زبدة الأصول - ج ٢

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني

زبدة الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أنوار الهدى
المطبعة: وفا
الطبعة: ٣
ISBN: 964-8812-35-7
ISBN الدورة:
964-8812-39-X

الصفحات: ٤٢٦

الخصوصيات فيه وهو المعبر عنه باللابشرط القسمي.

مندفعة بأن الطبيعي مع قطع النظر عن وجوده غير مكلف ، وبلحاظه بما انه موجود بوجودات متعددة ، يقع الكلام في انه أي وجود من تلكم الوجودات يكون مكلفا.

وقد يقال في بيان حقيقة الوجوب الكفائي انه عبارة عن الوجوب المتعلق بكلى المكلف بما هو ، بدعوى ان الايجاب كالملكية من الامور الاعتبارية ، فكما ان الملكية تقوم بالكلى ، كما في تعلق ملكية الزكاة والخمس بطبيعي الفقير ، والسيد ، كذلك يتعلق الايجاب بالكلي ، فمن قام بالفعل يتعين فيه الكلي الذي وجب عليه الفعل.

وفيه : ان الايجاب بنفسه وان كان امرا اعتباريا قابلا لان يتعلق بالكلي ، ولكن بما انه جعل للداعي ومحرك لارادة المكلف نحو الفعل ، فلا محالة لا يعقل تعلقه بالكلي بما هو كلى بل بالمكلف بالحمل الشائع.

الثالث : ان الاختلاف بينهما من ناحية المكلف به ، وهو الذي اختاره المشهور ، وهو الحق : بيانه ان الوجوب الكفائي متوجه إلى جميع آحاد المكلفين ، ومتعلق بالفعل ، غاية الامر مع خصوصية يمتاز بها عن ما هو متعلق الوجوب التعييني ، وهي اشتراطه بعدم الفعل من الآخرين فهناك خطابات عديدة بحسب ما للمكلفين من الأفراد ، وكل واحد منها مشروط بعدم اتيان الآخرين بالفعل.

واورد عليه بايرادات :

٤٠١

الأول : ما افاده المحقق النائيني (ره) (١) وهو ان الغرض حيث انه واحد ومترتب على صرف الوجود فيلزم ان يكون الخطاب واحدا لانه يتبعه ويستحيل تخلفه عنه ، والا لكان بلا داع وغرض وهو محال.

وفيه : ان مثل هذا التعدد الذي لا يأمر المولى باتيان الجميع ولا يريد الا صدور فعل واحد من أحدهم ، لا ينافي مع وحدة الغرض.

وبعبارة أخرى : ان الغرض وان كان واحدا الا انه لما كان يحصل بفعل كل واحد منهم ، فليس للمولى الا الامر بالجميع بنحو يكون مطلوبه صدور الفعل من واحد منهم لا من الجميع وليس هو الا بهذا النحو.

الثاني : ما افاده الأستاذ الأعظم (٢) ، وهو ان الترك المفروض كونه شرطا ، ان كان هو مطلق الترك ولو كان ذلك في برهة من الزمان قابلة للاتيان به فيها ، فاللازم عند تحقق ذلك انه يجب على كل مكلف ان يأتي به ولو مع فرض اتيان غيره به ، وان كان الشرط هو الترك في جميع الازمنة القابلة لتحقق الواجب فيها ، فاللازم عند صدور الفعل من الجميع في عرض واحد ان لا يتحقق الامتثال منهم اصلا إذ المفروض عدم تحقق الشرط على هذا التقدير.

وفيه : ان هناك شقا ثالثا ، وهو ان يكون الشرط عدم اتيان غيره بالفعل قبل شروعه في ذلك ، ولا يرد على هذا شيء من المحذورين كما لا يخفى.

__________________

(١) أجود التقريرات ج ١ ص ١٨٨ وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ٢٧٢ (المبحث السادس) عند قوله إلا أن الغرض حيث أنه واحد .. الخ.

(٢) في حاشيته على أجود التقريرات ج ١ ص ١٨٨ وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ٢٧١ ـ ٢٧٢.

