر حذف مضاف وقد تمت (أنّ) بصلتها.

والثانى : أن يكون تأكيدا للأولى وتقديره ما قدمنا ، وبذلك التقدير يندفع أيضا قول من يقول : إن التأكيد إنما يجوز بعد تمام (أن) باسمها وخبرها ، إذ تمت به (أنّ) باسمها وخبرها.

والثالث : أن يكون فى موضع رفع بالظرف ، وهو «إذا» على قول الأخفش ، والعامل فى «إذا» مقدر ، وتقديره ، أيعدكم وقت موتكم وكنتم ترابا إخراجكم. فيكون الظرف وما رفع به ، خبر «أنّ» ، ولا يجوز أن تعمل فى «إخراجكم» لأنه يصير فى صلة «إخراجكم» ، لأنه مصدر ، وصلة المصدر لا عليه ، لأنه لا يجوز أن تتقدم الصلة على الموصول. ولا يجوز أيضا أن تعمل فى «إذا» لأنه مضاف إليه ، والمضاف إليه لا يعمل فى المضاف.

قوله تعالى : (هَيْهاتَ هَيْهاتَ) (٣٦).

هيهات ، اسم لبعد ، وهو فعل ماض ولهذا كان مبنيّا ، وهو يفتقر إلى فاعل ، وفاعله مقدر ، وتقديره ، هيهات إخراجكم هيهات إخراجكم. وقيل موضعه نصب ، كأنه موضوع موضع المصدر ، كأنه قيل : بعد بعدا لما توعدون. وقيل : موضعه رفع بالابتداء ، ولما توعدون خبره. ولو كان كذلك لكان ينبغى ألا تنبنى «هيهات» لأن البعد معرب فلا ينبغى أن يبنى ما قام مقامه ، وإنما يبنى لأنه قام مقام «بعد» كشتان وسرعان ووشكان. فإنها بنيت لقيامها مقام «شتّ وسرع ووشك». والوقف عليه

١٨٤

عند البصريين لمن فتح بالهاء (١) نزلها منزلة المفرد كثمرة ، والوقف عليها لمن كسر بالتاء نزلها منزلة الجمع كثمرات ، ومن العرب من لا ينوّن «هيهات» فى التعريف ، وينوّنها فى التنكير ، فرقا بين التعريف والتنكير ، وكررت ههنا للتأكيد.

قوله تعالى : (عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) (٤٠).

أى ، عن قليل. وما ، زائدة. وعن تتعلق بفعل مقدر يفسره قوله : (ليصبحنّ) ، لأنه لا يجوز أن يقال : والله زيدا لأكرمنّ. وقيل إنه يجوز فى الظرف ما لا يجوز فى غيره.

قوله تعالى : (ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا) (٤٤).

أصلها وترى من المواترة ، فأبدل من الواو تاء ، كتراث وتهمة وتخمة ، ويقرأ بتنوين وغير تنوين. فمن قرأ بالتنوين جعل ألفها للإلحاق بجعفر وشرحب ، وألف الإلحاق قليلة فى المصادر ، ولهذا جعلها بعضهم بدلا من التنوين ، ومن لم ينون ، جعل ألفها للتأنيث كالدّعوى والعدوى ، لم ينصرف للتأنيث ولزومه. وتترى ، فى موضع نصب على الحال من «الرسل» أى ، أرسلنا رسلنا متواترين.

قوله تعالى : (وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) (٥٢).

إنّ ، تقرأ بالكسر والفتح ، فالكسر على الابتداء والاستئناف.

والفتح فيه وجهان.

أحدهما : النصب ، والآخر الجر.

فالنصب من وجهين.

أحدهما : فى موضع نصب على تقدير حذف حرف الجر ، أى ، وبأنّ هذه ، والحرف يتعلق ب «اتقون».

__________________

(١) (بالفاء) فى ب.

١٨٥

والثانى : أن يكون منصوبا بفعل مقدر وتقديره ، واعلموا أنّ هذه أمتكم. وهو قول الفراء.

والجر بالعطف على «ما» فى قوله : «بما تعملون» ، وهو قول الكسائى.

وأمة واحدة ، يقرأ بالنصب والرفع.

فالنصب على الحال ، أى هذه أمتكم مجتمعة.

والرفع من ثلاثة أوجه.

الأول : أن يكون بدلا من «أمتكم» ، التى هى خبر «إنّ».

