زبدة الأصول - ج ٢

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني

زبدة الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أنوار الهدى
المطبعة: وفا
الطبعة: ٣
ISBN: 964-8812-35-7
ISBN الدورة:
964-8812-39-X

الصفحات: ٤٢٦

يكون لاشتماله على الغرض والمصلحة ، واما ان يكون لكونه مقدمة لما فيه الغرض الاقصى ، وعلى الثاني ، فتارة يكون ما فيه الغرض أي ذي المقدمة فعل المكلف ، كالصلاة بالنسبة إلى مقدماته مثل الوضوء ونحوه ، واخرى يكون هو فعل المولى ، وعلى الثاني فقد يكون من افعاله الجوارحية كامر المولى عبده باحضار الماء ليشربه ، وقد يكون من افعاله الجوانحية كامر المولى العبد باعادة الصلاة جماعة ليختار احب الصلاتين إليه ، وعلى ذلك فبناء على القول باختصاص الوجوب بالمقدمة الموصلة إذا اتى العبد بفردين من افراد الواجب في الاقسام المذكورة غير الأول : ـ طول ـ فايهما الذي ترتب عليه ما فيه الغرض هو المصداق للواجب فيقع الآخر لغوا ، فلو صلى فرادى ثم جماعة واختار المولى الثانية في مقام ترتب الثواب على اطاعته ، تقع الثانية مصداقا للواجب ، دون الأولى بل هي تقع غير واجبة.

وفيه : ان ما التزم به (قدِّس سره) من عدم ترتب غرض على الصلاة في نفسها وانما الامر بها لأجل كونها مقدمة لاختيار المولى اياها في مقام ترتب الثواب التزام بعدم كون هذا الحكم تابعا للمصلحة وهو مناف لمسلك العدلية ، مع انه قد وردت نصوص كثيرة دالة على انه في خصوص الصلاة مصالح واغراض من الانتهاء عن الفحشاء والمنكر وغير ذلك.

اضف إلى ذلك ان كون الامتثال مراعى بعدم الاتيان بفرد اكمل لو تم فإنما هو في الأفعال التي يعود نفعها إلى المولى كما في الامر بالاتيان بالماء ليشربه ، فانه اتى بفرد من الماء يقال انه مراعى بعدم الاتيان بفرد اكمل قبل ان يشربه المولى ، والا فللمولى اختيار الفرد الاكمل ، ولا يتم في التكاليف الشرعية الناشئة عن

٢١

الاغراض العائدة إلى فواعلها دون المولى.

مع انه لا يتم فيها أيضا ، فإن غرض المولى الذي لا يكون محصله تحت اختيار المكلف بل الفاصل بين فعل العبد وحصول الغرض اختيار المولى ، لا يصلح كونه ملاك الوجوب.

وعن جماعة تصوير تبديل الامتثال بسقوط المأتي به بناءً ـ لا حقيقة ونظروا له بالعدول من العصر إلى الظهر مثلا وقالوا انه كما يتبدل عنوان المأتي به وينقلب من العصرية إلى الظهرية في مواضع العدول كذلك يتصور البناء على تبديل الامتثال.

وبعبارة أخرى انه كما يتبدل امتثال الامر بالعصر إلى كونه امتثالا للامر بالظهر في موارد العدول كذلك يمكن ان يتبدل امتثال امر منطبق على فرد إلى الامتثال باتيان فرد آخر.

ويرده انه في موارد العدول لا يتبدل العنوان وإلا لزم الانقلاب ، بل الدليل دل على اكتفاء الشارع الاقدس بما اتى به بقصد العصرية مثلا عن الامر بالظهر ، وهذا ليس من باب التبديل والسقوط البنائي مع انه لو تم في العناوين القصدية لا يتم في الامتثال الذي هو امر واقعى وعبارة عن مطابقة المأتي به للمأمور به.

فالمتحصل مما ذكرناه عدم معقولية تبديل الامتثال ، لا بسقوط المأتي به حقيقة على ما افاده المحققان الخراساني والنائيني ، ولا بسقوطه بناءً على ما عن جماعة من الاساطين ، ولا بوقوع المأتي به امتثالا مراعى بعدم الاتيان بفرد اكمل ، ولا بغير ذلك.

٢٢

واما الموردان اللذان ذكرهما القوم فليس شيء منهما من هذا الباب.

اما المورد الأول : وهو جواز اعادة الصلاة ـ جماعة ـ فملخص القول فيه ان مفاد نصوصها استحباب الاعادة في نفسها فيكون كل فرد امتثالا لامر غير ما يكون الآخر امتثالا له. والذي دعى القوم إلى الالتزام بانه تدل على جواز تبديل الامتثال انما هو تضمن تلك النصوص لجمل ثلاث.