٤٠٢

الثالث : انه مع عدم اتيان الجميع يلزم فعلية جميع الخطابات مع عدم امكان امتثال الجميع.

وفيه : انه حيث يكون كل خطاب مشروطا بعدم اتيان الآخرين فلا يكون نتيجة فعلية جميع الخطابات طلب الجمع كما حقق في الترتب ، مع ان المحذور لو كان في المقام فليس هو عدم امكان الامتثال إذ كل فرد قادر على الاتيان ، بل المحذور ما افاده المحقق النائيني (ره) الذي عرفت ما فيه.

ثم ان في المقام وجهين آخرين لوضوح فسادهما لا نطيل الكلام بذكرهما مع نقدهما مفصلا ونشير اليهما :

احدهما : ان المكلف واحد معين عند الله ولكنه يسقط عنه بفعل غيره.

ويرده أولاً انه لو كان كذلك لما كان الثواب على فعل غيره.

وثانياً ان سقوط الواجب بفعل المباح يحتاج إلى دليل ولا مجال لتوهم دلالة ما دلَّ على انه يسقط باتيان بعض افراد المكلفين لانه انما يكون من ناحية شمول التكليف له ولذا يثاب عليه ، وثالثا انه غير معقول لان المفروض حينئذ انه كل واحد من المكلفين يشك في كون التكليف متوجها إليه فيجرى البراءة فالمولى لا يصل إلى غرضه بمثل هذا التكليف.

ثانيهما : ان المكلف مجموع آحاد المكلفين من حيث المجموع.

ويرده ان لازمه عدم الامتثال بفعل البعض ، مع انه لو تم لاقتضى كون التكليف متوجها إلى صرف وجود مجموع المكلفين لان بعض الواجبات الكفائية بل كلها غير قابل لان يصدر عن المجموع.

٤٠٣

فالمتحصل مما ذكرناه ان الواجب الكفائي ، عبارة عن الفعل الواجب على عموم المكلفين على نحو العموم الاستغراقي ، فيكون واجبا على كل واحد منهم على نحو السريان ، غاية الامر وجوبه على كل فرد مشروط بعدم اتيان الآخرين به :

ثم ان المحقق النائيني (١) ذكر في المقام فرعا وهو انه إذا كان شخصان ، متيممين ، ووجدا ماء يكفي لوضوء احدهما ، فهل يبطل تيمم كل واحد منهما ، ام لا يبطل شيء منهما ، أو يبطل واحد منهما على البدل ، لكل وجه ، الا انه قوّى الوجه الأول ، وأفاد ان في المقام امورا ثلاثة :

١ ـ الامر بالوضوء.

٢ ـ الامر بالحيازة ، أي حيازة الماء

٣ ـ القدرة على الحيازة.

قال لا اشكال في ان الامر بالوضوء مترتب على الحيازة الخارجية ، وكون الماء في تصرفه.

واما الامر بالحيازة فهو مشروط بعدم سبق الآخر إلى حيازته.

واما القدرة على الحيازة ، فهي بالقياس إلى كل منهما فعلية ، لتمكن كل منهما لحيازة الماء ، وعدم كفاية الماء الا لوضوء واحد ، انما يكون منشئا لتحقق

__________________

(١) أجود التقريرات ج ١ ص ١٨٨ ، وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ٢٧٣ ، فإذا فرضنا شخصين فاقدين الماء .. الخ.

٤٠٤

التزاحم في مقام فعلية الحيازة خارجا.

واما فعلية قدرة كل منهما على الحيازة فلا تزاحم فيها اصلا ، وبما ان بطلان التيمم ، لم يترتب في لسان الدليل ، على الامر بالوضوء ، بل هو مترتب على وجدان الماء المتحقق في ظرف القدرة على الحيازة ، فيبطل التيممان معا ، ومن الضروري ان تزاحم الخطابين في ناحية الوضوء لا يستلزم التزاحم في ناحية الحكم ببطلان التيممين.