والثانى : أن يكون خبرا بعد خبر.

والثالث : أن يكون خبر مبتدأ محذوف ، وتقديره ، هى أمة واحدة.

قوله تعالى : (أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ) (٥٥ ، ٥٦).

ما ، بمعنى الذى فى موضع نصب ، لأنها اسم «أن» ، وخبرها «نسارع لهم به» فحذف «به» ، وليس على حد الحذف فى قولهم : الذى مررت زيد. من قولهم : الذى مررت به زيد. لأن هذا الحذف وقع فى الصلة ، وتقدير الحذف وقع فى الخبر. وقيل تقديره ، نسارع لهم فيه. فأظهر المظهر فقال. فى الخيرات. ومثله قولك : إن زيدا يكلّم عمرا فى زيد ، اى : فيه. وأكثر ما يجىء مثل هذا فى الشعر لا فى اختيار الكلام.

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) (٥٧).

خبر «إنّ» فى قوله تعالى :

(أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) (٦١).

١٨٦

أولئك ، مبتدأ. ويسارعون جملة فعلية خبر المبتدأ. والمبتدأ وخبره فى موضع رفع لأنه خبر «إنّ».

قوله تعالى : (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ) (٦٧).

مستكبرين وسامرا ، منصوبان على الحال. وبه ، من صلة «سامر» ، وقال : «سامرا» بعد قوله : «مستكبرين» لأن «سامرا» فى معنى «سمّار» فهو اسم للجمع كالحامل والباقر ، اسم لجماعة الجمال والبقر.

وتهجرون ، قرئ بفتح التاء وضمها ، فمن قرأ بفتحها جعله من «هجر يهجر هجرا وهجرانا) أراد يهجرون آياتى وما يتلى عليكم من كتابى.

ومن قرأ بضمها ، جعله من «أهجر» إذا هذى ، والهجر الهذيان فيما لا خير فيه من الكلام.

قوله تعالى : (فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ) (٧٦).

أصله استكونوا على وزن استفعلوا من الكون ، فنقلت فتحة الواو إلى الكاف ، فتحركت فى الأصل وانفتح ما قبلها الآن ، فقلبت ألفا ، وقيل : هو (افتعلوا) من السكون فأشبعت الفتحة فنشأت الألف ، وهذا ضعيف جدا لأن الإشباع لا يقع فى اختيار الكلام ، والأول أصح فى اللفظ والاشتقاق ، وهذا التصريف أوضح فى المعنى.

قوله تعالى : (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) (٨٦).

جوابه قراءة من قرأ :

(سيقولون لله).

وأما قراءة من قرأ (سيقولون لله) فليس بجواب قوله تعالى (مَنْ رَبُّ السَّماواتِ

١٨٧

السَّبْعِ) من جهة اللفظ ، وإنما هو جوابه من جهة المعنى ، لأن معنى قوله : (مَنْ رَبُّ السَّماواتِ) (لمن السموات) فقيل فى جوابه (لله) ونظيره ما بعده ، وهو قوله تعالى :

(قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) (٨٨).

فقال : لله. حملا على المعنى ، والحمل على المعنى كثير فى كلامهم.

قوله تعالى : (عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) (٩٢).

يقرأ (عالم) بالجر والرفع ، فالجر على البدل من الله فى قوله تعالى :

(سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ).

والرفع ، هو عالم الغيب والشهادة.

قوله تعالى : (قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ. رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٩٣ ، ٩٤).

ربّ : أراد يا ربّ ، وهو اعتراض بين الشرط وجوابه بالنداء ، كما جاء اعتراضا بين المصدر وما عمل فيه فى قول الشاعر :

١٣٦ ـ على حين ألهى الناس جلّ أمورهم

فندلا زريق المال ندل الثعالب (١)

وتقديره ، فندلا يا زريق المال. فجاء (زريق) وهو منادى ، اعتراضا بين المصدر وهو (ندلا) ومعموله وهو (المال).

__________________

(١) من شواهد سيبويه ١ / ٥٩ ولم ينسبه الشنتمرى إلى قائل ، وقبله :

يمرون بالدهنا خفافا عيابهم

ويخرجن من دارين بجر الحقائب

الدهنا : رملة من بلاد تميم ـ خفافا عيابهم : لا شىء فيها ـ دارين : سوق ينسب إليه المسك ـ البجر : الممتلئة ـ وزريق اسم قبيلة وهو منادى ـ والندل : الأخذ باليمين. والندل أيضا : السرعة فى السير.

