زبدة الأصول - ج ٢

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني

زبدة الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيد محمّد صادق الحسيني الروحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أنوار الهدى
المطبعة: وفا
الطبعة: ٣
ISBN: 964-8812-35-7
ISBN الدورة:
964-8812-39-X

الصفحات: ٤٢٦

١
٢

٣
٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، وافضل صلواته على اشرف الخلائق اجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين لا سيما بقية الله في الارضين الامام المهدي ارواح من سواه فداه ، واللعن على اعدائهم اجمعين.

وبعد فهذا هو الجزء الثاني من كتابنا زبدة الاصول في طبعته الثانية ، وفقنا الله لطبعه ونشره في حلة جديدة والله وليُّ التوفيق.

٥

الفصل الثالث

من

المقصد الأول

من

مقاصد علم الاصول

الإجزاء

٦

الفصل الثالث (١)

في مبحث الاجزاء

ان الاتيان بالمأمور به على وجهه ، هل يقتضي الاجزاء ، ام لا؟ ام هناك تفصيل؟ وجوه :

وقبل الخوض في المقصود وتنقيح القول فيه لا بد من تقديم امور :

الأول : ما هو المراد من كلمة وجهه في العنوان؟

ذكر المحقق الخراساني في الكفاية (٢) ان المراد به ، هو النهج الذي ينبغى ان يؤتى به على ذاك النهج شرعا وعقلا ، لا خصوص الكيفية المعتبرة في المأمور به شرعا.

واستدل له بوجهين :

احدهما : انه لو كان المراد خصوص الوجه الشرعي ، لزم خروج التعبديات عن حريم النزاع بناءً على كون قصد القربة من كيفيات الاطاعة عقلا : إذ لا ريب في انه في التعبديات لا يكون الاتيان بالمأمور به الشرعي مجزيا.

__________________

(١) الفصل الثالث من المقصد الأول (في الاوامر).

(٢) كفاية الأصول ص ٨١ (الفصل الثالث .. أحدهما).

٧

الثاني : انه على ذلك يلزم كون هذا القيد توضيحيا ، وهو بعيد (١).

وفيهما نظر :

اما الأول : فلان لازم ما اختاره من ان اعتبار قصد القربة في التعبديات انما هو بحكم العقل ، ان المأمور به ليس هو مطلق وجوده ، بل الحصة المقارنة لقيد الدعوة ، فالمأمور به تلك الحصة ، وإتيان تلك الحصة يكون مجزيا على القول بالاجزاء ، فلا يلزم خروجها عن حريم النزاع ، لو اريد خصوص الكيفية المعتبرة في المأمور به شرعا.

واما الثاني : فلانه من جهة ان الامر بالمركب ينبسط على الاجزاء ويتعلق بكل جزء حصة من الامر ، ويكون كل جزء مامورا به ، ولو لم يكن قيد" على وجهه" كان لتوهم ان المراد من اجزاء الاتيان بالمأمور به ، اجزاء الاتيان بكل جزء عن امره ، مجال واسع ، فقيد" على وجهه" انما يكون لدفع هذا التوهم ، وان المراد اجزاء الاتيان بالمأمور به على النهج الذي ينبغى ان يؤتى به ، باتيان جميع الاجزاء والشرائط.

اضف إليه ان هذا القيد مأخوذ فيما عنونه المشهور القائلون باعتبار قصد القربة في المأمور به شرعا. فلو كان القيد توضيحيا. بدون تلك الاضافة كان كذلك معها.

فالمتحصل ان المراد من وجهه في العنوان هو الوجه المعتبر شرعا ولا يلزم

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٨١.

٨

من ذلك محذور حتى على مسلك المحقق الخراساني من ان قصد القربة مما يعتبر في المأمور به عقلا كما مر.

بيان المراد من الاقتضاء ، والاجزاء

الثاني : ما هو المراد من الاقتضاء؟ هل هو الاقتضاء بنحو العلية والتاثير؟ أو الكشف والدلالة؟

والحق ان الاقتضاء ان اضيف إلى الاتيان كما في الكفاية (١) لا محالة يكون المراد منه العلية والتاثير.