ويرد على ما افاده امور :

الأول : ما افاده من ان الامر بالوضوء مترتب على الحيازة الخارجية.

غير تام ، بل هو مترتب على الوجدان المتحقق بالقدرة على الحيازة.

الثاني : ما ذكره من انه لا تزاحم بين قدرة كل منهما على الحيازة مع قدرة الآخر عليها ، وانما التزاحم في مقام فعلية الحيازة منهما خارجا.

مردود بأن المفروض ان المورد غير قابل لحيازتين ، بل هو صالح لاحداهما ومعه كيف يكون كل منهما قادرا عليها بلا تزاحم بين القدرتين.

الثالث : ما افاده من ان تزاحم الخطابين في ناحية الوضوء لا يستلزم التزاحم في ناحية الحكم ببطلان التيممين.

فانه يرد عليه ان بطلان التيمم وان لم يترتب على الامر بالوضوء الا انهما معا مترتبان على وجدان الماء وعليه فالتزاحم في ناحية الوضوء يلازم التزاحم في ناحية الحكم ببطلان التيمم.

والحق ان يقال انه بناءً على المختار في الواجب الكفائي من توجه

٤٠٥

التكليف إلى جميع آحاد المكلفين يكون الامر بالوضوء متوجها إلى كل منهما مقيدا بعدم سبق الآخر ، فلا محالة يبطل تيممهما.

واما ما افاده الأستاذ (١) من ان ذلك في فرض عدم سبق احدهما إلى الحيازة ، فإن كان نظره الشريف إلى صورة سبق احدهما إليها قبل توجه الآخر إليه ، فهو متين ولكنه خارج عن الفرض ، وان كان نظره إلى صورة توجه الخطاب اليهما ثم استباق احدهما إليه ، فلا يتم إذ الآن قبل الاستباق يبطل التيممان كما مر.

* * *

__________________

(١) في حاشيته على أجود التقريرات ج ١ ص ١٨٩ وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ٢٧٣ ، بتصرف.

٤٠٦

الفصل الحادي عشر

الواجب الموسع والمضيق

ينقسم الواجب باعتبار تحديد الامر به بزمان مخصوص ، وعدم تحديده به ، إلى موقت ، وغير موقت ، وينقسم الموقت باعتبار اوسعية الوقت المحدد له على ما يفي من الزمان باتيان الواجب فيه ، وكونه بمقدار زمان الواجب ، إلى مضيق ، وموسع ، كما ان غير الموقت ينقسم باعتبار تقيد الامر به باتيانه فورا ، وعلى فرض العصيان ، ففورا ، أو إلى الأبد ، وعدم تقيده به إلى فوري باقسامه ، وغير فوري ، ومحل الكلام في هذا الفصل ، هو الموسع والمضيق.

وربما يستشكل في وجود الواجب الموسع تارة ، وفى الواجب المضيق أخرى.

اما في الأول : فبانه يستلزم جواز ترك الواجب في اول الوقت والوجوب غير ملائم لجواز الترك.

والجواب عنه : ان المأمور به هو طبيعي الفعل الواقع في طبيعي الوقت المحدود بحدين ، وقد نظره بعض مشايخنا (١) بالحركة التوسطية وهو الكون بين المبدأ والمنتهى قال : فكما ان الكون المتوسط بالنسبة إلى الأكوان المتعاقبة الموافية

__________________

(١) والظاهر أنه المحقق الاصفهاني في نهاية الدراية ج ١ ص ٥٠٢ (الواجب الموسع).

٤٠٧

المحدود كالطبيعي بالنسبة إلى أفراده كذلك الفعل المتقيد بالوقت المحدود بالأول والآخر بالاضافة إلى كل فرد من الفعل المتقيد بقطعة من الزمان المحدود بحدين ، انتهى.

فالواجب لا يجوز تركه ، وما يجوز تركه ليس بواجب.

وبالجملة الوجوب متعلق بالجامع بين الأفراد الطولية فيكون المكلف مخيرا بينها ، كما في التخيير بين الأفراد العرضية.