احداها : قوله (ع) يحسب له افضلهما وأتمهما. كما في مرسل الفقيه.

الثانية : قوله (ع) يختار الله احبهما إليه. كما في خبر ابى بصير.

الثالثة : قوله (ع) فمن صلى وحده ثم وجد جماعة ، يصلى معهم ويجعلها الفريضة كما في خبرى حفص البخترى وهشام وغيرهما.

ولكن شيئا منها لا يدل على ذلك.

اما الأولى : فلان الظاهر من المرسل المتضمن لها وروده في الصلاة مع المخالفين ، فيكون نظير طائفة من نصوص الاعادة الدالة على اعادة الصلاة مع المخالفين ، وفي بعضها انها تحسب له باربع وعشرين صلاة ، وفي بعضها انها تحسب له خمس وعشرون درجة ، وفي بعضها ، انه يجعلها تسبيحا ، والمراد به كما في خير آخر انه ذكر محض ، وفي بعضها ، قوله (ع) أراهم ان اسجد ولا اسجد.

ولا ريب في ان تلك الطائفة من النصوص المصرح في بعضها بعدم الاتيان بها بعنوان الصلاتية ، اجنبية عن تبديل الامتثال.

فالمراد من الجملة المتقدمة ـ هو المراد ـ بما في بعضها انها تحسب له باربع وعشرين صلاة ، والشاهد على كون المرسل من هذه النصوص ارسالها بعد ما

٢٣

رواه عن الامام الصادق (ع) الوارد في الصلاة معهم على ما هو صريحه ، وعلى ذلك فيتعين قراءة افضلهما وأتمهما بالنصب لا بالرفع كما لا يخفى.

واما الجملة الثانية : فلان المراد بها على الظاهر ولا اقل من المحتمل ، هو ان الله تعالى يعطى الثواب على الصلاة الكاملة منهما الواقعتين بداعي امتثال امرين : وجوبي واستحبابي ، لا ان الصلاة التي تكون احب هي المسقطة للامر الوجوبى وانها التي تستقر عليها الامتثال ومحصلة للغرض الاقصى ، والشاهد عليه قوله (ع) احبهما إليه ، الظاهر في اشتراكهما في المحبوبية : إذ القائل بتبديل الامتثال لا يلتزم بذلك.

واما الجملة الثالثة : ففيها احتمالات :

الأول : ان يكون المراد بها ، الاتيان بالثانية بعنوان القضاء عما في الذمة من الصلوات الفاسدة ـ أو التي لم يؤت بها ـ ويؤيده قوله (ع) في خبر هشام ، يجعلها الفريضة ان شاء (١).

الثاني : ما ذكره شيخ الطائفة (٢) وهو ان المراد بها ، ان من يصلى ولم يفرغ من صلاته ووجد جماعة فله ان يجعلها نافلة ثم يصلى الفريضة في جماعة.

__________________

(١) الفقيه ج ١ ص ٣٨٣ باب الجماعة وفضلها ح ١١٣١ / الوسائل ج ٨ ص ٤٠١ باب ٣٤ استحباب اعادة المنفرد صلاته اذا وجد جماعة ح ١١٠١٤.

(٢) كتاب الصلاة للشيخ الأعظم الانصاري ج ٢ ص ٤١٨ من الطبعة الجديدة ١٤٢٠ ه‍ وفي الطبعة القديمة ص ٣١٦.

٢٤

وايده الوحيد (١) ، بأن ذلك هو ظاهر صيغة المضارع ، وان راوي هذا الخبر ، روى هذا المعنى الذي ذكره الشيخ عن سليمان بن خالد عن الإمام الصادق (ع).

الثالث : ان يكون المراد بها ما ذكره بعض المحققين (ره) ، من انه يجعلها فريضة ذاتية من ظهر أو عصر أو نحوهما مما اداها سابقا ، لا نافلة ذاتية حيث لا جماعة فيها ، وعلى أي تقدير تكون اجنبية عما استدل بها له :

ويشهد لعدم كون نصوص الاعادة في مقام بيان جواز تبديل الامتثال ما في بعضها. فإن له صلاة أخرى.

فتحصل ان الاظهر عدم جواز تبديل الامتثال :

ويشهد له مضافا إلى ما تقدم. ان الامر ان كان باقيا بعد الاتيان بفرد فبما انه ايجابي يجب الاتيان به ثانيا ، والا فلا موجب للاتيان به.