وان اضيف إلى الامر يراد منه الدلالة والكشف إذ ليس في الامر علية وتأثير في الاجزاء.

والمحقق القمى حفظا لمناسبة هذا المبحث مع المباحث المتقدمة اضافه إلى الامر وقال ان المراد منه الدلالة والكشف (٢).

والمحقق الخراساني لما رأى ان محل النزاع هو العلية والتاثير وان اتيان المأمور

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٨١ (ثانيها).

(٢) قوانين الأصول ج ١ ص ١٣٠ (الثانية) كون الأمر مقتضياً للاجزاء : هو إذا اتى به المكلف على ما هو مقتضي الأمر والمفهوم منه مستجمعاً لشرائطه المستفادة له من الشرع بحسب فهمه وعلى مقتضى تكليفه كما عرفت.

٩

به يوجب سقوط الامر ام لا؟ اضافه إلى الاتيان وقال : ان المراد من الاقتضاء هاهنا الاقتضاء بنحو العلية والتاثير لا بنحو الكشف والدلالة (١).

وللمحقق الأصفهاني (ره) (٢) في المقام كلام ، وهو ان الاتيان بالمأمور به لا يكون علة لسقوط الامر : إذ سقوط الامر انما يكون لحصول الغرض وعدم بقائه على غرضيته ودعوته والمعلول ينعدم بانعدام علته ، والا الفعل لا يعقل ان يؤثر في سقوط الامر : لان الامر علة لوجود الفعل في الخارج فلو كان الفعل علة لسقوط الامر لزم علية الشيء لعدم نفسه بل سقوط الامر انما هو لتمامية اقتضائه وانتهاء امده.

وفيه أولاً : ان العلة والداعى لوجود الفعل ، هو الامر بوجوده العلمي ، وما هو معلول لحصول المأمور به سقوط الامر بوجوده الواقعي فليس وجود شيء علة لعدمه بل العلم بالامر علة لعدم الامر.

وثانياً : ان المستحيل كون وجود الشيء علة لعدم هذا الوجود ، لاستلزامه اجتماع النقيضين : إذ العلة والمعلول مجتمعان في التحقق فيلزم كون الشيء موجودا ومعدوما في آن واحد وهو محال.

واما علية وجود الشيء لعدم ذلك الشيء في الآن الثاني.

وبعبارة أخرى عليّة الحدوث لعدم البقاء فلا محذور فيها ، بل هي متحققة ، مثلا : إذا اتصل بدنه بالسلك الكهربائي مع وجود القوة فيه وتحرك ، ولزم من

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٨١ (ثانياً).

(٢) نهاية الدراية ج ١ ص ٢٥٩.

١٠

هذا التحرك الانفصال ، فهل يتوهم احد ان هذا من قبيل علية الشيء لعدم نفسه فإن الاتصال صار علة لعدمه ، والمقام من هذا القبيل إذ وجود الامر في الآن الأول : علة وداع لوجود الفعل ، وهو يوجب سقوطه في الزمان الثاني فتدبر.

واورد المحقق الخراساني (١) على ما افاده من ان النزاع في العلية والتاثير : بأن ذلك يتم بالنسبة إلى امره ، واما بالنسبة إلى امر آخر كالاتيان بالمأمور به بالامر الاضطراري أو الظاهرى بالنسبة إلى الامر الواقعي ، فالنزاع في الحقيقة في دلالة دليلهما على اعتباره بنحو يفيد الاجزاء أو بنحو آخر لا يفيده.

وأجاب عنه ـ بما حاصله ـ ان النزاع الآخر يكون منحلا إلى نزاعين

احدهما : وفاء المأمور به بالامر الاضطراري أو الظاهرى بتمام الغرض الداعي إلى الامر والواقعي الاختياري.

