البيان في غريب إعراب القرآن - ج ٢

أبو البركات بن الأنباري

البيان في غريب إعراب القرآن - ج ٢

المؤلف:

أبو البركات بن الأنباري


المحقق: الدكتور طه عبد الحميد طه
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب
الطبعة: ٢
ISBN: 977-419-179-X
الصفحات: ٥٧٦
الجزء ١ الجزء ٢

مرفوع لأنه خبر مبتدأ محذوف ، وتقديره ، هو كتاب مرقوم ، أى هو فى موضع كتاب مرقوم. وكذا التقدير فى :

(عِلِّيُّونَ (١٩) كِتابٌ مَرْقُومٌ) (٢٠).

فحذف المبتدأ والمضاف جميعا ، وإنما وجب هذا التقدير ، لقيام الدليل على أن (عليين) مكان. قال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«إنكم لترون أهل عليين كما يرى الكوكب الذى فى أفق السماء ، وإن أبا بكر وعمر منهم» ، وعليين ، جمع لا واحد له كعشرين ، سمى به وقيل : إن (عليين) هم الملائكة لأنهم الملأ الأعلى ، ولهذا جمع بالواو والنون. فهذه الآية تدل على أنه إذا سمى بجمع الصحة ، أن الأحسن أن يبقى على حكمه ، لأنه سبحانه قال : (لَفِي عِلِّيِّينَ) فجعله فى موضع الجر بالياء.

وقال : (وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ) فجعله فى الرفع بالواو ، فدل على أن هذا أفصح اللغات فيه.

قوله تعالى : (ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) (١٧).

هذا ، فى موضع رفع لأنه مبتدأ ، وخبره (الذى) ، والجملة عند بعض النحويين فى موضع رفع ، لأنها فى موضع مفعول ما لم يسم فاعله. وأنكره بعض النحويين ، وذهب إلى أن الجملة لا تقام مقام الفاعل ، وإنما الذى يقوم مقام الفاعل ههنا ، هو المصدر المقدر.

قوله تعالى : (وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (٢٧ عَيْناً) (٢٨).

عينا ، منصوب من أربعة أوجه.

الأول : أن يكون منصوبا على التمييز.

٥٠١

والثانى : أن يكون منصوبا على الحال لأنها بمعنى جارية ، فهى حال من (تسنيم) ، على أن (تسنيما) اسم للماء الجارى من علو الجنة ، فهو معرفة ، وتقديره ، ومزاجه من الماء جاريا من علو.

والثالث : أن يكون منصوبا ب (تسنيم) ، وهو مصدر ، كقوله تعالى :

(أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً)(١).

وتقديره ومزاجه من ماء تسنيم عينا.

والرابع : أن يكون منصوبا بتقدير (أعنى عينا). ويشرب ، جملة فعلية فى موضع نصب على الموضع لقوله : (عينا). والباء فى (بها) فيها وجهان.

أحدهما : أن تكون زائدة ، وتقديره ، يشربها ، أى يشرب منها.

والثانى : أن تكون (الباء) بمعنى (فيها) وقد قدمنا نظائره.

قوله تعالى : (عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (٣٥) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ) (٣٦).

هل ثوّب الكفار ، فى موضع نصب ب (ينظرون) ، وقيل : لا موضع لها من الإعراب ، لأنها مستأنفة. وقرئ : هل ثوب بإدغام اللام فى التاء وبإظهارها ، فمن أدغم فلما بينهما من المناسبة ، لأنهما من حروف طرف اللسان والثنايا العليا.

__________________

(١) ١٤ ، ١٥ سورة البلد.

٥٠٢

«غريب إعراب سورة انشقت» (١)

قوله تعالى : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) (١).

إذا ، ظرف ، والعامل فيه ، جوابه ، واختلفوا فى جوابه ، فمنهم من قال : إن جوابه مقدر ، وتقديره ، بعثتم. ومنهم من ذهب إلى أن جوابه (أذنت) ، والواو فيها زائدة وتقديره ، إذا السماء انشقت أذنت. ومنهم من ذهب إلى أن جوابه قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ) على تقدير ، فيأيها الإنسان ، فحذفت الفاء. ومنهم من ذهب إلى أن جوابه قوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ).