واما المورد الثاني : وهو الامر باعادة صلاة الآيات فالصحيح انه يتعين رفع اليد عن ظهور الامر في الوجوب وحمل تلك النصوص على الاستحباب كما عليه الفتوى فحكم هذا المورد حكم المورد الأول :

__________________

(١) نسبه اليه غير واحد منهم لآية الله العظمى السيد الخوئي في محاضرات في الأصول ج ٢ ص ٢٢٨.

٢٥

اجزاء الاتيان بالمأمور بالأمر الاضطراري

واما المسألة الثانية : وهي ان الاتيان بالمأمور به بالامر الاضطراري هل يكون مجزيا عن الامر الواقعي الاولي ام لا؟. فتنقيح القول فيها بالبحث في مواضع.

الأول : ان الاتيان بالمأمور به الاضطراري هل يجزى عن قضاء المأمور به الواقعي الأولى ، فيما إذا ارتفع العذر بعد خروج الوقت ، ام لا؟

الثاني : في ان الاتيان بالمأمور به الاضطراري هل يجزي عن قضاء المأمور به الواقعي الاولي ، فيما اذا ارتفع العذر بعد خروج الوقت ، ام لا؟.

الثالث : في جواز البدار للمضطر باتيانه في اول الوقت وعدمه.

اما الموضع الأول : فبناء على كون وجوب القضاء تابعا لفوت الفريضة في الوقت ، لا يجب القضاء في المقام : لعدم كون المأمور به الاختياري فريضة ومأمورا به بالنسبة إلى المضطر ، فلا يصدق فوت الفريضة إذ التكليف الواقعي بالنسبة إلى المضطر هو الامر الاضطراري ، لا الامر الاختياري كي يتحقق فوت الواقع.

وبذلك ظهر ما في كلام المحقق الخراساني في آخر المقام الأول : حيث قال نعم لو دل دليله على ان سببه فوت الواقع ولو لم يكن هو فريضة كان القضاء واجبا عليه لتحقق سببه. (١)

واما لو كان وجوب القضاء تابعا لفوت الملاك.

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٨٦.

٢٦

فقد يقال كما عن المحقق ـ النائيني (ره) (١) : بأن مقتضى القاعدة أيضا الاجزاء وذلك لان القيد المتعذر ، ان كان دخيلا في ملاك الواجب حتى في حال التعذر ، فلازمه عدم وجوب الفاقد في الوقت.

وان لم يكن دخيلا فيه حين التعذر ، فلا تكون الفريضة فائتة بملاكها فلا يجب قضائها ، من غير فرق في ذلك بين ان يكون هناك مصلحة أخرى مترتبة على نفس القيد وعدمه : إذ مصلحة القيد اللزومية مترتبة على تقدير ثبوتها على القيد حال كونه قيداً للفريضة فاذا فرض سقوط الامر بالفريضة لقيام مصلحتها بالفاقد فلا يمكن استيفاء مصلحة القيد اصلا.

أقول ان دخل القيد في الملاك والمصلحة حال التعذر يتصور على وجوه :

الأول : ان يكون هناك مصلحتان : احداهما : مترتبة على الفعل ، والثانية : على القيد ، ولازم ذلك عدم وجوب القضاء كما افاد (قدِّس سره)

الثاني : ان يكون المأمور به الاختياري مشتملا على مصلحتين ملزمتين ، احداهما : مترتبة عليه مع ذلك القيد المتعذر خاصة ، والاخرى مترتبة على ما هو بدل عن ذلك القيد أيضا ، وحينئذٍ ، اما ان لا يمكن استيفاء تلك المصلحة الفائتة : لان استيفائها انما يمكن استيفاء الاخرى لا وحدها ، أو يمكن ولكن ليست مصلحة ملزمة ، أو يمكن وتكون لزومية ، فعلى الاولين لا يجب القضاء ، وعلى الاخير يجب.

__________________

(١) أجود التقريرات ج ١ ص ١٩٥ (الفصل الثالث). وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ٢٨٣.

٢٧

الثالث : ان يكون دخل القيد المتعذر في المصلحة المترتبة على الواجب مختصا بحال الاختيار ، ولازم ذلك عدم وجوب القضاء.

الرابع : ان يكون في المأمور به الاختياري مصلحة واحدة ، ويكون القيد المتعذر دخيلا فيها حتى في حال الاضطرار ، وحينئذٍ ، ان لم تترتب على الفاقد مصلحة اصلا ، فلازمه عدم وجوب الفاقد ، وان ترتبت عليه مصلحة أخرى غير تلك المصلحة ، ان لم يكن استيفائها مانعا عن استيفاء تلك المصلحة يجب القضاء ، والا فلا.