الثاني : انه بعد الوفاء ، هل يكون مجزيا عن الامر الواقعي ام لا؟

والنزاع الأول يكون صغرويا بالنسبة إلى النزاع الثاني ، وعليه فالخلاف فيه وان كان في دلالة دليلهما على انه ، هل يكون المأمور به الاضطراري أو الظاهرى وافيا به ام لا؟ الا ان ذلك لا يوجب كون الاقتضاء بمعنى الكشف والدلالة في العنوان بعد كون النزاع الثاني : انما هو في العلية والتاثير (٢).

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٨١ (ثانيها .. ان قلت).

(٢) كفاية الأصول ص ٨٢ (ثانيها ... قلت).

١١

هذا ويمكن ان يقال ان النزاع الأول أيضا ليس في دلالة الدليل على كون المأمور به وافيا بتمام الغرض الداعي إلى الامر الواقعي ، بل في اشتمال المأمور به عليه ، غاية الامر من جملة الادلة على الاشتمال المزبور ، دلالة الادلة. كما هو الشأن في جملة من المباحث الاصولية العقلية كالاستصحاب.

الثالث : في بيان المراد من الاجزاء ، فالظاهر كما افاده المحقق الخراساني (١) من انه ليس لهم فيه اصطلاح خاص ، بل المراد منه هو الكفاية التي هي معناه اللغوى ، وانما يختلف ما يكفي عنه ، فاجزاء الاتيان بالمأمور به عن امره هو كفايته عما امر به اعادة وقضاءً ، وإجزاء الاتيان بالمأمور به الاضطراري عن الامر الاختياري انما هو سقوط القضاء خاصة.

الفرق بين هذه المسألة ، ومسألة المرة والتكرار

الرابع : قد يتوهم ، انه لا فرق بين هذه المسألة ، ومسألة المرة والتكرار ، بدعوى ان القول بالاجزاء موافق للقول بالمرة ، والقول بعدم الاجزاء موافق للقول بالتكرار.

كما انه قد يتوهم عدم الفرق بينها وبين مسألة تبعية القضاء للاداء ، فإن القائل بالتبعية يلتزم ببقاء الامر في خارج الوقت عند عدم الامتثال وهو متحد في النتيجة مع القول بعدم الأجزاء.

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٨٢ (ثالثها).

١٢

ولكن كلا التوهمين فاسدان.

اما الأول : فلما افاده المحقق الخراساني من ان تلك المسألة انما هي في تعيين المأمور به ، وهذه المسألة في ان الاتيان بالمأمور به بحدوده هل يكون مسقطا للامر ام لا؟

هذا في النزاع في اجزاء الاتيان بالمأمور به عن امره ، واما النزاع الآخر الذي هو المقصود المهم في عقد هذه المسألة ، وهو ان الاتيان بالمأمور به الاضطرارى أو الظاهرى ، هل بكون مجزيا عن الامر الواقعي الاختياري ام لا فعدم ارتباط تلك المسألة بهذه واضح : إذ النزاع حينئذ في هذه المسألة في اغناء المأمور به بامر عن المأمور به بامر آخر ، واما في تلك المسألة ، فالنزاع انما هو في الاكتفاء بفرد واحد وعدمه.

واما الثاني : فظاهر ما في الكفاية في بادئ النظر ، ان الفرق بين المسألتين ، انما هو بكون احداهما لفظية ، والاخرى عقلية.

ولكن ليس ذلك مراده قطعا : فإن مجرد ذلك لا يوجب عقد مسألتين ، بل عقد مسألة واحدة يبحث فيها عن الجهتين معا ، كما في مبحث البراءة ، ولعل نظره الشريف إلى ان النزاع في المقام اجنبي ، عن النزاع في تلك المسألة بالمرة.

وذلك واضح في النزاع الأول في المقام ، حيث ان النزاع حينئذ في ان الاتيان بالمأمور به ، هل يوجب سقوط الامر به أداء وقضاءً ام لا؟

وفي تلك المسألة في انه على فرض عدم الاتيان بالمأمور به هل الامر به يقتضي الاتيان به قضاء ام لا؟

١٣

فموضوع احدى المسألتين الاتيان ، وموضوع الاخرى عدم الاتيان.