قوله تعالى : (ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) (١٤).

أن ، سدت مسد مفعولى (ظن). وظن وما عملت فيه ، فى موضع رفع ، لأنها خبر (إن).

قوله تعالى : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) (١٩).

أى حالا بعد حال. وعن ، تأتى بمعنى (بعد). ومنه قولهم : سادوا كابرا عن كابر ، أى ، بعد كابر. وقول الشاعر :

١٨١ ـ وتضحى فتيت المسك فوق فراشها

نئوم الضّحى لم تنتطق عن تفضّل (٢)

أى ، بعد تفضل.

قوله تعالى : (فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٢٠).

__________________

(١) سورة الانشقاق.

(٢) الشاهد من معلقة امرئ القيس المعروفة.

٥٠٣

لا يؤمنون ، فى موضع نصب على الحال من الهاء والميم فى (لهم) ، والعامل فيه معنى الفعل الذى تعلقت به اللام فى (لهم) ، وقد قدمنا نظائره.

قوله تعالى : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢٤) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) (٢٥).

الاستثناء ههنا فيه وجهان.

أحدهما : أن يكون الاستثناء ههنا من الجنس ، فيكون (الذين آمنوا) فى موضع نصب ، لأنه استثناء من الهاء والميم فى (بشرهم).

والثانى : أن يكون الاستثناء ههنا منقطع الجنس ، فيكون منصوبا لأن الاستثناء المنقطع منصوب.

٥٠٤

«غريب إعراب سورة البروج»

قوله تعالى : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ) (١).

والسماء ، قسم ، وفى جوابه وجهان.

أحدهما : أن يكون جوابه مقدرا ، وتقديره ، لتبعثن.

والثانى : أن يكون جوابه :

(إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ).

قوله تعالى : (وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ) (٢).

وتقديره ، الموعود به ، إلا أنه حذف للعلم به ، وإنما وجب هذا التقدير ، لأن (الموعود) وصف ل (اليوم) ، ولا بد أن يعود من الوصف إلى الموصوف ذكر.

قوله تعالى : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (٤) النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ) (٥).

النار ، مجرور على البدل من (الأخدود) وهو بدل الاشتمال ، وذهب بعض الكوفيين إلى أنه مخفوض على الجوار. والصحيح هو الأول.

قوله تعالى : (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ) (١٥).

يقرأ (المجيد) بالجر والرفع.

فالجر من وجهين.

أحدهما : أن يكون مجرورا على أنه وصف (للعرش).

والثانى : على أن يكون صفة (ربك) من قوله تعالى :

٥٠٥

(إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ).

وقوى هذا الوجه ، أن (المجيد) من صفات الله ، فكان جعله وصفا (للرب) أولى. والرفع على أنه صفة (ذو) أو خبر بعد خبر.

قوله تعالى : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) (١٦).

فعّال ، مرفوع من ثلاثة أوجه.

الأول : أنه بدل من (ذو العرش).

والثانى : أنه خبر مبتدأ محذوف ، وتقديره ، هو فعال.

والثالث : أنه خبر بعد خبر.

قوله تعالى : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (١٧) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ) (١٨).

فرعون وثمود ، فى موضع جر على البدل من (الجنود). وقيل فى موضع نصب بتقدير أعنى.

قوله تعالى : (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) (٢٢)».

يقرأ (محفوظ) بالجر والرفع.

فالجر على الوصف ل (لوح).

والرفع على الوصف (لقرآن).

٥٠٦

«غريب إعراب سورة الطارق»

قوله تعالى : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) (٤). يقرأ (لما) بالتخفيف والتشديد.

من قرأ بالتخفيف ، جعل (ما) زائدة ، و (إن) مخففة من الثقيلة وتقديره ، إن كل نفس لعليها حافظ.