وبما ذكرناه ظهر ما في كلمات القوم في المقام.

وبعد ما عرفت من انه في مقام الثبوت يمكن ان يكون القضاء واجبا ، ويمكن ان لا يكون كذلك.

يقع الكلام فيما ، تقتضيه الادلة والاصول في مقام الاثبات.

والكلام في هذا المقام يقع أولاً في مقتضى الادلة.

وقد استدل للاجزاء : باطلاق دليل المأمور به الاضطراري.

وفيه انه إن اريد بذلك ان الإطلاق يقتضي كون المأمور به الاضطراري وافيا بالمصلحة المترتبة على المأمور به الاختياري.

فيرد عليه : ان الامر لا يصلح الا لاثبات كون الفعل الاضطراري وافيا بجميع ما دعى المولى إلى هذا الامر لا كونه وافيا بمصلحة الفعل الاختياري.

وان اريد به ان مقتضى اطلاقه عدم وجوب الفعل الاختياري بعد الاتيان به.

٢٨

فيرد عليه : ان التمسك بالاطلاق انما يصح فيما إذا لزم من ثبوت ما اريد نفيه بالاطلاق تقييد في ذلك الدليل ، مثلا لو قال المولى اكرم العلماء ، وشك في دخالة العدالة فيه فإنه ينفي اعتبارها الإطلاق.

كما انه لو شك في كون ما امر به واجبا تعيينيا ام تخيير يا بينه وبين غيره يثبت الإطلاق كونه تعيينيا.

واما لو كان المشكوك ثبوته على تقدير الثبوت غير مربوط بهذا الدليل ، ولا يلزم منه تغيير في هذا الحكم فلا مورد للتمسك بالاطلاق ، مثلا لو شك في وجوب صلاة اول الشهر لا سبيل إلى التمسك باطلاق دليل الصلاة اليومية لنفيه.

والمقام من هذا القبيل ، إذ على فرض ثبوت القضاء لا يلزم تقييد فيما دل على وجوب الفعل الاضطراري ، ولا يلزم منه صيرورته واجبا تخييريا : إذ على أي تقدير يجب الاتيان به في الوقت ولا يكون وجوبهما ارتباطيا على فرض الثبوت ، فلا يصح التمسك بالاطلاق لنفى وجوب القضاء.

نعم : التمسك باطلاق دليل بدل القيد المتعذر إذا كان بلسان التنزيل كما في قوله (ع): " التيمم احد الطهورين" (١) صحيح : إذ مقتضى اطلاق التنزيل

__________________

(١) ففي الوسائل ج ٣ باب ٢٣ من ابواب التيمم ص ٣٨٥ ح ٣٩٣٤ عن جميل بن دراج عن ابي عبد الله (ع) قال : (إن الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا). وبهذا المعنى عدّة أحاديث كما في الكتب الاربعة والوسائل ، وأما لفظ : (التراب أحد الطهورين)

٢٩

ترتب جميع آثار الطهارة المائية ، على الترابية عند فقدان الماء وهو يكون حاكما على اطلاق دليل القيد الاختياري فلا يعتنى بما قيل من معارضته مع ذلك الإطلاق.

فالصحيح في المقام ان يقال : ان انعقاد هذا البحث في المقام ، وعدم تعرض احد له فيما إذا تبدل حال المكلف بأن صار مسافرا بعد كونه حاضرا ، وعدم توهم احد وجوب القضاء فيه ، انما هو لبنائهم على ان المكلف به في المورد الثاني ليس هي الصلاة اربع ركعات في جميع الحالات حتى لو كان مسافرا ، بل المكلف به هو الجامع ، بمعنى ان المسافر لا تكليف له سوى بالصلاة ركعتين ، فبعد الاتيان بهما لا مجال للقضاء.

واما في المقام فالواجب على كل مكلف أي ما فيه ملاك الوجوب الملزم انما هو الفعل الاختياري حتى في حال الاضطرار ، وانما لم يؤمر به لعجز المكلف عنه وانما امر بالفعل الاضطراري لكونه وافيا بتلك المصلحة أو بعضها. فلذلك جرى هذا النزاع بينهم.

ولكن لنا ان نمنع عن ذلك ونلتزم بأن المكلف به ليس هو الفعل الاختياري حتى في حال الاضطرار ، بل مقتضى ظهور الادلة كون العجز منوعا ـ كما ان الحالات الأخر منوعة ـ فالمكلف به في حال الاضطرار والواجد

__________________

فالظاهر انها غير موجدة في الكتب الروائية المعروفة ، لكنها استعملت كثيراً في الكتب الفقهية ، والظاهر لكونها بمعنى الحديث.