واما في الثاني : فبان الانبعاث لا بد وان يتأخر عن البعث ولو آناً ما ، فلا بد من فرض زمان يسع البعث والانبعاث معا ، ولازم ذلك اوسعية زمان الوجوب عن زمان الواجب وعدم وجود المضيق.

والجواب عنه : ان تأخر الانبعاث عن البعث رتبي لا زماني وعليه فللعالم بالبعث ان ينبعث في اول زمان تحققه ، ولا يلزم التأخير عنه ، وهذا كله واضح لا يهمنا البحث فيه.

تبعية القضاء للأداء

انما المهم هو البحث في انه هل يجب الاتيان بالموقت في خارج وقته إذا فات في الوقت اختيارا أو لعذر ، أو انه يسقط بخروج الوقت ، ولو وجب فهو بأمر جديد.

والكلام فيه يقع في مقامين :

الأول : في مقام الثبوت.

٤٠٨

الثاني : في مقام الاثبات.

اما المقام الأول : فالصور المعقولة أربع :

احداها : ان يكون هناك مصلحتان ، احداهما : مترتبة على الفعل ، والثانية : مترتبة على ايقاعه في الوقت ، وبتبع ذلك يكون هناك امران ، احدهما : متعلق بالفعل ، والآخر : بايقاعه في الوقت.

ثانيتها : ان تكون المصلحة المترتبة على الفعل في الوقت واحدة ، والامر المتعلق به واحدا ولكن بعد مضى الوقت توجد مصلحة أخرى في الفعل موجبة للامر به في خارج الوقت.

ثالثتها : عين هذه الصورة مع كون المصلحة المترتبة عليه في خارج الوقت مرتبة ضعيفة من المترتبة على الفعل في الوقت.

رابعتها : كون المصلحة واحدة ، مع عدم المصلحة في الفعل في خارج الوقت اصلا.

وفى الصورة الأولى يكون القضاء واجبا بالامر الأول ، وفى الصورة الثانية والثالثة واجبا بامر جديد ، وفى الصورة الرابعة لا يجب.

واما المقام الثاني : فالكلام فيه يقع في موردين : تارة فيما يقتضيه الأصول العملية ، واخرى في مقتضى الادلة الاجتهادية.

اما الأصول ، فإن علم ان الواجب بنحو وحدة المطلوب ، لا تعدده ، ولكن شك في انه هل يجب القضاء لأجل حدوث مصلحة أخرى ام لا؟

لا سبيل إلى جريان الاستصحاب ، لانه ان اريد استصحاب شخص

٤٠٩

الوجوب الثابت له في الوقت فهو متيقن الارتفاع بتبع ارتفاع المصلحة.

وان اريد استصحاب بقاء الكلي فهو من قبيل القسم الثالث من اقسام الكلي والمختار عدم جريان الاستصحاب فيه كما حقق في محله.

واما إذا شك في انه بنحو تعدد المطلوب ، أو وحدته.

فقد يقال انه يجري الاستصحاب فيه لانه من قبيل القسم الثاني من اقسام استصحاب الكلي ، إذ لو كان بنحو تعدد المطلوب يكون الوجوب المتعلق بالفعل باقيا بعد الوقت ولو كان بنحو وحدة المطلوب كان امده آخر الوقت فيكون الحادث مرددا بين الطويل والقصير وعليه فيجرى الاستصحاب فيه.

وبذلك يظهر ان ما افاده المحقق الخراساني (١) :

ـ من انه لا مجال لاستصحاب وجوب الموقت بعد انقضاء الوقت وقضية اصالة البراءة عدم وجوبها في خارج الوقت ـ غير تام.

ولكن بما ان الحق عدم جريان الاستصحاب في الاحكام مطلقا لكونه محكوما لاستصحاب عدم الجعل فلا يجري هذا الأصل فيتعين الرجوع في جميع الموارد إلى اصالة البراءة.