ومن قرأ بالتشديد ، جعل (إن) بمعنى (ما) ، و (لمّا) بمعنى (إلا) كقولك : نشدتك الله لمّا فعلت. أى ، إلا فعلت. وتقديره ، ما كل نفس إلا عليها حافظ.

قوله تعالى : (إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ (٨) يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) (٩).

إنه ، الهاء فيها وجهان.

أحدهما : أنها تعود على الماء. أى على رجع الماء إلى موضعه من الصلب لقادر.

والثانى : أن تعود على الإنسان ، أى على بعثه لقادر.

ويوم تبلى ، ظرف ، ولا يجوز أن يتعلق ب (رجعه) ، لأنه يؤدى إلى الفصل بين الصلة والموصول بخبر (إن) ، وهو قوله تعالى : (لَقادِرٌ) ، وفيما يتعلق به وجهان.

أحدهما : أنه يتعلق بفعل يدل عليه قوله : (رَجْعِهِ) ، وتقديره ، يرجعه يوم تبلى السرائر.

والثانى : أنه يتعلق بقوله : (لَقادِرٌ) : والوجه الأول أوجه ، لأن الله قادر فى جميع الأوقات ، فأى فائدة فى تعيين هذا الوقت ، ومن جعل الهاء عائدة على (الماء) لا على (الإنسان) ، نصب (يوم) ب (تبلى) بتقدير ، اذكر ، لأنه لم يرد أن يخبر أنه قادر على رد الماء إلى موضعه من الصلب فى الآخرة ، والله أعلم.

٥٠٧

«غريب إعراب سورة سبّح (١)»

قوله تعالى : (وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى (٤) فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى) (٥).

إن جعلت (جعله) بمعنى (خلق) ، كان (غُثاءً أَحْوى) منصوبا على الحال. وإن جعلته بمعنى (صيّر) ، كان (غثاء أحوى) نصبا لأنه مفعول ثان. أى جعله غثاء أسود يابسا. وقيل : تقديره ، الذى أخرج المرعى أحوى أخضر فجعله غثاء.

ولا يكون قوله تعالى :

(فَجَعَلَهُ غُثاءً)

فصلا بين الصلة والموصول لأن قوله : (فَجَعَلَهُ غُثاءً) داخل فى الصلة ، والفصل بين بعض الصلة وبعضها غير ممتنع ، وإنما الممتنع الفصل بين بعضها وبعض بأجنبى عنها.

قوله تعالى : (فَلا تَنْسى) (٦).

لا ، نافية لا ناهية ، ولهذا ثبتت الألف فى قوله : (تنسى) معناه ، لست ناسيا.

قوله تعالى : (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) (٩).

جواب (إن) مدلول قوله : (فذكّر) وقد قام مقامه ، وسد مسده. والله أعلم.

__________________

(١) سورة الأعلى.

٥٠٨

«غريب إعراب سورة الغاشية»

* (١) قوله تعالى : (لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً) (١١).

يقرأ (لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً) ، بفتح التاء ونصب (لاغية) ، وبضم التاء ورفع (لاغية) ، وبضم الياء ورفع (لاغية).

فمن قرأ بفتح التاء ونصب (لاغية) ، كانت التاء للخطاب ، والفعل مبنى للفاعل ، ولاغية ، مفعول (تسمع). ولاغية ، مصدر كالعافية والعاقبة.

ومن قرأ بضم التاء ورفع (لاغية) ، كان الفعل مبنيا لما لم يسم فاعله. ولاغية ، مرفوع لأنه مفعول ما لم يسم فاعله.

ومن قرأ بضم التاء ورفع (لاغية) فإنه بنى الفعل لما لم يسم فاعله وذكّر اللاغية لوجهين.

أحدهما : أنه أراد ب (اللاغية) اللغو. وهو مذكر.

والثانى : أنه فصل بين الفعل والفاعل ، كقولك : حسن اليوم دارك واضطرم الليلة نارك. وكقولهم : حضر القاضى اليوم امرأة. وإذا جاز التذكير مع المؤنث الحقيقى ، فمع غير الحقيقى أولى.