٣٠

للمصلحة هو خصوص الفعل الاضطراري ، وعليه فيكون الواجب على المكلفين هو الجامع بين صلاتي المختار والمضطر بالمعنى المتقدم ، وإنّما عين الشارع المقدس لكل منهما فردا خاصا فما يؤمر به في حال الاضطرار ، هو نفس المأمور به لا بدله ، فيكون وافيا بما اوجب الامر بذلك الفعل.

وعلى ذلك فليس احتمال عدم الاجزاء حينئذ إلا كاحتمال العدم حينئذ لو اتى بالفعل الاختياري ثم طرأ العذر بعد مضى الوقت وليس احدهما اولى من الآخر.

لا يقال : لازم ذلك هو ان يجب قضاء ما فات في حال الاضطرار باتيان مثله ولو بعد رفع العذر كما هو الشأن في تبدل الحالات.

فانه يقال : ان ما دل على كون الفعل الاضطراري من افراد الجامع ، انما يدل على كونه كذلك في خصوص حال الاضطرار ، لا مطلقا فبعد رفعه قضاء الجامع انما يكون باتيان الفعل الاختياري لا الاضطراري.

فتدبر في اطراف ما ذكرناه فإنه حقيق به.

ولو فرضنا عدم استفادة عدم وجوب القضاء من اطلاق الادلة والشك في وجوبه ، لا بد من الرجوع إلى الاصول العملية وهي تقتضي عدم الوجوب : وذلك بناءً على كون القضاء بامر جديد ، واضح : فانه لو شك في ان الفعل الاضطراري هل يكون وافيا بتمام المصلحة المترتبة على الفعل الاختياري ام لا؟ لا محالة يشك في الفوت الذي هو الموضوع لوجوب القضاء ، وبتبعه يشك في الوجوب فتجري اصالة البراءة عنه.

٣١

ولو علم بعدم وفائه بها وشك في ان الباقي يمكن استيفائه ام لا ، فحيث ان شمول ادلة القضاء له غير معلوم : إذ من المحتمل بل الظاهر اختصاصها بفوت تمام المصلحة لا بعضها ففي صورة فوت البعض لا دليل على وجوب القضاء ، فلا محالة يشك في الوجوب ومقتضى الأصل عدم الوجوب.

ولا سبيل حينئذ إلى دعوى ان الشك في التكليف في الفرض بما انه مسبب عن الشك في القدرة فالمرجع فيه قاعدة الاحتياط لا البراءة كما عن بعض اكابر المحققين (ره) (١).

فإن الشك في القدرة مع تمامية الجعل من ناحية الشارع الاقدس مورد لقاعدة الاحتياط لا في مثل المقام مما اوجب الشك في الجعل. كما لا يخفى.

واما بناءً على كون القضاء بالامر الأول : فعدم الوجوب اظهر : إذ المفروض عدم توجه الامر الاختياري في حال الاضطرار ، فالشك في وجوب القضاء لا محالة يكون شكا في اصل التكليف ولا ريب في كونه موردا للبراءة ، من غير فرق بين العلم بعدم استيفاء تمام المصلحة في امكان استيفاء الباقي ، وبين الشك في استيفاء التمام وعدمه.

ودعوى انه مع الشك في استيفاء تمام المصلحة يكون مرجع الشك المزبور

__________________

(١) كما يظهر من المحقق العراقي في مقالات الأصول ص ٢٧١ ـ ٢٧٢ (رابعها : انّ مقتضى الأصل بالنّسبة إلى الإجزاء في الوقت عدمه ، لأنه على الإجزاء بمناط التّفويت مع الجزم بعدم الوفاء بتمام مصلحة المختار فمرجعه إلى الشك في القدرة على تحصيل الزائد ، والعقل في مثله مستقلّ بالاحتياط .. الخ.

٣٢

إلى الشك في ان المطلوب الأول : هل هو الجامع بين المشتمل على المبدل ، والمشتمل على البدل ، أو هو خصوص المشتمل على المبدل غاية الامر امر بالمشتمل على البدل لأجل اشتماله على مقدار من المصلحة فيكون الامر دائرا بين التعيين والتخيير ، والاحتياط يقتضي البناء على الأول : ومع الشك في امكان استيفاء الباقي يقينا ، يكون الشك في الوجوب مسببا عن الشك في القدرة والمرجع فيه قاعدة الاشتغال.

