البيان في غريب إعراب القرآن - ج ٢

أبو البركات بن الأنباري

البيان في غريب إعراب القرآن - ج ٢

المؤلف:

أبو البركات بن الأنباري


المحقق: الدكتور طه عبد الحميد طه
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب
الطبعة: ٢
ISBN: 977-419-179-X
الصفحات: ٥٧٦
الجزء ١ الجزء ٢

«غريب إعراب سورة والتين (١)»

قوله تعالى : (وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) (٣).

فيه وجهان.

أحدهما : أن يكون (الأمين) من الأمن ، فيكون فعيلا بمعنى فاعل ، كعليم بمعنى عالم.

والثانى : أن يكون (الأمين) بمعنى (المؤمن) ، أى ، يؤمن من يدخله ، على ما قال تعالى :

(وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً)(٢).

فيكون فعيل بمعنى مفعل ، كحكيم بمعنى محكم ، وسميع بمعنى مسمع. قال الشاعر : هو عمرو بن معدى كرب :

١٨٧ ـ أمن ريحانة الدّاعى السميع

يؤرقنى وأصحابى هجوع (٣)

السميع ، أى ، المسمع.

قوله تعالى : (فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ) (٣).

ما ، استفهامية فى موضع رفع بالابتداء* ، ويكذبك ، خبره.

__________________

(١) سورة التين.

(٢) ٩٧ سورة آل عمران.

(٣) الشاهد الوحيد الذى ذكر الأنبارى قائله. الشاهد فيه حيث جاء بسميع بدل مسمع.

٥٢١

«غريب إعراب سورة القلم (١)»

قوله تعالى : (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) (٣).

وربك الأكرم ، جملة اسمية فى موضع نصب على الحال من المضمر فى (اقرأ).

قوله تعالى : (أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) (٧).

أن رآه ، فى موضع نصب على أنه مفعول له ، وتقديره ، لأن رآه ، وأصله (رأيه) ، فتحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا ، ورأى يتعدى إلى مفعولين لأنه من رؤية القلب ، فالمفعول الأول الهاء ، والمفعول الثانى : (استغنى) وقرئ (رأه) ، بهمزة من غير ألف بعدها ، وفيها ثلاثة أوجه.

الأول : أن يكون حذفت منه اللام ، وهى لام الفعل كما حذفت فى (حاش لله).

والثانى : إنما حذفت منه الألف لأنه مضارع (يرى) ، وقد حذفت عينه بعد نقل حركتها إلى ما قبلها ، فلما سكن حرف الهمزة ههنا لأنه يستثقل (٢) عنه للحركة ، فحذفت اللام.

والثالث : أن يكون حذفت لسكونها وسكون السين فى (استغنى) ، لأن الهاء حرف خفى لا يعد حاجزا ، وأجرى فى الوقف مجرى الوصل ، لئلا يختلف ، وهذا أضعف الأوجه.

قوله تعالى : (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى) (٩).

يقرأ بالهمزة وتخفيفها وإبدالها ألفا. فمن همز فعلى الأصل ، ومن خففها جعلها بين

__________________

(١) سورة العلق.

(٢) كلمة غير واضحة.

٥٢٢

الهمزة والألف ، لأن حركة الهمزة فتحة ، وتخفيف الهمزة أن تجعل بين الهمزة والحرف الذى حركتها منه. ومن أبدل جعل الهمزة ألفا تشبيها لها بما إذا كانت ساكنة ، مفتوحا ما قبلها وليس لقياس ولا مطرد.

قوله تعالى : (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (١٥) ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ) (١٦).

النون فى (لنسفعن) نون التوكيد الخفيفة وتكتب بالألف عند البصريين كالتنوين ، وبالنون عند الكوفيين ، وهى مكتوبة فى المصحف بالألف ، كمذهب البصريين. ونظيرها قوله تعالى :

(وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ)(١).

يكتب (ليكونا) بالألف أيضا ، وليس فى القرآن لهما نظير. ناصية كاذبة ، بدل من (الناصية) ، وهذا بدل النكرة من المعرفة.

قوله تعالى : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ) (١٧).

أى ، أهل مجلسه أهل ناديه فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.

__________________

(١) ٣٢ سورة يوسف.