قوله تعالى : (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ) (٢٣).

قرئ (بمسيطر) بالسين والصاد.

__________________

(١) * عند هذه العلامة ابتدأ ناسخ المخطوط (ب) بعد الورقات الساقطة وفيها السور (الانفطار ، المطففين ، الانشقاق ، البروج ، الطارق ، سبح ، وعنوان (سورة الغاشية).

٥٠٩

فمن قرأ بالسين فعلى الأصل.

ومن قرأ بالصاد ، أبدل من السين صادا ، لتوافق الطاء فى الاستعلاء والإطباق ، كقوله تعالى :

(وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ)(١).

وأصله (بسطة) فأبدل من السين صادا ، لتوافق الطاء فى الإطباق ، وكذلك قالوا : الصراط فى السراط ، وصطر فى سطر. وهذا النحو كثير فى كلامهم. وإلا من تولى ، فى موضع نصب لأنه استثناء من غير الجنس ، وقيل هو استثناء من الجنس ، وتقديره ، إنما أنت مذكر الناس إلا من تولى وكفر. وقيل : (من) فى موضع جر ، لأنه بدل من الهاء والميم فى (عليهم).

قوله تعالى : (إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ) (٢٥).

بتخفيف الباء ، آب يؤوب إيابا ، نحو : قام يقوم قياما ، وأصله : إوابا وقواما ، إلا أنه أعل المصدر لاعتلال الفعل ، وقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلهما.

وقرئ (إيّابهم) بتشديد الياء ، وأنكره أبو حاتم ، وقال : لو كان كذلك لوجب أن يقال : إوّاب ، لأنه وزن فعّال ولو أراد ذلك لقال : إوّاب كما قالوا : دينار وديوان وقيراط ، وأصلها دنّار ، ودوّان ، وقرّاط. فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلهما. وقال أبو الفتح بن جنى : يجوز أن يكون أراد : إوّابا. إلا أنه قلبت الواو ياء استحسانا طلبا للخفة لا وجوبا ، كقولهم : ما أحيله ، وهو من بنات الواو ، وقد روى أنهم قالوا : اجلوذ ، اجلياذا وإن كان المشهور : اجلواذا. وقال أيضا يجوز أن يكون أوببت على وزن فوعلت نحو : حوقلت ، وجاء مصدره على وزن الفيعال ، نحو الحيقال ، فصار (إيوابا) ، فاجتمعت الياء والواو والسابق منهما ساكن فقلبت الواو ياء ، وأدغمت الياء فى الياء فصار (إيّابا). والله اعلم.

__________________

(١) ٢٤٧ سورة البقرة.

٥١٠

«غريب إعراب سورة والفجر (١)»

قوله تعالى : (وَالْفَجْرِ (١) وَلَيالٍ عَشْرٍ) (٢).

هذا قسم ، وفى جوابه وجهان.

أحدهما : أن يكون قوله تعالى :

(إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ).

والثانى : أن يكون مقدرا وتقديره ، لتبعثن.

قوله تعالى : (كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ (٦) إِرَمَ) (٧).

إرم ، مجرور على البدل ، أو عطف البيان ، ولا يجوز أن يكون وصفا ، لأنه ليس مشتقا. وإرم لا ينصرف للتعريف والتأنيث ، والدليل على التأنيث أنه وصفها بقوله : (ذاتِ الْعِمادِ).

قوله تعالى : (وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) ١٨.

فيه وجهان.

أحدهما : أن يكون (طعام) المسكين ، بمعنى (إطعام) ، فيكون اسما أقيم مقام المصدر كقولهم : سلمت عليه سلاما. أى ، تسليما. وكلمته كلاما. أى ، تكليما.

وكقول الشاعر :

١٨٢ ـ وبعد عطائك المائة الرتاعا (٢).

__________________

(١) سورة الفجر.