مندفعة بانه مع العجز لا يكون المشتمل على المبدل واجبا في الوقت ، والتكليف متمحض فيما تعلق بالمشتمل على البدل ، وبعد مضى الوقت وارتفاع العذر ، لا سبيل إلى دعوى ثبوت القضاء بالامر الأول.

وبعبارة أخرى ان معنى كون القضاء بالامر الأول ، كفاية الامر بالصلاة في الوقت لثبوت وجوبها في خارجه مع فوتها فيه ، وبما ان المفروض في المقام عدم تعلق التكليف بالفعل الاختياري في الوقت فلا مورد لدعوى ثبوت وجوب القضاء للتبعية ، فلو ثبت فإنما هو بامر جديد ومقتضى اصالة البراءة عدم الوجوب.

فتحصل ان مقتضى الادلة ، والاصل عدم وجوب القضاء.

ارتفاع العذر في الوقت

الموضع الثاني : في انه إذ اتى بالمأمور به الاضطراري ثم ارتفع العذر في الوقت فهل تجب الاعادة ، ام لا؟.

٣٣

وملخص القول فيه انه لا كلام بناءً على عدم جواز البدار واقعا : فإن المأتي به حينئذ لا يكون مأمورا به فلا مورد لتوهم الإجزاء.

نعم ، فيما لو جاز البدار ظاهرا ، وأتى بالفعل الاضطراري ثم ارتفع العذر ، كلام من حيث اجزاء الاتيان بالمأمور به بالامر الظاهري عن الواقعي ، وعدمه ، وسيأتي الكلام فيه.

واما بناءً على جواز البدار واقعا.

فالكلام يقع أولاً في انه في مقام الثبوت يتعين وجوب الاعادة ، أو عدم وجوبها ، ام يمكن كل منهما؟.

والظاهر هو الاخير : إذ لو كان العمل الاضطراري في حال الاضطرار وافيا بجميع المصلحة التي يفي بها الاتيان بالمأمور به الاختياري ، أو ببعضها مع عدم كون الباقي مما يجب تحصيله ، أو وافيا بمصلحة مباينة لما يترتب على الفعل الاختياري ، ولكنه لم يمكن استيفاء المصلحة المترتبة على الفعل الاختياري ، مع استيفاء تلك المصلحة بالإتيان بالمأمور به الاضطراري ، لا تجب الاعادة ، وان كان وافيا ببعض تلك المصلحة ، والمقدار الباقي مما يمكن استيفاؤه وكان لازم الاستيفاء ، أو كان مشتملا على غير تلك المصلحة وكانت مصلحة المأمور به الاختياري ممكن الاستيفاء ، تجب الاعادة.

توضيح ذلك انه بناءً على جواز البدار كيفية وفاء العمل الاضطراري بالمصلحة تتصور على انحاء.

الأول : ان يكون وافيا بتمام ما يترتب على العمل الاختياري في حال

٣٤

الاختيار ، أو ببعضها ولكن الباقي لا يجب تحصيله.

ودعوى ان ذلك لا يمكن الالتزام به في مقام الاثبات : لاستلزامه جواز تفويت القدرة وتعجيز المكلف نفسه ، مع ان ذلك مما لم يفت به احد.

مندفعة لا بما قيل ان الملاك انما يترتب على الفعل الاضطراري إذا كان الاضطرار طارئاً بالطبع دون الآتي باختيار المكلف.

فانه يرد عليه : ان لازم ذلك عدم وجوب العمل الاضطراري في صورة الاضطرار باختيار المكلف وهو كما ترى.

بل بأن هذا الاتفاق لو ثبت لا يكون تعبديا فلا مانع من مخالفة القوم لو ساعدنا الدليل ، مع انه ليس ثابتا.

مضافا إلى انه لو كان تعبديا نلتزم بعدم جواز ذلك للدليل الخاص.

الثاني : ان يكون وافيا بمصلحة غير تلك المصلحة ولكن بقدرها ولا يمكن استيفاء تلك المصلحة مع استيفائها.

ودعوى : ان هذا الوجه خلاف ظاهر ادلة الفعل الاضطراري لانها ظاهرة في ان المأتي به في حال الاضطرار من سنخ المأتي به في حال الاختيار ، مع ان لازمه الالتزام بتعدد العقاب لو كان في اول الوقت مختارا وفي آخره مضطرا ، ولم يأت بشيء من الفعلين : لتفويته مصلحتين.