٥٢٣

«غريب إعراب سورة القدر»

قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) (١).

الهاء ، يراد بها القرآن ، وأضمر وإن لم يجر له ذكر ، للعلم به ، وقد قدمنا نظائره.

قوله تعالى : (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (٣).

تقديره ، (خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) لا ليلة قدر فيه فحذف الصفة.

قوله تعالى : (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (٥).

هى ، مبتدأ. وسلام ، خبر مقدم ، ولا يجوز أن يكون خبره (حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) ، لعدم الفائدة فيه ، لأن كل ليلة كذلك ، وإنما وجب هذا التقدير ، ليصح أن يعلق (حتى) به ، لأنه لو حمل الكلام على ظاهره ، لكان يؤدى إلى تقديم الصلة وهى (حتى) ، على الموصول وهو (سلام) وتقديم الصلة على الموصول لا يجوز ، ويجوز أن يكون متعلقا بقوله : (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ).

قوله تعالى : (حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (٥).

أى إلى مطلع الفجر ، ويقرأ (مطلع) بفتح اللام و (مطلع) بكسرها ، والقياس هو الفتح ، لأنه من (طلع يطلع) بضم العين من المضارع ، والكسر على خلاف القياس ، وهما لغتان. والله أعلم.

٥٢٤

«غريب إعراب سورة لم يكن (١)»

قوله تعالى : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ) (١).

والمشركين ، معطوف على (أهل الكتاب). ومنفكين ، خبر كان. ومنفكين تامة لا خبر لها ، لأنها بمعنى (متفرقين) ، كقولك انفكت يده. ولو كانت ناقصة كقولك : ما انفك زيد قائما ، أى ما زال زيد قائما ، لافتقرت إلى خبر.

قوله تعالى : (رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُوا) (٢).

مرفوع على البدل من (البيّنة) قبله ، أو على تقدير مبتدأ محذوف ، وتقديره ، هى رسول.

وقرئ :

(رسولا من الله) بالنصب على الحال.

قوله تعالى : (دِينُ الْقَيِّمَةِ) (٥).

أى ، الملة القيمة ، فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه ، ولو لا هذا التقدير ، لكان ذلك يؤدى إلى أن يكون ذلك إضافة الشىء إلى نفسه ، وذلك لا يجوز وأجازه الكوفيون ، إذا اختلف لفظ المضاف والمضاف إليه ، وإن كانا بمعنى واحد.

__________________

(١) سورة البيّنة.

٥٢٥

قوله تعالى : (جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) (٨).

خالدين ، منصوب على الحال من مضمر مقدر ، وتقديره ، يجزونها خالدين فيها. وأبدا ، ظرف زمان مستقبل ، يتعلق ب (خالدين). فأبدا ، للمستقبل. وقط ، للماضى. يقول : والله لا أكلمه ابدا وما كلمته قط. ولو قلت : والله ما أكلمه قط ، ولا كلمته أبدا ، لكان فاسدا.

٥٢٦

«غريب إعراب سورة الزلزلة»

قوله تعالى : (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها) (١).

إذا ، ظرف وفى العامل فى (إذا) وجهان.

أحدهما : أن يكون العامل فيه (فمن يعمل).

والثانى : أن يكون العامل فيه (تحدث) ، ويكون (يومئذ) تكرارا ، وتقديره ، إذا زلزلت الأرض تحدث أخبارها.

وزلزالها ، منصوب على المصدر ، وهو مكسور الأول ، ولو فتح لكان اسما ، وقيل هو بالفتح أيضا مصدر.

قوله تعالى : (يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً) (٦).

أشتاتا ، جمع (شتّ) وهو المتفرق ، وهو منصوب على الحال من (الناس).

قوله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) (٧).

من ، شرطية فى موضع رفع بالابتداء. ويره ، خبره.

وكذلك قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (٨). والله أعلم.

٥٢٧

«غريب إعراب سورة والعاديات (١)»

قوله تعالى : (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً (١) فَالْمُورِياتِ قَدْحاً) (٢).

ضبحا ، منصوب على المصدر فى موضع الحال. وقدحا ، مصدر مؤكد ، لأن (الموريات) بمعنى (القادحات).

(فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً (٣) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً) (٤).