(٢) عجز بيت للقطامى ، واسمه عمير بن شييم ، وهو ابن أخت الأخطل ، فى كلمة يمدح فيها زفر بن الحارث الكلابى ، والبيت بتمامه : ـ

٥١١

أى ، إعطائك. فأقام العطاء مقام الإعطاء ، وإقامة الاسم مقام المصدر كثير فى كلامهم.

والثانى : أن يكون التقدير فيه : ولا تحضون على إطعام طعام المسكين فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.

قوله تعالى : (إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا) (٢١).

جواب (إذا) قوله تعالى :

(فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ).

ودكّا دكّا ، منصوب على المصدر المؤكد ، وكرر للتأكيد.

قوله تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) (٢٢).

صفّا صفّا ، منصوب على المصدر فى موضع الحال.

قوله تعالى : (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ) (٢٣).

بجهنم ، فى موضع رفع ، لأنه مفعول ما لم يسم فاعله ، وكان مرفوعا لقيامه مقام الفاعل ، وقيل : المصدر المقدر ، هو مفعول ما لم يسم فاعله. ويومئذ الأول ، ظرف يتعلق ب (جىء). ويومئذ الثانى ، فيه وجهان.

أحدهما : أن يكون بدلا من (يومئذ) الأول.

والثانى : أنه يتعلق ب (يتذكر).

قوله تعالى : (لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ (٢٥) وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ) (٢٦).

__________________

 ـ أطفرا بعد رد الموت عني

وبعد عطائك المائة الرّتاعا

وقد مربنا ذكره، وهو شاهد في إقامة الاسم مقام المصدر.

٥١٢

يقرأ (يعذب) بكسر الذال وفتحها ، وبكسر الثاء وفتحها.

فمن قرأ بكسر الذال والثاء ، كان تقديره لا يعذّب أحد أحدا عذابا مثل عذابه ، ولا يوثق أحد أحدا وثاقا مثل وثاقه. والهاء تعود إلى الله تعالى ، وإن لم يجر له ذكر ، لدلالة الحال عليه. وعذابه ووثاقه ، منصوبان على المصدر ، والمصدر مضاف إلى الفاعل. وأحد ، مرفوع لأنه الفاعل.

ومن قرأ بفتحهما كان تقديره ، لا يعذّب أحد مثل عذابه ، ولا يوثق أحد مثل وثاقه. والهاء تعود على الإنسان لتقدم ذكره ، والمصدر مضاف إلى المفعول. وأحد ، مرفوع لأنه مفعول ما لم يسم فاعله.

٥١٣

«غريب إعراب سورة البلد»

قوله تعالى : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) (١١).

أى ، لم يقتحم ، و (لا) مع الماضى ، (كلم) مع المستقبل ، كقوله تعالى :

(فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى)(١) أى ، لم يصدّق ولم يصلّ ، وكقول الشاعر :

١٨٣ ـ وأى عبد لك لا ألمّا (٢)

أى ، لم يلم.

قوله تعالى : (وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢) فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣) أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيماً) (١٥).

ما العقبة تقديره ، ما اقتحام العقبة. فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. وفك رقبة ، مرفوع لأنه خبر مبتدأ محذوف ، وتقديره ، اقتحامها فك رقبة. أو إطعام ، عطف عليه. ويتيما ، منصوب ، لأنه معمول (إطعام) ، وهو مصدر (أطعم) ، وتقديره أن أطعم يتيما كقول الشاعر :

__________________

(١) ٣١ سورة القيامة.

(٢) عجز بيت لأبى خراش الهذلى وهو يطوف بالبيت ١ ـ ١٩٨ والبيت :

إن تغفر اللهم تغفر جما

وأى عبد لك لا ألما

قال الشيخ الأمير : (قوله ألما : أى. بالذنوب. كانت الجاهلية تطوف به ، بل أنشده «صلى‌الله‌عليه‌وسلم» والشاهد فيه حيث أناب (لا) عن (لم).

٥١٤

فلو لا رجاء النّصر منك ورهبة

عقابك قد صاروا لنا كالموارد (١)

قوله تعالى : (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) [٢٣٦ / ١]» (١٧).