واما المورد الثالث : وهو ما تقتضيه الادلة الاجتهادية ، فإن ورد امر بالمقيد ، فلا ظهور له ولا اطلاق في ثبوت الوجوب بعد الوقت ، بل ظاهره عدم بقائه ،

__________________

(١) كفاية الاصول ص ١٤٤ عند قوله : «وبالجملة التقيد بالوقت كما يكون بنحو وحدة المطلوب ..» الخ.

٤١٠

وان كان التوقيت بدليل منفصل.

فإن كان لدليل التوقيت اطلاق فلا محالة يقيد اطلاق الدليل الأول وتكون النتيجة ثبوت الوجوب للموقت مطلقا ، ولازم ذلك ارتفاعه بمضي الوقت.

وان لم يكن له اطلاق ، وكان لدليل الواجب اطلاق فقد قال المحقق الخراساني (١) ان قضية اطلاقه ثبوت الوجوب بعد انقضاء الوقت وكون التقييد به بحسب تمام المطلوب لا اصله.

وليس مراده ان المتيقن من القيد الثابت بدليل منفصل مجمل ، تقييد مرتبة من الطلب وهي مرتبة تأكده ، لا تقييد الطلب بجميع مراتبه ، وفى المراتب الأخر يؤخذ باطلاق دليل الواجب كما قيل.

فانه يرد عليه ان مدلول دليل الواجب ثبوت وجوب واحد بسيط وليس هو ذا مراتب ، وقد صرح بذلك المحقق الخراساني (ره) (٢) في مسألة ما إذا نسخ الوجوب وشك في الاستحباب وغيره فراجع.

بل مراده ان المتيقن من دليل التوقيت هو تقييد الإطلاق في صورة التمكن من اتيان العمل في الوقت ، اما العاجز فاطلاق الدليل بالنسبة إليه بلا مقيد فيؤخذ به ويثبت وجوب القضاء في حقه بالاطلاق ثم يلحق به المتمكن العاصي ، بضميمة عدم الفصل ، وهو حسن.

__________________

(١) كفاية الاصول ص ١٤٤.

(٢) راجع كفاية الاصول ص ١٣٩ ـ ١٤٠ (فصل : إذا نسخ الوجوب).

٤١١

وربما يفصل بين كون القرينة على التقييد متصلة وبين ما إذا كانت منفصلة ، فعلى الأول ان كانت القرينة بصورة القضية الشرطية ، فهي تدل على عدم وجوب إتيانه خارج الوقت بناءً على ثبوت المفهوم للقضية الشرطية ، وكذلك على القول بثبوت المفهوم للوصف وكانت القضية وصفية.

واما على ما هو الحق من عدم ثبوت المفهوم لها فهي لا تدل على عدم الوجوب ، ولا تدل على الوجوب أيضا ، إذ لا ينعقد للكلام ظهور الا في الوجوب في الوقت.

واما إذا كانت القرينة منفصلة فحيث انها لا توجب انقلاب ظهور الدليل الأول في الإطلاق إلى التقييد ، بل غاية ما هناك دلالته على انه مطلوب في الوقت أيضا ، فاطلاق الدليل الأول يدل على وجوبه في خارج الوقت أيضا.

وفيه : ان القرينة المنفصلة وان لم توجب انقلاب ظهور الدليل الأول في الإطلاق وليس من مقدمات الحكمة عدم البيان ولو منفصلا كما نسب إلى الشيخ الأعظم (ره) (١) الا انها مانعة عن حجية ظهوره في الإطلاق وتوجب تقييد مراد المولى.

وعليه فحيث ان ظاهر الامر بقيد في المأمور به كونه إرشادا إلى جزئيته أو شرطيته كما في بقية القيود غير الوقت فلا محالة تكون النتيجة ان الواجب هو الحصة الخاصة من الطبيعة وهي الواقعة في الوقت.

__________________

(١) وهو ظاهر كلامه في مطارح الانظار ص ٢١٨.