صبحا ، منصوب على الظرف. وأثرن ، عطف على قوله : (فَالْمُغِيراتِ) لأن المعنى ، اللاتى أغرن صبحا فأثرن به نقعا. والهاء فى (به) تعود إلى المكان ، وإن لم يجر له ذكر لدلالة الحال عليه.

قوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) (٦).

جواب القسم ، واللام فى (لربه) يتعلق ب (كنود) وتقديره ، إن الإنسان لكنود لربه. وحسّن دخول لام الجر ، تقديمه على اسم الفاعل ، وإذا كان التقديم حسّن دخول لام الجر مع الفعل فى نحو قوله تعالى :

(لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ)(٢).

وقوله تعالى :

(إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ)(٣).

__________________

(١) سورة العاديات.

(٢) ١٥٤ سورة الأعراف.

(٣) ٤٣ سورة يوسف.

٥٢٨

فههنا أولى ، لأن اسم الفاعل إنما يعمل بالشبه بالفعل ، فإذا ثبت ذلك فى المشبه به الذى هو الفعل وهو الأصل ، فلأن يثبت فى المشبه وهو الفرع أولى.

قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) (٨).

أى ، وإنه لأجل حب المال لبخيل ، واللام تتعلق ب (شديد) ، وتقديره ، وإنه لشديد لأجل حب المال ، فحذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه.

قوله تعالى : (أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ) (٩).

العامل فى (إذا بعثر) ما دل عليه قوله تعالى :

(إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ) ، ولا يجوز أن يعمل فيه (خبير) لأنه لا يجوز أن يعمل ما بعد (إن) ، فيما قبلها.

ولا يجوز أن يعمل فيه (يعلم) لأن الإنسان لا يطلب منه العلم ، والاعتبار فى ذلك الوقت ، وإنما يطلب ذلك منه فى الدنيا. ويومئذ ، ظرف ، والعامل فيه قوله : (لخبير). وإنما جاز أن يعمل ما بعد اللام فيما قبلها ههنا لأن اللام فى تقدير التقديم ، فجاز ان يعمل ما بعدها فيما قبلها بخلاف (إن) والله أعلم.

٥٢٩

«غريب إعراب سورة القارعة»

قوله تعالى : (الْقارِعَةُ مَا الْقارِعَةُ) (١ ، ٢).

القارعة ، مبتدأ. وما ، مبتدأ ثان ، وما بعده خبره.

وكان حكمه أن يقال : القارعة ما هى. إلا أنه أقام المظهر مقام المضمر للتعظيم والتفخيم ، وقد قدمنا نظائره ، بما يغنى عن الإعادة.

قوله تعالى : (كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ) (٤).

فى موضع نصب لأنه خبر (يكون) ، وكذلك قوله تعالى :

(كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) (٥).

فى موضع نصب لأنه خبر (يكون).

قوله تعالى : (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) (٧).

الفاء ، جواب (أما) ، لما فيها من معنى الشرط. وهو ، مبتدأ. وفى عيشة ، ظرف فى موضع رفع ، لأنه خبر المبتدأ ، وفيه ضمير مرفوع بالظرف. وراضية أى ، مرضى بها. وهو مما جاء على وزن فاعل ويراد به مفعول. ونظائره كثير. والله أعلم.

٥٣٠

«غريب إعراب سورة التكاثر»

قوله تعالى : (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) (٣).

كلا ، حرف معناه الزجر والردع ، وليس اسما للفعل لتضمنه معنى : ارتدع ، كما أن (صه) اسم للفعل لدلالته على السكت.

قال أبو على : لو كان اسما لتعاقب عليه التعريف والتنكير ، كما يتعاقب على : (صه ومه).

قوله تعالى : (لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) (٥).

لو ، حرف يمتنع به الشىء لامتناع غيره ، وجوابه محذوف ، وتقديره ، لو علمتم لما ألهاكم. وعلم اليقين ، منصوب على المصدر.

قوله تعالى : (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) (٦).

قرئ (لترون) ، بضم التاء وفتحها.