اسم كان مضمر فيها ، ثم كان مقتحمها من الذين آمنوا. وإنما قال : ثم كان من الذين آمنوا. وإن كان الإيمان فى الرتبة مقدما على العمل ، لأن (ثم) إذا عطفت جملة على جملة ، لا تفيد الترتيب ، بخلاف ما إذا عطفت مفردا على مفرد ، وقيل : أراد به الدوام على الإيمان. والله اعلم.

__________________

(١) بيت من شواهد سيبويه ١ ـ ٩٧ ، ١ ـ ٢٣٦ ولم ينسبه لقائل والشاهد فيه تنوين رهبة ونصب ما بعدها ، على معنى وإن نرهب عقابك. يقول : لو لا رجاؤنا لنصرك لنا عليهم ، ورهبتنا لعقابك لنا إن انتقمنا بأيدينا منهم لوطئناهم وأذللناهم ، كما توطأ الموارد وهى الطرق إلى الماء ، وخصها لأنها أعمر الطرق.

٥١٥

«غريب إعراب سورة الشمس»

قوله تعالى : (وَالشَّمْسِ وَضُحاها) (١).

الواو الأولى واو القسم ، وسائر الواوات عطف عليها ، وجواب القسم فيه وجهان.

أحدهما : أن يكون مقدرا.

والثانى : أن يكون :

(قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها)

وتقديره : (لقد أفلح من زكاها).

(وَالسَّماءِ وَما بَناها) (٥).

ما ، فيها ثلاثة أوجه.

الأول : أن تكون مصدرية ، وتقديره ، وبنائها.

والثانى : أن تكون بمعنى الذى وتقديره ، والذى بناها.

والثالث : أن تكون بمعنى (من) وتقديره ، ومن بناها.

وقد جاءت (ما) بمعنى (من) فإنه حكى عن أهل الحجاز أنهم يقولون للرعد : سبحان ما سبحت له ، أى : سبحان من سبحت له. وهو قول لأهل النضير.

قوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (٩) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) (١٠).

أصل (دسّاها) دسّسها. فاجتمعت الأمثال. فوجد الاستثقال. فأبدل من السين

__________________

(١) سورة الشمس.

٥١٦

الأخيرة ياء كما قالوا : تظنّيت فى تظنّنت. وقصّيت أظفارى ، فى قصصت ، ويقضّى فى يقضّض. قال الشاعر :

١٨٤ ـ تقضّى البازى إذا البازى (١).

أراد : تقضض. فأبدل من الضاد الأخيرة ياء. وكذلك ههنا. أبدل من السين الأخيرة ياء ، فصار (دسيها) ، ثم قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها.

قوله تعالى : (ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها) (١٣).

ناقة ، منصوب بتقدير فعل ، وتقديره ، احذروا ناقة الله. وسقياها عطف عليه.

قوله تعالى : (فَسَوَّاها (١٤) وَلا يَخافُ عُقْباها) (١٥).

الهاء فى (سوّاها) ، تعود على الدّمدمة. ولا يخاف عقباها ، فى موضع نصب على الحال ، وتقديره ، سوّاها غير خائف عاقبتها. والله أعلم.

__________________

(١) من شواهد ابن جنى ونسبه المحقق إلى العجاج. الخصائص ٢ ـ ٩٠ وجاء به (كسر) بدل (كبر) ،

٥١٧

«غريب إعراب سورة والليل (١)»

قوله تعالى : (وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) (٣).

فيها الثلاثة الأوجه التى ذكرناها فى الشمس ، فى قوله تعالى :

(وَالسَّماءِ وَما بَناها).

ويجوز الجر فى (الذكر والأنثى) ، على البدل من (ما).

قوله تعالى : (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) (٤).

جواب القسم.

قوله تعالى : (إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) (٢٠).

منصوب لأنه استثناء منقطع.

وزعم بعض الكوفيين أنه يجوز فيه الرفع على البدل من موضع (نعمة) ، وهو ضعيف.