٤١٢

وهذا هو مراد المحقق النائيني (ره) (١) حيث قال في جواب هذا الوجه انه : ان ادعى ان ذلك هو مقتضى القاعدة في تمام التقييدات فهو سد لباب حمل المطلق على المقيد وان ادعى اختصاص ذلك بخصوص الزمان دون الزماني فهي دعوى بلا بينة ولا برهان مع وحدة الملاك في كلا المقامين وهو ظهور القيد في الركنية وتضييق دائرة المطلوب الأول.

ثم انه بقي الكلام في امور لا بد من التعرض لها.

الأول : ان ما افاده المحقق الخراساني واوضحناه لا يختص بالتقييد بالوقت ، بل يعم جميع القيود المأخوذة في الواجب بدليل منفصل ، فانه ان كان لدليل القيد اطلاق كما في الطهارة بالاضافة إلى الصلاة كان مقتضى القاعدة اختصاص وجوب الصلاة بصورة التمكن من الطهارة ، وان لم يكن له اطلاق كما في الطمأنينة في حال القيام فإن مدركه الإجماع ، والمتيقن منه صورة التمكن ففي فرض عدم التمكن لا بد من اتيان الصلاة قائما مع فقد هذا القيد.

الثاني : انه في موارد ثبوت وجوب القضاء كما في الصلوات اليومية والصوم والنذر المعين ، وقع الكلام في انه بعد قيام الدليل ، هل يكون التقييد بالوقت من قبيل تعدد المطلوب ، وكونه واجبا في واجب ، أو يكون من باب التقييد ولكن قيديته منه مقصورة بحال التمكن ، أو انه لا يكون هذا ولا ذاك بل يكون القضاء واجبا آخر مغايرا للواجب في الوقت ، ولهذا البحث اثران :

__________________

(١) أجود التقريرات ج ١ ص ١٩١ وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ٢٧٧ عند قوله واما في المنفصلة ..

٤١٣

احدهما : يظهر في التقييد بسائر القيود غير الزمان ، كالطهارة بالنسبة إلى الصلاة ، فانه لو كان من قبيل الأول كان اللازم هو حصول الامتثال بالنسبة إلى اصل الواجب لو ترك القيد عمدا أو بغير اختيار ، ولو كان من قبيل الثاني كان اللازم هو عدم حصول الامتثال لو تركه عمدا ، ولو كان من قبيل الثالث كان اللازم هو عدم حصول الامتثال لو تركه مطلقا.

ثانيهما : ما لو مضى الوقت وشك في اتيان المأمور به ولم يكن موردا لقاعدة الشك بعد الوقت كما في الصوم ، أو شك في صحة المأتي به وفساده مع محفوظية صورة العمل والشك في مطابقة العمل للواقع ، وعدم مطابقته له ، كما لو صلى إلى جهة معينة وشك في ان القبلة هي تلك الجهة أو غيرها ، أو توضأ بمائع شك في كونه ماء فانه لا يجري قاعدة الفراغ في هذا المورد فانه ان كان من قبيل تعدد المطلوب لا بد من البناء على وجوب الاتيان لاستصحاب بقاء الامر.

وبعبارة أخرى : ان التكليف المتعلق بها معلوم والشك انما هو في الامتثال وسقوط التكليف وفراغ الذمة عنه ، ومعلوم ان المعتمد حينئذ قاعدة الاشتغال ، وان كان القضاء بامر جديد لا محالة يكون ذلك التكليف المعلوم ساقطا قطعا بالعصيان أو الامتثال والشك انما هو في حدوث تكليف آخر فالمرجع هو اصالة البراءة.

ثم ان الظاهر كون القضاء بأمر جديد ، ولو لم يدل عنوان القضاء والفوت على ان الواجب في خارج الوقت مغاير لما وجب أولاً وان ما وجب أولاً قد فات وان هذا الواجب هو قضاء ذلك ، لما دل على بقاء الامر وكون التقييد

٤١٤

بنحو تعدد المطلوب وعليه ففي موارد الشك المومئ إليها يرجع إلى اصالة البراءة.