فمن قرأ بالضم ، كانت الواو فى موضع رفع لأنها مفعول ما لم يسم فاعله ، وهو المفعول الأول أقيم مقام الفاعل. والجحيم ، منصوب لأنه المفعول الثانى. وهو فعل رباعى ، عدّى بالهمزة إلى مفعولين ، وهو فى الأصل يتعدى إلى مفعول واحد ، لأنه من رؤية العين.

ومن قرأ بفتح التاء كان فعلا ثلاثيا ، عدّاه إلى مفعول واحد وهو (الجحيم).

وأصل (ترون ترأيون) ، إلا أنه لما حذفت الهمزة لكثرة الاستعمال ، ونقلت حركتها إلى الراء ، فبقى (تريون) فتحركت الياء وانفتح ما قبلها ، فقلبت ألفا فصار (تراون) فاجتمعت الألف والواو وهما ساكنان ، وساكنان لا يجتمعان فحذفت الألف لالتقاء الساكنين ، وكان حذف الألف أولى من الواو ، لأن الألف لم تدخل

٥٣١

لمعنى ، وكان حذفها بخلاف الواو ، فإنها دخلت لمعنى وهو الجمع ، فلما حذفت الألف بقى (ترون) ، ثم أدخلت عليه نون التوكيد ، فحذفت نون الإعراب للبناء ، لأن نون التوكيد إذا دخلت على الفعل أكدت فيه الفعلية (١) ، فردته إلى أصله من البناء ، فلما حذفت نون الإعراب ، بقيت الواو ساكنة ، والنون الأولى من النون المشددة للتأكيد ساكنة ، لأن الحرف المشدد بحرفين : الأول ساكن والثانى متحرك ، فوجب تحريك الواو لالتقاء الساكنين. وإنما وجب حركتها دون حذفها لأن قبلها فتحة ، فلا يكون فى اللفظ دلالة على حذفها. بخلاف ما إذا كان قبلها ضمة ، فإنها تحذف لدلالة الضمة عليها. فوجب ههنا تحريكها ، وكان تحريكها بالضم أولى ، لأنه من جنسها ولهذا ضموها فى قوله تعالى :

(أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ)(٢) ولم تقلب الواو همزة لأنها ضمة عارضة ، وإنما تقلب الواو همزة ، إذا كانت ضمتها لازمة لا عارضة ، فصار (لترون) ، ومنهم من يقلبها همزة ، يجريها مجرى الضمة اللازمة وليس بقوى فى القياس ، ووزن (لترون) (لتفون) (٣) لذهاب العين واللام.

__________________

(١) (المفعلية) فى أ ، ب.

(٢) ١٦ سورة البقرة.

(٣) (لتفرون) فى أ ، ب.

٥٣٢

«غريب إعراب سورة العصر»

قوله تعالى : (وَالْعَصْرِ) (١).

قسم ، وجوابه :

(إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) (٢).

والمراد بالإنسان الجنس ، ولهذا استثنى منه فقال :

(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) (٣).

قوله تعالى : (وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) (٣).

تواصوا ، أصله (تواصيوا) ، إلا أنه تحركت الياء وانفتح ما قبلها فانقلبت ألفا ، فاجتمع ساكنان الألف والواو بعدها ، فحذفوا الألف لالتقاء الساكنين ، وقيل : إنهم استثقلوا الضمة على الواو فحذفوها ، فبقيت الياء ساكنة والواو ساكنة ، فحذفوا الياء لالتقاء الساكنين وكانت أولى بالحذف من الواو ، لما بينا من أن الألف لم تدخل لمعنى ، والواو دخلت لمعنى ، فكان حذف ما لم يدخل لمعنى ، وتبقية ما دخل لمعنى أولى من حذف ما دخل لمعنى.

ووزن (تواصوا) (تفاعوا) ، ويروى أن أبا عمرو قرأ : (وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) ، فى حالة الوقف على لغة من قال : مررت ببكر. والتحريك فى هذا النحو إنما كان لالتقاء الساكنين ، لأنه لما أحب التحريك فى هذه اللغة لالتقاء الساكنين ، كان تحريكه بالحركة التى يستحقها الاسم فى حالة الوصل أولى ، تمسكا بالأصل ، لأن الأصل هو الوصل.