١٨٨

قوله تعالى : (قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ) (٩٩).

إنما جاءت المخاطبة بلفظ الجمع لأن الملك يخبر عن نفسه بلفظ الجمع ، فخوطب بالمعنى الذى يخبر به عن نفسه. وقيل. إنما إرجعون. على معنى التكرير كأنه قال : ارجعنى ارجعنى. فجمع ، كما ثنّى فى قوله :

(أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ)(١) أى ألق ألق.

قوله تعالى : (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا) (١١٠).

قرئ بضم السين وكسرها وهما لغتان بمعنى واحد ، وهما من سخر يسخر من الهزء واللعب ، وقيل : من ضمّ جعله من السّخرة ، ومن كسرها جعله من الهزء واللعب.

قوله تعالى : (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ) (١١١).

بما صبروا ، (ما) مصدرية. وأنهم فى موضع نصب ب (جزيتهم) ، لأنه مفعول ثان ، ويجوز أن يكون فى موضع نصب على تقدير حذف حرف الجر ، وتقديره ، جزيتهم بصبرهم لأنهم الفائزون ، وهم ، فصل عند البصريين وعماد عند الكوفيين.

قوله تعالى : (قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ) (١١٢).

كم ، منصوبة الموضع ب (لبثتم). وعدد سنين ، منصوب على التمييز.

وسنين ، جمع سنة ، وأصل سنة سنهه أو سنوه ، فلما حذفت اللام ، جمعه جمع التصحيح ، عوضا عما دخلها من الحذف ، كثبة وعدة وقلة وأصلها : ثبوة وعدوة ، وقلوة. فلما حذفوا اللام منها ، جمعوها بالواو والنون فقالوا ، ثبون ، وعدون ، وقلون ، فكذلك سنون. إلا أنهم أدخلوا فيها ضربا من التكسير فكسّروا السنين ،

__________________

(١) ٢٤ سورة ق.

١٨٩

إشعارا بأنه جمع بالواو والنون على خلاف الأصل ، لأن الأصل فى هذا الجمع ، أن يكون لمن يعقل.

قوله تعالى : (فَسْئَلِ الْعادِّينَ) (١١٣).

يقرأ (العادّين) بتشديد الدال وتخفيفها ، فمن قرأ بالتشديد جعله (العادّ) فاعل من العدّ ، وهو مصدر عدّ يعدّ عدّا.

ومن قرأ بالتخفيف جعله جمع (عادى) من قولهم : بئر عاديّة ، إذا كانت قديمة ، فلما جمع بالواو والنون ، حذف منه ياء النسب ، وصارت ياء الجمع عوضا عن ذلك ونظيره : الأعجمين والأشعرين ، وهو جمع أعجمىّ وأشعرىّ منسوب إلى أعجم ، وأشعرىّ منسوب إلى بنى أشعر ، وقيل فى قوله تعالى :

(سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ)(١) ، أنه جمع إلياسىّ ، منسوب إلى إلياس ومنه قول الشاعر :

متى كنّا لأمّك مقتوينا (٢).

وهو جمع مقتوىّ ، منسوب إلى مقتو ، وهو مفعل من القتو ، وهى الخدمة وفيه كلام ليس هذا موضع ذكره.

__________________

(١) ١٣٠ سورة الصافات.

(٢) الشاهد من معلقة عمرو بن كلثوم التغلبى ، والبيت بتمامه :

تهددنا وتوعدنا رويدا

متى كنا لأمك مقتوينا

ومطلع المعلقة :

ألا هبى بصحنك فاصبحينا

ولا تبقى خمور الأندرينا

١٩٠

«غريب إعراب سورة النور»

قوله تعالى : (سُورَةٌ أَنْزَلْناها) (١).

سورة ، مرفوع لأنه خبر مبتدأ محذوف وأنزلناها ، صفة ل (سورة) وتقديره ، هذه سورة منزلة ، وقد قرئ (سورة) بالنصب على تقدير فعل تكون (أنزلناها) مفسرا له وتقديره ، أنزلنا سورة أنزلناها.

قوله تعالى : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) (٢).

الزانية (١) ، رفع بالابتداء ، وفى خبره وجهان.