مندفعة : بأن الادلة ليست في مقام بيان المصلحة كي يستظهر منها ما ذكر ـ كما هو واضح ـ وتعدد العقاب انما هو مترتب على ما إذا كان التكليفان اللذان خالفهما المكلف تعيينيين لاما إذا كانا تخييريين ، كما في المقام كما لا

٣٥

يخفى.

الثالث : ان يكون الفعل الاضطراري مشتملا على احدى المصلحتين المترتبتين على العمل الاختياري ، أو على ذات تلك المصلحة المترتبة عليه التي تكون ملزمة بحسب ذاتها وباعتبار مرتبتها أيضا.

ودعوى ان لازم هذا الوجه عدم جواز البدار على تقدير عدم امكان استيفاء الباقي من المصلحتين أو مرتبتها ، ولزوم الاعادة تقدير الامكان ، وإلا لزم نقض الغرض وتفويت مقدار من المصلحة.

مندفعة ، لا بما قيل من انه لا محذور فيه لما في البدار من مراعاة ما هو فيه من مصلحة اول الوقت ، فانه يرد عليه : ان تلك المصلحة استحبابية لا تصلح لمزاحمة المصلحة اللزومية الفائتة :

بل لانه يمكن ان يكون عدم مسبوقية الفعل الاختياري بالعمل الاضطراري ، من شرائط اتصاف المأمور به الاختياري بالمصلحة ، لا من شرائط حصولها.

توضيح ذلك : ان القيود الدخيلة في المصلحة على قسمين :

الأول : ما يكون دخيلا في اتصاف الفعل بالمصلحة. كالمرض بالاضافة إلى شرب المسهل في العرفيات وزوال الشمس بالنسبة إلى الصلاة في الشرعيات ، وفي مثل ذلك لا يجب تحصيل الشرط ، ولا محذور في ايجاد المانع عن وجوده.

الثاني : ما يكون دخيلا في حصول المصلحة كما في برودة الهواء مثلا بالنسبة إلى شرب الدواء للمريض ، والوضوء بالاضافة إلى الصلاة ، وفي مثل

٣٦

ذلك يجب تحصيل الشرط ، ولا يجوز تركه وايجاد المانع عن تحققه ، وعلى ذلك فإن كان عدم استيفاء اصل المصلحة أو احدى المصلحتين من شرائط اتصاف العمل الاختياري بكونه ذا مصلحتين أو واجدا لاصل المصلحة ومرتبتها. بحيث لو استوفى تلك المصلحة باتيان العمل الاضطراري لما كان يتصف العمل الاختياري بالمصلحة ، لم يكن محذور في البدار اذ منه يلزم وجود المانع عن تحقق شرط الوجوب ، وان كان من شرائط حصول المصلحة لما جاز البدار لاستلزامه تفويت الغرض فتدبر فانه دقيق.

الرابع : ان يكون وافيا بإحدى المصلحتين المترتبتين على الفعل الاختياري أو باصل المصلحة المترتبة عليه. مع كون الباقي من المصلحتين أو مرتبتها يمكن استيفاؤها.

الخامس : ان يكون وافيا بمصلحة غير تلك المصلحة ، مع امكان استيفائها بعد رفع العذر.

وفي الانحاء الثلاثة الأول : لا تجب الاعادة ، وفي الاخيرين تجب ، واما سائر الانحاء المتصورة ، فلا يلائم ، مع جواز البدار كما لا يخفى.

هذا كله بحسب مقام الثبوت ، واما في مقام الاثبات.

بيان ما تقتضيه الادلة في مقام الاثبات

فقد استدل لعدم وجوب الاعادة : باطلاق ما تضمن الامر بالعمل الاضطراري ، بدعوى انه لو كانت المصلحة المترتبة عليه باحد الانحاء الثلاثة

٣٧

الأول : لكان العمل الاضطراري هو المأمور به تعيينا ، ولو كانت باحد النحوين الاخيرين ، فلا بد من الامر بالاتيان به وضم المأمور به الاختياري بعد ارتفاع العذر إليه ، أو الانتظار والاتيان بالمأمور به الاختياري بعد ارتفاع العذر خاصة مخيرا بينهما ، وحيث ان الامر يدور بين التعيين والتخيير ، فلا بد من حمل الامر على الأول : لان ذلك مقتضى الإطلاق.

ولكن يرد عليه : انه ان اريد التمسك بالاطلاق لاثبات كونه مامورا به تعيينا فهو معلوم عدم كونه كذلك : إذ لا ريب في جواز التاخير إلى ما بعد ارتفاع العذر ، والاتيان بالمأمور به الاختياري كما لا يخفى ، ولا شيء من الواجب التعييني مما يجوز تركه.