٥٣٣

ولهذا حركوا ذال (مذ) ، لالتقاء الساكنين بالضم ، نحو : مذ اليوم ، لأن الأصل فى (مذ) (منذ) ، فلما حذفت النون سكنت الذال ، فلما وجب تحريكها لالتقاء الساكنين ، كان تحريكها بالحركة التى استحقتها الكلمة ، أولى من حركة أجنبية.

وكذلك أيضا حركوا الميم التى فى ضمير الجماعة بالضم نحو : رأيتكم اليوم. ورأيتهم الساعة. لأنها الحركة التى تستحقها فى الأصل ، فكانت أولى من غيرها ، وكذلك ههنا.

٥٣٤

«غريب إعراب سورة الهمزة (١)»

قوله تعالى : (الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ) (٢).

الذى ، يجوز أن يكون فى موضع رفع ونصب وجر.

فالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، وتقديره : وهو الذى.

والنصب بفعل مقدر ، وتقديره : أعنى.

والجر على البدل من (كل).

قوله تعالى : (لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ) (٤).

يقرأ (لينبذن) بفتح الذال وبضمها ، و (لينبذان) بألف التثنية.

فمن قرأ (لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ) ، بفتح الذال ، أراد به الذى جمع ، وكان الأصل فى الذال أن تكون ساكنة للبناء الداخل على الفعل المضارع ، لدخول نون التوكيد عليه ، إلا أنه حركت الذال لالتقاء الساكنين ، وهما الذال والنون الأولى من النون المشددة لأن الحرف المشدّد بحرفين ، الأول ساكن والثانى متحرك ، وكان الفتح أولى لأنه أخف الحركات.

ومن قرأ بالضم أراد به المال والهمزة واللمزة.

ومن قرأ بألف التثنية أراد المال وصاحبه.

(فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ) (٩).

يقرأ (عمد) بفتحتين و (عمد) بضمتين.

فمن قرأ (عمد) بفتحتين أراد به اسم الجمع.

ومن قرأ (عمد) بضمتين ؛ أراد به جمع عمود ، كرسول ورسل.

__________________

(١) عنوان سورة الهمزة غير مكتوب فى أ ، ب.

٥٣٥

«غريب إعراب سورة الفيل»

قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ) (١).

ألم تر ، معناه الإيجاب ، وإنما كان كذلك لأن همزة الاستفهام لما دخلت على (لم) ، وهى حرف نفى ، والاستفهام ليس بواجب كالنفى ، فلما دخل النفى على النفى ، انقلبت إيجابا. وكيف ، فى موضع نصب بفعل بعده ، ولا يجوز أن يعمل فيه (تر) ، لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله ، وإنما يعمل فيه ما بعده. وكيف فعل ربك ، جملة سدت مسد مفعولى (ترى) ، لأنها من رؤية القلب بمعنى العلم ، نحو : رأيت الله غالبا. وربك ، مرفوع لأنه فاعل فعل ، ولو نصب (ربك) ب (ترى) على تقدير ، ألم تر ربّك كيف فعل. لكان قد أعمل الأول ، وإعمال الثانى أولى.

قوله تعالى : (طَيْراً أَبابِيلَ) (٣).

قيل : فيه ثلاثة أوجه.

الأول : أنه جمع لا واحد له من لفظه.

والثانى : واحده : (إبيل).

والثالث : إبّول ، كعجاجيل واحدها (عجّول).

قوله تعالى : (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) (٥).

كعصف ، فى موضع نصب ، لأنه فى موضع المفعول الثانى ل (جعلهم) ، لأنه بمعنى (صيرهم).

٥٣٦

«غريب إعراب سورة قريش»

قوله تعالى : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (١) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ) (٢).

اللام فى (إيلاف) ، فيما يتعلق به ثلاثة أوجه.

الأول : أن تكون متعلقة بفعل مقدر وتقديره ، اعجبوا لإيلاف قريش.

والثانى : أن تكون متعلقة بقوله تعالى :

(فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ) ، أى ، لأجل هذا.

والثالث : أن تكون متعلقة بقوله تعالى :

(فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ)(١).

لإيلاف قريش. وإيلافهم ، مجرور على البدل من (إيلاف) الأولى. وإيلاف ، مصدر فعل رباعى ، وهو (آلف يؤلف إيلافا).