أحدهما : أن يكون خبره محذوفا وتقديره ، وفيما يتلى عليكم الزانية والزانى.

والثانى : أن يكون خبره (فاجلدوا) والفاء زائدة ، كما يقال : زيد فاضربه ، وصلح أن يكون خبرا للمبتدأ ، وإن كان أمرا.

والخبر ما احتمل الصدق والكذب لوجهين. أحدهما : أن يكون التقدير ، أقول فاجلدوا ، وحذف القول كثير فى كلامهم. والثانى : أن يكون محمولا على المعنى كأنه يقول : الزانية والزانى كل واحد منهما مستحق للجلد وكذلك قولك : زيد فاضربه تقديره ، أقول اضربه ، أو مستحق للضرب.

قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) (٥).

الذين ، يجوز أن يكون فى موضع نصب ورفع وجر. فالنصب على الاستثناء ، كأنه قال : إلا التائبين. والرفع على الابتداء ، وخبره (فإن الله غفور رحيم). والجر على البدل من الهاء والميم فى (لهم).

__________________

(١) (جملة فعلية فى موضع رفع لأنها) هكذا فى أو لا يصلح هذا.

١٩١

قوله تعالى : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ) (٦)

أنفسهم ، مرفوع على البدل من «شهداء» وهم ، اسم كان ، ولهم خبرها.

قوله تعالى : (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) (٤).

منصوب على المصدر. وجلدة منصوب على التمييز.

قوله تعالى : (فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) (٦).

فشهادة ، مرفوع من وجهين. أحدهما : أن يكون مرفوعا بالابتداء وخبره محذوف ، وتقديره ، فعليهم شهادة أحدهم. والثانى : أن يكون مرفوعا لأنه خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، فالحكم شهادة أحدهم أربع شهادات.

وأربع شهادات ، يقرأ بالنصب والرفع. فالنصب على أن يكون منصوبا على المصدر والعامل فيه شهادة لأنها فى تقدير «أن» والفعل ، وتقديره ، أن يشهد أربع شهادات بالله. وبالله ، يتعلق بالثانى عند البصريين وبالأول عند الكوفيين. والرفع على أن «شهادة أحدهم» مبتدأ. وأربع ، خبره ، كما تقول : صلاة العصر أربع ركعات. ويكون «بالله» متعلقا ب «شهادات» ولا يجوز أن يتعلق ب «شهادة» ، لأنه يؤدى إلى أن يفصل بين الصلة والموصول ، بخبر المبتدأ وهو (أَرْبَعُ شَهاداتٍ) ، ويكون (إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) متعلقا ب «شهادات» ولا يجوز أن يتعلق ب «شهادة» ، لما ذكرنا من الفصل بين الصلة والموصول.

قوله تعالى : (وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ) (٧).

الخامسة ، يجوز فيها الرفع والنصب.

١٩٢

فالرفع من وجهين.

أحدهما : أن يكون مرفوعا بالابتداء ، وما بعده خبره.

والثانى : أن يكون مرفوعا بالعطف على «أربع» على قراءة من قرأه بالرفع. والنصب من وجهين.

أحدهما : أن يكون صفة مصدر مقدر ، وتقديره ، أن تشهد الشهادة الخامسة : فحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه.

والثانى : أن يكون معطوفا على (أَرْبَعُ شَهاداتٍ).

وأنّ ، فى موضع نصب على تقدير حذف حرف جر ، وتقديره ، وتشهد الخامسة بأن لعنة الله.

قوله تعالى : (وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللهِ) (٨).

أن وصلتها فى موضع رفع ، وتقديره ، ويدرأ عنها العذاب شهادتها ، وبالله إنه لمن الكاذبين ، وإنه وما بعده فى موضع نصب ب «تشهد» ، إلّا أنه كسرت الهمزة من «إنه» لدخول اللام فى الخبر والباء فى «بالله» يتعلق بالأول والثانى على ما ذكرنا من المذهبين.

قوله تعالى : (وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (٩).

يقرأ الخامسة بالرفع والنصب ، وقد قدمنا ذكرهما ، وقرئ «أنّ» (غَضَبَ اللهِ عَلَيْها) بالتشديد ونصب (غَضَبَ اللهِ). وقرئ بتخفيف «أن» ورفع ، (غضب).