واما النزاع الثاني : في مسألة الاجزاء. فالظاهر ان الفرق بين تلك مسألة وبين مسألة التبعية أيضا واضح ، فإن الكلام في مسألة التبعية انما هو في اصل اقتضاء الامر للقضاء وعدمه والكلام في مسألة الاجزاء ، بعد الفراغ عن اقتضائه له أو ثبوت وجوبه بدليل آخر انما يكون في ان الاتيان بالمأمور به بالامر الظاهرى أو الاضطراري هل يغنى عن قضاء المأمور به بالامر الواقعي الاختياري ام لا؟

وبعد ذلك نقول يقع الكلام في مسائل ثلاث :

الأولى : ان الاتيان بالمأمور به هل يقتضي الاجزاء عن امره سواء كان ذلك الامر امرا واقعيا أو اضطراريا أو ظاهريا.

الثانية : ان الاتيان بالمأمور به بالامر بالاضطراري هل يقتضي الاجزاء عن الامر الواقعي الاختياري ام لا؟

الثالثة : ان الاتيان بالمأمور به بالامر الظاهرى هل يوجب الاجزاء عن الامر الواقعي ام لا؟

اجزاء الاتيان بالمأمور به عن امره

اما المسألة الأولى : فقد افاد المحقق الخراساني (ره) (١) ان الاتيان بالمأمور به

__________________

(١) كفاية الأصول ص ٨٣ (الأول).

١٤

يجزى عن امره عقلا سواء أكان امرا واقعيا أو اضطراريا ام ظاهريا لاستقلال العقل بذلك.

وهو كما افاده ، ولذلك ليس فيه نزاع يعتد به وان نسب الخلاف إلى ابى هاشم وعبد الجبار (١).

والوجه فيه ان الامر انما يكون ، عن داع ، وعن مصلحة مترتبة على المأمور به ، وعلى ذلك ، فعدم سقوط الامر بعد الاتيان بالمأمور به ، ان كان لعدم حصول الغرض والمصلحة ، فهو خلف إذ المفروض وفائه به ، وكون الامر ناشئا من ذلك ، وان كان مع فرض حصوله ، فهو محال.

وان كان لوجود غرض غير الغرض الحاصل من المأتي به أولاً ، فلازمه الامر بفردين لا بفرد واحد.

وان كان لحدوث غرض بعد استيفاء ذلك الغرض ، فلازمه حدوث امر جديد لا بقاء الأول : فبقاء الامر بعد وجود المأمور به غير معقول ، ووجود الخلاف في المسألة غير ثابت وعلى تقديره فهو محجوج بما عرفت.

عدم جواز تبديل الامتثال بامتثال آخر

وبهذا البيان يظهر ان الامتثال عقيب الامتثال غير معقول ، ولكن قد يتوهم

__________________

(١) كما عن حواشي المشكيني ج ٢ ص ٢٢٦.

١٥

وقوعه نظرا إلى انه ورد في الشرع موردين امر فيهما بذلك.

احدهما : جواز اعادة من صل فرادى جماعة.

وقد دلت على ذلك عدة روايات :

منها صحيح هشام عن الامام الصادق (ع) انه قال في الرجل يصلي الصلاة وحده ثم يجد جماعة قال (ع) يصلي معهم ويجعلها الفريضة ان شاء (١) ونحوه خبر حفص (٢) غيره.

ومنها : مرسل الفقيه ، المتضمن قوله (ع) يحسب له افضلهما وأتمهما (٣)

ومنها خبر ابى بصير : المتضمن لقوله (ع) يختار الله احبهما إليه (٤)

المورد الثاني : الامر باعادة من صلى صلاة الآيات ثانيا :

وقد دلت عليه صحيحة معاوية قال أبو عبد الله (ع) صلاة الكسوف إذا فرغت قبل ان ينجلى فاعد (٥) ونحوه غيره ولذلك تصدى الفقهاء لتوجيهه.