ومن قرأ (إلافهم) جعلوه مصدر فعل ثلاثى ، وهو (ألف يألف إلافا) ، وفيه لغتان صح ألفته.

ورحلة ، منصوب لأنه معمول المصدر المضاف ، كقوله تعالى :

(وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ)(٢) و (دَفْعُ اللهِ النَّاسَ).

والله أعلم.

__________________

(١) ٥ سورة الفيل.

(٢) ٢٥ سورة البقرة ، ٤٠ سورة الحج.

٥٣٧

«غريب إعراب سورة أرأيت (١)»

قوله تعالى : (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) (١).

يقرأ (أرأيت) بالهمزة و (أرأيت) بتخفيفها. و (رأيت) بحذفها. فمن قرأ بالهمز أتى بها على الأصل. ومن خففها جعلها بين الهمزة والألف لأن حركتها الفتح. ومن حذفها فللتخفيف ، كما حذف فى المضارع نحو : يرى. و (يرى) الأظهر أنه من رؤية العين لا من رؤية القلب ، لأنه إذا جعل من رؤية العين لم يتعد إلا إلى مفعول واحد. وليس فى الآية إلا مفعول واحد. وإذا جعل من رؤية القلب افتقر إلى مفعولين. فيؤدى ذلك إلى حذف المفعول الثانى ، والمفعول الثانى لا يجوز حذفه من هذا النحو. لأنه مما يتعدى إلى مفعولين ، ولا يجوز الاقتصار على أحدهما.

قوله تعالى : (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) (٥).

فويل ، مبتدأ. وللمصلين ، خبره. والذين ، صفة الخبر. وهم عن صلاتهم ساهون ، صلته ، ومعتمد الفائدة لم تحصل بالخبر ، بل بما وقع فى صلة الصفة ، وهو قوله (ساهون). ألا ترى أن قوله تعالى :

(فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ).

غير محمول على ظاهره ، وإنما حصلت الفائدة بقوله : (ساهُونَ).

ونظيره قوله تعالى :

__________________

(١) سورة الماعون.

٥٣٨

(بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)(١).

فإن قوله : (أَنْتُمْ) مبتدأ. وقوم ، خبره ، ومعتمد الفائدة على صفة الخبر لا عليه. ألا ترى أن قوله :

(بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ) ، لم تحصل به الفائدة ، لإحاطة العلم بأنهم قوم ، وإنما حصلت الفائدة بقوله : (تَجْهَلُونَ) ، فبان أن معتمد الفائدة ، إنما كان بصفة الخبر لا بالخبر. وكذلك ههنا ، وهذا يسمى الخبر الموطئ. والله أعلم.

__________________

(١) ٥٥ سورة النمل.

٥٣٩

«غريب إعراب سورة الكوثر»

قوله تعالى : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) (١).

إنّا ، أصله (إننا) : إلا أنه حذفت إحدى النونات استثقالا لاجتماع الأمثال ، واختلفوا فى المحذوفة منها ، فذهب الأكثرون إلى أن المحذوفة هى الوسطى ، ومنهم من ذهب إلى أنها الأولى ، ومنهم من ذهب إلى أنها الأخرى ، والصحيح أن المحذوفة هى الوسطى ، وقد قدمنا ذلك مستقصى.

والكوثر فوعل من الكثرة ، والواو فيه زائدة ، والدليل على ذلك ، من وجهين.

أحدهما : القياس ، وهو أن الواو وقعت ومعها ثلاثة أحرف أصول ، وهى الكاف ، والثاء والراء ، ومتى وقعت معها ثلاثة أحرف أصول ، حكم بزيادتها ، وكذا حكم الألف والياء.

والثانى : الاشتقاق وهو أنه مشتق من الكثرة ، والكثرة لا واو فيها فكانت زائدة.

والكوثر ، نهر فى الجنة ، وسمى كوثرا لكثرة مائه ، ورجل كوثر ، كثير العطايا قال الشاعر :

١٨٨ ـ وأنت كثير يا بن مروان طيّب

وكان أبوك ابن العقائل كوثرا (١)

أى كثير العطايا.

__________________

(١) البيت للكميت ، ورجل كوثر : كثير العطاء والخير. والكوثر : السيد الكثير الخير ـ اللسان مادة (كثر).

٥٤٠