فمن قرأ بتشديد «أنّ» ونصب «غضب» ، فهو ظاهر ومن قرأ بتخفيف (أن) ورفع (غضب) جعل أن مخففة من الثقيلة ، وتقديره ، أنه غضب الله عليها. أى ، أن الأمر والشأن غضب الله عليها.

قوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ) (١٠).

١٩٣

لم يذكر جواب (لو لا) إيجازا واختصارا لدلالة الكلام عليه ، وتقديره ، ولو لا فضل الله عليكم ورحمته لعاجلكم بالعقوبة ، أو يفضحكم بما ترتكبون من الفاحشة.

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ) (١١).

عصبة ، مرفوع لأنه خبر (إنّ) ، ويجوز أن ينصب ويكون خبر (إن) (لكل امرئ منهم).

قوله تعالى : (يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ) (٢٥).

يقرأ بالرفع والنصب ، فمن قرأ بالرفع جعله صفة (لله) تعالى ، وفصل بين الصفة والموصوف بالمفعول الذى هو (دينهم). ومن نصب جعله وصفا ل (دينهم).

قوله تعالى : (أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) (٢٦).

أولئك ، مبتدأ. ومبرءون ، خبر المبتدأ. ومما يقولون ، جار ومجرور فى موضع نصب ، لأنه يتعلق ب (مبرءون) : ولهم مغفرة ، جملة فى موضع خبر آخر ل (أولئك).

قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ) (٢٩).

متاع ، مرفوع بالظرف على مذهب سيبويه كما يرتفع على مذهب الأخفش والكوفيين ، لأن الظرف جرى وصفا للفكرة.

قوله تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ) (٣٠).

من ، ههنا لتبين الجنس ، وزعم الأخفش أنها زائدة ، وتقديره عنده ، قل للمؤمنين يغضوا أبصارهم. والأكثرون على خلافه ، لأنّ (من) لا تزاد فى الواجب ، وإنما تزاد فى النفى.

قوله تعالى : (غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ) (٣١).

١٩٤

غير ، يقرأ بالنصب والجر ، فمن قرأ بالنصب نصبه على الاستثناء أو الحال ، ومن قرأ بالجر جره على الوصف ل (التابعين) لأنه ليس بمعرفة صحيحة لأنه ليس بمعهود ، أو على البدل منهم.

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ) (٣٣).

الذين ، فى موضع رفع بالابتداء وخبره محذوف وتقديره فيما يتلى عليكم الذين يبتغون الكتاب.

قوله تعالى : (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ) (٣٥).

مثل ، مرفوع ، لأنه مبتدأ ، والكاف خبره. والهاء فى (نوره) فيه ثلاثة أوجه :

الأول : أن تكون عائدة على (الله تعالى).

والثانى : أن تكون عائدة على (المؤمن).

والثالث : أن تكون عائدة على (الإيمان) فى قلب المؤمن.

قوله تعالى : (كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ) (٣٥).

يقرأ (درىّ) بضم الدال وتشديد الياء ، و (ودرى) بكسر الدال والهمز ، و (درى) بضم الدال والهمزة.

فمن قرأ (درّى) بالضم وتشديد الياء فيحتمل وجهين.

أحدهما ، أن يكون جعله منسوبا إلى (الدّرّ).

والثانى : أن يكون أصله (درئ) بالهمز فعيلا من الدرء ، فقلبت الهمزة ياء وأدغمت فى الياء قبلها. ومن قرأ (درّئ) بالكسر والهمزة جعله فعّيلا من الدرء ، نحو خميّر ونسّيّق. ومن قرأ (درئ) بضم الدال والهمزة فإنه جعله فعيّلا من (الدرء) ومعناه أنه يدفع الظلمة لتلألؤه ، ووزنه فعّيل ، وهو وزن قليل ، ونظائره من الأسماء المرنق وهو العصفر.

١٩٥

قوله تعالى : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ) (٣٦).

الجار والمجرور يحتمل وجهين :

أحدهما ، أن يكون صفة (مشكاة) فى قوله تعالى : (كمشكاة فيها مصباح) ، وتقديره ، كمشكاة كائنة فى بيوت.

والثانى : أن يكون متعلقا بقوله تعالى :

(يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ) (٣٦) و (٣٧).