وقد افاد المحقق الخراساني (٦) بانه ربما يكون اتيان المأمور به علة تامة لحصول

__________________

(١) الوسائل باب ٥٤ من ابواب صلاة الجماعة حديث ١.

(٢) الوسائل باب ٥٤ من ابواب صلاة الجماعة حديث ١١.

(٣) الوسائل باب ٥٤ من ابواب صلاة الجماعة حديث ٤.

(٤) الوسائل باب ٥٤ من ابواب صلاة الجماعة حديث ١٠.

(٥) الوسائل باب ٨ من ابواب صلاة الكسوف والآيات حديث ١.

(٦) كفاية الأصول ص ٨٣

١٦

الغرض بحيث يحصل بمجرد الاتيان به كما إذا امر باهراق الماء في فمه لرفع عطشه فاهرقه ، وفي مثله لا يعقل تبديل الامتثال ، وربما لا يكون الامتثال علة تامة لحصول الغرض ، كما لو امر المولى باتيان الماء ليشربه وأتى به المكلف ولم يشربه بعد ، وفي مثله يجوز تبديل الامتثال فإن الامر بحقيقته وملاكه لم يسقط بعد ، ولذا لو اهرق الماء واطلع عليه العبد وجب عليه الاتيان ثانيا كما إذا لم يأت به أولاً ضرورة بقاء طلبه ، ما لم يحصل غرضه الداعي إليه والا لما اوجب حدوثه فحينئذ يكون له الاتيان بماء آخر موافق للامر كما كان له قبل اتيانه الأول. بدلا عنه ، فتبديل الامتثال على هذا يسقط المأتي به حقيقة ، ويظهر ذلك بملاحظة ما لو اهرق الماء قبل الشرب وأتى بماء آخر.

وفي كلامه (قدِّس سره) مواقع للنظر.

الأول : ما افاده من ان ترتب الغرض الباعث للامر على اتيان المأمور به انما يكون على نحوين :

احدهما : ترتب المعلول على علته التامة.

ثانيهما : ترتب المعلول على علته المعدة ، والالتزام بجواز تبديل الامتثال في القسم الثاني.

فانه يرد عليه ما ذكرناه في بعض المباحث السابقة من ان الغرض الباعث للامر لا بد وان يكون هو ما يترتب على المأمور به ترتب المعلول على علته التامة ، ولا يعقل ان يكون من قبيل ترتب المعلول على علته المعدة ، غاية الامر الاغراض متفاوته : إذ قد يكون هو الغرض الاقصى وقد يكون هو الغرض الاعدادي.

١٧

وبعبارة أخرى تارة يكون الغرض المترتب على المأمور به ، هو حصول شيء الخارج واخرى يكون الاعداد لحصوله.

نعم في المورد الثاني يكون هناك غرض اقصى ، ولكنه كما لا يكون سببا وداعيا للامر حدوثا ، لا يكون عدم حصوله وبقائه علة لبقاء الامر كي يصح تبديل الامتثال.

وبالجملة : الغرض الذي سبب للامر يحصل بمجرد الامتثال مطلقا ، وما يكون باقيا في بعض الموارد بعد الامتثال لا يصلح ان يكون سببا له حدوثا ولا بقاءً.

وبما ذكرناه ظهر ما في المثال الذي مثل به لما إذا لم يكن اتيان المأمور به علة لسقوط الغرض ، وهو الامر باحضار الماء ليشربه أو يتوضأ به : إذ الغرض من اتيان الماء الموجب للامر به ليس هو الشرب أو الوضوء : فانه خارج عن تحت قدرة العبد ، بل هو تمكن المولى من ذلك ، وعليه فالاتيان به موجب لسقوط الغرض والامتثال علة له.

الثاني : ما استشهد لذلك بانه لو اهرق الماء وجب عليه اتيانه ثانيا.

إذ يرد عليه : ان ذلك انما هو لأجل انتفاء الغرض الحاصل ، وهو التمكن من الشرب أو الوضوء فيجب الاتيان به تحصيلا لذلك الغرض. إذا كان ذلك مطلوبا له ومتعلقا لشوقه كما في المثال.