وان اريد التمسك به لاثبات انه وحده عدل التخيير لا هو بضميمة الاتيان بالمأمور به الاختياري بعد رفع العذر ، فهو لا يصح : من جهة أن وجوب ذلك وتعينه لو ثبت لما اوجب تقييدا في دليل المأمور به الاضطراري ، بل هو حكم استقلالي ناش عن مصلحة أخرى ، فالاطلاق لا يصلح لرفع ذلك التكليف.

وان اريد التمسك به لاثبات كونه مشتملا على تمام مصلحة المأمور به الاختياري أو مصلحة أخرى بقدرها فالاطلاق اجنبي عن ذلك ، وعليه ، فلا وجه للتمسك بالاطلاق.

نعم ، هذا كله بناءً على مسلك القوم من عدم كون العجز منوعا للمكلف كغيره من الحالات والا فالاجزاء واضح كما عرفت في الاجزاء عن القضاء فراجع.

وقد يتمسك باطلاق دليل القيد المتعذر لوجوب الاعادة ، بعد ارتفاع

٣٨

العذر : فإن اطلاق ذلك الدليل شامل لصورتي الاتيان بالعمل الاضطراري وعدمه.

وقد يقرب هذا التقريب من التمسك بالاطلاق كما في تقريرات المحقق العراقي (١) ، بأن اطلاق ادلة العمل الاختياري شامل لحالة طرو الاختيار بعد الاضطرار ، وذلك لانه لمتعلق الخطاب المطلق افراد عرضية وطولية.

فكما ان سقوط الإطلاق بالنسبة إلى بعض الأفراد العرضية وسقوط الخطاب من جهة لا يمنع من التمسك بالاطلاق بالنسبة إلى الأفراد الممكنة.

كذلك بالنسبة إلى الأفراد الطولية.

فنتيجة ذلك انه بعد رفع العذر يكون مقتضى ذلك الدليل لزوم المبدل أي المأمور به الاختياري.

والجواب عن هذا الوجه : ان دليل البدل الاضطراري قسمان :

احدهما : ما تضمن تنزيل البدل منزلة المأمور به الاختياري كما في قوله : " التيمم احد الطهورين".

ثانيهما : ما تضمن الامر به في حال الاضطرار خاصة.

وما افيد لا يتم في شيء منهما :

اما الأول : فواضح لان مقتضى اطلاق دليل التنزيل ترتب جميع آثار المبدل عليه.

__________________

(١) راجع نهاية الافكار ج ١ ص ٢٣٩ (واما عمومات الاضطرار) بتصرف.

٣٩

واما الثاني : فلان دليل القيد لا يلزم باتيانه الا على تقدير لزوم الاتيان باصل العمل وهو غير ثابت بل ثابت العدم فلا يقتضي ذلك الدليل وجوبه.

ولو فرضنا عدم امكان التمسك بالاطلاق أو ظهور الادلة. لعدم وجوب الاعادة ، أو فرضنا الشك في ذلك ، مقتضى اصالة البراءة هو البناء على العدم.

وقد نسب إلى المحقق العراقي (ره) (١) ان الأصل هو اصالة الاشتغال.

وذلك لان الشك في وجوب الاعادة. اما ان يكون من ناحية الشك في وفاء المأمور به الاضطراري بتمام مصلحة المأمور به الاختياري ، فالامر يدور بين التعيين والتخيير والمرجع فيه قاعدة الاشتغال : لان الشك في وجوب الاعادة وعدمه إذا كان منشأه الشك في كون العمل الاضطراري وافيا بتمام مصلحة المأمور به الاختياري أو بعضها ، مع كون الباقي لازم الاستيفاء لا محالة يعلم بترتب مقدار من المصلحة على الجامع بين العملين ، ويشك في ان الباقي الذي يكون لازم الاستيفاء هل يكون مترتبا عليه أيضا فلا يجب الاعادة ، أو على خصوص العمل الاختياري ، فيجب ، فالامر مردد بين التعيين والتخيير فيتعين الرجوع إلى قاعدة الاشتغال.

واما ان يكون من ناحية الشك في امكان استيفاء الباقي وعدمه ، فالمرجع فيه أيضا قاعدة الاشتغال لكونه من قبيل الشك في القدرة.

ولكن : الاظهر كون المرجع هو اصالة البراءة في كلا الفرضين :

__________________

(١) نهاية الافكار ج ١ ص ٢٣٠ (وقبل الخوض في هذه الجهة ينبغي بيان ما يقتضيه الأصل في المسألة ..)

٤٠