يسبح ، يقرأ بضم الياء وكسر الباء وفتحها. فمن قرأ بضم الياء وكسر الباء ، كان (رجال) مرفوعا لأنه فاعل. ومن قرأ بضم الياء وفتح الباء كان (رجال) مرفوعا بفعل مقدر دل عليه (يسبح) كأنه قيل : من يسبحه. فقال : رجال ، أى يسبحه رجال. كقول الشاعر :

١٣٧ ـ ليبك يزيد ضارع لخصومة

ومختبط ممّا تطيح الطّوائح (١)

كأنه لما قال : ليبك يزيد ، قال قائل : من يبكيه؟ فقال : يبكيه ضارع لخصومة ، ولا يجوز رفعه ب (يسبح) لاستحالة المعنى. وعن ذكر الله ، مصدر مضاف إلى المفعول ، لأن تقديره ، عن ذكرهم الله. فحذف الفاعل وأضيف إلى المفعول كقوله تعالى :

(فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ)(٢)

__________________

(١) من شواهد سيبويه ١ / ١٤٥ وقد نسبه إلى الحرث بن نهيك ، ونسبه الشنتمرى إلى لبيد بن ربيعة العامرى. والضارع : الذليل ـ والمختبط : الطالب المعروف ـ وتطيح : تذهب وتهلك.

(٢) ٢٣ سورة السجدة.

١٩٦

أى ، من لقائك إياه. وإقام الصلاة ، الأصل أن تقول فى (إقام الصلاة) ، (إقامة الصلاة) ، إلا أنه حذفت التاء ، لأن المضاف إليه صار عوضا عنها ، كما صار عوضا عن التنوين ، كما صارت (ها) فى يأيّها عوضا عن المضاف إليه.

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) (٣٩).

كسراب ، جار ومجرور فى موضع رفع لأنه خبر المبتدأ وهو (أعمالهم). وبقيعة ، فى موضع جر لأنه صفة (سراب) وتقديره ، كسراب كائن بقيعة. وقيعة ، جمع قاع ، كجيرة جمع جار ، وفيه عائد إلى الموصوف ، يحسبه الظمآن ماء ، جملة فعلية فى موضع جر صفة ل (سراب) أيضا. وشيئا ، منصوب على المصدر لأن التقدير فى (لم يجده شيئا) لم يجد وجود الآية لا شىء هناك. وقد قدمنا نظائره.

قوله تعالى : (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) (٤٠).

يغشاه موج ، جملة فعلية فى موضع جر صفة ل (بحر) ومن فوقه موج ، يرتفع (موج) بالظرف عند سيبويه ، كما يرتفع به عند الأخفش ، لجريه صفة على المذكور المرفوع بأنه فاعل ، وكذا قوله (من فوقه سحاب) يرتفع (سحاب) بالظرف عندهما ، وظلمات ، يقرأ بالرفع والجر ، فالرفع من وجهين.

أحدهما : أن يكون بدلا من (سحاب).

والثانى : أن يكون مرفوعا على تقدير مبتدأ محذوف ، وتقديره ، هى ظلمات. والجر على أن يكون بدلا من (ظلمات) الأولى.

قوله تعالى : (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ) (٤٣).

١٩٧

من الأولى ، لابتداء الغاية ، لأن السماء ابتداء الإنزال ، والثانية للتبعيض ، لأن البرد بعض الجبال التى فى السماء. وهى مع المجرور فى موضع المفعول ، وقيل : إنها زائدة ، وتقديره ، وينزل من السماء جبالا. والثالثة : لتبين الجنس ، لأن جنس تلك الجبال جنس البرد ، وتقديره ، فيها شىء من برد. وهو مرفوع بالظرف لأن الظرف صفة «الجبال» ، وقيل إنها زائدة ، وتقديره فيها برد.

قوله تعالى : (يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ) (٤٣).

يقرأ بفتح الياء وضمها ، فمن قرأ بفتحها كانت الباء فى «بالأبصار» معدية. ومن قرأ بفتحها كانت الباء زائدة.

قوله تعالى (وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ) (٥٢).

قرئ بكسر القاف وبسكونها ، فمن كسرها فعلى الأصل ، ومن سكنها فعلى التخفيف. كما قالوا فى : كتف كتف.

قوله تعالى : (قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) (٥٣).

فى رفع «طاعة معروفة» وجهان :

أحدهما : أن يكون خبر مبتدأ محذوف وتقديره ، أمرنا طاعة. فحذف المبتدأ.