__________________

(١) سورة الليل.

٥١٨

«غريب إعراب سورة والضحى (١)»

قوله تعالى : (وَالضُّحى) (١).

قسم ، وجواب القسم :

(ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى).

وقرئ (ودعك) بالتخفيف ، أى تركك ، كقول الشاعر :

١٨٥ ـ ليت شعرى عن خليلى ما الذى

غاله فى الحب حتى ودعه (٢)

أى ، تركه. وقول الآخر :

١٨٦ ـ فسعى مسعاته فى قومه

ثم لم ينزل ولا عجزا ودع (٣)

__________________

(١) سورة الضحى.

(٢) من شواهد ابن جنى وقد نسبه إلى أبى الأسود ، الخصائص ١ ـ ٩٩ وجاء فى اللسان مادة (ودع) : وأنشد ابن برى ، لسويد بن أبى كاهل :

سل أميرى ما الذى غيره

عن وصالى اليوم حتى ودعه

(٣) وفى نفس المادة (ودع) ذكر البيت التالى ولكنه جاء برواية (يدرك) بدل (ينزل) وفى النص (سعا) بالألف ، ونسب البغدادى هذا البيت إلى سويد بن أبى كاهل أيضا خزانة الأدب ٣ ـ ١٢٠ ـ وفى اللسان أيضا : ففى حديث ابن عباس أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن على قلوبهم» ، أى عن تركهم إياها ، والتخلف عنها. من ودع الشىء يدعه إذا تركه وزعمت النحوية أن العرب أماتوا مصدر يدع ويذر ، واستغنوا عنه بترك ، والنبى أفصح العرب وقد رويت عنه هذه الكلمة. قال ابن الأثير وإنما يحمل قولهم على قلة الاستعمال فهو شاذ فى الاستعمال صحيح فى القياس وقد جاء فى الحديث حتى قرئ به قوله تعالى : (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى).

٥١٩

أى ، ترك. وما قلى ، أى ، ما قلاك ، فحذف الكاف وهى مفعول ، وكذلك حذف الكاف التى هى المفعول من قوله : (فَآوى) وتقديره فآواك ، وكذلك حذفها من قوله : (فَأَغْنى) وتقديره فأغناك ، والحذف للتخفيف كثير.

قوله تعالى : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) (٥).

إنما دخلت اللام على (سوف) دون السين ، لأن (سوف) أشبهت الاسم لأنها على ثلاثة أحرف ، بخلاف السين فإنها على حرف واحد. ولم تدخل النون مع اللام ههنا ، وإن كانت النون لا تكاد تنفك عن اللام فى هذا النحو لمكان (سوف) ، لأن النون إنما تدخل مع اللام لتدل على أن اللام (لام) قسم ، لا (لام) ابتداء ، فلما دخلت على (سوف) علم أنها لام قسم ، لا (لام) ابتداء ، لأن (لام) الابتداء لا تدخل على سوف.

ويعطيك ، يتعدى إلى مفعولين وحذف ههنا أحدهما ، وتقديره ، ولسوف يعطيك ربك ما تريده فترضى. وهو من الأفعال التى يجوز الاقتصار فيها على أحد المفعولين دون الآخر. ألا ترى أنه يجوز أن تقول فى (أعطيت زيدا درهما) ، أعطيت زيدا. فتذكر ما أعطيت ، ولا تذكر من أعطيت (١).

قوله تعالى : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (٩) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (١٠) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (١١).

اليتيم ، منصوب لأنه مفعول (تقهر). و (السائل) ، منصوب لأنه مفعول (تنهر).

والباء فى (بنعمة) تتعلق ب (حدّث). والفاء فى (فلا تقهر وفلا تنهر وفحدث) ، جواب (أمّا) فى هذه المواضع ، لأن فيها معنى الشرط. وقد قدمنا ذكره. والله أعلم.

__________________

(١) هكذا فى أ ، ب وصحتها (فتذكر من أعطيت ، ولا تذكر ما أعطيت).

٥٢٠