الثالث : انه بناءً على ان القضاء بامر جديد لو خرج الوقت وشك المكلف في الاتيان بالمأمور به في وقته فهل يمكن اثبات وجوب الاتيان به باستصحاب عدم الاتيان به ام لا؟ وجهان مبنيان :

على ان الفوت الذي علق عليه وجوب القضاء ، هل هو امر وجودي وهو خلو الوقت عن الواجب.

أو هو امر عدمي وعبارة عن عدم الاتيان به في الوقت.

فعلى الأول لا يجري الاستصحاب الا على القول بحجيته في مثبتاته.

وعلى الثاني يجري كما هو واضح.

والاظهر هو ان الفوت امر وجودي كما يظهر بالمراجعة إلى المتفاهم العرفي ، مثلا ، المتفاهم العرفي من قولنا فات شيء من زيد هو ذهاب شيء من كيسه لا الامر العدمي ، وعليه فلا يمكن اثبات وجوب القضاء بالاستصحاب.

وعلى فرض التنزل وتسليم الشك في ان الفوت امر وجودي ، ملازم لعدم الفعل في الوقت أو امر عدمي ، لا يجري الاستصحاب ، لانه لا يحرز ان رفع اليد عن المتيقن السابق من نقض اليقين بالشك ومعه يكون التمسك باطلاق دليله ، تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية ، هذا كله ما يقتضيه القاعدة.

ولكن المستفاد من الاخبار الخاصة في الصلاة كون الموضوع هو ترك الصلاة.

٤١٥

لاحظ صحيح زرارة وفضيل عن الإمام الباقر في حديث متى استيقنت أو شككت في وقتها انك لم تصلها ، أو في وقت فوتها انك لم تصلها صليتها ، (فإن) وان شككت بعد ما خرج وقت الفوت (فقد) وقد دخل حائل فلا إعادة عليك من شك حتى تستيقن فإن استيقنت فعليك ان تصليها في أي حالة كنت (١)

فإن متعلق اليقين في قوله وان استيقنت بقرينة ما تقدم ، ترك الصلاة ، وعدم الاتيان بها كان ذلك لعذر شرعي ام عقلي أو لا عن عذر فمقتضى الصحيح ان الموضوع هو الترك وعليه فلا مانع من اثبات وجوب القضاء بالاستصحاب.

* * *

__________________

(١) ما كان بين قوسين فهو في نسخة الكافي ج ٣ باب من نام عن الصلاة أو سها عنها ح ١٠ / الوسائل ج ٤ باب ٦٠ من ابواب المواقيت ح ٥١٦٨ ، وفي الطبعة القديمة ح ١.

٤١٦

الفصل الثاني عشر

الامر بالامر بفعل امر به

إذا امر بالامر بشيء كما في امر الشارع بأمر الأولياء الصبيان بالصلاة ، فهل هو امر بذلك الفعل مطلقا ، أو مع توسيط الامر الثاني.

أم لا يكون أمرا به ، وجوه :

وتنقيح القول في المقام انه بحسب الواقع ومقام الثبوت يتصور على وجوه :

الأول : ان يكون الغرض مترتبا على نفس الامر الثاني بدون ان يكون غرض للمولى في الفعل.

الثاني : ان يكون الغرض مترتبا على الفعل من دون دخل لتوسيط الامر الثاني فيه.

الثالث : ان يكون الغرض مترتبا على الفعل في صورة توسيط الامر.

فعلى الأول ، لا يكون الامر بالامر بشيء أمرا بذلك الشيء.

وعلى الأخيرين يكون أمرا به ، غاية الامر على الأول منهما لا موضوعية للامر ، وعلى الثاني منهما له موضوعية في ذلك هذا بحسب مقام الثبوت.

اما ما يقتضيه ظواهر الادلة ـ فهو الوجه الاخير ـ وذلك : لانه يدفع الوجه الثاني ، وهو كون الامر الذي تعلق به الامر مأخوذا على نحو الطريقية

٤١٧

المحضة بحيث لا دخل له في المصلحة والفرض أصلا.