والثانى : أن يكون مبتدأ محذوف الخبر ، وتقديره طاعة معروفة أمثل من غيرها.

قوله تعالى : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ) (٥٧).

يقرأ «تحسبنّ» بالتاء والياء ، فمن قرأ بالتاء كان الفاعل المخاطب ، وهو النبى عليه‌السلام. والذين ، مفعول أول ل «تحسبن». ومعجزين المفعول الثانى. ومن قرأ بالياء كان «الذين» مرفوعا لأنه فاعل «تحسبن» ، والمفعول الأول ل «يحسبن» محذوف. ومعجزين ، المفعول الثانى ، وتقديره ، ولا يحسبن الكافرون أنفسهم معجزين

١٩٨

فى الأرض. وإنما جاز حذف المفعول الأول لأنه مبتدأ فى الأصل ، وحذف المبتدأ كثير فى كلامهم ، ويحتمل أن يكون «الذين ومعجزين» مفعولى «يحسبن» وفاعله مقدر ، وتقديره لا يحسبن الإنسان الكافرين معجزين. فيكون نهيا للغائب.

قوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) (٥٥).

وعد فى الأصل يتعدى إلى مفعولين ، ويجوز الاقتصار على أحدهما ، ولهذا اقتصر فى هذه الآية على مفعول واحد ، وفسّر العدة بقوله : «ليستخلفنهم».

قوله تعالى : (يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) (٥٥).

يعبدوننى ، جملة فعلية فى موضع نصب على الحال.

قوله تعالى : (ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ) (٥٨).

ثلاث عورات ، يقرأ بالنصب والرفع.

فالنصب على أن يكون بدلا من قوله : (ثَلاثَ مَرَّاتٍ) ، و «ثلاث مرات». ظرف زمان ، أى ، ثلاثة أوقات ، وأخبر عن هذه الأوقات بالعورات لظهورها فيها ، كقولهم : ليلك نائم ، ونهارك صائم. ونظائره كثير.

والرفع على تقدير مبتدأ محذوف ، وتقديره ، هذه ثلاث عورات وتقديره ، هذه ثلاثة أوقات عورات. وحذف المضاف اتساعا.

ومن فتح الواو من «عورات» جاء به على قياس جمع التصحيح ، نحو ، ضربة وضربات ، والقراءة المشهورة بسكون الواو ، ولمكان حرف العلة ، لأن الحركة تستثقل على حرف العلة وهى اللغة الفصيحة.

طوافون ، خبر مبتدأ محذوف ، وتقديره ، هم طوافون. أى ، أنتم طوافون.

١٩٩

وبعضكم : مرفوع على البدل من المضمر فى (طوّافون) وتقديره ، يطوف بعضكم على بعض.

قوله تعالى : (وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ) (٦٠).

القواعد ، جمع قاعد ، وهى التى قعدت عن النكاح للكبر ، ولم يدخلها الهاء ، لأن المراد به النسب أى ، ذات قعود ، كقولهم : حامل وحائض وطاهر وطالق ، أى ، ذات حيض وطمث وطلاق.

وذهب الكوفيون إلى أنه لما لم يكن ذلك إلا للمؤنث لم يفتقر إلى إدخال التاء للفرق كما قالوا : حامل وحائض وطامث وطالق ، لمّا لم يكن إلا للمؤنث ، لم يفتقروا إلى إدخال التاء للفرق ، لأن الفرق إنما يكون فى محل الجمع لإزالة الاشتراك ، وإذا لم يكن اشتراك ، لم يفتقر إلى فرق ، وقيل : حذفت التاء لتفرق بين القاعدة عن النكاح وبين القاعدة بمعنى الجالسة.

فليس عليهن جناح ، دخول الفاء فى (فليس) يدل على أن (اللاتى) فى موضع رفع لأنه صفة للقواعد لا للنساء ، لأنك لو جعلته صفة للنساء ، لم يكن لدخول الفاء وجه ، ألا ترى أن الموصولة ، هى التى يدخل الفاء فى خبرها ، فإذا جعلت (اللاتى) صفة للقواعد فالصفة والموصوف بمنزلة شىء واحد.

قوله تعالى : (غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ) (٦٠).

غير ، منصوب على الحال من المضمر من (هن) أو من الضمير فى (يضعن).

قوله تعالى : (جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً) (٦١).

منصوبان على الحال من الواو فى (تأكلوا).

٢٠٠