وبعبارة أخرى ان اعدام الموضوع ، غير سقوط المأتي به ، بل هو موجب لحدوث امر آخر ، وله امتثال آخر غير الامتثال للامر الأول : فهو من باب تعدد

١٨

الامتثال لتعدد الامر لا من باب تبديل الامتثال.

اضف إلى ذلك انه في باب العبادات لا موضوع للمأتى به كي يعدم الموضوع فيتخيل سقوط المأتي به ، والماتى به بنفسه لا بقاء له كي ينعدم وقلبه عما وقع عليه واضح الفساد ، وبالجملة سقوط المأتي به مستلزم لانقلاب الشيء عما وقع عليه ، وهو غير معقول.

الثالث : ما ذكره من الاستشهاد بنصوص الإعادة : فانه يرد عليه انه لو كان مفاد تلك النصوص جواز تبديل الامتثال ، لزم القول بجواز اعادة المنفرد صلاته فرادى ، وجواز اعادة من صلى جماعة فرادى مع انه لم يلتزم به احد.

وبعبارة أخرى إذا استكشف من تلك الاخبار ، ان مصلحة الصلاة والغرض الباعث للامر بها تكون باقية بعد الاتيان بها ـ وعليه بنى جواز تبديل الامتثال ـ لزم الالتزام به في جميع تلك الفروض.

اضف إليه ان لازمه ان من يعلم بانه يعيد صلاته في مورد جواز الاعادة وهو مورد النصوص ، ان لا يقصد الامر الجزمى بشيء من الصلاتين ، أو الصلاة الفرادى. على الخلاف في ان المستفاد منها ان الله تعالى يختار الافضل وان كانت هي الصلاة الفرادى أو استقرار الامتثال على الصلاة التي صلاها جماعة ، وهو كما ترى.

وسيمر عليك ان مفاد تلكم الاخبار اجنبي عن تبديل الامتثال وانه تدل على استحباب الاعادة نفسها.

والمحقق النائيني بعد ما قسّم الغرض الباعث للامر إلى قسمين :

١٩

ما يكون ترتبه على المأمور به ترتب المعلول على علته التامة.

وما يكون ترتبه عليه ترتب المعلول على علته المعدة وأفاد انه في مقام الثبوت يجوز تبديل الامتثال في القسم الثاني نحو ما ذكره المحقق الخراساني قال انه يحتاج إلى الدليل في مقام الاثبات كما ثبت في تبديل الصلاة الفرادى بالصلاة جماعة (١).

يرد عليه مضافا إلى ما اوردناه على ما افاده المحقق الخراساني ، ان لازم ما ذكره في مبحث الصحيح والاعم من انه يستكشف من تعلق الامر بالمحصل دون الغرض ، ان ترتبه عليه ، انما يكون من قبيل ترتب المعلول على علته المعدة ، لا كترتب المعلول على علته التامة ، الا تعين الامر به دون السبب.

وما ذكره في المقام. هو البناء على ان جواز التبديل في مقام الاثبات أيضا يكون على القاعدة ، إذ بما ذكره في ذلك المبحث يحرز ان ترتب الاغراض على الواجبات الشرعية من قبيل ترتب المعاليل على العلل المعدة. وإذا انضم إلى ما ذكره في المقام من انه لو كان الترتب على هذه النحو جاز التبديل يستنتج جواز التبديل فتدبر فإن ذلك دقيق.

وأفاد المحقق العراقي (٢) في توجيه تبديل الامتثال ، ان الامر بالشىء اما ان

__________________

(١) أجود التقريرات ج ١ ص ١٩٤ (الفصل الثالث في الاتيان بالمأمور به على وجهه هل يقتضي الاجزاء ام لا؟) بتصرف. وفي الطبعة الجديدة ج ١ ص ٢٨٢.

(٢) مقالات الأصول ج ١ ص ٢٦٥ (المقام الأول في اجتزاء كل أمر واقعيا أم ظاهرياً اختياريا أم اضطراريا عن نفسه.

٢٠