ظهور الامر بالامر : إذ لو كان كذلك كان يأمر بالتبليغ لا بالامر ، فمقتضى مدلوله المطابقي نفي هذا الوجه.

فما استظهره المحقق النائيني (ره) (١) من الادلة ، من أخذه طريقيا ، غير صحيح.

وما أيد به الأستاذ الأعظم (قدِّس سره) (٢) ذلك ، من ان هذا العرف ببابك فراجع ألا ترى انه لو امر المولى احد عبيده ان يأمر الآخر باشتراء اللحم لا يشك احد في كونه امرا باشتراء اللحم ويجب على المأمور الثاني الاشتراء وان لم يتوسط الامر.

يرد عليه ، انه في امثال هذا المورد انما يحرز من الخارج كون الغرض مترتبا على الفعل فقط ، فهي غير مربوطة بالمقام.

ويدفع الوجه الأول : ان الظاهر من الامر الذي امر به كما في سائر موارد استعماله إرادة البعث الجدي منه لا الامر الصوري فقط ، وعلى ذلك فمقتضى الظهور تعين الوجه الثاني.

فالظاهر من الادلة كون الامر بالامر بشيء امرا به مشروطا بما إذا امر المأمور الأول.

__________________

(١) اجود التقريرات ج ١ ص ٢٠٩ ، وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ٣٠٣.

(٢) محاضرات في الاصول ج ٤ ص ٧٥.

٤١٨

اللهم الا ان يثبت عدم ترتب غرض على توسيط الامر الأول ، فحينئذ يكون امرا به مطلقا هذا ما يقتضيه الادلة الاجتهادية.

ولو لم يظهر من الادلة شيء من هذه الاحتمالات فلا بد من الرجوع إلى الأصل العملي وهو يقتضي الوجه الاخير ، لو دار الامر بين الوجهين الأخيرين.

واما مع احتمال الوجه الأول ، فهو مقتضى الأصل ، كل ذلك مما يقتضيه اصالة البراءة.

ويظهر ثمرة هذا البحث في شرعية عبادات الصبي وعدمها ، وقد أشبعنا الكلام في ذلك في الجزء الثامن من فقه الصادق في كتاب الحج (١).

* * *

__________________

(١) تعرض سماحته لعبادات الصبي في غير مورد من فقه الصادق منها ج ٢ ص ٤٥١ ، وج ٤ ص ٧٦ ، وج ٩ من الطبعة الثالثة من كتاب الحج ص ٣٦٢ (حقيقة النيابة وشروطها).

٤١٩

الفصل الثالث عشر

الامر بشيء بعد الامر به

إذا ورد امر بشيء بعد الامر به قبل امتثاله ، فهل يوجب تكرار ذلك الشيء ، أو تأكيد الامر الأول ، وجهان :

الأظهر هو حمل الامر على التأكيد وذلك لوجهين :

الأول : ان ظاهر المادة هو ذلك إذ الطبيعة الواحدة لا يتعلق بها الامر تأسيسا مرتين ، ولا يعارض ذلك ظاهر الهيئة ، فإن ما قيل من ظهورها في التأسيس في نفسه ـ ممنوع ـ بناءً على المختار في الإنشاء من انه إبراز للامر النفساني لا إيجاد لشيء كما تقدم.

نعم ، إرادة التأكيد خلاف مقتضى البلاغة إذا لم يكن لنكتة مقتضية لذلك.

الثاني : ان حمل الامر على التأسيس يستلزم تقييد اطلاق المادة الواقعة في حيز الخطاب الأول بفرد وتقييد المادة الواقعة في حيز الخطاب الثاني بفرد آخر ، إذ كما ان الطلب مرتين لا يتعلق بصرف وجود الطبيعة كذلك لا يتعلق احدهما بصرف الوجود والآخر بالفرد بل لا بد من تقييد كلا المتعلقين ، وعليه فلو سلم كون حمل الامر على التأكيد خلاف الظاهر فليس بحد يصلح للمقاومة مع هذين الظهورين.

٤٢٠